كلمة التقوى المجلد 6

اشارة

سرشناسه : زین الدین، محمد امین، 1914 - 1998م.

عنوان و نام پديدآور : کلمه التقوی/ المولف فتاوی المرجع الدینی محمدامین زین الدین دام ظله.

مشخصات نشر : قم: موسسه اسماعیلیان، 14ق. = 13.

مشخصات ظاهری : ج.

شابک : 1500ریال (ج.3) ؛ 1500 ریال (ج. 5)

يادداشت : فهرستنویسی براساس جلد سوم، 1413ق. = 1371.

يادداشت : کتاب حاضر در همین سال توسط چاپخانه مهر نیز منتشر شده است.

يادداشت : عربی.

يادداشت : ج. 5 (چاپ اول: 1413ق. = 1371).

مندرجات : ج. 3. کتاب الحج. بخش دوم.- ج. 5. کتاب الشفعه

موضوع : فقه جعفری -- رساله عملیه

رده بندی کنگره : BP183/9/ز9ک 8 1371

رده بندی دیویی : 297/3422

شماره کتابشناسی ملی : م 71-5360

المعاملات

كتاب الدين

اشارة

و فيه ثلاثة فصول:

الفصل الأول في أحكام الدين

المسألة الأولى:

الدين هو مال تشتغل به ذمة إنسان لإنسان آخر، لأحد الأسباب التي توجب ذلك، كاقتراض مال يبقى عوضه في ذمة المقترض، و ابتياع شي ء يكون ثمنه في ذمة المشتري، و بيع شي ء موصوف مؤجل إلى أجل في ذمة البائع كما في بيع السلف، و كالتزويج بامرأة يؤجل صداقها في ذمة الزوج، و استئجار عين أو أجير يبقى بدل إجارته في ذمة المستأجر، و فدية خلع أو مبارأة تبقى في ذمة المرأة المختلعة، و ضمان مال بسبب إتلاف أو عيب أو غير ذلك من موجبات الضمان، و نحو ذلك من أسباب اشتغال ذمة الإنسان بالمال، و هذا هو الدين الذي يبحث عنه و عن أحكامه في كتاب الدين.

و يطلق الدين أيضا على ما تشتغل به ذمة الإنسان من الأموال و الحقوق لجهة عامة أو جهة خاصة، كالزكاة و الخمس و الكفارات و النذور، و أشباهها، و هي ديون خاصة يبحث عنها و عن أحكامها في مواضعها المختصة بها من فقه الشريعة و لا تدخل في مباحث هذا الكتاب.

المسألة الثانية:

الدين اما حال، و هو الذي حان وقت وفائه، و لذلك فيجوز لمالك الدين أن يطالب المدين به، و يجب على المدين أداؤه إذا طالبه الدائن به، و كان المدين موسرا متمكنا من الوفاء، و اما مؤجل، و هو الذي ضرب له أجل مسمى، و لذلك فلا يحق لمالك الدين أن يطالب المدين به،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 6

و لا يجب على المدين أن يؤديه إلا بعد حضور أجله، سواء كان التأجيل باشتراط المتداينين أو باشتراط أحدهما، أم كان بحكم الشارع بذلك، كما في أقساط الدية التي تبين في كتاب الديات.

المسألة الثالثة:

إذا حان أجل الدين أو كان الدين بنفسه حالا غير مؤجل، و أراد المدين دفعه لصاحبه ليفرغ ذمته منه، وجب على صاحب الدين أن يأخذه منه، و لا يجوز له الامتناع بغير عذر يسوغ له ذلك.

المسألة الرابعة:

إذا كان الدين مؤجلا و لم يحضر وقت أدائه، و أراد المدين تعجيل وفائه قبل حلول الأجل، فالظاهر انه يجب على الدائن أن يقبل ذلك منه، الا أن تكون في تعجيل الوفاء منة لا يتحملها الدائن، أو تدل قرائن خاصة على أن تأجيل الدين في المقام حق من حقوق الدائن كما هو حق من حقوق المدين، و قد ذكرنا هذا في المسألة الثلاثمائة من كتاب التجارة.

المسألة الخامسة:

إذا حضر أجل الدين و دفعه المدين، و امتنع الدائن من قبضه من غير عذر يسوغ له ذلك، جاز للحاكم الشرعي أن يجبره على القبض إذا طلب المدين من الحاكم ذلك، و إذا تعذر إجباره على القبض رفع المدين أمره الى الحاكم و أمر الحاكم المدين أن يحضر المال و يمكن الدائن منه بحيث يكون مستوليا عليه و في قبضته في نظر أهل العرف، فإذا حصل ذلك بأمر الحاكم و بمراجعته، برئت ذمة المدين من الدين، و إذا ترك المدين المال كذلك و انصرف، فلا ضمان عليه إذا تلف المال أو حدث فيه عيب، فهو من مال الدائن.

و إذا لم يمكن ذلك جاز للمدين أن يدفع المال الى الحاكم، فإذا قبل الحاكم ذلك منه و قبض المال أو أمر بقبضه برئت ذمة المدين، و يشكل الحكم بوجوب قبول الحاكم للمال إذا دفعه المدين اليه.

و كذلك الحكم إذا حضر أجل الدين و كان صاحبه غائبا لا يمكن إيصال المال اليه، فإذا أراد المدين براءة ذمته دفع المال الى الحاكم،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 7

فإذا قبله منه و قبضه برئت ذمته، و يشكل الحكم بوجوب قبول الحاكم للمال كما في الفرض المتقدم.

المسألة السادسة:

يجوز للإنسان أن يتبرع بوفاء الدين عن غيره، سواء كان المدين المتبرع عنه حيا أم ميتا، و سواء كان التبرع و الوفاء باذن المدين أم بغير اذنه، بل الظاهر جواز ذلك و ان لم يرض المدين بتبرعه عنه، و إذا وفى المتبرع عنه برئت ذمة المدين في جميع هذه الفروض، و وجب على الدائن قبول الوفاء منه.

المسألة السابعة:

إذا قصد المتبرع بتبرعه في أداء الدين المنة على المدين، أو قصد إهانته و إذلاله بذلك أشكل تناول الأدلة له، فلا تجري الأحكام المذكورة في المسألة السابقة مع قصد أحدهما.

المسألة الثامنة:

إذا عين المدين الدين في مال مخصوص لم يتعين بذلك و لم يصبح ملكا للدائن حتى يقبضه الدائن وفاء عما يستحقه في ذمة المدين، و يستثنى من هذا الحكم ما ذكرناه في المسألة الخامسة، و نتيجة لذلك فإذا كان الرجل مدينا لأحد خمسة دنانير مثلا، و أخرجها من ماله ليدفعها اليه، ثم تلفت قبل أن تصل إلى الدائن، لم تبرأ ذمة المدين من دينه و كان التلف من مال المدين، و كذلك إذا دفعها الى وكيله ليوصلها إلى الدائن، فتلفت في يد الوكيل قبل أن يوصلها، و إذا دفعها الى وكيل الدائن المفوض منه في قبض الدين و تلفت في يد هذا الوكيل برئت ذمة المدين.

المسألة التاسعة:

إذا مات الشخص المديون حلت بموته ديونه التي في ذمته و ان كانت مؤجلة و كان موته قبل حلول أجلها، و إذا مات الشخص الدائن لم تحل بموته ديونه المؤجلة التي يستحقها في ذمم المديونين، فلا يجوز لورثته مطالبتهم بهذه الديون حتى تحل أوقاتها المعينة لها.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 8

فإذا مات الرجل و في ذمته مهر زوجته المؤجل وجب على ذريته دفع مهر الزوجة من التركة و ان لم يحضر أجله بعد، و إذا ماتت الزوجة و لها في ذمة الزوج مهر مؤجل لم يحق لورثتها أن يطالبوا الزوج بمهرها حتى يحضر الأجل التي اشترط للوفاء به.

المسألة العاشرة:

لا تحل الديون المؤجلة في ذمة الشخص إذا قصرت أمواله الموجودة لديه عن الوفاء بديونه، فأصبح مفلسا، فإذا حجر عليه للفلس قسمت أمواله الموجودة على ديونه الحالة و لم يشارك في الأموال أصحاب الديون المؤجلة و سنذكر هذا في كتاب الحجر ان شاء اللّٰه تعالى.

المسألة 11:

يجوز للشخص ان يبيع الدين بمال حاضر، فإذا كان له في ذمة زيد من من الحنطة جاز للدائن أن يبيع دينه على زيد نفسه أو على غيره بثمن حاضر نقدا، سواء كان الثمن من جنس الدين المبيع أم من غير جنسه، و سواء كان الثمن أقل من المبيع أم مساويا له في المقدار أم أكثر منه، و لا يجوز ذلك إذا لزم منه الربا، و هو ما إذا باع الدين بثمن من جنسه أقل منه أو أكثر، و كان العوضان مما يكال أو يوزن، فلا يمنع من البيع إذا كان الثمن من غير جنس المبيع، و لا يمنع منه إذا كانا من جنس واحد و كان العوض أو المعوض غير مكيل و لا موزون.

المسألة 12:

لا يجوز للشخص أن يبيع الدين بالدين، و هو أن يكون المبيع و الثمن كلاهما دينا في الذمة قبل بيع أحدهما بالآخر، سواء كانا مؤجلين أم كانا حالين أم كانا مختلفين على الأقوى في جميع ذلك.

و هو يقع على صور، فقد يكون البيع بين المتداينين، و مثال ذلك أن يكون لزيد من من الحنطة في ذمة عمرو، و يكون لعمرو من من الأرز في ذمة زيد، فيبيع زيد من الحنطة الذي يستحقه في ذمة عمرو، على عمرو نفسه، و يكون ثمن المبيع هو من الأرز الذي يستحقه عمرو في ذمة زيد.

الصورة الثانية: أن تكون لزيد وزنة من الحنطة في ذمة شخص ما، و تكون لعمرو وزنة من الأرز في ذمة ذلك الشخص أيضا، فيبيع زيد

كلمة التقوى، ج 6، ص: 9

على عمرو وزنة الحنطة التي يستحقها في ذمة الشخص المدين بوزنة الأرز التي يملكها عمرو في ذمة ذلك الشخص المدين نفسه.

الصورة

الثالثة: أن تكون لزيد وزنة من الحنطة في ذمة شخص ما، و يكون لعمرو وزنة من الأرز في ذمة شخص آخر فيبيع زيد حنطته التي يملكها في ذمة الشخص الأول، على عمرو، و يكون الثمن وزنة الأرز التي يملكها عمرو في ذمة الشخص الثاني، فلا يجوز البيع في جميع هذه الصور.

و كذلك الحكم على الأحوط لزوما إذا صار العوضان دينا بعد العقد، و كانا مؤجلين.

و مثال ذلك أن يبيع زيد على عمرو وزنة من الحنطة يدفعها له بعد شهر مثلا، بعشرة دنانير يدفعها له عمرو بعد مضي عشرين يوما، فلا يجوز ذلك على الأحوط.

و مثله ما إذا كان أحد العوضين دينا قبل العقد، و العوض الثاني دينا بعد العقد، و مثال هذا ان تكون لزيد في ذمة عمرو وزنة من الحنطة إلى أجل معين، فيبيع زيد على عمرو هذه الوزنة التي يملكها في ذمته بعشرة دنانير تبقى في ذمة عمرو إلى مدة شهر، فلا يجوز ذلك أيضا على الأحوط، و تراجع المسألة الثلاثمائة و التاسعة و التسعون و ما بعدها من كتاب التجارة في ما يتعلق ببيع المال المسلم فيه و تراجع ما بعدهما في بيع المال المسلم فيه بعد حلول أجله.

المسألة 13:

إذا كان للرجل على احد دين إلى أجل مسمى، جاز للمتداينين أن يتراضيا بينهما على تعجيل الدين بإسقاط بعضه، فإذا كان الدين مائة دينار إلى مدة ستة أشهر، صح لهما أن يتراضيا فيدفع المديون لمالك الدين ثمانين دينارا معجلة و يسقط الدائن عنه بقية الدين.

و لا يجوز لهما أن يؤجلا الدين إذا كان حالا بزيادة فيه، و ان تراضيا على ذلك، و مثاله أن يكون لزيد في ذمة عمرو مائة دينار حالة، فيطلب

المدين من زيد أو يطلب زيد من المدين أن يجعل الدين مائة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 10

و عشرين دينارا، و يؤجله فيه الى مدة شهرين، و كذلك الحكم إذا كان الدين مؤجلا إلى مدة فلا يجوز للمدين أن يزيد الدائن في مقدار الدين ليزيده الدائن في مقدار الأجل، فيضيف إليه عشرة دنانير مثلا ليؤجله الدائن إلى شهرين بعد ان كان مؤجلا إلى شهر، و مثله أن يطلب الدائن ذلك.

المسألة 14:

يجوز للمدين إذا كان الدين عليه حالا، أن يشترط على الدائن أن يؤجله في الدين إلى مدة معلومة فإذا كان الشرط في ضمن عقد لازم و قبل الدائن بالشرط لزم الشرط و وجب عليه الوفاء به و مثال ذلك ان يبيع المدين على الدائن سلعة بثمن معين و يشترط عليه في ضمن عقد البيع أن يؤجله بدين حال آخر، يستحقه في ذمته إلى مدة شهر، و يجوز له كذلك أن يشترط عليه زيادة الأجل في الدين المؤجل فإذا اشترط ذلك عليه في عقد لازم لم تجز للدائن المطالبة بالدين حتى يحل الوقت المشترط في كلا الفرضين، و كذلك إذا اشترط أحدهما في ضمن عقد جائز فيجب الوفاء بالشرط ما دام ذلك العقد باقيا، و إذا انفسخ العقد سقط وجوب الشرط.

المسألة 15:

لا تجوز قسمة الدين بين الشركاء فيه، فإذا كان لرجلين دين مشترك في ذمة أحد أو في ذمم أشخاص لم يجز للشريكين أن يقتسما الدين فيجعلاه سهمين مثلا، فالقسط الأول الذي يدفعه المدين في شهر محرم يكون لزيد، و القسط الثاني الذي يدفعه في شهر صفر يكون لعمرو، أو يكون ما في ذمة أحد المدينين للأول و ما في ذمة المدين الثاني للشريك الثاني، بل يكون الدين مشاعا، فكل ما يحصل منه فهو للشريكين معا، و ما يتأخر منه يكون عليهما و قد ذكرنا هذا في المسألة السادسة و الخمسين من كتاب الشركة.

المسألة 16:

إذا غاب الدائن غيبة انقطع فيها خبره و لم يعلم أ حي هو أم ميت، وجبت على المدين نية وفاء الدين متى تمكن من إيصاله إلى الدائن،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 11

و تجب عليه الوصية به عند ظهور أمارات الموت عليه ليعلم وارثه بذلك، و إذا علم بموت الدائن وجب عليه أن يدفع الدين إلى ورثة الدائن، و إذا لم يعرفهم وجب عليه الفحص عنهم حتى يعرفهم و يؤدي إليهم حقهم، فإذا أيس من معرفتهم تصدق بالمال عنهم باذن الحاكم الشرعي، و إذا علم ان الدائن الميت لا وارث له كان ميراثه للإمام (ع)، فيجب دفع الدين إليه.

المسألة 17:

إذا حل ميعاد الدين و طالب الدائن بالوفاء به، وجب على المديون أن يبذل جهده في أداء دينه و براءة ذمته ببيع عقار أو أمتعة أو أعيان يملكها و لا تدخل في مستثنيات الدين، أو إجارة أملاك له، أو تحصيل ديون له عند الناس، و يلزمه على الأحوط لزوما التكسب لذلك بما يليق به في شرفه و قدرته و منزلته الاجتماعية.

المسألة 18:

يستثنى من الحكم بوجوب البيع لوفاء الدين كل شي ء يكون ضروريا للمدين بحسب حاله و شرفه و منزلته في المجتمع، و ما يكون بيعه موجبا لوقوع المدين في عسر أو حرج أو منقصة، فلا يجب عليه بيع شي ء من ذلك أو المعاوضة عليه بغير البيع لوفاء الدين، و من ذلك داره التي يحتاج إليها في السكنى، و الثياب التي يحتاج إليها و لو للتجمل، و الدابة التي يفتقر الى ركوبها، و الخادم الذي يحتاج إليه في قضاء حوائجه إذا كان من شأنه أن تكون له دابة أو خادم، بل و السيارة التي يفتقر إليها في ركوبه و تنقلاته إذا كان من شأنه ذلك، و أثاث منزله و أدواته و آلاته و أوانيه و ظروفه المختلفة لأكله و شربه و طبخه، و فرش البيت و فرش النوم و اغطيته و ملاحفه له و لعياله و زواره و ضيوفه، و تسمى هذه مستثنيات الدين.

و المدار فيها هو ما ذكرناه في أول المسألة، و لذلك فهي لا تختص بما ذكرناه، و منها الكتب التي يحتاج إليها و تعد من ضروراته أو يلزمه العسر و الحرج أو المنقصة إذا فقدها.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 12

المسألة 19:

إذا كانت لدى المديون دور متعددة و هو يحتاج إليها جميعا للسكنى فيها لكثرة عياله، فهي بحكم الدار الواحدة، فلا يجب عليه بيعها لوفاء الدين، و كذلك إذا احتاج الى أكثر من خادم واحد، و الى أكثر من دابة واحدة أو احتاج الى أكثر من سيارة، و مثله الحكم في الفرش المتعددة و الثياب، فالمدار في ذلك على مقدار ما تتأدى به الضرورة و ينتفي به العسر و لا يتأدى بأقل منه.

و إذا كانت

لديه دار للسكنى تزيد في سعتها على مقدار حاجته تخير بين أن يسكن منها ما يفي بحاجته، و يبيع منها ما زاد على ذلك، و أن يبيع الدار الواسعة و يشتري دارا تفي بحاجته و لا تزيد، و إذا كانت الدار التي يسكنها أرفع في القيمة و المنزلة مما يحتاج اليه باعها و اشترى دارا تناسب شأنه، و صرف الزائد من ثمنها في وفاء الدين و كذلك في السيارة و الخادم و الأثاث.

المسألة 20:

إذا كانت لديه دار موقوفة أو موصى بها لجهة تنطبق عليه و هي تكفي لسكناه و تناسبه في حاله و شرفه، و له دار مملوكة، فالأحوط أن يبيع داره المملوكة و يفي بثمنها الدين و يكتفي بما عنده من الدار الموقوفة أو الموصى بها.

المسألة 21:

انما تكون دار السكنى من المستثنيات في الدين، إذا كان المدين موجودا، فإذا مات و لم يترك شيئا إلا دار سكناه، أو ترك معها غيرها و كان دينه يستوعب الجميع، أو كان الدين بمقدار لا يمكن وفاؤه إلا ببيع الدار وجب بيع الدار في جميع هذه الصور، و صرف الثمن في وفاء الدين.

المسألة 22:

لا يجب على المدين أن يبيع المستثنيات التي تقدم ذكرها ليفي به دينه، و لا يجبر على ذلك، و إذا رضي المدين بذلك فباعها باختياره و صرف أثمانها في قضاء دينه صح له ذلك، و جاز لصاحب الدين أن

كلمة التقوى، ج 6، ص: 13

يقبض ما يدفعه اليه من ذلك، غير أنه يستحب للدائن أن يترفع عن ذلك و يتنزه، فلا يكون سببا لبيع المدين داره و ان كان البيع برضاه، و قد تستفاد كراهة ذلك من خبر عثمان بن زياد عن أبي عبد اللّه (ع).

المسألة 23:

إذا حل موعد الدين و طالب به صاحبه، و عرض المدين عقاره و أمتعته الموجودة لديه- مما يزيد على المستثنيات- ليبيعها في وفاء دينه، فوجد أنها لاتباع إلا بأقل من أثمانها، وجب عليه بيعها، و لم يجز له الانتظار حتى ترتفع القيمة أو يوجد الراغب. و إذا كان التفاوت في القيمة كثيرا يكون البيع معه تضييعا للمال و إتلافا له في نظر العقلاء، فلا يبعد عدم وجوب البيع في هذه الصورة، و خصوصا إذا لزم منه الضرر أو الحرج على المدين.

المسألة 24:

يحرم على المدين أن يماطل صاحب الدين في قضاء دينه مع قدرته على الوفاء، و قد عد في بعض النصوص المعتمدة حبس الحقوق الواجبة من غير إعسار من المعاصي الكبيرة، و قد أشرنا الى ذلك في تعداد الكبائر من بحث صلاة الجماعة، و عن النبي (ص): (من مطل على طي حق حقه و هو يقدر على أداء حقه فعليه كل يوم خطيئة عشار)، و إذا أعسر المدين و لم يقدر على الوفاء وجبت عليه نية القضاء بأن يعزم في نفسه انه يؤدي الدين متى قدر على وفائه، و إذا تجددت له الاستطاعة وجب عليه القضاء و لم تجز له المماطلة.

المسألة 25:

تكثرت الأدلة على وجوب انظار المدين إذا ثبت إعساره، و في الآية الكريمة (وَ إِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ)، و عن الإمام أبي عبد اللّه (ع): (إياكم و إعسار أحد من إخوانكم المسلمين أن تعسروه بشي ء يكون لكم قبله و هو معسر، فإن أبانا رسول اللّه (ص) كان يقول:

ليس للمسلم أن يعسر مسلما، و من أنظر معسرا أظله اللّه يوم القيامة لظله يوم لا ظل الا ظله)، و قد تنوعت الأدلة في التعبير عن ذلك.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 14

المسألة 26:

لا يسقط الدين بعدم مطالبة الدائن به و ان طالت المدة، و لا بنسيان الدائن أو المدين له فمتى ذكره لزمه القضاء، و إذا نسيه المدين حتى مات و علم به وارثه بعد موته وجب عليه قضاؤه من تركة الميت.

الفصل الثاني في القرض و أحكامه

المسألة 27:

القرض هو أن يملك الإنسان غيره مالا و يضمنه عوضه، مثله أو قيمته، يقال: أقرضه المال إذا ملكه إياه و ضمنه عوضه، فدافع المال مقرض، و آخذه مقترض و طالبه مستقرض.

المسألة 28:

يكره للإنسان أن يستقرض أو يستدين مع عدم الحاجة كراهة شديدة، ففي الحديث عن أبي عبد اللّه (ع) عن آبائه (ع)، عن علي (ع):

(إياكم و الدين، فإنه مذلة بالنهار مهمة بالليل، و قضاء في الدنيا و قضاء في الآخرة) و عن أبي جعفر (ع): (كل ذنب يكفره القتل في سبيل اللّه، الا الدين، فإنه لا كفارة له الا اداؤه أو يقضي صاحبه، أو يغفر الذي له الحق)، و إذا حصلت الحاجة الى الاستقراض و الاستدانة خفت الكراهة، و كلما تزايدت الحاجة ازدادت خفة الكراهة حتى تزول، و عن أبي الحسن موسى بن جعفر (ع): (من طلب هذا الرزق من حله ليعود به على نفسه و عياله كان كالمجاهد في سبيل اللّه (عز و جل)، و ان غلب عليه فليستدن على اللّه (عز و جل) و على رسوله ما يقوت به عياله).

المسألة 29:

إذا لم يكن لدى الإنسان ما يفي به دينه إذا هو استدان، و لا يترقب أن يحصل له ما يفي به فالأحوط له أن لا يقترض و لا يستدين الا مع الضرورة التي تحتم عليه ذلك، أو مع علم الدائن بحاله و طيب نفسه بالاستدانة منه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 15

المسألة 30:

يستحب للمؤمن أن يقرض أخاه المؤمن استحبابا مؤكدا، و يتضاعف تأكيده و يعظم ثوابه و أجره عند الحاجة و في أوقات الشدة، فقد ورد عن الرسول (ص): (من أقرض مؤمنا قرضا ينظر به ميسوره كان ماله في زكاة، و كان هو في صلاة من الملائكة حتى يؤديه اليه)، و عن أبي عبد اللّه (ع): (لأن أقرض قرضا أحب الي من ان أتصدق بمثله) و قال (ع): (من أقرض قرضا و ضرب له أجلا، و لم يؤت به عند ذلك الأجل كان له من الثواب في كل يوم يتأخر عن ذلك الأجل مثل صدقة دينار واحد كل يوم).

المسألة 31:

القرض أحد العقود، و لذلك فيعتبر فيه الإيجاب من المقرض و القبول من المقترض، و إيجابه أن يقول للمقترض: أقرضتك المبلغ المعين أو يقول: ملكتك المبلغ و عليك أن ترد لي عوضه إلى أجل كذا، و يكفي فيه أي لفظ يؤدي المعنى المقصود، و ان كان بلغة غير عربية، و قبوله أن يقول المقترض: قبلت أو رضيت، و يكفي أي لفظ يدل على ذلك و ان لم يكن عربيا.

و يصح وقوعه بالمعاطاة، فيدفع المقرض المال بقصد إنشاء القرض، و يتسلمه المقترض بقصد القبول، و يشترط في المقرض و المقترض أن يكونا بالغين و عاقلين و قاصدين و مختارين و غير محجور عليهما لفلس أو سفه، كما هو الشأن في كل متعاقدين.

المسألة 32:

يشترط في مال القرض على الأحوط أن يكون عينا، فلا يصح أن يكون دينا، فيقول له: أقرضتك الدين الذي أملكه في ذمة زيد، و يجوز للمقرض أن يوكل المستقرض في قبض الدين من زيد، فإذا قبضه منه جاز أن يقرضه إياه، و لا يصح أن يكون مال القرض منفعة، فيقول له: أقرضتك سكنى داري مدة شهر أو مدة شهرين، أو يقول له:

أقرضتك سكنى دار زيد التي استأجرتها منه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 16

و يشترط في المال أن يكون مملوكا، فلا يصح أن يقرضه مالا يملكه المسلم كالخمر و الخنزير، و لا يصح أن يقرضه شيئا يملكه غيره، و إذا أقرضه مال غيره كان فضوليا، فان أجازه مالك المال صح، و ان لم يجزه كان باطلا.

المسألة 33:

يصح للرجل أن يقرض صاحبه أمرا كليا في الذمة، فيقرضه خمس وزنات من الأرز أو من الحنطة، في ذمته، ثم يدفع اليه فردا شخصيا، فيقبضه المقترض، أو يقرضه خمس وزنات كلية من هذه الصبرة ثم يزن له من الصبرة المقدار المعين فيدفعه اليه و يحصل القبض.

المسألة 34:

إذا كان مال القرض من المثليات كالحبوب و الأدهان و سائر المثليات فيشترط في صحة قرضه أن يكون مما يمكن ضبط أوصافه و خواصه التي يكون اختلافها موجبا لاختلاف القيمة و الرغبة في المال بين المتعاملين من الناس، و إذا كان المال من القيميات لم يشترط فيه ذلك على الأقوى، فيكفي في صحة قرضه علم المتداينين بقيمته، و ان لم يمكن ضبط صفاته و خصائصه كما اشترطناه في المثليات، فيصح إقراض الغنم و الجواري و العبيد و غيرها من القيميات إذا علم الطرفان بقيمتها و ان لم تضبط أوصافها في العقد، أو لم يمكن ذلك فيها كاللئالي و الجواهر و أمثالها.

المسألة 35:

يشترط في مال القرض أن يكون معينا، فلا يصح أن يكون أمرا مبهما غير معين، كما إذا قال الرجل لصاحبه: أقرضتك أحد هذين المبلغين، أو أحد هذين الثوبين.

و يشترط أن يكون المال معلوم المقدار، بأن يعلم مقدار كيله إذا كان مما يكال، و مقدار وزنه إذا كان مما يوزن، و مقدار عدده إذا كان مما يعد، فلا يصح أن يقرضه الطعام الموجود من غير أن يعرف وزنه أو كيله، و لا يكفي أن يقدره بغير المقياس الذي يتعارف تقديره به، فيقرضه مل ء هذا الوعاء أو هذا الإناء بيضا من غير أن يعرف عدده.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 17

المسألة 36:

إذا أقرض الرجل صاحبه المال مما يكال، و قدره بكيلة معينة من غير المكاييل المعروفة بين الناس، فلا يبعد الحكم بصحة القرض، و يجب أن يقدر العوض عند الوفاء بتلك الكيلة المعينة، و كذلك إذا أقرضه المال مما يوزن، و اعتمد في تقديره على صخرة أو حديدة معينة من غير المعايير التي يتعارف الوزن بها، فيصح القرض و يقدر وزن العوض عند الوفاء بتلك الصخرة أو الحديدة التي وزن مال القرض بها، و الأحوط استحبابا اجتناب ذلك.

المسألة 37:

يشترط في صحة القرض أن يسلم المقرض المال و أن يستلمه المقترض، فلا يملك المقترض مال القرض حتى يقبضه، و لا يشترط في ملكه للمال أن يتصرف فيه.

المسألة 38:

الظاهر أن القرض من العقود اللازمة، فإذا تم العقد من الإيجاب و القبول و حصل القبض، لم يجز للمقرض أن يفسخ العقد و يرجع بالعين التي أقرضها، و لم يجز للمقترض أن يرد العين التي اقترضها إذا كانت من القيميات، نعم، إذا كان القرض غير مؤجل إلى أجل معين، فللمقرض أن يطالب المقترض بوفاء دينه و ان لم تمض عليه مدة بعد القرض، و يجوز للمقترض أن يرد المال الذي أخذه إذا كان من المثليات، على أن يكون ذلك وفاء بالدين، لا فسخا للعقد.

المسألة 39:

إذا تم عقد القرض و حصل الإقباض و القبض بين المتداينين، اشتغلت ذمة المقترض بعوض المال، فإذا كان مال القرض من المثليات، ثبت للمقرض في ذمة المقترض مثل المال، و قد بينا في ما تقدم ان ما تنتجه المعامل و المصانع الحديثة من الأشياء المتماثلة في كل جهة يكون بحكم المثليات، فإذا أقرض الإنسان صاحبه شيئا منها ثبت له في ذمة المقترض مثله.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 18

و إذا كان مال القرض من القيميات ثبتت للمقرض في ذمة المقترض قيمة ذلك المال، و إذا اختلفت قيمته فالمدار على قيمة المال يوم دفعه الى المقترض على الأقرب.

المسألة 40:

إذا كان المال الذي اقترضه الرجل مثليا، ثبت في ذمته مثله كما قلنا، و معنى ذلك أن يكون وفاؤه للقرض هو ان يدفع للمقرض ما يماثل المال في جنسه و صفاته سواء ارتفعت قيمته في السوق عن قيمته في يوم الاقتراض أم نقصت عنها، أم ساوتها، فإذا دفع الرجل المثل الى المقرض وجب عليه قبوله و لم يكن له أن يمتنع عنه، و ان نقص سعره نقصانا كبيرا عن سعره في يوم الاقتراض، و إذا طالب به المقرض عند حلول وقته وجب على المقترض أن يدفعه اليه و لم يجز له أن يمتنع عن أدائه و ان ارتفع سعره كثيرا عن قيمته يوم الاقتراض.

و إذا طلب أحد المتداينين من صاحبه أن تؤدى قيمة المثل بدلا عنه أو يدفع عنه من غير جنسه لم يجز ذلك إلا بالتراضي من الطرفين فلا يجبر أحدهما إذا امتنع عن قبول ذلك.

المسألة 41:

إذا كان المال الذي اقترضه الرجل قيميا، ثبتت في ذمة الرجل قيمته كما ذكرناه قريبا، و المراد أن يكون الوفاء بدفع مقدار قيمة المال السوقية من النقد المتداول بين الناس في معاملاتهم من دراهم أو دنانير أو أوراق نقدية أو غير ذلك، فإذا دفع المدين القيمة من ذلك الى المقرض وجب عليه قبولها و لم يجز له ان يمتنع عن القبول، و إذا طالب بها المقرض عند حلول وقت الدين وجب على المقترض دفعها اليه و لم يكن له أن يمتنع عن الدفع.

و إذا طلب أحدهما أن تؤدى قيمة المال من جنس آخر أو من نقود أخرى غير متداولة في البلد لم يجز ذلك إلا بالتراضي بينهما، فلا يجبر أحدهما إذا امتنع عن قبول ذلك.

و إذا كانت العين

المقترضة بذاتها موجودة فطلب المقرض أو أراد المقترض أن يكون وفاء الدين بدفع العين نفسها لم يصح ذلك إلا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 19

بالتراضي، فلا يجبر الممتنع منهما عن قبولها.

المسألة 42:

إذا وجب على المقترض أن يدفع مثل المال وفاء عما في ذمته للمقرض، و تعذر وجود المثل، وجب عليه ان يدفع له قيمة المثل في يوم دفعها.

المسألة 43:

يجوز للمتداينين مع التراضي في ما بينهما أن يتقابلا في القرض، فإذا تقايلا وجب على المقترض أن يدفع العين التي اقترضها الى مالكها إذا طلبها، و إذا لم يطلبها منه فهي أمانة في يده لا يجوز له التصرف فيها.

المسألة 44:

إذا اقترض ذمي من مسلم مالا أو استدان منه دينا، ثم باع الذمي بعض المحرمات في الإسلام كالخمر و الخنزير، و دفع الى المسلم من ثمنها وفاء لدينه، جاز للمسلم أن يقبض دينه منها، و إذا باع الذمي شيئا منها و بقيت أثمانها في ذمة المشتري، ثم أسلم الذمي، جاز له أن يقبض الأثمان بعد إسلامه، و لا يسقط حقه من المطالبة بها.

المسألة 45:

الدراهم المسكوكة من المثليات، فإذا اقترضها الرجل ثبت للمقرض في ذمته مثلها، و كذلك الدنانير المسكوكة، و الأوراق النقدية التي تعتبرها الدولة نقدا رسميا تجري به المعاملات في البلد، فإذا أقرض الرجل صاحبه مبلغا منها، ثبت في ذمة المقترض مثل ذلك المبلغ، سواء اتحد سعرها في النقود الأخرى و في الأجناس غير النقود أم اختلف.

و إذا ألغت الدولة اعتبار دراهمها أو دنانيرها أو عملتها الورقية، فان سقطت بسبب ذلك الدراهم أو الدنانير أو العملة الورقية عن المالية أصلا، وجب على المدين أن يدفع للدائن قيمتها في آخر أزمنة ماليتها و لم يجز له أن يدفع عينها، و ان لم تسقط بسبب ذلك عن المالية، كفاه أن يدفع له مثل ما في ذمته من تلك الدراهم أو الدنانير المسكوكة التي ألفتها الدولة، أو العملة الورقية و ان قلت قيمتها عن قيمتها يوم اقتراضها بسبب إلغاء الدولة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 20

الفصل الثالث الربا في القرض

المسألة 46:

لا يجوز للمقرض أن يشترط على المقترض دفع زيادة على عوض المال الذي اقترضه منه، سواء كان الشرط صريحا مذكورا في ضمن العقد أم دلت عليه القرائن الحافة فهو كالصريح، أم علم أن ذلك من قصد المتداينين بحيث يكون عقد القرض بينهما مبنيا على هذا الشرط، و إذا شرط ذلك بطل الشرط خاصة، و لم يبطل عقد القرض على الأقوى، و نتيجة لذلك فيصح العقد و يملك المقترض مال القرض، و يثبت عوض المال في ذمته و يحرم على المقرض أخذ الزيادة التي شرطها عليه.

و هذا أحد نوعي الربا الذي حرمه الإسلام، و قد صرحت الأدلة الكثيرة بتحريمه و تعاضدت في الدلالة عليه من الكتاب الكريم و السنة المطهرة و على التشديد في أمره، و

قد تقدم في الفصل الحادي عشر من كتاب التجارة ذكر النوع الآخر منه، و هو الربا في المعاملة.

المسألة 47:

لا يختص تحريم هذا النوع من الربا بما يكال أو يوزن من أجناس المال، بل يجري في مطلق ما يقترض من الأموال، حتى في المعدود منها، كالدراهم و الدنانير، و العملات المسكوكة الأخرى، و الأوراق النقدية و الجوز و البيض، فإذا اشترطت فيها زيادة في العوض على المال المقترض كانت من الربا المحرم، و حتى الأعيان القيمية التي يكتفى في صحة قرضها بالمشاهدة، كالغنم و الدواب و الجواري و الأرض و غيرها مما يصح اقتراضه و تثبت في الذمة قيمته يوم الاقتراض كما تقدم، فإذا أقرض شيئا منها و اشترط في العقد زيادة على مقدار العوض، و هو القيمة التي تثبت في الذمة، كان ذلك من الربا المحرم.

المسألة 48:

لا يجوز في القرض أن تشترط فيه زيادة على العوض، سواء كانت

كلمة التقوى، ج 6، ص: 21

الزيادة المشترطة عينية، و كانت من جنس مال القرض، و مثال ذلك أن يقرض زيد عمرا عشرة دنانير و يشترط عليه أن يؤدي له اثني عشر دينارا، أم كانت الزيادة عينية من غير جنس المال، و مثال ذلك أن يقرضه عشرين دينارا و يشترط عليه أن يدفع له عوض ذلك عشرين دينارا و سلعة معينة أخرى غير الدنانير، أم كانت الزيادة المشترطة منفعة أم عملا أم انتفاعا، و مثال ذلك أن يقرضه عشرين دينارا و يشترط أن يؤدي له عوض ذلك عشرين دينارا مع سكنى دار المقترض أسبوعا أو مع خياطة ثوب، أو مع انتفاع المقرض بالعين المرهونة عنده على الدين المذكور، و كذلك إذا أقرضه عشرين درهما مكسورا و اشترط عليه أن يدفع له عشرين درهما صحيحا، فلا يصح الشرط في جميع الفروض المذكورة، و إذا اشترطه كان من

الربا المحرم.

المسألة 49:

إذا أقرض الرجل صاحبه مقدارا من المال و اشترط عليه أن يدفع له عوض المال و ان يؤجره مع ذلك داره المعينة بأقل من أجرتها، أو اشترط عليه أن يدفع له العوض و أن يبيعه شيئا من أملاكه بأقل من ثمنه، كان ذلك من اشتراط الزيادة فيكون من الربا المحرم.

المسألة 50:

لا فرق في تحريم الربا بين أن يشترط على المقترض زيادة تعود الى المقرض نفسه كما في الأمثلة المتقدم ذكرها أو تعود الى شخص آخر، فلا يجوز له أن يقرض المدين عشرين دينارا و يشترط عليه أن يؤدي له عشرين دينارا و يعطي زيدا دينارا أو يهب له كتابا أو سلعة معينة.

و لا يجوز له أن يقرضه مبلغا من المال و يشترط عليه أن يؤدي له المبلغ و أن يصرف في تعمير مسجد معين أو في إقامة مأتم خاص أو في تعميره كذا دينارا.

المسألة 51:

ليس من الربا أن يشترط المقرض على المقترض أن يؤدي ما لا يجب على المقترض اداؤه، و مثال ذلك أن يقول له: أقرضتك عشرين دينارا و اشترطت عليك ان تدفع لي عشرين دينارا عوض القرض و أن تؤدي

كلمة التقوى، ج 6، ص: 22

زكاة مالك لمستحقها أو تقضي الدين الذي يستحقه عليك فلان، و ليس من الربا إذا قال له في عقد القرض: بشرط أن تؤدي صلاتك أو صيامك أو حجك، أو بشرط أن تذكرني في دعائك أو تستغفر لأبي في صلاتك.

المسألة 52:

لا تكون الزيادة محرمة إذا لم تكن مشترطة في العقد، فإذا دفع المقترض للدائن زيادة على عوض المال الذي اقترضه منه من غير اشتراط من الدائن، بل دفعها اليه من تلقاء نفسه، جاز للمقترض دفعها و حل للمقرض أخذها، سواء كانت زيادة عينية أم غيرها، و في بعض النصوص دلالة على استحباب ذلك للمقترض و أنه من حسن القضاء، و أن خير الناس أحسنهم قضاء.

و في بعضها دلالة على كراهة قبولها للمقرض، و في رواية غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه (ع): أن رجلا أتى عليا (ع) فقال له: ان لي على رجل دينا فأهدى الي هدية، قال (ع): احسبه من دينك عليه، و هذه الرواية محمولة على استحباب ذلك للمقرض.

المسألة 53:

الربا المحرم في الإسلام: هو أن يشترط على المقترض دفع الزيادة للمقرض، و ليس من الربا إذا اشترطت الزيادة للمقترض، فيصح اشتراط ذلك و يحل للمقترض أن يأخذها، و مثال ذلك أن يقرض زيد عمرا عشرين دينارا مثلا، و يشترط على المقترض- لبعض الأغراض الخاصة- أن يؤدي له عوض دينه ثمانية عشر دينارا فقط، فتكون الزيادة و هي الديناران مشترطة للمقترض لا للمقرض فلا تكون من الربا المحرم.

و من ذلك ما إذا احتاج الإنسان إلى تحويل مبلغ من المال الى بلد آخر، فيدفع ذلك الإنسان إلى تاجر في بلده مائة دينار مثلا، ليحوله التاجر بثمانين دينارا منها على وكيله أو على البنك في البلد الآخر المقصود، فيكون ذلك الإنسان قد أقرض التاجر مائة دينار، و استلم منه عوضها في ذلك البلد المقصود ثمانين دينارا فقط، و تكون العشرون

كلمة التقوى، ج 6، ص: 23

دينارا و هي الزيادة مشترطة للمقترض و هو التاجر، فيحل

له أخذها و لا تكون من الربا المحرم.

المسألة 54:

يجوز للرجل أن يقرض غيره مالا مثليا، كالدراهم و الدنانير و الحبوب، و يشترط على المقترض أن يدفع عوض ذلك المال من غير جنسه، فيصح الشرط و يلزم العمل به إذا كان العوض الذي اشترط دفعه مساويا للمال المقترض في القيمة أو أقل منه، و لا يصح الشرط إذا كان العوض المشترط أكثر من المال في القيمة.

المسألة 55:

إذا اشترط التأجيل في أداء عوض القرض إلى أجل معين، و كان الاشتراط في ضمن عقد لازم كالبيع و الإجارة و الصلح، صح الشرط و وجب الوفاء به، و كذلك إذا اشترط تأجيله في ضمن عقد القرض على الأقوى، فيجب الوفاء به، و لا يجوز للمقرض أن يطالب المقترض بعوض القرض قبل أن يحل الأجل، و إذا اشترط التأجيل في ضمن عقد جائز وجب الوفاء بالشرط ما دام العقد الذي اشترط ذلك في ضمنه موجودا، فإذا فسخ العقد سقط الشرط و لم يجب الوفاء به.

المسألة 56:

يصح للمقرض أن يشترط على المقترض أن يدفع اليه العوض في بلد معين، فإذا شرط عليه ذلك نفذ الشرط و وجب العمل به و ان كان في حمل المال الى ذلك البلد مؤنة، فإذا دفع المقترض عوض القرض في بلد آخر لم يجب على المقرض قبوله منه، و إذا طالب الدائن المقترض بالعوض في بلد آخر لم يجب عليه الأداء فيه.

المسألة 57:

إذا أطلق المقرض العقد و لم يعين موضعا خاصا لتسليم الدين فيه انصرف العقد الى البلد الذي وقع فيه القرض، فيجب على المقترض أداء الدين إذا طالبه المقرض به في ذلك الموضع، و يجب على المقرض القبول إذا دفعه المقترض فيه، الا إذا قامت قرينة على عدم ارادة ذلك

كلمة التقوى، ج 6، ص: 24

الموضع و مثال ذلك أن يقرضه المال و هما غريبان عن بلد القرض و يريدان مفارقته.

المسألة 58:

يجوز للمقرض أن يشترط على المقترض أن يجعل عنده رهنا لدينه، فيلزم المقترض الوفاء بالشرط و يجوز للمقرض أن يشترط عليه أن يقدم له ضامنا للمال، أو كفيلا للمقترض، فيلزم الوفاء بالشرط كذلك، و يجوز له أن يشترط على المقترض أي شرط يريده إذا كان الشرط جامعا لشرائط الصحة و لم يوجب نفع المقرض بما يعد زيادة في العوض.

المسألة 59:

إذا اقترض زيد من عمرو مبلغا معينا من المال ثم رهن عليه رهنا، و اشترط المرتهن على الراهن في ضمن العقد أن يستوفي المرتهن منافع العين المرهونة مجانا مدة رهنها، فيسكن الدار، أو يستعمل الفراش، أو يركب السيارة، لم يصح ذلك فإنه من اشتراط الزيادة في عوض القرض، فيكون من الربا المحرم.

و كذلك الحكم إذا لم يكن الرهن على قرض، و لكنهما اشترطا أن تكون المنفعة المستوفاة من هذا الرهن زيادة في عوض قرض، فيكون من الربا المحرم.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 25

كتاب الرهن

اشارة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 27

كتاب الرهن و فيه ثلاثة فصول:

الفصل الأول في الرهن و شروطه

المسألة الأولى:

الرهن وضع شي ء و حبسه عند أحد تأمينا له على دينه، و من ذلك جعلت كلمة الرهن في عرف المتشرعة اسما للمعاملة التي يجعل بها الشي ء وثيقة للدائن على دينه، و الراهن هو المدين الذي دفع ذلك الشي ء، و أجرى عليه المعاملة و وثق به دين الدائن، و المرتهن هو الدائن الذي أخذ الشي ء من صاحبه و استوثق به لدينه، و المرهون هو الشي ء الذي جعل كذلك، و يطلق عليه اسم الرهن أيضا، و يجمع على رهون و رهان، و منه قوله تعالى فَرِهٰانٌ مَقْبُوضَةٌ، و قد ذكرنا في كتاب التجارة ان الرهن من الإيقاعات و هو الأقوى، و لكن إجراء شرائط العقود و بعض أحكامها عليه أحوط، و من أجل ذلك أطلقنا عليه كلمة العقد في هذا الكتاب و اعتبرنا فيه شروطه و أجرينا ما يوافق الاحتياط من آثاره، فلا تغفل.

المسألة الثانية:

الرهن عقد من العقود كما ذكرناه، و هذا العقد قد ينشأ باللفظ، فيكون محتاجا إلى إيجاب و قبول لفظيين، و يكون الإيجاب من الراهن، و يكفي فيه كل لفظ يدل على جعل الشي ء المعين وثيقة عند المرتهن على دينه في ذمة الراهن، و منه أن يقول له: رهنتك هذا الشي ء على دينك في ذمتي، أو يقول له: هذا الشي ء وثيقة لديك على الدين، أو يقول له:

جعلت هذا الشي ء رهنا عندك لتتوثق به على دينك في ذمتي،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 28

و يكون القبول من المرتهن، و يكفي فيه أي لفظ يكون دالا على الرضا بما أنشأه الراهن في إيجابه، و منه أن يقول: قبلت، أو رضيت، أو ارتهنت، و الأحوط أن ينشأ عقد الرهن باللغة العربية.

و لا يصح أن يقدم القبول على الإيجاب،

و نتيجة لهذا، فإذا كان الرهن شرطا في عقد لازم مثلا، فقال الموجب: زوجتك ابنتي فلانة على ألف دينار مؤجل إلى سنة، و اشترطت عليك أن ترهن دارك عندي على المهر المؤجل المذكور، فقال الزوج: قبلت تزويج ابنتك فلانة لنفسي على الصداق المعين، و رهنتك داري على مهر ابنتك المؤجل، فلا بد و أن يقول الموجب الأول بعد ذلك: قبلت الرهن، و لا يكتفي بالشرط الذي ذكره في عقد النكاح.

المسألة الثالثة:

يصح أن ينشأ عقد الرهن بالفعل، إذا كان الفعل دالا في متفاهم أهل المحاورة على المعنى المقصود، فإذا دفع الراهن الشي ء المعين و قصد بدفعه إنشاء الرهن على الدين الخاص، و قبض الدائن الشي ء المدفوع اليه بقصد قبول الرهن، صح العقد و ثبتت أحكامه.

المسألة الرابعة:

يشترط في الراهن أن يكون بالغا، فلا يصح ان يرهن الصبي غير البالغ ماله بغير اذن وليه، و ان كان الصبي مميزا، و يشترط فيه أن يكون عاقلا، فلا يصح الرهن من المجنون، و يصح الرهن منه إذا كان جنونه أدوارا و كان رهنه للشي ء في دور إفاقته، و يشترط في الراهن أن يكون مختارا في فعله، فلا يصح رهنه إذا كان مكرها عليه، و يشترط في الراهن أن يكون قاصدا للإنشاء في إجرائه للمعاملة، فلا يصح الرهن إذا كان غافلا أو هازلا في معاملته، و يشترط في المرتهن أيضا أن تجتمع فيه الشروط الآنف ذكرها، فتجري فيه أحكامها كما تقدم في الراهن.

و يشترط في الراهن أن يكون غير محجور عليه لسفه أو لفلس، و لا يمنع السفه و لا الفلس الرجل أن يرتهن مال غيره إذا كان هو الدائن.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 29

المسألة الخامسة:

يجوز للولي إذا كان الطفل مدينا لأحد أن يرهن مال الطفل عند دائنه إذا اقتضت المصلحة ذلك، و يجوز للولي إذا كان الطفل هو الدائن أن يرتهن عنده بعض أموال المدين توثيقا لدين الطفل عليه، و يتعين ذلك إذا كان حفظ مال الطفل يتوقف على الرهن، و إذا كان الولي هو الأب أو الجد للأب كفى في صحة تصرفهما في مال الطفل برهن أو بغيره عدم وجود المفسدة فيه، و لم يشترط وجود المصلحة، نعم يعتبر التوثق الكامل من حفظ ماله. و تجري الأحكام الآنف ذكرها جميعا في ولي المجنون إذا حصلت للولي الفروض المذكورة في مال المولى عليه.

المسألة السادسة:

إذا أكمل الولي بنفسه المعاملة لرهن مال الصبي عند دائنه أو للارتهان عند الصبي من مال المدين له و توفرت لدى الولي شروط صحة المعاملة جاز له أن يوكل الصبي- إذا كان مميزا- ليجري بنفسه صيغة الرهن لماله عند الدائن بالوكالة عن الولي، أو ليتولى قبول الرهن عنده من المدين بالوكالة عن الولي أيضا، و تنفذ المعاملة إذا أجرى الصيغة على الأقوى، و قد تقدم نظير هذا في فصل شرائط المتعاقدين من كتاب التجارة.

المسألة السابعة:

يصح أن يتولى الصبي غير البالغ معاملة الرهن لغيره، بالوكالة عن ذلك الغير إذا كان الصبي مميزا و تنفذ معاملته إذا أجراها على الوجه الشرعي الصحيح، سواء كان ذلك الغير راهنا أم مرتهنا، و لا يشترط أن يستأذن ولي الصبي بذلك.

المسألة الثامنة:

يشترط في صحة الرهن على الأحوط أن يقبض المرتهن العين المرهونة، و أن يكون قبضه إياها بإقباض من الراهن أو بإذن منه.

و إذا كانت العين في يد الرجل وديعة أو عارية، ثم رهنها مالكها عنده، فان دلت القرائن على أن الراهن أقر القبض الموجود حال الرهن، و اعتبره قبضا للرهن، كفى ذلك في تحقق شرط الرهن، و لم يحتج إلى

كلمة التقوى، ج 6، ص: 30

إذن جديد و لا الى قبض آخر و ان لم تدل القرائن على ذلك، فالأحوط لزوما أن يأذن الراهن في القبض بعد العقد و يمضي زمان يتحقق فيه القبض بعد الاذن، و كذلك الحكم إذا كانت العين مغصوبة عند الرجل ثم رهنها المالك عنده، فيأتي فيها التفصيل المذكور.

المسألة التاسعة:

إذا كانت للرجل حصة مشاعة من دار أو عين أخرى مشتركة بينه و بين غيره، و رهن حصته عند دائنه، فلا يجوز للرجل تسليم الحصة المرهونة للمرتهن إلا بإذن شريكه بتسليم العين و رضاه، و إذا تعدى فسلم العين الى المرتهن من غير اذن شريكه، تحقق القبض بذلك و صح الرهن، و ان كان آثما بعدوانه على حصة الشريك.

المسألة العاشرة:

إذا وقع القبض بعد عقد الرهن تحقق الشرط بذلك و ثبتت الصحة، فإذا أخذ الراهن العين المرهونة بعد ذلك من يد المرتهن أو وضعها بيد شخص ثالث، أو غصبها منه أحد لم يقدح في صحة عقد الرهن و لم يبطل بذلك رهن العين، فلا تفتقر صحة الرهن الى استمرار القبض.

و لا يجوز أخذ العين المرهونة من يد المرتهن إلا بإذنه من غير فرق بين أخذ الراهن و غيره، كما لا يجوز وضعها بيد شخص ثالث إلا بإذن مالك العين إلا إذا اشترط عليه ذلك في ضمن العقد فيكون الشرط نافذا.

المسألة 11:

إذا اشترط الراهن على المرتهن في ضمن العقد أن تكون العين بيد الراهن مدة الرهن، أو أن تكون بيد شخص ثالث، فان كان المقصود من الشرط أن تكون العين في جميع المدة بيد الراهن أو بيد الشخص الثالث بحيث لا يقبضها المرتهن بعد العقد لم يصح هذا الشرط، فقد تقدم ان القبض شرط في صحة الرهن فلا يصح الرهن إذا لم يقبض المرتهن العين، فإذا اشترط عليه عدم القبض كان الشرط ملغى.

و ان كان المراد أن يقبض المرتهن العين بعد العقد حتى يتحقق الشرط ثم يسترجعها الراهن في بقية المدة أو يجعلها بيد الشخص الثالث، فالظاهر صحة الشرط و نفوذه، و قد ذكرناه قريبا.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 31

المسألة 12:

يشترط في المال الذي يراد رهنه أن يكون عينا و هذا على القول المشهور بين الأصحاب قدس اللّه أرواحهم، و بناء على هذا القول، فلا يصح رهن الدين، و لا يصح رهن المنفعة، و للمناقشة في أدلة هذا القول مجال متسع، و لكنه أحوط و لا ينبغي تركه، فإذا كان للرجل دين على زيد مبلغ من المال، لم يصح له ان يجعله رهنا عند عمرو على دين له، و إذا كانت له دار معينة فلا يصح له ان يجعل سكنى داره مدة معلومة رهنا عند عمرو على دينه.

و يشترط في المال أيضا ان يكون مملوكا، و بناء على ذلك فلا يصح ان يرهن الحر، و لا الخمر و لا الخنزير، فإنها غير قابلة للتملك، و لا يصح أن ترهن الأرض الخراجية، و هي الأرض التي فتحها المسلمون عنوة، و الأرض التي صالح أهلها المسلمين على أن تكون الأرض ملكا للمسلمين و تبقى بأيدي أهلها و يدفعون

خراجها لإمام المسلمين، فإذا تقبل هذه الأرض أحد من ولي أمر المسلمين لم يملكها و لم يصح له رهنها على دين.

و لا يصح رهن العين الموقوفة سواء كانت أرضا أم دارا أم غيرهما من سائر الموقوفات، و سواء كانت موقوفة وقفا عاما أم خاصا، و يشترط أن يكون المال مما يمكن قبضه و يصح بيعه، فلا يصح أن يرهن الطير المملوك إذا طار فلم يمكن قبضه و لم يؤمل عوده، أو يرهن السمك المملوك إذا ذهب في الماء فلم يمكن الاستيلاء عليه بعد انطلاقه.

المسألة 13:

يجوز لمتقبل الأرض الخراجية أن يرهن ما غرس فيها من شجر و ما أنبت فيها من زرع و ما اقام فيها من بناء، و لا يصح على الأقرب أن يرهن الأرض معه بالتبعية، و اما رهن الأرض مستقلة فقد ذكرنا في المسألة المتقدمة أن الأقوى عدم صحته.

المسألة 14:

إذا رهن الإنسان على دينه ما يملكه هو و ما يملكه غيره، صح الرهن في ما يملكه و كانت الصحة في ما يملكه غيره موقوفة على اجازة مالكه، فإذا أجاز مالكه الرهن صح، و ان لم يجزه كان باطلا، و مثال ذلك ان

كلمة التقوى، ج 6، ص: 32

يكون زيد مدينا لأحد، فيرهن على الدين الذي في ذمته دارا مشتركة بينه و بين مالك آخر، فيكون الرهن في حصته من الدار صحيحا نافذا، و يكون الرهن في حصة شريكه من الدار فضوليا أو هو بحكم الفضولي، فتتوقف الصحة فيه على اجازة الشريك، فإذا أجازه صح رهنا على دين الراهن.

المسألة 15:

إذا استدان زيد من خالد مبلغا من المال و لم يجعل على دينه رهنا، فرهن عمرو بعض أموال زيد- و هو المدين- على الدين المذكور و لم يستأذن زيدا في ذلك، كان رهنه فضوليا، فان أجازه زيد كان صحيحا و ان لم يجزه كان باطلا.

المسألة 16:

يجوز للإنسان أن يتبرع بالرهن، فيجعل ماله رهنا لدين غيره، سواء رضي المدين بتبرعه عنه أم لم يرض بذلك، بل الظاهر صحة رهن المتبرع و ان منعه المدين من الرهن، و إذا كان في تبرعه منة لا يتحملها المدين، لم يصح الرهن حين ذاك، و كذا إذا قصد به إذلاله أو الحط من مكانته و كرامته.

و إذا تبرع الرجل فرهن ماله لدين غيره و لم يستأذن من المدين، ثم بيع المال بالدين، فليس للمتبرع الرجوع على المدين بعوض ماله، و خصوصا إذا كان المدين قد منعه من الرهن.

المسألة 17:

إذا كان الدين على الرجل مؤجلا إلى مدة معلومة، و رهن على الدين عينا يدركها الفساد قبل حلول أجل الدين، فان شرط الراهن أو المرتهن في ضمن العقد أن يباع المال المرهون قبل أن يصيبه الفساد، و يجعل ثمنه رهنا على الدين حتى يحل الأجل، صح الرهن و عمل بالشرط، فيتولى الراهن بيع المال قبل أن يعرض له الفساد، و يجوز له أن يوكل المرتهن في ذلك أو يوكل شخصا آخر يتفقان عليه فينفذ تصرف الوكيل.

و إذا امتنع الراهن من بيع المال و خيف على الرهن الفساد أجبره الحاكم الشرعي على بيعه و ان لم يمكن جبره تولى الحاكم البيع، و إذا لم

كلمة التقوى، ج 6، ص: 33

يوجد حاكم شرعي أو لم يمكن الوصول اليه، تولى المرتهن بيع المال و جعل الثمن رهنا على الدين.

و كذلك الحكم إذا دلت القرائن الحافة بالعقد على اشتراط بيع المال و جعل الثمن رهنا فيجري فيه جميع ما تقدم، و إذا شرط عدم بيع المال قبل حلول الأجل كان الرهن باطلا.

المسألة 18:

إذا كان الدين مؤجلا إلى مدة معلومة و رهن المدين عليه عينا لا يدركها الفساد بحسب العادة، و لكن طرأ عليها ما جعلها مظنة لعروض الفساد و التغير، و مثال ذلك أن يرهن على الدين حنطة أو أرزا أو غيرهما من الحبوب فيصيبه المطر أو الرطوبة، فلا يبطل الرهن بحدوث ذلك، سواء شرط بيع المال قبل حلول الأجل أم شرط عدم البيع، أم لم يشترط في عقد الرهن شيئا، فيباع المال المرهون، و يستبقي ثمنه رهنا حتى يحل أجل الدين.

المسألة 19:

يشترط في المال الذي يراد رهنه أن يكون معينا، فلا يصح أن يرهن شيئا مرددا مبهما، و مثال ذلك أن يرهن عند دائنه أحد العبدين، أو إحدى العينين، فإذا رهن إحداهما لا على وجه التعيين كان الرهن باطلا.

المسألة 20:

يصح أن يكون المال المرهون كليا في المعين إذا كانت الأفراد متساوية في الصفات و في المالية و مثال ذلك أن يرهن عند الدائن وزنة من صبرة معينة من الحنطة المتساوية في الأجزاء، أو يرهن عنده عددا معلوما من الأواني أو الأشياء الأخرى الموجودة في محله مما انتجته المعامل الحديثة متساوي الصفات و المالية، فإذا رهن الكلي من هذه الأفراد المتساوية الموجودة ثم عين الراهن فردا من الكلي و قبضه المرتهن، صح الرهن و كان نافذا، و يتحقق قبض الكلي بقبض ذلك الفرد. و يتحقق قبض الكلي في المعين أيضا بأن يدفع اليه جميع الأفراد الموجودة لديه من الكلي، فإذا دفع له جميع الصبرة المعينة و قبضها المرتهن فقد قبض الكلي و تحقق الشرط و صح الرهن.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 34

و إذا كانت أفراد الكلي مختلفة في الصفات أو في المالية أو في كليهما، أشكل الحكم بصحة رهن الكلي منها.

المسألة 21:

يصح أن يرهن المدين كليا في الذمة على الأقوى إذا كان جنسه و نوعه مما تتساوى الأفراد منه في الصفات و المالية كما اشترطنا في المسألة السابقة، و يتحقق القبض بقبض المصداق الذي يعينه الراهن بعد ذلك، فإذا عين فردا من الكلي و قبضه المرتهن صح الرهن و ترتبت آثاره و أحكامه، و إذا تفاوتت أفراد الكلي في صفاتها و ماليتها أشكل الحكم بجواز رهن الكلي منها كما تقدم في نظيره.

المسألة 22:

إذا كان المال الذي يراد رهنه معلوم الجنس و الصفات و كان مجهول المقدار فالظاهر صحة رهنه، إذا كان مشاهدا، و مثال ذلك ان يرهنه صبرة معينة من الحنطة المعلومة، و هما لا يعلمان مقدار وزنها و كيلها.

المسألة 23:

إذا رهن الرجل عند دائنه شيئا مجهولا، فلا يعلم أن الشي ء المرهون مما له مالية أو لا، لم يصح رهنه و مثال ذلك أن يرهنه شيئا موجودا في الحجرة و هو لا يعلم أي شي ء فيها، و كذلك على الأحوط إذا رهن عنده شيئا يعلمان أنه مما له مالية و لكنهما يجهلان صفاته و خصائصه، أو كان أحدهما يجهل ذلك، و مثال ذلك ان يرهن عند صاحبه ما في الصندوق من المال و هما يجهلان اي نوع من المال يحتويه الصندوق، أو كان أحدهما يجهل ذلك، فلا يصح الرهن على الأحوط.

المسألة 24:

يشترط في الحق الذي يرهن عليه أن يكون دينا ثابتا في ذمة المدين بالفعل، فلا يصح أن يجعل الرهن وثيقة على مبلغ سيستقرضه بعد هذا أو على ثمن شي ء سيشتريه في الذمة، أو على ما سيبيعه سلفا على زيد، أو على صداق مؤجل لامرأة سيتزوجها، أو على مال اجارة لدار سيستأجرها من مالكها أو نحوها من الديون التي لم تثبت في ذمته و لكنها تثبت في ما يأتي عند ما تتحقق أسبابها، فلا يصح الرهن عليها قبل

كلمة التقوى، ج 6، ص: 35

ثبوتها، و ان تحققت بعد ذلك كما إذا رهن على الدين المقبل ثم استدان أو رهن على الصداق المؤجل قبل التزويج ثم تزوج.

المسألة 25:

لا يصح أن يجعل الرهن على الدية قبل أن تستقر في ذمة القاتل بموت المقتول و ان علم بأن السبب الذي جناه القاتل يؤدي الى الموت، و لا يصح الرهن على مال الجعالة قبل شروع المجعول له في العمل المجعول عليه، و لا بعد الشروع فيه و قبل إتمامه.

المسألة 26:

إذا تحقق سبب الدين و ثبت المال في الذمة، صح طلب جعل الرهن عليه من الدائن، و صح جعل الرهن عليه من المدين، سواء كان الدين حالا أم مؤجلا.

المسألة 27:

إذا استأجر الإنسان الدار أو المحل من مالكه، و كان مال الإجارة دينا في ذمة المستأجر جاز للمؤجر أن يطلب الرهن عليه كما ذكرنا، و إذا استأجر الرجل أجيرا على عمل في ذمته جاز للمستأجر أن يطلب من الأجير رهنا على العمل الثابت في ذمته، إذا أمكن استيفاء العمل المستأجر عليه من الوثيقة و مثال ذلك أن يستأجر الأجير على عمل في الذمة و لا يشترط عليه المباشرة، فإذا انقضت المدة المحددة للعمل و لم يقم الأجير به أو علم منه الامتناع عن الوفاء بالإجارة، بيع الرهن و استؤجر بثمنه عاملا يأتي بالعمل المطلوب، و إذا لم يمكن استيفاء العمل من الرهن لم يصح، كما إذا اشترطت على العامل المباشرة في العمل.

المسألة 28:

إذا اشترى الرجل سلعة أو متاعا و بقي الثمن دينا في ذمة المشتري، صح له ان يجعل السلعة أو المتاع الذي اشتراه رهنا على الثمن الباقي في ذمته من ذلك الشراء.

المسألة 29:

لا يبعد أنه يجوز جعل الرهن على الأعيان التي يستقر ضمانها على

كلمة التقوى، ج 6، ص: 36

الإنسان شرعا، لقوله (ص) (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) و أمثاله، كالأعيان التي يستولي عليها الإنسان غصبا، و الأعيان التي يقبضها بالعقود الفاسدة أو يقبضها بالسوم، و كالعارية التي يحكم الشارع بضمانها، و نحو ذلك، فإذا رهن الضامن في بعض هذه الموارد شيئا على العين التي حكم الشارع عليه بضمانها، و لم يؤد العين المضمونة لصاحبها حتى تلفت، بيع الرهن و أخذت قيمة العين التالفة من ثمنه.

المسألة 30:

إذا باع الرجل عينا شخصية على أحد، و سلم العين المبيعة للمشتري، كانت العين المذكورة في عهدة بائعها، فإذا استبان أن العين مملوكة لغيره كان عليه ضمانها، فيرد الثمن على المشتري إذا كان الثمن باقيا و يرجع عليه بدله إذا كان تالفا، و كذلك إذا اشترى سلعة من أحد بثمن شخصي معين، فالثمن المذكور في عهدة المشتري على النهج المذكور في المبيع، و مثله مال الإجارة إذا استأجر الدار أو الأرض بأجرة شخصية، و عوض الصلح إذا صالح على الشي ء بعوض شخصي، فتكون الأعواض الشخصية المذكورة التي جرت عليها المعاوضة في عهدة دافعها و ضمانه، فإذا ظهر انها مملوكة لغيره وجب عليه رد عوضها إذا كان موجودا و لزمه رد بدله إذا تلف.

و يشكل الحكم بصحة جعل الرهن على هذه العهدة، بل الظاهر عدم جواز ذلك قبل أن ينكشف أمر العين المضمونة أ هي مستحقة للغير أم لا، و إذا انكشف ان العين مملوكة لمالك آخر، فالظاهر صحة الرهن عليها.

المسألة 31:

لا يمنع رهن العين على دين من أن ترهن تلك العين نفسها على دين آخر للمرتهن الأول، فإذا استدان الرجل من أحد مبلغا من المال، و رهن عليه عشرين مثقالا من الذهب مثلا، ثم استدان منه أيضا دينا آخر يساوي الدين الأول في المقدار أو يزيد عليه أو ينقص عنه أو يخالفه في الجنس، و أراد أن يجعل الذهب المرهون على الدين الأول رهنا على الدينين معا جاز له ذلك، و كذلك إذا كان الرجل مدينا لزيد بدينين مستقلين فجعل على أحدهما رهنا معينا ذهبا أو غيره، ثم جعل ذلك الشي ء

كلمة التقوى، ج 6، ص: 37

رهنا على الدين الآخر أيضا، و لا يمنع ذلك

من أن يجعله رهنا أيضا على دين ثالث أو رابع مثلا للمرتهن نفسه سواء كانت الديون التي يرهن عليها متجددة أم سابقه على الرهن الأول، فيصح له ذلك في جميع الصور.

المسألة 32:

إذا رهن الرجل شيئا معينا على دين لزيد، ثم أراد أن يجعل على الدين نفسه رهنا ثانيا توثيقا لزيد على دينه الواحد جاز له ذلك فيكون كل واحد من الشيئين رهنا مستقلا على ذلك الدين الواحد.

و إذا أراد أن يفسخ الرهن الأول و يجعل الشيئين معا رهنا واحدا على الدين صح ذلك إذا فسخ المرتهن الرهن الأول أو تقايلا بينهما فأبطلا الرهن الأول و اتفقا على إنشاء الرهن الثاني.

المسألة 33:

إذا رهن الرجل شيئا معينا على دين عليه لزيد، ثم أراد أن يرهن ذلك الشي ء نفسه على دين في ذمته لعمرو، صح له أن يفعل ذلك إذا رضي الدائنان و اتفقا معه عليه، فيصبح الشي ء رهنا على كل واحد من الحقين، فإذا أدى أحد الدينين أو أبرأه صاحبه منه بقي الشي ء رهنا بالدين الآخر.

و إذا رضي الدائن الأول ففسخ رهنه و رهن الشي ء على الدين الثاني وحده صح ذلك، و إذا فسخ رهن الأول ثم جعل الشي ء رهنا مشتركا على الدينين صح ذلك إذا اتفق جميعهم عليه.

المسألة 34:

إذا استدان كل واحد من زيد و عمرو دينا خاصا من دائن واحد، و رهنا عنده على الدينين دارا مشتركة بينهما بعقد واحد أو بعقدين، أصبحت حصة كل واحد منهما من الدار رهنا خاصا على دينه الذي في ذمته، فإذا أدى أحدهما دينه الخاص انفكت حصته من الدار من رهنها، و بقيت حصة شريكه مرهونة بدينه سواء تفاوت الدينان في المقدار أم تساويا، و سواء اختلفت حصتاهما من الدار في المقدار أم تساوتا، و سواء كان معهما شريك ثالث في الدار أم لا.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 38

المسألة 35:

إذا استدان زيد من عمرو مبلغا من المال، ثم استدان من خالد مبلغا آخر، و جعل داره رهنا عندهما على الدينين، فان كان الدينان متساويين في مقدارهما، فظاهر ذلك ان نصف الدار رهن عند عمرو على دينه و نصفها الآخر رهن عند خالد على دينه.

و إذا اختلف الدينان في المقدار، فالظاهر منه أن رهن الدار بينهما يكون بنسبة حق الدائن إلى مجموع الدينين، فإذا كان دين عمرو مائة دينار مثلا، و كان دين خالد مائتي دينار كانت حصة عمرو من الدار المرهونة الثلث و كانت حصة خالد الثلثين منها، و هذا هو مقتضى ظاهر مناسبة الرهن مع الدين في كلا الفرضين، الا أن تدل قرينة خاصة على ان المراد غير ذلك فيجب اتباعها.

المسألة 36:

إذا استدان زيد من عمرو مبلغا من المال و رهن عنده داره على دينه، ثم مات الراهن و هو زيد، و خلف من بعده ولدين، فأدى أحد الولدين ما يصيبه من دين أبيه، لم تنفك حصته من الدار عن رهنها حتى تؤدى بقية الدين.

و إذا مات المرتهن و هو عمرو في الفرض المذكور، و خلف من بعده ولدين، فدفع الراهن و هو زيد حصة أحد الولدين من الدين لم ينفك الرهن عن حصته من الدار كذلك حتى يدفع جميع الدين لصاحبه.

المسألة 37:

إذا رهن الإنسان بقرة أو شاة أو دابة لم يدخل حملها الموجود في بطنها في الرهن و لا ما يتجدد منه بعد العقد، الا إذا اشترط في العقد أن يدخل الحمل في الرهن، فيتبع الشرط، أو كان دخول الحمل هو القاعدة المتعارفة بين الناس في ذلك فيكون التعارف قرينة على الدخول.

و كذلك الثمر في الشجر و التمر في النخيل، فلا يدخل الموجود منه في رهن الأصل، و لا ما يتجدد منه بعد عقد الرهن الا مع الشرط أو يكون ذلك هو المتعارف بين الناس فيثبت ذلك فان المتعاقدين يقصدان ما هو المتعارف بين الناس.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 39

المسألة 38:

إذا رهن الإنسان على دينه جملا أو بقرة أو شاة أو غيرها من الحيوان، فالظاهر دخول وبر الحيوان و صوفه و شعره في رهن الحيوان من غير فرق بين الموجود منه و ما يتجدد، و إذا رهن الشجرة دخل في الرهن أوراق الشجرة و أغصانها الخضراء و اليابسة.

و لا يدخل مغرس الشجرة في رهنها و مغرس الشجرة هو موضع غرسها من الأرض، و لا يدخل أس الجدار في رهن الجدار و هو موضع أساسه من الأرض.

و يشكل الحكم بدخول اللبن الموجود في الضرع في رهن البقرة و الشاة و الناقة، و كذلك ما يتجدد منه و الأحوط الرجوع فيه الى المصالحة، و ان كان الأقوى عدم الدخول في الرهن الا مع الاشتراط.

الفصل الثاني في لزوم الرهن و جوازه

المسألة 39:

عقد الرهن لازم من جانب الراهن، و هو جائز من جانب المرتهن، فلا يصح للراهن أن يفسخ الرهن أو يأخذ العين المرهونة من المرتهن بغير رضاه، و يجوز للمرتهن أن يسقط حقه من الرهن، فإذا أسقط حقه منها جاز للراهن أخذ العين و التصرف فيها و ان لم يرض المرتهن و لم يأذن بالتصرف بعد إسقاط حقه، و مثل ذلك ما إذا أدى الدين أو فرغت ذمته منه بإبراء أو مصالحة أو هبة أو غيرها فيسقط حق المرتهن و يجوز للراهن التصرف.

المسألة 40:

إذا برئت ذمة المدين من بعض الدين لم ينفك الرهن بذلك، و لم ينفك منه شي ء على الأقوى بل يبقى الجميع رهنا حتى يؤدي جميع الدين، أو تبرأ ذمته منه بأحد المبرئات.

و إذا شرط الراهن في العقد أن ينفك من الرهن بمقدار ما يؤدى من الدين نفذ الشرط، فإذا أدى نصف الدين انفك نصف الرهن و بقي

كلمة التقوى، ج 6، ص: 40

نصفه رهنا على بقية الدين، و إذا شرط أن تكون العين مرهونة على مجموع الدين نفذ ذلك، فإذا أدى بعض الدين انفك جميع الرهن.

المسألة 41:

لا يجوز للراهن أن يتصرف في العين المرهونة تصرفا ينافي حق المرتهن كالبيع و الإجارة و نحوهما من التصرفات التي تنقل العين أو المنفعة إلى ملك غيره و كالوقف و التحبيس و الصدقة، و يجوز له أن يتصرف فيها تصرفا لا ينافي حق المرتهن، و لا يخرجها من يده على الأقوى كسقي الشجر المرهون و علف الدابة و تعمير الدار و مداواة المريض، بل يجوز استخدام العبد و الأمة و ركوب السيارة و الدابة و سكنى الدار إذا لم تخرج العين بتصرفه عن يد المرتهن أو كان التصرف باذنه و رضاه.

المسألة 42:

إذا أتلف الراهن العين المرهونة لزمه أن يؤدي قيمتها، فتوضع القيمة رهنا مكان العين التالفة و إذا آجر الراهن الدار المرهونة كانت صحة الإجارة موقوفة على اجازة المرتهن، فان ردها بطلت، و ان أجازها صحت و لم يبطل رهن الدار بذلك، و كانت الأجرة المسماة للمالك الراهن.

المسألة 43:

إذا باع الراهن العين المرهونة توقفت صحة البيع على اجازة المرتهن، فإذا هو رد العقد بطل البيع و بقي الرهن، و إذا أجاز العقد صح البيع و بطل الرهن، إلا إذا باع الراهن العين على أن يكون ثمنها رهنا في موضع العين و أجاز المرتهن البيع كذلك، فيصح البيع و يبقى الثمن رهنا كما اشترط.

و كذلك الحكم إذا أذن المرتهن في بيع العين فباعها الراهن، فيصح البيع و يبطل الرهن، و إذا باع العين على أن يكون ثمنها رهنا في موضع العين، و قد أذن له المرتهن كذلك صح البيع و لم يبطل الرهن بل يبقى الثمن رهنا كما اشترط و تراجع المسألة المائة و التاسعة و العشرون من كتاب التجارة في بقية من فروض هذه المسألة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 41

المسألة 44:

لا يجوز للمرتهن أن يتصرف في العين المرهونة إلا بإذن مالكها، فإذا ركب السيارة أو الدابة المرهونة عنده، أو سكن الدار أو اكتسب في الدكان بغير اذن المالك كان آثما بتصرفه، و كان ضامنا للعين إذا تلفت فيضمنها بمثلها إذا كانت مثلية و بقيمتها يوم التلف إذا كانت قيمية، و يجب عليه أن يدفع للمالك أجرة المثل للمنفعة التي استوفاها من ماله.

المسألة 45:

إذا باع المرتهن العين المرهونة، كان بيعه فضوليا، فلا يصح الا بإجازة المالك الراهن، فان أجازه صح، و ان رده كان باطلا.

و إذا أجاز المالك بيع المرتهن، و كان بيعه للعين مشروطا بأن يكون ثمنها رهنا، و قد أجازه المالك كذلك صح البيع و بقي الثمن رهنا مكان العين كما اشترط.

و إذا باع المرتهن العين و لم يشترط في البيع شيئا ثم أجاز الراهن البيع صح البيع و بطل الرهن و لا يكون الثمن رهنا على الدين الا بعقد جديد.

المسألة 46:

إذا آجر المرتهن الدار المرهونة بغير اذن مالكها كان عقد الإجارة فضوليا، فان أجازه المالك صحت الإجارة و كان بدل الإجارة له لا للمرتهن، و ان رده كانت الإجارة باطلة، و بقيت العين رهنا على حالها في كلتا الصورتين.

المسألة 47:

منافع العين المرهونة و نماءاتها تابعة للعين في الملك، فإذا كانت العين مملوكة للراهن كما هو الغالب، فمنافعها و نماءاتها كلها للراهن، فسكنى الدار المرهونة، و العمل و التكسب في الدكان المرهون و خدمة العبد و الأمة المرهونين، و استعمال الفرش و الأواني و الأثاث و الأمتعة و ركوب السيارة و الدابة إذا كانت هذه الأشياء مرهونة، و كل منفعة من منافعها، و أجرتها إذا استؤجرت كلها للراهن و كذلك نماءاتها كنتاج الحيوان و لبنه و دهنه و بيضه و سمنه إذا سمن، و ثمر النخيل

كلمة التقوى، ج 6، ص: 42

و الشجر و نموه و فسيلة، فجميع ذلك للراهن، و لا ينتقل شي ء منه الى المرتهن و لا يدخل في الرهن إلا إذا اشترط دخوله أو دلت قرينة أو عرف على دخوله، و قد ذكرنا ما يدخل في الرهن و ما لا يدخل فيه في المسألة السابعة و الثلاثين و المسألة الثامنة و الثلاثين، فليرجع إليهما من يريد الوقوف على ذلك.

و إذا كانت العين المرهونة ملكا لغير الراهن فمنافعها و نماؤها لمالك العين و قد ذكرنا في المسألة السادسة عشرة حكم من يتبرع بالرهن، فيجعل ماله رهنا على دين غيره.

المسألة 48:

يصح للمالك أن يرهن ثمرة الشجرة دون أصلها، و يصح له أن يرهن الأصل و الثمرة معا فإذا أدركت الثمرة و حل أجل الدين في وقت واحد، أو كان الدين حالا لا أجل له، أجريت على الثمرة أحكام الرهن عند حلول الأجل، سواء كانت مرهونة مع الأصل أم على انفرادها.

و إذا كان الدين مؤجلا و أدركت الثمرة قبل حلول أجله، فإن كانت الثمرة مما يحفظ بتجفيف و نحوه حتى يحل أجل الدين، صنع بها

كذلك و بقيت رهنا، و ان لم يمكن حفظها، جرى عليها حكم رهن العين التي يسرع إليها الفساد قبل حلول الدين، و قد ذكرناه في المسألة السابعة عشرة فلتراجع لتطبيق حكمها في المورد.

المسألة 49:

إذا كان على الشخص دين حال، أو كان الدين مؤجلا فحل وقته، و رهن عليه رهنا، و شرط الراهن أو المرتهن في ضمن العقد، أن يستوفي الدائن المرتهن منفعة العين المرهونة مجانا ليؤجل الدين إلى مدة معينة لم يصح ذلك، و كذلك الحكم إذا كان الدين مؤجلا إلى مدة، فرهن عليه رهنا، و شرط أن يستوفي المرتهن منفعة العين مجانا ليزيد في مدة الأجل، فلا يصح ذلك في الصورتين، و قد ذكرنا في المسألة الثلاثمائة و الخامسة و ما بعدها من كتاب التجارة نظيري هذين الحكمين.

المسألة 50:

يجوز للدائن المرتهن أن يشترط في العقد على الراهن أنه يستوفي

كلمة التقوى، ج 6، ص: 43

منفعة العين المرهونة مجانا. في مدة رهنها عنده، إذا لم يكن استيفاء المنفعة المذكورة زيادة في عوض قرض، كما ذكرناه في المسألة التاسعة و الخمسين من كتاب الدين، و لم يكن عوضا لتأجيل دين حال، أو عوضا لزيادة في أجل دين مؤجل كما ذكرناه في المسألة السابقة، فإذا لم يكن استيفاء منفعة الرهن راجعا الى ذلك، صح للمرتهن اشتراطه و إذا شرطه في الرهن لزم العمل به ما دامت المدة المشترطة باقية.

الفصل الثالث في استيفاء الحق من الرهن

المسألة 51:

لا يتعين على الراهن أن يبيع العين المرهونة لوفاء دينه، و لا يحق للمرتهن أن يجبره على بيعها و وفاء الدين من ثمنها إذا كان يستطيع وفاءه من مال آخر، أو ببيع عين أخرى أو بالاستدانة من دائن آخر، فيكون مخيرا في الوفاء من اي سبيل أراد، إلا إذا انحصر سبيل ذلك ببيع العين، فيتعين عليه بيعها حين ذاك و يجبر عليه إذا امتنع.

المسألة 52:

إذا رهن الرجل بعض أمواله عند الدائن يوثق به دينه، فقد يجعل الراهن صاحب الدين وكيلا عنه في بيع العين المرهونة عند حضور أجل الدين و في استيفاء حقه من ثمنها، و قد لا يوكله في ذلك بل يجعل أمر بيع الرهن و وفاء الدين لنفسه لا للمرتهن، و إذا وكله في البيع و الاستيفاء، فقد يجعل وكالته مطلقة في ذلك بمجرد حلول وقت الوفاء، و قد يجعل وكالته مقيدة بمراجعة الراهن في تسديد الدين، فلعله يوفي الدين من جهة أخرى غير جهة الرهن، فإذا لم يوف الراهن الدين من ناحية أخرى كان المرتهن وكيلا عنه في البيع و الاستيفاء.

فإذا حضر أجل الدين أو كان حالا غير مؤجل، و أراد المرتهن أن يستوفي حقه جاز له أن يعمل بموجب وكالته إذا كان وكيلا و جاز له ان يطالب الراهن بالوفاء إذا لم يوكله في ذلك.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 44

المسألة 53:

إذا حضر أجل الدين أو كان الدين حالا غير مؤجل، و كان المرتهن وكيلا عن المديون في أن يبيع العين المرهونة و يستوفي دينه من ثمنها، و كانت وكالته مطلقة بمجرد حلول الدين، جاز له أن يتولى بيع العين و استيفاء الدين و لم يجب عليه أن يراجع الراهن في ذلك، و يلزمه أن يقتصر في تصرفه على ما تتناوله وكالته في نظر العقلاء فلا يجوز له أن يراعي حق نفسه من غير مراعاة لمصلحة موكله في كل من البيع و الاستيفاء.

و يحسن ان يراجع الراهن قبل البيع و في البيع و في الاستيفاء، و ان لم يجب عليه ذلك إذا كانت الوكالة مطلقة و كان مراعيا لشؤون الوكالة كما بينا.

المسألة 54:

إذا كانت وكالة المرتهن في بيع العين مقيدة بمراجعة الراهن قبل البيع كما ذكرنا في المسألة الثانية و الخمسين وجب عليه أن يراجع الراهن أولا، فإذا لم يحصل منه على الوفاء من جهة أخرى جاز له أن يتولى البيع و يستوفي حقه من الثمن على نهج ما بيناه في المسألة المتقدمة.

المسألة 55:

إذا شرط المرتهن على الراهن في ضمن العقد أن يكون وكيلا عنه في بيع العين و استيفاء الحق من ثمنها لزم الشرط و ثبتت وكالة المرتهن عن الراهن في ذلك، و لم ينعزل إذا عزله الراهن، حتى يتحقق البيع و الاستيفاء منه أو من الراهن باذن المرتهن أو إجازته، أو يحصل الوفاء للدين من طريق آخر، و إذا وكل الراهن المرتهن في بيع العين بعد أن تم عقد الرهن و لم يشترط ذلك في ضمنه جاز للراهن أن يعزله قبل أن يحصل البيع.

المسألة 56:

إذا حضر أجل الدين أو كان حالا غير مؤجل، و لم يكن المرتهن وكيلا عن الراهن في بيع العين لم يجز له أن يتولى البيع بنفسه، بل يطالب الراهن بوفاء الدين بأحد السبل التي يختارها في ذلك فيبيع العين

كلمة التقوى، ج 6، ص: 45

المرهونة، أو يوكل المرتهن أو غيره في بيعها، أو يؤدي الدين من مال آخر، و إذا باع الراهن العين توقفت صحة البيع على اذن المرتهن أو إجازته كما تقدم، و كذلك إذا وكل الراهن غير المرتهن فباعها فتتوقف صحة البيع على اذن المرتهن أو إجازته.

المسألة 57:

إذا امتنع الراهن من وفاء الدين و من بيع الرهن و التوكيل في بيعه، رفع المرتهن الأمر إلى الحاكم الشرعي، فألزمه الحاكم ببيع العين و وفاء الدين من ثمنها، أو أدائه من وجه آخر.

و إذا امتنع على الحاكم أن يلزمه بشي ء، لغيبة و نحوها، تولى الحاكم بيع الرهن و وفاء الدين، أو وكل غيره في ذلك، و يجوز ان يتولى المرتهن ذلك بالوكالة عن الحاكم الشرعي و اذنه.

المسألة 58:

إذا فقد الحاكم الشرعي أو تعذر الاستئذان منه، جاز للمرتهن، أن يتولى بيع الرهن بنفسه فيستوفي دينه من الثمن، و إذا زاد الثمن على الدين بقيت الزيادة امانة في يد المرتهن، يجب عليه ان يوصلها الى مالك العين.

المسألة 59:

لا يجوز للمرتهن أن يتولى البيع بنفسه في الصورة المتقدم ذكرها مع تمكنه من استئذان الحاكم الشرعي و ان كان الحاكم غير قادر على إلزام الراهن بالبيع و الوفاء لعدم بسط يده، فلا بد من استئذانه.

المسألة 60:

إذا كانت العين المرهونة بيد المرتهن و امتنع الراهن من بيعها و من وفاء الدين، و تعذر على المرتهن إثبات دينه عند الحاكم لعدم البينة الشرعية، و خشي إذا هو رفع أمره الى الحاكم الشرعي ان يجحد الراهن الدين فلا يستطيع هو إثباته لعدم وجود البينة، فتؤخذ منه العين المرهونة لاعترافه بها و عدم ثبوت حقه، جاز له أن يبيع الرهن و يستوفي دينه من ثمنه من غير مراجعة للحاكم الشرعي.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 46

و كذلك الحكم إذا مات الراهن و خاف المرتهن أن يجحد وارث الراهن الدين، و لا بينة للمرتهن على إثبات حقه، فإذا رفع الأمر إلى الحاكم لم يستطع إثبات الدين عنده، فتؤخذ منه العين المرهونة كما في الفرض السابق، فيجوز له أن يبيع الرهن و يستوفي الدين من غير مراجعة للحاكم.

المسألة 61:

إذا جاز للمرتهن أن يبيع العين المرهونة من غير مراجعة للحاكم الشرعي كما في الصور الآنف ذكرها، و كان بيع بعض الرهن كافيا في وفاء الدين كله فالأحوط للمرتهن لزوما ان لا يبيع جميع الرهن، بل يقتصر على بيع ما يكفيه من الرهن في تسديد الدين، و يبقى بقية الرهن أمانة شرعية في يده يوصلها الى مالكها، و هو الراهن.

و إذا تعذر عليه أن يبيع بعض الرهن لعدم إمكان التفكيك بين أجزائه أو لعدم وجود الراغب مثلا أو كان بيع البعض يوجب ضررا للراهن جاز له ان يبيع جميع الرهن، فيستوفي مقدار دينه من الثمن و يبقى الباقي منه امانة في يده يوصله الى الراهن.

المسألة 62:

إذا رهن الرجل عند دائنه بعض الأعيان التي جعلها الإسلام من المستثنيات في وفاء الدين، و هي الأمور التي تقدم ذكرها في المسألة الثامنة عشرة من كتاب الدين، جاز للمرتهن أن يبيعها و يستوفي دينه من ثمنها، و الأحوط أن لا يبيع دار سكناه، ففي الخبر عن أبي عبد اللّه (ع): أعيذك باللّه أن تخرجه من ظل رأسه.

المسألة 63

إذا كان لزيد في ذمة عمرو دينان يستقل أحدهما عن الآخر، و قد جعل عمرو على الدين الأول منهما بخصوصه، أو على الثاني بخصوصه رهنا، اختص الرهن بالدين المقصود منهما، فإذا وفاه المدين انفك رهنه، و لم يجز للمرتهن ان يحتبس الرهن بالدين الآخر، و إذا وفى الدين الآخر الذي لا رهن عليه برئت ذمته منه، و بقي الرهن محبوسا حتى يؤدي الدين الذي ارتهن عليه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 47

و إذا دفع للدائن مبلغا و لم يعين عند دفعه انه وفاء عن الدين الأول أو عن الثاني، لم ينفك الرهن بذلك على الأقوى حتى يعلم فكه.

المسألة 64:

المرتهن أمين على العين المرهونة في يده، و لذلك فلا يكون ضامنا لها إذا تلفت في يده أو نقصت أو أصابها عيب أو عوار، إلا إذا تعدى عن الحد المأذون فيه، فتصرف في العين تصرفا غير مأذون فيه أو فرط في حفظها فيكون ضامنا لما يحدث فيها، كما ذكرناه في المسألة الرابعة و الأربعين.

المسألة 65:

إذا كانت العين في يد الرجل و هي مضمونة عليه كما إذا كان غاصبا لها أو كان قد قبضها بالسوم أو بعقد فاسد أو كانت عنده عارية مضمونة أو أمانة قد فرط فيها فأصبحت مضمونة عليه، ثم رهنها مالكها عنده، فان أذن له مالك العين في بقائها في يده أو كان رهنها عنده دليلا على اذنه و رضاه بذلك أو دلت عليه قرينة أخرى ارتفع الضمان عنه بذلك و أصبح أمينا، و ان لم يأذن له المالك صريحا و لم تدل القرائن على الاذن، فالضمان الأول لا يزال باقيا بحاله حتى يحصل ما يرفعه.

المسألة 66:

إذا أدى الراهن الدين الذي جعل الرهن عليه، أو أبرأ الدائن ذمة المدين منه أو تبرع أحد بأدائه عنه انفك الرهن، و بقيت العين أمانة عند المرتهن، فإذا طالبه المالك بها وجب عليه أن يسلمها له، و لا يجب عليه تسليمها إذا لم يطالبه بها.

المسألة 67:

إذا كانت العين المرهونة بيد المرتهن و ظهرت عليه أمارات الموت، و علم أو خشي انه ان لم يوص بها لم يوصلها الوارث من بعده الى صاحبها، لأن الوارث لا يعلم بها أو هو يخشى من نسيان الوارث لها، أو لأن الباعث له على أداء الأمانة إلى أهلها ضعيف في نفسه، فإذا لم يوص بها لم يؤدها الوارث أو هو يخشى منه ان لا يؤديها، فتجب عليه

كلمة التقوى، ج 6، ص: 48

الوصية بها و التعريف بها و بصاحبها و الاشهاد عليها، و إذا لم يوص بها في هذا الفرض أو لم يشهد كان مفرطا و ضامنا لها، و كذلك إذا خشي من بعض الورثة أن يجحد، و يقع النزاع بينهم، فلا يصل الحق الى صاحبه فتجب عليه الوصية و الاشهاد و إذا علم أو اطمأن بأن وارثه يوصل الحق إلى أهله، و كان الوارث عالما بالرهن و عارفا بالعين المرهونة و بأهلها و بالحق الذي رهنت عليه لم تجب عليه الوصية بها على الأقوى، و الأحوط استحبابا عدم تركها.

المسألة 68:

لا يبطل الرهن بموت الراهن، بل تنتقل العين ملكا لورثته من بعده و تبقى مرهونة بالدين الذي اشتغلت به ذمة مورثهم حتى تبرأ ذمته من الدين، و لا يبطل الرهن بموت المرتهن، بل ينتقل الحق إلى ورثته من بعده فتكون العين رهنا عند الورثة على دين مورثهم في ذمة الراهن.

و إذا لم يأتمنهم الراهن على العين المرهونة جاز لهم أن يتفقوا معه فيضعوها بيد أمين، فان لم يتفقوا على ذلك رفعوا الأمر إلى الحاكم الشرعي، فوضع العين بيد شخص يرتضيه، فان لم يوجد الحاكم الشرعي قام بالأمر عدول المؤمنين.

المسألة 69:

إذا أذن الراهن للمرتهن في بيع العين المرهونة قبل أن يحل أجل الدين، فباعها المرتهن كان ثمنها أمانة بيده، و لم يجز له أن يتصرف فيه، و لم يجز له أن يستوفي منه الدين حلول الأجل إلا بإذن الراهن.

و إذا حل الأجل و أذن الراهن للمرتهن باستيفاء الدين من الثمن جاز له ذلك، و يجوز للراهن أن يتولى ذلك، فيأخذ المال و يوفي الدين منه أو من غيره.

و إذا لم يأذن الراهن للمرتهن في الاستيفاء و لم يؤده بنفسه رجع الى الحاكم الشرعي فالزم الراهن بالوفاء و إذا امتنع تولى الحاكم أو وكيله وفاء الدين من المال، و إذا تعذر عليه ان يرجع الى الحاكم الشرعي جاز للمرتهن أن يستوفي دينه من المال الموجود بيده بغير إذن.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 49

المسألة 70:

إذا رهن الرجل بعض أمواله عند أحد على دين معين ثم أصبح مفلسا و حجر على أمواله لكثرة ديونه، اختص المرتهن بالعين المرهونة و لم يشاركه باقي الغرماء فيها حتى يستوفي دينه المذكور منها، و إذا كان للمرتهن دين آخر على المفلس لا رهن فيه شارك الغرماء الآخرين بالضرب معهم في بقية أموال المفلس بنسبة دينه الآخر، و إذا فضل من الرهن شي ء بعد استيفاء دين المرتهن اقتسمه الغرماء بالحصص بنسبة ديونهم كسائر أموال المفلس و منهم المرتهن في دينه الآخر، و إذا زاد دين المرتهن الذي كان الرهن عليه على ثمن الرهن، أخذ الثمن و ضرب مع الغرماء بالباقي من دينه في أموال المفلس الأخرى.

المسألة 71:

إذا مات المرتهن و بيده العين المرهونة جرت فيه الصور الست التي ذكرناها و فصلنا أحكامها في المسألة المائة و الثانية عشرة و المسائل التي بعدها من كتاب المضاربة فليرجع إليها من أراد و لا حاجة الى إعادة ذكرها في المقام.

المسألة 72:

يصح للمرتهن ان يشتري العين المرهونة عنده سواء كان المتولي لبيعها هو الراهن أم وليه أم وكيله غير المرتهن، و إذا كان الوكيل في بيع العين هو المرتهن نفسه، أشكل الحكم بالجواز، من حيث الإشكال في الصحة إذا اتحد الموجب و القابل في العقد، فإذا وكل المرتهن أحدا في قبول الشراء عنه، فباع هو بالوكالة عن الراهن، و قبل وكيله الشراء بالوكالة عنه، فالظاهر الصحة.

المسألة 73:

إذا تلفت العين المرهونة أو نقصت أو ظهر فيها عيب، فادعى الراهن ان المرتهن قد تعدى في الأمانة أو فرط في حفظها، فيكون ضامنا لما حدث فيها و أنكر المرتهن ذلك كان القول قول المرتهن مع يمينه لأنه منكر، و لأنه أمين.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 50

المسألة 74:

إذا تنازع المرتهن و الراهن في قدر الدين الذي وضع عليه الرهن، فادعى المرتهن ان العين قد رهنت عنده على ألف دينار مثلا، و قال الراهن، هي مرهونة على ثمانمائة، فالقول قول الراهن مع يمينه لأنه منكر.

المسألة 75:

إذا استوفى المرتهن دينه ثم اختلف الراهن و المرتهن في رد العين المرهونة إلى مالكها، فقال المرتهن اني رددتها عليك و أنكر الراهن ردها، فالقول قول الراهن المنكر مع يمينه.

المسألة 76:

إذا كان زيد مدينا لعمرو بدين و قد جعل عليه رهنا معينا، و له عليه دين آخر لم يجعل عليه رهنا، ثم أدى زيد أحد الدينين المذكورين، و قصد في نفسه أن ما أداه وفاء عن الدين الأول المرهون عليه، أو عن الدين الثاني الذي لا رهن عليه اتبع قصده و كان المبلغ المدفوع وفاء عما قصده في نفسه، و إذا اختلف هو مع الدائن في انه عين أحد الدينين أم لا، فالقول قوله، و كذلك إذا اختلفا في ان الدين الذي قصد الوفاء عنه هل هو الأول الذي جعل الرهن عليه أو الثاني الذي لا رهن عليه؟

فيكون القول قوله لأنه أبصر بنيته.

و إذا أدى المبلغ و لم يقصد انه وفاء عن أيهما، تخير في التعيين بعد ذلك فإذا عين أحد الدينين تعين و كان المبلغ وفاء عنه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 51

كتاب الضمان

اشارة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 53

كتاب الضمان و فيه أربعة فصول:

الفصل الأول في الضمان و شروطه

المسألة الأولى:

ضمن الإنسان المال أو الشي ء: تعهد به و تكفل، فهو ضامن و ضمين، و الشي ء الذي تعهد به: مضمون و الشخص أو الجهة التي تعهد لها بالشي ء: مضمون له، و الشخص أو الجهة التي تعهد عنها بالشي ء:

مضمون عنه.

و الضمان الذي يقصده الفقهاء في هذا الكتاب هو أن يتعهد الإنسان لأحد بمال يكون له في ذمة شخص آخر، فالإنسان المتعهد بالدين ضامن، و الشخص الأول و هو الدائن مضمون له، و الشخص الثاني و هو المدين مضمون عنه، و الدين المتعهد به مضمون.

المسألة الثانية:

لا بد في الضمان من الإيجاب، و هو إنشاء التعهد بالمال المضمون للشخص المضمون له، و يكون الإيجاب من الضامن، و يكفي فيه أي لفظ يكون دالا على تعهد الضامن بالمال سواء كانت دلالته بالصراحة أم بالظهور العرفي و لو بنصب قرائن تتم بها دلالة اللفظ على المعنى المراد، و من الألفاظ المستعملة في الإيجاب أن يقول الموجب للمضمون له: ضمنت لك الدين الذي تستحقه في ذمة زيد، أو تعهدت لك به.

و لا يشترط فيه القبول على الأقرب، بل يكفي في ترتب الأثر رضي المضمون له بتعهد الضامن له بالدين سواء كان رضاه سابقا على إيجاب الضامن أم لاحقا له، نعم يعتبر فيه على الأحوط لزوما أن يكون للرضى

كلمة التقوى، ج 6، ص: 54

مبرز يدل عليه من قول أو فعل، و لا يكتفى بالرضى القلبي المجرد من غير دلالة عليه.

المسألة الثالثة:

الظاهر ان التعهد بما في ذمة المضمون عنه مما لا تمكن الدلالة عليه بالأفعال، و لذلك فلا يصح الإيجاب بها من الضامن، و يمكن أن يكون الفعل دالا على الرضى، و لذلك فيكتفى بدلالته على رضى المضمون له كما قلنا.

المسألة الرابعة:

لا يعتبر في صحة الضمان أن يرضى به الشخص المضمون عنه، فيصح التبرع بضمان ما في ذمته من الدين و ان لم يأذن بذلك و لم يرض به كما تقدم في وفاء الدين عنه و كما تقدم في صحة الرهن على الدين الذي في ذمته و لا يصح ذلك إذا أوجب له حرجا أو ضررا أو منة عليه لا تحتمل بحسب العادة أو أوجب له ضعة لا تناسب منزلته الاجتماعية، فلا يصح التبرع بالضمان عنه في هذه الفروض كما لا يصح التبرع بالرهن عنه و لا بوفاء دينه، و قد ذكرنا ذلك في كتاب الدين و كتاب الرهن.

المسألة الخامسة:

يشترط في الضامن أن يكون بالغا، فلا يصح ضمان الصبي و ان كان مميزا أو كان مراهقا أو أذن له وليه بالضمان على الأحوط لزوما في الأخير، و يشترط فيه أن يكون عاقلا، فلا يصح ضمان المجنون، إلا إذا كان جنونه أدوارا و كان ضمانه للدين في دور إفاقته، و يشترط فيه أن لا يكون سفيها فلا يصح ضمانه إذا كان كذلك إلا إذا كان ضمانه باذن وليه، و يشترط فيه أن يكون مختارا، فلا يصح ضمانه إذا كان مكرها.

المسألة السادسة:

يشترط في الشخص المضمون له كذلك أن يكون بالغا و أن يكون عاقلا، و ان يكون مختارا و ان لا يكون سفيها.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 55

و يشترط فيه زائدا على ذلك أن يكون غير محجور عليه لفلس، و لا يعتبر هذا الشرط في الضامن، فيصح للمفلس أن يضمن ما في ذمة غيره من الدين، و لكن المضمون له لا يشارك غرماء المفلس الضامن في الضرب في أمواله الموجودة بل يبقى هذا الدين المضمون في ذمة الضامن حتى يؤديه في ما يأتي بعد الفلس.

المسألة السابعة:

لا يشترط في الشخص المضمون عنه أن يكون بالغا أو أن يكون عاقلا، فيصح للضامن أن يضمن ما في ذمة الصغير من الدين و أن يضمن ما في ذمة المجنون، و لا يشترط فيه أن يكون غير محجور لسفه أو لفلس، فيصح للضامن أن يضمن ما في ذمة السفيه أو المفلس.

المسألة الثامنة:

إذا ضمن الرجل ما في ذمة الصغير أو المجنون لم يجز له أن يرجع عليهما بعوض ما أداه عنهما و ان كان ضمانه بإذنهما، و إذا كان المجنون أدواريا، و كان ضمان الضامن عنه بإذنه في دور إفاقته صح له الرجوع عليه إذا أدى عنه الدين، و إذا ضمن ما في ذمة المحجور السفيه أو المفلس لم يجز له كذلك أن يرجع عليهما بالعوض و ان كان الضمان بإذنهما.

المسألة التاسعة:

إذا ضمن الرجل ما في ذمة الصغير باذن وليه، و كان اذن الولي له بالضمان لمصلحة تعود للصغير، جاز للضامن أن يرجع على الصغير بالعوض على الظاهر، و لا يبعد أن يكون الحكم كذلك إذا ضمن ما في ذمة المجنون، أو ضمن ما في ذمة السفيه بإذن الولي، و قد لاحظ الولي في اذنه بالضمان مصلحة تعود للمجنون، و للسفيه.

المسألة العاشرة:

لا يصح الضمان من العبد المملوك إذا كان غير مأذون من مالكه، و في الآية الكريمة (ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ)، و هي ظاهرة الدلالة على ان العبد مملوكة عينه و مملوك فعله فهو لا يقدر على شي ء من ذلك، و ان سلطان ذلك كله بيد مالكه، من غير فرق بين ما ينافي حق المولى من أفعاله و شؤونه و ما لا ينافيه، و لا ريب في ان ذمة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 56

العبد كسائر شؤونه داخلة في هذه الكبرى، فهو لا يقدر على أن يشغل ذمته بضمان أو غيره الا إذا حكم الشارع بذلك كما إذا أتلف مال غيره، أو أذن له مولاه بأن يشغل ذمته لأحد بدين أو بضمان.

المسألة 11:

إذا أذن السيد لمملوكه صح للعبد أن يضمن ما في ذمة غيره، سواء كان الاذن خاصا أم عاما، و يتبع في ضمانه ما حدد له السيد في اذنه، كما إذا عين له أن يكون الضمان في ذمة السيد أو في ذمة العبد أو في كسبه، و إذا كان الاذن مطلقا و لم يعين شيئا، فالظاهر من الإطلاق أن الضمان يكون في ذمة العبد و نتيجة ذلك تختلف باختلاف شأن العبد مع سيده، فقد يكون السيد قد قيد ارادة العبد و تصرفه في أموره و أفعاله بإرادة السيد بحيث يكون متسلطا على شؤون العبد و أعماله و تكون جميع أفعاله و تصرفاته و كسبه و ماله تحت رعاية المالك و اختياره، فيكون ذلك قرينة على ان السيد يتعهد بما في ذمة العبد و ما يضمنه باذنه، فعلى السيد أن يؤدي ضمان العبد من أي أمواله شاء، من كسب العبد أو

من غيره.

و قد يكون السيد قد أطلق إرادة العبد في تصرفه، و اذن له في ان يفعل ما يشاء كالأحرار، و على هذا فيكون الوفاء بالضمان في عهدة العبد يؤديه من كسبه أو من أمواله الأخرى.

المسألة 12:

يشترط في عقد الضمان أن يكون منجزا على الأحوط لزوما، فلا يصح إذا كان معلقا على شي ء سواء كان التعليق للضمان نفسه، و مثال ذلك أن يقول الموجب للمضمون له: ضمنت لك ما في ذمة زيد من الدين إذا أذن لي أبي بالضمان عنه، أم كان التعليق لوجوب الوفاء، و مثال ذلك أن يقول للمضمون له: ضمنت لك ما في ما في ذمة زيد و أؤدي الدين عنه إذا هو لم يؤد الدين عن نفسه إلى مدة شهر.

المسألة 13:

يشترط في الضمان على الأحوط لزوما أن يكون الدين الذي يراد ضمانه ثابتا بالفعل في ذمة الشخص المدين، سواء كان ثبوته مستقرا،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 57

كعوض القرض، و كالثمن في بيع النسيئة، و المثمن في بيع السلف إذا كانا مما لا خيار فيه، و كالمهر المؤجل للزوجة بعد الدخول، أم كان ثبوته متزلزلا، كالثمن و المثمن في الذمة في البيع الخياري، فلا يصح ضمان الدين قبل أن يتحقق سبب ثبوته كعوض القرض قبل أن يقترض، و كالمهر المؤجل قبل أن يتزوج المرأة، و كالثمن أو المثمن قبل أن يتحقق البيع، و كنفقة المرأة قبل أن يتزوجها.

المسألة 14:

لا يكفي في صحة الضمان أن يتحقق المقتضي لثبوت الدين قبل أن يتم السبب له و تشتغل الذمة به بالفعل فلا يصح أن يضمن الضامن نفقة الزوجة قبل أن تشتغل بها ذمة الزوج و ان تحققت الزوجية بينهما، و لا يصح أن يضمن مال الجعالة قبل أن يأتي العامل المجعول له بالعمل، و لا يصح أن يضمن مال السبق و الرماية قبل أن يتحقق سبق السابق، و ان وجد المقتضي لاستحقاق المال، و هو العقد، و سيأتي التعرض لها في ما يأتي ان شاء اللّه تعالى.

المسألة 15:

اعتبر جماعة من الفقهاء قدس اللّه أنفسهم في الضمان: ان لا يكون الضامن مدينا للمضمون عنه بمثل الدين الذي يريد أن يضمنه عنه، و جعلوا هذا هو الفارق بين الضمان و الحوالة، فكلاهما عندهم تعهد بما في ذمة المدين لدائنه، فإذا كان الضامن مدينا للشخص المضمون عنه بمثل الدين الذي يضمنه عنه كان حوالة، و إذا كان غير مدين له بذلك كان ضمانا.

و الأقوى عدم اعتبار ذلك، فيصح الضمان سواء كان الضامن مشغول الذمة بذلك أم كان بريئا، و فائدة الضمان هي نقل الدين من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن، فإذا تم عقد الضمان و ثبتت شروطه انتقل الدين إلى ذمة الضامن و برئت ذمة المضمون عنه، و سيأتي بيان ذلك.

و الضمان و الحوالة عقدان متخالفان في مفهوميهما و في أحكامهما و آثارهما، و قد تقدم ان إنشاء العقد في الضمان يكون بالإيجاب من

كلمة التقوى، ج 6، ص: 58

الضامن و لا يعتبر فيه رضى المضمون عنه، و سيأتي في كتاب الحوالة ان إنشاء العقد فيها يكون بالإيجاب من المحيل، و بينهما فوارق أخرى سيأتي بيان بعضها في

مواضعه ان شاء اللّه تعالى.

المسألة 16:

إذا كان زيد مدينا لعمرو مائة دينار، و كان خالد مدينا لزيد بمثل ذلك، ثم ضمن خالد لعمرو ما يستحقه في ذمة زيد، و زيد هو دائنه كما ذكرنا، فان كان خالد قد استأذن زيدا في ضمان ما في ذمته، ثم أدى ما ضمنه لعمرو، أصبح خالد بعد أداء الضمان دائنا لزيد بمال الضمان و هو مدين له أيضا بالدين السابق، فيتساقط الدينان، و ليس ذلك من الحوالة كما ذكرنا في المسألة المتقدمة.

و إذا ضمن خالد ما في ذمة دائنه زيد بغير اذنه كان متبرعا بضمانه عنه، و أصبح بعد الضمان مدينا لعمرو بمال الضمان، و مدينا لزيد بدينه السابق، فإذا أدى مال الضمان لعمرو برئت ذمته من دين عمرو و بقيت ذمته مشغولة لزيد بدينه السابق.

المسألة 17:

يعتبر في الضمان أن يكون الدين الذي يراد ضمانه متميزا عند الضامن بحيث يصح منه ان يكون قاصدا لضمانه، و لذلك فلا يصح إذا كان الدين مبهما مرددا عنده، و مثال ذلك أن يكون لزيد دينان مختلفان في ذمة عمرو، فيضمن له خالد أحد هذين الدينين من غير تعيين، فلا يصح ذلك و ان كان المضمون له و المضمون عنه معينين متميزين، و مثال ذلك أيضا أن يكون لزيد دين في ذمة عمرو، و دين آخر في ذمة بكر، فيضمن خالد لزيد أحد الدينين و لا يعين ان ضمانه لأيهما.

و يشترط كذلك ان يكون الشخص المضمون له متميزا عند الضامن، بحيث يصح منه قصد الضمان لذلك الشخص فلا يصح إذا كان مبهما مرددا كما ذكرنا في الدين المضمون، و مثال ذلك أن يكون عمرو مدينا لزيد بمبلغ من المال، و مدينا لبكر بمبلغ آخر، فيضمن خالد عن عمرو

كلمة التقوى، ج 6، ص: 59

أحد هذين الدينين اللذين في ذمته و لا يعين ان المضمون له هو زيد أو بكر، فلا يصح الضمان.

و يشترط أيضا أن يكون الشخص المضمون عنه متميزا عند الضامن بحيث يصح منه قصد الضمان عنه، فلا يصح إذا كان مبهما مرددا، و مثال ذلك أن يكون لزيد دين معين على عمرو و دين معين على بكر، فيضمن خالد لزيد أحد الدينين المذكورين و لا يعين أن الشخص المضمون عنه هو عمرو أو بكر. فلا يصح الضمان في كل أولئك.

المسألة 18:

يكفي في صحة الضمان أن يكون الدين المضمون متميزا في قصد الضامن بحيث يصدق في نظر أهل العرف أنه قصد ضمان هذا الدين لصاحبه، و ان لم يميز الدين على وجه التفصيل، أو لم يتعين عنده الدائن على وجه التفصيل أو لم يتعين عنده المدين كذلك، فإذا علم الرجل أن على صديقه زيد دينا و لكنه لا يعلم بمقداره و لا يعلم ان دائنه خالد أو عمرو، جاز له ان يضمن الدين، لأنه متميز يصح قصده، فإذا ضمنه لصاحبه الواقعي و رضي الدائن بضمانه لما بلغه الأمر صح الضمان و ترتبت عليه آثاره و برئت ذمة زيد مما عليه.

و كذلك إذا علم الرجل أن لزيد دينا على أحد صديقيه عمرو أو خالد، و لا يعلم بمقدار الدين و لا يدري أن المدين أي الصديقين، فيمكن له ضمانه لأنه متميز كما تقدم فإذا ضمنه لزيد و رضي زيد بضمانه صح الضمان و برئت ذمة المدين أيا كان منهما.

و كذلك يصح للرجل أن يضمن عن زيد جميع ديونه التي في ذمته و ان لم يعلم بمقادير الديون و لا بعددها و لا بأصحابها

لأنها متميزة في الواقع و يصح منه قصدها، فإذا بلغ الخبر أصحاب الديون و قبلوا بضمان الضامن صح ضمانه و ترتبت آثاره و برئت ذمة زيد منها جميعا، و إذا قبل بعضهم بضمانه دون بعض، صح الضمان في من قبل ضمانه و لم يصح غيره و يصح أن يضمن لزيد جميع الديون التي له على الآخرين على النهج المتقدم فتجري الأحكام السابقة كلها.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 60

المسألة 19:

إذا كان الدين متميزا عند الضامن على النحو الآنف ذكره جاز له أن يضمن جميع الدين و ان يضمن جزءا مشاعا منه فيقول للمضمون له:

ضمنت لك نصف دينك على فلان أو ثلثه أو ربعه، فإذا رضي المضمون له صح الضمان و برئت ذمة المدين من ذلك الجزء المعين من الدين، و جاز له أن يضمن مقدارا معينا منه، فيقول للمضمون له: ضمنت لك مائة دينار من دينك على فلان، فإذا تم العقد ثبت الضمان حسب ما عين.

و يشكل ضمان جزء غير معين منه كما إذا قال له: ضمنت لك شيئا من الدين أو جزءا منه، و لم تدل قرينة على تعيين المقصود من الشي ء أو الجزء.

المسألة 20:

إذا اجتمعت شروط الصحة في الضمان و تم الإيجاب و الرضى به انتقل الدين إلى ذمة الضامن و برئت ذمة المضمون عنه، فلا يجوز للدائن أن يطالبه بالدين بعد ذلك.

المسألة 21:

إذا شرط الدائن في عقد الضمان أن تضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في اشتغالهما بالدين بحيث يصح له أن يطالب أيهما شاء بدينه أو يطالبهما معا، لم يصح هذا الشرط على الأقوى، لأنه مخالف للكتاب و السنة، و لا يبطل العقد ببطلان الشرط فيصح ضمان الضامن و ينتقل المال الى ذمته خاصة.

المسألة 22:

إذا تم عقد الضمان، ثم أبرأ الدائن ذمة الضامن من الدين برئت ذمة الضامن بالإبراء، كما برئت ذمة المضمون عنه بالضمان، فلا يبقى له حق عندهما جميعا، و سيأتي ان الدائن إذا أبرأ ذمة الضامن من الدين فلم يدفع منه شيئا فليس للضامن أن يرجع على المضمون عنه بشي ء.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 61

و إذا أبرأ الدائن ذمة المضمون عنه لم يؤثر هذا الإبراء شيئا، فإن ذمة المضمون عنه قد برئت بالضمان و انتقل الدين منها إلى ذمة الضامن، و لا تبرأ ذمة الضامن بذلك، الا ان يعلم من القرائن ان الدائن يريد إبراء ذمة الضامن، و إسقاط حقه من الدين عن الضامن و المضمون عنه، و إذا دلت القرائن على ذلك فليس للضامن ان يرجع على المضمون عنه بشي ء.

الفصل الثاني الضمان من العقود اللازمة

المسألة 23:

عقد الضمان لازم فلا يجوز فسخه من قبل الضامن، و لا من قبل المضمون له على الأصح، سواء وقع العقد باذن المضمون عنه و رضاه أم كان متبرعا به من الضامن.

و نسب الى القول المشهور بين العلماء: أنه يشترط في لزوم العقد من جهة المضمون له، أن يكون الضامن موسرا في حين صدور العقد، فإذا كان موسرا في ذلك الحال كان العقد لازما على المضمون له، و كذلك إذا كان الضامن معسرا في حال العقد و كان المضمون له عالما بإعساره، فلا يجوز له فسخ الضمان في هاتين الحالتين.

و إذا كان الضامن معسرا و كان المضمون له جاهلا بإعساره، جاز له فسخ العقد، و فرعوا على ذلك فروعا ذكروها في كتبهم.

و الظاهر عدم ثبوت هذا الاشتراط و لا هذه الفروع، فإذا تم عقد الضمان و توفرت شروط الصحة فيه كان لازما من قبل الضامن و

من قبل المضمون له معا، فلا يجوز له فسخ العقد و ان كان الضامن معسرا و كان المضمون له جاهلا بذلك.

المسألة 24:

يجوز للضامن أن يشترط في عقد الضمان خيار الفسخ لنفسه في مدة معينة أو يشترطه مطلقا، و يجوز للمضمون له ان يشترط ذلك

كلمة التقوى، ج 6، ص: 62

لنفسه، و يجوز أن يشترط ذلك كل منهما لنفسه، فيكون الفسخ جائزا لكل من الطرفين.

المسألة 25:

يصح لكل من الضامن و المضمون له أن يشترط على صاحبه في ضمن العقد ما يريد، فإذا قبل صاحبه بالشرط كان لازما و وجب العمل به إذا كان مستجمعا لشرائط الصحة، فإذا لم يف له صاحبه بالشرط ثبت له خيار تخلف الشرط.

المسألة 26:

تقدم منا في المسألة الرابعة: انه لا يعتبر في صحة الضمان رضى المضمون عنه، فيصح الضمان و ان لم يرض بضمان ما في ذمته و لم يأذن به، و يكون ضمانا متبرعا به، و إذا تم الضمان برئت ذمة المضمون عنه من الدين، سواء كان متبرعا به أم مأذونا فيه، ثم هما يختلفان بعد ذلك في بعض الأحكام الآتي بيانها.

المسألة 27:

إذا ضمن الضامن الدين و أداه لصاحبه، و لم يستأذن المدين في الضمان عنه و لا في الأداء فليس له الرجوع على المدين بشي ء، و كذلك إذا ضمن الدين عنه بغير اذنه، ثم أذن له بأن يؤدي عن نفسه ما استقر عليه بسبب الضمان، أو أمره به، فإذا أداه الضامن فليس له الرجوع على المضمون عنه بشي ء.

نعم، إذا أراد المدين التبرع عن الضامن بوفاء الدين الذي استقر عليه بسبب الضمان، فقال للضامن: أد الدين الذي استقر في ذمتك بسبب الضمان عني ثم ارجع به علي، فالظاهر صحة ذلك، فإذا أدى الضامن الدين صح له الرجوع على المدين في هذه الصورة.

المسألة 28:

إذا ضمن الرجل ما في ذمة الشخص المدين و كان ضمانه باذنه، ثم أدى الدين لصاحبه، صح للضامن أن يرجع على المضمون عنه بذلك، و ان لم يستأذنه في الأداء.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 63

المسألة 29:

إذا أذن المدين للرجل أن يتبرع له و يضمن الدين الذي في ذمته، فضمنه عنه ثم أداه كان متبرعا بالضمان و الأداء فليس له الرجوع على المدين بشي ء، و لا اثر لهذا الإذن لأنه اذن بالتبرع بالضمان عنه.

المسألة 30:

إذا ضمن الرجل ما في ذمة المدين و كان ضمانه باذنه فلا يصح له الرجوع على المدين حتى يؤدي المال الذي ضمنه عنه، فإذا أدى جميع المال صح له أن يرجع عليه بالجميع، و إذا دفع الى الدائن شيئا من الدين و استمهله في دفع بقيته صح له أن يرجع على المدين بالمقدار الذي أداه منه و لم يجز له الرجوع عليه بالباقي حتى يدفعه، و إذا صالح الدائن عن الدين بمقدار منه، فليس له الرجوع على المدين الا بالمقدار الذي صالح الدائن به، و إذا أبرأ الدائن ذمة الضامن من الدين كله لم يرجع على المضمون عنه بشي ء من الدين، و إذا أبرأ ذمته عن بعض الدين، فلا يجوز للضامن ان يرجع على المضمون عنه بمقدار ذلك البعض الذي أبرأه منه.

و إذا تبرع أحد عن الضامن فأدى عنه الدين أو تبرع بضمانه عنه لم يرجع على المدين بشي ء، و إذا تبرع احد عن الضامن فأدى عنه بعض الدين أو ضمن بعضه عنه لم يرجع بذلك البعض، و كذلك إذا ضمن الضامن الدين بأقل منه و رضي المضمون له بذلك، فليس له الرجوع على المدين الا بذلك المقدار إذا دفعه إليه.

المسألة 31:

إذا ضمن الرجل الدين عن أحد و كان ضمانه باذن المدين، ثم احتسب المضمون له دينه على الضامن زكاة أو خمسا أو صدقة، فقد أدى الضامن الدين الى صاحبه، و لذلك فيجوز للضامن أن يرجع على المدين بدينه، و كذلك الحكم إذا قبض المضمون له دينه من الضامن ثم وهبه إياه، أو وهبه الدين الذي في ذمته من غير أن يقبضه منه، أو مات المضمون له و رجع الدين بعده ميراثا للضامن، فيجوز للضامن

في جميع هذه الصور أن يرجع على المضمون عنه بالدين.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 64

المسألة 32:

يجوز للضامن أن يضمن عن غيره الدين سواء كان حالا أم مؤجلا، و إذا كان الدين حالا أمكن له أن يضمنه حالا أو مؤجلا، و إذا كان مؤجلا أمكن له أن يضمنه مؤجلا كذلك أو حالا، و إذا كان مؤجلا أمكن له ان يضمنه مؤجلا بمثل أجله أو بأكثر منه أو بأقل، فيصح له جميع ذلك إذا رضي به الطرفان.

و إذا استأذن الضامن المدين في أن يضمن عنه ما في ذمته، فقد يكون اذنه له بالضمان مطلقا غير مشروط بالأجل و قد يشترط عليه أن يكون ضمانه إلى أجل، و قد يشترط عليه أن يكون ضمانه حالا غير مؤجل، و إذا اشترط عليه في اذنه أن يكون الضمان مؤجلا فضمنه حالا، أو شرط عليه أن يضمنه حالا فضمنه مؤجلا، انتفى الاذن و كان ضمانه متبرعا به و غير مأذون فيه.

المسألة 33:

إذا أذن المدين لأحد في ان يضمن ما في ذمته، و كان الدين حالا فضمنه الشخص المأذون مؤجلا إلى مدة معينة، ثم أسقط حقه من التأجيل فأدى الدين قبل حضور الأجل، فإن كان المضمون عنه قد اذن له بالضمان إذنا مطلقا و لم يشترط فيه أن يكون الضمان إلى أجل، صح للضامن أن يرجع عليه بعد أداء الدين للدائن و ان لم يحل الأجل، و إذا كان قد اشتراط عليه في اذنه أن يكون الضمان مؤجلا أشكل الحكم بجواز الرجوع عليه في الحال بعد أداء الدين و قبل حلول أجله، إذ لعل المقصود من اشترط التأجيل في الضمان أن لا يرجع عليه في الحال.

و كذلك الحكم إذا مات الضامن قبل انقضاء الأجل، فحل ما عليه من الدين بسبب موته، و أخذ الدائن الدين من تركته،

فان كان اذن المضمون عنه مطلقا غير مشروط بالأجل صح لوارث الضامن ان يرجع عليه بعد أداء الدين، و ان كان اذنه مشروطا بالأجل، أشكل الحكم بجواز الرجوع عليه قبل انقضائه.

المسألة 34:

إذا أذن المدين بضمان ما عليه و كان الدين مؤجلا فضمنه الضامن

كلمة التقوى، ج 6، ص: 65

مؤجلا كذلك، ثم أسقط حقه من الأجل و أدى الدين حالا، أو مات قبل حلول الأجل و أخذ الدائن دينه من التركة كما تقدم، جرى فيه التفصيل الآنف ذكره، فيصح له الرجوع على المدين في صورة إطلاق الاذن من المضمون عنه، و يشكل الحكم إذا اشترط فيه التأجيل.

المسألة 35:

إذا أذن المدين لأحد بضمان ما عليه، و كان الدين الذي في ذمة المدين مؤجلا فضمنه الضامن حالا و أدى الدين لصاحبه، فالظاهر انه يصح له الرجوع على المدين بعد أداء الدين، إذا كان الاذن مطلقا غير مشروط بالتأجيل، و إذا فهم من اذنه بالضمان و لو مؤجلا أن لا يرجع عليه بالدين قبل الأجل لم يصح له الرجوع، و إذا احتمل ذلك أشكل الحكم كما تقدم.

المسألة 36:

إذا كان الدين مؤجلا فضمنه الضامن بأقل من اجله و أداه كذلك، و كان الضمان باذن المدين جرى فيه التفصيل المتقدم، و كذلك إذا كان الدين مؤجلا فضمنه الضامن بأكثر من أجله مع اذن المدين ثم أسقط حقه من التأجيل و أدى الدين حالا، أو مات الضامن و حل دينه بسبب موته قبل الأجل و أخذ الدائن من تركته، فيجري في هذه الفروض ما تقدم من التفصيل.

المسألة 37:

إذا دفع المضمون عنه الدين إلى الدائن المضمون له و لم يستأذن الضامن بدفعه، برئت ذمة الضامن لوفاء دينه، و برئت ذمة المضمون عنه لأن الضامن لم يؤد المال فلا يحق له الرجوع على المضمون عنه، و كذلك الحكم إذا تبرع أحد فدفع الدين للدائن بغير اذن الضامن فتبرأ بذلك ذمة الضامن و المضمون عنه.

المسألة 38:

إذا طلب الضامن من الشخص المضمون عنه أن يدفع عنه مال الضمان للدائن فدفعه عنه برئت بذلك ذمة الضامن و المضمون عنه، فالمضمون عنه قد وفى دين الضامن بأمره، و من أجل ذلك يصبح الضامن مدينا له بالمبلغ الذي دفعه للدائن، و الضامن قد ضمن ما في ذمة المدين باذنه

كلمة التقوى، ج 6، ص: 66

ثم ادى الدين عنه، فيصبح المضمون عنه مدينا للضامن بالمبلغ، فيتقابل الدينان و يحكم الشارع بسقوطهما معا.

المسألة 39:

إذا دفع المدين الى الضامن مقدار الدين الذي ضمنه عنه قبل أن يؤديه الضامن الى صاحبه، فقد يقصد بذلك أن يكون المبلغ المدفوع أمانة بيد الضامن، فإذا هو أدى عنه مال الضمان و استحق الرجوع عليه بما ضمن من الدين احتسب هذه الأمانة وفاء لدينه، فيكون المال أمانة كما قصد حتى يفي به الدين.

و قد يقصد بذلك أن يكون المبلغ المدفوع وفاء عما في ذمته بالفعل، فيشكل الحكم بصحته كذلك، و إذا بقي المال في يد الضامن حتى أدى للدائن مال الضمان، صح له أن يحتسبه عما له في ذمة المضمون عنه، و لا يحتاج إلى إذن جديد بذلك إذا بقي الإذن السابق و لو بالاستصحاب.

المسألة 40:

إذا تبرع زيد فضمن ما في ذمة صديقه عمرو من الدين و لم يستأذنه في الضمان عنه، ثم استأذن خالد فضمن عن زيد مال ضمانه، فإذا أدى خالد و هو الضامن الثاني مال الضمان، برئت بذلك ذمة زيد و ذمة عمرو من الدين، و صح لخالد أن يرجع على زيد بما أدى عنه لأنه قد ضمن عنه باذنه، و لم يصح له أن يرجع على عمرو فان زيدا كان متبرعا بالضمان عنه و لم يصح لزيد ان يرجع على عمرو.

المسألة 41:

إذا ضمن زيد ما في ذمة عمرو و كان ضمانه عنه باذنه، ثم تبرع خالد فضمن عن زيد مال الضمان بغير إذنه، فإذا أدى خالد مال الضمان برئت بذلك ذمة زيد و ذمة عمرو من دينهما، و لم يصح لخالد أن يرجع على زيد بما أدى عنه فإنه متبرع بالضمان عنه، و لم يصح لزيد أن يرجع على عمرو فان زيدا لم يؤد مال الضمان عنه بل تبرع خالد بأدائه عنه.

المسألة 42:

إذا ضمن زيد ما في ذمة عمرو من الدين و كان ضمانه باذنه، ثم

كلمة التقوى، ج 6، ص: 67

ضمن خالد عن زيد مال الضمان و كان ضمانه عنه بإذنه أيضا، فإذا أدى خالد مال الضمان برئت ذمة زيد و ذمة عمرو، و صح لخالد و هو الضامن الثاني ان يرجع على زيد بما أدى عنه، و صح لزيد و هو الضامن الأول أن يرجع على عمرو كذلك إذا أدى لخالد ما عليه من مال الضمان، و لا يرجع عليه إذا لم يؤد.

المسألة 43:

يمكن أن يترامى الضمان، فيضمن الضامن الأول دين المدين، ثم يضمن الضامن الثاني مال الضمان عن الضامن الأول، و يضمن الثالث ما في ذمة الثاني و يضمن الرابع عن الثالث و هكذا، مع مراعاة المناهج و الشروط الآنف ذكرها في الضمان.

فإذا ضمن زيد دين عمرو برئت ذمة عمرو بالضمان، و استقر الدين في ذمة زيد، و إذا ضمن خالد مال الضمان عن زيد برئت ذمة زيد منه و استقر في ذمة خالد، و إذا ضمن الضامن الثالث ما في ذمة خالد برئت ذمة خالد منه و استقر في ذمة الضامن عنه، و هكذا حتى يستقر الدين في ذمة الضامن الأخير و تبرأ ذمم من سبقه من الضامنين فإذا أدى الضامن الأخير مال الضمان الى المضمون له و هو الدائن الأول برئت ذمته منه، و إذا كان ضمانه باذن الشخص الذي ضمن عنه، جاز له أن يرجع عليه بما أداه من دينه، فإذا أدى ذلك الشخص له الدين رجع على سابقه إذا كان ضمانه عنه باذنه، و هكذا حتى يرجع الى الضامن الأول فيرجع على المدين الأول إذا كان ضمانهم جميعا مع الاذن،

و لا يرجع اللاحق على السابق إذا لم يؤد ما عليه، و لا يرجع اللاحق على السابق إذا كان ضمانه عنه متبرعا به من غير اذن.

و نتيجة لذلك فإذا كان الضامن الأخير متبرعا بضمانه لم يرجع على من ضمن عنه و لم يرجع أحد من الضامنين قبله ممن ضمنوا عنهم الى المدين الأول، و كذلك الحكم إذا كانت السلسلة كلها متبرعة بالضمان من غير اذن.

و إذا كان بعض السلسلة متبرعا بضمانه و بعضها مأذونا فيه لم يرجع المتبرع على من ضمن عنه، و لم يرجع من كان قبله من السلسلة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 68

و ان كان ضمانه مأذونا فيه الى أن يصل الأمر إلى الضامن الأول و المدين الأول.

المسألة 44:

ذكروا قدس اللّٰه أرواحهم: انه يجوز للإنسان أن يضمن الدين عن غيره بأقل منه، فإذا كان الرجل مدينا بمائة دينار مثلا، فيصح للآخر أن يضمن ما في ذمته بثمانين دينارا، و الظاهر ان المراد من ذلك أن الضامن يضمن المقدار الأقل من مجموع الدين، و يبرئ الدائن ذمة المدين من الزائد عليه، فيضمن ثمانين دينارا من الدين في المثال المتقدم، و يبرئ ذمة المدين من بقية المائة، فإذا اتفق الجميع على ذلك صح الضمان كما اتفقوا عليه، فإذا أدى الضامن المقدار الأقل و هو المضمون من الدين رجع به على المدين و لم يرجع بالزائد فإن الذمة قد أبرئت منه كما هو المفروض.

و ذكروا أنه يجوز أن يضمن الدين بأكثر منه، و هو مشكل، الا ان يراد ان الضامن يلتزم بأن يدفع الزائد للدائن مجانا و من المعلوم ان ذلك ليس من الضمان.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد

وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 6، ص: 68

المسألة 45:

يجوز أن يضمن الضامن الدين و يشترط في العقد أو يشترط الدائن عليه أن يكون الوفاء بغير جنس الدين، و إذا ضمن الدين كذلك و أداه إلى الدائن كما شرط، صح له الرجوع على المضمون عنه بنفس الدين و لم يجز له الرجوع عليه بغير الجنس الا مع التراضي.

المسألة 46:

يجوز للدائن أن يشترط على الضامن في العقد أن يجعل على الدين الذي ضمنه رهنا فإذا اشترط عليه ذلك وجب على الضامن الوفاء بالشرط فيجعل الرهن على الدين بعد الضمان، و كذلك إذا اشترط عليه ذلك في ضمن عقد آخر بعد عقد الضمان.

المسألة 47:

إذا ضمن الضامن الدين، و كان المدين قد جعل على الدين رهنا، فان كان المدين قد وضع الرهن عند الدائن وثيقة لفراغ ذمته من الدين

كلمة التقوى، ج 6، ص: 69

كما هو الظاهر انفك الرهن بالضمان لتحقق فراغ الذمة بذلك و ان كان الرهن وثيقة لوفاء الدين، فالرهن باق بحاله حتى يحصل الأداء، و قد ذكرنا ان الظاهر هو الأول.

المسألة 48:

يجوز للضامن أن يضمن الدين و يقيد ضمانه بأن يكون وفاء الدين من مال معين من أمواله و يجوز له أن يشترط ذلك في عقد الضمان، و يجوز أن يكون الدائن المضمون له هو الذي يقيد ضمان الضامن بذلك أو يشترطه عليه، و إذا قيد أحدهما الضمان بذلك أو شرطه فيه لزم الضامن ذلك فيجب عليه ان يفي الدين من ذلك المال المعين.

و إذا تلف المال المعين ثبت للمشترط خيار فسخ الضمان من غير فرق بين التقييد و الاشتراط، فإذا كان مأخوذا بنحو التقييد ثبت للمشترط خيار تخلف الوصف، و إذا كان مأخوذا بنحو الاشتراط ثبت للمشترط خيار تخلف الشرط و إذا نقص المال ثبت الخيار كذلك للمشترط، فإذا هو لم يفسخ الضمان وجب على الضامن ان يتم وفاء الدين من مال آخر، و إذا كان التقييد بذلك بنحو وحدة المطلوب بطل الضمان بتلف المال.

المسألة 49:

إذا كان للضامن مال معين و أراد أن يجعل ضمان الدين على المال المعين و لا تشتغل ذمة الضامن بشي ء لم يكن ذلك ضمانا بالمعنى المصطلح للفقهاء، و المبحوث عنه في هذا الكتاب، بل يكون ذلك منه تعهدا خاصا و معاملة مستقلة بينه و بين الدائن و تدل على صحتها عمومات وجوب الوفاء بالعقود.

المسألة 50:

لا يصح- على الأقوى- للإنسان أن يضمن دينا عن مدين فقير على ان يفي دينه من الخمس أو من الزكاة أو المظالم و نحوها من الحقوق الشرعية التي تنطبق على ذلك الفقير، سواء كانت ذمة الضامن مشغولة بذلك الحق بالفعل أم لا.

المسألة 51:

يجوز للرجل أن يضمن دين المدين الثابت في ذمته من الخمس أو

كلمة التقوى، ج 6، ص: 70

الزكاة أو غيرهما من الحقوق، و الدائن المضمون له هو الجهة العامة التي جعل الشارع لها ذلك الحق، و ولي الجهة هو الحاكم الشرعي، فإذا أراد الرجل ضمان الدين لها عن المدين راجع الحاكم الشرعي أو وكيله و ضمن الدين له بالولاية على الجهة.

المسألة 52:

يصح ضمان الضامن و هو في مرض موته، فإذا مات قبل أداء الدين المضمون أخرج مال الضمان من أصل تركته على الأقوى سواء كان الضمان باذن المدين أم كان متبرعا به بغير إذنه.

المسألة 53:

يصح أن يشترك شخصان بالضمان عن رجل واحد و يضمنا عنه مجموع دينه بالمناصفة بينهما أو بالتفاوت، و يصح أن يقع ذلك منهما بعقدين مستقلين، فيضمن أحدهما عن الرجل حصة من الدين بعقد مستقل، ثم يضمن الثاني بقية الدين بعقد آخر، و يجوز أن يوقعا الضمان بعقد واحد، فيوكل أحدهما صاحبه أو يوكلا غيرهما فينشئ عقد ضمان يشتركان فيه حسب اتفاقهما من المناصفة أو غيرها فإذا رضي المضمون له تم الضمان و ترتبت آثاره و أحكامه كما أوقعاه.

و كذلك إذا كانوا أكثر من شخصين، فيصح لهم ان يشتركوا في الضمان عن واحد على الوجه المتقدم بيانه.

و يجوز للشخصين أو الأشخاص أن ينشئوا عقد الضمان من غير إشارة إلى مقادير حصصهم في ضمان الدين، فينصرف العقد إلى التساوي بينهم في الحصص، فإذا كانوا شخصين كان ضمانهما للدين بالمناصفة، و إذا كانوا ثلاثة كان ضمانهم له بالمثالثة، و كذلك إذا زاد العدد فالحصص متساوية و تكون بعدد الشركاء في الضمان.

المسألة 54:

إذا اشترك شخصان أو أشخاص في ضمان دين رجل واحد على النحو الذي بيناه في المسألة المتقدمة، انفرد كل واحد منهم بضمان حصته من الدين، و جاز له أن يؤدي ما عليه، فإذا أداه برئت ذمته سواء أدى

كلمة التقوى، ج 6، ص: 71

الضامن الآخر ما عليه أم لم يؤد، و يجوز للدائن المضمون له أن يطالب كل شخص منهم بأن يؤدي ما عليه، و يجوز له أن يطالب واحدا منهم و يؤجل الآخر في حصته، أو يبرئ ذمته من الدين إذا شاء.

و إذا كان أحد الشركاء مأذونا في ضمانه و كان الآخر متبرعا بغير اذن، و أديا ما عليهما، جاز للمأذون منهما ان يرجع على المدين

بما أدى عنه، و لم يجز للآخر المتبرع في ضمانه ان يرجع على المدين بشي ء كما هي القاعدة في الضمان.

المسألة 55:

إذا تعدد الضامنون عن رجل واحد، و كان ضمان كل واحد منهم على نحو الانفراد بدين الرجل جميعه لا على سبيل الاشتراك فيه كما تقدم، فان كان ضمانهم مترتبا في وقوعه، فضمن الأول منهم و رضي الدائن بضمانه لم يصح ضمان الضامن الثاني بعده فإن ذمة المدين قد برئت من الدين و لا موضع لضمان الثاني عنه بعد براءة ذمته من الدين.

و إذا ضمن الضامن الأول ثم ضمن الثاني ثم ضمن الثالث، ثم رضي الدائن بواحد منهم، فالضامن هو من رضي الدائن بضمانه و ان كان هو الأخير منهم، و إذا رضي بواحد ثم رضي بآخر، فالضامن هو من رضي به أولا و لا حكم للآخر الذي يرضى به بعد ذلك.

و إذا رضي بضمانهم على وجه الإطلاق و لم يعين واحدا منهم كان لهذا الفرض الحكم الآتي في ما إذا ضمنوا جميعا عن الرجل دفعة واحدة غير متعاقبين.

و إذا وقع الضمان منهم دفعة واحدة، فإن رضي الدائن المضمون له بضمان واحد معين منهم دون الباقين كان ذلك الواحد هو الضامن، و إذا رضي بضمانهم على وجه الإطلاق و لم يعين واحدا جاز له ان يطالب بالدين أيهم شاء، و إذا طالب أحدهم في هذه الصورة و استوفى منه دينه، و كان ضمان هذا الضامن باذن المضمون عنه صح للضامن أن يرجع عليه بما أدى عنه، و إذا كان متبرعا بضمانه عنه لم يرجع عليه بشي ء.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 72

المسألة 56:

إذا كان لزيد دين معين على عمرو، و له دين آخر على خالد، فضمن كل واحد من المديونين ما في ذمة الآخر، و رضي الدائن و هو زيد بضمانهما، صح الضمان و انتقل دين عمرو

إلى ذمة خالد، و تحول دين خالد إلى ذمة عمرو.

فإذا كان الدينان مختلفين في المقدار أو في الجنس أو في تأجيل أحدهما و تعجيل الآخر، أو في مقدار الأجل بينهما فالأمر واضح لا خفاء فيه، و كذلك إذا كان على أحد الدينين رهن من المدين دون الآخر أو كان على كل دين منهما رهن معين، فينفك كل رهن بضمان الدين عن راهنه كما ذكرنا في المسألة السابعة و الأربعين. و تظهر الثمرة كذلك في ما إذا أبرأ الدائن أحد الدينين معينا، فيسقط ضمان ذلك الدين، و يبقى ضمان الدين الآخر بحاله.

و إذا رضي الدائن بضمان أحد الشخصين و لم يرض بضمان الآخر كان جميع الدينين في ذمة المدين الذي رضي بضمانه فإذا أدى جميع ما عليه و كان ضمانه باذن المدين الآخر جاز له الرجوع عليه في مقدار ما أدى عنه، و إذا كان متبرعا عنه لم يرجع عليه بشي ء.

المسألة 57:

إذا أدى المدين الضامن في الفرض المتقدم ذكره بعض ما في ذمته، و قصد في نفسه ان ما أداه يكون وفاء عن دينه الخاص به، أو عن دين الضمان اتبع ذلك و كان كما قصد، و إذا اختلف هو مع الدائن أو المدين الآخر فادعى أنه عين دينه أو عين دين الضمان صدق قوله، و إذا تنازعا عند الحاكم الشرعي، فالقول قوله مع يمينه، إذا لم يقم المدعي بينة على صحة ما يقول.

و إذا أدى شيئا عما في ذمته و لم يعين في قصده انه وفاء عن أي الدينين كان مخيرا في التعيين بعد ذلك، فإذا عين أحدهما كان وفاء عنه.

المسألة 58:

إذا أبرأ الدائن ذمة المدين الضامن في الفرض المتقدم ذكره من أحد الدينين و قصد في نفسه انه أبرأ ذمة المدين من دينه الأصلي، أو من

كلمة التقوى، ج 6، ص: 73

دين الضمان اتبع ما قصده، فتبرأ ذمته من الدين الذي عينه الدائن، و إذا اختلف مع المدين فادعى الدائن انه عين احد الدينين و أنكره المدين فالقول قول الدائن، و إذا أبرأ ذمة المدين من احد الدينين و لم يعين أيهما، تخير بعد ذلك، فإذا عين واحدا منهما برئت ذمة المدين منه.

المسألة 59:

يمكن أن يدور الضمان، فيضمن رجل دين رجل آخر، ثم يضمن غيرهما عن الضامن الأول، ثم يضمن المدين المضمون عنه أولا عن الضامن الثاني، و لا مانع من ذلك، فإذا ضمن زيد ما في ذمة عمرو من الدين فانتقل الدين إلى ذمة زيد، ثم ضمن خالد ما في ذمة زيد من مال الضمان، فأصبح ضامنا عن الضامن، ثم ضمن عمرو و هو المدين المضمون عنه أولا- عن خالد ما تحول في ذمته، صح ضمان الجميع إذا توفرت شروط الضمان في الجميع، و رضي الدائن المضمون له بضمانهم، و اشتغلت ذمة عمرو بالمال بسبب ضمانه عن خالد بعد ما برئت ذمته منه أولا بسبب ضمان زيد عنه.

فإذا كان عمرو قد جعل على دينه رهنا في المرة الأولى، فقد انفك رهنه بعد ان برئت ذمته من الدين بسبب ضمان زيد عنه، و لا يعود الرهن بعد عودة الدين الى ذمته بسبب ضمانه عن خالد، الا أن يجدد الرهن عليه بعقد جديد، فإذا أدى عمرو الدين إلى الدائن المضمون له برئت ذمته و برئت ذمة زيد و ذمة خالد من المال لسقوط الضمان لسقوط موضوعه

و هو الدين، سواء كان الضمان متبرعا به أم مأذونا فيه.

و تظهر الثمرة أيضا بالحلول و التأجيل في الدين، كما إذا كان دين عمرو في المرة الأولى حالا و في الثانية مؤجلا أو بالعكس، و بالاختلاف في مقدار الأجل كما إذا كان الدين في المرة الأولى مؤجلا إلى شهرين و في المرة الثانية إلى ستة أشهر أو بالعكس، و بغير ذلك من وجوه الاختلاف الممكنة.

المسألة 60:

لا يختص الضمان بالأعيان التي تكون في الذمم بل تشمل الديون

كلمة التقوى، ج 6، ص: 74

التي تشتغل بها الذمة من المنافع و الأعمال، فإذا استأجر أحد من المالك دارا كلية موصوفة للسكنى مدة سنة مثلا و اشتغلت ذمة المؤجر له بمنفعة الدار الموصوفة و أصبحت دينا في ذمته، جاز لغيره أن يضمن للمستأجر تلك المنفعة، و إذا استأجر أجيرا لعمل كلي من الأعمال و لم يشترط فيه المباشرة، و أصبح العمل دينا للمستأجر في ذمة الأجير جاز لشخص آخر أن يضمن للمستأجر ذلك العمل، فإذا ضمنه عنه و رضي المضمون له بضمانه صح و ترتبت عليه الآثار المتقدم بيانها، و إذا اشترط عليه المباشرة في العمل لم يصح ضمانه.

المسألة 61:

إذا اشترط الدائن على المديون في ضمن العقد أن يكون أداء الدين من مال معين يملكه المديون نفسه لم يصح ضمان ذلك الدين.

الفصل الثالث الضمان العرفي

المسألة 62:

يصح ضمان نفقة الزوجة عن زوجها إذا استقرت في ذمته و أصبحت دينا ثابتا عليه، و الظاهر من الأدلة أن الزوجة تستحق النفقة و تملكها في ذمة الزوج متى احتاجت الزوجة إلى النفقة و كانت ممكنة للزوج من نفسها، و لا ريب في صدق ذلك في النفقة للمدة الماضية إذا كانت الزوجة فيها ممكنة للزوج من نفسها، و كذلك في نفقة اليوم الحاضر عند تحقق المعيار المذكور، فإذا استحقت النفقة و ملكتها في ذمة الزوج صح للضامن ضمانها، و لا تستحق النفقة في اليوم الحاضر إذا لم يتحقق المعيار الآنف ذكره.

و اما نفقتها للمدة المستقبلة فلا يصح لأحد ضمانها بمعنى الضمان المبحوث عنه بين الفقهاء فإن ذمة الزوج لم تشتغل بها بعد لتنقل بالضمان إلى ذمة الضامن.

و يصح التعهد و الالتزام بها إذا وجد المقتضي لثبوتها في ذمة الزوج و المقتضي هو تحقق الزوجية بينهما و التعهد المذكور هو الضمان بالمعنى

كلمة التقوى، ج 6، ص: 75

العرفي و هو معاملة مستقلة غير الضمان المصطلح فإذا تمت هذه المعاملة و تم العقد بين المتعهد و المتعهد له صحت المعاملة و وجب ترتيب آثارها، فيجب على المتعهد دفع النفقة عند حضور وقتها و الحاجة إليها و قد تقدم لها عدة نظائر و ستأتي لها نظائر أخرى.

المسألة 63:

لا يصح ضمان مال الجعالة قبل أن يأتي العامل بالعمل المجعول عليه، فإذا قال الرجل: من رد علي ضالتي فله عندي دينار مثلا، أو قال من خاط لي ثوبي أو من عمل لي العمل المعين فله علي ديناران، لم يصح لأحد أن يضمن للعامل مال الجعالة قبل أن يأتي بالعمل المعين، فان مال الجعالة لا يكون مستحقا للعامل المجعول له و

لا يثبت في ذمة الجاعل حتى يأتي العامل بالعمل المعين و لذلك فلا يجري فيه الضمان المصطلح، و إذا أنشأ الجاعل إيقاع الجعالة و تصدى العامل للعمل المعين ثبت المقتضي لاستحقاقه المال، و جاز التعهد به قبل الإتيان بالعمل على النحو المتقدم في نفقة الزوجة للمدة المستقبلة، فإذا تمت المعاملة كما ذكرنا صحت و وجب ترتيب آثارها و تكون من الضمان العرفي.

و كذلك الحكم في مال السبق و الرماية، فلا يصح ضمانه قبل أن يتحقق سبق السابق، و إذا ثبت المقتضي له جاز التعهد به كنظائره المتقدم ذكرها.

المسألة 64:

الأعيان التي حكم الشارع بضمانها على واضع اليد عليها، كالأشياء المضمونة على الغاصب أو المقبوضة بالعقد الفاسد و الأمتعة المقبوضة بالسوم و أمثال ذلك من الأعيان المضمونة شرعا، لا يجوز ضمانها عن الأشخاص الذين حكم الإسلام عليهم بضمانها و وجوب ردها إلى أهلها إذا كانت موجودة و وجوب دفع بدلها إذا تلفت و وجوب دفع أرشها إذا نقصت أو ظهر فيها عيب.

و مثال ذلك: أن يضمن الضامن العين المغصوبة عن الغاصب، أو العين المقبوضة بالعقد الفاسد عن المشتري أو بالإجارة الفاسدة عن المستأجر، أو العين إذا قبضها الرجل بالسوم و لم يتم بيعها أو المعاملة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 76

الأخرى عليها، فلا يصح ضمانه بالمعنى المبحوث عنه بين الفقهاء، و هو الضمان الذي ينقل الدين من ذمة إلى ذمة أخرى.

و يصح ضمانها بالضمان العرفي، و هو أن يتعهد الضامن للشخص المضمون له بالعين المضمونة، فإذا تراضيا و تم العقد شملته عمومات الوفاء بالعقود و ترتبت عليها آثارها، فيجب على المتعهد ان يرد العين على صاحبها إذا كانت موجودة و ان يدفع له مثلها أو قيمتها إذا

تلفت، و أن يدفع له أرشها إذا ظهر فيها عيب أو نقص.

و كذلك الأعيان غير المضمونة كالوديعة و مال المضاربة و الرهن و سائر الأمانات قبل ان تتحقق أسباب الضمان لها من التعدي أو التفريط فلا يجوز ضمانها و يصح التعهد بها.

المسألة 65:

إذا اشترى رجل من غيره أرضا أو دارا أو متاعا، و دفع الثمن إلى البائع، فقد يشك المشتري في انتقال المبيع الى ملكه و سبب شكه هو احتماله ان يكون البائع قد باعه ملك غيره، أو يكون البيع باطلا لفقد شرط من شروط صحة البيع و لذلك فهو يطلب من البائع ضامنا يضمن له عهدة الثمن الذي دفعه إليه إذا ظهر المبيع ملكا لغيره أو ظهر ان البيع باطل لبعض الجهات التي تخفى عليه.

و قد نقل عن الأصحاب ره صحة هذا الضمان، و سموه ضمان درك الثمن، و فرعوا على ذلك فروعا عديدة، و الحكم بصحة هذا الضمان مشكل إذا أريد به الضمان بمعناه الاصطلاحي، و يصح الضمان في ذلك و في جميع فروعه التي ذكروها إذا أريد به الضمان العرفي، و هو التعهد و الالتزام الذي مر ذكره في المسائل المتقدمة، فإذا تم العقد و التعهد بين الضامن و المضمون له كان صحيحا و لزم الوفاء به، و لا يكون من الضمان الاصطلاحي.

المسألة 66:

إذا باع الرجل على غيره دارا أو أرضا أو متاعا بثمن شخصي معين و حصل القبض من المتبايعين، فقد يشك البائع في انتقال الثمن اليه

كلمة التقوى، ج 6، ص: 77

و سبب شكه هو احتمال ان يكون المشتري قد اشترى منه بثمن يملكه غيره أو يكون البيع باطلا لفقد بعض الشروط كما تقدم في المشتري و لذلك فالبائع يطلب من المشتري ضامنا يضمن له درك المبيع، و الحكم فيه كما تقدم في ضمان درك الثمن، فهو مشكل إذا أريد الضمان بالمعنى الاصطلاحي المتقدم بيانه و يصح بمعنى التعهد العرفي على ما سبق في نظائره.

المسألة 67:

إذا اشترى الرجل من غيره أرضا بثمن معين و تقابض المتبايعان، و أراد المشتري أن يحدث في الأرض التي اشتراها غرسا أو بناء، و هو يشك في صحة البيع فقد تكون الأرض لغير بائعها و لذلك فهو يطلب من البائع ضامنا يضمن له درك ما يحدثه في الأرض من البناء و الغرس.

و قد قال بصحة الضمان على ذلك جماعة من الأكابر كالشهيد الأول و الشهيد الثاني قدس اللّه أرواحهم، و القول بذلك مشكل إذا أريد به الضمان الاصطلاحي، و لكنه يصح و ينفذ إذا أريد به الضمان العرفي الذي تقدم بيانه في الفروض المتقدمة، فإذا أجري العقد على ذلك كان صحيحا و لازما، سواء كان المتعهد هو البائع نفسه أم كان شخصا غيره يتعهد للمشتري بما يريد.

المسألة 68:

إذا قال أحد ركاب السفينة لآخر منهم: ألق متاعك في البحر و علي ضمانه، فألقاه في البحر كما أمره، فإن كان ذلك لخوف غرق السفينة كان الآمر بالإلقاء ضامنا لمتاع صاحبه، و الضمان هنا من الضمان العرفي الذي تقدم ذكره، و كذلك إذا كان ذلك لغاية عقلائية أخرى كخفة السفينة أو الخوف من ظالم أو سارق، فيصح منه التعهد، و يكون ضامنا للمتاع إذا ألقاه صاحبه، و إذا لم تكن له فائدة يقصدها العقلاء لم يصح التعهد فإن إلقاء المتاع في البحر لا لغاية يكون من المحرمات، و ضمان عوضها يكون من التعويض عن المحرم فلا يكون صحيحا، و ان أريد به التعهد و الضمان العرفي.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 78

الفصل الرابع في بعض منازعات الضمان

المسألة 69:

لا يشترط في صحة الضمان أن يعلم الضامن مقدار الدين حين ضمانه كما أشرنا إليه في المسألة الثامنة عشرة، فإذا علم بوجود الدين على وجه الاجمال فضمنه، صح ضمانه، فإذا علم بمقداره بعد ذلك أو شهدت به بينة شرعية وجب عليه أداء ذلك المقدار، و كذلك إذا ثبت مقدار الدين بإقرار المضمون عنه أو باليمين المردودة على الدائن، إذا كان الإقرار أو اليمين المردودة سابقين على الضمان، بل و ان كان الإقرار به بعد الضمان أيضا إذا كان الضمان باذن المضمون عنه، فيجب على الضامن أداء المقدار الذي أقر به المضمون عنه، ثم يرجع به عليه إذا شاء، و كذلك الحكم- على الأحوط- إذا ثبت المقدار باليمين المردودة بعد الضمان، و كان الضمان مأذونا فيه، و إذا أقر المضمون عنه به بعد الضمان أو ثبت باليمين المردودة بعد الضمان كذلك و كان غير مأذون فيه لم يجب أداؤه على الضامن و لزم على المضمون

عنه.

المسألة 70:

انما يجب على الضامن أداء المقدار الذي تشهد به البينة إذا شهدت بأنه مقدار الدين في حال صدور الضمان من الضامن، و لا يلزمه الأداء إذا شهدت بأن ذلك هو مقدار الدين بعد الضمان أو أطلقت شهادتها فلم تعين ان ذلك هو مقداره حين الضمان أو بعده.

المسألة 71:

إذا قيل للرجل: ان بينة شرعية مقبولة تدل على أن صديقك زيدا مدين بمبلغ من المال، فقال: ضمنت للدائن ما تشهد به البينة على زيد من الدين، جاز ضمانه فإذا رضي الدائن صح و نفذ، و وجب عليه ان يؤدي ما تشهد البينة المذكورة بثبوته على زيد من الدين حينما ضمن الضامن.

المسألة 72:

إذا ادعى الدائن ان مقدار الدين المضمون مائة دينار مثلا و أنكر

كلمة التقوى، ج 6، ص: 79

الضامن هذا المقدار و قال: انما هو خمسون دينارا، و صدقه المضمون عنه فأنكر المائة، ثم تنازع الدائن و الضامن في ذلك الى الحاكم الشرعي فوجه اليمين على الضامن لأنه منكر، و ردها الضامن على الدائن و حلف الدائن على ما يدعيه و ثبت عند الحاكم باليمين المردودة ان الدين المضمون مائة دينار، فإذا أداها الضامن لم يحق له أن يرجع على المضمون عنه بجميع المائة لأنه منكر لها و انما يرجع عليه بالخمسين.

و كذلك الحكم إذا أقر الضامن بالمائة فثبت ذلك بإقراره، فلا يرجع بها على المدين المضمون عنه، بل يرجع عليه بمقدار ما يعترف به هو من الدين لا بمقدار ما يقر به الضامن.

المسألة 73:

إذا ادعى الدائن على زيد انه قد ضمن له دينه على عمرو و أنكر زيد الضمان، فأقام الدائن بينة على ما يقول و ثبت الضمان على زيد و أدى المال، فلا يحق لزيد أن يرجع على عمرو بما أدى لأنه اعترف بأن الدائن أخذ المال منه بغير حق.

المسألة 74:

إذا تنازع المدين مع الدائن فادعى المدين أن الدين الذي كان عليه قد ضمنه عنه ضامن فهو يزعم ان ذمته قد برئت من الدين و أنكر الدائن الضمان و لذلك فهو يزعم ان على المدين أن يؤدي ما عليه، فالقول قول الدائن المنكر مع يمينه.

و كذلك الحكم إذا اختلفا فادعى المدين أن الضامن قد ضمن عنه جميع ديونه، فلا حق للدائن عنده، و أنكر الدائن ذلك و ادعى ان الضامن انما ضمن عنه دينا واحدا و لم يضمن الدين الثاني فعلى المدين أن يؤديه فالقول قول المنكر مع يمينه، و مثله أن يدعي المدين ان الضامن ضمن جميع دينه و يدعي الدائن انه ضمن نصف دينه أو ربعه.

المسألة 75:

إذا اختلف الدائن المضمون له و المدين المضمون عنه، فادعى المضمون له انه قد اشترط الخيار لنفسه في عقد الضمان فيجوز له أن يفسخ الضمان و يأخذ دينه من المدين، و أنكر المضمون عنه هذا الاشتراط

كلمة التقوى، ج 6، ص: 80

فليس للدائن أن يفسخ الضمان و ان ذمته قد برئت بضمان الضامن، فالقول قول المضمون عنه مع يمينه لأنه منكر.

و إذا اختلفا في صحة الضمان و فساده، فالقول قول من يدعي الصحة منهما مع يمينه، و الغالب ان المضمون عنه هو الذي يدعي الصحة، فإن صحة الضمان تستلزم براءة ذمته من الدين، فإذا اتفق الأمر بعكس ذلك فادعى المضمون له صحة الضمان، كان القول قوله مع يمينه.

المسألة 76:

إذا اختلف الدائن مع الضامن، فادعى أحدهما أن الضامن منهما قد ضمن الدين و أنكر الآخر الضمان و ادعى عدمه، فالقول قول من يدعي العدم مع يمينه، و الغالب ان الضامن هو الذي يدعي عدم الضمان فان لازم ذلك براءة ذمته من الدين، فإذا اتفق الأمر بعكس ذلك فادعى الضامن انه ضمن الدين و أنكر الدائن فادعى عدم الضمان كان القول قوله مع يمينه.

و كذلك الحكم إذا اختلفا في مقدار الدين، أ هو مائة دينار أو ثمانون، أو اختلفا في أن الضامن ضمن للدائن دينا واحدا أو دينين، أو اختلفا في ان الدائن قد اشترط على الضامن التعجيل في أداء الدين أم لم يشترط عليه ذلك، أو انه اشترط عليه تقصير مدة الأجل أو لم يشترط ذلك، أو أنه اشترط عليه شرطا آخر في عقد الضمان أو لم يشترط، فالقول في جميع ذلك قول من يدعي العدم مع يمينه، و هو الضامن في الغالب، فإذا اتفق الأمر

بعكس ذلك فادعى الدائن العدم كان القول قوله مع يمينه.

المسألة 77:

إذا ضمن الضامن دين الرجل و كان الدين حالا، فاختلف الضامن و الدائن في أنهما هل اشترطا في العقد تأجيل الدين إلى مدة أم لم يشترطا، فادعى أحدهما وجود هذا الشرط و أنكره الآخر فادعى عدم اشتراط ذلك، فالقول قول من يدعي العدم مع يمينه كما تقدم و الغالب هنا ان من يدعي عدم الاشتراط هو الدائن المضمون له، لأنه يريد

كلمة التقوى، ج 6، ص: 81

أخذ دينه، معجلا، و إذا اتفق عكس ذلك فادعى الدائن الاشتراط و ادعى الضامن العدم كان القول قول الضامن مع يمينه لأنه المنكر.

و مثله ما إذا كان الدين مؤجلا فادعى أحدهما انهما قد اشترطا الزيادة في المدة و أنكر الآخر، أو اختلفا فقال أحدهما: قد اشترطنا في العقد أن يبرئ الدائن ذمة الضامن من الدين أو من بعضه و أنكر الآخر، أو اختلفا في أن الضامن قد اشترط لنفسه خيار الفسخ لعقد الضمان فادعاه أحدهما و أنكره الثاني، فيقدم في جميع ذلك قول من يدعي العدم، و الغالب في هذه الموارد أن يدعي المضمون له ذلك فيكون القول قوله مع يمينه، و إذا انعكس الأمر فادعى الضامن العدم كان القول قوله كما تقدم.

المسألة 78:

إذا ضمن الضامن عن المدين و اداه عنه ثم تنازع الضامن و المضمون عنه فادعى الضامن أن ضمانه عنه كان باذنه، فيجوز له أن يرجع عليه بما أدى عنه، و قال المضمون عنه: انه لم يأذن بالضمان فلا حق للضامن بالرجوع عليه، قدم قول المضمون عنه مع يمينه، و كذلك إذا ضمن الضامن الدين عنه باذنه ثم تنازعا، فادعى الضامن انه قد ادى الدين للدائن فيصح له الرجوع على المضمون عنه، و أنكر المضمون عنه أداء

الدين، فيقدم قول المضمون عنه مع يمينه.

المسألة 79:

إذا ضمن الضامن الدين باذن المضمون عنه و اداه للدائن ثم تنازعا في مقدار الدين فادعى الضامن أنه مائة دينار مثلا، و قال المضمون عنه: ان الدين ثمانون دينارا و أنكر الزيادة، فالقول قول المضمون عنه مع يمينه، و إذا ادعى المضمون عنه ان الدين مائة دينار فعلى الضامن أن يدفعها جميعا، و قال الضامن: انه ثمانون فحسب و أنكر الزيادة فالقول قول الضامن مع يمينه.

المسألة 80:

إذا ادعى الضامن أنه أدى الدين للدائن، و أنكر الدائن المضمون له ذلك، فان صدق المدين المضمون عنه دعوى الضامن بالوفاء و كان

كلمة التقوى، ج 6، ص: 82

ضمانه باذنه صح للضامن الرجوع عليه سواء حلف الدائن لإنكاره دعوى الضامن أم لم يحلف، و ان لم يصدقه في دعوى وفاء الدين لم يرجع الضامن عليه بشي ء.

و إذا حلف الدائن لإنكاره دعوى الضامن و أخذ المال منه لم يرجع به على المضمون عنه إذا لم يصدقه في دعوى الوفاء لأن الضامن يعترف بأن هذا المال أخذ منه بغير حق.

المسألة 81:

يصح للمدين المضمون عنه ان يشهد للضامن بأداء الدين إذا كان يعلم بذلك و كان جامعا لشروط قبول الشهادة من عدالة و عدم تهمة و غير ذلك.

المسألة 82:

إذا طلب المدين من أحد أن يفي عنه دينه فأداه عنه اجابة لطلبه جاز له ان يرجع عليه بما أدى عنه و ان لم يضمن عنه، و كذلك إذا أمره أن يدفع الى زيد مبلغا أو ينفق في بعض السبل شيئا و لم تقم القرائن على طلب التبرع، فإذا أعطى أو أنفق اجابة لأمره جاز له الرجوع عليه بما دفع و بما أنفق، و هذا ليس من الضمان المصطلح و لا من التعهد العرفي.

و إذا أذن المدين لأحد بوفاء دينه و لم يطلب ذلك منه، لم يحق له الرجوع عليه إذا وفاه عنه الا إذا أفهمته القرائن انه لا يؤدي تبرعا، و انه إذا وفى له دينه رجع عليه بما أدى، فيرجع عليه حين ذاك.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 83

كتاب الحوالة و الكفالة

اشارة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 85

كتاب الحوالة و الكفالة و فيه فصلان.

الفصل الأول في الحوالة و شرائطها و أحكامها

المسألة الأولى:

الحوالة اسم للمعاملة الخاصة التي ينقل بها المديون دائنه بالحق الذي يستحقه في ذمته إلى ذمة رجل آخر، يقال: أحال الرجل غريمه بدينه الى غيره، إذا نقل دين الغريم من ذمة نفسه إلى ذمة ذلك الغير، فالمدين الذي نقل الدين محيل، و الدائن الذي نقل المحيل دينه إلى ذمة الرجل الآخر محال، و الشخص الآخر الذي انتقل الدين الى ذمته محال عليه، و الدين الذي نقله المحيل من ذمة إلى ذمة محال به، و المعاملة التي يحصل بها هذا النقل حوالة.

و الغالب في الشخص الثاني الذي ينقل الدين من ذمة المحيل الى ذمته أن يكون مدينا للمحيل، فالمحيل في الغالب مدين للمحال، و دائن للمحال عليه، و قد تكون الحوالة على شخص بري ء الذمة، و سيأتي بيان ذلك ان شاء اللّه تعالى.

المسألة الثانية:

لا بد في عقد الحوالة من الإيجاب و هو يكون من المحيل، و القبول من المحال، و يكفي في الإيجاب كل لفظ يدل على المعنى المراد، و هو احالة المدين دائنه على الشخص الآخر المحال عليه، و اللفظ المتعارف في ذلك ان يقول الموجب لدائنه: أحلتك بما تستحقه في ذمتي من الدين على زيد، فيقول الدائن المحال: قبلت الحوالة أو يقول: قبلت الإحالة منك على زيد بالدين المعين، أو يقول: رضيت بذلك.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 86

و يعتبر في صحة عقد الحوالة على الأحوط رضى المحال عليه أيضا، بل لا يخلو اعتباره من قوة، و خصوصا إذا كان المحال عليه بري ء الذمة من دين المحيل، أو كان مدينا له و كانت الحوالة عليه بغير جنس الذي في ذمته.

المسألة الثالثة:

يعتبر في صحة الحوالة أن يكون المديون المحيل بالغا، و أن يكون عاقلا، و ان يكون غير سفيه و غير مكره، على النهج الذي تقدم إيضاحه في كتاب البيع و غيره من العقود المتقدم ذكرها، و يعتبر جميع ذلك أيضا في الدائن المحال، و في الشخص الآخر المحال عليه، فلا يصح العقد إذا كان أحد الأطراف الثلاثة المذكورين صغيرا أو مجنونا أو سفيها أو مكرها.

المسألة الرابعة:

الظاهر صحة الحوالة إذا كان المحيل مفلسا أو كان المحال أو كان المحال عليه مفلسا كذلك، إذا كانت الحوالة انما تستلزم تصرفا في ذمته و لا تفيد تصرفا في أمواله المحجور عليها للفلس و التي يكون التصرف فيها منافيا لحقوق الغرماء.

المسألة الخامسة:

يعتبر في صحة عقد الحوالة أن يكون منجزا على الأحوط كما سبق في نظائره من العقود، فلا يصح إذا كان معلقا على شرط أو على وصف.

المسألة السادسة:

ليس من الحوالة أن يحيل الشخص على نفسه أحدا بدين له في ذمة غيره فيقول لزيد مثلا: أحلتك على نفسي بالدين الذي تملكه في ذمة خالد، فيقبل زيد منه العقد، و يكون الإيجاب من المحال عليه لا من المدين، بل و قد لا يحصل منه الرضى بالحوالة، فلا يكون ذلك من الحوالة المصطلحة، و لا يكون من الضمان، بل هو من الحوالة اللغوية، فإذا اتفق المتعاقدان المحال عليه و المحال كما بينا و أوقعا عقد الحوالة بينهما فأحاله بدينه على نفسه، صحت معاملة مستقلة و شملها عموم أدلة الوفاء بالعقود و لزم الوفاء بها، و قد سبقت له نظائر في كتاب

كلمة التقوى، ج 6، ص: 87

الضمان، سواء كان الشخص الذي أحال الدائن على نفسه بري ء الذمة، أم كان مدينا لخالد، و سواء كانت الحوالة بغير جنس ما عليه أم بجنسه.

المسألة السابعة:

يشترط في صحة الحوالة المصطلحة أن يكون الدين المحال به ثابتا للدائن بالفعل في ذمة المحيل، سواء كان ثبوته في ذمته مستقرا أم كان متزلزلا، فلا تصح الحوالة به قبل أن يتم سببه و يثبت في الذمة بالفعل، و مثال ذلك أن يحيله بالدين الذي سيستقرضه منه، أو بثمن السلعة التي سيشتريها به أو ببدل الإجارة الذي سيستأجر به الدار أو يحيل المرأة بالمهر المؤجل الذي سيتزوجها به، و لا يصح أن يحيل الزوجة بنفقتها للمدة الآتية، أو يحيل العامل بمال الجعالة قبل أن يأتي بالعمل المجعول عليه، أو يحيل بمال السبق قبل أن يتحقق سبق السابق، و قد سبق نظير هذا في الدين الذي يراد ضمانه، فلا تصح الحوالة المصطلحة في هذه الفروض و ما أشبهها، و تصح فيها الحوالة بالمعنى اللغوي إذا

وقع الاتفاق و جرى العقد فتكون معاملة مستقلة كما سبق نظيرها هنا و تقدمت نظائرها في فصل الضمان العرفي.

المسألة الثامنة:

لا يشترط في صحة الحوالة المصطلحة أن يكون الدين المحال به معلوما للمحيل و المحال على وجه التفصيل حين صدور عقد الحوالة بينهما، فإذا علم المحيل و المحال بالدين على وجه الإجمال فأحاله به، ثم علما بعد ذلك بجنسه و مقداره، برجوعهما الى وثائق و مستندات و سجلات أوضحت لهما ذلك و ذكرت تفاصيله صحت الحوالة و ترتبت آثارها، و كذلك إذا أحال الدائن بما تشهد به البينة ثم سألا البينة فأوضحت بشهادتها لهما تفاصيل الدين.

المسألة التاسعة:

لا تصح الحوالة إذا كان الدين المحال به مبهما مرددا و مثال ذلك:

أن يحيل المدين دائنه بأحد الدينين على وجه الترديد من غير تعيين، أو يحيله على المحال عليه بشي ء من دينه من غير تحديد لمقدار الشي ء الذي أحاله به من الدين، فلا تكون الحوالة صحيحة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 88

المسألة العاشرة:

إذا كان لرجل دينان يختلف أحدهما عن الآخر في ذمة شخص واحد، يصح للمدين ان يحيل دائنه المذكور بأحد دينية على نحو الواجب التخييري على الشخص المحال عليه، و مثال ذلك أن يكون لزيد في ذمة عمرو دين بخمسمائة دينار، و له في ذمته كذلك دين آخر بستمائة دينار، فيحيل عمرو دائنه زيدا بالدينين معا على خالد، على أن يختار المحال عليه و هو خالد أحد الدينين المحال بهما فيسدده، فإذا اختاره و قام بوفائه سقطت الحوالة عليه بالدين الآخر.

المسألة 11:

يشكل الحكم بصحة الحوالة إذا كان المحيل أو المحال جاهلا بجنس الدين المحال به أو جاهلا بمقداره في حال الحوالة و لا يحصل له العلم به بعد ذلك كما إذا كان عمرو مدينا لزيد بمبلغ لا يعلمان مقداره أو لا يعلمان جنسه و ليس عندهما ما يعين ذلك لهما، فيشكل الحكم بصحة الحوالة بهذا الدين المجهول.

و تصح الحوالة به بالمعنى اللغوي الذي تقدم بيانه فإذا تراضى بها الجميع كذلك و اجري العقد صح و كانت الحوالة معاملة مستقلة كنظائرها المتقدمة.

المسألة 12:

لا يشترط في صحة الحوالة أن يتفق المال المحال به مع المال المحال عليه في جنسهما و نوعهما و وصفهما فإذا كان لزيد دين في ذمة عمرو مبلغ من الدراهم، و كان مدينا لخالد بمبلغ من الدنانير أو بمقدار من الحنطة و أراد زيد ان يحيل دائنه خالدا على مدينة عمرو بأن يدفع له دنانير أو حنطة بدل الدراهم التي لزيد في ذمته، صح له ذلك إذا تراضى به الجميع و إذا أحاله كذلك مع الرضى به حصل الوفاء.

المسألة 13:

لا يشترط في صحة الحوالة أن يكون الشخص المحال عليه مدينا للمحيل، فتصح الحوالة عليه و ان كان بري ء الذمة على الأقوى.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 89

المسألة 14:

تصح الحوالة بأي دين تشتغل به ذمة المدين، سواء كان من الأعيان أم من المنافع أم من الأعمال كما إذا استأجر الرجل من المالك دارا كلية موصوفة بأوصاف معينة للسكنى فيها أو استأجر أجيرا ليقوم له بأعمال معلومة في ذمته و لم يشترط عليه المباشرة، فكانت المنفعة المملوكة بالإجارة دينا في ذمة المؤجر و كان العمل المستأجر عليه دينا في ذمة الأجير، فتصح الحوالة بذلك من المدين على شخص آخر، سواء كان المحال عليه مشغول الذمة للمدين بمثل تلك المنفعة و مثل ذلك العمل أم كان بري ء الذمة.

و يجري ذلك في الصلاة و الصيام و الحج و العمرة و الزيارة و غيرها من الأعمال إذا كانت ديونا في الذمة و لم تشترط فيها المباشرة.

المسألة 15:

تصح الحوالة بالمال سواء كان مثليا أم قيميا إذا وصف وصفا ترتفع به الجهالة المضرة بالحوالة.

المسألة 16:

إذا أحال المدين بدينه و تمت شروط الحوالة و توفر جميع ما يعتبر فيها برئت ذمة المحيل من دينه المعلوم بالمقدار الذي أحال به دائنه، و انتقل دين الدائن المحال إلى ذمة الشخص المحال عليه بذلك المقدار و برئت ذمة المحال عليه من دين المحيل إذا كان مشغول الذمة له بمقدار ما أحال به عليه من المال و كان المال مثليا و الحوالة عليه بمثله.

و إذا كانت الحوالة بغير مثل الدين، أو كان المحال عليه بري ء الذمة اشتغلت ذمة المحيل له بما أحال عليه ثم يتحاسبان بعد ذلك إذا شاءا أو يتصالحان.

المسألة 17:

إذا أنشأ المديون الإيجاب في عقد الحوالة لم يجب على المحال قبول الإيجاب، بل يتخير في القبول و عدمه و ان كان الشخص المحال عليه مليا، و غير مماطل في أداء المال.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 90

المسألة 18:

إذا تم الإيجاب و القبول في الحوالة، و تحقق الرضى بالمعاملة من المحيل و المحال و المحال عليه كانت الحوالة لازمة على الأشخاص الثلاثة جميعا، فلا يجوز لأحدهم فسخ الحوالة و ان كان المحال عليه بريئا، فلا يجوز له الفسخ بعد أن تحقق منه الرضى، و قد ذكرنا ان دين الدائن ينتقل إلى ذمة المحال عليه إذا تمت الحوالة، و توفرت شروطها.

و يستثنى من ذلك ما إذا كانت الحوالة على رجل معسر، و كان الدائن المحال جاهلا بإعساره، ثم علم بإعساره بعد ذلك، فيجوز له فسخ الحوالة و الرجوع بالدين على المحيل.

و يراد بإعسار المحال عليه هو ان لا يكون عنده ما يفي به دينه زائدا على الأمور المستثنيات في الدين و التي ذكرناها في المسألة الثامنة عشرة من كتاب الدين، و المدار في ذلك هو ان يكون المحال عليه معسرا كذلك في حال الإحالة عليه، و أن يكون المحال جاهلا بالإعسار كما ذكرنا، فلا يثبت الخيار للمحال إذا كان المحال عليه مليا في حال الحوالة و ان تجدد له الإعسار بعد ذلك، و لا يثبت الخيار للمحال إذا قبل الحوالة على الرجل و هو يعلم بإعساره.

المسألة 19:

لا تجب المبادرة على المحال في فسخ الحوالة بعد ان يعلم بإعسار المحال عليه، فإذا تأخر في الفسخ لعذر أو لغير عذر لم يسقط حقه في خيار الفسخ على الأقوى، مع تحقق الفرض المتقدم الذي يثبت له فيه الخيار.

المسألة 20:

لا يسقط خيار الفسخ للمحال بعد ان يعلم بإعسار المحال عليه و ان أمكن للمحال عليه أن يقترض و يفي دينه من مال القرض، و لا يسقط الخيار كذلك إذا وجد من يتبرع عن المحال عليه بوفاء دينه بعد ما كان معسرا، في الفرض الذي يثبت فيه الخيار للمحال و لا يسقط الخيار إذا تجدد له اليسر بعد ما كان معسرا حال الحوالة و كان المحال جاهلا بعسره.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 91

المسألة 21:

يجوز للمحال عليه أن يشترط لنفسه في ضمن العقد أن يفسخ العقد إذا شاء، فإذا شرط ذلك لنفسه و رضي به الآخر ان صح له الفسخ كما شرط، و يجوز كذلك للمحيل أو المحال ان يشترط الخيار لنفسه، و يثبت له حق الخيار إذا شرط.

المسألة 22:

يمكن الترامي في الحوالة، فيحيل المديون دائنه على شخص معين، ثم يحيل المحال عليه ذلك الدائن على محال عليه آخر، ثم يحيله هذا المدين الجديد على آخر ثم يحيله هذا على غيره، و هكذا فتترامي الحوالة و يتعدد المحال عليه، و الدائن المحال في الجميع واحد، و يصح الجميع.

و يجوز أن يحيل المدين دائنه على شخص، فإذا كان هذا الدائن مدينا لغيره صح له أن يحيل دائنه على الشخص الذي أحيل عليه و إذا كان الدائن الثاني مدينا لثالث جاز له أن يحيل دائنه على مدينة الذي أحيل عليه، و هكذا، فيتعدد المحال و يكون المحال عليه واحدا، فإذا ترامت العقود و توفرت شرائطها صحت جميعا، و ترتبت آثارها.

المسألة 23:

يجوز أن تدور الحوالة، و مثال ذلك أن يحيل المديون دائنه على شخص، ثم يحيل الشخص المحال عليه دائنه على شخص غيره في المرة الثانية، ثم يحيل هذا المدين الثالث دائنه على المدين الأول، فترجع سلسلة الحوالات من حيث ابتدأت و يكون الجميع صحيحا إذا توفرت فيها الشرائط المطلوبة، و قد تقدم نظير ذلك في كتاب الضمان.

المسألة 24:

إذا ترامت الحوالة، فأحيل الدائن بدينه مرتين أو أكثر على اشخاص متعددين، و انتقل دينه بسبب ذلك الى ذمة المحال عليه الأول ثم الى الثاني ثم الى الثالث ثم أحاله المدين الأخير بدينه على رجل له في ذمة الدائن مثل دينه، و قبل الطرفان الحوالة تقابل ما في ذمتيهما من الدين و حكم الشارع بتساقطهما معا، و إذا اختلف الدينان في الجنس اشتغلت ذمة كل منهما للآخر بدينه، ثم تحاسبا عن ذلك إذا شاءا أو تصالحا.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 92

المسألة 25:

تبرأ ذمة الشخص المحال عليه من دين الدائن إذا هو وفى الدين و أدى مال الحوالة، و تبرأ ذمته إذا أحال الدائن على شخص آخر و قبل الدائن و المحال عليه بالحوالة الجديدة، و تبرأ ذمته إذا ضمن المال عنه ضامن، و كان الضمان برضى الدائن المضمون له، و تبرأ ذمته إذا تبرع احد فوفى عنه الدين، سواء كان المتبرع أجنبيا أم كان هو الشخص الذي أحال عليه بالمال، و تبرأ ذمته إذا أمر أحدا بوفاء الدين فأداه عنه اجابة لطلبه.

و يرجع موفي الدين عليه بما أداه عنه إذا كان الأداء بطلبه، أو كان الضمان عنه باذنه، سواء كان المؤدي أو الضامن هو المحيل نفسه، أم كان شخصا غيره، و لا يرجع عليه إذا كان متبرعا بالوفاء أو بالضمان و قد سبق تفصيل هذه الفروض و الأحكام جميعها، و نحن نذكرها للتنبيه.

المسألة 26:

إذا أدى المحال عليه مال الحوالة للدائن، ثم طالب المحيل بما أداه عنه، فادعى المحيل ان المحال عليه كان مشغول الذمة له بمثل الدين الذي أداه، فلا يحق له المطالبة به فإنما و في به دينه، و أنكر المحال عليه انه مشغول الذمة و ادعى ان الحوالة عليه كانت من الحوالة على البري ء، فالقول قول المحال عليه مع يمينه على أنه بري ء الذمة، فإذا أحلف على ذلك طالب المحيل ببدل ما أداه عنه.

المسألة 27:

إذا قبل المحال عليه الحوالة اشتغلت ذمته بدين الدائن و برئت ذمة المحيل عنه كما ذكرنا في المسألة السادسة عشرة، و نتيجة لذلك: ان المحال عليه إذا كان بري ء الذمة من الدين جاز له أن يرجع على المحيل بالمال بمجرد قبوله الحوالة عليه و لا يتوقف جواز رجوعه عليه على أداء المال، و لا يقاس الحكم في الحوالة على الضمان و الفارق بينهما هو النص.

المسألة 28:

إذا قبل المحال عليه الحوالة، ثم صالحه الدائن بأقل من دينه و ابرأ

كلمة التقوى، ج 6، ص: 93

ذمته من الباقي، فإن كان المحال عليه بري ء الذمة من دين للمحيل، جاز له أن يأخذ من المحيل جميع الدين الذي أحاله عليه، و ان كان مشغول الذمة للمحيل لم يجز له أن يأخذ من المحيل أكثر مما أدى عنه و هو الأقل.

المسألة 29:

إذا باع الرجل أرضا أو دارا يملكها و بقي الثمن في ذمة المشتري، فأحال المشتري البائع بالثمن على أحد و رضي المحال عليه بالحوالة، ثم تبين بطلان البيع، كانت الحوالة باطلة من أصلها، فإن بطلان البيع يعني أن ذمة المشتري غير مشغولة للبائع بشي ء لتصح احالته به على احد.

و إذا أحال البائع دائنا له على الثمن المذكور الباقي عند المشتري، ثم تبين بطلان البيع، فان كانت حوالة البائع لدائنه على المشتري مقيدة بثبوت الثمن في ذمته كانت الحوالة باطلة كذلك لانتفاء القيد، فإذا كان المحال قد قبض مال الحوالة، فالمقبوض باق في ملك صاحبه المحال عليه في كلتا الصورتين، فيجوز له الرجوع به إذا كان موجودا و إذا تلف فله الرجوع بعوضه على المحيل أو على المحال.

و إذا كانت حوالة البائع لدائنه في الصورة الثانية غير مقيدة بثبوت الثمن في ذمة المشتري بل كان ذلك بنحو الداعي للإحالة عليه كما هو الغالب لم تبطل الحوالة ببطلان البيع و كانت من الحوالة على البري ء.

المسألة 30:

إذا باع الرجل أرضه أو داره، و بقي الثمن في ذمة المشتري، و أحال المشتري البائع بالثمن على غيره، أو أحال البائع دائنا له على المشتري، كما في الفرض المتقدم، ثم انفسخ البيع بتقايل المتبايعين أو حصل الفسخ بأحد أسباب الخيار.

فإذا فسخت معاملة البيع قبل أن يقبض المال المحال به، فالظاهر بطلان الحوالة، فإن الثمن بسبب فسخ المعاملة بالتقايل أو بالخيار يرجع الى ملك المشتري، فلا يصح للبائع أخذه من المحال عليه، و إذا قبض المال المحال به أولا ثم حصل الفسخ بعد ذلك صحت الحوالة ثم رجع الثمن بعد الفسخ من البائع إلى المشتري.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 94

المسألة 31:

إذا وضع الإنسان بعض أمواله عند وكيله أو استودعها عند أمين، جاز له أن يحيل دائنه على الوكيل أو الأمين ليفي دينه من المال الذي بيده، و هو من الحوالة العرفية، و ليس من الحوالة المصطلحة، فإذا أحال الدائن بالمبلغ و رضي المحال و المحال عليه، جاز للوكيل أو الأمين أن يدفع للدائن من المبلغ الموجود لديه، و لا يجب الدفع عليه الا إذا انحصر رد المال الى مالكه بذلك، بحيث لو لم يدفع المال إلى الدائن المحال، لم يمكن له أن يرد المال الى مالكه بعد ذلك. و كذا إذا علم من القرائن ان المالك لا يرضى برفض الحوالة، أو لا يرضى بتأخير دفع المال.

المسألة 32:

إذا تنازع المدين و الدائن في أن العقد الذي أوقعاه بينهما هل هو حوالة بالدين على الشخص المحال عليه أو هو وكالة للدائن في أن يقبض المال من ذلك الرجل، فهاهنا صور تختلف في الفرض و في الحكم، فلا بد من ملاحظتها.

(الصورة الأولى): أن يقع التنازع بينهما في ذلك قبل أن يقبض الدائن المال من الشخص المحال عليه، فمدعي الحوالة منهما يدعي ان ذمة المحيل قد برئت من دين المحال بسبب الحوالة، و يدعي كذلك أن ذمة المحال عليه قد برئت من دين المحيل بقبوله الحوالة، و يدعي أيضا ان المال المحال به لا يزال ملكا لصاحبه الأول و لم ينتقل الى ملك المحال، و مدعي الوكالة ينكر جميع ذلك فيكون قوله هو الموافق للأصول، و يكون هو المنكر، فإذا لم تكن لصاحبه بينة على قوله فالقول لمدعي الوكالة مع يمينه، سواء كان هو الدائن أم المدين.

المسألة 33:

(الصورة الثانية): أن يكون الاختلاف بينهما في ذلك بعد أن يقبض الدائن المال من المحال عليه، و تكون الوكالة المدعاة هي وكالة المحيل للمحال في أن يقبض من المحال عليه ما في ذمته من دين المحيل، و يأخذه لنفسه بعد القبض وفاء لدينه في ذمة المحيل، و لا ريب ان جميع الأصول المتقدم ذكرها تكون ساقطة في هذه الصورة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 95

فقد علم تفصيلا بأن ذمة الشخص المحال عليه قد برئت من دين المحيل اما بالحوالة من المحيل، و اما بدفع الدين الى وكيله، و علم أيضا بأن ذمة المحيل قد برئت من دين دائنه، اما بالحوالة و اما باستيفاء الدائن دينه بالوكالة بعد أن قبض المال من المدين المحال عليه، و علم بأن الدائن قد

ملك المال المحال به اما بالحوالة و اما بقبض الدائن المال لنفسه بالوكالة، و إذا سقطت الأصول كما بينا فلا يكون قول مدعي الوكالة و منكر الحوالة موافقا للحجة ليحكم بتقديم قوله مع اليمين.

على ان الظاهر أن الدعوى في هذه الصورة تكون ساقطة بنفسها لأنها ليس لها أثر ملزم لأحد الطرفين، فلا تكون مقبولة.

المسألة 34:

(الصورة الثالثة): ان يكون التنازع بينهما في ذلك بعد أن يقبض الدائن المال من المحال عليه و تكون الوكالة المدعاة هي وكالة المدين للدائن في أن يقبض المال من المحال عليه و يبقيه امانة بيده يراجع المدين في أمرها و لا ريب في براءة ذمة المحال عليه من دين المحيل اما بالحوالة و اما بدفع دينه الى وكيله.

و لكن دين المحال على المحيل لا يزال مشكوك البقاء، فتجري فيه أصالة بقاء اشتغال ذمة المحيل للمحال، و تجري كذلك أصالة عدم ملكية المحال للمال الذي قبضه من المحال عليه، فيكون قول من يدعي الوكالة و ينكر الحوالة موافقا لهذين الأصلين، فإذا لم تكن لمدعي الحوالة بينة لإثبات قوله، فالقول قول المنكر مع يمينه.

الفصل الثاني في الكفالة

المسألة 35:

الكفالة هي أن يتعهد الإنسان لإنسان آخر بإحضار شخص معين له عليه حق، مال أو غيره، بل تعم اي شخص يستحق إحضاره في مجلس الشرع و ان لم يثبت عليه الحق بعد، فيكون التعهد بإحضاره من الكفالة المصطلحة، فالإنسان المتعهد بإحضار ذلك الرجل كفيل، و الإنسان

كلمة التقوى، ج 6، ص: 96

الآخر الذي تعهد له الكفيل بإحضار الرجل مكفول له، و الشخص الذي تعهد الكفيل بإحضاره مكفول.

و لا تصح الكفالة في ما إذا كان الحق الذي على الشخص حدا من حدود اللّه أو تعزيرا شرعه الإسلام عند ارتكاب الشخص بعض المحرمات أو تركه لبعض الواجبات، و تصح في ما إذا كانت العقوبة من حقوق الناس كالقصاص.

المسألة 36:

الكفالة عقد من العقود يكون الإيجاب فيه من المتعهد و هو الكفيل، و القبول من صاحب الحق و هو المكفول له، و يقع الإيجاب بأي لفظ يدل على التعهد و الالتزام بإحضار الشخص المقصود و من أمثلة ذلك ان يقول الموجب للمكفول له: تكفلت لك بإحضار فلان، أو تعهدت، أو التزمت بذلك أو يقول: أنا كفيل لك بإحضاره، و يكفي في القبول كل لفظ يدل على الرضى بتعهد الكفيل و منه أن يقول بعد الإيجاب: قبلت بكفالتك أو رضيت بتعهدك.

المسألة 37:

يشترط في صحة الكفالة أن يكون الكفيل بالغا و عاقلا، و مختارا غير مكره، و قاصدا غير ساه و لا هازل، و أن يكون قادرا على إحضار الشخص المكفول، و أن يكون غير محجور عليه لسفه، و يشترط فيه أن يكون غير مفلس إذا كان الحق الذي على المكفول حقا ماليا، كالمدين و الضامن، و إذا كان الحق الذي على المكفول من الحقوق غير المالية، ففي اشتراط أن يكون الكفيل غير مفلس، اشكال.

و لا يشترط في صاحب الحق: المكفول له أن يكون بالغا أو عاقلا، أو رشيدا، فتصح الكفالة للصبي و المجنون و السفيه، و يكون القبول من الولي عليهم.

المسألة 38:

لا يشترط في صحة الكفالة أن يرضى بها الشخص المكفول، و ليس طرفا من أطراف العقد على الأقوى، فإذا تم الإيجاب و القبول من الكفيل و المكفول له صح العقد و لزم الوفاء به و ان لم يرض المكفول

كلمة التقوى، ج 6، ص: 97

بذلك و سيأتي الاختلاف في بعض الآثار بين الكفالة إذا أذن المكفول بها و الكفالة إذا لم يأذن بها، و هذا لا يعني اشتراط صحة الكفالة برضاه.

المسألة 39:

تصح الكفالة بإحضار الشخص إذا كان عليه حق مالي و ان لم يعلم الكفيل بمقدار المال و تصح الكفالة كذلك إذا كان على المكفول حق و لم يعلم بأنه حق شفعة مثلا أو حق خيار، و تصح إذا كان عليه حق قصاص، و لم يعلم أنه قصاص في طرف أو قصاص في نفس، و تصح إذا كان عليه حق جناية و لم يعلم أنها جناية توجب دية أو جناية توجب قصاصا.

المسألة 40:

يصح أن توقع الكفالة حالة، و أن تكون مؤجلة و معنى إيقاعها حالة أن يتعهد الكفيل بإحضار المكفول في الوقت الحاضر و المراد بإيقاعها مؤجلة أن يتعهد بإحضاره بعد مدة، و إذا أوقعت مؤجلة فلا بد من تعيين الأجل فيها و تحديده على وجه لا تكون فيه زيادة و لا نقصان، و إذا أطلق الكفيل العقد و لم يذكر للكفالة وقتا اقتضى إطلاق العقد أن تكون حالة.

المسألة 41:

الكفالة من العقود اللازمة على المتعاقدين، فلا يجوز للكفيل و لا للمكفول له فسخ العقد، و يجوز لهما أن يتراضيا فيتقايلا منها، و يصح لأحدهما أن يشترط لنفسه خيار الفسخ فيها إلى مدة معينة، فإذا اشترط ذلك صح له الفسخ في الوقت المحدد، و يجوز أن يشترطا الخيار لكل منهما إلى مدة معينة كذلك و يمكن ان تكون المدة المشترطة لهما متساوية في المقدار و متفاوتة.

المسألة 42:

إذا تم عقد الكفالة و كانت حالة أو حل وقتها بعد أن كانت مؤجلة، جاز لصاحب الحق ان يطلب من الكفيل إحضار المكفول في الوقت المحدد، فإذا أحضره لديه و تمكن المكفول له منه تمكنا تاما برئت ذمة الكفيل من الكفالة، سواء استوفى المكفول له من الرجل حقه أم لا.

و إذا امتنع الكفيل من إحضار المكفول جاز لصاحب الحق أن يرفع الأمر إلى الحاكم الشرعي، فإذا رفع الأمر إليه حبس الحاكم الكفيل

كلمة التقوى، ج 6، ص: 98

حتى يحضر المكفول، من غير فرق بين أن يكون الحق الذي عليه ماليا أم غيره، و هذا هو الحكم الذي دلت عليه نصوص المسألة.

و في القول المعروف بين الأصحاب قدس اللّه أرواحهم: أن الكفيل إذا امتنع عن إحضار المكفول جاز للمكفول له أن يحبسه عند الحاكم حتى يحضر المكفول أو يؤدي ما على المكفول من الحق.

و هو مشكل، فإن أدلة المسألة كما أشرنا إليه خالية عن هذا التخيير، و أداء ما على المكفول انما يمكن إذا كان الحق ماليا يمكن تسليمه كالدين و بدل الضمان للتلف و العيب، و لا يتم في مثل حق القصاص و في كفالة الزوجة الناشزة، و المرأة المدعى زوجيتها، و كفالة المدعى عليه في الدعوى، فلا بد

فيها من إحضار المكفول بنفسه.

نعم إذا كان الحق الذي على المكفول ماليا، و اداه الكفيل باختياره برئت ذمته من الكفالة بسبب ارتفاع موضوعها بأداء الحق الذي كفل من أجله، فيجب إطلاقه من الحبس.

المسألة 43:

إذا كان الشخص المكفول غائبا في موضع يمكن للكفيل الوصول اليه و إحضاره منه، اعطي من النظرة في الوقت ما يمكنه فيها أن يصل الى الموضع المعين، و أن يفحص عن الرجل إذا كان العثور عليه يحتاج الى الفحص، حتى يحضره، و إذا أمهل كذلك و انقضت المدة و لم يحضره، رفع المكفول له أمره الى الحاكم الشرعي فحبسه حتى يأتي بالمكفول.

و إذا انقطع خبر المكفول و لم يعلم موضعه و كان الظفر به مرجوا مع الفحص، ألزم الكفيل بإحضاره و حبس لذلك، و قد سبق الإشكال في إلزام الكفيل بأداء الحق الذي على المكفول، و إذا أدى باختياره ما على المكفول من الحق ليتخلص بذلك من الحبس جاز له ذلك، و كفى.

و كذلك الحكم إذا انقطع خبر المكفول، و لم يرج الظفر به، و كان عروض هذه الحال بعد الكفالة فلا تبطل الكفالة بذلك، و يلزم بإحضار الرجل و يحبس لذلك، أو يختار بنفسه أداء ما على المكفول من الحق ليتخلص من الحبس، و خصوصا إذا كان ذلك بتفريط الكفيل في أمره حتى غاب الرجل و انقطع خبره.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 99

و إذا أريد إنشاء الكفالة له ابتداء في مثل هذه الحال أشكل الحكم بصحتها.

المسألة 44:

إذا أدى الكفيل المال الذي على المكفول و كان اداؤه للمال بطلب من المكفول جاز للكفيل الرجوع بالمال عليه، و إذا أداه بغير طلب من المكفول، أشكل الحكم بجواز الرجوع عليه، و لا يترك الاحتياط بالمصالحة في ذلك.

المسألة 45:

إذا اشترط الكفيل أو المكفول له في العقد أن يكون إحضار المكفول في بلد معين، لزم العمل بالشرط، فلا يجب على الكفيل تسليمه في غير ذلك البلد، و لا يجب على المكفول له تسلمه من الكفيل إذا أحضره في غيره، و إذا أطلق العقد بينهما و لم يعينا موضعا للإحضار، فإن دلت القرائن على ارادة موضع خاص تعين ذلك، و من القرائن أن يوقعا عقد الكفالة في بلد المكفول له أو في موضع استقراره، فينصرف العقد الى لزوم التسليم في ذلك الموضع، و إذا لم يعينا موضعا و لم تدل القرائن على إرادة شي ء فالظاهر بطلان الكفالة.

المسألة 46:

يجب على الكفيل إحضار المكفول في الوقت المعين، و يلزمه ان يتخذ لذلك أي وسيلة يمكنه التوصل بها الى أداء الواجب إذا كانت الوسيلة مباحة غير محظورة في الإسلام و منها أن يستعين ببعض أهل النفوذ و السطوة إذا لم يكن في ذلك ظلم أو إضرار أو مفسدة.

المسألة 47:

إذا احتاج إحضار المكفول في موضع التسليم الى مؤنة فهي واجبة على المكفول، و إذا صرفها الكفيل و لم يقصد بها التبرع، و كان صرفها بطلب من المكفول، جاز له أن يرجع بها عليه، و كذلك إذا دلت القرائن على طلبه، و يشكل في غير ذلك.

المسألة 48:

إذا أحضر الكفيل الشخص المكفول و سلمه الى المكفول له تسليما

كلمة التقوى، ج 6، ص: 100

تاما برئت ذمة الكفيل من الكفالة كما تقدم بيانه، و تبرأ ذمة الكفيل كذلك إذا حضر المكفول بنفسه و سلم نفسه لصاحب الحق في موعد الكفالة، و مثله ما إذا أخذه المكفول له حتى تمكن من استيفاء حقه منه أو من إحضاره في مجلس الشرع، إلا إذا علم من الشرط في عقد الكفالة أو من القرائن الحافة به ان المراد حضوره بتوسط الكفيل لغرض خاص من الأغراض، فلا يسقط الوجوب عن الكفيل حين ذاك إلا بإحضاره، و تبرأ ذمة الكفيل كذلك إذا أبرأ المكفول له ذمته من الكفالة و رفع يده عنها، و إذا أبرأ ذمة الشخص المكفول من الحق الواجب عليه فارتفع بذلك موجب الكفالة و سقطت بارتفاع موضوعها.

المسألة 49:

إذا مات الكفيل بطلت الكفالة بموته، فلا يجوز للمكفول له أن يطالب ورثته بإحضار المكفول، و كذلك إذا مات الشخص المكفول فتبطل الكفالة بموته، فلا يحق للمكفول له أن يطلب من الكفيل إحضار وارثه من بعده، و إذا مات المكفول له لم تبطل الكفالة بموته، فيجوز لوارثه أن يطالب الكفيل بإحضار المكفول إلا إذا كان الحق الذي لمورثهم مما لا ينتقل الى الوارث فتبطل فيه كفالة الكفيل.

المسألة 50:

إذا كان للرجل حق على رجل آخر من دين أو عين أو غير ذلك مما يصح تمليكه، فكفله الكفيل لإحضاره ليوفي الدين أو يسلمه العين، أو ليثبت الدعوى فيه، ثم نقل المكفول له حقه المذكور الى ملك رجل غيره، فباعه منه أو صالحه عليه أو وهبه إياه أو احاله عليه بطلت الكفالة.

المسألة 51:

إذا أخذ الدائن مدينة ليطالبه بحقه الثابت له فقهره رجل آخر أو أجبره أو احتال عليه حتى خلصه من يده، كان هذا الشخص بمنزلة الكفيل و كان ضامنا لإحضاره عند الدائن، و ليس للدائن أن يطالبه بأداء ما على المكفول من الدين، و إذا هو أدى ما على الرجل باختياره كفى و سقط عنه الضمان، و لا يسقط الضمان في غير الدين و شبهه من

كلمة التقوى، ج 6، ص: 101

الماليات كما في الكفالة، فيجب عليه إحضار الرجل المضمون و يجبره الحاكم الشرعي على ذلك.

المسألة 52:

إذا خلص القاتل من يد ولي دم المقتول، وجب عليه أن يحضره أو أن يدفع الدية باختياره إذا كان القتل مما فيه الدية، و إذا كان القتل عمدا ألزم بإحضاره، فإذا مات القاتل قبل أن يتمكن منه، وجب عليه أن يدفع الدية.

المسألة 53:

يكره للإنسان أن يكفل غيره، ففي الأحاديث الشريفة ما يحذر عن تعاطي ذلك و التعرض له و في بعضها ما يدل على ان الكفالة خسارة غرامة ندامة، و انها أهلكت القرون الأولى.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 103

كتاب الوقف و توابعه

اشارة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 105

كتاب الوقف و توابعه و فيه ثمانية فصول

الفصل الأول في الوقف و شروطه

المسألة الأولى:

الوقف صدقة جارية باقية كما وصفته الأحاديث الكثيرة الواردة عن الرسول (ص) و عن أئمة الهدى المطهرين من آله، صلوات اللّه عليهم أجمعين، فعن الامام أبي عبد اللّه (ع): (ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلا ثلاث خصال، صدقة أجراها في حياته، و هي تجري بعد موته، و سنة هدى سنها فهي يعمل بها بعد موته، و ولد صالح يدعو له).

و في الصحيح عن معاوية بن عمار: (قلت لأبي عبد اللّه (ع): ما يلحق الرجل بعد موته، قال: سنة يسنها يعمل بها بعد موته فيكون له مثل أجر من عمل بها من غير ان ينتقص من أجورهم شي ء، و الصدقة الجارية تجري من بعده، و الولد الطيب يدعو لوالديه بعد موتهما و يحج و يتصدق و يعتق عنهما و يصلي و يصوم عنهما). و من ذلك و من أمثاله مما ورد فيه يعلم عظم أجره و كبير خطره في الإسلام.

المسألة الثانية:

الوقف هو أن يحبس الإنسان العين المملوكة له و يسبل منفعتها، و تحبيس العين: هو المنع من التصرف فيها على الوجه الذي يتصرف به في الأعيان المملوكة، فلا تباع و لا توهب و لا تورث و لا تنقل بأي ناقل شرعي و تبقى على وجهها الذي وقفت عليه مؤبدة محبوسة، و تسبيل المنفعة هي إباحة المنفعة التي قصدها الواقف من تلك العين، للموقوف عليهم أو في الجهة المعينة التي وقفت العين عليها أو لأجلها على المناهج التي يأتي بيانها في مواضعها ان شاء اللّه تعالى.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 106

المسألة الثالثة:

لا بد في تحقق الوقف من الصيغة الدالة على إنشاء التحبيس المؤبد المذكور، يوقعها مالك العين أو من يفوض إليه أمرها، و مثال ذلك ان يقول المالك: وقفت هذه الدار المعينة أو هذه البناية المعينة لتكون مسجدا، أو يقول: وقفتها على أولادي، أو على الفقراء، أو وقفت هذه العمارة مدرسة لطلاب العلم أو رباطا يقيم فيه الفقراء، و يكفي أن يقول: تصدقت بها في هذا السبيل المعين صدقة مؤبدة لاتباع و لا تورث و لا توهب، أو جعلتها موقوفة.

و لا يشترط في الصحة أن يكون إنشاء الصيغة باللغة العربية أو بالفعل الماضي، بل يصح أن يكون الإنشاء بالفعل المضارع و بالجملة الاسمية، فيقول: ارضي المعينة موقوفة على الوجه المعين، و يصح إنشاؤها بأي لغة من اللغات التي يحسنها الواقف و يعبر فيها تعبيرا دالا على المقصود في عرف أهل تلك اللغة.

المسألة الرابعة:

لا تكفي كلمة حبست وحدها في الدلالة على معنى الوقف، و لا كلمة سبلت، حتى يضم الكلمة الثانية منهما إلى الأولى، و تتعلق كلمة حبست بالعين التي يريد المالك وقفها و تتعلق كلمة سبلت بالمنفعة الخاصة التي يقصد إباحتها في الوجه الخاص، فيقول: حبست داري المعينة و سبلت منفعتها لتكون مسجدا، أو يقول: حبست العمارة المعينة على أولادي و سبلت منفعتها لهم لتكون مسكنا لهم، أو لتؤجر و يصرف حاصلها في مصالحهم أو لغير ذلك من الوجوه التي يقصدها و يعينها.

المسألة الخامسة:

يشترط في وقف المسجد أن يقصد الواقف في وقفه أن تكون الأرض أو يكون البناء مع الأرض مسجدا، فيقول: وقفت هذا الموضع المعين مسجدا، أو وقفته ليكون مسجدا، و إذا قال: وقفت المكان على الصلاة أو على العبادة، أو على المصلين صح وقفه مصلى أو معبدا، و لم يصح مسجدا و لم تترتب عليه آثار المسجد و لا فضله و لا أحكامه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 107

المسألة السادسة:

تكفي المعاطاة في إنشاء الوقف لبعض الموقوفات، فإذا بنى الإنسان أرضه المملوكة أو المحجرة بقصد إنشاء المسجدية ثم أذن للناس في الصلاة في الموضع الذي بناه بهذا القصد و صلى فيه بعض الناس صح وقفه مسجدا و ترتبت عليه آثار المسجد و أحكامه.

و إذا بنى في الأرض بنائه بقصد وقفها مدرسة لطلاب العلم، أو رباطا يقيم فيه الفقراء أو ينزل فيه بعض ذوي الحاجة من المسافرين و غيرهم، ثم اذن بالسكنى فيه فسكن المدرسة بعض الطلاب و اقام في الرباط بعض الفقراء و ذوي الحاجة صح الوقف و تم.

و إذا حدد قطعة من أرضه المملوكة بقصد إنشاء وقفها مقبرة للمسلمين و اذن لهم بالدفن فيها ثم دفن فيها بعض الموتى، تم الوقف، و هكذا في وقف الطريق أو الشارع أو القنطرة، و وقف الفرش و الحصر و المصابيح و أجهزة الانارة و السقاية و التبريد و التدفئة في المشاهد و المساجد و المدارس و الحسينيات فإذا وضع الفراش أو الجهاز في الموضع بقصد إنشاء وقفه و قبضه المتولي أو استعمل في احتياجات المشهد أو المسجد أو الموضع المعين صح وقفها.

المسألة السابعة:

إذا كانت للرجل دار مملوكة أو موضع تام البناء و أراد وقفه مسجدا أو مدرسة أو رباطا أو حسينية، فلا يترك الاحتياط بإنشاء صيغة الوقف، و لا يكتفي بأن يصرف الناس في الصلاة في الموضع بقصد إنشاء وقفه مسجدا أو يصرف الطلاب في السكنى فيه بقصد وقفه مدرسة أو رباطا.

و كذلك إذا كانت له دار مملوكة أو بستان مملوك و أراد أن يجعلها وقفا على ذريته أو لبعض ذوي الحاجات أو على بعض القربات، فلا يترك الاحتياط في إنشاء الصيغة و لا يكتفي بالمعاطاة بقصد

إنشاء الوقف المعين.

المسألة الثامنة:

يصح التوكيل في إجراء الوقف سواء كان ذلك بإنشاء الصيغة أم

كلمة التقوى، ج 6، ص: 108

كان إنشاؤه بالفعل و المعاطاة على النهج الذي سبق بيانه، و يشكل جريان الفضولية فيه، فلا بد من الاحتياط بتركه فإذا وقف الرجل مال غيره فضولا و أراد المالك إنفاذ الوقف، فلا بد له من تجديد صيغة الوقف من المالك أو وكيله، و لا يكتفي بإجازة الصيغة التي أوقعها الفضولي على المال.

المسألة التاسعة:

إذا أنشأ المالك أو الوكيل عنه الإيجاب في الوقف على الوجه الصحيح أو أنشأه بالمعاطاة على الوجه المطلوب، صح الوقف و نفذ و لا يحتاج بعده الى القبول على الأقوى سواء كان الوقف بنفسه من الجهات العامة كالمساجد و الربط و المقابر و الشوارع و القناطر، أم كان وقفا على عناوين عامة كالوقف على الفقراء و على ذرية الرسول (ص) أو على الفقهاء أم كان وقفا خاصا كالوقف على الذرية أو على زيد و ذريته، فلا يعتبر القبول في جميع أقسام الوقف، و الأحوط استحبابا اعتبار ذلك و خصوصا في الوقف الخاص.

المسألة العاشرة:

لا يشترط في صحة الوقف أن يقصد الواقف فيه التقرب الى اللّه، من غير فرق بين الأوقاف العامة و الخاصة.

المسألة 11:

يشترط في صحة الوقف أن يقبض الموقوف عليه العين الموقوفة، فلا يصح الوقف إذا لم يحصل القبض، و إذا مات الواقف قبل القبض بطل الوقف و عادت العين ميراثا لورثة الواقف، و إذا وقف الدار على زيد و ذريته و مات زيد قبل أن يقبض الدار بطل الوقف في حصة زيد و عادت الحصة ملكا للواقف، و إذا لم يحصل القبض من زيد و لا من ذريته بطل في الجميع و عاد ملكا للواقف.

و لا يعتبر في القبض ان يقع فورا، فإذا وقف العين و حصل القبض بعد مدة صح الوقف و نفذ، و نتيجة لذلك فإذا وقف العين على زيد و ذريته و لم يقبض زيد حتى مات، ثم قبض ذريته العين بعد مدة بطل

كلمة التقوى، ج 6، ص: 109

الوقف في حصة زيد، و صح في حصة ذريته إذا كانوا موجودين حين إنشاء الوقف.

المسألة 12:

القبض هو استيلاء القابض على العين الموقوفة و وضع يده عليها، سواء كان المقبوض من المنقولات أم من غيرها، و يراجع في تفصيل ذلك ما ذكرناه في المسألة المائتين و الخامسة و الثمانين من كتاب التجارة.

المسألة 13:

يعتبر- على الأحوط لزوما- أن يكون القبض باذن الواقف، فلا يتحقق الشرط المعتبر في الوقف إذا قبض العين الموقوفة بغير إذنه، فالأحوط تجديد القبض بعد الاذن، و إذا كانت العين وديعة أو عارية بيد الشخص ثم وقفها المالك عليه و هي بيده، فان دلت القرائن على رضى الواقف بالقبض الموجود و اعتباره قبضا للوقف، صح و لم يحتج الى قبض جديد، و ان لم تدل القرائن على شي ء فالأحوط تجديد الاذن و مضي زمان بعد ذلك و هي في يد الموقوف عليه ليتحقق شرط الوقف.

المسألة 14:

إذا وقف الأب بعض أملاكه على أولاده غير البالغين، كان قبض الأب قبضا لهم بالولاية عليهم، و يتعين عليه أن يقصد بقبضه بعد الوقف القبض عنهم على الأظهر، و لا يكتفي بمجرد استمرار قبضه من غير أن يقصد ذلك، و كذلك الحكم في الجد أبى الأب إذا وقف بعض الأشياء على أولاد ولده، و كانوا صغارا، و في كل ولي إذا وقف بعض ما يملكه على من ولي أمره، فلا بد من قصد القبض عن المولى عليه بحسب الولاية.

المسألة 15:

إذا كان الوقف على اشخاص معينين، اشترط في صحة الوقف قبض الموقوف عليهم و مثال ذلك أن يقف دارا أو بستانا على أولاده أو على ذريته أو يوقفهما على زيد و ذريته، فلا بد من قبض الموقوف عليهم إذا كانوا بالغين، و إذا كانوا قاصرين أو كان بعضهم قاصرا قبض عن القاصر منهم وليه الشرعي.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 110

و يكفي قبض الطبقة الأولى من الموقوف عليهم عن بقية الطبقات اللاحقة، فلا يشترط في صحة الوقف قبض الطبقات المتأخرة إذا حصل القبض من الطبقة الأولى، و إذا كان بعض الطبقة الأولى موجودا كفى قبضه عن البعض الآخر الذي يوجد بعد ذلك منها و لا تتوقف صحة الوقف على قبضه حين يوجد، و مثال ذلك أن يقف الدار على أولاده ثم على أولاد أولاده، فإذا كان الموجودون من الأولاد أربعة و قبضوا العين الموقوفة صح الوقف بقبضهم و نفذ، فإذا ولد له ولد خامس أو أكثر شملهم الوقف و لم يحتج الى قبضهم كما لا يحتاج الى قبض أولاد الأولاد و من بعدهم كما ذكرنا، فقد كفى عنهم قبض الموجودين من الطبقة الأولى. و إذا وقف الشي ء

على ولده الكبار و قبض بعضهم و لم يقبض الباقي، صح الوقف في حصة من قبض و لم يصح في حصص من لم يقبض كما تقدم، و إذا قبض الباقون بعد ذلك صح الوقف في حصصهم أيضا إذا كان قبضهم قبل موت الواقف، و كذلك الحكم إذا قبض الجميع، و كان قبض بعضهم باذن الواقف و قبض الآخرين بغير اذنه فلا يصح الوقف في حصص من قبض بغير إذن، إلا إذا قبضوا بعد ذلك مع الاذن من الواقف و كان قبضهم في حياته.

المسألة 16:

إذا كان الوقف على عنوان من العناوين العامة كما إذا وقف الرجل بستانه أو عمارته على العلماء أو على طلاب العلم أو على ذرية الرسول (ص) أو على الفقراء، فان كان الواقف قد جعل على الوقف متوليا خاصا، اشترط في صحة الوقف قبض المتولي لتلك العين الموقوفة، و ان لم يعين أحدا، قبضها الحاكم الشرعي.

و كذلك الحكم إذا كان الوقف على الجهات و المصالح العامة، كوقف المساجد و المدارس و القناطر و المقابر و الشوارع و ما يشبه ذلك، فيقبضه المتولي المنصوب من الواقف و إذا لم يجعل الواقف له قيما قبضه الحاكم الشرعي.

المسألة 17:

إذا كان الوقف على عنوان من العناوين العامة فالظاهر أنه يكفي

كلمة التقوى، ج 6، ص: 111

في صحة الوقف قبض بعض مستحقي الوقف ممن ينطبق عليه العنوان الموقوف عليه، فإذا كان وقف الدار على العلماء و قبضها بعض العلماء ليسكنها، أو كان وقف البستان على ذرية الرسول (ص) و قبضه بعض الذرية ليستوفي منه ما يستحق صح القبض و تحقق شرط الوقف، و هكذا في وقف العين على الفقراء و الطلاب، و لا بد من أن يقبض المستحق العين الموقوفة ليستوفي منها الحق، و لا يكفي أن يقبض المستحق بعض حاصل العين الموقوفة و فوائدها ليصرفه في حاجاته من غير أن يقبض العين نفسها.

المسألة 18:

يكفي في قبض المسجد بعد وقفه أن يصلي فيه أحد المؤمنين بإذن الواقف بقصد أنها صلاة في المسجد، و يكفي في قبض المقبرة بعد وقفها أن يدفن فيها ميت واحد باذن الواقف بقصد انه دفن في مقبرة، و يكفي في قبض الحسينية بعد وقفها أن يقام العزاء فيها للأئمة (ع) باذن الواقف، بقصد أنه أقامه عزائهم (ع) في حسينية، و هكذا.

المسألة 19:

إذا كان الوقف على بعض الجهات العامة أو على بعض العناوين العامة و جعل الواقف نفسه متوليا على الوقف كفى في صحة الوقف أن يقبض الوقف بنفسه من حيث انه ولي على الوقف المعين، و لا يكفي مجرد القبض إذا لم يقصد به الحيثية المذكورة.

المسألة 20:

ينفرد وقف المسجد عما سواه من أقسام الوقف الآتي بيانها، بأن وقف المسجد لا يكون له موقوف عليه، و لا تلاحظ فيه منفعة خاصة تصرف أو تملك لموقوف عليه عام أو خاص، و انما يلاحظ في تحبيس أصله و تسبيل منافعه مجرد أن يكون الموضع مسجدا و أن يبقى كذلك ما دامت الأرض و ما دامت العين، و قد أشرنا الى هذا في ما تقدم، و ذكرنا أن الواقف إذا لاحظ منفعة معينة، فوقف المكان أو البناية على أن تقام فيها الصلاة أو على العبادة أو على الذكر و الدعاء، لم يكن

كلمة التقوى، ج 6، ص: 112

مسجدا و لم تترتب عليه أحكامه بل يكون مصلى أو معبدا أو موضعا للذكر و الدعاء حسب ما قصده الواقف.

المسألة 21:

قد يلاحظ الواقف أشخاصا أو عنوانا عاما ينطبق على أفراد كثيرين، فيجعل العين موقوفة عليهم، و مثال الأول أن يقف الأرض أو الدار المعينة موقوفة على أولاده ثم على أولادهم، و أولاد أولادهم طبقة بعد طبقة، و مثال الثاني ان يقف الأرض أو الدار موقوفة على العلماء أو على الطلاب أو على المحتاجين من ذرية الرسول (ص)، و يعين في وقفه أن تكون منافع الأرض أو الدار الموقوفة ملكا تاما للموقوف عليهم، الخاصين أو العامين على النحو الذي يحدده في وقفه، فتكون الثمار و الفوائد ملكا طلقا للموقوف عليهم كما جعل فيجوز لهم التصرف فيها كما يتصرفون في أملاكهم الأخرى بالبيع و الشراء و الهبة، و سائر المعاوضات و التصرفات، و تترتب عليها أحكام الأملاك و الفوائد من وجوب الزكاة و الخمس إذا توفرت شروطهما و من ضمان إذا أتلفها متلف أو غصبها غاصب أو أحدث فيها محدث

عيبا أو نقصا. و إذا مات الموقوف عليه بعد أن ملك حصته من المنفعة ملكها وارثه من بعده، و هذا هو القسم الثاني من أقسام الوقف.

المسألة 22:

و قد يحدد الواقف في وقفه أن تصرف منافع العين الموقوفة على الموقوف عليهم في الوفاء بحاجاتهم و مطاليب حياتهم و معيشتهم و تدبير أمورهم من غير أن يملكوا من المنافع شيئا، و لازم ذلك أن لا تترتب آثار الملك على المنافع التي تصل إليهم من هذا الوقف، فلا تصح لأحدهم المعاوضة على حصته من المنافع ببيع أو هبة أو غيرها و لا تجب عليه الزكاة إذا بلغت حصته منها نصابا زكويا، و لا يرث الوارث ما يتركه الموقوف عليه من الحصة إذا مات قبل أن يصرفه في حياته، و إذا أتلفها أحد في حياته أو غصبها كان المتلف و الغاصب ضامنا لها، و هذا هو القسم الثالث من أقسام الوقف.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 113

المسألة 23:

إذا عين الواقف في وقفه أن تصرف منافع العين الموقوفة في شؤون الموقوف عليهم و معيشتهم من غير تمليك كما ذكرنا في المسألة المتقدمة، فقد يشترط في وقفه أن تصرف المنفعة بعينها على الموقوف عليهم لا بأثمانها و أعواضها، و مثال ذلك أن يقف على أولاده نخيلا أو شجرا ليأكلوا تمر النخيل و ثمر الشجر، و يتعين على متولي الوقف في هذا الفرض أن يصرف الثمرة بعينها على الموقوف عليهم، فيعطي كل فرد منهم حصته من تمر النخيل أو من ثمر الشجر نفسه، و لا يصح له أن يبيع الثمرة و يقسم بينهم أعواضها و قد يجيز الواقف في وقفه للولي أن يبدل المنفعة الموقوفة بشي ء آخر و يقسمه عليهم لينتفعوا به، فيصح للولي ذلك، و إذا أبدلها الولي، أو قسم المنفعة نفسها بينهم و أعطى كل واحد منهم حصته ليصرفها على نفسه لم يجز له المعاوضة على حصته

المدفوعة إليه كما تقدم، و قد عرفت ان المنفعة إذا جعلت كذلك فهي مضمونة إذا غصبت أو أتلفت.

المسألة 24:

قد ينظر الواقف في وقفه أن يستوفي الموقوف عليهم منفعة العين الموقوفة بأنفسهم فيقف كتب العلم مثلا ليقرأ فيها طلاب العلم و ينتفعوا بقراءتها بأنفسهم، و يقف المدرسة ليسكنها الطلاب و أهل العلم و ينتفعوا بالسكنى فيها بأنفسهم، و كذلك في وقفه خانات المسافرين، و الرباطات للفقراء و القناطر و الشوارع للعابرين.

و من الواضح أن منافع هذه الموقوفات لا يملكها الموقوف عليهم فلا يحل لهم المعاوضة عليها و لا يرثها الوارث من بعدهم كما لا تحل المعاوضة عليها من ولي الوقف، و يشكل الحكم بضمانها إذا غصبت أو أتلفت، و هذا هو القسم الرابع من أقسام الوقف.

المسألة 25:

يشترط في صحة الوقف الدوام، و المراد بالدوام أن لا يوقت الواقف وقفه بمدة، فإذا قال: وقفت هذه الدار على الفقراء أو على أولادي مدة عشر سنين أو مدة عشرين سنة، و قصد بذلك إنشاء الوقف كان باطلا.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 114

و الفروض المحتملة في هذه الصيغة ثلاثة:

الأول: أن يقصد الموجب بهذه الصيغة إنشاء وقف الدار في المدة المحدودة، و لا ريب في بطلانه، فلا يصح وقفا للدار، لعدم الدوام فيه، و لا يصح تحبيسا لها في المدة المعينة لأن الموجب لم يقصد الحبس و انما قصد الوقف.

الفرض الثاني: أن يقصد بهذه الصيغة إنشاء تحبيس الدار على الفقراء أو على أولاده في المدة المذكورة، و الظاهر صحته حبسا كما قصد فإن الصيغة التي اتى بها كافية في إنشاء ذلك مع وجود القصد اليه، و لا يكون وقفا لعدم قصده، و لعدم الدوام فيه.

الفرض الثالث: ان لا يعلم أن الموجب قصد بالصيغة إنشاء الوقف أو قصد التحبيس و الظاهر صحته حبسا كما هو ظاهر الصيغة و لا يبعد

أن ذلك هو مقتضى صحيحة محمد بن الحسن الصفار.

المسألة 26:

إذا وقف الواقف العين على من ينقرض بحسب العادة، و مثال ذلك:

أن يقف الدار أو الأرض على زيد و الطبقة الأولى من أولاده، فالظاهر صحة الوقف، فإذا انقرض زيد و أولاده رجع الوقف الى ملك الواقف إذا كان موجودا، و رجع الى ورثته إذا كان ميتا.

و كذلك الحكم إذا وقف العين على زيد و أولاده، فإذا هم انقرضوا فهي وقف على الكنائس أو هي وقف على طبع كتب الضلال، فان الوقف على الكنائس أو على طبع كتب الضلال باطل بحكم الإسلام، فيكون الفرض المذكور من الوقف المنقطع الآخر، فإذا انقرض زيد و أولاده عاد الوقف ملكا للواقف و لورثته من بعده.

المسألة 27:

و مثله في الحكم ما إذا وقف الإنسان العين على من لا ينقرض في الغالب ثم اتفق انهم انقرضوا و مثال ذلك أن يقف الأرض على زيد و على ذريته من بعده طبقة بعد طبقة، و اتفق أن جميعهم انقرضوا فان العين الموقوفة بعد انقراضهم ترجع ملكا لواقفها، و إذا كان ميتا رجعت لورثته.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 115

و إذا علم ان الواقف قد وقف الأرض صدقة مؤبدة على الفقراء مثلا أو في وجوه الخير، و انه انما جعله لزيد و ذريته من بعده لأنهم من وجوه الخير، لم يبطل الوقف بانقراض زيد و ذريته، بل يبقى وقفا على الجهة التي قصدها الواقف.

المسألة 28:

إذا انقرض الموقوف عليهم في الفروض الآنف ذكرها و كان الواقف ميتا رجع الوقف إلى ورثة الواقف حين موته على الأقوى، لا الى ورثته حين انقراض الموقوف عليهم، فإذا كان للواقف عند موته ثلاثة أولاد، قسمت العين عليهم على حسب سهامهم في المواريث، للذكر مثل حظ الأنثيين، و إذا مات بعضهم انتقل نصيبه الى ورثته كذلك، فيشاركون اعمامهم في الميراث من عين الوقف، و ينتقل نصيب الولد الذكر منهم الى وارثه و ان كان بنتا، و ينتقل نصيب الأنثى منهم الى وارثها و ان كان عدة أولاد.

المسألة 29:

قد يكون الوقف الذي يقفه الرجل منقطع الأول، و من أمثلة ذلك:

أن يقف الرجل العين أولا على جهة لا يصح الوقف عليها في الإسلام، كالعبادات المبتدعة، و هياكل الأديان الباطلة، و نشر كتب الضلال، ثم من بعدها على جهات صحيحة كالفقراء و المحتاجين، و لا ريب في بطلانه في الأول، و لا يترك الاحتياط بأن يجدد صيغة الوقف بعد انقراض الأول أو إنشاء الوقف بالمعاطاة، و قد يكون الوقف منقطع الوسط و من أمثلته أن يقف الرجل العين على زيد، ثم من بعده على جهة غير صحيحة ثم على الفقراء، فيصح الوقف في الأول، و يبطل في الوسط، و يكون بالنسبة إلى الأخير كالمنقطع الأول فلا يترك الاحتياط بتجديد صيغة الوقف بعد انقراض الوسط.

المسألة 30:

إذا وقف الإنسان داره أو أرضه على بعض الأشخاص أو على بعض الجهات، و اشترط في وقفه أن تعود العين ملكا له إذا هو احتاج إليها، صح الوقف و الشرط، فتكون العين وقفا على الجهة المعينة ما دام الواقف

كلمة التقوى، ج 6، ص: 116

غنيا عن العين الموقوفة غير محتاج إليها، فإذا احتاج إليها انقطع وقفها و رجعت ملكا له و تكون من الوقف المنقطع الآخر، فتدخل في ملكه، و إذا مات بعد ذلك كانت ميراثا لوارثه، و إذا لم يحتج فالعين باقية على وقفها و لا تعود الى الواقف و لا الى وارثه من بعده.

المسألة 31:

يشترط في صحة الوقف أن يقفه الواقف منجزا، فلا يصح إذا علقه في الصيغة على حصول شي ء في المستقبل، سواء كان الشي ء الذي علق الوقف عليه مما يعلم بحصوله في الآتي، و مثال ذلك: ان يقول: وقفت داري على الفقراء إذا هل هلال شهر رمضان، أم كان الشي ء الذي علقه عليه مما يحتمل حصوله و يحتمل عدم حصوله في المستقبل، و مثال ذلك:

أن يقول: وقفت الدار على الفقراء إذا ولدت لي زوجتي ولدا ذكرا، فلا يصح الوقف في الصورتين، للتعليق و لأنه وقف منقطع الأول.

و كذلك إذا علق الوقف على أمر حالي يجهل الواقف تحققه و عدم تحققه بالفعل، و كان الأمر المذكور مما لا تتوقف عليه صحة الوقف، و مثال ذلك أن يقول: وقفت داري على الفقراء إذا كان هذا اليوم هو يوم الجمعة أو إذا كان اليوم أول الشهر، و كان الواقف لا يعلم بذلك، فيكون الوقف باطلا على الأحوط لزوما، بل لعله الأقوى أيضا.

و إذا علق الوقف على حصول أمر حالي و هو يعلم بحصوله، فالظاهر

صحة الوقف، و مثال ذلك ان يقول: وقفت داري إذا كان هذا اليوم يوم الجمعة و هو يعلم بتحقق ذلك، و مثله ما إذا علقه على حصول أمر في الحال، يجهل حصوله و عدم حصوله و كان الشي ء مما تتوقف صحة الوقف عليه، و مثال ذلك أن يقول: وقفت داري على الفقراء إذا كانت الدار ملكا لي و هو يجهل ذلك، فالظاهر صحة الوقف إذا علم بعد ذلك أو ثبت بالبينة أو غيرها ان الدار ملك له.

المسألة 32:

إذا قال الرجل: داري المعينة وقف بعد وفاتي على الفقراء، فالظاهر من هذه العبارة أنها صيغة لإنشاء وقف معلق على الموت، فيكون وقفا باطلا، إلا إذا دلت القرائن و فهم منها أن القائل أراد الوصية بأن توقف

كلمة التقوى، ج 6، ص: 117

الدار بعد موته، فيجب على الورثة العمل بوصيته، مع مراعاة شروط الوصية و أحكامها فإذا كانت الدار بمقدار الثلث أو أقل منه، وجب على الورثة إنفاذ الوصية، و إذا كانت أكثر من الثلث، وجب عليهم أن يقفوا مقدار ثلث التركة من الدار و لم يجب عليهم وقف الزائد إلا إذا أجازوا ذلك.

المسألة 33:

يشترط في صحة الوقف أن يخرج الواقف نفسه عن الوقف، فلا يصح أن يقف الشي ء على نفسه، و إذا وقف الشي ء على نفسه و على غيره، و علم من الصيغة انه يريد الوقف على وجه التشريك بطل الوقف في حصته، و صح في حصة شريكه، و يعلم مقدار الحصة بالقرائن الدالة عليه، فإذا قال: وقفت الدار على نفسي و على زيد، فالظاهر من هذا القول انه يريد التنصيف، فيصح الوقف في نصف زيد و يبطل في نصف الواقف، و إذا قال: داري وقف علي و على زيد و عمرو معي، فالظاهر منه انه يريد المثالثة فيبطل في ثلثه، و يصح في الباقي.

و إذا قال: وقفت الدار على نفسي ثم على زيد بعدي أو قال: ثم على ذريتي من بعدي، فالظاهر من هذا القول انه أراد الترتيب، فيبطل الوقف في حصته، و يكون الوقف منقطع الأول و قد تقدم ذكر حكمه في المسألة التاسعة و العشرين، و إذا قال: وقفت الدار على أخي الكبير، ثم من بعده على نفسي، صح الوقف في

حصة أخيه و بطل في حصة نفسه، و كان الوقف منقطع الأخير، و قد تقدم بيان حكمه في المسألة السادسة و العشرين، و إذا قال: هي وقف على أخي فلان ثم من بعده على نفسي، ثم من بعدي على ذريتي، كان الوقف منقطع الوسط و قد سبق حكمه في المسألة التاسعة و العشرين.

المسألة 34:

إذا وقف الإنسان داره على أولاده أو على اخوانه و ذريتهم، و اشترط في صيغة الوقف على الموقوف عليهم أن يوفوا عنه ديونه، أو يؤدوا عنه ما وجب عليه من زكاة و خمس و حقوق شرعية أخرى، فإن كان المقصود من الوقف و الشرط: ان الموقوف عليهم قد ملكوا منافع الوقف كلها،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 118

و ان الواقف يشترط عليهم أن يؤدوا عنه ديونه أو يوفوا عنه ما عليه من واجبات مالية من تلك المنافع التي ملكوها بالوقف، أو يشترط عليهم أن يؤدوا ذلك عنه من أموالهم الخاصة، فالظاهر صحة الوقف و صحة الشرط، فيجب عليهم الوفاء بالشرط، و لا يكون ذلك من الوقف على نفسه.

و ان كان المقصود من الوقف و الشرط أن يكون بعض منافع الوقف للواقف نفسه لوفاء ديونه و الواجبات التي عليه كان الوقف باطلا لأنه يكون من الوقف على نفسه.

و كذلك التفصيل و الحكم إذا شرط على الموقوف عليهم ان يقوموا بمؤنته مدة معينة أو مدة حياته كلها، أو يقوموا بمئونة عياله و أضيافه أو بنفقة زوجته و نحو ذلك من سائر شؤونه، فيصح الوقف و الشرط إذا كان من الصورة الأولى و يبطل إذا كان من الصورة الثانية.

المسألة 35:

أجاز بعض الفقهاء قدس سرهم للرجل أن يقف شيئا مما يملكه لتنفق منافعه بعد الموت في وفاء ديونه و أداء الواجبات المالية التي عليه من زكاة و خمس و كفارات و نحو ذلك، و هذا الحكم مشكل، فلا يترك الاحتياط بالاجتناب عنه، و كذلك الإشكال في أن يقف عينا على قضاء ما عليه من العبادات بعد وفاته فلا يترك الاحتياط بالاجتناب عنه.

المسألة 36:

إذا أراد الإنسان أن يستوفي بعض المنافع من العين التي يريد وقفها، و أراد أن يتخلص من اشكال الوقف على نفسه، فقد ذكر بعض الأكابر من الفقهاء قدس سرهم وجوها لذلك.

أحدها: أن يؤجر الإنسان الدار أو العين على غيره مدة معينة بمبلغ معين، و يشترط لنفسه خيار فسخ الإجارة، ثم ينشئ وقف العين على الجهة التي يقصدها، فيثبت بذلك وقفها مسلوبة المنفعة في مدة الإجارة، فإذا تم وقف العين و قبضها، فسخ الواقف عقد الإجارة بالخيار أو بالتقايل بينه و بين المستأجر، فتعود منفعة العين في مدة الإجارة بعد فسخها الى ملك الواقف، فيجوز له أن يستوفي المنفعة في تلك المدة حتى تنقضي

كلمة التقوى، ج 6، ص: 119

لأن المنفعة ملكه و ان كانت العين موقوفة، فإذا انقضت المدة كانت المنفعة التي تتجدد بعدها الى الموقوف عليهم.

هكذا أفاد، و هو ممنوع، فإن منفعة العين بعد فسخ الإجارة تتبع العين، فتكون للموقوف عليه لا للواقف، و قد ذكرنا هذا في كتاب الإجارة في المسألة الثامنة و الأربعين، و ذكرنا: ان المالك إذا آجر العين مدة معلومة ثم باعها انتقلت العين إلى المشتري مسلوبة المنفعة في مدة الإجارة، فإذا فسخت الإجارة بخيار أو بإقالة تبعت المنفعة العين، فتكون للمشتري و لا حق فيها للبائع، و

هذا بنفسه هو الحكم في المقام، فلا يكون في المنفعة حق للواقف.

المسألة 37:

الوجه الثاني: أن يقف الواقف العين على الجهة التي أراد الوقف عليها، و يشترط في صيغة الوقف أن تبقى منافع العين على ملكه مدة معينة، أو مدة حياته، فتكون المنافع ملكا له عملا بشرطه، فله أن يتصرف فيها كما يريد، و هو مشكل، فمن المحتمل أن يرجع اشتراط ذلك في صيغة الوقف الى الوقف على نفسه، و قد تقدم منعه.

نعم، يصح ذلك على الظاهر إذا كان بنحو الاستثناء، لا بنحو الشرط، فيقف الواقف العين على الجهة المقصودة له، و يستثني من منافعها، منفعتها في المدة المعينة بحيث تكون غير داخلة في الوقف و لا مشمولة للصيغة و تبقى على ملك الواقف قبل إيقاع الوقف على العين و خاصة به و لذلك فيصح له التصرف فيها.

المسألة 38:

الوجه الثالث: أن يملك الإنسان داره أو عينه التي يرغب في وقفها لشخص غيره بهبة أو صلح أو غيرهما. و يقفها الشخص الآخر الذي ملكها على الوجه الذي يريد المالك الأول، فيشترط هذا الواقف الأجنبي في صيغة الوقف ان توفي من منافع العين ديون المالك الأول، أو تؤدى منها ما عليه من واجبات مالية أو يعطى منها ما يقوم بمئونته مدة حياته أو غير ذلك من الانتفاع، و هو وجه صحيح لا اشكال فيه إذا كان التمليك لذلك الشخص صحيحا لا صوريا، و كان وقفه للعين بعد ما ملكها حقيقيا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 120

كذلك فيشترط فيه ما يريد و لا يكون من شرطه لنفسه.

المسألة 39:

يجوز للرجل ان ينتفع بما وقفه من الأعيان على الجهات و المصالح العامة، فيصلي في المسجد الذي وقفه، و يتوضأ و يغتسل و يستقي من المطهرات و الآبار و العيون التي وقفها، و يمر و يعبر في الشوارع و القناطر التي وقفها، و يسكن في المدرسة التي وقفها إذا كان من الطلاب الذين وقفت المدرسة ليسكنوها و يطلبوا العلم فيها، و ينزل الخان الذي وقفه لاستراحة المسافرين و الغرباء و الحجاج و الزوار فيه إذا كان منهم، و يقرأ في كتب العلم و في كتب الأدعية و الزيارات التي وقفها للقراءة و الإفادة منها، و لا يمنع من ذلك أن يكون هو الواقف لهذه الأشياء على جهاتها المعينة.

المسألة 40:

إذا وقف الرجل أرضا أو بستانا أو بنائه على العلماء أو على الطلاب أو على ذرية الرسول (ص) أو على الفقراء أو شبه ذلك من العناوين العامة، و كان الواقف ممن يندرج في العنوان الموقوف عليه، و كان المقصود من الوقف ان توزع منفعة العين الموقوفة على الأفراد، فتكون لكل فرد منهم حصة من المنفعة، لم يجز للواقف أن يأخذ حصة منها، و لم يجز له أن يقصد في أصل الوقف دخول نفسه في الموقوف عليهم.

و كذلك الحكم- على الأحوط- إذا كان المقصود من الوقف أن تكون الأفراد الموقوف عليهم مصارف للمنفعة و ان لم توزع عليهم، فلا يأخذ منها شيئا، بل الأحوط ان يقصد خروج نفسه، و إذا هو قصد خروج نفسه لم يجز له الأخذ من المنفعة قطعا.

المسألة 41:

إذا وقف الرجل العين و كملت شروط الوقف، نفذ و كان لازما، فلا يصح للواقف ان يفسخه أو يرجع فيه، و ان رضي الموقوف عليهم و اتفقوا على ذلك، و إذا أوقع الواقف الوقف و هو في مرض الموت نفذ من أصل التركة و لم يتوقف على اجازة الورثة فليس لهم رده و لا الخيار فيه و ان زاد على ثلث التركة و سيأتي بيان هذا في منجزات المريض.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 121

الفصل الثاني في الواقف و ولي الوقف

المسألة 42:

يشترط في الواقف أن تجتمع فيه جميع الشروط التي اعتبرها الشارع في صحة التصرف المالي، و قد تكرر ذكرها في أكثر المعاملات المتقدمة، فلا بد فيه من البلوغ، فلا يصح الوقف من الصبي غير البالغ على تأمل في من بلغ عشر سنين و هو عاقل مميز، و لكن الأحوط اشتراط البلوغ فيه أيضا و ان كان وقفه بإذن الولي، فلا يترك الاحتياط فيه.

و لا بد فيه من العقل، و لا بد فيه من الاختيار فلا يصح وقفه إذا كان مكرها، و لا بد من أن يكون قاصدا فلا يكون هازلا في قوله أو ساهيا أو ناسيا، و لا بد فيه من ان يكون غير محجور عليه لسفه أو فلس أو رق

المسألة 43:

سيأتي في كتاب الوصية (ان شاء اللّه تعالى): أن الأقوى صحة الوصية من الصبي إذا بلغ عشر سنين و هو عاقل مميز و كانت وصيته في وجوه الخير و المعروف، سواء كانت لأرحامه أو لغيرهم، فإذا أوصى و هو ابن عشر سنين كذلك بوقف بعض ما يملكه على الجهات المذكورة وجب على الوصي إنفاذ وصيته، فيجب عليه وقف العين التي أوصى بوقفها على الجهة التي عينها، و يكون الوقف نافذا.

المسألة 44:

لا يشترط في صحة الوقف أن يكون الواقف مسلما، فيصح وقفه إذا كان كافرا على الأقوى.

المسألة 45:

يصح للواقف أن يجعل الولاية على الوقف لنفسه خاصة ما دام حيا أو في مدة معينة، و يجوز له أن يجعلها لشخص آخر ما دام ذلك الشخص حيا أو في مدة معينة، و يجوز له أن يجعل الولاية لنفسه و لغيره على سبيل الاشتراك بينهما على النحو الذي يأتي بيانه، و يجوز له أن يجعل الولاية

كلمة التقوى، ج 6، ص: 122

لشخصين غيره أو أكثر على نحو الانضمام أو الاستقلال، فيجوز له جميع ذلك و إذا جعل شيئا منه نفذ و وجب العمل به.

و يجوز له أن يجعل الأمر في تعيين الولي بيد زيد مثلا، فأي شخص يعينه زيد يكون هو المتولي و ان لم يكن زيد نفسه وليا للوقف، و يجوز له أن يجعل الولاية لزيد و يجعل له كذلك أمر تعيين الولي من بعده، ثم يعين هذا الولي المجعول من زيد بعده من يشاء و هكذا.

و يجوز للواقف أن يجعل على ولي الوقف ناظرا يشرف على تصرفاته و أعماله في العين الموقوفة، أو يجعل ناظرا يرجع إليه الولي في النظر قبل التصرف و العمل، فإذا عين الواقف شيئا من الأمور المتقدمة لزم العمل حسب ما عين و حدد.

المسألة 46:

انما ينفذ قول الواقف و تعيينه و اشتراطه في الوقف و في الولاية على الوقف و النظارة على الولي إذا كان القول أو التعيين أو الاشتراط في نفس إيقاع الوقف و في ضمن صيغته و متعلقاتها فإذا تم الإيقاع فليس للواقف أن يلحق به أمرا أو يحدد شيئا أو يعين له وليا أو ناظرا بعد ذلك و ليس له أن يعزل وليا أو ناظرا، و يكون شأنه شأن الأجنبي في ذلك، إلا إذا شرط لنفسه

في ضمن إيقاع الوقف أن يكون له الحق في تعيين ولي أو ناظر أو في عزله، فإذا اشترط ذلك صح شرطه و نفذ، و يجري ذلك حتى في ولايته نفسه على الوقف أو نظارته إذا جعلهما في الوقف، فليس له أن يعتزل إلا إذا شرط لنفسه ذلك في إيقاع الوقف، فيجوز له أن يعتزل، و كذلك إذا شرط ذلك لغيره، فعزله الشخص المشروط له.

المسألة 47:

يجوز للواقف أن يجعل لنفسه الولاية على الوقف أو النظارة عليه و تثبت بذلك ولايته و نظارته و ان لم يكن عدلا، و لا يشترط في غير الواقف إذا أراد أن يجعله وليا أو ناظرا على الوقف ان يكون عدلا، و يعتبر فيه على الأحوط الامانة و الكفاءة لما يعينه له، فلا يصح له أن يعين لذلك خائنا لا يوثق به أو من لا كفاءة له، و خصوصا إذا كان

كلمة التقوى، ج 6، ص: 123

الوقف على المصالح و الجهات المهمة العامة و كانت الولاية على أمور بالغة الاهتمام في تدبير أمر الوقف كإجارة و ادارة و تقسيم و صرف في أمور مختلفة.

المسألة 48:

إذا علمت الخيانة من الولي أو النظير على الوقف، جعل الحاكم الشرعي معه من يمنعه عن الخيانة فان لم يمكن ذلك أو لم يجد نفعا عزله الحاكم الشرعي عن الولاية أو النظارة، و ليس للواقف نفسه ان يعزله و يعين غيره الا إذا اشترط لنفسه الحق في ذلك كما ذكرنا قريبا.

المسألة 49:

لا يجب على الشخص أن يقبل ولاية الوقف أو نظارته إذا جعله الواقف وليا على الوقف أو نظيرا عليه و ان لم يكن حاضرا في مجلس إيقاع الوقف، و لم يبلغه خبر جعله وليا أو نظيرا الا بعد موت الواقف، فيجوز له الرد و عدم القبول.

و إذا جعل الواقف الولاية لأشخاص مترتبين، واحدا بعد واحد، و قبل الأول منهم لم يجب القبول على الآخرين، فيكون الوقف بعد موت الأول بلا ولي، و إذا قبل الأخير و لم يقبل الأول كان الوقف بلا ولي من أول الأمر، و إذا جعل الواقف الولاية لشخص و قبل ذلك، فليس له عزل نفسه بعد ذلك، على الأحوط، و لعل ذلك هو الأقوى أيضا.

المسألة 50:

إذا عين الواقف وليا و اشترط فيه شرطا و انتفى الشرط منه لم تثبت ولايته، و مثال ذلك أن يجعل الولاية لزيد إذا كان عدلا، فلم تتحقق فيه العدالة، و كذلك إذا كان عدلا في أول الأمر ففسق، فينعزل بذلك عن الولاية و يكون الوقف بلا ولي.

المسألة 51:

إذا جعل الواقف ولاية الوقف لشخصين أو أكثر، و اشترط في ولايتهما ان ينضم أحدهما إلى الآخر في التصرف، لم يجز لأحدهما أن ينفرد بالتصرف عن صاحبه لا في جميع الوقف و لا في بعضه و ان اتفقا بينهما على ذلك، أو اقتسما الوقف برضاهما، بالتبعيض، فجعلا نصف

كلمة التقوى، ج 6، ص: 124

العين الموقوفة بيد أحدهما، و النصف الآخر بيد الثاني، أو بالمهاياة فجعلا جميع العين الموقوفة في يد أحدهما يتصرف فيها مستقلا في الشهر الأول مثلا، و جميعها في يد الآخر يتصرف فيها مستقلا في الشهر الثاني.

و إذا سقطت ولاية أحدهما بموت أو بفقد شرط، نصب الحاكم الشرعي وليا آخر ينضم إلى الولي الباقي منهما في التصرف على الوجه الذي حدده الواقف، و هذا هو الأحوط إذا لم يكن هو الأقوى.

المسألة 52:

إذا جعل الواقف الولاية لاثنين أو لأكثر، و ذكر ان ولايتهما على الوقف على نحو الاستقلال في التصرف، جاز لكل واحد منهما أن ينفرد في التصرف عن الثاني، و إذا تصرف أحدهما قبل صاحبه كان تصرفه نافذا، و إذا تقارنا في تصرفهما و كان تصرف أحدهما لا ينافي تصرف الثاني نفذا معا و مثال ذلك: ان يبيع أحدهما نصف ثمرة النخيل الموقوفة على زيد، و يبيع الآخر نصفها الثاني على عمرو في وقت واحد، فيصح البيعان و إذا كان التصرف منهما متنافيا بطل التصرفان معا، و مثال ذلك: أن يبيع أحد الوليين جميع ثمرة النخيل الموقوفة على زيد، و يبيع الثاني جميعها على عمرو في وقت واحد، فيبطل البيعان.

و يجوز لهما أن يقتسما الوقف بالتبعيض، فينفرد كل واحد منهما بقسم من الوقف يتصرف فيه و ان كان القسمان غير متساويين، و يجوز

لهما أن يقتسماه بالمهاياة، فيتصرف أحدهما في العين الموقوفة شهرا أو أكثر، ثم يتصرف الآخر فيها بعد ذلك، و إذا سقطت ولاية أحدهما بموت أو فقد شرط، اختص الثاني بالولاية فيتصرف في الوقف منفردا و لا يجعل الحاكم الشرعي معه وليا غيره.

المسألة 53:

إذا جعل الواقف ولاية الوقف لشخصين أو أكثر، و لم يبين ان ولايتهما على نحو الانضمام أو على نحو الاستقلال، فالظاهر وجوب الانضمام، فلا يصح لأحدهما أن يتصرف منفردا، الا ان تدل القرينة على غير ذلك، و تجري بقية الأحكام التي ذكرناها في المسألة الحادية و الخمسين.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 125

المسألة 54:

إذا نصب الواقف وليا على وقفه و أطلق ولايته و لم يحدد له وظيفة معينة، تولى جميع الوظائف و الأعمال المتعارفة التي يقوم بها أولياء مثل هذا الوقف ما بين الناس، فيقوم بتعمير الوقف أو إصلاحه إذا احتاج الى التعمير أو الإصلاح، و يجعل له الفلاحين و الأكارين و العمال إذا كان محتاجا الى ذلك، و يتولى جمع ثماره و إصلاحها، و يبيعها إذا كانت مما يباع، و يؤجر الوقف إذا كان مما يؤجر و يحصل مال الأجرة، و يقسم المنافع و الحاصلات على أصحابها و يصرف المصارف في أبوابها، و يدفع حقوق الفلاحين و العمال لما يقومون به من إصلاح و تعمير و حفظ و يضبط الصادر و الوارد و يؤدي الخراج و الضرائب و شبه ذلك مما يقوم به مثله من الأولياء. و إذا حدد الواقف له وظيفة خاصة تولاها و لم يتعدها، و أوكل الوظائف الأخرى الى من ينصبه الواقف لذلك أو الى من يوليه الحاكم الشرعي، و سيأتي التعرض لذلك.

المسألة 55:

إذا ثبتت للشخص الولاية على الوقف و عينت له وظيفة خاصة، أو شملت ولايته جميع النواحي، لم يجز لأحد أن يزاحمه أو يخالفه في حدود ولايته، و وجب عليه أن يراعي الاحتياط في تطبيق مراد الواقف و أن يراعي مصلحة الوقف و مصلحة أربابه في تلك الحدود و الشؤون التي جعلت له.

المسألة 56:

إذا جعل الواقف للمتولي مقدارا معينا من منفعة الوقف اختص به و كان ذلك المقدار أجرة له عما يقوم به من عمل في ولايته على الوقف، و ليس له المطالبة بأكثر منه و ان كان أقل من أجرة مثله. فان المفروض أنه قد قبل بذلك لما جعل الواقف له التولية و عين له المقدار و أقدم على ذلك باختياره.

و إذا جعل الواقف له التولية و لم يعين له شيئا، فإن كان عمله مما لا يستحق عليه اجرة في نظر أهل العرف فلا شي ء له، و كذلك إذا علم من القرائن أن الواقف لما جعله متوليا أراد منه أن يقوم بالعمل مجانا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 126

دون اجرة، و قبل بذلك و أقدم عليه باختياره، فلا يستحق على عمله شيئا.

و إذا جعل له التولية و لم يعين له شيئا و كان عمله مما يستحق عليه الأجرة و لم يعلم من الواقف انه أراد منه القيام بالعمل مجانا، فالظاهر أن له اجرة المثل، و إذا جعل الواقف له مقدارا من المنفعة بعد أن تم إيقاع الوقف لم ينفذ ذلك، فإذا كان العمل مما يستحق عليه الأجرة و لم يقصد به التبرع و لم يشترط الواقف عليه في إيقاع الوقف ان يقوم بالعمل متبرعا استحق على عمله أجرة المثل.

المسألة 57:

لا يجوز للمتولي أن يجعل تولية الوقف لشخص غيره، سواء قصد بذلك أن ينقل توليته الى غيره، أم قصد أن يجعل لمنصوبه ولاية غير ولايته، فلا يصح له ذلك، إلا إذا كان الواقف قد جعل له هذا الحق في ضمن صيغة الوقف و حين عينه متوليا، فقال له: جعلتك متوليا على الوقف، و خولتك ان تجعل له متوليا

غيرك إذا عجزت أو طرأ شي ء يمنعك عن القيام بأمر الولاية مثلا، فيجوز له جعل المتولي حين ذاك.

و يجوز له أن يوكل أحدا في أداء بعض الأعمال المنوطة به، إذا كان الواقف لم يشترط عليه المباشرة في ذلك العمل.

المسألة 58:

قد ذكرنا في المسألة الخامسة و الأربعين: إن للواقف أن يجعل على المتولي ناظرا، و هو على نوعين، فقد يقصد الواقف أن يكون للنظير مجرد الاشراف على تصرف المتولي و عمله، فيجب على المتولي أن يطلعه على أي عمل يريد القيام به في الوقف، و فائدة جعل الناظر مجرد الاستيثاق من وقوع العمل، و لا تتوقف صحة العمل على اذن الناظر بفعله.

و قد يقصد الواقف أن يكون النظير مرجعا للولي في تصويب نظره و صحة تصرفه، فلا يجوز للولي أن يعمل عملا أو يتصرف تصرفا حتى يصوب النظير رأيه و تصرفه و يأذن له فيه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 127

و إذا تردد أمر النظير المجعول بين النوعين، فلم يعلم أن مراد الواقف أيهما لزم مراعاة الأمرين، فعلى المتولي اطلاع الناظر على عمله و استئذانه بالتصرف حتى يكون تصرفه باذنه.

المسألة 59:

إذا لم يعين الواقف متوليا للوقف، أو عين له متوليا فمات بعد التعيين، أو اشترط في المتولي وجود شرط معين، فانتفى الشرط و لم يوجد فيه، أو كان الشرط موجودا فيه ثم فقد منه بعد ذلك، أو عين للوقف متوليا، و حدد ولايته في بعض الجهات التي يحتاج إليها تدبير أمر الوقف، و ترك بعض النواحي التي يحتاج إليها، فلم يدخلها في ولاية ذلك المتولي المجعول، و لم يعين لها متوليا آخر يقوم بها. فان كان الوقف نفسه من الجهات العامة كالمساجد و المشاهد و المعابد، و المدارس و القناطر و المقابر و شبهها، أو كان من الأوقاف على هذه الموقوفات العامة، أو كان من الوقف على العناوين العامة، كالوقف على أهل العلم أو على ذرية الرسول (ص) أو على الفقراء و ما يشبه ذلك، فالولاية

عليه للحاكم الشرعي أو المنصوب من قبله.

المسألة 60:

إذا كان الوقف من الأوقاف الخاصة كالوقف على الذرية، أو على أخيه زيد و ذريته و كان الوقف على نحو صرف المنفعة على الموقوف عليهم لا على سبيل تمليك منفعة الوقف لهم، و لم يعين الواقف له متوليا أو كان من أحد الفروض التي ألحقناها به في الحكم في المسألة المتقدمة، فالولاية فيه أيضا للحاكم الشرعي أو المنصوب من قبله.

و إذا كان الوقف خاصا و كان المقصود به تمليك منفعته للأفراد الموقوف عليهم، فالظاهر فيه التفصيل فالأمور التي ترجع إلى مصلحة الوقف أو الى بقائه أو الى مصلحة البطون اللاحقة من الموقوف عليهم كالإجارة لهم، و تعمير الوقف و إخراج البئر أو العين فيه و صون أصوله و غرس الأشجار و النخيل الجديدة فيه، تكون الولاية فيها للحاكم الشرعي أو منصوبه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 128

و الأمور و الأعمال التي ترجع الى النمو الفعلي للوقف و الى نمو ثماره و منافعه الفعلية كتأبير النخيل، و إصلاح الثمرة و جذاذها و جمعها و تشميسها و بيعها و اجارة الوقف لمصلحة البطن الموجود و تقسيم المنفعة على أرباب الوقف الموجودين و شبه ذلك تكون الولاية فيها للموجودين من الموقوف عليهم.

المسألة 61:

إذا جعل الواقف تولية وقفه بيد رجلين عدلين على وجه الانضمام فمات أحدهما، فالأحوط أن يضم الحاكم الشرعي عدلا ثانيا الى العدل الباقي من الوليين فيتصرفا في الوقف منضمين، و كذلك إذا فسق أحد العدلين اللذين جعلهما الواقف، أو لم يتفق من أول الأمر إلا وجود عدل واحد، فيضم الحاكم الشرعي عدلا آخر الى العدل الموجود كما تقدم.

و إذا جعل الولاية لعدلين فلم يوجد حتى عدل واحد، أو مات العدلان معا بعد أن عينهما الواقف أو فسقا

معا، رجعت الولاية إلى الحاكم الشرعي، و جاز له أن يكتفي بنصب عدل واحد على الأقوى و الأحوط استحبابا أن ينصب عدلين.

المسألة 62:

إذا احتاج الوقف الى التعمير، جاز للمتولي أن يأخذ من منافع الوقف نفسه إذا كانت موجودة فيصرفها في تعميره، و يكون ذلك مقدما على الجهات الأخرى التي يحتاج إليها الوقف و على حصص الموقوف عليهم من المنافع، سواء كان وقفه عليهم على نحو الصرف أو على نحو التمليك، و ان استوعب المنافع الموجودة كلها أو زاد عليها و احتاج الى الاستدانة على ما يأتي منها.

و إذا لم يوجد من منافع الوقف شي ء، أو قصر الموجود منها عن المقدار الذي يحتاج إليه في التعمير، جاز للولي أن يستدين لتعميره بقصد أن يفي الدين من حاصلات الوقف في المستقبل أو من منافع الموقوفات على ذلك الوقف كالمسجد يقترض الولي لتعميره مبلغا بقصد أن يفي المبلغ الذي اقترضه له من منافع الموقوفات على المسجد، مما يصح انطباقه

كلمة التقوى، ج 6، ص: 129

على التعمير، و كالمدرسة و الرباط، كذلك. و كالبستان و الدار الموقوفين يحتاجان الى التعمير فيستدين المتولي لهما بقصد أن يفي الدين من منافعهما المقبلة، و يكون وفاء هذا الدين مقدما على حقوق الموقوف عليهم.

و يجوز للمتولي أن يصرف على تعمير الوقف من ماله بقصد أن يستوفي عوض ماله من منافع الوقف الآتية.

الفصل الثالث في العين الموقوفة

المسألة 63:

يشترط في الشي ء الذي يراد وقفه أن يكون عينا متشخصة في الخارج، فلا يصح وقف ما يكون دينا، و مثال ذلك أن يشتري الرجل ببيع السلف من الآخر بساطا موصوفا في ذمته أو متاعا موصوفا، فيقول المشتري:

وقفت البساط أو المتاع الذي ملكته في ذمة زيد على الفقراء، أو يكون له على زيد دين بسبب آخر، فيقول: وقفت الدين الذي استحقه على زيد، فلا يصح الوقف.

و لا يصح وقف ما يكون كليا قبل أن

يتعين، و مثال ذلك: أن تكون له عدة أفراس أو عدة عبيد، فيقول: وقفت فرسا، أو وقفت عبدا على الجهة الخاصة من غير أن يشخص عبدا أو فرسا معينا، و لا يصح وقف ما يكون منفعة فيقول: وقفت منفعة داري المعينة أو منفعة بستاني المعلوم على الفقراء، فيكون الوقف باطلا في جميع ذلك، لفقد الشرط المذكور.

المسألة 64:

يشترط في العين التي يراد وقفها أن تكون مملوكة أو هي بحكم المملوكة، فلا يصح وقف العين إذا كانت غير قابلة للتملك شرعا كالإنسان الحر، و كالعرصة الموقوفة مسجدا، فلا يصح وقفها و ان أراد الواقف

كلمة التقوى، ج 6، ص: 130

الجديد أن يقفها مسجدا أيضا، و سيأتي أن خراب المسجد لا يوجب زوال المسجدية عنه، و لا يصح بيعه و تملكه ليقفه الواقف مرة أخرى مسجدا أو غير مسجد.

و لا يصح وقف المباحات الأصلية قبل أن تحاز و تملك، كالأرض المباحة و الحيوان المباح و الشجر المباح.

المسألة 65:

إذا أخذ الحاكم الشرعي زكاة الأنعام من مالكها إبلا أو بقرا أو غنما، و لم تدفع في مصارفها، أو أخذها العامل المنصوب لذلك، و أراد الحاكم الشرعي وقف هذه الأنعام المأخوذة لتكون فائدتها أكثر، جاز له ذلك و ان لم تكن مملوكة، فإنها بحكم المملوكة، لولاية الحاكم الشرعي على المستحقين و على سائر مصارف الزكاة، و إذا أراد مالك الأنعام الزكوية وقفها كذلك ففي صحة وقفه إياها إشكال.

المسألة 66:

يشكل الحكم بصحة وقف العين المملوكة إذا كانت مرهونة عند الغير و لم يأذن المرتهن قبل إيقاع الوقف عليها، و الأحوط تركه، و إذا أذن المرتهن قبل إجراء صيغة الوقف فالظاهر الصحة و النفوذ، و يشكل، بل يمنع على الأحوط، وقف الأمة إذا كانت أم ولد للمالك، فلا يصح وقفها لخدمة مشهد أو معبد أو غير ذلك.

المسألة 67:

يعتبر في العين التي يراد وقفها أن تكون مما يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها، فلا يصح وقف العين إذا كانت مما لا منفعة له في نظر أهل العرف، كما إذا كانت الأرض المملوكة غير صالحة للزراعة و الغرس لكثرة الموانع التي تمنع من الزراعة و النمو فيها، و غير قابلة للبناء لينتفع بها دارا أو مخزنا أو موضعا لعمل أو لشي ء آخر لبعدها كثيرا عن مواضع العمران و الأماكن التي يطلب الناس السكنى فيها و العمل و تعذر مطاليب الحياة فيها أو تعسرها، و هي لذلك و لغيره غير قابلة لاجارتها أرضا فارغة لينتفع المستأجر فيها بوجه من الوجوه، فإذا اتفق

كلمة التقوى، ج 6، ص: 131

أن الأرض المملوكة أو العين الأخرى كذلك لم يصح وقفها، لعدم منفعة يسبلها.

و إذا أمكن أن توقف الأرض المذكورة مسجدا أو مصلى لينتفع بعض المارة بالصلاة فيه، لم يصح وقفها لغير ذلك.

المسألة 68:

لا يصح وقف الشي ء الذي لا ينتفع به الا بإتلاف عينه كالمأكولات و المشروبات و كالحطب و النفط و الغاز لا ينتفع به الا بوقده و حرقه، و كالطاقة الكهربائية لا ينتفع بها الا بصرفها أما الأدوات و الأجهزة و الآلات و المصابيح الكهربائية فلا ريب في صحة وقفها فهي مما ينتفع به مع بقاء عينه.

و لا يصح وقف العين إذا كانت المنفعة التي يقصدها الناس منها تنحصر في المحرم، كالآت اللهو، و آلات القمار، و ان أمكن أن تكون لها منفعة محللة، و لكنها نادرة و غير مقصودة للناس في العادة، و لا يصح وقف العين إذا كانت المنفعة التي قصدها الواقف و أوقع وقفه بلحاظها منفعة محرمة كمن يقف الدابة أو السيارة أو وسيلة

النقل الأخرى لحمل الخمر، أو يقف الدار أو المحل ليكون معملا للخمر أو مخزنا له أو موضعا لبيعه و شربه أو موضعا للبغاء أو غيره من أنواع الفسوق و المحرمات.

المسألة 69:

ذكرنا في ما سبق: انه يعتبر في الشي ء الذي يراد وقفه أن يكون مما ينتفع به مع بقاء عينه، و المراد أنه ينتفع به مع بقائه بقاء معتدا به في نظر العقلاء، فلا يكفي بقاؤه مدة يسيرة كما إذا أراد الرجل أن يقف الريحان أو الورد للشم، أو يقف النار للاصطلاء بها أو للطبخ عليها فلا يصح مثل هذا الوقف لقلة مدة الانتفاع به.

المسألة 70:

لا يشترط في صحة وقف الشي ء المملوك أن يكون مما يمكن قبضه في حال إنشاء الوقف فإذا وقف الإنسان عبده الآبق، أو جمله الشارد، أو طيره الطائر في الهواء، أو سيارته المسروقة ثم حصل القبض بعد

كلمة التقوى، ج 6، ص: 132

ذلك صح الوقف و ان تأخر قبضه مدة، و إذا لم يتحقق القبض بطل الوقف.

المسألة 71:

ظهر من مجموع ما ذكرناه: أن كل عين مملوكة إذا كانت مما يمكن أن ينتفع بها منفعة محللة مع بقاء العين مدة معتدا بها، فهي مما يصح وقفها، كالدور و البساتين و سائر العقارات و الأرضين، و الكتب و السلاح و الحيوان و أدوات النقل و الأجهزة و الفرش و الأثاث و الثياب و غيرها مما تتحقق فيه الشروط المتقدمة.

المسألة 72:

لا تختص المنفعة المقصودة في الوقف، بالمنفعة المقصودة في الإجارة كسكنى الدار و الكسب في الحانوت و المحل، و حرث الآلة و الدابة، و الحمل و الركوب و حمل الأثقال و شبهها، بل تعم النماءات و الثمار و أعواض الإجارة للعين، و اللبن و الصوف و الوبر و الشعر و النتاج و غيرها، فيصح وقف العين بلحاظ جميع ذلك.

المسألة 73:

لا يشترط في صحة الوقف أن تكون المنفعة المقصودة حاصلة بالفعل في حال الوقف، فيكفي أن تكون متوقعة الحصول و لو بعد حين، فإذا وقف الرجل الدابة الصغيرة صح وقفها، و ان لم يمكن ركوبها و الحمل عليها الا بعد سنين، و إذا وقف فسيل النخيل أو أصول الشجر المغروسة صح وقفها و ان كانت لا تثمر و لا تؤتي نماءها و نتاجها الا بعد أمد طويل، و إذا آجر المالك داره مدة ثم وقفها بعد الإجارة صح وقفها و ان لم تملك منفعتها الا بعد انتهاء مدة الإجارة، و انقضاء ملك المستأجر.

المسألة 74:

إذا وقف الواقف العين و كان على النخيل و الشجر الموقوفة ثمر موجود في حال إنشاء الوقف، لم يدخل هذا الثمر الموجود في الوقف، فلا يكون للموقوف عليهم أو الجهة الموقوف لها، بل يبقى ملكا للواقف، سواء كان الوقف بنحو تمليك المنفعة أم كان بنحو صرفها على الموقوف عليهم

كلمة التقوى، ج 6، ص: 133

أم كان وقفا على جهة عامة، و إذا آجر المالك داره مدة ثم وقفها بعد الإجارة، لم يدخل مال الإجارة في الوقف فهو ملك للواقف، و قد تقدم:

أن الوقف في هذه الصورة يثبت للدار و هي مسلوبة المنفعة في مدة الإجارة، و إذا وقف دابة أو أمة و كانت حاملا في حال إنشاء الوقف لم يدخل الحمل الموجود في بطنها في الوقف بل هو ملك للواقف.

و يشكل الحكم في الصوف و الشعر و الوبر الموجود على الحيوان الموقوف في حين إنشاء الوقف، و في اللبن الموجود في ضرع الأنثى الموقوفة فهل يدخل في الوقف أم لا؟ فلا يترك الاحتياط فيه، و كذلك في ما يتجدد من المذكورات بعد

إنشاء الوقف و قبل القبض فلا يترك الاحتياط فيه.

المسألة 75:

إذا أطلق الواقف وقف العين و كانت لها منافع عديدة متنوعة دخلت جميعا في وقف العين و ان كانت كثيرة، فيكون جميعها للموقوف عليهم إذا كانوا أشخاصا، و للجهة الموقوف لها إذا كان الوقف على جهة، فإذا وقف عبدا و كان كثير المنافع و الفوائد، فجميع منافعه و فوائده داخلة في وقفه و مختصة بالأشخاص أو الجهة الموقوف عليها، و إذا وقف أرضا أو بستانا أو نخيلا أو شجرا، فجميع ثمرتها و حاصلها مشمولة للوقف حتى السعف و الأغصان اليابسة، و أكمام الطلع، و الفسيل، و قضبان الشجر التي تقطع منه للغرس أو لغرض آخر، و إذا وقف ناقة أو بقرة أو شاة أو حيوانا آخر فجميع نتاجه و نمائه داخلة كذلك، و إذا كانت العين الموقوفة متعددة المنافع كما ذكرنا فلا يترك الاحتياط باجتناب تخصيص الوقف ببعض المنافع دون بعض.

المسألة 76:

يصح وقف الحلي من الذهب و الفضة و نحوهما للتزين به و التحلي، فيقف الحلي على ذريته طبقة بعد طبقة أو على أقربائه، أو على المحتاجين مثلا أو على جهة عامة كما في غيره، و له أن يقف الحلي عليهم للتحلي به و يجيز لهم أن يؤجروه مدة على الآخرين و يقتسموا مال الإجارة بينهم

كلمة التقوى، ج 6، ص: 134

بالحصص على نحو التمليك أو على نحو الصرف عليهم في شؤونهم، و يصح وقف الدراهم و الدنانير كذلك إذا جعلت حليا يتحلى بها أو ما يشبه الحلي و عد ذلك منفعة يعتد بها العقلاء، و هو أمر تابع لجريان العادة فيه، و إذا لم يعد منفعة بين الناس و لم تجر به العادة أشكل الحكم بصحة وقفها.

الفصل الرابع في الموقوف عليه

المسألة 77:

ينقسم الوقف بلحاظ الأشخاص أو العنوان أو الجهة التي وقف عليها الواقف الى عدة أقسام.

(الأول): قد يلاحظ الواقف أشخاصا، فيخصصهم بالمنفعة المقصودة من الوقف، و يسمى هذا القسم وقفا خاصا، باعتبار أن الملحوظين أشخاص معينون و ان كان عاما باعتبار أنه شامل لجميع أفراد الطبقة أو الطبقات الملحوظة، فإذا قال الرجل: وقفت داري أو بستاني على أولادي طبقة بعد طبقة، شمل الوقف كل فرد من أفراد الطبقة الأولى منهم، ثم شمل كل فرد من أفراد الطبقة الثانية، و هكذا حتى يعم كل طبقة، و كل فرد على الوجه الذي قصده في وقفه.

و كذلك إذا قال: وقفت الدار على ذرية أبي طبقة بعد طبقة، أو قال: وقفتها على زيد و ذريته نسلا بعد نسل.

ثم أن الواقف قد يخصص الموقوف عليهم بمنفعة الوقف على وجه التمليك حصصا، و قد يجعلها لهم على أن تصرف في حاجاتهم و معيشتهم من غير

تمليك، و قد تقدم بيان ذلك في بعض مسائل الفصل الأول فيرجع هذا القسم الى قسمين: باعتبار اختلاف الجهة الملحوظة للواقف، و الأثر الذي ينتجه هذا اللحاظ.

المسألة 78:

و قد يلاحظ الواقف عنوانا عاما ينطبق على أفراد كثيرة أو قليلة، فيجعل منفعة الوقف للأفراد من حيث انطباق العنوان المذكور عليهم،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 135

فيقول مثلا: وقفت الدار أو البستان على الفقراء أو على الفقهاء أو على المحتاجين من ذرية الرسول (ص) أو على الأيتام، و هذا القسم كسابقه يرجع الى قسمين، فقد يجعل الواقف المنفعة للأفراد على وجه التمليك لهم، و قد يجعلها لهم على أن تصرف في حاجاتهم و شؤونهم من غير تمليك، فتكون الأقسام أربعة.

المسألة 79:

و قد يلاحظ الواقف جهة من الجهات أو مصلحة من المصالح شرعية أو دنيوية، فيجعل منفعة العين موقوفة على أن تصرف في تلك الجهة الملحوظة، كما هو الحال في وقف المساجد و المشاهد و كما في وقف المدارس و القناطر و الشوارع و الربط و الخانات المعدة لنزول العابرين و المسافرين و أمثالها، و الوقف في هذا القسم لا يكون على نحو التمليك و انما يكون على نحو التصرف، فيكون قسما واحدا.

و لكن الجهة أو المصلحة الملحوظة، قد تكون عامة كما في الأمثلة التي ذكرناها، و قد تكون خاصة كما في الوقف على الرسول (ص) أو على أمير المؤمنين (ع) أو على أحد المعصومين (ع) أو على جميعهم (ع)، و هذا القسم في واقعة وقف على جهة و مصلحة شرعية و ان كان في صورته وقفا على شخص أو أشخاص، فالأقسام ستة.

المسألة 80:

إذا كانت الطبقة الأولى من الموقوف عليهم موجودة جميعا حين إنشاء الوقف من الواقف، أو كان منهم من هو موجود بالفعل، صح الوقف الخاص عليهم، و صح الوقف بتبعهم على المعدوم الذي سيوجد منهم، و على الحمل الموجود في بطن أمه، و على المعدوم الذي قد مات إذا أدخلهم الواقف في الوقف، فيشملهم الوقف تبعا للموجود، سواء كانوا من طبقته أم كانوا من طبقة متأخرة عنه.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 6، ص: 135

و لا يشترط في صحة الوقف وجود موقوف عليه في كل زمان، و نتيجة لذلك فإذا وقف الواقف على زيد ثم على أولاده، و مات زيد قبل أن يولد ولده لم يبطل الوقف على

الحمل و لا على أولاده بعد ان شملهم الوقف في حياة زيد و بتبع وجوده.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 136

المسألة 81:

إذا وقف الرجل داره على ولده الذي قد مات ثم من بعده على أولاد هذا الولد الذين سيوجدون، لم يصح هذا الوقف لعدم وجود الطبقة الأولى حين إنشاء الوقف.

و كذلك الحكم على الأحوط إذا وقف الرجل داره على ولده الحمل في بطن أمه، أو على أولاده الذين سيوجدون فلا يصح الوقف إلا إذا وقف على شخص موجود بالفعل حين إنشاء الوقف، و كان الوقف على الحمل و على الذين يوجدون تبعا للموجود في طبقته أو من بعده.

المسألة 82:

إذا وقف الواقف العين على الموجودين من أولاده و اشترط انه إذا وجد له أولاد بعدهم كانوا مقدمين في الطبقة على الموجودين، فالظاهر صحة الوقف و الشرط، فإذا وجدوا اختصوا بالوقف و تأخر السابقون عنهم، و كذلك الحكم إذا اشترط انه إذا وجد لأولاده أولاد قدموا في الوقف على آبائهم.

المسألة 83:

إذا وقف الإنسان داره أو بستانه على عنوان من العناوين العامة كاليتامى و المساكين و غيرهما لم يشترط في صحة الوقف أن يتحقق وجود العنوان الموقوف عليه في حين إنشاء الوقف، بل يكفي في صحة الوقف أن يكون وجود العنوان في ضمن بعض أفراده ممكنا، ثم يتحقق وجوده في بعض الأوقات فإذا وقف على اليتامى و لم يوجد يتيم حال إنشاء الوقف ثم وجد بعد ذلك كان الوقف صحيحا، و إذا وجد اليتيم أولا ثم فقد لم يبطل الوقف بذلك، فيجب حفظ الغلة حتى يوجد الفرد الذي ينطبق عليه.

المسألة 84:

الأحوط لزوما أن يعين الواقف الشخص الموقوف عليه في إنشاء الوقف، فلا يقف داره مثلا على أحد المشهدين من غير تعيين أو على أحد المسجدين أو على أحد الشخصين، فإذا هو ردد كذلك في إنشاء الوقف و لم يعين المقصود منهما، ففي صحة وقفه إشكال.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 137

المسألة 85:

لا يصح الوقف على جهة محرمة في الإسلام كالوقف على البيع و الكنائس، و معابد الأديان الباطلة و نشر كتب الضلال، و شراء آلات اللهو، و لا على شخص يصرف منفعة الوقف في معصية كمن يصرفه في تعاطي الموبقات و الآثام و سائر المعاصي.

المسألة 86:

يشكل الحكم بالصحة أو عدمها في وقف المسلم على الكافر الحربي و على المرتد الفطري، فلا يترك الاحتياط باجتنابه، و يجوز الوقف على الكافر الذمي و على المرتد غير الفطري و خصوصا إذا كانا رحما للواقف.

المسألة 87:

إذا وقف الرجل على جهة أو شخص يصح الوقف عليه، و على جهة أو شخص لا يصح الوقف عليه و كان الوقف على نحو التشريك بينهما، صح الوقف في حصة الأول من العين الموقوفة و بطل في حصة الثاني منها.

المسألة 88:

إذا وقف الرجل على جهة أو شخص يصح الوقف عليه، ثم على جهة أو شخص لا يصح الوقف عليه و كان الوقف بنحو الترتيب، صح الوقف في الأول، و بطل في الأخير، فيكون من الوقف المنقطع الأخير، و إذا انعكس الفرض فقدم الجهة أو الشخص الذي لا يصح الوقف عليه بطل الوقف من أصله و كان من المنقطع الأول، و إذا وقف على ما يصح الوقف عليه أولا ثم على ما لا يصح الوقف عليه ثانيا، ثم على ما يصح الوقف عليه أخيرا كان من الوقف المنقطع الوسط و قد تقدم حكم ذلك في المسألة التاسعة و العشرين.

المسألة 89:

إذا وقف الإنسان داره أو بستانه على عنوان معين كالفقراء و اليتامى اتبع في استحقاق الأفراد الموقوف عليهم ما يعينه الواقف لهم من منفعة الوقف مع الإمكان، و إذا أطلق الوقف و لم يعين شيئا اتبع ما دلت عليه القرائن الموجودة، من وحدة الفرد الموقوف عليه و تعدده و انحصار

كلمة التقوى، ج 6، ص: 138

العدد و عدم انحصاره، و من قلة منفعة الوقف و كثرتها و أمثال ذلك من القرائن التي تدل على المراد، فإذا وقف البستان على امام المسجد في البلد، و كان واحدا اختص بالمنفعة كلها و إذا تعدد الأئمة فيه اقتسموا منفعة الوقف بالسوية الا أن يعلم غير ذلك.

و إذا وقف الدار أو البستان على فقراء القرية و كانوا قليلين في العدد وزعت المنفعة عليهم بالسوية، الا أن يعلم غير ذلك، و إذا قلت المنفعة و لم تتسع لاستيعابهم، لم يجب ذلك، و إذا كان افراد العنوان الموقوف عليه غير محصورين عددا، لم يجب استيعابهم كذلك، و قد تكون المنفعة كثيرة، فتكون كثرتها

دليلا على ارادة الاستيعاب، فتجب مراعاة ذلك بقدر الإمكان. و هكذا.

المسألة 90:

إذا وقف الواقف بستانه على الامام الحسين (ع) انصرف على الأكثر الغالب من هذه الموقوفات إلى إقامة مجالس عزائه و ذكر استشهاده (ع) و بذل الطعام أو غير الطعام في ذلك على النحو المألوف المعروف في عرف الواقف و بلده، و قد تعين القرائن لذلك أياما خاصة كأيام شهادته (ع) أو أيام أربعينه فتتعين كذلك، و قد تدل القرائن على ان المراد الحسين (ع) لا خصوص اقامة عزائه فيصرف في الخيرات المحبوبة عند اللّه و يهدى ثوابها للحسين (ع).

و كذلك إذا وقف على النبي (ص) أو على أحد المعصومين من أهل بيته (ع) فينصرف إلى إقامة المجالس لبيان فضلهم و مناقبهم و ذكر مصائبهم على النحو المتقدم، و قد تدل القرائن على غير ذلك فتتبع دلالتها.

المسألة 91:

إذا وقف الواقف العين على امام العصر عليه السلام و علم ان الواقف قصد الوقف على الجهة كما في غيره من المعصومين، كان الحكم فيه كما تقدم في الوقف على آبائه (ع) و ان علم ان الوقف على نحو التمليك له (ع) كان الحكم فيه هو الحكم في حق الامام (ع) من الخمس.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 139

الفصل الخامس في المراد من بعض عبارات الوقف

المسألة 92:

إذا قال الرجل: وقفت داري على الفقراء أو على المساكين، و كان الواقف مسلما كان ذلك قرينة على ان المراد من كلمة الفقراء في عبارته فقراء المسلمين و مساكينهم، و إذا كان من الشيعة فالمراد منها فقراء الشيعة و ينصرف الى فقراء فرقته فيختص بالاثني عشريين إذا كان اثني عشريا، و بالاسماعيليين إذا كان اسماعيليا، و هكذا الا ان تدل القرينة على غير ذلك.

و إذا كان الواقف سنيا انصرف مراده الى فقراء السنة، و إذا كان كافرا فالمراد فقراء أهل دينه خاصة فيكون وقفه على فقراء اليهود إذا كان يهوديا و على فقراء المسيحيين إذا كان مسيحيا، و هكذا.

المسألة 93:

إذا وقف الرجل على فقراء قبيلة معينة و كانوا غير محصورين في العدد، كما إذا وقف على فقراء بني هاشم أو على فقراء بني تميم مثلا، لم يجب على الولي الاستيعاب، فيكفيه ان يوزع منفعة الوقف على بعض فقراء القبيلة المعينة، و كذلك إذا كان العدد محصورا و كانت المنفعة قليلة لا تتسع لجميعهم، فلا يجب الاستيعاب، و إذا كان العدد محصورا و كانت المنفعة كثيرة تتسع للجميع وجب على متولي الوقف استيعابهم، و يجب عليه ان يتتبع الغائبين و أن يحفظ حصصهم حتى يوصلها إليهم، و إذا عسر عليه احصاؤهم و لم يمكن له الفحص وجب عليه أن يستقصى من يمكنه منهم و لا يلزمه الحرج باستقصائهم.

المسألة 94:

إذا قال: هذه الدار وقف على أولادي فالظاهر منه العموم فيشمل الجميع و يجب الاستيعاب و كذلك إذا قال: هي وقف على أخوتي، أو على ذرية أبي، أو على أرحامي فيجب استيعاب الجميع.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 140

المسألة 95:

إذا قال الواقف: هذه العين وقف على المسلمين و لاحظ أن يكون وقفه شاملا لعامة من ينتسب إلى الإسلام كان الوقف لكل من أقر بالشهادتين، و إذا هو لم يلاحظ ذلك اختص وقفه بمن يعتقد هو بإسلامه و لم يشمل من اعتقد بكفره و ان أقر بالشهادتين، و عم الذكور و الإناث و البالغين و غيرهم، و إذا قال: هي وقف على المؤمنين و كان اثني عشريا اختص وقفه بالإمامية الاثني عشرية، و إذا كان من غيرهم اختص وقفه بالمؤمنين في معتقده.

المسألة 96:

إذا قال الواقف: هذا الشي ء وقف على الشيعة، و كان اثني عشريا، اختص وقفه بالإمامية الاثني عشرية و لم يشمل غيرهم من فرق الشيعة، و إذا كان الواقف من غيرهم شمل عمومه كل من قال بتقديم علي (ع) بالخلافة بعد الرسول (ص)، و إذا قامت القرينة في عرف الواقف على اختصاص كلمة الشيعة بطائفة معينة اختص وقفه بها.

المسألة 97:

إذا قال: داري وقف في سبيل اللّه أو قال: هي وقف في البر و وجوه الخير، شمل وقفه كل ما يتقرب به الى اللّه من الطاعات و القرب و ما يكون فعله أو الإنفاق فيه سببا لنيل الثواب.

المسألة 98:

إذا قال: هذا وقف على قرابتي أو على ذوي رحمي، شمل وقفه كل من حكم العرف بأنه من قرابته و أرحامه، من الكبير و الصغير و الذكر و الأنثى، و إذا قال: هو وقف على الأقرب الي فالأقرب، نزل الوقف على طبقات الوارثين منه دون غيرهم و كان الوقف عليهم ترتيبيا، فيكون وقفا على الوارثين منه بالفعل، فإذا فقدوا فعلى الوارث من بعدهم، و هكذا، و في شمول الوقف لمن يرث منه بالولاء إشكال.

المسألة 99:

إذا قال: وقفت هذه الدار على أولادي اشترك الذكر منهم و الأنثى و الخنثى في استحقاقهم من منفعة الوقف و كانوا في الحصص على السواء،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 141

و قد تختص كلمة الأولاد في عرف بعض البلاد بالذكور فقط، فإذا كان الواقف من أهل هذا العرف اختص وقفه بالذكور و لم يشمل الإناث و كذلك الحكم إذا وقف على أولاده، و أولاد أولاده فيشمل الوقف جميع الذرية من الذكور و الإناث و الخناثى و أولادهم على التساوي في الحصص، و يكون الوقف بين جميعهم على التشريك لا على نحو الترتيب.

و إذا كانت كلمة الأولاد و أولاد الأولاد في عرف الواقف مختصة بالذكور فقط كما تقدم اختص الوقف بهم و بالذكور من أولادهم.

المسألة 100:

إذا قال: وقفت الدار على أبنائي لم يشمل البنات و لا أبناء البنات، و إذا قال: وقفت على ذريتي شمل الذكر و الأنثى منهم، و شمل من كان للصلب و من كان بواسطة أو أكثر، و كانوا في الاستحقاق و في التشريك على السواء، و إذا قال: وقفت على أولادي فالظاهر أنه يعم أولاد الأولاد و ان نزلوا على نحو التشريك، إلا إذا وجدت قرينة تخصه بأولاده بلا واسطة فلا يعم أولاد الأولاد.

المسألة 101:

إذا قال الرجل: وقفت الدار على أولادي الأقرب منهم فالأقرب أو قال: بطنا بعد بطن أو نسلا بعد نسل، أو طبقة بعد طبقة، فالظاهر من جميع هذه العبارات ان الوقف ترتيبي بين الأولاد و أولادهم و أولاد أولادهم فلا تستحق الطبقة الثانية من الوقف شيئا إذا وجد أحد من الطبقة التي تكون قبلها.

المسألة 102:

إذا قال الرجل: وقفت هذا الشي ء على أخوتي، شمل وقفه جميع اخوته الذكور، سواء كانوا للأبوين أم للأب وحده، أم للأم وحدها، و كانوا متساوين في مقدار استحقاقهم من منفعة الوقف، و لم تشاركهم الأخوات، و لم يشمل الوقف أبناءهم.

و إذا قال: وقفت الشي ء على أجدادي اشترك في الوقف أجداده لأبيه و أجداده لأمه، سواء كانوا بلا واسطة، أم كانوا بواسطة واحدة أو

كلمة التقوى، ج 6، ص: 142

أكثر و كان استحقاقهم منه على السواء و لم يتقدم بعضهم على بعض، و لم تشاركهم الجدات.

و إذا قال: وقفته على أعمامي شمل الوقف أعمامه: اخوان أبيه لأبويه كليهما، و اخوان أبيه للأب وحده، و اخوان أبيه للأم وحدها، و كانوا في الاستحقاق على السواء، و لم تشاركهم العمات و لا أعمام الأب و لا أعمام الأم.

و إذا وقف على أخواله شمل أخواله اخوان أمه لأبويها، و اخوان أمه لأحدهما و كانوا في الوقف على السواء و لم تشاركهم الخالات و لا أخوال الأب و لا أخوال الأم.

المسألة 103:

إذا قال: وقفت الدار على أولادي الذكور نسلا بعد نسل أو قال:

طبقة بعد طبقة، اختص وقفه بأولاده الذكور و بأولاد أولاده الذكور من الذكور في جميع الطبقات، و لم يشمل الإناث من أولاده و لا الذكور الذين يتولدون من أولاده الإناث، و هذا إذا علم أن مراده التقييد بالذكور في جميع الطبقات.

المسألة 104:

إذا علم أن الرجل وقف داره على ذريته، و لم يعلم أن وقفه كان على نحو التشريك بين جميعهم أو على نحو الترتيب بين طبقاتهم، دفعت الى الطبقة المتقدمة حصتهم من الوقف، ثم أقرع على المقدار الزائد و هو الذي تردد أمره بين أن يكون للطبقة المتقدمة أيضا و أن يكون لمن بعدهم، و أعطي لمن تعينه القرعة، و الأحوط الرجوع الى المصالحة في المقدار الزائد.

المسألة 105:

يتبع ما حدده الواقف في الترتيب بين الموقوف عليهم إذا كان وقفه على نحو الترتيب، فإنه قد يجعل الترتيب بين جميع أفراد الطبقة اللاحقة و سابقتها، فلا يستحق أحد من الطبقة اللاحقة شيئا من منفعة الوقف مع وجود أحد من الطبقة السابقة، فلا يشارك الولد إذا مات

كلمة التقوى، ج 6، ص: 143

عنه أبوه أعمامه و عماته في الاستحقاق من الوقف، و لا يشارك إذا ماتت عنه أمه أخواله و خالاته.

و قد يجعل الترتيب بين الولد و أبيه خاصة و بينه و بين أمه خاصة، فإذا مات عنه أبوه استحق من الوقف و شارك أعمامه و عماته، و إذا ماتت عنه أمه استحق كذلك من الوقف و شارك أخواله و خالاته.

المسألة 106:

المعيار في تعيين المراد على ما يقصده الواقف، و ما يدل عليه العرف الذي جرى عليه في إنشائه صيغة الوقف، فإذا قال: وقفت هذه الضيعة على العلماء، اختص بعلماء الشريعة من أهل مذهب الواقف إذا كان شيعيا، و لم يشمل علماء العلوم الأخرى من طب و هندسة و فلسفة و غير ذلك إلا إذا كان من علماء الشريعة أيضا.

المسألة 107:

إذا وقف الرجل على أهل بلد اختص وقفه بمن اتخذ ذلك البلد وطنا له و سكن فيه، و لم يشمل المسافر اليه و الزائر و ان مكث فيه طويلا أو كثر تردده عليه لتجارة أو زيارة أو عمل آخر.

المسألة 108:

إذا قال: هذا الشي ء وقف على اخوتي نسلا بعد نسل شمل وقفه اخوته دون أخواته على نحو التشريك. كما تقدم و شمل جميع أولادهم الذكور و الإناث على نحو الترتيب.

المسألة 109:

إذا قال: هذا وقف على أولادي و من بعدهم على أولادهم كان الوقف بين أولاده و أولادهم على الترتيب، و كان بين طبقات أولاد الأولاد على نحو التشريك.

المسألة 110:

إذا وقف الرجل داره أو بستانه على مسجد معين أو على مشهد معين أو على عنوان معين، ثم تردد الولي ان الموقوف عليه أي المسجدين، أو

كلمة التقوى، ج 6، ص: 144

أي المشهدين أو أي العنوانين، رجع في ذلك الى القرعة، فيصرف منفعة الوقف على الذي تعينه القرعة منهما.

المسألة 111:

إذا وقف الدار أو البستان على المسجد، صرف الولي منافع الوقف و نماءه في حاجات المسجد و مصالحه كالتعمير و الانارة و الفرش و التنظيف و التبريد و التدفئة، و اعداد مواضع الوضوء و تعميرها و الخادم و أمثال ذلك، و يشكل صرف بعضه لإمام الجماعة في المسجد و للمؤذن الراتب فيه. و كذلك الأمر في الوقف على المشهد، و انما يصرف منه على خادم المشهد إذا كان مواظبا على الأعمال التي يحتاج إليها المشهد أو المتعلقة به تعلقا مباشرا.

المسألة 112:

إذا وقف على جهتين مختلفتين، أو على عنوانين أو على شخصين مختلفين كذلك، و لم يذكر مقدار ما يختص به كل واحد منهما من العين الموقوفة، فالظاهر أن كل واحد منهما يختص بنصف الوقف و انه بينهما على نحو التشريك.

فإذا قال: وقفت داري المعينة على المسجدين المعروفين في البلد، كانت الدار وقفا على المسجدين اللذين ذكرهما على نحو التشريك بينهما و اختص كل واحد منهما بنصف الدار، و كذلك الحكم إذا وقفها على مأتمين معينين، أو وقفها على الفقراء و اليتامى في البلد، أو وقفها على زيد و ذريته، و على عمرو و ذريته فتكون الدار وقفا على ما عينه من الناحيتين بالتنصيف بينهما و على نحو التشريك، الا ان يعلم خلاف ذلك.

الفصل السادس في أحكام الوقف

المسألة 113:

إذا تم الوقف و تحققت شروطه، فالظاهر خروج العين الموقوفة عن ملك الواقف، سواء كان الوقف على الجهات العامة كالمسجد و المشهد و المعبد، و الشارع و القنطرة و المقبرة و المدرسة، و الحسينية و كالموقوفات

كلمة التقوى، ج 6، ص: 145

على احدى هذه الجهات، و ما أشبه ذلك، أم كان الوقف على العناوين العامة كالوقف على الفقراء أو على طلاب العلم أو على اليتامى، و ذرية الرسول (ص) من غير فرق بين أن يكون وقفها على نحو تمليك المنفعة للموقوف عليهم أو على وجه صرف المنفعة عليهم من غير تمليك، أم كان الوقف خاصا على أحد الوجهين المتقدم ذكرهما، فالظاهر زوال ملك الواقف عن العين الموقوفة في جميع ذلك، نعم يشكل الحكم بزوال الملك في الوقف المنقطع الآخر.

المسألة 114:

إذا حصل الوقف و تمت شروطه، نفذ و وجب ترتيب آثاره على حسب ما عينه الواقف و حدده، و لم يجز تغييره عن ذلك، و لم يجز للواقف نفسه أن يحدث تغييرا أو تبديلا في الموقوف عليه فلا يصح له أن ينقل الوقف من جهة إلى جهة أخرى، أو من عنوان الى عنوان غيره أو من أشخاص إلى أشخاص غيرهم، و لا يصح له أن يخرج بعض الموقوف عليهم من الوقف بعد ان أدخله في الوقف، أو يدخل معهم أحدا كان خارجا عنه، و إذا شرط لنفسه في أصل الوقف أن يكون له الحق في أن يدخل في الوقف من يشاء، و يخرج عنه من يشاء، لم يصح له هذا الشرط، و لا ينفذ إذا شرط، و لكن بطلان الشرط لا يبطل الوقف.

المسألة 115:

ليس للواقف أن يقف العين على أشخاص معينين و يشترط لنفسه انه إذا وجد له أولاد أو اخوان مثلا فله الحق أن ينقل الوقف من الموقوف عليهم إلى أولاده أو إخوانه الذين وجدوا و يصح له أن يقف العين على اشخاص معينين و على أولاده الذين سيوجدون، و يشترط في الوقف انه متى وجد له أولاد كانوا مقدمين في الوقف على الموقوف عليهم السابقين، و الفرق بين المسألتين واضح جدا لا التباس فيه و قد ذكرنا هذا الفرض الأخير في المسألة الثانية و الثمانين.

المسألة 116:

إذا وقف الرجل داره أو بستانه على بعض العناوين الخاصة أو العامة، لتصرف منفعة الوقف على أفراده، و جهل متولي الوقف ذلك

كلمة التقوى، ج 6، ص: 146

العنوان الموقوف عليه فتردد عنده بين عنوانين أو أكثر و لذلك عدة فروض تختلف أحكامها.

(الفرض الأول): ان تكون العناوين التي تردد المتولي ما بينها غير متباينة فهي مما تتصادق في بعض الأفراد و مثال ذلك أن يشك المتولي في أن الواقف وقف داره على عامة طلاب العلم، أو على خصوص العدول منهم، و الحكم في ذلك أن يقتصر المتولي في صرف منفعة الوقف على الطلاب العدول، و كذلك الحكم إذا تردد في أن الواقف وقف الدار على العلماء أو على السادات، فيجب عليه أن يصرف المنفعة على مورد التصادق و هو العلماء السادة.

المسألة 117:

(الفرض الثاني): ان تكون العناوين التي احتملها ولي الوقف و تردد ما بينها متباينة لا تتصادق في الأفراد و مثال ذلك أن يتردد المتولي: هل وقف الواقف داره على فقراء أهل هذا البلد أو على فقراء البلد الآخر؟ أو يتردد هل وقف الدار على هذا المسجد أو على على المسجد الآخر؟ و الحكم في هذا الفرض أن يرجع في تعيين الموقوف عليه إلى القرعة، فيصرف منفعة الوقف على من تعينه القرعة، و قد ذكرنا هذا في المسألة المائة و العاشرة.

المسألة 118:

(الفرض الثالث): ان يجهل المتولي مصرف الوقف الذي عينه الواقف، و يتردد بين عناوين و أشخاص غير محصورة العدد، فان علم بأن الوقف عليهم كان بنحو تمليك المنفعة لهم جرى في منافع الوقف حكم مجهول المالك، فيتصدق بها عن الموقوف عليهم باذن الحاكم الشرعي، و ان علم بأن الوقف كان بنحو الصرف على الموقوف عليهم من غير تمليك أو جهل ذلك، أو كان الوقف مرددا بين جهات غير محصورة العدد، صرف الولي منافع الوقف في وجوه البر، على أن لا يخرج في صرفه عن الوجوه المحتملة في الوقف.

المسألة 119:

إذا وقف الرجل العين و اشترط في الموقوف عليهم ان يكونوا موصوفين

كلمة التقوى، ج 6، ص: 147

بأوصاف خاصة، كانت الأوصاف المشترطة داخلة في عنوان الموقوف عليهم، فإذا انتفى الوصف المشترط في أحد الأفراد خرج ذلك الفرد عن عنوان الوقف فلا يكون من الموقوف عليهم، فإذا وقف المدرسة على طلاب العلم بشرط أن يكونوا عدولا أو بشرط أن يكونوا مواظبين على الاشتغال بطلب العلم، و فقدت العدالة من طالب العلم في الفرض الأول و انتفت صفة المواظبة عنه في الفرض الثاني خرج عن عنوان الموقوف عليهم فلا يصح له سكنى المدرسة الموقوفة.

و إذا وقف العين و لم يذكر للموقوف عليهم أوصافا و لكنه اشترط عليهم أن يقوموا بأعمال معينة، فإذا لم يقم الفرد منهم بالعمل الذي اشترط عليه القيام به، ففي خروجه بذلك عن الموقوف عليهم اشكال، و مثال ذلك أن يقف المدرسة على طلاب العلم و يشترط على كل فرد منهم أن يكون ملازما لصلاة الجماعة أو يواظب على الصلاة في أول وقتها، فإذا لم يقم الطالب بالعمل المشروط عليه كان الحكم بخروجه عن عنوان الموقوف

عليهم و عدم خروجه عنه مشكلا، و لا يترك فيه الاحتياط، و إذا قصد الواقف من الشرط دخله في العنوان و لم يف به الشخص خرج عن الموقوف عليهم بلا ريب.

المسألة 120:

إذا وقف الإنسان ضيعته أو عمارته أو عقاره الآخر على أولاده و أطلق الوقف، فالظاهر من ذلك انه ملكهم منفعة العين الموقوفة، فيجوز لهم استنماؤها و استثمارها، و بيع ما يحصل من ثمارها و منافعها أو المعاوضة عليه بغير البيع مما يصح لهم من المعاوضات و اجارة ما يؤجر و أن يقتسموا الحاصل على الوجه الذي حدده الواقف من الحصص و التقدم و التأخر، فان لم يكن قد حدد شيئا اقتسموا الحاصل بالسوية، و ليس لهم أن يختص بعضهم بمنفعة الضيعة مثلا و ينفرد بعضهم بأجرة البناية، إلا إذا خولهم الواقف بذلك.

المسألة 121:

إذا وقف الدار أو العمارة لسكنى أولاده تعينت لذلك، فلا يصح لهم أن يؤجروا الدار أو العمارة على غيرهم و يقتسموا مال الإجارة بينهم

كلمة التقوى، ج 6، ص: 148

و ان تراضوا بذلك، بل يتعين لهم الانتفاع بالسكنى خاصة، فإذا أمكن لهم أن يسكنوها جميعا سكنوها، و لا يصح لبعضهم ان يستقل بسكنى الدار و يمنع الآخرين، و إذا اختلفوا في اختيار المساكن من الدار أو العمارة و كان الواقف قد جعل للوقف متوليا و جعل له النظر في تعيين المساكن لهم وجب عليهم اتباع نظره، و إذا لم يجعل على الوقف متوليا خاصا، أو كان قد جعل أولياء متعددين و اختلفوا في التعيين رجعوا الى الحاكم الشرعي في حسم نزاعهم، و إذا فقد الحاكم الشرعي أو تعذر عليهم الوصول اليه، رجعوا في تعيين المساكن بينهم إلى القرعة.

و إذا عين الولي أو الحاكم الشرعي لهم المساكن أو عينتها القرعة، و امتنع بعضهم عن السكنى جاز للبعض الآخر أن يستقل بسكنى الدار، و لا حق للممتنع في أن يطالبه بالأجرة عن حصته.

المسألة 122:

إذا لم تكن الدار كافية لسكنى جميع الموقوف عليهم اقتسموا السكنى فيها بالمهاياة، بأن يسكنها بعضهم أياما معلومة، أو أسبوعا، أو شهرا، أو سنة مثلا، ثم يسكنها الآخر مثل ذلك، فإذا تنازعوا في ذلك رجعوا إلى المتولي، ثم الى الحاكم الشرعي ثم إلى القرعة على النهج الذي تقدم بيانه و ليس لبعضهم أن يمتنع عن السكنى بالمهاياة و يطالب من سكن منهم بالأجرة عن حصته.

المسألة 123:

إذا وقف الرجل شيئا مما يملكه على مصلحة معينة، فبطلت المصلحة الموقوف عليها، و مثال ذلك أن يقف نخيلا يملكها على مسجد في القرية، فيخرب المسجد الموقوف عليه حتى لا يمكن تعميره أو تخرب القرية التي هو فيها و ينقطع المصلون فيه، فلا يكون موردا لصرف منفعة الوقف فيه، أو يقف بستانا على مدرسة، فتخرب المدرسة و لا يستطاع تعميرها، أو تنقطع هجرة طلاب العلم الى البلد التي هي فيه، فلا تصبح المدرسة موردا لصرف منفعة الوقف فيها، أو يقف شيئا على قنطرة، فيندرس النهر فلا يحتاج إلى قنطرة أو تنقطع المارة فتلغى فائدتها.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 149

فان كان وقف ذلك الشي ء على المصلحة المعينة بنحو تعدد المطلوب كما هو الغالب في وقف هذه الأشياء وجب أن تصرف منفعته بعد بطلان تلك المصلحة في مصلحة أخرى من جنسها، فإذا كان وقفا على مسجد معين صرفت منفعته على مسجد آخر، و إذا كان وقفا على مدرسة صرفت منفعته على مدرسة ثانية، و إذا كان وقفا على إقامة مأتم الحسين (ع) في بلد معين أو في حسينية معينة و لم يمكن ذلك، صرفت المنفعة في إقامة مأتمه (ع) في بلد آخر، أو في حسينية أخرى، و هكذا.

و إذا تعذر وجود مصلحة

من جنسها أو تعذر الصرف فيه، صرفت منفعة الشي ء الموقوف في الأقرب فالأقرب إلى المصلحة الأولى الموقوف عليها، و لا يكفي صرفها في مطلق وجوه البر و الخيرات، و إذا كان الوقف على المصلحة المعينة بنحو وحدة المطلوب، فالظاهر بطلان الوقف ببطلان المصلحة الموقوف عليها.

المسألة 124:

لا يجوز تغيير العين الموقوفة و ازالة عنوانها الذي جرى عليه الوقف، و ان كان التغيير الى عنوان آخر، كما إذا أراد الموقوف عليه أو أراد متولي الوقف ان يغير الدار الموقوفة إلى محلات لخزن البضائع للتجار، أو يبنيها شققا للإجارة أو يجعلها دكاكين للتجارة أو غير ذلك، فلا يصح التغيير، عدا ما يأتي استثناؤه في المسألة الآتية.

المسألة 125:

إذا كان الوقف وقف منفعة، فقد يعلم أو يثبت من إطلاق الصيغة في الوقف أو من قرينة دالة أخرى: أن مقصود الواقف هو حصول المنفعة بأية صورة تكون العين الموقوفة عليها، فإذا تحقق هذا الفرض، صح تغيير العين اختيارا الى ما هو أكثر منفعة و أجدى فائدة، و ان كانت صورتها الموجودة ذات فائدة كثيرة أيضا، و يتولى ذلك ولي الوقف إذا كانت ولايته مطلقة تشمل مثل هذا التصرف.

و قد يعلم من الواقف أو يثبت من إطلاق الإنشاء أو من قرينة أخرى، ان المراد بقاء العنوان الذي جرى عليه الوقف مهما كان له دخل في كثرة المنفعة من العين، و ان كان غيره أكثر منفعة منه، و إذا تحقق هذا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 150

الفرض، لم يصح تغيير العين اختيارا حتى تقل منفعتها، فإذا قلت المنفعة جاز تغيير العين الى ما هو أكثر منفعة و أجدى، و تراجع المسألة المائة و الثانية و الأربعون في الفرق بين وقف المنفعة و وقف الانتفاع.

و إذا لم يكن لإنشاء الوقف إطلاق يدل على شي ء و لم تدل القرائن على جواز التغيير، لم يصح ذلك، و مما بيناه يظهر ان المدار في المسألة على العلم بمقصود الواقف من الوقف و ما يدل عليه إطلاق إنشائه و القرائن الحافة به الدالة

على مراده، و لا تجوز المخالفة لذلك و ان كان الذي يريد التغيير هو ولي الوقف، بل و ان كان الذي يريد التغيير هو الواقف نفسه، إذا بدا له بعد الوقف فأراد أن يغير العين عما حدد لها في صيغة الوقف، فلا يجوز له ذلك و لا ينفذ إذا فعل.

المسألة 126:

إذا احتاجت العين الموقوفة إلى تعمير أو ترميم أو إصلاح يتوقف عليه بقاء العين و إيتاء ثمارها و توفية منفعتها، و كان الواقف قد لاحظ ذلك حين الوقف فعين ما يصرف على ذلك عند الحاجة إليه، اتبع تعيينه، و صرفت الحصة المعينة على الإصلاح و التعمير، و ان لم يعين الواقف لذلك شيئا، صرف عليه من منافع العين الموقوفة و كان ذلك مقدما على حق الموقوف عليهم، و قد ذكرنا هذا في المسألة الثانية و الستين بصورة أكثر تفصيلا، فلتراجع، و ذكرنا في المسألة المائة و الثالثة و الثلاثين من كتاب التجارة أن الوقف إذا خرب بعضه على وجه فصلناه هناك جاز أن يباع البعض الخرب من الوقف و يصرف ثمنه في إصلاح البعض العامر منه، و لعلنا نتعرض لذلك في ما يأتي من المسائل و من اللّه التوفيق.

المسألة 127:

إذا خرب المسجد و انهدم بناؤه و عفى أثره لم تخرج عرصة أرضه و بقايا آثاره الثابتة عن كونها مسجدا، و لذلك فتجري عليها أحكام المسجد، فلا يجوز تلويثها بالنجاسة و يجب تطهيرها إذا تنجست مع إمكان ذلك، و يحرم مكث الجنب و الحائض فيها، و لا يجوز بيعها أو المعاوضة عليها و صرف أثمانها و أعواضها في أحداث مسجدا آخر أو في

كلمة التقوى، ج 6، ص: 151

تعميره، و كذلك إذا خربت القرية و انقطعت المارة و المصلون عن المسجد لم يخرج بذلك عن كونه مسجدا، و جرى عليه جميع الأحكام المتقدمة.

المسألة 128:

لا يجوز بيع الوقف و لا ابداله، و لا نقله بأحد النواقل التي تنقل العين من مالك الى مالك كالهبة و الهدية و الصلح، و لا يجري عليه ميراث، سواء كان وقفا على مصلحة أم على عنوان أم على أشخاص، و سواء كان عاما أم خاصا، عدا ما يأتي استثناؤه عند طروء أحد مسوغات البيع فيه، و عند بطلان الوقف فيكون منقطع الآخر أو ما هو بحكمه، فترجع العين الى ملك الواقف أو الى ملك وارثه و قد ذكرنا هذا في ما تقدم.

و قد تقدم في المسألة السابقة حكم المسجد و انه لا يجوز بيعه و لا ابداله و ان خرب و بقي أرضا فارغة و كذلك الحكم على الأحوط لزوما في المشهد، فلا يجوز بيعه و ان خرب و زال عنوانه و تعطلت جهته.

المسألة 129:

لا تجوز اجارة المسجد و لا المشهد و ان خربا و بقي موضعهما أرضا فارغة، فلا تصح إجارتهما للزرع أو للغرس أو لشي ء آخر.

المسألة 130:

إذا خرب الوقف غير المسجد و المشهد، و زال عنوانه، فانهدمت حيطان الدار أو المدرسة أو البناية الموقوفة و بقيت عرصة فارغة مثلا، و جف الماء و تقلعت النخيل و يبست الأشجار من الضيعة أو البستان، و أمكن تعميره و اعادة عنوانه و بنائه و غرسه و منافعه بأن توجر الأرض و بقايا العين مدة معلومة، و ينفق مال الإجارة على تعمير الوقف و إصلاحه، أو بأن يستدين المتولي لذلك ثم يسدد الدين من مال الإجارة أو من منافع العين بعد عمارتها، لزم ذلك و تعين العمل به، و إذا أريدت إجارة الأرض و بقايا العين الخربة لذلك استؤذن متولي الوقف، و الموقوف عليهم على الأحوط.

المسألة 131:

إذا وقف الإنسان شيئا على مصلحة معينة أو على عنوان معين أو على

كلمة التقوى، ج 6، ص: 152

اشخاص معينين فخرب الوقف و لم يمكن تعميره و تجديده بإجارة أو استدانة كما سبق ذكره، و بقيت للعين منفعة يعتد بها، لم يبطل وقف العين، و وجب صرف المنفعة الباقية على الجهة الموقوف عليها، فإذا كان البستان موقوفا على مسجد أو على مأتم مثلا و خرب البستان حتى بقي عرصة خالية لا نبات فيها، و أمكن إيجار العرصة لبعض المنافع وجب إيجارها و صرف مال الإجارة على المسجد أو المأتم الموقوف عليه الا ان تدل القرائن على أن مقصود الواقف خلاف ذلك.

المسألة 132:

الآلات و الأثاث و الفرش و الأجهزة التي تجعل في المساجد أو المشاهد و أدوات التبريد و التدفئة و الإضاءة و تكبير الصوت التي تكون فيها، ليست أجزاء من المسجد أو المشهد، فلا تلحقها أحكامها، و انما هي موقوفات مستقلة للانتفاع بها في المسجد أو المشهد ما دام الانتفاع بها ممكنا و أعيانها باقية، و ان أصبح الانتفاع بها قليلا أو كان بصورة غير معتادة كما إذا استعمل الفراش سترا للنساء، أو ظلالا يقي عن الشمس أو البرد.

و إذا استغنى المسجد أو المشهد عن بعض هذه الأشياء استغناء تاما بحيث تعد ضائعة و يكون إبقاؤها فيه سببا لتلفها نقلت من ذلك المسجد الى مسجد آخر و من ذلك المشهد الى مشهد غيره، فان لم يوجد المماثل أو لم يمكن النقل اليه جعلت في الأقرب فالأقرب إلى المصلحة الأولى الموقوف عليها، فان لم يمكن الانتفاع بها و كان بقاؤها موجبا للتلف، بيعت الأعيان و صرفت أثمانها في مصالح المسجد أو المشهد الذي وقفت عليه، و

إذا استغنى عن أثمانها صرفت في مصلحة تماثله من مسجد أو مشهد آخر فإذا استغنى عنها صرفت في الأقرب فالأقرب إليه من المصالح.

المسألة 133:

تقدم منا قريبا و في مواضع أخرى أن العين متى تم وقفها و اجتمعت شروط صحة الوقف فيها، لم يجز بيعها و لا المعاوضة عليها بهبة أو صلح أو غيرهما من المعاوضات أو النواقل، و الحكم بذلك اتفاقي

كلمة التقوى، ج 6، ص: 153

لا خلاف فيه، و قد استثني من ذلك عدة موارد يصح فيها بيع العين الموقوفة و المعاوضة عليها.

(المورد الأول): أن يخرب الوقف فلا تبقى له أي منفعة يمكن أن تستوفى الا بإتلاف عينه، كالحيوان الموقوف إذا وقذه المرض حتى أشرف على الموت، أو تردى في بئر أو من شاهق أو أشرف على الهلاك بسبب آخر فاضطر الى ذبحه و بيع لحمه، و كالفراش الموقوف إذا تخرق و تمزق و كالجذع الموقوف إذا بلي، فان العين الموقوفة في هذه الأمثلة و شبهها لا تبقى لها فائدة إلا بأكلها أو جعلها وقودا و إتلاف عينها بذلك، فيبطل وقفها و يصح بيعها و المعاوضة عليها.

المسألة 134:

(المورد الثاني): أن يخرب الوقف حتى يعد بين الناس معدوم الفوائد و المنافع و لا ينافي ذلك أن تبقى له منفعة قليلة لا يعتد أهل العرف بوجودها لقلتها و يحلقونها بالمعدوم، كما إذا جف ماء البستان الموقوف و تقلعت نخيله و يبست أشجاره و لم يمكن تجديده و بقي أرضا يابسة لا فائدة فيها سوى أن تؤجر لبعض الأمور بشي ء زهيد، و الحكم في هذا المورد كما في سابقه هو بطلان الوقف و جواز بيع العين و المعاوضة عليها و كذلك الحكم إذا سقطت العين عن الانتفاع بها أصلا بسبب آخر غير الخراب أو سقطت عن الانتفاع بها حتى أصبحت معدومة المنفعة في نظر أهل العرف و ان بقيت لها

منفعة قليلة تلحق بالمعدوم و كان ذلك بسبب آخر غير الخراب.

المسألة 135:

(المورد الثالث): أن تتجدد أحداث أو تطرأ طوارئ يعلم معها بأن بقاء الوقف يستوجب خراب العين و بقاءها بغير منفعة أصلا فتكون من المورد الأول، أو يعلم معها بأن بقاءه يؤدي الى ذهاب جميع منافع العين التي يعتد بها الناس، و لا تبقى لها إلا منفعة يسيرة يلحقها أهل العرف لقلتها بالمعدوم فتكون من المورد الثاني، أو يظن ظنا يطمئن به عامة العقلاء و يعتمدون عليه بأن بقاء الوقف يؤدي الى أحدهما.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 154

و الحكم في هذا المورد هو أن يؤخر الوقف الى آخر زمان يمكن فيه بقاء الوقف و استيفاء منفعته، فإذا انتهى ذلك جاز بيع الوقف و المعاوضة عليه، و لا يصح بيعه و لا المعاوضة عليه قبل ذلك.

المسألة 136:

(المورد الرابع): أن يقف الرجل العين، و يلاحظ فيها أن يكون لها عنوان خاص يجعله قواما للعين الموقوفة، و للمنفعة المقصودة من وقفها، و يجعل وقفه للعين دائرا مدار وجود ذلك العنوان و بقائه، فيلاحظ أن تكون العين الموقوفة حماما مثلا، و يكون ذلك هو العنوان المقوم لوقف العين بحيث يكون الانتفاع المقصود من الوقف مقيدا بأن يكون من هذا السبيل، أو يلاحظ أن تكون العين دارا للسكنى أو بستانا ينتفع الموقوف عليهم بثماره و نمائه، و نتيجة ذلك أن يكون الوقف مقيدا ببقاء ذلك العنوان الخاص، فإذا زال العنوان و لم يمكن تجديده بطل وقف العين و صح بيعها و المعاوضة عليها و ان وجدت لها منافع أخرى يمكن ان تستوفى بعد زوال العنوان.

المسألة 137:

(المورد الخامس): أن يقف الواقف العين و يشترط في صيغة وقفه أن تباع العين الموقوفة إذا احتاج الموقوف عليهم الى بيع العين، أو إذا قلت المنفعة منها، أو إذا طرأ طارئ معين آخر، فيكون أصل الوقف مقيدا بعدم حدوث ذلك الأمر، فإذا حدث ذلك الشي ء بطل الوقف و صح بيع العين.

المسألة 138:

إذا انهدم المسجد أو هدمه أحد لتجديد عمارته أو إصلاحه جرى في انقاضه و أخشابه و أجزائه الحكم المتقدم، فإن أمكن الانتفاع بنفس الانقاض و الأجزاء في المسجد نفسه وجب ان ترجع اليه و تستدخل في عمارته، و ان لم يمكن ذلك، و أمكن نقلها بأعيانها إلى مسجد آخر و الانتفاع بها في إصلاحه و ترميمه أو تعميره وجب ذلك و تعين، و إذا لم يمكن ذلك جاز بيع الانقاض و الاجزاء و المعاوضة عليها و يصرف ثمنها في حاجات المسجد الأصلي على الأحوط، و إذا استغنى المسجد

كلمة التقوى، ج 6، ص: 155

الأصلي عنه، صرف الثمن في حاجات مسجد غيره، فإذا لم يوجد أو لم يمكن ذلك صرف في الأقرب فالأقرب إليه من المصالح.

المسألة 139:

إذا خرب الوقف و ذهبت جميع منافعه، و أمكن أن يباع بعضه و يعمر الباقي بثمن البعض المبيع لزم ذلك على الأحوط و لا يباع الجميع، و إذا خرب بعض الوقف و كان البعض الآخر محتاجا إلى الإصلاح جاز أن يباع البعض الخرب و يصرف ثمنه في إصلاح البعض الآخر.

المسألة 140:

إذا طرأ أحد مسوغات بيع الوقف المتقدم بيانها، و أريد بيعه، رجع في ذلك الى الحاكم الشرعي فيكون هو أو وكيله المتولي لبيعه، و هذا في جميع الأعيان الموقوفة التي يجوز بيعها، نعم، إذا كان الوقف على اشخاص معينين كالوقف على الذرية أو على زيد و ذريته، و أريد بيعه فالأحوط أن يرجع فيه الى الحاكم الشرعي و الموقوف عليهم معا.

المسألة 141:

إذا بيع الوقف، فالأحوط لزوما أن يشتري بثمنه ملكا و يجعله وقفا على نهج الوقف الأول المبيع.

المسألة 142:

قد يلاحظ الإنسان في وقفه للعين أنه يسبل المنفعة المقصودة بذاتها للأشخاص أو العنوان أو الجهة الموقوف عليها على نحو تمليك المنفعة أو على نحو صرف المنفعة عليها من غير تمليك كما إذا وقف ضيعته أو بستانه أو بنايته على الذرية أو على العلماء أو على السادة مثلا، أو وقفها على المسجد أو المشهد أو المأتم، و يسمى هذا القسم، وقف منفعة، و قد يلاحظ أنه يسبل الانتفاع بالمنفعة المقصودة، كما إذا وقف الدار لسكنى ذريته فيها و وقف الشارع و القنطرة لمرور المارين و العابرين و وقف المدرسة لسكنى طلاب العلم فيها، و وقف الخان لنزول المسافرين، و يسمى هذا القسم وقف انتفاع.

و لا ينبغي الريب في أن ما يوقف من الأشياء وقف منفعة تجوز إجارته، سواء كان وقفا عاما أم خاصا و سواء كان على أشخاص أم على عنوان

كلمة التقوى، ج 6، ص: 156

أم على مصلحة، فإن المقصود أن تصل المنفعة إلى الموقوف عليه ليستوفيها أو يستوفى بدلها، و اما ما كان وقفه وقف انتفاع كما في الأمثلة المتقدم ذكرها، فلا تجوز إجارتها فلا تصح للذرية اجارة الدار الموقوفة لسكناهم فيها، و لا تصح للطلاب اجارة المدرسة الموقوفة لسكناهم و دراستهم فيها، و لا للعابرين و المارين اجارة الشارع و القنطرة.

المسألة 143:

إذا كانت العين موقوفة على الذرية أو على غيرهم وقفا مرتبا، فآجرها البطن الأول من الموقوف عليهم مدة معينة، ثم انقرض البطن الأول قبل أن تنقضي مدة الإجارة، بطلت الإجارة في بقية المدة، فإذا أراد البطن الثاني إبقاء الإجارة، فلا بد له من إنشاء اجارة جديدة على الأحوط و لا يكفي أن يجيزوا الإجارة الأولى لأنهم لم يكونوا مالكين في حال

الإجارة.

و كذلك الحكم إذا كان وقف العين على نحو التشريك، و آجرها الموجودون من الموقوف عليهم مدة، ثم ولد من يشاركهم في منفعة الوقف، فلا تصح الإجارة الأولى في حصة المولود الجديد، و لا بد من الإجارة لحصته بعد أن يولد على الأحوط، و لا تكفي إجازة الإجارة الأولى، لأن المجيز لم يكن مالكا حين الإجارة.

المسألة 144:

إذا آجر المتولي العين الموقوفة مدة معينة، و كانت إجارته لمصلحة الوقف، ثم انقرض البطن الأول جميعهم قبل أن ينقضي مدة الإجارة نفذت اجارة المتولي على البطن الثاني و استحقوا حصتهم من الأجرة، و كذلك إذا كانت إجارة المتولي لمصلحة البطون و كانت ولايته شاملة لهم فتصح إجارته في الجميع و يستحق البطن الثاني حصته من الأجرة.

و كذلك الحكم إذا كان الوقف على نحو التشريك، و آجر المتولي العين ثم ولد من يشارك السابقين في الوقف عليهم، فتصح اجارة المتولي في الصورتين المذكورتين، و يستحق المولود الجديد حصته من مال الأجرة.

المسألة 145:

يجوز للرجل أن يقف البستان أو الضيعة و يستثني لنفسه منها نخلة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 157

معينة أو شجرة معينة أو أكثر، فيكون المستثنى ملكا للواقف و لا يدخل في الوقف، و يجوز له إبقاؤها في الأرض، و يصح له الدخول إليها و الخروج عنها بمقدار ما يحتاج إليه في صلاح ملكه و الانتفاع به و لا يحق للموقوف عليه قلعها.

و إذا انقلعت شجرة الواقف أو نخلته المستثناة فلا حق له في مكانها من الأرض فلا يجوز له أن يغرس فيه نخلة أو شجرة أخرى بدلها.

و يجوز له أن يقف الدار و يستثني لنفسه غرفة معينة منها، فيصح له الدخول إليها و الخروج منها متى أراد، و تكون أرض الغرفة ملكا له، فإذا انهدمت الغرفة بقيت أرضها ملكا له، فيصح له البناء فيها.

المسألة 146:

ما يخرج من الفسيل في النخيل أو الأرض الموقوفة بعد وقفها لا يدخل في الوقف، بل يكون من منافعه و نمائه، فإذا نمى الفسيل في موضعه و صار نخلا أو قلع و غرس في موضع آخر من الأرض الموقوفة حتى أصبح نخلا لم يمكن وقفا بل يكون ذلك النخل و ثمره من نماء الوقف، و نتيجة لذلك فيصح بيعه و المعاوضة عليه و يصرف ثمنه على الأشخاص الموقوف عليهم و في الجهة الموقوف عليها.

و كذلك الحكم في الأغصان التي تقطع من الشجر لإصلاحه، فإذا غرست و نمت و أصبحت شجرا مثمرا لم تكن من الوقف بل تكون من نمائه، فيجوز بيعها كما تباع منافع الوقف الأخرى و يصرف ثمنها في مصارف منفعة الوقف، و اما فسيل النخيل و ودي الأشجار الصغيرة الموجودة في حين إنشاء الوقف فهي داخلة في الوقف فتجري

فيها أحكام العين الموقوفة، فلا يجوز بيعها و المعاوضة عليها إلا إذا جاز بيع الوقف لأحد المسوغات الآنف ذكرها.

المسألة 147:

إذا وقف المالك حصته من العين المشتركة بينه و بين صاحبه صح وقفه، فإذا قبض الموقوف عليه الحصة الموقوفة تم وقفها و نفذ، و كذلك إذا وقف المالك حصة معلومة من العين التي يملك جميعها كما إذا وقف نصف داره أو نصف ضيعته فيصح الوقف، و تكون العين مشتركة بين

كلمة التقوى، ج 6، ص: 158

الوقف و الملك الطلق، و تصح القسمة بتمييز أحدهما عن الآخر، و يتبع الطريق الذي ذكرناه في فصل القسمة من كتاب الشركة، و يتولى القسمة بينهما متولي الوقف و مالك الحصة المملوكة، و إذا لم يكن للوقف متول مخصوص تولاها الحاكم الشرعي أو منصوبه، و الأحوط أن يشترك الحاكم الشرعي مع الموقوف عليهم في تولي القسمة.

و تصح قسمة العين المشتركة بين وقفين، سواء كان الواقف واحدا أم متعددا، و مثال الأول أن تكون الضيعة مشتركة بين زيد و عمرو على سبيل الإشاعة بينهما، فيقف كل واحد منهما حصته من الضيعة على أولاده، و مثال الثاني أن تكون الضيعة كلها مملوكة لزيد، فيقف نصفها المشاع على الفقراء و يقف نصفها الآخر على اليتامى.

و اما قسمة الوقف الواحد على الموقوف عليهم إذا تعددوا، فيشكل الحكم بصحتها، و خصوصا إذا كانوا بطونا مترتبين.

المسألة 148:

إذا شرط الواقف في صيغة الوقف شرطا و كان الشرط صحيحا مشروعا، وجب العمل به، فإذا شرط على الموقوف عليه أن يتصدق في كل شهر بمقدار معين مثلا أو أن يطعم عددا معلوما من المؤمنين لزمه ذلك، و إذا شرط عليه أن لا يؤجر العين أكثر من سنة لم تجز له المخالفة.

المسألة 149:

يثبت كون العين موقوفة بالشياع إذا أفاد العلم أو أفاد الاطمئنان بذلك، و يثبت بالبينة الشرعية، و بإقرار صاحب اليد على العين بأنه وقفها، و بإقرار ورثته من بعده جميعا بأن مورثهم قد وقف العين، و إذا أقر بعضهم دون بعض ثبت الوقف في حصة المقر، و ثبت كذلك في حصة الآخرين من الورثة إذا توفرت في المقر شروط البينة الشرعية، فإذا لم تتوفر فيه شروطها لم ينفذ إقراره في حقهم، و هذا إذا لم يكن الورثة أصحاب يد بالفعل على العين الموقوفة.

المسألة 150:

يقبل اخبار صاحب اليد على العين بأصل الوقف كما ذكرنا، و يقبل اخباره بالخصوصيات التي يكون عليها الوقف، فإذا أخبر بأن الوقف

كلمة التقوى، ج 6، ص: 159

ترتيبي أو تشريكي، أو بأنه على الذكور و الإناث أو على الذكور فقط، أو بأنه على وجه التساوي بين الموقوف عليهم أو على وجه الاختلاف في الحصص بينهم، قبل قوله و نفذ.

و يقبل اخبار صاحب اليد أيضا إذا كان اخباره بفعله لا بقوله، و مثال ذلك: ان تكون العين تحت يده و هو يتصرف فيها و يعاملها معاملة العين الموقوفة من غير معارض، فيثبت الوقف بهذا الاخبار و كذلك إذا كان يتصرف في العين على نهج الوقف الترتيبي أو التشريكي بين الطبقات أو على الذكور و الإناث معا أو على الذكور خاصة، و على وجه التساوي في الحصص أو الاختلاف فيها فيقبل خبره الفعلي بذلك إذا لم يعارضه اخبار بعض أصحاب اليد معه فيتصرف بخلافه.

المسألة 151:

لا يحكم بثبوت الوقف على الكتاب أو المصحف أو الإناء بمجرد وجود كتابة عليه انه وقف ما لم تقم معها قرينة تورث العلم أو الاطمئنان بتحقق وقفه، فلعل المالك كتب ذلك ليقف الشي ء ثم عدل قبل الوقف، فإذا كان الكتاب أو المصحف أو الإناء بيد شخص و هو يدعي ملكيته جاز الشراء منه إذا لم يعلم أو يطمئن بثبوت الوقف من بعض القرائن الحافة به.

و كذلك إذا ظهرت ورقة كتب عليها ان زيدا وقف داره المعلومة أو بستانه المعين لم يثبت الوقف بمجرد ذلك ما لم يقترن بأمارات أو عبارات تدل على الاعتراف بوقوع الوقف منه مع توقيعه عليه أو شهادات موثوقين بذلك، و لا يكفي مجرد كون الورقة بخطه، فلعله كتبها قبل

الوقف ثم عدل عنه كما قلنا.

المسألة 152:

إذا كانت في يد الإنسان ضيعة أو عين أخرى و هو يتصرف في العين على انها ملكه حكم بأنها ملكه كذلك و ترتبت عليها آثار الملك شرعا و أجاز شراؤها منه و شراء ثمارها و استئجارها و ان علم بأن العين في السابق كانت وقفا أو ثبت ذلك بالبينة، لاحتمال عروض بعض مسوغات بيع الوقف فبيعت العين على ذلك الشخص أو على مورثه، فيحكم

كلمة التقوى، ج 6، ص: 160

بأن العين ملكه بمقتضى يده و لا تنتزع من يده إلا إذا ثبت أنها وقف بالفعل.

و إذا ادعى أحد أن هذه العين كانت وقفا على آبائه نسلا بعد نسل، فأقر الإنسان الذي هي في يده بأنها كانت وقفا ثم طرأ أحد مسوغات البيع، فبيعت عليه، أخذ بإقراره بأنها كانت وقفا، و انتزعت العين من يده حتى يثبت كلا الأمرين اللذين ادعاهما، و هما عروض أحد المسوغات للبيع و شراؤه للعين.

المسألة 153:

قد يقف الإنسان داره أو بستانه أو ضيعته من أجل أن يتحقق له غرض خاص يرغب في حصوله، و قد جعل وقف العين وسيلة لتحقق تلك الرغبة، و لا تتوقف صحة الوقف على حصول الرغبة التي أرادها، فإذا وقف العين و لم يحصل الغرض لم يبطل الوقف.

و مثال ذلك أن تكون للرجل رغبة ملحة في أن يستعين أولاده على طلب العلم بتهيئة موضع السكنى لهم أو بتوفير سبب المعيشة في حياتهم فيقف عليهم الدار ليسكنوها و الضيعة لينتفعوا بها، أو أن يتخلصوا بذلك من بعض النزاعات، فإذا لم تحصل له تلك الرغبة لم يبطل الوقف، و هذا الحكم عام في جميع المعاملات، فلا يبطل العقد أو الإيقاع إذا تخلفت الرغبة التي أرادها من إنشاء تلك المعاملات،

فلم يحصل له الربح من ذلك البيع أو الشراء و لم تحصل الغاية المبتغاة من ذلك التزويج.

المسألة 154:

لا تجب الزكاة في العين الموقوفة إذا كانت من الأعيان الزكوية، فلا زكاة فيها على الواقف لخروجها عن ملكه، و لا على الموقوف عليهم و ان قيل بملكهم للعين، و بلغت مقدار النصاب، و لا تجب الزكاة في منفعة العين إذا كان الوقف على نحو صرف المنفعة على الموقوف عليهم من غير تمليك، كما إذا وقف الضيعة على إطعام أولاده أو على كسوتهم أو تزويجهم، أو على إطعام الفقراء، فلا تجب الزكاة لعدم الملك كما ذكرنا و ان بلغت حصة الفرد منهم مقدار النصاب.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 161

و إذا كان الوقف على أشخاص الموقوف عليهم بنحو تمليك المنفعة لهم و كانت المنفعة من الأعيان الزكوية كالتمر و الزبيب، وجبت الزكاة على من تبلغ حصته منهم مقدار النصاب أو تزيد عليه.

و إذا كان الوقف على عنوان عام للأفراد بنحو تمليك المنفعة، كما إذا وقف البستان على الفقراء، لم تجب الزكاة أيضا إذا كان قبض الفرد لحصته بعد وقت تعلق الزكاة بالغلة، لعدم الملك، فان الفرد لا يملك الحصة من المنفعة حتى يقبضها، فإذا قبضها بعد الوقت لم تجب عليه الزكاة.

نعم إذا أعطى الولي الفرد الفقير مقدارا من منفعة الوقف قبل زمان تعلق الزكاة بها و بقيت في ملكه حتى حل الوقت وجبت الزكاة في حصته، إذا بلغت حد النصاب، و قد ذكرنا في المسألة الحادية و الثمانين من كتاب الزكاة في هذه الرسالة وقت تعلق الزكاة بالغلة فلتراجع.

المسألة 155:

تعارف بين الناس أن يجمعوا المال من الأفراد المتبرعين لإقامة بعض الشعائر المطلوبة فيجمع أهل البلد أو القرية الأموال منهم لإقامة مأتم الحسين (ع) في بلدهم أو في قريتهم، و يجمعها صنف خاص من العمال أو من

القبائل لإقامة مأتم لهم، أو لإطعام الطعام في أيام معلومة بمناسبة معلومة، و يجمعونها كذلك ليذهبوا مجتمعين الى كربلاء لزيارة الحسين (ع) في الأربعين و اقامة المأتم و العزاء فيها، و يجمعونها ليذهبوا مجتمعين الى زيارات أخرى و يقيموا العزاء و الإطعام بمناسبات أخرى، و هي على الأقوى: نوع خاص من الصدقات و البذل في قربات خاصة يشترط صرفه في تلك الجهات المعينة.

و نتيجة لذلك فلا يبقى المال بعد دفعه بهذا القصد ملكا لصاحبه و لا تترتب عليه آثار ملكه، فلا يحق لصاحبه الذي بذله للجهة أن يرجع به الا إذا شرط ذلك فترك الاشتراك في المشروع، و لا يرثه وارثه إذا مات قبل أن يصرف المال، و لا يحل لدائنه أن يأخذ المال وفاء لدينه.

و إذا اجتمع المال و لم يمكن صرفه في الجهة المشترطة أو زاد على المقدار المحتاج الى صرفه، فإن أمكن تأخيره مدة و صرفه في الجهة المعينة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 162

لزم ذلك، و ان تعذر ذلك أو لم يمكن حفظ المال، صرف على الأحوط في ما هو أقرب فأقرب إلى تلك الجهة المشترطة.

المسألة 156:

إذا دفع المالك المال الى الشخص الذي يتولى جمع المال من المتبرعين للمناسبة المتقدم ذكرها، و ظهر من القرائن أنه انما يدفع المال أمانة بيد الشخص، الآخذ و يراه وكيلا عنه في صرف المال في الجهة المعلومة، لم يخرج المال عن ملك صاحبه بهذا الدفع، فيجوز له أن يسترد المال قبل صرفه و إذا مات المالك قبل صرفه رجع ميراثا لوارثه، و لدائنه ان يرجع على الآخذ فيأخذ المال وفاء لدينه إذا فلس أو مات و قصرت تركته عن ديونه، و إذا تعذر صرف المال

في الجهة المعينة وجب على الآخذ مراجعته في صرف المال، و كذلك الحكم إذا احتمل انه انما دفع المال كذلك و لم تدل القرائن على شي ء.

المسألة 157:

قد تجمع الأموال من المتبرعين بها لبناء مسجد، أو لبناء حسينية، أو لإقامة مشروع ديني آخر، و الحكم في المال المجتمع نظير ما تقدم، فهو نوع خاص من الصدقات و القربات الخاصة، و لا بد بعد جمعه من صرفه في الجهة المعينة التي بذل لها، الى آخر ما ذكرناه في المسألتين المتقدمتين و إذا قام الآخذ ببناء المسجد و إنشاء وقفه، أو ببناء الحسينية و إنشاء وقفها بالأموال المتبرع بها صح وقفها على النهج الذي قام به و جمع المال من أجله، فان المتبرعين قد فوضوا الأمر إليه في ذلك، و إذا زاد المال المتبرع به عن بناء المسجد و أراد المتولي للصرف أن يبني به مرافق للمسجد مثلا و مواضع للتطهير و نحو ذلك مما يحتاج المسجد اليه جاز له ذلك إذا كان المتبرعون قد فوضوا له الأمر أو كان ذلك هو الأقرب الى الجهة المتبرع لها، و كذلك إذا زاد المال المجتمع عن بناء الحسينية، فأراد أن ينشئ لها مرافق و موضعا للطبخ، و مخزنا لحفظ الأثاث و الأدوات و الفرش و نحو ذلك.

المسألة 158:

إذا دفع بعض المشتركين في جمع المال لبناء المسجد شيئا من الزكاة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 163

من سهم سبيل اللّه، فعليه أن يعلم آخذ المال بذلك ليضعه في الموضع الذي يصح وضعه فيه، و على الآخذ أن يرجع في ذلك الى أهل المعرفة ليضع الأمور في مواردها، و إذا أراد ان يدفع شيئا من حق الامام (ع) فعليه أن يستعلم عن فتوى مقلده في ذلك و يستأذن فيه إذا كان محتاجا الى الاذن، و عليه أن يعلم آخذ المال بذلك ليضع كل شي ء في موضعه الصحيح.

الفصل السابع في الحبس و أخواته

المسألة 159:

الفارق الأساس بين الوقف و الحبس ان وقف العين يوجب زوال ملك المالك عنها في جميع أقسام الوقف سواء كان وقفا على جهة عامة أو خاصة أم كان وقفا على عنوان كذلك أم كان وقفا على اشخاص، كما ذكرنا في المسألة المائة و الثالثة عشرة، على اشكال في الوقف إذا كان منقطع الأخير، و أن حبس العين لا يوجب زوال الملك عنها، و انما يوجب لزوم صرف نماء العين و منافعها على الناحية التي ذكرها الحابس و على الوجه الخاص أو العام الذي عينه في إنشائه.

المسألة 160:

يصح الحبس على كل ما يصح الوقف عليه و يمنع عن كل ما يمنع الوقف عليه، و تجري فيه اقسامه المتقدم ذكرها، فقد يكون الحبس على جهة من الجهات، فيحبس الرجل ملكه على مسجد أو على مشهد أو على حسينية أو مدرسة، و قد يكون على عنوان من العناوين، فيحبس ملكه على العلماء أو على الطلاب أو على الفقراء أو اليتامى، و قد يكون على اشخاص معينين فيحبس الملك على ولده علي أو على أخيه زيد و ذريته، و نحو ذلك مما يجري في الوقف.

المسألة 161:

يعتبر في التحبيس قبض العين المحبوسة، و يعتبر كذلك أن يقصد الحابس القربة بحبسه للعين، و هل الشرطان المذكوران شرطان في صحة التحبيس أم هما شرطان في لزومه، لا يبعد الثاني، و ان كان الأحوط

كلمة التقوى، ج 6، ص: 164

الأول، فلا ينبغي تركهما، فإذا لم يحصل القبض حتى مات المالك أشكل الحكم بصحة الحبس.

المسألة 162:

إذا حبس الرجل بعض ما يملكه على سبيل معين من سبل الخير، أو على موقع من مواقع العبادات كالكعبة المعظمة أو أحد المشاهد المشرفة أو أحد المساجد، أو على مطلق سبيل اللّه، على ان تصرف منافع العين على تلك الجهة، فقد يطلق الحابس إنشاءه، فلا يقيده بدوام و لا بمدة معينة فيكون حبسه لازما، فلا يجوز له الرجوع فيه ما دامت العين موجودة، و كذلك إذا قيد إنشاء حبسه بالدوام، فلا يجوز له الرجوع فيه، و لا يرث المنفعة وارثه إذا مات، و إذا حبس ملكه على الجهة مدة معينة كان حبسه لازما في تلك المدة، فلا يجوز له الرجوع فيها، فإذا انتهت المدة انتهى تحبيس المال و رجع الى المالك إذا كان موجودا و الى وارثه إذا كان ميتا.

المسألة 163:

إذا حبس الرجل بعض ما يملكه على شخص معين أو على عدة أشخاص مدة معلومة و قصد الحابس القربة و تحقق القبض كما ذكرنا كان الحبس لازما في المدة المعلومة، فلا يجوز للحابس الرجوع في حبسه ما دامت المدة، فإذا انقضت رجع المال الى المالك إذا كان حيا، و الى وارثه إذا كان ميتا، و إذا مات الحابس قبل ان تنقضي المدة لم ينته الحبس بموته، بل يبقى حتى تنتهي المدة، ثم يعود بعدها ميراثا، و كذلك إذا حبس ملكه على الشخص مدة حياة ذلك الشخص، فيجري فيه الحكم على التفصيل الآنف ذكره.

و إذا حبس الرجل ملكه على شخص مدة حياة الحابس نفسه لم يجز الرجوع به في حياة الحابس، فإذا مات رجع بعده ميراثا.

و كذلك إذا حبس ملكه على شخص و لم يذكر للتحبيس مدة معلومة و لا حدده بحياة أحدهما، كان الحبس لازما

الى موت الحابس، فإذا مات رجع بعد موته ميراثا، و لا يبطل بموت الشخص المحبس عليه و تنتقل المنفعة بعده الى ورثته.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 165

المسألة 164:

إذا حبس الرجل ملكه على أحد العناوين مدة معينة فقال: حبست داري على اليتامى أو على المساكين مدة عشر سنين، كان الحبس لازما في المدة المعينة، فلا يجوز للحابس الرجوع فيها، و إذا أطلق الحبس و لم يعين له مدة كان الحبس لازما ما دام الحابس حيا، فإذا مات رجع ميراثا.

المسألة 165:

إذا حبس الإنسان العين المملوكة له على أن تصرف منفعتها في جهة معينة كان ذلك إيقاعا كما هو الشأن في الوقف، فيكفي في تحققه إنشاء الإيجاب من المالك و لا يحتاج الى قبول، و إذا حبس العين على شخص أو على أشخاص معينين، ففي اعتبار القبول في صحته تأمل، و ان كان اعتباره أحوط فلا يترك الإتيان به، و يكفي فيه اي لفظ يدل على الرضا بالتحبيس عليه.

المسألة 166:

تلحق بالحبس أمور ثلاثة: (السكنى) و (العمرى) و (الرقبى)، و هي من العقود فلا بد في كل واحد منها من الإيجاب و القبول، و لا بد في كل واحد منها من أن تجتمع فيه شروط العقد و شروط المتعاقدين و قد ذكرناها مفصلة في كتاب التجارة فليرجع إلى المسائل المتعلقة بذلك من الكتاب المذكور.

المسألة 167:

يختص عقد (السكنى) بالمساكن و لا يجري في غيرها من الأعيان المملوكة، فإذا سلط المالك أحد على سكنى داره أو سكنى شقة من شقق عمارته مع بقاء العين على ملك المالك سمي ذلك (سكنى) و يقع الإيجاب في عقد السكنى بكل لفظ يدل على تسليط الساكن على سكنى المنزل المعين، فيقول المالك له: أسكنتك داري المعلومة أو شقتي المعينة، أو جعلت لك سكناها، و نحو ذلك مما يقع به الإنشاء المقصود، و يحصل القبول بأي لفظ يدل على رضا الساكن بالإيجاب المذكور فيقول: قبلت أو رضيت أو نحوهما.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 166

المسألة 168:

إذا أسكن المالك أحدا داره، فقد يعين للاسكان مدة محددة فيقول له أسكنتك داري مدة خمس سنين، و قد يسكنه إياها مدة عمر الساكن نفسه، فيقول له: أسكنتك الدار مدة عمرك أو مدة حياتك، أو ما حييت، أو نحو ذلك، و قد يسكنه إياها مدة عمر المالك فيقول له أسكنتك الدار مدة حياتي أو مدة عمري أو ما بقيت حيا أو نحو ذلك، و قد يطلق المالك الإسكان فلا يذكر له مدة معينة و لا يقيده بعمر المالك و لا بعمر الساكن.

المسألة 169:

يعتبر في السكنى و في العمرى و الرقبى أن يقبض الساكن العين على الأحوط كما تقدم في الحبس، فإذا لم يحصل القبض حتى مات المالك ففي صحة العقد إشكال.

المسألة 170:

إذا أسكن المالك شخصا داره مدة معينة كما إذا أسكنه الدار مدة خمس سنين سميت سكنى كما تقدم و سميت رقبى أيضا، فيصح أن ينشئ الإيجاب بقوله أرقبتك الدار مدة خمس سنين، فإذا تم الإيجاب و القبول بأحد النحوين المذكورين و حصل القبض لزم العقد، فلا يجوز للمالك الرجوع في إسكانه ما دامت المدة المضروبة، و لا يحق له ان يخرج الساكن من الدار قبل ان تنتهي المدة، و إذا انقضت رجع المسكن الى المالك إذا كان موجودا و الى وارثه إذا كان ميتا.

المسألة 171:

إذا اسكن المالك الشخص منزله مدة عمر الساكن أو مدة عمر المالك، و أجرى العقد على ذلك سميت سكنى كما تقدم، و سميت عمري أيضا، فيصح له أن ينشئ العقد بقوله: أعمرتك الدار مدة حياتك أو مدة حياتي، فإذا تم الإيجاب و القبول بين المالك و الساكن على أحد الوجهين، و حصل القبض من الساكن لزم العقد، فلا يجوز للمالك ان يرجع بإسكانه أو إعماره ما دامت حياة أحدهما الذي قدرت العمرى

كلمة التقوى، ج 6، ص: 167

بمدة حياته، فإذا انتهت المدة المضروبة رجع المسكن الى المالك أو الى وارثه.

المسألة 172:

إذا كان اعمار الدار مقدرا بمدة عمر المالك فمات الساكن في حياة المالك، فان كان المالك قد جعل للساكن في عقد العمرى مجرد الانتفاع بالسكنى له و لتوابعه مدة عمر المالك، لم تنتقل السكنى إلى ورثة الساكن بعد موته بل ترجع الى المالك، و ان كان المالك قد جعل للساكن في العقد تمليك السكنى ما دام المالك حيا، انتقلت السكنى بعد موت الساكن الى ورثته فيملكونها ما دام المالك حيا، و إذا مات المالك رجعت الى ورثته.

و كذلك الحكم في إسكان الدار مدة معينة الذي ذكرناه في المسألة المائة و السبعين إذا مات الساكن في المدة، فتنتقل السكنى الى ورثته في الفرض الثاني، و ترجع الى المالك في الفرض الأول.

المسألة 173:

إذا قال المالك لأحد: أسكنتك هذه الدار لك و لعقبك من بعدك، و قبل الرجل، و قبض الدار لزم العقد و لم يجز للمالك و لا لورثته الرجوع في العقد ما دام الساكن موجودا و ما دام عقبه، فإذا انقرض و انقرض عقبه رجعت الدار الى المالك و الى ورثته إذا كان ميتا.

المسألة 174:

إذا أسكن المالك الشخص و أطلق عقد السكنى، و لم يعين له مدة معلومة، و لا قيده بعمر الساكن و لا بعمر المالك، و حصل القبول و القبض من الساكن لزم العقد، و وجبت له السكنى بما يتحقق معه مسمى الإسكان و لو مدة يسيرة، و جاز للمالك بعد ذلك ان يرجع بالسكنى و يأمره بالخروج في أي وقت أراد.

المسألة 175:

إذا ثبت للساكن أو لورثته حق السكنى في المنزل بعد موت المالك في المواضع التي ذكرناها في ما سبق، لم يجز لورثة المالك إخراجهم من المنزل الى ان تنتهي المدة المحددة لسكناهم.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 168

المسألة 176:

إذا أطلق المالك عقد السكنى جاز للساكن ان يسكن في الدار هو و أهله و أولاده و خدمه و ضيوفه و من جرت العادة بأن يسكن معه، و الحيوان و الدابة التابعة له إذا كان في المنزل موضع معد لذلك، و يصح له أن يقتني ما جرت العادة لمثله باقتنائه من أثاث و أمتعة و غلات و أدوات و نحوها مما يعد من شؤونه و توابعه.

المسألة 177:

لا يجوز على الأحوط للساكن أن يؤجر الدار الذي استحق السكنى فيها بعقد السكنى أو العمرى أو الرقبى، أو أن يعيرها لغيره أو يهب له سكناها أو يصالحه عليها، على تأمل في ذلك و لكنه احتياط لا يترك.

المسألة 178:

لا تخرج العين المحبوسة و لا الدار المعقود عليها بعقد السكنى أو العمرى أو الرقبى عن ملك مالكها، فيجوز للمالك بيع العين، و لا يبطل ببيعها عقد السكنى و لا العمرى و الرقبى، فيبقى للساكن حق السكنى فيها على الوجه الذي جعله المالك له في العقد، و تنتقل العين إلى المشتري مسلوبة المنفعة، مدة العقد المجعول، و لا يجوز للمشتري ابطال العقود التي أجراها المالك، و إذا كان المشتري جاهلا بوجود العقد عليها ثبت له الخيار بين ان يفسخ البيع و أن يمضيه بجميع الثمن.

و تستثنى من ذلك صورة واحدة، و هي ما إذا كانت السكنى مطلقة غير موقتة بمدة و لا بعمر أحدهما و تحقق مسمى الإسكان، فإذا باع المالك العين بقصد فسخ السكنى صح البيع و انفسخ عقد السكنى بذلك.

المسألة 179:

يجري عقد العمرى في غير المساكن من الأعيان المملوكة كالعقار و الأثاث و الحيوان، فكلما يصح وقفه يصح إعماره و تجري فيه أحكام العمرى الآنف ذكرها، و اما عقد الرقبى ففي جريانه في غير المساكن اشكال، فالأحوط ان لم يكن الأقوى إلحاقه بالسكنى، فلا يجري بغير المساكن.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 169

الفصل الثامن في الصدقة

المسألة 180:

توفرت الأدلة بل تواترت، و تآزرت في الدلالة على استحباب الصدقة، و تنوعت ألسنتها في الترغيب فيها و الحث عليها، (فإن الصدقة تقضي الدين و تخلف بالبركة)، كما يقول الإمام أبو عبد اللّه جعفر بن محمد (ع)، و عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (ع): (البر و الصدقة ينفيان الفقر و يزيدان في العمر، و يدفعان عن صاحبهما سبعين ميتة السوء)، و عن أبي عبد اللّه (ع) (ان لكل شي ء مفتاحا و مفتاح الرزق الصدقة)، و عن أمير المؤمنين (ع): (إذا أملقتم فتاجروا اللّه بالصدقة)، و عن أبي جعفر (ع) في قول اللّه عز و جل (فَأَمّٰا مَنْ أَعْطىٰ وَ اتَّقىٰ وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنىٰ)، قال (ع): (و ان اللّه يعطي بالواحدة عشرة إلى مائة ألف فما زاد).

و عن النبي (ص): (بكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها)، و في وصيته (ص) لعلي (ع): (يا على الصدقة ترد القضاء الذي أبرم إبراما، يا علي صلة الرحم تزيد في العمر، يا علي لا صدقة و ذو رحم محتاج، يا علي لا خير في القول الا مع الفعل، و لا في الصدقة إلا مع النية)، و عن أمير المؤمنين (ع): (الصدقة جنة من النار)، و عن أبي عبد اللّه (ع): (صدقة العلانية تدفع سبعين نوعا من أنواع البلاء، و صدقة السر تطفئ غضب الرب)، و عنه

(ع): (قال سئل رسول اللّه (ص): أي الصدقة أفضل؟ قال (ص) على ذي الرحم الكاشح)، و المراد به المعادي، و عن أبي عبد اللّه (ع): (لو جرى المعروف على ثمانين كفا لأوجروا كلهم، من غير أن ينقص صاحبه من اجره شيئا).

و يتأكد استحباب الصدقة و يتضاعف أجرها في بعض الأوقات من الأيام المخصوصة كيوم الجمعة و يوم عرفة و أيام الأعياد و شهر رمضان و بعض الأيام و الأشهر الأخرى، و يتأكد استحبابها على الجيران و الأرحام

كلمة التقوى، ج 6، ص: 170

و بعض الأشخاص و الأصناف ممن تكون لهم خصائص تفضلهم على غيرهم من التقوى و العلم و شرف النسبة إلى الرسول (ص) و الفضائل الأخرى.

المسألة 181:

الأقوى الذي تدل عليه ظواهر الأدلة ان الصدقة هي الإحسان بالمال على وجه القربة، و هي تختلف باختلاف مواردها، فقد يكون الإحسان بتمليك المال للمستحق، بهبة أو صلح على وجه القربة فيكون عقدا يفتقر إلى إيجاب و قبول، و يكون ذلك مصداقا من مصاديق الصدقة، و قد يكون الإحسان بوقف العين على المستحق على وجه القربة فيكون من الإيقاع المفتقر إلى الإيجاب وحده، و قد يكون الإحسان بإبراء ذمة المدين المستحق مما عليه من دين و نحوه، فيكتفى فيه بالإيجاب الدال على ذلك، فيقول الدائن: أبرأت ذمة زيد من الدين قربة الى اللّه، و قد يكون الإحسان بدفع شي ء من المال قليل أو كثير للمستحق قربة الى اللّه فيكون من المعاطاة فيها، و قد يكون الإحسان ببذل المال له من مأكول أو ملبوس أو غيرهما قربة الى اللّه، فيكفي فيه الاذن بالتصرف في المال المبذول، و هو في جميع هذه الموارد صدقة و إحسان على وجه القربة تشمله

الأدلة و يتناوله الحث البالغ الذي طفحت به الأدلة و استفاضت و تواترت به النصوص.

المسألة 182:

و قد استبان مما ذكرناه أن الصدقة تختلف كذلك بحسب اختلاف مواردها في اشتراط القبض فيها و عدم اشتراطه، فيشترط فيها القبض إذا كانت عقد هبة أو وقفا أو صلحا على عين مملوكة أو معاطاة بمال و نحوه على وجه القربة، فإن صحة هذه المعاملات مشروطة بالقبض و لا يشترط فيها القبض إذا كانت إبراء لذمة المستحق أو بذل مال له و نحو ذلك.

المسألة 183:

إذا تحققت الصدقة في مورد من مواردها و تحقق قصد القربة و تم ما يعتبر في موردها من عقد أو إيقاع و قبض أو غير ذلك كانت لازمة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 171

لا يجوز الرجوع بها و ان كانت هبة لأجنبي على الأصح، إذا قصد الواهب بها القربة كما هو الشرط في الصدقة.

المسألة 184:

و قد ظهر مما ذكرناه أيضا أن الفارق الأساس بين الصدقة و غيرها مما يتحقق في مواردها هو قصد القربة، فإذا وهب الرجل أو صالح أو أبرأ أو وقف أو أعطى و لم يقصد بفعله التقرب الى اللّه كانت المعاملة هبة و صلحا و إبراء و وقفا و عطية و لم تكن صدقة، و إذا قصد بعمله القربة تحققت المعاملات المذكورة و كانت صدقة أيضا.

المسألة 185:

إذا كان المتصدق هاشميا حلت صدقته لغيره، سواء كان هاشميا أم غير هاشمي، و سواء كانت صدقته زكاة مال أم زكاة فطرة، أم صدقة أخرى واجبة أم مندوبة و تبرأ ذمة المتصدق بأخذه لها مع اجتماع بقية الشرائط فيه.

و يحرم على الهاشمي أن يأخذ زكاة المال أو زكاة الفطرة من غير الهاشمي، و إذا أخذها لم تحل للآخذ و لم تبرأ ذمة الدافع، و يجوز للهاشمي على الأقوى أن يأخذ من غير الهاشمي صدقاته الأخرى سواء كانت واجبة كفدية الصوم، و الكفارات و رد المظالم و ما اشتغلت به الذمة من مجهول المالك و شبهه، أم كانت مندوبة، فيجوز له أخذها من غير الهاشمي، و ان كان الأحوط له استحبابا الاجتناب عن الواجبات منها.

و في جواز أخذه للصدقات اليسيرة التي يقصد بها دفع البلاء و شبه ذلك مما يكون من مراسم الذل و الهوان عادة اشكال، فالأحوط لزوما للهاشمي الاجتناب عنها، بل الأحوط للمتصدق عدم دفعها له.

المسألة 186:

يجوز دفع الصدقة المندوبة للفقير و الغني و للمؤمن و المخالف إذا لم يكن ناصبيا، و للكافر إذا كان ذميا، و لا يجوز دفعها للناصب و الكافر الحربي و ان كانا رحمين قريبين.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 172

المسألة 187:

يتضاعف أجر الصدقة إذا كانت سرا، و قد تقدم في حديث الامام الصادق (ع): (ان صدقة السر تطفئ غضب الرب)، و عن أحدهم (ع):

(صدقة السر تطفئ غضب الرب و تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار و تدفع سبعين بابا من البلاء)، و عن النبي (ص): (سبعة يظلهم اللّه في ظله يوم لا ظل الا ظله، الى ان قال (ص): و رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لم تعلم يمينه ما تنفق شماله.

المسألة 188:

يستحب استحبابا مؤكدا أن يوسع الرجل على عياله في معيشتهم، و هي أفضل من صدقته على غيرهم، فإذا كان عنده مبلغ من المال و دار أمره بين أن يوسع به على عياله و أن يتصدق ببعضه على من سواهم فالأفضل له أن يختار الأول، و قد ورد عن أبي عبد اللّه (ع): (قال رسول اللّه (ص): أفضل الصدقة صدقة تكون عن فضل الكف)، و عنه (ص):

(كل معروف صدقة و أفضل الصدقة عن ظهر غنى، و ابدأ بمن تعول).

المسألة 189:

الصدقة على الرحم المحتاج أفضل من الصدقة على غيره، و قد تقدم قول الرسول (ص): (لا صدقة و ذو رحم محتاج)، و أفضل من ذلك الصدقة على الرحم الكاشح، و قد تقدم في حديث أبي عبد اللّه (ع) أنه قال: (سئل رسول اللّه أي الصدقة أفضل؟، قال (ص): على ذي الرحم الكاشح)، و المراد به: القريب للإنسان في النسب و هو يضمر له في باطنه العداء.

المسألة 190:

يستحب للرجل أن يكون وسيطا في إيصال الصدقة من المالك الى المستحق، و قد ورد عن الرسول (ص) في بعض خطبة انه قال: (و من تصدق بصدقة عن رجل الى مسكين كان له مثل أجره و لو تداولها أربعون ألف إنسان ثم وصلت الى المسكين كان لهم أجر كامل)، و عن أبي عبد اللّه (ع): (المعطون ثلاثة، اللّه رب العالمين، و صاحب المال، و الذي يجري على يديه).

كلمة التقوى، ج 6، ص: 173

المسألة 191:

يكره للإنسان أن يسترجع الى ملكه مالا دفعه الى المستحقين في صدقاته الواجبة أو المندوبة، فيشتريه من المستحق أو يتهبه منه أو يتسبب الى تملكه منه بسب اختياري آخر، و لا يكره إذا عاد المال الى ملكه بالميراث.

المسألة 192:

يكره للإنسان أن يرد سائلا يسأله و ان كان يظن انه غني غير محتاج، فيعطيه و لو شيئا يسيرا أو يرده ردا جميلا، فقد جاء في بعض كلمات أمير المؤمنين (ع): (ان المسكين رسول اللّه إليكم، فمن منعه فقد منع اللّه، و من أعطاه فقد اعطى اللّه)، و عن أبي عبد اللّه عن أبيه (ع): ان رسول اللّه (ص) قال: (ردوا السائل ببذل يسير و بلين و رحمة).

المسألة 193:

يكره للرجل أن يسأل أحدا و ان كان محتاجا، فعن الامام أبي جعفر (ع): (لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحدا، و لو يعلم المعطي ما في العطية ما رد أحد أحدا)، و عن أبي عبد اللّه (ع): (إياكم و سؤال الناس فإنه ذل في الدنيا، و فقر تستعجلونه، و حساب طويل يوم القيامة).

المسألة 194:

لا يجوز للإنسان- على الأحوط، ان لم يكن ذلك هو الأقوى- أن يسأل أحدا من غير حاجة، فعن أبي عبد اللّه (ع): (ما من عبد يسأل من غير حاجة فيموت حتى يحوجه اللّه إليها، و يثبت اللّه له بها النار)، و عنه (ع): (من سأل من غير فقر فكأنما يأكل الخمر)، و عن أبي جعفر (ع):

(اقسم باللّه و لهو حق- ما فتح رجل على نفسه باب مسألة إلا فتح اللّه عليه باب فقر).

كلمة التقوى، ج 6، ص: 175

كتاب الغصب

اشارة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 177

كتاب الغصب و فيه ثلاثة فصول:

الفصل الأول في الغصب و ما يلحق به

المسألة الأولى:

الغصب هو استيلاء الشخص على مال غيره، أو على شي ء من حقوقه ظلما، و قد تطابقت الأدلة على تحريمه و شدة العقاب عليه، و سيأتي ذكر أمور تلحق بالغصب في بعض أحكامه فيكون الشخص المستولي على الشي ء ضامنا له إذا تلف أو إذا طرأ عليه نقص أو عيب، و يجب عليه رده الى صاحبه إذا كان الشي ء موجودا، و ان لم يكن الاستيلاء عليه غصبا محرما.

المسألة الثانية:

قد يتحقق الغصب و الاستيلاء ظلما على كل من العين المملوكة و على منفعتها معها من مالك واحد، و مثال ذلك: أن يأخذ الشخص دار زيد منه و يسكنها ظالما له في كليهما، فيكون غاصبا للدار و غاصبا لمنفعتها من زيد باستيلائه على الدار و على المنفعة، و كلتاهما مملوكتان لزيد نفسه.

و قد يتحقق الغصب للعين من مالك، و يكون الغصب لمنفعتها من مالك آخر و مثال ذلك: أن تكون الدار مستأجرة لشخص آخر، فيستولي الظالم على الدار من مالكها، و على المنفعة من المستأجر فيكون غاصبا لكل واحدة منهما من مالكها، و قد يستولي على الدار غصبا مدة الإجارة، و لا يستطيع أن يستولي على المنفعة من المستأجر لعدم قدرته على غصبها

كلمة التقوى، ج 6، ص: 178

منه، أو يستولي على المنفعة وحدها، و لا يمكنه غصب الدار، فيكون غاصبا لإحداهما دون الأخرى.

و قد يحصل الغصب بالاستيلاء على حق مالي للغير، كما إذا استولى على أرض قد حجرها شخص، أو غصب عينا مرهونة عند أحد، فيكون غاصبا لحق الشخص الذي حجر الأرض و لحق المرتهن الذي ثبت له في العين حق الرهن، و كما إذا غصب الحجرة من الطالب الذي سكنها في المدرسة أو غصب المكان ممن سبق

إليه في المسجد أو المشهد.

المسألة الثالثة:

قد يكون المغصوب منه شخصا معينا من الأشخاص كما في الأمثلة الآنف ذكرها، و قد يكون المغصوب منه نوعا من الأنواع، و مثال ذلك:

أن يعين المالك زكاته أو خمسه في مال معين فيستولي عليه الغاصب قبل ان يدفعه المالك الى مستحق معين، فيكون المغصوب منه هو نوع المستحق للزكاة أو الخمس، و كما إذا استولى على مدرسة موقوفة فمنع الطلاب أن يسكنوها، أو استولى على الضيعة الموقوفة على الفقراء أو على اليتامى فمنعهم أن يتصرفوا بمنفعتها، فيكون المغصوب منه في جميع هذه الأمثلة هو النوع.

المسألة الرابعة:

يحرم الغصب في جميع اقسامه، سواء كان الشي ء المغصوب عينا أم منفعة أم حقا، و يجب على الغاصب فيها جميعا رفع اليد عن الشي ء المغصوب و رده الى صاحبه، إذا كان الشي ء موجودا، و إذا كان تالفا أو طرأ عليه نقص أو عيب، و كان عينا أو منفعة لزم الغاصب ضمانه في صورة التلف، و لزمه ضمان ما نقص منه في صورة النقص، و ضمان أرشه في صورة العيب، و كذلك إذا كان حقا يبذل بإزائه المال كحق التحجير و حق الاختصاص، و لا ضمان عليه إذا كان الحق مما لا يبذل بإزائه المال، كحق السبق الى المكان في المسجد أو المشهد.

المسألة الخامسة:

لا يتحقق الغصب بالاستيلاء على الإنسان إذا كان حرا، فإذا استولى عليه ظالم و وضع يده عليه لم يكن مغصوبا، سواء كان ذلك الحر

كلمة التقوى، ج 6، ص: 179

المستولي عليه كبيرا أم صغيرا، و ضعيفا أم قويا و ان كان الذي استولى عليه ظالما له و آثما بفعله، و لا يدخل الحر بسبب ذلك في ضمانه، فإذا مات المحبوس تحت استيلاء المستولي أو طرأ عليه حادث، فهلك بغير تسبيب من الحابس فلا ضمان عليه بسبب استيلائه عليه، و لا يضمن منافعه التي تفوت بسبب ذلك، فإذا كان الحر المستولي عليه صاحب صنعة و لم يعمل بصنعته في تلك المدة لم يضمن الحابس أجرتها.

المسألة السادسة:

إذا هلك الحر المستولي عليه تحت استيلاء ظالمه، و كان هلاكه بتسبيب من المستولي كما إذا حبسه و منعه من الماء أو من الأكل، فهلك جوعا أو عطشا، أو وضعه في مكان يتعرض فيه للدغ الحشرات، أو لأذى بعض الحيوانات أو السباع، فهلك بسبب ذلك كان ضامنا لهلاكه أو للعيب الذي يصيبه من ذلك، و ضمانه من حيث تسبيبه للهلاك لا من جهة الغصب.

و إذا استوفى المستولي من الحر بعض منافعه بعمل أو استخدام ضمن المنافع التي استوفاها منه، فيجب عليه دفع أجرتها، و إذا كان الحر المستولي عليه أجيرا لأحد، فمنعه المستولي عن العمل في المدة المعينة للعمل، كان المستولي ضامنا للمستأجر ما فوته عليه من المنفعة المملوكة له على الأجير في تلك المدة.

و إذا كان الحر المستولي عليه أجيرا للمستولي نفسه على عمل، فمنعه بسبب استيلائه عليه من العمل لزمه أن يدفع له الأجرة المسماة له بعقد الإجارة بينهما، و ضمان المستولي في هذه الصور بأسباب أخرى توجب الضمان

لا بسبب الغصب.

المسألة السابعة:

إذا منع الرجل صاحب الدابة المرسلة من أن يمسك دابته، لم يكن بذلك غاصبا لعدم استيلائه على الدابة، و ان ظلم صاحب الدابة بمنعه عن إمساكها و أثم لذلك، فإذا عطبت الدابة بغير تسبيب منه لم يضمن عطبها و لا عوارها.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 180

و كذلك إذا منع صاحب السلعة من أن يبيع سلعته، فلا يكون غاصبا للسلعة بذلك، و لا يضمن نقص قيمتها إذا نقصت بعد ذلك، و كذا إذا منع صاحب الدار من ان يدخل داره، أو منع صاحب الفراش أن يتصرف في فراشه أو أن يرفعه من موضعه، فلا يكون غاصبا للدار و لا للفراش، و يأثم لمنعه صاحب الحق عن حقه، فإذا انهدمت الدار أو سرق الفراش بغير تسبيب منه فلا ضمان عليه.

المسألة الثامنة:

المدار في تحقق الغصب للشي ء هو أن يكون الشي ء تحت استيلاء الإنسان عدوانا، فإذا كان الشي ء في بيته و طالبه المالك به فامتنع من دفعه له و حرص على منعه منه عدوانا كان غاصبا و ان لم يحصل نقل للشي ء و لا أخذ، و كذلك في سائر الأموال من الحيوان و غيره من المنقولات و غير المنقولات من الدور و الضياع و الدكاكين و القرى و المزارع و غيرها.

و يتحقق غصب المنافع بانتزاع العين ذات المنفعة من يد مالك المنفعة، فإذا استأجر زيد الدار من مالكها، ثم انتزعها المؤجر من المستأجر عدوانا أو استولى عليها شخص آخر فمنع المستأجر منها ظلما كان غاصبا للمنفعة، سواء استوفى المنفعة في مدة الإجارة أم لا.

المسألة التاسعة:

إذا سكن الرجل الدار مع مالكها ظالما له بذلك، و كان مالك الدار غير قادر على إخراج هذا المستولي من داره، فقد يكون استيلاء هذا الرجل العادي مختصا بطرف معين من الدار فيكون تصرفه و سكناه في تلك الجهة منها خاصة، و لا يعم بقية الأطراف من الدار، فيكون الغصب مختصا بالجهة المستولي عليها و يكون الضمان مختصا بها كذلك و لا يعم بقية الدار.

و قد يعم استيلاؤه و تصرفه جميع الدار بحيث يكون استيلاؤه و استيلاء المالك على مجموع الدار بنسبة واحدة فيكون غاصبا لنصف الدار مشاعا و يكون ضامنا لنصفها كذلك، فإذا انهدم جميع الدار فهو ضامن لنصفها و إذا انهدم بعضها، فهو ضامن لنصف ذلك البعض المنهدم، و كذلك حكمه في ضمان المنفعة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 181

و إذا استولى على الدار رجلان ظلما فسكنا مع المالك داره على نهج ما سبق، كان كل واحد من الرجلين العاديين غاصبا لثلث

الدار و كان كل واحد منهما ضامنا لثلثها على البيان الآنف ذكره، و إذا كانوا ثلاثة كان غصب كل واحد منهم لربع الدار و كان ضمانه لربعها. و هكذا.

المسألة العاشرة:

الظاهر انه لا يتحقق الغصب في الفرض الذي ذكرناه في المسألة السابقة، إذا كان الرجل العادي الذي سكن الدار مع المالك ضعيفا، و كان مالك الدار قويا قادرا على إخراجه منها متى شاء، فلا يحصل الغصب بسكناه مع المالك، و لا ضمان عليه إذا طرأ تلف أو عيب في الدار، و يستحق المالك عليه أجرة المثل عن المنفعة التي استوفاها بسكنى الدار مع المالك.

المسألة 11:

إذا كان مالك الدابة راكبا على ظهرها، فأخذ رجل بزمام الدابة ظلما و قادها و استولى عليها فان كان المالك الراكب عليها ضعيفا لا يملك مقاومة المستولي في ما يصنع بدابته، فالظاهر تحقق الغصب بذلك فيكون قائد الدابة ضامنا لها، إذا أصابها عطب أو عيب أو كسر.

و ان كان المالك قويا قادرا على دفع المستولي و على مقاومته، لم يتحقق الغصب بذلك و ان استسلم لقيادته موقتا لبعض الأغراض، فلا ضمان على القائد إذا تلفت الدابة أو أصابها كسر أو جرح بغير تسبيب منه و يضمن ما يصيبها أو يصيب المالك الراكب بسبب تصرفه، كما إذا قادها بعنف فسقطت و انكسرت أو جرحت أو هلكت أو أصاب المالك شي ء من ذلك، و كذلك إذا ساقها بعنف فجمحت أو سقطت، فيكون ضامنا لما يحصل بسببه.

و يجري نظير هذا التفصيل في الحكم في السيارة إذا كان المالك متوليا لقيادتها و أراد رجل آخر غصبها منه و الاستيلاء عليها، فتجري فيها الصور المتقدمة و تنطبق آثارها فيتحقق الغصب في بعضها و لا يجري في البعض و يحصل الضمان إذا تحققت أسبابه و لا يحصل إذا لم تتحقق.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 182

المسألة 12:

إذا اشترك رجلان في غصب الدار أو السيارة من المالك في الفرض المتقدم فتآمرا بينهما على استغفال المالك و مقاومته و الاستيلاء على الشي ء المغصوب، ضمن كل واحد من الغاصبين مقدار ما استولى عليه من الدابة أو السيارة، فإن كان استيلاؤهما عليها بالتساوي كان كل واحد منهما ضامنا لنصفها و إذا كان استيلاؤهما متفاوتا ضمن كل واحد ما استولى عليه منها، من غير فرق في الحكم بين أن يكون الرجلان معا سببا واحدا في حصول الاستيلاء،

أو كان كل واحد منهما سببا مستقلا في الاستيلاء على العين، و مثال ذلك: أن يكون الرجلان ضعيفين لا يمكن لهما الاستيلاء على الشي ء إلا إذا تآزرا معا فقاوما المالك و استوليا على ماله، أو كان كل واحد منهما سببا مستقلا كافيا في حصول الاستيلاء إذا انفرد عن صاحبه.

المسألة 13:

الظاهر أن غصب الأوقاف التي تفيد تمليك المنفعة للموقوف عليهم يوجب ضمان العين و المنفعة إذا تلفت أو حدث فيها نقص أو عيب، سواء كانت وقفا على أشخاص أم على عنوان عام أو خاص، و كذلك غصب الأوقاف التي تفيد صرف المنفعة على الموقوف عليهم من غير تمليك في الموارد المذكورة، فإذا غصب الوقف منها غاصب كان ضامنا له و لمنفعته.

المسألة 14:

إذا كان الوقف وقف انتفاع لا وقف منفعة، كوقف المصاحف و كتب العلم و كتب الأدعية للقراءة فيها و الانتفاع منها، و وقف المدارس لينتفع الطلاب بسكناها، و وقف خانات المسافرين و الرباطات للفقراء و القناطر و الشوارع للعابرين، و غصبه غاصب أو أتلفه متلف أشكل الحكم بضمانه فلا يترك الاحتياط فيه.

المسألة 15:

إذا غصب المسجد غاصب فالظاهر انه لا ضمان عليه بذلك فلا يضمن عينه إذا تلفت بعد الغصب أو انهدمت جدرانه أو تصدعت و حدثت فيها

كلمة التقوى، ج 6، ص: 183

عيوب، و لا يضمن أجرته إذا سكن فيه أو اتخذه مخزنا لبعض أمواله أو موضعا لبعض أعماله.

المسألة 16:

يتحقق الغصب بالاستيلاء على العبد المملوك أو الأمة المملوكة أو الدابة المملوكة، و تترتب عليه جميع أحكامه و يكون الغاصب ضامنا للعين و لمنافعها، سواء استوفاها الغاصب أم لم يستوفها.

المسألة 17:

إذا لم يستول الإنسان على العبد المملوك و لم يضع يده عليه و لكنه منعه عن عمل خاص له أجرة من غير أن يستوفي منفعته، لم يضمن ذلك الإنسان عمله الفائت لعدم الغصب و ان كان آثما بمنعه عن الإتيان بالعمل، و الفارق في ضمان منفعة العبد في المسألة المتقدمة و عدم الضمان هنا، هو تحقق الغصب في تلك المسألة و عدمه هنا فلا التباس بين المسألتين.

و إذا كان العبد أجيرا على ذلك العمل فمنعه الرجل عن الإتيان به و فات العمل بسبب منعه على المستأجر ضمنه للمستأجر و قد تقدم نظيره في الحر في المسألة السادسة.

المسألة 18:

يلحق بالشي ء المغصوب في الحكم بضمانه على الغاصب الشي ء المقبوض بالعقد الفاسد فيكون مضمونا على القابض، فإذا كان البيع فاسدا، فالمبيع الذي يقبضه المشتري و الثمن الذي يأخذه البائع يكونان مضمونين عليهما إذا تلفا بعد القبض أو حدث فيهما عيب أو نقص، و إذا كانت الإجارة فاسدة فالعين المستأجرة التي يقبضها المستأجر، و الأجرة التي يقبضها المؤجر يكونان في ضمانهما كذلك، و إذا كان النكاح فاسدا فالمهر الذي تقبضه الزوجة يكون في ضمانها، سواء كان المتعاقدان عالمين بفساد العقد أم جاهلين به، و قد تعرضنا لبعض الفروض التي تتعلق بذلك في فصل شروط المتعاقدين من كتاب التجارة.

و يلحق بالشي ء المغصوب في الحكم بالضمان أيضا الشي ء الذي يقبض بالسوم قبل العقد، كالعين التي يقبضها الشخص المستام لينظر أوصافها

كلمة التقوى، ج 6، ص: 184

و يتعرف على خصائصها، فإذا وافقت رغبته اشتراها أو استأجرها فتكون العين في ضمانه إذا تلفت أو حدث فيها نقص أو عيب، و ان لم يكن غاصبا و لا آثما في قبضه للعين.

المسألة 19:

إذا غصب الإنسان أمه حاملة أو غصب أنثى من الحيوان المملوك حاملة دخل الحمل في الغصب و تعلقت به أحكام الغصب كما تعلقت بأمه و يكون الاستيلاء على أمه استيلاء عليه فيكون الغاصب ضامنا للحمل كما هو ضامن للحامل فإذا مات الجنين في بطنها أو أسقطته ميتا أو مات في الولادة أو هلك بعد الولادة أو سقط ناقصا أو معيبا كان الغاصب ضامنا له في جميع ذلك و يضمن الجنين و أمه إذا نقصا في الإجهاض معا أو الولادة أو تعيبا أو تلفا.

الفصل الثاني في أحكام الغصب

المسألة 20:

يجب على الغاصب رد العين التي غصبها الى مالكها إذا كانت موجودة، و ان كان ردها يكلفه بذل مال و تحمل مؤنة، كما إذا كان المالك في بلد آخر و كان نقل العين المغصوبة إليه يتوقف على صرف مقدار من المال، بل و ان استلزم رد العين ضررا شاقا على الغاصب، كما إذا كان قد جعل الحديد أو الخشب المغصوب أجزاء من سقف بيته أو أعمدة يقوم عليها بناؤه، فإذا أرادها المالك وجب على الغاصب إخراجها من البناء و إرجاعها اليه و ان أوجب ذلك خللا أو هدما لبنائه، فإنه قد تعمد كل ذلك بفعله و تصرفه عاديا بغير حق.

المسألة 21:

إذا أدخل الغاصب لوحا أو ألواحا مغصوبة في تعمير سفينته وجب عليه نزع اللوح أو الألواح من السفينة في الحال و إرجاعها إلى مالكها و ان أوجب ذلك خرق السفينة أو تحطيمها و إذا اتفق كونه في ذلك الحال في البحر و خاف من الغرق إذا هو نزع اللوح و خشي هلاك نفس محترمة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 185

جاز له تأخير ذلك، فإذا ارتفع المحذور وجب عليه نزع المغصوب و رده الى صاحبه، و كذلك إذا خشي في البحر تلف مال محترم لغير الغاصب، و إذا كان المال للغاصب العامد ففي جواز التأخير إشكال.

و يجب رد الخيوط المغصوبة إذا خاط الغاصب بها الثوب و ألزمه المالك بنزعها فيجب عليه نزعها و ان فسد الثوب.

المسألة 22:

إذا أخرج الخشب أو الحديد المغصوب من البناء أو انتزع اللوح المغصوب من السفينة، أو الخيط من الثوب، فأوجب ذلك نقصا في تلك الأشياء المغصوبة لزم الغاصب ضمان أرشها، و إذا لم تبق لها قيمة بعد النزع وجب على الغاصب دفع بدلها الى المالك و كانت بحكم التالف فلا يحق للمالك أن يطالبه بالعين مع عوض المنفعة.

المسألة 23:

يجري حكم العين المغصوبة الآنف ذكره في المال المأخوذ بالمقامرة و المال المأخوذ اجرة على عمل محرم كالأجرة على الزنا أو على اللواط أو على عمل الخمر أو على حمله أو على خزنه أو على بيعه، فيجب رده الى صاحبه و ان دفعه اليه باختياره و كان شريكا في الكبيرة أو في العمل المحرم.

المسألة 24:

إذا استولى الغاصب على العين مدة و كانت ذات منفعة، وجب عليه رد العين على مالكها، و دفع بدل منفعتها تامة في تلك المدة، سواء كان قد استوفى المنفعة أم لم يستوفها فإذا هو غصب الدار مدة سنة، وجب عليه رد الدار، و دفع أجرة المثل لسكنى الدار في مدة السنة، و ان لم يسكن الدار في المدة أو سكنها في بعض المدة أو أسكنها غيره، و كذلك إذا غصب الحانوت أو غصب الأرض أو غصب السيارة، فعليه رد العين و دفع قيمة المثل لمنفعتها.

المسألة 25:

إذا كانت العين المغصوبة ذات منافع متعددة يمكن أن تستوفى منها،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 186

وجب عليه رد العين، و وجب عليه دفع البدل عن المنفعة الشائعة المتعارفة بين الناس من منافع تلك العين، و لا يضمن أجرة المثل للمنافع الأخرى، و ان أمكن استيفاؤها من العين، فإذا غصب الدار وجب عليه رد الدار و دفع أجرة المثل عن سكناها خاصة، فإنها هي المنفعة المتعارفة لها و ان أمكن له ان يجعل الدار معملا أو مخزنا لبعض الأموال أو معرضا للبضائع، و إذا غصب السيارة وجب عليه ردها، و دفع أجرة المثل لركوبها في تلك المدة، إذا كان الركوب فيها هو المنفعة المتعارفة لمثلها، أو دفع اجرة المثل لحمل الأثقال و الأمتعة فيها إذا كانت تلك هي منفعتها الشائعة، و هكذا في بقية الأعيان ذات المنافع.

المسألة 26:

إذا كانت العين المغصوبة ذات منافع متعددة، و كانت منفعتها الشائعة المتعارفة متعددة أيضا، فإن كانت أجرة المثل لكل واحدة من منافعها المتعارفة متماثلة لا يزيد بعضها على بعض، كما إذا كانت السيارة المغصوبة تتخذ عادة للركوب و للحمل على السواء، و كانت أجرة المثل لكل منهما على السواء أيضا، فأجرة المثل لها عن ركوبها أو الحمل فيها هي خمس دنانير في اليوم الواحد مثلا، وجب على الغاصب رد العين و دفع تلك الأجرة الواحدة عن منفعتها عن كل يوم في مدة الغصب، و إذا كانت الأجرة مختلفة بين المنفعتين وجب عليه أن يدفع الأعلى من الأجرتين.

المسألة 27:

الظاهر أنه لا فرق في ترتب الأحكام التي بيناها بين أن يكون الغاصب قد استوفى بعض المنافع من العين أم لم يستوف منها شيئا، و لا بين أن يكون ما استوفاه من منافعها من المنافع المتعارفة أم من غيرها، الا أن يكون ما استوفاه أكثر أجرة من المنافع المتعارفة فيجب عليه دفع الأكثر.

المسألة 28:

إذا استولى الغاصب على السيارة، و وزع بعض أدواتها أو جميعها لينتفع بها في إصلاح سيارات أخرى، وجب عليه أن يرد أعيان الأدوات إلى مواضعها من السيارة المغصوبة ثم يرد السيارة تامة الأجزاء الى

كلمة التقوى، ج 6، ص: 187

مالكها، و إذا باع بعض الأدوات على غيره وجب عليه ان يسترد المبيع و لو بأكثر من ثمنه.

و يجب عليه أن يرد مع العين أجرة المثل لاستعمال تلك الأدوات الموزعة في جميع المدة، و إذا نقصت قيمة الأدوات باستعمالها وجب أن يرد معها أرشها و هو التفاوت ما بين قيمتها تامة و ناقصة، و إذا سقطت قيمتها لكثرة استعمالها لزمه ضمان قيمتها و لم يجب عليه رد نفس الأدوات المذكورة التي سقطت قيمتها، و كذلك إذا باع الأدوات و لم يمكنه استرداد عينها فعليه ضمان قيمتها.

و إذا سقطت قيمة السيارة المغصوبة بسبب توزيع أدواتها و لم يمكن له استردادها بإرجاع الأدوات إليها، ضمن قيمة السيارة تامة و ضمن منفعة استعمال ادواتها في تلك المدة.

المسألة 29:

إذا كان الشخص المغصوب منه كاملا غير محجور عليه، وجب على الغاصب رد العين المغصوبة و الغرامات التي تلحقه بسبب غصبها و غصب منافعها اليه أو الى وكيله الذي خوله حق القبض عنه و لا يجزيه أن يدفع ذلك الى غيرهما، و إذا كان صغيرا أو مجنونا أو محجورا عليه لسفه و نحوه دفع ذلك الى وليه، و لا يجزيه أن يدفعه الى الصغير نفسه أو المجنون أو السفيه، إلا إذا رضي الولي الشرعي بالدفع إليه.

المسألة 30:

إذا كان المغصوب منه نوعا من الأنواع لا شخصا من الأشخاص، كما إذا غصب الغاصب وقف منفعة للفقراء، أو غصب مال الزكاة أو الخمس بعد أن عزله المالك و قبل أن يدفعه الى المستحقين، وجب على الغاصب أن يرد المغصوب إلى المتولي الخاص على ذلك المال، فان لم يكن له متول خاص رده الى الحاكم الشرعي أو وكيله المنصوب لذلك، و لا يجزيه أن يدفعه إلى أفراد النوع المغصوب منه، فيدفع وقف الفقراء المغصوب الى بعض الفقراء مثلا، و يدفع مال الزكاة أو الخمس المغصوب الى بعض المستحقين.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 188

المسألة 31:

إذا غصب الغاصب مسجدا أو شارعا موقوفا أو قنطرة موقوفة أو رباطا أو شبه ذلك مما يكون وقفه وقف انتفاع لا وقف منفعة، كفى في رد المغصوب أن يرفع الغاصب يده عن العين، و يتركها على حالها الذي وقفت عليه، و كذلك إذا غصب مدرسة كفاه ان يرفع يده عنها و يدعها للطلاب الذين يستحقون الانتفاع بالسكنى فيها، و الأحوط ان يرد المدرسة إلى المتولي الخاص عليها، فان لم يكن فالى الحاكم الشرعي، و يتأدى الاحتياط بأن يردها الى الساكنين في المدرسة قبل الغصب باذن المتولي الشرعي عليها.

المسألة 32:

إذا كان المالك و العين المغصوبة في بلد واحد، و كان هو البلد الذي وقع فيه الغصب وجب على الغاصب أن يرد العين على المالك في ذلك البلد، سواء كان هو بلد الغاصب أيضا أم لا.

و إذا كان المالك في بلد الغصب و كانت العين في بلد آخر، وجب على الغاصب أن ينقل العين الى المالك في بلد الغصب. و إذا كان المالك في بلد العين المغصوبة، و هو غير البلد الذي وقع فيه الغصب، جاز للمالك أن يخير الغاصب بين أن يرد اليه العين في ذلك البلد، و ان ينقلها الى بلد الغصب فيرد العين اليه هناك، و يلزمه بأحد هذين الأمرين.

و إذا كان المالك في غير بلد الغصب و غير بلد المال المغصوب، جاز للمالك أن يلزم الغاصب بتسليم المال إليه في بلد الغصب، و يشكل أن يلزمه بنقل المال المغصوب الى بلد المالك، إلا إذا توقف على ذلك صدق رد المغصوب، و مثال ذلك ما إذا كان المالك غريبا في البلد الذي وقع فيه الغصب ثم رجع الى وطنه، فان رد المغصوب انما يكون

بدفعه الى مالكه، و بدون ذلك لا يتحقق للغاصب معنى أداء ما أخذت يده الذي دل عليه دليل الضمان.

المسألة 33:

إذا حدث في العين المغصوبة نقص أو عيب لزم على الغاصب رد العين الناقصة أو المعيبة على مالكها، و لزمه مع ذلك أن يدفع له أرش النقصان

كلمة التقوى، ج 6، ص: 189

أو العيب الطاري عليها، و المراد بالأرش هو التفاوت الحاصل ما بين قيمة العين و هي صحيحة و قيمتها و هي ناقصة أو معيبة، و لا يحق للمالك أن يلزم الغاصب بأخذ العين الناقصة و يدفع له قيمتها صحيحة تامة.

و لا فرق في هذا الحكم بين أن يكون العيب الحاصل في العين مستقرا، كما إذا كسرت رجل الدابة أو قطع بعض أعضائها، و أن يكون مما يتزايد و يسري، كما إذا تعفنت الحنطة المغصوبة، فإن التعفن فيها قد يتزايد حتى يتلف المال، و كالجرح العميق في العبد أو الدابة المغصوبة، فإن مثل هذا الجرح قد يسري حتى يأتي على حياة العبد أو الدابة.

و المرجع في ذلك الى أهل الخبرة و التمييز في هذه الأمور، فإذا عدوا العين معيبة لزم الغاصب رد العين مع دفع الأرش الآنف ذكره، و إذا عدوها تالفة لزمه دفع قيمة المغصوب صحيحا إذا كان قيميا، و مثله إذا كان مثليا.

المسألة 34:

إذا كانت العين المغصوبة موجودة غير ناقصة و لا معيبة، و حدث هبوط في قيمتها في السوق أجزأ الغاصب أن يرد العين نفسها على المالك و لم يضمن نقصان قيمتها في السوق إذا لم يكن النقصان ناشئا عن طول استعمال العين و استهلاك طاقتها وجدتها.

المسألة 35:

إذا تلفت العين المغصوبة قبل أن يردها الغاصب الى مالكها لزمه ضمان العين التالفة، بأن يدفع للمالك مثلها إذا كانت العين مثلية و يدفع له قيمتها إذا كانت قيمية، و كذلك العين المقبوضة بالعقد الفاسد و المقبوضة بالسوم كما بينا في المسألة الثامنة عشرة.

و المراد بالمثلي ما تساوت أجزاؤه في الصفات التي يطلبها الناس من ذلك الجنس و الخصائص التي يرغبون فيها، و كان ذلك سببا لتساوي اجزائه في القيمة كالحبوب و الأدهان و العقاقير و أمثالها، و منه ما تنتجه المصانع و المعامل الحديثة من أشياء و أدوات و أجهزة و أثاث و أقمشة لتقاربها في الصفات كذلك و القيمي هو ما لا تتساوى أجزاؤه في القيمة لعدم تساويها في الصفات و الخصائص كالأراضي و العقارات و الحيوان

كلمة التقوى، ج 6، ص: 190

و أمثالها، و قد ذكرنا ذلك في المسألة التاسعة و التسعين من كتاب التجارة و في موارد متعددة أخرى فليرجع إليها.

المسألة 36:

المعيار الذي ذكرناه هنا و في المواضع السابقة للمثلي انما يجري بلحاظ الأصناف من الجنس الواحد، فتساوي الأجزاء في الصفات و في القيمة انما هو بلحاظ كل صنف على انفراده من أصناف الجنس، لا بين الصنف و الصنف الآخر منه، فنحن نحكم بأن الحنطة من المثلي لأن كل صنف واحد منها يكون متساوي الأجزاء في الصفات المطلوبة و في القيمة كما بينا، و قد يحصل اختلاف بين أفراد الصنف الواحد و لكنه اختلاف يسير لا ينظر اليه، و لا يضر بصدق المعيار المذكور، و اما الاختلاف بين الصنفين من الجنس الواحد في صفاتهما و في قيمتهما، فهو واضح، و ليس من محل الكلام في الفارق المذكور و كذلك الحال في

الأرز و العدس و السمسم و غيرها من الحبوب و سائر المثليات.

المسألة 37:

إذا تلفت العين المغصوبة و كانت من المثليات، وجب على الغاصب دفع مثلها للمالك كما بيناه، فإذا أعوز وجود المثل وجب عليه أن يدفع له قيمة المثل، و إذا اختلفت قيمة المثل في السوق وجب عليه أن يدفع قيمة المثل في يوم أداء القيمة، فإذا كان الغاصب ضامنا للمالك عن عينه التالفة منا من الحنطة، و تعذر وجود الحنطة، وجب عليه أن يؤدي له قيمة المن الذي في ذمته يوم دفع القيمة، سواء كانت قيمته قبل ذلك أقل منها أم أكثر.

المسألة 38:

إعواز وجود المثل الذي يحكم معه بوجوب دفع القيمة بدلا عنه، هو عدم وجود المثل في البلد و في ما حوله مما ينقل منه الى البلد بحسب العادة، فإذا فقد المثل كذلك انتقل الضمان إلى القيمة.

المسألة 39:

إذا أعوز وجود المثل مدة ثم وجد بعد ذلك، فان كان الغاصب قد

كلمة التقوى، ج 6، ص: 191

دفع القيمة بعد تحقق الإعواز أجزأه ما دفع و برئت ذمته من الضمان، و ان لم يدفع القيمة بعد وجب عليه أن يدفع المثل و لم تجزه القيمة.

المسألة 40:

إذا وجد المثل بأزيد من ثمن المثل، وجب على الغاصب شراؤه و دفعه للمغصوب منه و ان لزم منه الحرج، فان الحرج لا يسقط حق الغير.

المسألة 41:

إذا وجب على الغاصب أن يدفع المثل و كان موجودا أجزأ الغاصب أن يدفعه للمالك و ان هبطت قيمته السوقية عن قيمته السابقة، فلا يحق للمالك ان يطالب الغاصب بالقيمة الأولى، و لا يحق له أن يأخذ منه المثل و يطالبه بنقصان القيمة، و لا يحق له أن يمتنع عن أخذ المثل بالفعل ليبقى في ذمة الغاصب الى ان ترتفع قيمته، إلا إذا رضي الغاصب بذلك.

المسألة 42:

إذا وجب على الغاصب أن يدفع للمغصوب منه مثل العين المغصوبة ثم سقط المثل عن المالية لبعض الطواري أو الحالات، لم يكف الغاصب أن يدفع المثل في تلك الحال، و لم تبرأ ذمته من الضمان بدفعه و هو ساقط القيمة، إذا لم يرض به المالك.

و من أمثلة ذلك: أن يغصب الغاصب من المالك ثلجا في شدة الحاجة إليه من أيام الحر في الأمكنة الحارة و يريد أن يدفع اليه مثل الثلج المغصوب في أيام شدة البرد و عدم القيمة له، أو يغصب منه قربة من الماء في أيام الصيف و في مكان يعز فيه وجود الماء، و يريد أن يدفع اليه مثل تلك القربة في مكان تكثر فيه الأنهار و العيون المتفجرة بالمياه العذبة، فلا يكفيه ذلك إذا دفعه اليه، و يحق للمالك أن يطالب الغاصب بالفعل بقيمة المغصوب، و يجوز له ان ينتظر الى زمان أو مكان يكون فيه المثل ذا قيمة فيطالبه به.

و إذا طالب الغاصب بالقيمة فعلا، فهل تراعى قيمة المغصوب في زمان تلف المغصوب و مكانه إذا كان تالفا، و آخر أزمنة وجود المالية له و آخر أمكنتها إذا كان باقيا كما هو غير بعيد، أو تراعى قيمة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 192

المغصوب في

زمان الغصب و مكانه كما يراه جماعة من الأعيان؟ لا يترك الاحتياط بالتصالح لإشكال الحكم في المسألة.

المسألة 43:

إذا تلفت العين المغصوبة و كانت من القيميات، لزم الغاصب ان يدفع قيمة العين للمالك فإذا كانت قيمتها متفاوتة في السوق وجب عليه أن يدفع له قيمتها في يوم تلفها.

المسألة 44:

إذا اختلفت أحوال العين في مدة الغصب، فسمنت الدابة مثلا في بعض الأيام، و هزلت في بعضها و كان ذلك سببا في اختلاف قيمتها، فكانت قيمة الدابة في أيام هزالها عشرين دينارا مثلا، و أصبحت في أيام سمنها ثلاثين دينارا، فإذا تلفت بعد ذلك ضمن الغاصب أعلى القيمتين، سواء كانت أيام السمن متقدمة على أيام الهزال أم متأخرة عنها، و كذلك الحكم في البستان أو الضيعة، فزاد نموها في بعض الأوقات و ضعف في بعضها، و كانت قيمتها في أيام زهرتها خمسمائة و عند ضعف نموها ثلاثمائة، ثم تلفت، فيكون الغاصب ضامنا لقيمتها في أحسن أحوالها.

المسألة 45:

إذا كانت قيمة العين في يوم غصبها مساوية لقيمتها في يوم تلفها، و لكن قيمتها في ما بينهما زادت لزيادة سمن الدابة و نمو الشجر في الفترة ما بين الوقتين، ثم عادت الى حالتها الأولى فإذا تلفت بعد ذلك ضمن الغاصب أعلى القيمتين و لم ينظر الى يوم التلف.

المسألة 46:

إذا كانت قيمة العين المغصوبة و هي في بلد الغصب عشرة دنانير ثم نقلت الى بلد آخر، فكانت قيمتها فيه خمسة عشر دينارا، و تلفت فيه، فلا يترك الاحتياط بالتصالح عن القيمة.

المسألة 47:

إذا تعذر على الغاصب تسليم العين المغصوبة لمالكها تعذرا عاديا،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 193

وجب على الغاصب أن يدفع له بدلها مثلها أو قيمتها، و المراد بالتعذر العادي أن يحكم أهل العرف بامتناع وقوع التسليم بمقتضى العادات المتعارفة بينهم و ان لم يكن ذلك مستحيلا عقلا.

و يسمى البدل الذي يدفعه الغاصب في هذا الحال بدل الحيلولة، و يكون هذا البدل المدفوع ملكا للمغصوب منه ما دامت هذه الحال، مع ان العين المغصوبة لا تزال في ملكه أيضا. و إذا اتفق ان تبدلت الحال المتعارفة فتمكن الغاصب من العين المغصوبة و ردها الى المغصوب منه استرجع منه البدل الذي دفعه اليه و من أمثلة ذلك أن تسرق العين المغصوبة أو تغرق، أو يأبق العبد المغصوب أو تشرد الدابة، فلا يستطيع الغاصب ان يرد العين على المالك بمقتضى حكم العادة و يجري فيها الحكم الآنف ذكره.

المسألة 48:

يملك المغصوب منه البدل الذي يدفعه له الغاصب عند الحيلولة بينه و بين العين المغصوبة بما ذكر من سرقة أو غرق أو إباق أو شرود دابة و نحو ذلك، فلا يتمكن بسبب هذا الحائل من رد العين الى مالكها، و إذا ملك البدل المدفوع له ملك منافعه و نمائه الذي يتجدد ما دام الحائل موجودا و ما دام رد العين المغصوبة عليه ممتنعا، فإذا تمكن الغاصب و رد العين، استرد البدل من المالك، و لم يسترد معه المنافع و النماءات التي تجددت له في الفترة المذكورة لأنها ملك المالك.

و يسترد الغاصب مع البدل نماءه المتصل، فإذا كان البدل دابة و سمنت في تلك الفترة أو كان شجرة فنمت و زاد ارتفاعها فان هذا النماء تابع لعين البدل، فإذا استرده الغاصب بعد

دفع العين المغصوبة استرد معه هذه النماءات المتصلة التابعة له.

و اما نماء العين المغصوبة و منافعها التي تتجدد في مدة الحيلولة سواء كانت متصلة أم منفصلة فهي ملك المالك تبعا للعين، فتكون مضمونة على الغاصب إذا تلفت قبل أن يقبضها المالك، و لكن الغاصب لا يضمن منافع العين غير المستوفاة في تلك المدة على الأقوى.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 194

المسألة 49:

إذا لزم الغاصب أن يدفع للمالك قيمة العين، وجب أن تكون القيمة بالنقد الذي تجري به المعاملات في البلد من الذهب و الفضة المسكوكين بسكة المعاملة و ما يجري مجراهما من المسكوكات الأخرى و من العملة الورقية المتداولة في البلد، سواء كانت العين المغصوبة من القيميات أو من المثليات و قد لزمته القيمة لتعذر وجود المثل، و كذلك في جميع الضمانات و الغرامات التي تلزم الإنسان فلا يصح للضامن دفع غيرها إلا بالتراضي به عوضا عن النقد الآنف ذكره و يقيسه الطرفان إليه.

المسألة 50:

النحاس و الرصاص و الحديد، و النيكل و الشبه و سائر الفلزات و المعادن المنطبعة، كلها من المثليات، فإذا غصبت فهي مضمونة بمثلها، و إذا تعذر وجود المثل ضمنت بقيمة المثل كما ذكرنا في حكم المثليات، و يراد بالمنطبعة أنها قابلة للطرق و التمديد، و يقابلها غير المنطبعة منها كالياقوت و الزمرد و الفيروزج، و هذه من القيميات.

المسألة 51:

الذهب و الفضة مثليان كما ذكرنا في المعادن المنطبعة، سواء كانا مسكوكين أم غير مسكوكين فيضمنان بالمثل، و إذا أعوز المثل ضمنا بالقيمة في يوم الأداء، و إذا أعوز المثل في الفضة و قومت بالذهب أو بغير الذهب و الفضة من المسكوكات أو بالأوراق النقدية صح و لم يكن فيه اشكال، و كذلك إذا أعوز المثل في الذهب فقوم بغير الذهب، فيصح من غير اشكال، و إذا قوم الذهب بالذهب أو قومت الفضة بالفضة، و كان العوض و المعوض متساويين في الوزن صح كذلك و لم يكن فيه اشكال، و إذا قوم أحدهما بجنسه، مع التفاوت في الوزن بين العوض و المعوض أشكل الحكم بالصحة لاحتمال طروء الربا في هذا الفرض و لذلك فلا يترك الاحتياط بأن يكون التقويم بغير الجنس، و إذا كان التقويم بالجنس روعي أن يكون العوضان متساويين في الوزن لتسلم المعاملة من شبهة الربا.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 195

المسألة 52:

إذا تعاقبت الأيدي العادية على المال المغصوب، فغصبه الغاصب الأول من المالك ثم غصبه الغاصب الثاني من الأول و الثالث من الثاني، تعلقت أحكام الغصب بالغاصبين جميعا، فإذا كانت العين المغصوبة موجودة و ردها بعضهم الى المالك تحقق امتثال الحكم منه، و سقط الحكم بوجوب الرد عن الباقين منهم.

و إذا تلفت العين المغصوبة، ضمنوا جميعا للمالك، و جاز للمالك أن يرجع عليهم بمثلها إذا كانت مثلية و بقيمتها إذا كانت قيمية، و تخير بين أن يرجع بالبدل على بعضهم و على جميعهم بالتوزيع بالتساوي أو بالتفاوت كما يشاء.

فإذا رجع المالك على الغاصب الأخير و هو الذي تلفت العين المغصوبة في يده لم يرجع هذا على من قبله بل يستقر عليه الضمان، و

إذا رجع على من قبل الأخير بالجميع أو بالتوزيع صح لهذا أن يرجع بما غرمه للمالك على الأخير الذي تلف بيده المال و يصح له أن يرجع به على الغاصب الذي يليه و إذا رجع الى من يليه جاز لهذا ان يرجع الى الغاصب بعده حتى يستقر ضمان الجميع على الأخير.

و كذلك إذا ترتبت الأيدي على الغصب و ان لم يغصب الثاني من الأول كما إذا وهب الأول الثاني العين المغصوبة أو باعه إياها أو نقلها إليه بصورة أخرى، و يجري الحكم المذكور في ما يلحق بالغصب و ان لم يكن غصبا محرما كالمقبوض بالسوم و المقبوض بالعقد الفاسد.

المسألة 53:

قد تكون المادة التي تتخذ منها العين من المثليات، و يدخل عليها أثر عمل أو صنعة فتصبح بسبب ذلك الأثر الطاري عليها من القيميات كالثياب الجاهزة التي تستورد من الخارج و بعض ما يصنع منها في الداخل، فهي بسبب التجهيز و الأثر الداخل عليها تعد من القيميات و الظاهر أن الناس لا يختلفون في ذلك.

و قد تصبح العين بسبب ذلك موضع شك و تردد كالأواني التي تتخذ من النحاس أو المعدنيات الأخرى إذا كانت الآثار التي تدخل عليها من

كلمة التقوى، ج 6، ص: 196

الصناعات اليدوية و الأعمال الشخصية، و كالحلي الذي يتخذ من الذهب و الفضة، فهل تكون العين مركبة من المثلي و القيمي فتضمن المادة بالمثل و تضمن الهيئة التي أدخلت عليها بالقيمة، أو يعد المجموع من المادة و الهيئة فيها قيميا فتضمن كذلك؟ و الظاهر الرجوع في استيضاح أمرها إلى ثقات أهل الخبرة في ذلك، و أما الأواني و الظروف و الأدوات و الثياب و نحوها التي تنتجها المصانع الحديثة متشابهة في الصفات

و متقاربة في القيمة فقد تقدم هنا و في أمكنة أخرى انها تعد من المثليات.

المسألة 54:

إذا غصب الإنسان شيئا مثليا أو قيميا و عليه أثر صناعة أو فن تزيد في ماليته، فأفسد الغاصب الهيئة أو الفن الموجود فيه، و بقيت العين خالية من ذلك، وجب على الغاصب ان يرد على المالك العين الموجودة و ضمن له قيمة الهيئة التي أتلفها و اثر الفن الذي أفسده، و مثال ذلك: أن يغصب حليا مصوغا من الذهب أو من الفضة فأتلف الغاصب صياغته أو غصب آنية أو شيئا من المعدنيات، و عليهما أثر من الفن و التزويق الذي يوجب الرغبة و الزيادة في قيمتهما، فأفسد الغاصب ما فيهما من أثر و صنعة، وجب على الغاصب ان يرد للمالك العين و عليه ضمان ما أتلف و أفسد، و لا يحق لمالك العين ان يلزم الغاصب بأن يعيد الهيئة أو أثر الفن و الصنعة التي أفسدها، و لا يجب على المالك القبول من الغاصب إذا بذل له ذلك و التزم أن يعيد الهيئة و الأثر كما سبق.

المسألة 55:

إذا غصب الإنسان شيئا من آلات اللهو أو الأصنام أو الصلبان أو غيرها من الأشياء المحرمة غير المحترمة في الإسلام و تلفت لم يضمن الغاصب هيئتها و صورتها التي بها تكون آلة للهو و موضعا للعبادة المحرمة و مدارا للحكم بالتحريم في الشريعة، و يجب عليه أن يرد المادة خالية من الصناعة المحرمة إذا كانت المادة موجودة، و إذا كان قد أتلف الجميع ضمن مثل المادة وحدها إذا كانت مثلية و ضمن قيمتها إذا كانت قيمية.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 197

المسألة 56:

تقدم منا في فصل الأواني من كتاب الطهارة، و في المسألة الرابعة عشرة من كتاب التجارة: انه يجوز للإنسان أن يقتني آنية الذهب و الفضة إذا لم يكن الاقتناء للاستعمال أو الانتفاع بها، أو ليجعلها متاعا معدا للانتفاع به و ان لم يستعملها بالفعل، بل كان اقتناؤها لحفظها أو حفظ المالية بهذه الصورة و نحو ذلك من الغايات المحللة، و نتيجة لذلك، فلا تكون الصناعة فيها محرمة و غير محترمة إذا كانت للغايات المباحة، فإذا أتلفها الغاصب كان ضامنا لها، و لا يعمها الحكم المذكور في المسألة المتقدمة.

المسألة 57:

يضمن الغاصب نقص العين المغصوبة و عيبها إذا حدث أحدهما بعد الغصب، فيضمن أرش النقص و العيب و قد تقدم ذكر هذا.

المسألة 58:

إذا زاد الغاصب في العين المغصوبة شيئا بعد ما غصبها و استولى عليها، فقد تكون الزيادة أثرا خالصا و لا عين فيه، كما إذا غزل القطن أو الصوف أو الوبر الذي غصبه، و كما إذا خاط الثوب أو العباءة التي غصبها بخيوط مملوكة له، و كما إذا مرن الفرس التي غصبها، و عودها على الخصال الممدوحة في الخيل عند العدو و الوقوف و خفة الحركة و الانتباه للاشارات في المسابقة، و قد تكون الزيادة عينا خالصة كما إذا غصب أرضا فارغة فغرسها نخيلا و شجرا و شق فيها نهرا أو استنبط فيها بئرا، و قد تكون الزيادة التي جعلها في العين أثرا و عينا مشوبين، فصبغ السيارة التي غصبها أو الثوب الذي غصبه، و لكل من هذه التصرفات أثره و أحكامه عند رد العين المغصوبة كما سيأتي بيانه في المسائل الآتي ذكرها، فلتلاحظ.

المسألة 59:

إذا زاد الغاصب في العين و كانت زيادته فيها أثرا محضا و مثال ذلك ان يعلم العبد المغصوب القراءة و الكتابة أو يعلمه صنعة منتجة، أو

كلمة التقوى، ج 6، ص: 198

يطحن الحنطة المغصوبة أو يصوغ الفضة أو الذهب المغصوب، أو ينسج الغزل المغصوب.

و إذا كانت العين موجودة و لم تتلف، وجب على الغاصب ردها الى مالكها و لا يستحق الغاصب على المالك شيئا للزيادة التي عملها في العين، و لا يستحق على عمله فيها أجرة، و لا يجوز له أن يبدل العين المغصوبة فيدفع للمالك مثلها خاليا من الزيادة إذا كانت موجودة كما هو الفرض، و لا يجوز له أن يزيل الأثر الذي عمله في العين، كما إذا أراد أن يزيل الصياغة من الفضة أو الذهب المغصوب و يعيدهما سبيكتين كما

غصبهما و يجوز للمالك ان يلزم الغاصب بذلك إذا كان ممكنا، و كان له فيه غرض يقصده العقلاء، فإذا ألزمه المالك بذلك و فعله لم يضمن له قيمة الصنعة، و إذا حدث في العين بسبب ذلك نقص أو عيب ضمن للمالك أرشه.

المسألة 60:

إذا غصب الغاصب الأرض فزرعها أو غرسها شجرا أو نخيلا، و كان الحب الذي زرعه، و الفسيل و الودي الذي غرسه مملوكا للغاصب، فالزرع و الغرس و النماء جميعه للغاصب، و تجب عليه أجرة المثل للأرض ما دام الزرع و الغرس فيها، و يجب على الغاصب ازالة زرعه و غرسه من الأرض إذا لم يرض المالك ببقائه فيها، و ان دخل الضرر على الغاصب بإزالته، و إذا رضي المالك ببقاء زرع الغاصب و غرسه في الأرض مجانا جاز له إبقاؤه، و كذلك إذا رضي ببقائه مع الأجرة فيتراضيان على تعيين المدة و مقدار الأجرة، و إذا بذل الغاصب أجرة الأرض ليبقى زرعه و غرسه فيها الى أن يدرك لم يجب على المالك القبول و كذلك إذا بذل له قيمة الأرض ليشتريها منه فلا يجب عليه القبول، و إذا رغب المالك ان يشتري الزرع و الغرس من الغاصب فبذل له قيمته لم تجب على الغاصب اجابته الى ذلك.

و إذا أزال الغاصب زرعه و غرسه من الأرض وجب عليه طم حفرها و ان يدفع للمالك أرش نقصها الذي يحدث فيها بسبب فعله.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 199

المسألة 61:

إذا غصب الغاصب الأرض و بنى فيها بناء و كانت مادة البناء و حجارته و اجزاؤه ملكا للغاصب نفسه جرى فيها جميع الأحكام المتقدمة في الزرع و الغرس، فالبناء و نتاجه ملك للغاصب، و تلزمه أجرة المثل للأرض ما دام البناء موجودا عليها، و تجب على الغاصب ازالة البناء من الأرض الا إذا رضي المالك ببقائه مع الأجرة أو بدونها حسب ما يتراضيان عليه، و هكذا في جميع الأحكام و الآثار التي ذكرناها في المسألة المتقدمة.

المسألة 62:

إذا حفر الغاصب في الأرض المغصوبة بئرا أو شق فيها نهرا، فان طلب المالك منه ان يطم البئر أو النهر لغرض من الأغراض المقصودة، كما إذا أراد أن يبني فيها عمارة، وجب عليه ذلك و لزمه ان يطم الأرض و يساوي الحفر، و إذا لم يطلب المالك ذلك لم يجز له طم البئر و النهر سواء منعه المالك عن ذلك أم لم يمنعه، و لم يطلب منه إزالتهما.

المسألة 63:

إذا غرس الغاصب في الأرض المغصوبة غرسا أو زرع فيها زرعا أو بنى فيها بناء و كان الودي و الفسيل الذي غرسه فيها و الحب الذي زرعه و أجزاء البناء الذي اقامه ملكا لمالك الأرض، فجميع الغرس و الزرع و البناء الذي أحدثه في الأرض يكون للمالك و لا يحق للغاصب أن يزيل منه شيئا أو يطالب مالك الأرض عنه بأجرة عمل، و يجوز لمالك الأرض أن يلزمه بإزالة ما أحدث في الأرض إذا كان له من ذلك غرض يقصده العقلاء، فإذا ألزمه بذلك وجب على الغاصب أن يزيله و إذا حدث بسببه نقص في الأرض لزم الغاصب دفع أرش الأرض و وجب عليه طم حفرها.

المسألة 64:

قد تكون الزيادة التي يزيدها الغاصب في العين أثرا مشوبا بعين، و قد شاع التمثيل بين الفقهاء لهذه الصورة بما إذا غصب ثوبا ثم صبغه بصبغ يملكه الغاصب، و هذا المثال قد يصعب تطبيقه على بعض الفروض

كلمة التقوى، ج 6، ص: 200

التي يدور الحديث عليها في المسألة، و كذلك إذا مثل له بما إذا غصب سيارة ثم صبغها، أو غصب دارا ثم صبغها بصبغ يملكه، و الأمر سهل في المثال بعد وضوح المراد.

و إذا غصب العين ثم صبغها كما في المثال، فقد يكون من الممكن للغاصب أن يزيل الصبغ عن الثوب أو السيارة أو الدار المغصوبة، بحيث تبقى العين خالية من الصبغ، و يبقى الصبغ عينا متمولة بعد ازالته عن العين المغصوبة، فإذا أمكن ذلك، جاز للغاصب أن يفعله، و لا يحق لمالك العين أن يمنعه من فعله، و يجوز لمالك العين أن يلزم الغاصب بفعله فيختص كل واحد منهما بما يملك، و إذا أزال الغاصب الصبغ عن

العين المغصوبة فأوجب ذلك حدوث نقص فيها كان الغاصب ضامنا للنقص فيجب عليه دفع أرشه سواء كان فعله باختياره هو أم بطلب من مالك العين.

و إذا طلب مالك العين من الغاصب أن يملكه الصبغ ليكون المجموع له لم تجب على الغاصب اجابته الى طلبه، و كذلك إذا طلب الغاصب من المالك أن يملكه العين فبذل له قيمتها لم تجب على المالك إجابته.

المسألة 65:

إذا لم يمكن للغاصب أن يزيل الصبغ عن العين، و كانت للصبغ عين متمولة و هو في هذا الحال، كان مالك العين و مالك الصبغ شريكين في العين المصبوغة بنسبة القيمة، فإذا كانت قيمة العين و قيمة الصبغ متساويتين كانا شريكين بالمناصفة، و إذا كانت القيمتان متفاوتتين كان كل واحد شريكا في المجموع بنسبة قيمة ماله، فإذا كانت قيمة الثوب وحده عشرة دنانير و قيمة الصبغ وحده خمسة دنانير فلمالك الصبغ الثلث من المجموع و لمالك الثوب الثلثان، و هكذا في الزيادة و النقيصة. و إذا حدث نقص في قيمة العين بسبب الصبغ أو بسبب آخر كان الغاصب ضامنا للنقص، و لا يضمنه إذا كان النقص بسبب هبوط القيمة في السوق.

و كذلك الحكم إذا أمكنت إزالة الصبغ و لكنهما تراضيا على بقاء

كلمة التقوى، ج 6، ص: 201

الاشتراك بينهما فيكونان شريكين بنسبة القيمة على نهج ما تقدم بيانه و تفصيله في المسألة.

المسألة 66:

إذا صبغ العين التي غصبها بصبغ مغصوب أيضا، و كانت للصبغ عين متمولة في قبال العين المغصوبة كما فرضنا في المسألة السابقة، و لم تمكن الإزالة حصلت الشركة بين مالك العين و مالك الصبغ بنسبة قيمة ماليهما على نهج ما سبق، و إذا طرأ على أحدهما نقص بسبب فعل الغاصب كان الغاصب ضامنا لأرشه، و إذا طرأ النقص عليهما معا ضمن الغاصب لكل واحد منهما النقص الذي ورد على العين التي يملكها بالسوية إذا كان النقص متساويا و بالنسبة إذا كان متفاوتا.

المسألة 67:

إذا غصب الرجل شيئا مثليا فخلطه بجنسه مما يملك حتى فقد التمييز بينهما و كان المالان متماثلين في الصفات و في الجودة و الرداءة، كان الغاصب مع المالك شريكين في مجموع المال بنسبة مقدار كل واحد من المالين الى المجموع، و جرت عليه أحكام المال المشترك، و لا يكون الغاصب ضامنا لمثل المال المغصوب أو قيمته، و لا يجوز له التصرف في المجموع الا برضى المالك، و يجب عليه تسليم المال المشترك ليفرز بينه و بين شريكه برضاهما و يقسم عليهما بنسبة ماليهما، أو ليباع المجموع و يأخذ كل واحد منهما حصته من الثمن بتلك النسبة، و يتخيران في ذلك.

المسألة 68:

إذا غصب الرجل شيئا مثليا و خلطه بشي ء من جنسه مما يملك حتى ارتفع التمييز بين المالين كما ذكرنا في الفرض المتقدم، و كان المال المغصوب أجود من ماله الذي خلطه به، كان الغاصب مع المالك شريكين في مجموع المال بنسبة مقدار المالين كما سبق، فإذا خلط منا مغصوبا من الحنطة بمن من الحنطة يملكه فهما شريكان بالمناصفة في مجموع المال، و إذا خلطه بمنين مما يملكه فهما شريكان بالمثالثة و يكون لصاحب العين المغصوبة ثلث المجموع و للغاصب الثلثان منه، و إذا أرادا تقسيم المال أو أرادا بيعه لزم أن يكون التقسيم و البيع بنسبة القيمة، فإذا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 202

كانت قيمة المن المغصوب عشرة دنانير لأنه أجود و كانت قيمة المن الذي يملكه خمسة دنانير كانت الشركة بينهما بالمناصفة لتساوي المالين في المقدار و لزم أن يكون التقسيم بينهما بالمثالثة، فيجعل لمالك المن المغصوب سهمان من المجموع لأنه يملك ثلثي القيمة و يجعل للغاصب سهم واحد منه، لأنه يملك ثلث القيمة،

و كذلك إذا باعا مجموع المال، فيكون للأول ثلثا الثمن و للثاني ثلثه.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 6، ص: 202

و الأحوط في الفرض و في جميع نظائره مما يختلط فيه المالان و هما من جنس واحد مما يكال أو يوزن، و يكونان مختلفي القيمة أن يختار البيع و تقسيم الثمن بحسب القيمة تخلصا من شبهة الربا، و ان كان الأقوى عدم جريان أحكام الربا في القسمة كما ذكرناه في المسألة الخامسة و الثلاثين من كتاب الشركة.

المسألة 69:

إذا غصب الشي ء المثلي و خلطه بمثله مما يملك حتى فقد التمييز بين المالين، و كان المال المغصوب أردأ من ماله الذي خلطه به كان المالك و الغاصب شريكين في المال الممتزج و جرت فيه الأحكام التي ذكرناها في المسألة الثامنة و الستين سواء بسواء و لا حاجة الى التكرار.

المسألة 70:

إذا غصب الرجل الشي ء و مزجه بغير جنسه حتى عد المال المغصوب تالفا في نظر أهل العرف، و مثال ذلك أن يمزج ماء الورد المغصوب بالماء المطلق حتى يصبح المجموع ماء مطلقا، أو يمزجه بزيت أو خل أو نحوهما مما لا يبقى معه لماء الورد عين و لا خصوصيته في نظر الناس، فيكون الغاصب ضامنا للعين المغصوبة بمثلها إذا كانت مثلية و بقيمتها إذا كانت قيمية.

و إذا مزجه بجنس آخر و لم يعد تالفا في نظر أهل العرف، بل يعدونه مالا ممتزجا بغيره، جرى فيه الحكم المتقدم في خلط الشي ء بما هو أجود منه أو أردأ، فيكون الغاصب و المالك شريكين في العين بنسبة مقدار ما لأحدهما من المال الى مجموع المالين، و إذا أرادا القسمة أو أرادا بيع

كلمة التقوى، ج 6، ص: 203

المال كانت القسمة بنسبة قيمة كل واحد من المالين إلى قيمة مجموعهما كما فصلناه في المسألتين السابقتين.

المسألة 71:

إذا خلط الغاصب المال المغصوب بمال آخر هو أجود منه أو أردأ، أو خلطه بمال من جنس آخر فكان هذا الخلط سببا لنقص قيمة المال المغصوب عن قيمته قبل الخلط، كان الغاصب ضامنا لهذا النقص، فإذا قسم المال أو بيع، أخذ المالك مقدار قيمة ماله المغصوب قبل خلطه و كان الباقي للغاصب.

المسألة 72:

منافع العين المغصوبة كلها و نماءاتها و فوائدها مملوكة لمالك العين من غير فرق بين ما كان موجودا منها قبل الغصب و ما تجدد بعده، و الغاصب ضامن لها جميعا، من غير فرق بين الأعيان منها كالولد و الثمر و اللبن و الزبد و الصوف و الشعر و الوبر، و المنافع كركوب السيارة و الفرس و الدابة و الحمل عليها، و منافع الدار و العقار و الضيعة و البستان و فوائدها التي تحصل من إجارتها و غيرها، و كل صفة تزيد بسبب وجودها قيمة العين المغصوبة، فإذا وجدت الصفة بعد الغصب ثم فقدت فكان زوالها موجبا لنقصان قيمة العين بعد زيادتها، فهي مضمونة على الغاصب و ان كانت قيمة العين حين الرد مساوية لقيمتها حين الغصب.

المسألة 73:

إذا غصب عبدا مملوكا فعلمه بعد الغصب صنعة زادت لها قيمة العبد، ثم نسي العبد الصنعة فهبطت قيمته كان الغاصب ضامنا لتلك الزيادة المفقودة، فإذا تعلم العبد تلك الصنعة مرة ثانية فزادت قيمته، فلا ضمان على الغاصب للزيادة الأولى بعد رجوع الصفة و القيمة الى ما كانت، الا أن تنقص قيمته الثانية عن قيمته الأولى، فيكون الغاصب ضامنا للتفاوت الذي حصل بين القيمتين، و كذلك الحكم إذا سمنت الدابة فزادت قيمتها، ثم هزلت فنقصت القيمة كان الغاصب ضامنا لتلك القيمة، و إذا عاد لها سمنها و عادت قيمتها، فلا ضمان عليه

كلمة التقوى، ج 6، ص: 204

لقيمتها الأولى، إلا إذا قلت قيمتها في المرة الثانية، عن قيمتها الأولى فيكون ضامنا للتفاوت.

المسألة 74:

إذا حصلت في العين المغصوبة صفة فزادت لذلك قيمتها، ثم فقدت تلك الصفة، فنقصت القيمة، ثم تجددت في العين صفة أخرى زادت لها قيمة العين مرة ثانية لم يزل عن الغاصب ضمان القيمة الأولى بتجدد الصفة و القيمة الثانية.

و مثال ذلك: أن يتعلم العبد صنعة أو لغة فتزيد لذلك قيمته، ثم ينسى الصنعة فتهبط قيمته لذلك و يكون الغاصب ضامنا لتلك الزيادة، فإذا تعلم العبد صنعة ثانية و رجعت قيمته أو زادت عن الأولى فلا يزول بذلك ضمان الغاصب للزيادة الأولى، و من أمثلة ذلك أن تسمن البقرة فترتفع لذلك قيمتها ثم تهزل فتقل قيمتها الأولى و يكون الغاصب ضامنا لها، ثم يكثر بعد ذلك لبن البقرة فترتفع قيمتها مرة ثانية، بسبب ذلك و لا يزول بذلك ضمان الغاصب للزيادة الأولى.

المسألة 75:

إذا تجددت في العين المغصوبة صفة و لم توجب الصفة زيادة في قيمة العين لم يضمنها الغاصب إذا فقدت، و مثال ذلك: أن يسمن العبد المملوك ثم يزول سمنه فلا يكون الغاصب ضامنا لذلك.

المسألة 76:

إذا جب الغاصب العبد المغصوب وجبت عليه دية الجناية على العبد، و ان زادت بسبب ذلك قيمة العبد.

المسألة 77:

إذا غصب الرجل حبا فزرعه كان الزرع و نتاجه لمالك الحب، سواء زرعه الغاصب في أرضه و سقاه من مائه أم زرعه في أرض المغصوب منه و سقاه من مائه، و كذا إذا غصب فسيلا أو وديا فغرسه، فالغراس و نتاجه لمالك الفسيل و الودي و تلاحظ المسألة الثالثة و الستون.

المسألة 78:

إذا غصب الغاصب بيضا فأحضنه دجاجته أو جعله في الجهاز الحديث

كلمة التقوى، ج 6، ص: 205

الذي يملكه هو المعد لاحتضان البيض و استفراخه حتى أنتج، فالفراخ الناتجة ملك لمالك البيض، و لا يستحق الغاصب على عمله أجرة و كذلك إذا غصب دجاجا أو غيره من ذوات البيض، فأنتجت بيضا ثم فراخا، فالبيض و الفراخ لمالك الدجاج المغصوب، و لا أجرة للغاصب على عمله.

المسألة 79:

إذا غصب فحل بقر أو فحل غنم أو غير ذلك من فحول الحيوان و أنزاه على إناث من جنسه فلقحت و أولدت، فالنتاج لمالكي الإناث، و إذا كانت الإناث ملكا للغاصب نفسه فالنتاج له و تجب عليه أجرة الفحل لمالكه.

المسألة 80:

يملك الكافر الذمي الخمر و الخنزير إذا كان يستتر بشرب الخمر و أكل لحم الخنزير و لا يتجاهر بهما كما هو أحد شروط الذمة عليه، فإذا غصبهما منه غاصب و تلفا عنده بعد الغصب كان ضامنا لقيمتهما عند أهل الذمة.

و إذا ملك المسلم عصيرا و انقلب عنده خمرا كان له حق الاختصاص به، فلا يحل لأحد غصبه منه، فإذا انقلب بعد ذلك خلا كان ملكا له، و نتيجة لذلك فإذا غصبه منه غاصب بعد ان انقلب خمرا، وجب على الغاصب رده اليه لاختصاصه به، و كذلك إذا غصبه منه عصيرا ثم انقلب عند الغاصب خمرا فيجب عليه رده، و مثله ما إذا اختص المسلم بالخمر بسبب آخر ليجعل الخمر خلا، أو لغير ذلك من الغايات المباحة، فإذا غصبه أحد وجب عليه رده، و إذا انقلب عند الغاصب خلا ثم تلف كان الغاصب ضامنا لقيمته خلا، و إذا تلف عند الغاصب و هو خمر و قد غصبه خلا ضمن قيمة الخل كذلك و إذا غصبه خمرا و تلف عنده خمرا ففي ضمانه اشكال، و لا يترك الاحتياط بأن يصالحه عن حق الاختصاص.

المسألة 81:

تجري جميع أحكام الضمان التي تقدم تفصيلها و بيانها في كل يد توضع على مال الآخرين بغير حق، و ان لم تكن اليد غاصبة و لا ظالمة، و لم يكن واضعها عاصيا و لا آثما، كما إذا وضع الرجل يده على مال

كلمة التقوى، ج 6، ص: 206

غيره و هو يعتقد أن المال له ثم علم أنه مال غيره، و كما إذا أخذ المال من أحد بشراء أو هبة أو عارية و هو يعتقد أن المال ملك لذلك الشخص، ثم ظهر له انه سارق،

و قد تقدم ان جميع هذه الأحكام تجري في الأشياء التي يقبضها الإنسان بالسوم أو يقبضها بالمعاملة الفاسدة. و يسمى الضمان في جميع هذه الموارد بضمان اليد، لقوله (ص): (على اليد ما أخذت حتى تؤدي)، و لا ضمان على صاحب اليد إذا كان أمينا سواء كانت أمانته من قبل المالك كالوديعة و العارية أم كانت بحكم الشارع كالعين المستأجرة و نحوها.

الفصل الثالث في بعض ما يوجب الضمان

المسألة 82:

إذا أتلف الإنسان مال غيره لزمه ضمان ما أتلف، سواء كان عامدا في فعله أم غير عامد كما إذا كسر الإناء أو أراق المائع و هو نائم أو و هو ساه أو غافل، فيلزمه ضمانه، و كذلك إذا أتلف الشي ء في حال صغره و عدم تكليفه فيكون عليه ضمان التالف، و يؤديه عنه الولي من مال المولى عليه و إذا لم يكن له و لي أو لم يكن له مال لزمه اداؤه بعد البلوغ.

المسألة 83:

قد يكون إتلاف الإنسان لمال الغير بنحو المباشرة للإتلاف كما إذا ضرب الإناء أو أوقعه من شاهق فكسره، أو رمى الحيوان ببندقية أو بسهم أو بحجر فقتله أو ألقى الشي ء في النار أو في البحر فأحرقه أو أغرقه، و قد يكون إتلافه إياه بنحو التسبيب، كما إذا وجه الأعمى نحو بئر أو هاوية في الطريق فسقط فيها و مات، أو ساق الدابة بعنف و هي لا تدري نحو بئر أو هاوية أو حافة جبل فوقعت فيها و هلكت، أو جعل في الطريق بعض المزالق أو المعاثر فانزلق فيها بعض الغافلين أو بعض الأطفال أو الحيوان أو بعض أدوات النقل فتلف، فإذا حصل التلف بأحد النحوين كان المتلف المباشر أو المسبب ضامنا لما حصل، فيضمن المال لصاحبه بمثله إذا كان مثليا و بقيمته إذا كان قيميا و إذا حدث

كلمة التقوى، ج 6، ص: 207

بفعله أو بسببه عيب في الشي ء أو حصلت جناية على صغير أو كبير ضمن أرش العيب و أرش الجناية.

المسألة 84:

إذا ذبح الإنسان حيوانا يملكه غيره على غير الوجه الشرعي، أو ذبحه على الوجه الشرعي و كان الحيوان مما لا ينتفع به بحسب العادة بعد ذبحه بأكل و نحوه، كالفرس و البغل و الحمار فان هذه الحيوانات لا يؤكل لحمها عادة و لا ينتفع بها بعد ذبحها و ان كانت محللة اللحم، و لذلك فهي مما تعد تالفة بالذبح، و يكون الذابح لها ضامنا، و إذا ذبح حيوانا يملكه غيره على الوجه الشرعي و كان الحيوان مما يؤكل لحمه و ينتفع باجزائه بعد التذكية كالبقر و الغنم و الإبل، فلا يعد تالفا، و لا يكون الذابح له ضامنا للإتلاف، و يضمن للمالك تفاوت

قيمة الحيوان ما بين كونه حيا و مذبوحا، و إذا ذبحه و أكل لحمه أو قسم لحمه كان ضامنا لقيمته.

المسألة 85:

إذا أثبت في الطريق وتدا ليعثر به بعض المارة أو بعض الحيوان، فيصيبه بسبب ذلك عطب أو كسر كان ضامنا لما يحدث بسبب فعله من جناية أو خسارة أو تلف مال، كما إذا عثر بالوتد إنسان أو دابة فوقعت و تلف المتاع الذي تحمله، و كذلك إذا لم يقصد به ذلك و لكن وضع الوتد في ذلك الموضع مظنة لحدوث مثل ذلك، و إذا جعل الوتد لغاية صحيحة و لم يكن وضعه في ذلك مظنة لذلك، فاتفق حدوث مثله ففي ضمانه اشكال.

و من صغريات المسألة ما إذا أصاب الوتد عجلة سيارة أو وسيلة نقل أخرى فأحدث جناية أو تلف مال أو عيبا أو نحو ذلك فيجري فيه البيان الآنف ذكره.

المسألة 86:

و من ذلك ما إذا جعل في الطريق عقبة توجب نفور الدابة إذا مرت بها، فإذا وضع العقبة بهذا القصد أو كانت مظنة لذلك، فنفرت الدابة حين اجتازت بها، فوقعت و أصابها عقر أو كسر، أو جنت على راكبها

كلمة التقوى، ج 6، ص: 208

أو على شخص آخر أو أتلفت مالا، كان واضع العقبة ضامنا لما حدث بسببه.

المسألة 87:

إذا فك الرجل القيد عن المجنون و تركه مطلقا كان ضامنا لما يجني و لما يتلف، إذا كان من شأنه أن يقيد، و كذلك الحيوان إذا كان من طبعه أن يؤذي أو يجني كالكلب العقور و الفرس المؤذي و الدابة الصائلة، فيجب على صاحبه أن يربطه للاحتراز منه، فان فرط في التحفظ فتركه مهملا، أو حله من رباطه في وقت يجب فيه التحفظ كان ضامنا لما يحدث بسببه، و إذا حله أحد بعد أن ربطه مالكه كان هو الضامن.

المسألة 88:

إذ فك الإنسان دابة أو حيوانا يملكه غيره من رباطه، فشرد أو دخل في حظيرة حيوان آخر فجنى الحيوان عليه أو قتله كان الإنسان الذي فكه ضامنا لقيمته و لأرش الجناية عليه و كذلك إذا فتح الرجل القفص فطار الطائر منه و لم يقدر صاحبه على إمساكه، فيضمن الرجل قيمته لصاحبه، و يضمن أيضا ما تتلفه الدابة بعد ما فكها من الرباط، أو يتلفه الطائر بخروجه من القفص، و يضمن قيمة الطائر إذا عطب بسبب الخروج منه، كما إذا كان باب القفص ضيقا فاضطرب الطائر فيه حتى عطب أو انكسر.

المسألة 89:

إذا غصب الرجل الشاة و ترك ولدها صغيرا، فمات بعدها جوعا، فان ترك الولد و لا غذاء له غير ارتضاعه من أمه كان الغاصب هو السبب في تلف الولد فيلزمه ضمان قيمة الولد لمالكه و ان لم ينحصر غذاؤه بلبن أمه، فلا ضمان على الغاصب بتلفه.

المسألة 90:

إذا حبس الرجل راعي الماشية أو مالكها عنها، فهلكت بعد غيبته عنها، فان كانت الماشية ترعى أو تقيم في أرض ذات سباع أو ذئاب مثلا و كان مالك الماشية أو راعيها هو الحارس لها من أخطارها كان

كلمة التقوى، ج 6، ص: 209

الحابس هو السبب في هلاكها، فيكون ضامنا لقيمتها، و الا فلا ضمان عليه.

المسألة 91:

إذا حل الرجل وكاء الظرف، فسأل المائع الذي جعل فيه من سمن أو عسل أو غيره كان ذلك الرجل ضامنا لقيمة المائع.

و إذا فتح بعض وكاء الظرف و كان الظرف مسندا الى جدار و نحوه فلا يسيل ما فيه بحسب العادة بمجرد فتح رأسه و اتفق ان حط عليه طائر، أو حركة حيوان فانقلب، أو قلبته ريح عاصفة فسال ما فيه، أشكل الحكم على الرجل بالضمان.

و يقوي الحكم عليه بالضمان إذا كان مظنة لحدوث مثل ذلك كما إذا في مهب ريح عاصفة أو في موضع تكثر فيه طيور أو حيوانات تعبث بمثله.

المسألة 92:

لا يضمن مالك الجدار إذا وقع جداره في الطريق أو في بيت غيره أو في ملكه فأتلف مالا، أو أتلف نفسا أو جنى عليها، و إذا مال الجدار الى الطريق أو الى ملك الغير أو بناه صاحبه مائلا كذلك، و لم يزل صاحبه خطره أو يصلحه مع تمكنه من ذلك، فسقط الجدار و أتلف أو جنى، كان على صاحب الجدار ضمان ذلك، و كذلك إذا تمكن من الاعلام بالخطر و لم يعلم به حتى وقع المحذور، و انما يكون صاحب الجدار ضامنا إذا كان الشخص المجني عليه أو الشخص الذي تلف ماله لا يعلم بالحال، فإذا كان الشخص عالما بأن الجدار منهار و مائل للانهدام و وقف تحته أو وضع ماله بقربه فسقط الجدار و تلف المال أو حصلت الجناية، فلا ضمان على صاحب الجدار.

المسألة 93:

إذا أوقد الرجل في منزله أو في ملكه نارا لبعض الأغراض، و كان من شأن النار التي أوقدها أن تسري الى بيت غيره أو ملكه لوجود ريح قد تحمل اللهب و قد تطير الشرر، فسرت النار و أتلفت، كان موقد

كلمة التقوى، ج 6، ص: 210

النار ضامنا لما يحدث بسبب فعله، سواء تجاوز في النار التي أوقدها عن مقدار حاجته أم لم يتجاوز عنه، و سواء علم أو ظن بأن النار تتعدى و تسري أم لم يعلم و لم يظن أم اعتقد بعدم السراية فاتفق أن تعدت و سرت لوجود الريح.

و إذا أوقد نارا ليس من شأنها التعدي لسكون الريح، و اتفق ان عصف الهواء و حمل الشرر فسرت النار الى ملك غيره، فالظاهر عدم الضمان بذلك.

المسألة 94:

إذا أرسل الإنسان الماء في بيته أو في ملكه فتعدي الى ملك شخص آخر فأفسد أو أضر به كان المرسل ضامنا لذلك سواء كان يعتقد بعدم وصول الماء الى ملك الآخر أو عدم الضرر به أم يعتقد خلاف ذلك.

و إذا أرسل الماء في ملكه فعداه غيره الى ملكه لينتفع به فأضره، فلا ضمان على المرسل الأول، و إذا عداه الثاني إلى ملكه فأضر بملك الثالث كان الثاني ضامنا للثالث و لا ضمان على الأول.

المسألة 95:

إذا حمل الحمال سارية ضخمة من الخشب أو من الحديد على ظهره ليوصلها الى مكان فصدم بها جدارا أو بناء فصدعه أو هدمه كان ضامنا لما فعله، و إذا اجهده حمل السارية فأسندها الى جدار أحد ليستريح، و لم يستأذن مالك الجدار بذلك، فأوجب اسنادها صدعا في الجدار أو انهيارا، أو وقع الجدار بسبب ذلك فأتلف مالا أو نفسا كان الحمال ضامنا لكل ذلك إذا كان وقوع الجدار أو تصدعه أو إتلاف الشي ء مستندا إلى اسناد الخشبة اليه، و ان تأخر وقوع الجدار عن إسناد الخشبة اليه ساعة مثلا أو أكثر، و إذا وقعت السارية فأتلفت بوقوعها شيئا لزم الحمال ضمانه أيضا.

المسألة 96:

إذا دخلت دابة الرجل أو حيوانه الى مزرعة أحد فأكلت زرعه أو أفسدته ضمن مالكها ما أكلته و ما أفسدته إذا كان المالك مع الدابة في

كلمة التقوى، ج 6، ص: 211

دخولها راكبا عليها أو قائدا أو سائقا لها أو مصاحبا لها، و إذا لم يكن المالك معها في دخولها كان ضامنا لما أتلفته إذا وقع ذلك ليلا، و لا ضمان عليه إذا كان نهارا.

المسألة 97:

إذا جعل المالك الدابة أو الحيوان عند الراعي أو بيد مستأجر لها أو بيد مستعير فدخلت مزرعة الغير و أكلت زرعه أو أفسدته، فالضمان الذي ذكرناه في المسألة السابقة على الراعي و على المستأجر و على المستعير و لا ضمان على المالك.

المسألة 98:

إذا اجتمع سببان تامان من فعل شخصين في إتلاف نفس أو إتلاف شي ء، و لم يسبق أحدهما على الآخر في التأثير، فالأقوى أن الشخصين كليهما يكونان مشتركين في ضمان التالف و كذلك إذا سبق أحدهما على الآخر في وجوده بعد أن كان الأثر و هو تلف التالف انما تحقق بهما جميعا.

و مثال ذلك: ما إذا حفر رجل بئرا أو حفيرة عميقة ليوقع فيها بعض العابرين، و لما اجتاز أحدهم صرخ به رجل آخر صرخة أذهلته فوقع في البئر من غير اختيار، أو ضرب في الهواء طلقة نارية ففزع و سقط في البئر من شدة الفزع فمات أو انكسر بعض أعضائه، و من أمثلة ذلك: أن يضع الرجل لغما في الماء ليقتل به شخصا و يفزعه الآخر فيغرق في الماء و يصيبه اللغم فيهلك بفعلهما معا فيكونان شريكين في الضمان، إلا إذا علم أن التلف حصل بفعل أحدهما خاصة، فيكون هو الضامن.

المسألة 99:

إذا كان أحد الشخصين سببا في إتلاف التالف بفعله، و كان الآخر هو الفاعل المباشر لذلك، فالضمان على المباشر للفعل، فإذا حفر أحدهما الحفيرة ليهلك بها الشخص ثم دفعه الآخر فيها، فالجاني هو الدافع لا الحافر، و إذا وضع أحدهما اللغم و أوقعه الثاني عليه فالجاني عليه هو من أوقعه على اللغم لا من وضع اللغم في طريقه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 212

و يستثنى من ذلك ما إذا كان السبب أقوى في حصول الأثر من المباشر، كما إذا وضع الرجل الإناء عند رجلي النائم فدفعه النائم برجله و كسره، أو أغرى به طفلا أو مغفلا فألقاه من شاهق فتحطم و ما أشبه ذلك.

المسألة 100:

إذا أكره القوي ضعيفا على إتلاف مال غيره، و هدده بأن يوقع به ما يكرهه إذا هو لم يفعل ما ألزمه به، و خشي الضعيف منه أن يوقع به ما هدده به إذا لم ينفذ قوله، فأتلف المال كما أمره به، فالضمان على القوي المكره لأن السبب أقوى من المباشر.

و هذا في المال الذي لم يلزم المتلف ضمانه من قبل كمال الوديعة أو العارية أو العين المستأجرة أو مال الغير الذي لم يكن تحت يده، و إذا أكرهه على إتلاف المال الذي غصبه و لزمه ضمانه بسبب الغصب أو الذي قبضه بالسوم أو بالمعاملة الفاسدة، فأتلفه للإكراه، تخير مالك المال بالرجوع على كل من المتلف أو على من أكرهه، فإن أخذ بدل ماله من المتلف كان للمتلف الرجوع بالغرامة على من أكرهه، و إذا أخذ البدل من المكره لم يرجع بغرامته على المتلف.

المسألة 101:

إذا أكره القوي الضعيف على قتل أحد فقتله كان الضمان على القاتل و لا يسقط الضمان عنه بالإكراه، فإنه لا إكراه في الدماء، و لا يرجع على من أكرهه بشي ء و ان كان عاصيا و آثما بفعله.

المسألة 102:

إذا غصب الغاصب طعاما أو شرابا، فاستضاف مالكه و أطعمه طعامه أو سقاه شرابه و المالك لا يعلم بأن المال ماله، ضمن الغاصب له ذلك المال، فان السبب و هو الغاصب أقوى من المباشر لجهله و كذلك إذا غصب منه شاة أو بقرة و طلب الغاصب من المالك ذبحها، فذبحها و هو يجهل بأنها ملكه، فيجب على الغاصب ان يرد لحم الحيوان المذبوح

كلمة التقوى، ج 6، ص: 213

و أجزاءه التي ينتفع بها على مالكه، و يضمن له التفاوت ما بين قيمة الحيوان حيا و قيمته مذبوحا كما ذكرنا في المسألة الرابعة و الثمانين.

المسألة 103:

إذا غصب زيد طعام عمرو أو شرابه و استضاف رجلا غير مالك الطعام و الشراب فأطعمه أو سقاه إياه و الرجل يجهل أن الطعام و الشراب ملك الغير، فالظاهر ان الغاصب و الآكل كليهما ضامنان للمال، و يتخير المالك ان يأخذ بدل ماله من الغاصب أو من الآكل، فإذا أخذ البدل من الغاصب لم يكن له أن يرجع على الآكل بشي ء منه، و إذا أخذه من الآكل جاز له أن يرجع على الغاصب بما غرم لأنه مغرور منه.

المسألة 104:

إذا سعى الرجل بأحد إلى شخص متنفذ سعاية فأخذ المتنفذ منه مبلغا من المال بغير حق فهو آثم بسعايته بالرجل، و لا ضمان على الساعي لما غرمه المتنفذ من المال بل يكون الضمان على آخذ المال، و كذلك إذا شكاه اليه بحق أو بغير حق فغرمه مالا، فيكون الضمان على آخذ المال.

المسألة 105:

إذا تلفت العين المغصوبة و كانت قيمية اشتغلت ذمة الضامن بقيمة المغصوب في يوم تلفه لا بعينه، و هو ظاهر صحيحة أبي ولاد، و نتيجة لهذا فإذا اختلف مالك العين المغصوبة و غاصبها بعد أن تلفت العين في مقدار القيمة في يوم التلف، و لم توجد بينة تعين المقدار، فالقول قول الغاصب مع يمينه لأنه ينكر الزائد. و كذلك الحكم إذا تنازعا في وجود صفة في العين المغصوبة تزيد بها قيمتها، فادعى المالك بأن العبد قد تعلم الصنعة حين الغصب أو بعده فالزيادة مضمونة و أنكر الغاصب وجودها، فالقول قول الغاصب مع يمينه لأنه منكر.

المسألة 106:

إذا تنازعا في ثياب على العبد المغصوب أو الأمة المغصوبة أو في سرج على الفرس المغصوب أو في فراش في الدار المغصوبة فقال المالك: انها

كلمة التقوى، ج 6، ص: 214

ملك له و ادعى الغاصب انها له، فالقول قول الغاصب مع يمينه لأنه صاحب اليد على هذه الأشياء التي يدعي بها و ان كان غاصبا للعين.

المسألة 107:

ما يضمنه الإنسان بسبب الغصب أو بسبب الإتلاف يكون في ذمته و في ماله و لا يكون على عاقلته.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 215

كتاب الحجر

اشارة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 217

كتاب الحجر

المسألة الأولى:

الحجر في اللغة يعني المنع من الشي ء، فيقولون: زيد محجور من دخول البلد إذا منعه مانع من دخوله، و يصح فيه ضم الحاء و فتحها و كسرها، و يختص عند الفقهاء بأن يكون الشخص ممنوعا عن أن يتصرف بماله، لوجود أحد الأسباب الموجبة لذلك، و هي كثيرة.

و المهم من الأسباب المانعة للشخص من التصرف في ماله ستة أمور، و سنتعرض هنا لأربعة منها فقط، لاهتمام الفقهاء بها، و هي صغر السن، و السفه، و الفلس، و المرض الذي يموت الشخص فيه، و أما الجنون فقد ذكرنا المهم من أحكامه في كتاب التجارة و كتاب النكاح و غيرهما من أبواب الفقه و فيها ما يغنينا عن التكرار هنا و أما الرق فإن قلة الابتلاء بأحكام العبيد و الإماء في الأزمان المتأخرة يغنينا عن البحث فيها، و قد ذكرنا جملة وافرة منها في أبواب المعاملات و في بعض كتب العبادات.

و بعد فما نتعرض له من أحكام الحجر يحتوي على أربعة فصول:

الفصل الأول في صغر السن

المسألة الثانية:

يحجر الصبي الصغير شرعا من أن يتصرف في أمواله بأن يبيع أو يشتري أو يهب أو يتهب أو يصالح أو يقبل الصلح عليها أو على شي ء منها، أو يقرض أو يؤجر أو يودع أو يعير أو يجري غيرها من أنواع التصرف، و لا ينفذ تصرفه في المال و لا تترتب عليه آثاره إذا هو أجراه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 218

و المراد بالصغير من لم يصل الى أوان البلوغ الشرعي و ان كان مميزا رشيدا، و كان تصرفه موافقا للمصلحة لنفسه و لمن يتعامل معه و للمال.

و منع المشهور من صحة تصرفه في المال حتى مع اذن الولي له قبل التصرف أو إجازته له بعد التصرف، فلا

تصح معاملته على هذا القول على الإطلاق، و هو ممنوع و سيأتي التعرض لذلك و سنذكر بعض المستثنيات ان شاء اللّه تعالى.

المسألة الثالثة:

يحجر الصبي الصغير عن أن يتصرف في ذمته فيشغلها ببعض المعاوضات، فلا يصح له أن يقترض من أحد مالا فيصبح مال القرض في ذمته أو ببيع على أحد أو يشتري منه سلفا أو نسيئة، و يحجر كذلك عن أن يتصرف في نفسه، فليس له أن يتولى تزويج نفسه أو طلاق زوجته، أو يؤجر نفسه لعمل أو يجعل نفسه عامل مضاربة أو مزارعة أو مساقاة أو غير ذلك من أنواع التصرف في النفس.

المسألة الرابعة:

تقدم منا في المسألة الثالثة و السبعين من كتاب التجارة: أن ولي الصبي إذا قام بالمعاملة على بيع مال الصبي حتى أتم المساومة و حصل الاتفاق بينه و بين المشتري ثم وكل الصبي نفسه في أن يجري صيغة البيع على المشتري، فالأقوى صحة المعاملة و نفوذها إذا كان الصبي مميزا و صحيح الإنشاء، و كذلك إذا أتم الولي معاملة الشراء له ثم وكله في إنشاء القبول، فالصبي غير مسلوب العبارة لصغره على الأقوى إذا كان يحسن الإنشاء.

و ذكرنا في المسألة ذاتها: أن الظاهر صحة معاملة الصبي المميز في الأمور غير الخطيرة، فيصح له أن يتولى معاملة البيع و الشراء مستقلا في هذه الأمور، إذا اذن له الولي بأصل المعاملة لا في خصوص إنشاء الصيغة.

و سيأتي ان شاء اللّه تعالى في كتاب الوصية: ان الأقوى صحة الوصية من الصبي إذا بلغ عشر سنين و كانت وصيته في الخيرات و المبرات و وجوه المعروف، فتنفذ وصيته و يلزم العمل بها بعد موته.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 219

المسألة الخامسة:

تصح معاملة الصبي المميز على الأقوى في بيع مال غيره إذا وكله مالك المال و اذن له بذلك، و يصح الشراء له كذلك، فيتولى اجراء المعاملة له في البيع و الشراء بالوكالة عنه، و تترتب على معاملته آثارها و ان لم يأذن ولي الصبي له بذلك، و قد ذكرنا هذا في المسألة الرابعة و السبعين من كتاب التجارة.

المسألة السادسة:

سيأتي في كتاب الطلاق (ان شاء اللّه تعالى) ان الاحتياط لا يترك في الطلاق و لا في آثاره إذا وقع من الزوج الصبي و قد بلغ عشر سنين، فالأحوط أن لا يصدر منه، و إذا وقع منه لزم مراعاة الاحتياط في ترتيب الآثار في صغريات موارده التي تحدث، فلا يطأ المطلق الزوجة إلا بعقد جديد، و لا تتزوج المطلقة غيره الا بعد طلاق جديد و هكذا.

المسألة السابعة:

لا يمنع الصغير لصغره من حيازة المباحات الأصلية، و يتحقق له ملكها إذا حازها على الوجه المعتبر فيها، فإذا احتطب أو احتش أو استقى الماء أو اصطاد سمكا أو طيرا صحت حيازته و ملك ما حازه، و تصح منه النية إذا نوى بحيازته تملك الشي ء و لم يفتقر في ذلك الى اذن الولي له بالحيازة أو بالتملك، و الظاهر صحة ذلك منه حتى في مثل إحياء الأرض الميتة و تحجيرها إذا تحققت منه على الوجه الصحيح.

المسألة الثامنة:

يعلم تحقق البلوغ الشرعي في كل من الذكر و الأنثى بنبات الشعر الخشن في موضع الشعر من العانة، و لا يكفي خروج الزغب الناعم في الموضع قبل أن يقوي الشعر و يخشن، و يعلم تحققه بخروج المني من الذكر أو الأنثى، و هو الماء الذي يوجب خروجه غسل الجنابة، سواء كان خروجه في اليقظة أم في المنام، و سواء خرج بجماع أم بغيره، و يعلم تحققه في الأنثى بخروج دم الحيض، و يعلم تحققه بأن يكمل الذكر خمسة عشر عاما من حين ولادته، و أن تكمل الأنثى تسعة أعوام،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 220

و لا يكفي أن يدخل الذكر في السنة الخامسة عشرة قبل أن يتمها أو تدخل الأنثى في عامها التاسع قبل أن تتمه.

المسألة التاسعة:

لا يرتفع الحجر عن الصبي الذكر و لا عن الصبية الأنثى بتحقق البلوغ وحده حتى يحصل معه الرشد في العقل، و سيأتي بيان المراد منه في الفصل الثاني، فإذا لم يتحقق الرشد مع البلوغ لم يزل محجورا عن التصرف في ماله و ان كبرت سنه.

المسألة العاشرة:

يثبت الرشد عند اشتباه الأمر في الغلام عند البلوغ أو قبله باختباره في الأمور التي تناسب شأنه و حاله من التصرف في المال من بيع و شراء و اجارة و صرف و إنفاق و نحو ذلك من الأمور التي تكشف بحسب العادة عن رشده و مراعاته لمصلحة المال و الحفاظ على شؤونه التي يجري عليها العقلاء في معاملاتهم حتى يستبين أمره، و سيأتي مزيد من القول في تفصيل ذلك.

و يثبت كذلك بشهادة البينة العادلة من الرجال المطلعة على الحال في رشد الذكر و في رشد الأنثى و يشكل الحكم في ثبوت رشد الأنثى بشهادة النساء، فلا بد في ذلك من مراعاة الاحتياط.

المسألة 11:

تثبت للأب و للجد أبى الأب ولاية التصرف في مال الصبي غير البالغ و الصبية غير البالغة و النظر في مصالحهما و شؤونهما، و ينفذ تصرفهما في مال المولى عليه من بيع و شراء و صلح و اجارة و هبة لهما أو منهما و غير ذلك كما أوضحناه في فصل شرائط المتعاقدين.

و تثبت لهما ولاية التصرف في المعاملات التي تتعلق بذمته، فلهما أن يقترضا له أو يقرضاه من مالهما، و أن يبيعا له و يشتريا سلما أو نسيئة، و تثبت لهما ولاية التصرف في نفسه، فلهما أن يزوجاه بمهر معجل من ماله أو مؤجل في ذمته، و ان يؤجراه عاملا لما يريدان له من الأعمال، مع وجود المصلحة له في جميع ذلك، بل و مع عدم المفسدة على الأقوى، إلا في الصورة التي سنذكر استثناءها من ذلك.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 221

و إذا فقد الأب و الجد للأب، فالولاية على التصرف في ماله للقيم الذي يوصي اليه الأب أو الجد للأب و يجعله

ناظرا على الطفل، و قد أوضحنا ولايته و بينا حدودها و شروطها في فصل شرائط المتعاقدين من كتاب التجارة، و في مبحث أولياء العقد من كتاب النكاح.

و إذا لم يكن للصغير غير البالغ أب و لا جد للأب، و لا قيم مجعول من أحدهما، فالولاية عليه للحاكم الشرعي، فإذا لم يوجد فالولاية عليه في أمواله على الأحوط للعدول من المؤمنين، فان لم يوجد العدول فلثقاة المؤمنين.

المسألة 12:

لا ولاية على التصرف في مال الصبي أو الصبية غير البالغين للأم و لا للجد أبي الأم، و لا للأخ الكبير أو الصغير، أو العم أو الخال، الا أن يجعله الأب أو الجد للأب أو الحاكم الشرعي قيما، و وليا على التصرف في ماله، أو كان من عدول المؤمنين إذا لم يكن له ولي سواهم، أو كان من ثقاتهم إذا لم يوجد العدل.

المسألة 13:

لا يشترط في صحة ولاية الأب أو الجد للأب على الصغير أن يكونا عدلين، فتثبت ولايتهما و ينفذ تصرفهما و ان كانا فاسقين، و لا يجب على الحاكم الشرعي إن يفحص عنهما و عن تصرفهما في أموال الصغير و شؤون ولايتهما عليه، و إذا استبان له من باب الاتفاق سوء سلوكهما و ان تصرفهما مما يضر بالمولى عليه عزلهما عن الولاية و منعهما من التصرف في ماله.

المسألة 14:

لا ترتب في الولاية بين الأب و الجد للأب، فهما مشتركان في الولاية على الصبي أو الصبية، فأيهما أجرى المعاملة على ماله أو عليه كان تصرفه ماضيا نافذا، و لم تتوقف صحة تصرفه على اذن الآخر أو إجازته، و إذا تصرفا معا فان سبق أحدهما على الآخر كان تصرف السابق نافذا و بطل تصرف اللاحق، فإذا باع الأول دار الصبي على رجل ثم باعها الثاني على رجل آخر صح بيع الأول و بطل بيع الثاني، و إذا اقترنا في

كلمة التقوى، ج 6، ص: 222

إيقاع المعاملة في وقت واحد و لم يتقدم أحدهما على الآخر قدم الجد إذا كانت المعاملة التي أوقعاها عقد نكاح، كما إذا زوج الجد البنت الصغيرة من أحد و زوجها الأب من غيره و تقارنا في إيقاع عقد التزويج، فيقدم عقد الجد و يلغى عقد الأب، و إذا كانت المعاملة التي أجرياها مقترنين غير عقد النكاح، فلا بد من مراعاة الاحتياط في ترتيب الآثار، فإذا باعا داره على شخصين في وقت واحد أو آجراها من شخصين تقايلوا من البيع أو الإجارة ثم آجروا المعاملة حسب ما يتفقون.

المسألة 15:

لا فرق في ثبوت ولاية الجد للأب بين القريب من الأجداد و البعيد منهم، فلا يتقدم القريب على البعيد فيها، فالجد و أبو الجد و جد الجد إذا وجدوا فجميعهم مشتركون في الولاية على الطفل، و جميعهم يشاركون الأب فيها.

المسألة 16:

ذكرنا هاهنا و في مواضع سبقت الإشارة إليها: انه لا يشترط في صحة تصرف الأب أو الجد في مال الصغير أو الصغيرة أن يكون التصرف مشتملا على مصلحة للصغير أو للمال، بل يكفي في الصحة عدم وجود مفسدة في التصرف، و تستثنى من ذلك صورة واحدة، و هي ما يكون تصرفهما محتويا على تفريط في مصلحة الصغير، فإذا كان تصرف الأب أو الجد يستلزم أو يحتوي على تفريط في مصلحته لم يصح ذلك التصرف و لم ينفذ، و قد ذكرنا هذا و ذكرنا مثاله في المسألة المائة و الخامسة من كتاب التجارة.

المسألة 17:

إذا كانت الولاية على أموال الصغير أو الصغيرة للقيم المنصوب من أبيهما أو جدهما لأبيهما اشترط في صحة تصرفه في مالهما أن توجد المصلحة في تصرفه، و لا يكفي عدم وجود المفسدة، كما في ولاية الأب و الجد، فإذا أراد القيم بيع دار الصغير أو عقاره أو أراد إجارته أو أراد إيقاع أي تصرف آخر في ماله، فلا بد له من إحراز هذا الشرط، و قد ذكرنا في المسألة المائة و العاشرة من كتاب التجارة أن الميزان في

كلمة التقوى، ج 6، ص: 223

ذلك أن يكون التصرف مشتملا على المصلحة في نظر العقلاء من الناس و لا يكفي في الصحة اعتقاد الولي بذلك إذا كان العقلاء يرونه مخالفا، و تراجع المسألة المذكورة.

المسألة 18:

إذا كانت الولاية في أموال الصغير للحاكم الشرعي، فالتصرف في المال يكون منوطا برأيه من حيث لزوم مراعاة المصلحة في ذلك و عدم لزومها، و ان كان الأحوط استحبابا له أن يقتصر في تصرفه على ما يلزم من تركه حصول ضرر أو فساد.

المسألة 19:

إذا كانت الولاية في مال الصغير للعدول من المؤمنين أو لثقاتهم فالأحوط لزوما أن يقتصر الولي في تصرفه في المال على ما يلزم من تركه الضرر فإذا خاف تلف المال باعه و إذا خشي تلف المنفعة آجر العين.

المسألة 20:

يجوز للولي ان يدفع مال الصغير الى احد مضاربة أو بضاعة إذا كان العامل الذي يجري معه عقد المضاربة أو البضاعة ثقة أمينا، و إذا ضاربه و كان غير ثقة أمين كان الولي ضامنا لتفريطه فإذا تلف المال لزم الولي دفع بدله.

و يجوز للولي بحسب ولايته على المال و على الصغير أن يأذن لنفسه بأن يتجر بمال المولى عليه بحصة معينة من ربح المال و تكون الحصة الأخرى منه للمولى عليه، و يكفيه حصول الاذن بذلك في قصده و نيته فيتولى الاتجار و العمل له بنفسه و إذا ربحت التجارة استحق الحصة المعينة، و تلاحظ المسألة المائة و الثامنة و الثلاثون من كتاب المضاربة.

المسألة 21:

مما يرجح فعله للولي و لا ينبغي تركه أو التسامح فيه، سواء كان الولي أبا أم جدا أم غيرهما، بل هو من الشؤون الأولى للولاية أن يعلم الصبي أو الصبية القراءة و الخط و الحساب و غيرها من مواد التعليم، فيدفعه الولي إلى شخص مأمون أو يجعله في معهد موثوق يتلقى فيه

كلمة التقوى، ج 6، ص: 224

مبادئ ذلك و نتائجه، و يتلقى فيه مبادئ اللغة العربية و علومها و العلوم الأخرى التي تضع بيد الصغير مفاتيح النجح و الفوز و الخير في هذه الحياة و ما بعدها، و تغرس في قلبه و في نفسه محبة الخلق الرضي و أصول الطباع الكريمة المهذبة النافعة له في دينه و دنياه و يجب ان يتولى الولي و الثقات من معلميه و مرشديه صيانته عما يفسد الخلق و يشين الحياة و يضر بالدين أو العقيدة.

المسألة 22:

يجوز للولي أن يدفع الصبي الى من يثق بأمانته و بحسن سلوكه و معاملته ليعلمه بعض الصنائع أو يعوده على بعض الأعمال التي تنفعه في الحياة، أو يجعله أجيرا أو عاملا لديه في الأمور التي يمكنه القيام بها مقابل أجر معين في أوقات محددة، فيتعود بذلك على الكسب المحلل و الحفاظ على الوقت و أداء الواجب، و احترام العمل و احترام الناس.

المسألة 23:

إذا كان الصغير يتيما و كان إنفاق الولي عليه من مال الصغير نفسه فعليه مراعاة الاقتصاد و التوسط في ذلك بلا سرف و لا تقتير و أن يلاحظ شأن الصغير و شأن أمثاله في المجتمع و الشرف و المنزلة و في التمكن و عدمه في كل من الطعام و الشراب و اللباس و السكنى، و إذا زاد في الإنفاق على ما يقتضيه الحال كان ضامنا للزيادة التي أتلفها في إنفاقه، و إذا قتر في الصرف وجب عليه أن يحفظ للطفل ما تركه للتقتير.

المسألة 24:

إذا كان اليتيم من أفراد العائلة التي يكفلها الولي و يقوم بالإنفاق عليها جاز له أن يخلط اليتيم مع العائلة في مأكلهم و مشربهم و مسكنهم، و يصرف عليهم صرفا واحدا، ثم يوزع مجموع ما ينفقه على رؤوسهم بالمساواة، فينال اليتيم ما ينال أحدهم من حصة و يأخذها الولي من ماله، و جاز له أن يفرده في مأكله و مشربه و مسكنه، و أما اللباس فلا بد و ان يكون لكل فرد منهم ملبسه الخاص به، و كذلك إذا كان الولي يقوم بالإنفاق على عدة من اليتامى و كانوا من أسره واحدة أو كانوا متماثلين في الشأن و في التمكن، فيجوز للولي أن يخلط اليتامى كلهم في

كلمة التقوى، ج 6، ص: 225

المأكل و المشرب و المسكن، و يوزع ما ينفقه عليهم جميعا بالحصص فينال كل فرد منهم مقدار حصته و تخرج من ماله كما ذكرنا، و يجوز له ان يفرد كل واحد منهم بنفقته.

المسألة 25:

إذا كان للصغير مال في ذمة غيره و كان المدين ممن لا يوثق بوفائه لجميع الدين، فاضطر الولي إلى مصالحته عن الدين ببعضه ليستنقذ منه بعض المال حل للولي ذلك و لا يحل للمدين باقي المال، و لا يجوز للولي إسقاطه.

المسألة 26:

إذا بلغ الصغير الحلم و ثبت رشده و أراد استلام المال، فادعى الولي انه قد أنفق على الصبي قبل بلوغه أو أنفق على ماله أو على بعض شؤونه مقدارا من المال، فأنكر المولى عليه أصل الإنفاق عليه أو أنكر الإنفاق في بعض الأمور التي ذكرها الولي أو أنكر مقدار الإنفاق، فالقول قول الولي مع يمينه، لأنه أمين، الا أن يقيم المولى عليه بينة على ما يقول.

المسألة 27:

تجري في المجنون جميع أحكام الحجر التي ذكرناها في الصغير، إلا في الموارد التي قلنا بصحة التصرف فيها من الصغير المميز، كالبيع و الشراء منه في الأمور غير الخطيرة، و كصحة إنشائه إذا أتم الولي المعاملة على مال الصغير ثم وكله في إنشاء الصيغة، و صحة معاملته في مال غيره إذا وكله المالك في إجراء المعاملة و اذن له فيها، و غير ذلك مما تقدم ذكره فإنها لا تجري في المجنون إذا كان مطبقا.

المسألة 28:

إذا كان جنون المجنون أدوارا، صح التصرف منه في أدوار إفاقته إذا كان تام الإفاقة فيها، و لا يحتاج معه إلى اذن الولي أو إجازته.

المسألة 29:

إذا جن قبل أوان بلوغه أو حدث جنونه مقترنا مع بلوغه فاتصل

كلمة التقوى، ج 6، ص: 226

جنونه بصغره جرت فيه جميع أحكام الحجر و أحكام الولاية المتقدم ذكرها في الحجر على الصغير كما بينا.

و إذا تجدد جنون المجنون بعد ان بلغ الحلم و كمل رشده، فلا يترك الاحتياط بأن تكون ولاية التصرف في ماله بيد كل من الحاكم الشرعي و من الأب أو الجد إذا كانا موجودين و القيم المنصوب من أحدهما إذا كانا مفقودين على وجه الانضمام، فيرجع الى الحاكم مع الأب أو الجد في الصورة الأولى، و الى الحاكم مع القيم في الصورة الثانية، و إذا فقد الأب و الجد و الوصي اختصت الولاية بالحاكم الشرعي.

المسألة 30:

يحجر المجنون كما ذكرنا عن اي تصرف في ماله أو في ذمته أو في نفسه أو في مال غيره و لا يجدي في تصحيح معاملاته أن يأذن له وليه بالتصرف قبل إيقاع المعاملة أو يجيزها بعد إيقاعها و لا يجدي في تصحيحها أن يجيزها هو بعد ان يفيق، فإذا أراد تصحيحها فلا بد له من إيقاع المعاملة تامة بعد الإفاقة.

الفصل الثاني في حجر السفيه

المسألة 31:

السفه صفة في نفس السفيه تقابل صفة الرشد في نفس الرشيد، و تبدأ صفة السفه طبيعية في أيام الطفل الأولى، لعدم قدرته على التمييز بين ما يصلحه من الأمور و ما لا يصلحه، و ما ينفعه من التصرف و ما لا ينفعه، و قد تستمر معه هذه الصفة و ينشط أثرها و تعمق لعدم تنبه قواه المميزة أو لضعفها، أو لوجود بعض المنشطات للصفة، فتبقى الى البلوغ و الى ما بعد البلوغ.

و قد تتنبه القوى المميزة في الطفل مبكرة، بنفسها أو بفعل المربي الناجح، ثم تعتاد و تقوى و ترسخ فيكون الطفل مميزا بين ما يصلح و ما لا يصلح و ما يجدي و ما لا يجدي من الصفات و من الأعمال و من المعاملات، فيرشد قبل أوان الرشد و ينشط تفكيره و تصح موازينه

كلمة التقوى، ج 6، ص: 227

و أفعاله قبل ميعاد النشاط، و تستمر معه الصفة و تقوى مع طول الاعتياد و طول المران.

و قد تختلف الحال في بعض الأطفال فتبدأ الصفة فيه ضعيفة، ثم تقوى ثم تضعف لبعض العوارض و المؤثرات ثم تقوى، و هكذا بين إرخاء و شد و أخذ ورد.

المسألة 32:

يثبت سفه السفيه باختباره في تصرفه بماله الذي يوضع بيده، و في معاملته مع الناس بالمال، فإذا علم من حاله انه لا يعتني بحفظ المال كما يعتني به الناس العقلاء، فلا يبالي أن يصرفه في أي موقع اتفق، و أن يتلف المال أو ينقص في أي موضع كان، و أن معاملاته مع الآخرين لا تبتني على التحفظ من حصول الغبن فيها أو الانخداع من معامليه كما هو دأب العقلاء و المتعاملين من الناس، فإذا علم ان تلك هي صفته

الموجودة فيه و الثابتة له في تصرفه و معاملاته، فهو سفيه ثابت السفه في المال، و لا يثبت السفه باتفاق صدور ذلك منه في بعض حالات الغفلة أو الغلط أو التسامح الذي لا يقاس عليه، و لا يكون السفه صفة ثابتة له.

المسألة 33:

قد يكون الرجل رشيدا تام الرشد في تصرفه بماله و في معاملته مع الناس فلا يغبن و لا ينخدع و لا يتلف المال أو يتسامح فيه بغير سبب موجب، و لكنه سفيه في الأمور التي تتعلق بذمته، فلا يبالي بأن يقع في الغفلة أو في الانخداع في المعاملات التي يوقعها في ذمته من اقتراض أو شراء أو بيع نسيئة أو سلم أو استدانه في صورة أخرى، فيعلم ان تلك هي صفته الثابتة له في هذه الأمور.

و قد يثبت سفهه في التصرفات التي تتعلق بنفسه، كالتزويج و اجارة نفسه عاملا و جعل نفسه مضاربا أو مزارعا أو مساقيا أو نحو ذلك من المعاملات التي يوقعها على نفسه فلا يتحفظ من وقوع الغبن أو الانخداع أو التسامح فيها.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 228

و قد يثبت سفهه في عامة أموره و تصرفه و معاملته سواء تعلقت بالمال أم بالذمة أم بالنفس فيكون سفهه عاما في جميع معاملاته.

المسألة 34:

إذا ثبت سفه الرجل في تصرفاته المالية حجر عليه شرعا فيها، فلا تصح منه أي معاملة يوقعها في ماله، فلا ينفذ بيعه إذا باع شيئا من أمواله و لا شراؤه إذا اشترى و لا إجارته إذا آجر و لا صلحه و لا هبته و لا وديعته و لا عاريته، و الظاهر أن الحجر عليه لا يحتاج الى حكم الحاكم الشرعي به سواء بلغ سفيها فاتصل سفهه بصغره أم تجدد له السفه بعد أن بلغ و رشد، فمتى حصل السفه للرجل حجر عليه شرعا، فإذا ثبت له الرشد بعد ذلك ارتفع عنه الحجر و صح منه التصرف، و إذا سفه ثانية حجر عليه، و هكذا.

و كذلك الحكم عليه إذا ثبت له السفه

العام في جميع تصرفاته حجر عليه حجرا عاما في المال و غيره على الأحوط و لم يحتج الى حكم الحاكم في حدوث الحجر عليه و لا في ارتفاعه كما ذكرنا. و إذا زال السفه في البعض ارتفع الحجر عنه في ذلك البعض.

المسألة 35:

إذا ثبتت للشخص صفة السفه في التصرف الذي يتعلق بذمته حجر عليه شرعا في هذه التصرفات على الأحوط و لم يمنع من غيرها إذا لم يكن سفيها فيها، و لم يفتقر الى حكم الحاكم كما ذكرنا في الحجر عليه في المال فلا يصح له أن يقترض أو أن يضمن ما في ذمة غيره أو يبيع أو يشتري في الذمة على الأحوط ما دام سفيها كذلك و إذا زال السفه عنه زال الحجر، و إذا عادت الصفة عاد الحكم، و كذلك إذا ثبت له السفه العام كما سبق في نظيره فيحجر عليه في تصرفاته المتعلقة بذمته كما يحجر في غيرها على الأحوط و إذا زال عنه السفه فيها خاصة ارتفع الحجر عنه فيها خاصة و بقي في الباقي.

المسألة 36:

إذا كان الرجل سفيها في تصرفه الذي يتعلق بنفسه حجر عليه في ذلك على الأحوط و لم يحجر عليه في سواه، فلا يصح له تزويج نفسه

كلمة التقوى، ج 6، ص: 229

و لا جعل نفسه أجيرا لعمل أو عاملا في مضاربة أو نحوها، و إذا ثبت له السفه العام حجر عليه في الناحية المذكورة و في غيرها على الأحوط كما قدمنا فلا تصح منه التصرفات المتعلقة بنفسه ما دام سفيها و جرى فيه ما تقدم.

المسألة 37:

إذا بلغ الغلام الحلم و هو سفيه فاتصل سفهه بصغره، حجر عليه كما ذكرنا لسفهه بعد ان كان محجورا عليه لصغره، و كانت الولاية عليه في تصرفاته لأبيه وجده لأبيه إذا كانا موجودين، أو كان أحدهما موجودا، و للوصي الذي يجعله أحدهما قيما عليه بعد موتهما، فإذا لم يكن له أب و لا جد و لا وصي من أحدهما كانت الولاية عليه للحاكم الشرعي، و إذا طرأ له السفه بعد البلوغ و ثبوت الرشد، فالولاية عليه للحاكم الشرعي أيضا.

المسألة 38:

الحكم بحجر السفيه عن التصرف في المجالات التي تثبت له فيها صفة السفه يعني انه غير نافذ التصرف و المعاملة إذا أجراهما مستقلا بغير اذن من الولي، فإذا أذن له الولي قبل أن يوقع المعاملة صحت منه و ترتبت عليها آثارها.

المسألة 39:

إذا أوقع السفيه المعاملة بغير اذن سابق عليها من الولي ثم أجازها الولي بعد ان أوقعها المولى عليه، فان كانت المعاملة مما تجري فيه الفضولية و هي العقود كالبيع و الإجارة و النكاح، صحت المعاملة بالإجازة اللاحقة من الولي، و يشكل الحكم بالصحة إذا كانت من الإيقاعات كالعتق و الوقف للإشكال في جريان الفضولية فيها.

و كذلك الحكم في المعاملة إذا أوقعها السفيه ثم زال عنه السفه و أجاز المعاملة بعد ارتفاع الحجر عنه، فتصح المعاملة إذا كانت من العقود التي تجري فيها الفضولية، و يشكل الحكم بصحتها إذا كانت من الإيقاعات.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 230

المسألة 40:

لا يصح للسفيه الذي حجر عليه التصرف بالمال ان يزوج نفسه إذا كان زواجه بغير اذن من وليه و لا اجازة، و ان كان غير محجور عليه في التصرف في نفسه فان الزواج يستلزم تصرفا بالمال فيكون محجورا منه بغير اذن، و يصح له في هذه الحال ان يطلق زوجته أو يبارئها أو يخلعها أو يظاهر منها، و يشكل الحكم بصحة طلاقه و خلعه و ظهاره إذا حجر عليه في التصرف في نفسه

المسألة 41:

يقبل إقرار السفيه إذا كان إقراره لا يتعلق بالمال، فإذا أقر بامرأة مثلا أنها أمه أو بنته، نفذ إقراره في اللوازم غير المالية، فيحرم عليه نكاح المرأة، و يجوز له النظر إليها و يشكل الحكم بقبول إقراره في اللوازم المالية كوجوب النفقة عليه، و إذا أقر بقتل شخص أو بالجناية عليه نفذ إقراره إذا كان موجبا للقصاص منه، و أشكل الحكم بقبوله إذا كان موجبا للدية، و إذا أقر بسرقة مال قبل إقراره في ما يوجب قطع يده و أشكل قبوله في ما يوجب ضمان المال.

المسألة 42:

لا يمنع السفيه من أن يتولى المعاملة في مال غيره بالوكالة عنه، فإذا وكله المالك في ان يبيع ماله أو يهبه أو يشتري له سلعة أو يؤجر دارا، صح له أن يقوم بذلك و نفذ تصرفه سواء و كله المالك في إجراء المعاملة كلها أم في إجراء الصيغة فيها.

المسألة 43:

إذا ارتكب السفيه عملا يوجب عليه كفارة مالية على نحو التعيين كما في كفارات الإحرام لزمه الإتيان بها و لم يسقط عنه الحكم لوجود السفه المانع عن التصرف بالمال، و إذا ارتكب عملا يوجب عليه كفارة مخيرة بين الصوم و غيره من الماليات، كما إذا أفطر يوما من أيام شهر رمضان تعين عليه أن يأتي بالصوم على الأحوط إذا كان متمكنا منه، و إذا لم يتمكن من الصوم تعين عليه ان يأتي بالعتق أو الإطعام و ان كان ماليا.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 231

المسألة 44:

إذا حلف السفيه على فعل شي ء مما يتعلق بماله أو على تركه لم ينعقد يمينه، فإذا خالف اليمين لم تجب عليه الكفارة لمخالفته و كذلك إذا نذر فعله أو تركه أو عاهد اللّه على أحدهما فلا ينعقد النذر و لا العهد، فإذا خالفهما لم تجب عليه الكفارة بمخالفته.

و إذا حلف على فعل شي ء لا يتعلق بالمال أو حلف على تركه انعقد حلفه، فإذا حنث في يمينه وجبت عليه الكفارة بالمخالفة، و يتعين عليه الإتيان بالصوم من خصال الكفارة على الأحوط إذا كان الصوم ممكنا، فإذا لم يمكنه الصوم لزمه إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم و ان كان ماليا و كذلك إذا نذر فعل الشي ء أو تركه أو عاهد اللّه عليه، فإذا خالف لزمته الكفارة و تعين عليه الصوم إذا كان ممكنا على الأحوط، فإذا لم يمكنه الصوم اتى بإحدى الخصال الأخرى و ان كانت مالية.

المسألة 45:

إذا ثبت للسفيه حق القصاص على أحد لجنايته عليه أو على احد من متعلقيه، بحيث يكون السفيه هو صاحب الحق في الجناية، جاز له أن يعفو عن الجاني فيسقط حقه من القصاص و إذا ثبت له الحق في أخذ الدية أو أرش الجناية من الجاني، فليس له أن يعفو عنها و يسقط حقه من أخذها، إلا إذا أذن له الولي بذلك، لأنه تصرف في مال فهو محجور عنه.

المسألة 46:

إذا أجرى السفيه معاملة على بعض أمواله بغير اذن الولي، فباع شيئا منها مثلا أو اشترى، ثم علم الولي بتصرفه و وجد أن لا مصلحة في إجازة العقد، كفى في إلغاء العقد عدم أجازته كما ذكرنا في ما تقدم مرارا، و إذا كان السفيه قد قبض العوض و أقبض المعوض وجب على الولي بعد رد المعاملة أن يسترد مال المولى عليه و يحفظه له، و ان يرجع العوض الآخر إذا كان موجودا الى مالكه، و إذا كان تالفا فالظاهر ان السفيه يكون ضامنا له، فيلزمه دفع مثله الى المالك إذا كان مثليا و دفع

كلمة التقوى، ج 6، ص: 232

قيمته إذا كان قيميا، إلا إذا كان سفه السفيه واضحا، لتبين سفهه و تبين حكمه عند المالك، بحيث يصدق عند أهل العرف أن المالك- لوضوح الأمر- قد سلط السفيه على إتلاف المال مجانا، فلا يكون السفيه ضامنا في هذه الصورة، لأن السبب و هو المالك أقوى من المباشر، و يضمن السفيه إذا كان المالك حين دفع المال الى السفيه جاهلا بسفهه أو كان جاهلا بأن السفيه محجور عليه شرعا. عن التصرف.

المسألة 47:

إذا اقترض السفيه من أحد مبلغا من المال بغير اذن الولي ثم أتلف المال الذي اقترضه، فالحكم في ضمان السفيه للمال و عدم ضمانه يبتني على الوجوه التي ذكرناها في المسألة السابقة فيجري فيه التفصيل الآنف ذكره، فيضمن السفيه إذا كان المقرض جاهلا بسفهه أو كان جاهلا بحكمه، و لا يضمن إذا كان المقرض عالما بالحال على الوجه المتقدم من وضوح الأمر لديه بحيث يكون سببا في إتلاف ماله أقوى من المباشر في نظر أهل العرف.

المسألة 48:

إذا أودع شخص وديعة عند السفيه، فأتلف السفيه وديعته كان السفيه ضامنا لها فيجب عليه أن يدفع للمالك المودع بدلها من المثل أو القيمة، سواء كان صاحب الوديعة عالما بسفه السفيه حينما أودعه أم كان جاهلا به، الا إذا تحقق الفرض الذي ذكرناه في المسألة المتقدمة فكان السبب- و هو مالك الوديعة- أقوى من المباشر لإتلافها، لوضوح سفه السفيه لديه و وضوح حكمه بحيث يصدق عرفا ان المالك قد سلطه على إتلاف المال مجانا، فلا يكون السفيه ضامنا في هذا الفرض.

و إذا أودعه الشخص الوديعة فتلفت عند السفيه و لم يكن هو الذي أتلفها و لم يفرط في حفظها فلا ضمان عليه، و إذا فرط السفيه في حفظ الوديعة فتلفت عنده من غير أن يكون هو المتلف لها، فالحكم على السفيه بالضمان أو بعدمه مشكل، فلا بد في هذا الفرض من مراعاة الاحتياط بالتصالح.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 233

المسألة 49:

إذا كان للسفيه مال معين عند أحد، وديعة أو عارية أو غيرهما من وجوه الأمانة أو كان الشخص مدينا للسفيه بمبلغ من المال، فلا يجوز له ان يدفعه الى السفيه، و لا تبرأ ذمته إذا سلمه اليه الا إذا اذن له ولي السفيه بذلك فيصح له حين ذاك و تبرأ ذمته بدفعه إليه.

المسألة 50:

لا يصح لولي السفيه أو الأمين على ماله أن يسلم مال السفيه اليه، الا إذا علم برشده أو ثبت ذلك ببينة شرعية أو حكم حاكم شرعي، و إذا اشتبه الأمر فيه، فلا بد من الاختبار.

و المعروف من طرق الاختبار أن يفوض اليه التصرف في بعض الجهات التي تناسبه من بيع و شراء، و أخذ و عطاء و اجراء بعض المعاملات الأخرى، و صرف و إنفاق، من غير فرق بين أن يقع الاختبار في ماله أو في أموال آخرين، و لا بد أن يكون الاختبار تحت ملاحظة من يعتمد عليه في ذلك من قريب أو من بعيد، فإذا اختبر كذلك مرارا، و في مدة يعتد بها حتى حصل الوثوق و الاطمئنان برشده و صحة تصرفه، و تحفظه في معاملته و في أخذه و رده من الوقوع في الغبن و تضييع المال و صرفه في غير حقه و وضعه في غير مواضعه، فإذا أنس منه الرشد و اطمأن به دفع اليه ماله و ارتفع عنه الحجر و نفذ تصرفه و عول على معاملته.

و كذلك الحال في المرأة السفيهة، فتختبر عند اشتباه حالها بما يناسب شأنها من التصرفات المنزلية و غير المنزلية و شبهها من الأمور و الشؤون التي يتولى العمل فيه أمثالها بحسب العادة، و يتكرر الاختبار حتى تحصل الثقة بثبوت الرشد و زوال

السفه و صحة التصرف، و قد يحتاج الاختبار في الرجل و المرأة إلى طول مدة حتى يكتشف الرشد و يعلم بثبوت الصفة في المولى عليه، و خصوصا إذا كان السفه شديدا و كانت مدته طويلة، فلا بد من الاختبار كذلك.

المسألة 51:

إذا كان للصبي غير البالغ مال عند وليه أو عند أمين آخر، و احتمل ثبوت الرشد له قبل البلوغ وجب أن يجرى الاختبار عليه قبل البلوغ،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 234

فإذا أنس منه رشده وجب ان يسلم اليه ماله عند تحقق بلوغه و لا يجوز التأخير إلا برضاه، و إذا لم يحتمل ثبوت الرشد له مبكرا، وجب ان يختبر رشده في أي زمان يحتمل فيه ثبوت رشده، فيختبر في أول البلوغ مثلا أو بعده بمدة قصيرة أو مدة طويلة، فلا يتأخر الاختبار عن وقت احتمال حصول الرشد، لئلا يتأخر تسليم المال الى صاحبه.

المسألة 52:

إذا ادعى السفيه المحجور عليه للسفه حصول الرشد له، و احتمل الولي صدق قوله وجب عليه اختباره، و إذا احتمل الولي حصول الرشد له و لم يدع المولى عليه ذلك فلا يترك الاحتياط للولي باختباره.

الفصل الثالث في حجر المفلس

المسألة 53:

لا تمنع الشخص كثرة ديونه التي تكون في ذمته من أن يتصرف في أمواله الموجودة عنده كما يريد، ببيع أو هبة أو صلح أو وقف أو غير ذلك من التصرفات التي تخرج المال عن ملكه، بل يجوز له إخراجها جميعا عن ملكه مجانا، كما تجوز له المعاوضة عليها بثمن مثلها أو أكثر أو أقل، إلا إذا ثبت سفهه بسبب ذلك فيحجر عليه للسفه، أو يحجر عليه الحاكم الشرعي للفلس كما سيأتي، و إذا كثرت عليه الديون فوهب جميع أمواله لغيره بغير عوض أو صالحه عليها كذلك و كان ذلك بقصد الفرار من أداء الديون أشكل الحكم بصحة ذلك منه، فلا يترك الاحتياط باجتنابه، و كذلك إذا أراد وقف جميع ما يملكه بهذا القصد.

المسألة 54:

لا يجوز للحاكم الشرعي أن يحجر على المفلس إلا إذا توفرت لديه أربعة شروط:

(الأول): أن تكون الديون التي على المفلس ثابتة عليه بأحد المثبتات الشرعية، و يكفي أن تكون الديون التي يراد من أجلها الحجر ثابتة عليه كذلك و ان لم تكن بقية ديونه ثابتة شرعا.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 235

(الثاني): أن تكون الأموال الموجودة عند المدين قاصرة عن الوفاء بديونه، و يراد بالأموال الموجودة لديه جميع ما يملكه بالفعل من أرض و عقار و دور و سلع و أمتعة و عروض اخرى و منافع و ديون له على الناس، ما عدا الأمور المستثنيات في الدين، و قد تقدم ذكرها في المسألة الثامنة عشرة من كتاب الدين.

(الثالث): أن تكون الديون التي على المدين حالة غير مؤجلة، أو تكون الديون الحالة عليه مما تقصر أموال المدين الموجودة لديه عن الوفاء بها وحدها، فلا يحجر عليه إذا كانت الديون كلها مؤجلة لم يحل ميعادها،

و لا يحجر عليه إذا كان بعض الديون حالا و بعضه مؤجلا و كانت أمواله الموجودة لا تقصر عن الوفاء بالديون الحالة.

(الرابع): أن يطلب الغرماء الذين حلت ديونهم من الحاكم الشرعي أن يحجر عليه و كانت أمواله تقصر عن وفائهم كما ذكرنا.

المسألة 55:

إذا طلب بعض الغرماء الذين حلت ديونهم من الحاكم أن يحجر على المدين و لم يطلب الآخرون ذلك، فان كان دين ذلك البعض الذي طلب الحجر وحده لا يفي به مال المفلس، وجب على الحاكم أن يحجر على المفلس بطلب ذلك البعض، فإذا حجر عليه كان الحجر عاما بالنسبة الى جميع الديون الحالة للغرماء، من طلب منهم الحجر و من لم يطلب، فتقسم أموال المفلس الموجودة على ديونه الحالة عليه جميعا بالحصص، و لا يسهم للديون المؤجلة.

المسألة 56:

إذا كانت الديون التي في ذمة المفلس جميعها لمجنون أو يتيم وليه الحاكم الشرعي نفسه و كانت حالة غير مؤجلة، أو كان بعض الديون لهما، و كان دينهما حالا و لا يفي به مال المفلس جاز للحاكم الشرعي في هاتين الصورتين ان يحجر على المفلس و ان لم يطلب منه الغرماء الحجر عليه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 236

المسألة 57:

إذا كان المدين المفلس نفسه يتيما أو مجنونا و وليه الحاكم الشرعي، جاز للحاكم أن يحجر على هذا المدين المولى عليه إذا اقتضت مصلحته ذلك، فيحجر عليه و تقسم أمواله على الديون الحالة بالحصص و ان لم يطلب الغرماء منه الحجر، و لا يحجر على المفلس في ما سوى هذه الصور الا بطلب جميع الغرماء الذين حلت ديونهم عليه.

المسألة 58:

إذا اجتمعت شروط الحجر الآنف ذكرها لدى الحاكم الشرعي و حكم بالحجر على المفلس تعلق حق الغرماء الذين حلت ديونهم، بأموال المفلس الموجودة، فلا يجوز له بعد الحجر أن يتصرف بشي ء منها، من غير فرق بين أن يكون تصرفه في المال بعوض كالبيع و الإجارة و الهبة المعوضة، و الصلح بعوض، و أن يكون تصرفه بغير عوض، كالوقف و الهبة غير المعوضة و العطية و العتق، فلا يصح له شي ء من ذلك إلا إذا أذن له الغرماء به قبل الفعل، أو أجازوه له بعد الفعل.

المسألة 59:

لا يمنع الحجر المفلس عن التصرفات غير الابتدائية، و هي التصرفات التي تحققت أسبابها و ثبت له جوازها قبل الحجر عليه، فإذا كان المدين قد باع سلعة أو اشتراها قبل أن يحجر عليه و اشترط لنفسه خيار الفسخ، ثم حجر عليه الحاكم بعد ذلك، صح له أن يأخذ بخياره فيفسخ البيع أو يمضيه و لم يمنعه الحجر عن ذلك و ان لم يأذن له الغرماء، و إذا باع شريكه حصته من الدار أو من الأرض المشتركة فثبت للمفلس حق الشفعة فيها، ثم حجر عليه بعد ذلك، لم يسقط بالحجر حقه من الشفعة، فيجوز له أن يشفع بالحصة المبيعة و لا يحتاج إلى إذن الغرماء.

المسألة 60:

إذا ثبت للمدين المفلس حق مالي على أحد قبل أن يحجر عليه، كما إذا جنى عليه أحد أو جنى على عبده المملوك له أو على دابته المملوكة له أو على شي ء مما يملك، فثبتت له بسبب ذلك دية على الجاني أو أرش

كلمة التقوى، ج 6، ص: 237

جناية أو ضمان تلف أو أرش عيب أو غيرها فلا يجوز له بعد الحجر عليه أن يسقط حقه المالي الذي ثبت له قبل الحجر فيعفو عن الحق أو عن المال أو عن بعضه.

المسألة 61:

إذا حجر الحاكم الشرعي على المفلس منع عن التصرف في أمواله الموجودة لديه حين الحجر، فإذا تجددت له أموال بعد الحجر، كما إذا حصل له إرث من بعض أقربائه، أو ملك شيئا بهبة من أحد أو بوصية إليه من موص، أو دفع اليه من سهم الفقراء في الزكاة أو الخمس، أو اكتسب بالحيازة لبعض المباحات، فالظاهر عدم شمول الحجر المتقدم لهذه الأموال المتجددة، فلا يمنع من التصرف فيها، إلا إذا حجرها الحاكم حجرا جديدا بعد أن ملكها المفلس.

المسألة 62:

إذا أقر المفلس- بعد أن حجر عليه الحاكم الشرعي- لأحد بدين عليه سابق على الحجر، صح إقراره و نفذ، و كان الدائن الذي أقر له شريكا مع الغرماء السابقين بدينه هذا، فيضرب معهم في الأموال الموجودة بنسبة مقداره الى مجموع الديون، و كذلك إذا شهدت بينة شرعية بعد الحجر، بدين سابق على الحجر لشخص و لم يكن يعلم بالدائن من قبل، أو ثبت الدين بوجه آخر من المثبتات الشرعية فيكون الدائن شريكا مع الغرماء السابقين فيضرب بحصته في الأموال الموجودة من مجموع الديون.

المسألة 63:

إذا أقر المفلس- بعد الحجر عليه- بأنه قد اقترض من أحد مبلغا بعد حجر الحاكم عليه أو أنه اشترى منه مالا في ذمته، فأصبح مدينا له بكذا، صح إقرار المفلس و ثبت به دين ذلك الدائن المقر له، و لكنه لا يشارك الغرماء السابقين في الضرب في الأموال الموجودة.

المسألة 64:

إذا أتلف المفلس مالا لأحد- بعد أن حجر الحاكم الشرعي عليه- ضمن قيمة التالف و كان الضمان في ذمته، و إذا جنى على أحد ضمن

كلمة التقوى، ج 6، ص: 238

أرش الجناية في ذمته كذلك، و يشكل الحكم بمشاركة هذا الدائن بالضرب مع الغرماء السابقين في أموال المفلس الموجودة، و كذلك إذا أقر المفلس بأنه أتلف المال أو جنى الجناية فثبت الضمان عليه بإقراره، فيشكل الحكم بمشاركته مع الغرماء السابقين بهذا الدين المقر به.

المسألة 65:

إذا حجر الحاكم الشرعي على المفلس، فمنعه من التصرف في الأموال الموجودة، فأقر المفلس بعد الحجر أن عينا خاصة من الأموال التي بيده ملك لزيد مثلا، نفذ إقراره في حقه و لم ينفذ في حق الغرماء، فإذا اتفق سقوط حق الغرماء بإبراء ذمة المفلس، أو بتسديد الدين من وجه آخر و انفك الحجر عنه بسبب ذلك، وجب على المفلس دفع تلك العين الى الشخص الذي أقر له بملكها، و إذا لم تسقط حقوق الغرماء أشكل الحكم بدفع العين الى المقر له، فلا بد فيها من الاحتياط.

المسألة 66:

إذا حكم الحاكم على المفلس بالحجر في أمواله الموجودة لديه، و ضبطت اعدادها و أعيانها، بدأ فأخرج منها مستثنيات الدين و قد تقدم بيانها في المسألة الثامنة عشرة من كتاب الدين، ثم أخرج الأعيان التي رهنها المفلس عند بعض الديان إذا اتفق وجود ذلك، فان المرتهن أحق بالعين المرهونة عنده من بقية الديان، فتباع العين و يستوفي المرتهن دينه من ثمنها و لا يشاركه فيها الغرماء الآخرون، و قد ذكرنا هذا في المسألة السبعين من كتاب الرهن، و إذا زاد من ثمن العين المرهونة شي ء عن دين المرتهن و وزع الزائد على بقية الغرماء بنسبة حصصهم من مجموع الديون و إذا قصر ثمن العين المرهونة عن الوفاء بدين المرتهن شارك سائر الغرماء في بقية دينه فضرب معهم في أموال المفلس الأخرى ببقية دينه.

المسألة 67:

إذا عينت أموال المفلس المحجور عليها و أخرجت منها مستثنيات الدين و الأعيان المرهونة كما تقدم ذكره، بيعت الأموال ثم قسمت أثمانها بين الغرماء بالحصص بنسبة دين كل فرد منهم الى مجموع

كلمة التقوى، ج 6، ص: 239

الديون، فإذا كان مجموع الديون ألف دينار مثلا، و كان لأحد الغرماء خمسمائة دينار و هي نصف الألف و للثاني مائتا دينار و هي خمسه، و للثالث ثلاثمائة دينار و هي خمسه و نصف خمسه، و بيعت الأموال بثمن معين، كان للغريم الأول نصف مجموع الثمن الذي بيعت به الأموال مهما نقصت حصته عن قدر دينه فان المفروض قصور أموال المفلس عن الوفاء بدينه، و كان للغريم الثاني خمس مجموع الثمن، و للثالث الباقي منه و هو خمسه و نصف خمسه، و هكذا في كل ما يفرض من مقادير الديون و مقادير اثمان الأموال المبيعة.

المسألة 68:

إذا وجد بعض الغرماء في أموال المفلس العين التي اشتراها المفلس منه و بقي ثمنها دينا في ذمته، تخير هذا الغريم بين أن يفسخ البيع بينه و بين المفلس في العين المذكورة فيأخذ الغريم عين ماله التي وجدها، و أن يمضي البيع و يبقى الثمن دينا يضرب به مع الغرماء.

المسألة 69:

إذا اقترض المفلس عينا خارجية من أحد و بقي عوض القرض دينا في ذمته ثم أفلس و حجر عليه، فوجد المقرض العين التي أقرضه إياها باقية في أمواله جرى فيه الحكم المتقدم في البيع، فيتخير المقرض بين أن يفسخ القرض و يأخذ عين ماله، و أن يمضي القرض فيبقى عوضه دينا يضرب به في أموال المفلس، على نهج ما تقدم في العين المبيعة.

المسألة 70:

قال بعض الأصحاب (قدس سرهم) ان التخيير المذكور لصاحب العين في المسألتين المتقدمتين فوري يسقط مع التأخير، فإذا لم يبادر صاحب العين فيفسخ البيع أو القرض و يرجع بالعين، سقط حقه و تعين عليه أن يضرب بالدين مع الغرماء، و لا ريب في ان ذلك أحوط، و لكن الأظهر عدم سقوط حقه من الفسخ بالتأخير و عدم المبادرة، غير انه إذا أفرط في التأخير و لم يختر أحد الأمرين حتى أوجب تأخيره تعطيلا لتقسيم المال بين الغرماء، تدخل الحاكم الشرعي فخيره بين الأمرين،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 240

فإذا امتنع عن اختيار أحدهما حكم عليه بأن يضرب بالثمن مع الغرماء و إذا لم يمكن ذلك تولى عنه الضرب معهم بالدين.

المسألة 71:

اشترط بعض الأصحاب (قدس سرهم) في رجوع صاحب العين بها إذا وجدها باقية في أموال المفلس: ان لا تكون من مستثنيات الدين، فإذا كانت عند المفلس من المستثنيات لم يصح لصاحبها أن يرجع بها، و هذا الحكم مشكل، فلا بد من الاحتياط في ذلك.

المسألة 72:

انما يتخير صاحب العين في الفرضين الآنف ذكرهما بين أن يأخذ العين و أن يضرب بثمنها مع الغرماء إذا كان دينه على المفلس حالا، فلا يجوز له فسخ البيع أو القرض و أخذ العين إذا كان دينه مؤجلا.

و إذا كان دينه مؤجلا فحل موعده قبل أن يفك الحجر عن المفلس و كانت العين باقية، كفى ذلك في الحكم بجواز أخذه للعين، فيختص بها إذا أراد ذلك و تنتقض به القسمة الأولى كما يجوز له أن يضرب مع الغرماء بدينه.

المسألة 73:

إذا حجر على المفلس بديونه الحالة، و قسمت أمواله الموجودة على الديان، ثم حل بعض الديون المؤجلة قبل أن يفك الحجر عنه في أمواله انتقضت القسمة الأولى و شارك الدائن الذي حل دينه الغرماء السابقين بالضرب في الأموال الموجودة، و قد أشرنا الى بعض أفراد هذا الحكم في المسألة المتقدمة.

المسألة 74:

إذا وجد البائع بعض العين التي اشتراها المفلس منه و لم يجد بعضها الآخر، تخير بين أن يفسخ البيع فيأخذ ما وجده من العين، و يأخذ معه حصة البعض الآخر الذي لم يجده منها من الثمن، فيضرب بحصته من الثمن مع الغرماء، و أن يمضي البيع فيضرب بجميع الثمن مع الغرماء.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 241

و كذلك الحكم في المقرض إذا وجد بعض العين التي أقرضها المفلس و لم يجد بعضها الآخر، فيتخير كما هو الحكم في البائع فيأخذ البعض الذي وجده من العين و يأخذ معه حصة البعض الآخر من العوض أو يضرب مع الغرماء بجميع الدين.

المسألة 75:

ذهب بعض العلماء (قدس سرهم) إلى إجراء الحكم المتقدم في المؤجر أيضا و مثال ذلك: ما إذا آجر الرجل من المفلس دارا مثلا ليستوفي منفعتها مدة معينة و بقي مال الإجارة دينا في ذمة المفلس، ثم حجر الحاكم عليه فوجد المؤجر الدار التي استأجرها المفلس منه قبل استيفاء المنفعة أو بعد ما استوفى شيئا منها، فقال (قدس سرهم): بتخيير المؤجر بين أن يفسخ الإجارة و يأخذ العين و المنفعة في الصورة الأولى، و يأخذ ما بقي من المنفعة و يأخذ معها حصة ما مضى منها من مال الإجارة في الصورة الثانية، و أن يمضي الإجارة و يضرب بجميع الدين مع الغرماء، و هذا القول مشكل، فلا يترك الاحتياط في كلا الفرضين.

المسألة 76:

إذا وجد البائع أو المقرض في العين التي باعها من المفلس أو أقرضها له زيادة متصلة كالسمن في الحيوان، و الطول و النمو في النخلة و الشجرة و البلوغ في الثمرة و نحو ذلك مما لا يصلح للانفصال فان كانت الزيادة متعارفة رجع بها البائع أو المقرض مع العين، و ان كانت الزيادة أكثر مما يتعارف فالأحوط أن يتصالح البائع أو المقرض مع الغرماء عن هذه الزيادة، و كذلك في الصوف و الوبر و الشعر و نحوها مما يصلح للانفصال، فلا يترك الاحتياط فيها بالمصالحة.

و إذا وجد مع العين زيادات منفصلة كالولد و الحمل و اللبن و الدهن، و الثمرة على الشجرة و التمر على النخيل، فهي من أموال المفلس يضرب فيها الغرماء بديونهم، و لا يحق للبائع و المقرض أخذها مع العين.

المسألة 77:

إذا وجد العين معيبة عند المفلس، فقد يكون العيب الحادث عنده بسبب آفة سماوية، و قد يكون بفعل المشتري المفلس و قد يكون بفعل

كلمة التقوى، ج 6، ص: 242

شخص أجنبي، و المسألة بجميع فروضها و شقوقها خالية من النص و الاحتمالات فيها متقابلة، فالأحوط التخلص بالصلح في جميعها.

المسألة 78:

إذا باعه أرضا بثمن في الذمة، فغرس المشتري في الأرض التي اشتراها غرسا أو بنى فيها بناء ثم أفلس المشتري و حجر عليه، فإذا أراد البائع فسخ البيع و أخذ الأرض المبيعة جاز له ذلك، فإذا أخذها كانت الأرض للبائع، و الغرس و البناء للمشتري، و لا حق للمشتري في أن يبقى غرسه و بناءه في الأرض الا بالتراضي بينهما مع الأجرة أو مجانا، و إذا لم يتراضيا فالمسألة محل اشكال، و إذا بيع البناء و الغرس على مالك الأرض، أو بيعت الأرض و ما فيها من غرس و بناء من مالكيهما على شخص آخر وصل كل منهما الى حقه و تخلصا من الإشكال.

المسألة 79:

إذا باعه شيئا مثليا، فخلطه المشتري بماله ثم أفلس و حجر عليه، فان كان قد خلطه بشي ء من جنسه جاز للبائع أن يرجع بماله، فإذا رجع به كان هو و المشتري شريكين في المال المخلوط بنسبة مقدار ماليهما الى المجموع، فإذا باعه منا من الحنطة، و خلطه المشتري بمن من الحنطة و كان الخليطان متساويين في الجودة و الرداءة فهما شريكان بالمناصفة، و إذا أرادا قسمة المال اقتسماه بنسبة ماليهما كذلك فلكل منهما نصف المجموع لأن المفروض تساوي المالين في المقدار و في الجودة و الرداءة.

المسألة 80:

إذا خلط المشتري المال الذي اشتراه بما هو أجود أو بما هو أردأ، و رجع البائع بماله كانا شريكين بنسبة مقدار ماليهما كما في الفرض المتقدم، فإذا خلط المن بمقداره فهما شريكان بالمناصفة و إذا خلط المن بمنين فهما شريكان بالمثالثة فلصاحب المن الثلث و لصاحب المنين الثلثان، و هكذا و إذا أرادا التوصل الى حقيهما، بيع المجموع و قسم الثمن بينهما بنسبة ما لكل واحد من المالين من القيمة، فإذا كانت قيمة من الحنطة غير الجيدة دينارا واحدا، و قيمة من الحنطة الجيدة دينارين،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 243

فلصاحب الحنطة الأولى الثلث و لصاحب الحنطة الثانية الثلثان، فيأخذان من الثمن بهذه النسبة.

و هكذا إذا كان المالان أكثر من ذلك، فإذا كانت الحنطة غير الجيدة منين، و كانت الحنطة الجيدة أربعة أمنان، فيكون مجموع قيمة الأولى دينارين، و مجموع قيمة الثانية ثمانية دنانير، و مجموع كلتا القيمتين عشرة دنانير و قيمة الأولى وحدها خمس المجموع، و قيمة الثانية وحدها أربعة أخماسه، فإذا بيع المجموع بثمن معين اعطي صاحب الحنطة الأولى خمس الثمن، و دفع لصاحب الحنطة الثانية أربعة أخماسه،

و كذلك إذا خلط المال بما هو أردأ.

المسألة 81:

إذا خلط المشتري المال الذي اشتراه بشي ء من غير جنسه ثم فلس و حجر عليه، فان كان خلطهما مما تعد معه العين المبيعة تالفة في نظر أهل العرف و ليست قائمة بعينها لم يجز للبائع الرجوع بها و وجب أن يضرب بدينه مع الغرماء، و إذا لم تتلف العين في نظر أهل العرف و صدق انها لا تزال قائمة بعينها، جاز للبائع أن يرجع بماله فيكون شريكا مع المشتري في المجموع بنسبة مقدار المالين بالمناصفة أو المثالثة أو غيرهما، و إذا بيع المجموع قسم الثمن بنسبة القيمة على نهج ما تقدم، و إذا عسر تقويم المالين بعد خلطهما رجع الى المصالحة بينهما.

المسألة 82:

إذا اشترى المشتري من البائع غزلا فنسجه، أو اشترى منه دقيقا فخبزه، أو اشترى منه ثوبا فصبغه ثم حجر على المشتري للفلس، فالظاهر جواز الرجوع للبائع بالعين، فان العرف يعد أن العين التي باعها منه لا تزال باقية و ان تغيرت بعض صفاتها، ثم يتوصل البائع و المشتري الى حقهما بالتقسيم بحسب القيمة أو بحسب المصالحة بينهما.

المسألة 83:

إذا مات الرجل و هو مدين، و وجد البائع أو المقرض عين ماله في تركة الميت و كانت تركته وافية بديون الغرماء، جاز للبائع أو المقرض ان يرجع بعين ماله كما هو الحكم في المفلس الحي، و جاز له أن يضرب

كلمة التقوى، ج 6، ص: 244

بدينه في التركة مع بقية الغرماء، و إذا قصرت تركة الميت عن الوفاء بديونه لم يجز لصاحب العين أن يختص بها، بل يكون كبقية الغرماء، فيضرب معهم بدينه في التركة الموجودة، سواء كان الميت قد حجر عليه قبل الموت أم لا.

المسألة 84:

إذا حجر الحاكم على المفلس، و منعه عن التصرف في أمواله وجب أن تجري نفقته و كسوته و نفقة من تجب نفقته عليه و كسوته من المال من يوم الحجر عليه الى يوم قسمة ماله، و ان يجري عليه جميع ذلك بحسب عادته، و إذا اتفق موته في ذلك الحال وجب أن يقدم كفنه و جميع مؤنة تجهيزه على حقوق الغرماء، و يجرى ذلك بحسب ما يتعارف لأمثاله من حيث النوع و المقدار، و ان كان الأحوط استحبابا أن يقتصر فيهما على ما يتأدى به الواجب فقط.

المسألة 85:

إذا حجر الحاكم الشرعي على المفلس و قسم أمواله على الغرماء بنسبة ديونهم، ثم ظهر بعد القسمة غريم آخر له دين قد حل على المفلس، نقضت القسمة الأولى و أبدلت بقسمة أخرى على جميع الغرماء بنسبة ديونهم، فإذا كانت للغريم الجديد عين مال اختص بها على المناهج التي تقدم تفصيلها و كذلك إذا حل بعض الديون المؤجلة قبل ان يفك الحجر عنه و قد ذكرنا هذا في المسألة الثالثة و السبعين فلتراجع.

الفصل الرابع في تصرف المريض و منجزاته

المسألة 86:

لا ريب في صحة تصرف الإنسان الصحيح في ماله كيفما شاء، و في نفوذ جميع تصرفاته التي يجريها في ما يملكه، و ان خرج منه جميعا إذا لم يطرأ عليه أحد أسباب الحجر الأخرى، و كذلك الحكم في المريض الذي لم يتصل مرضه بموته، فيصح منه اي تصرف يجريه في

كلمة التقوى، ج 6، ص: 245

ماله، سواء أجراه بعوض أم بغير عوض، و سواء كان العوض الذي يأخذه عن ماله قليلا أم كثيرا و لا ريب في ذلك أيضا.

و يستثنى من ذلك ما يوصي الإنسان بإنفاذه بعد موته، فإنه لا يصح الا إذا كان المال الموصى به بمقدار ثلث ما يملك من الأموال و لا ينفذ في ما يزيد عليه، و هذا الاستثناء يجري في كل انسان من غير فرق بين الصحيح و المريض الذي لم يتصل مرضه بموته و المريض الذي يموت بسبب مرضه، و سيأتي تفصيله في كتاب الوصية ان شاء اللّه تعالى.

المسألة 87:

تصح المعاوضات من المريض الذي يتصل مرضه بموته إذا كان العوض في المعاملة لا يقصر عن عوض المثل، فينفذ بيعه إذا باع الشي ء بثمن مثله أو أكثر، و تنفذ إجارته إذا آجر الشي ء بأجرة مثله أو أكثر و هكذا في جميع المعاوضات التي يوقعها على ماله، و لا خلاف في ذلك بين العلماء (قدس اللّه أرواحهم)، و تصح منه التصرفات الأخرى التي يوقعها في المال من صرف و إنفاق على نفسه و على من يعوله و من صرف و إنفاق في النواحي التي يعدها العقلاء من شؤونه و مستلزمات شرفه و مكانته الاجتماعية، و لا يعدونها خارجة عن حدوده المتعارفة لأمثاله، و ان لم تكن تلك المصارف من المعاوضات، و

لا خلاف في ذلك.

المسألة 88:

ينحصر الخلاف بين العلماء في هذا الباب بالمنجزات، و هي التصرفات التي يجريها الإنسان ليتحقق منه أثرها بالفعل و هو في حياته و لا تكون معلقة على حصول موته و التي تتصف بصفة المحاباة أو التبرع، فهي اما مجانية لا تشتمل على تعويض أو مبادلة، كالوقف و العتق و الإبراء و الهبة من غير عوض و الصلح من غير عوض، و اما معوضة بأقل من عوض المثل كالبيع بأقل من ثمن المثل، و الإجارة بأدنى من اجرة المثل، و الصلح و الهبة بأقل من عوض المثل، أقول: ينحصر الخلاف في هذا النوع من التصرفات الفعلية المنجزة المشتملة على المحاباة أو التبرع إذا أوقعها المريض الذي يتصل مرضه بموته و العلماء في المسألة على قولين:

أحدهما ان تكون تصرفاته هذه نافذة منه من أصل ماله، سواء زادت

كلمة التقوى، ج 6، ص: 246

على ثلث ماله أم قلت عنه، بل و ان استوعبت جميع المال، فتصح منه في جميع الصور، و لا تحتاج إلى إمضاء ورثته، الثاني انها انما تكون نافذة منه إذا كانت بمقدار الثلث أو أقل منه، فإن هي زادت على الثلث لم تنفذ في الزائد، إلا إذا أمضاها وارثه من بعده، فإن أمضاها نفذت في الجميع و ان لم يمضها نفذت في مقدار الثلث و بطلت في الزائد و لم تصح، و القول الأول هو الصحيح المختار.

المسألة 89:

ما يخرجه المريض في مرض موته من الواجبات المالية التي تكون في ذمته أو تجب عليه في ماله من زكاة أو فطرة أو خمس أو كفارة أو نذر أو مظالم أو ضمان مال، فهو نافذ من أصل ماله، و لا خلاف في ذلك، سواء وجب عليه في ذلك

الحال أم كان دينا في ذمته من قبل ذلك.

المسألة 90:

ذكرنا ان المعاملات التي تشتمل على المحاباة تكون من المنجزات، و الوجه في ذلك: ان المعاملة إذا اشتملت على المحاباة لأحد، فباعه ما تبلغ قيمته في السوق مائتي دينار بمائة دينار مثلا، أو آجره ما تكون أجرته المتعارفة مائة دينار في الشهر الواحد بخمسين دينارا، فكأنه قد وهب المشتري أو المستأجر المبلغ الذي يكون به التفاوت ما بين القيمتين، فالمعاملة لذلك تعد من التصرفات المنجزة، و تدخل في موضع الخلاف في المسألة، و قد عرفت ان الأقوى انها تخرج من الأصل.

المسألة 91:

الصدقة بجميع أقسامها من المنجزات، حتى ما يدفعها المريض للفقير بقصد الشفاء من مرضه، أو يدفعها المسافر بقصد السلامة في سفره، أو يدفعها صاحب الحاجة بقصد قضاء حاجته، و نجح طلبته، فهي داخلة في موضع الخلاف و قد عرفت المختار فيها.

المسألة 92:

قد يشكل الأمر في بعض الفروض، بناء على القول بأن المنجزات تخرج من الثلث، كالمرض الذي يطول بالمرء سنين متعددة، و المرض الخفيف الذي يتفق به الموت، و كما إذا مات و هو مريض، و كان موته

كلمة التقوى، ج 6، ص: 247

بسبب آخر غير المرض نفسه، و لا أثر لهذا الاشكال و لا اختلاف في الفروض كلها، بناء على أن المنجزات تنفذ من أصل المال كما هو الحق في المسألة.

المسألة 93:

ألحق بعض العلماء بعض الأمور الخطرة التي يخشى فيها الهلاك بمرض الموت، كحالات الحرب و حالات الخوف من الغرق، و حالات الاجتياز بالأرض ذات السباع أو الحشرات القاتلة، و حالات الولادة و الطلق للمرأة، فذكر ان الشخص إذا أجرى بعض المنجزات المتقدم ذكرها في هذه الأحوال و اتفق موته فيها كان له حكم منجزات المريض، فتخرج من الثلث بناء على القول بذلك في المسألة، و من الظاهر انه لا أثر لهذه الفروض جميعها بناء على القول المختار من أن التصرفات المنجزة تخرج من الأصل، على أن إلحاق هذه الأمور بمرض الموت في غاية الإشكال، بل هو ممنوع و ان قلنا بخروج المنجزات من الثلث.

المسألة 94:

إذا أقر المريض لوارث من ورثته أو لشخص أجنبي عنه بدين، أو بشي ء مما هو في يده و كان إقراره له و هو في مرض موته، فان كان المريض المقر مأمونا لا يتهم بالكذب في قوله، صح إقراره و وجب إنفاذه من أصل المال، فيدفع الشي ء الذي أقر به للشخص المقر له و ان زاد في مقداره على ثلث ماله، و مهما بلغت زيادته، و ان كان المقر متهما في صدق قوله، نفذ إقراره في ثلث ماله خاصة و لم ينفذ في ما زاد عليه.

و يراد باتهامه أن توجد أمارات تدل على أنه يريد تخصيص الشخص الذي أقر له بالمال الذي أقر به، أو انه يريد حرمان بقية الورثة منه.

المسألة 95:

إذا أقر المريض بالدين أو بالعين لوارثه أو لأجنبي كما ذكرنا في الفرض السابق و لم يوجد من القرائن ما يدل على أن المقر متهم في إقراره أو غير متهم، ففي نفوذ إقراره في ما يزيد على الثلث اشكال، فلا يترك الاحتياط في هذا الفرض بالمصالحة ما بين الورثة و المقر له.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 248

المسألة 96:

يراد بالثلث في هذا الباب ثلث جميع ما يتركه المريض حين ما يموت بمرضه من الأموال التي يملكها سواء كانت من الأعيان الخارجية أم من الديون في ذمم الآخرين أم من المنافع أم الحقوق التي يبذل بإزائها المال، و منها الدية و أرش الجنايات التي تكون له على الآخرين على الأقوى، فيجمع جميع ذلك و يستخرج مقدار ثلثه، و يكون ذلك هو المعيار في مسألة إقرار المريض مع الاتهام و في مسألة منجزات المريض إذا قيل بنفوذها من الثلث.

المسألة 97:

إذا قيل بأن منجزات المريض تخرج من الثلث و لا تنفذ من الأصل، فذلك انما هو إذا لم يجز الورثة تصرفه، فإذا أجاز الورثة ذلك نفذ الزائد على الثلث من الأصل، و إذا أجازه بعض الورثة دون بعض نفذ بمقدار حصة ذلك البعض المجيز من الأصل، و اختص في حصة الآخر بالثلث، فإذا كان الوارث و لدين مثلا و أجاز أحدهما و لم يجز الآخر نفذ في نصف الشي ء من الأصل و اخرج الزائد على ما يصيب الثلث منه من حصة المجيز، و نفذ في النصف الآخر من الثلث و لم ينقص من حصة الولد الثاني شي ء و إذا أجاز الورثة بعضا من الزائد على الثلث نفذ من الأصل بمقدار ما أجازوه، و قد عرفت المختار في مسألة المنجزات، فالتفصيل المذكور عندنا انما يجري في مسألة الإقرار مع الاتهام، و في الوصية إذا أجاز الورثة خروجها من الأصل.

المسألة 98:

إذا أجاز الورثة تصرف مورثهم في ما زاد على الثلث في المسائل المتقدم ذكرها و كانت إجازتهم بعد أن مات المورث، فلا ريب في صحة إجازتهم و نفوذ تصرفه من الأصل بسبب إجازتهم، و ان كانوا قد ردوه أولا قبل موت المورث، فلا يكون ردهم السابق مضرا في صحة إجازتهم اللاحقة.

و إذا أجازوا التصرف قبل موت المورث ثم ردوه قبل موته أيضا، بطلت الإجازة الأولى و لم تنفذ، و إذا أجازوا قبل موته و بقوا على

كلمة التقوى، ج 6، ص: 249

إجازتهم حتى مات المورث، فالظاهر صحة إجازتهم و نفوذها، و لا يضر بصحتها و نفوذها إذا هم عدلوا فردوا بعد الموت.

المسألة 99:

إذا أقر الإنسان و هو في حال صحته بدين لوارثه أو لشخص أجنبي عنه أو أقر لأحدهما بشي ء آخر مما يملك، أو أقر بذلك و هو مريض بغير مرض الموت، صح إقراره فإذا مات نفذ من الأصل من غير فرق بين أن يكون متهما في قوله أو مأمونا.

المسألة 100:

إذا قال الرجل للمدين: أبرأت ذمتك من الدين بعد وفاتي، لم يصح منه هذا الإبراء لأنه إنشاء معلق غير منجز، فلا يكون صحيحا سواء كان الدائن صحيحا أم مريضا، و في مرض الموت أم في غيره.

و إذا أجاز الورثة ذلك فأبرأوا ذمة المدين بعد موت مورثهم و انتقال الدين إليهم و قصدوا بالإجازة تنازلهم عن المال صح ذلك و برئت ذمة المدين، لأنه إبراء جديد، و إذا قصدوا بالإجازة إمضاء ما أنشأه المورث، أشكل الحكم فيه، بل الظاهر عدم الصحة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 251

كتاب اللقطة

اشارة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 253

كتاب اللقطة

المسألة الأولى:

اللقطة هي المال الضائع من صاحبه، و لا يد أمينه لأحد عليه، إذا وجده الإنسان و هو لا يعرف مالكه، فلا يكون المال غير الضائع من اللقطة و ان كان صاحبه مجهولا، و من أمثلة ذلك الوديعة و العارية و العين المستأجرة إذا نسي الإنسان من هو صاحبها، و من أمثلته المال المغصوب إذا أخذه الرجل من يد غاصبه و لا يعلم من هو مالكه، و العين التي قبضها بالسوم أو قبضها بالمعاملة الفاسدة و نسي من هو مالكها، فيجري على هذا و على أمثاله حكم مجهول المالك لا حكم اللقطة.

و لا يكون من اللقطة المال الذي يكون بيد أمينة و ان كان ضائعا و مجهول المالك، و مثال ذلك أن يلتقط المال الضائع أحد ثم يأخذه شخص آخر من يده، فيكون المال لقطة للآخذ الأول إذا كان معلوما لا للآخذ الثاني، و إذا كانت يد الآخذ الأول ليست أمينة، فلا اعتبار بها، كما إذا نوى الملتقط الأول في المثال المتقدم تملك المال قبل أن يعرف به فتكون يده خائنة، فللثاني أن ينتزعه منه، و إذا أخذه من يده جرت عليه أحكام اللقطة عنده.

المسألة الثانية:

تنقسم اللقطة بملاحظة نفس المال الضائع إلى ثلاثة أقسام، فالمال الضائع الذي يجده الإنسان و لا يعرف مالكه، قد يكون غير انسان و لا حيوان، و يسمى هذا القسم لقطة بالمعنى الأخص، و قد يكون حيوانا و ليس بإنسان، و يسمى بالضالة، و قد يكون إنسانا و يسمى اللقيط، و المعنى الشامل للأقسام الثلاثة هي اللقطة بالمعنى العام.

و الاقسام الآنف ذكرها مختلفة في الأحكام و في بعض الشروط و الآثار، فاللقيط مثلا لا يختص بالإنسان المملوك كما إذا كان محكوما

كلمة

التقوى، ج 6، ص: 254

عليه بالحرية و لعل هذا هو الغالب فلا يعد مالا ليدخل في الأقسام، و لذلك لم يعده بعض الفقهاء من أقسام اللقطة بل عده من توابعها، و الأمر سهل بعد وضوح المقصود و صحة التقسيم باعتبار الإنسان المملوك.

فتفصيل الكلام في هذا الكتاب يكون في ثلاثة فصول.

الفصل الأول في اللقطة بالمعنى الخاص

المسألة الثالثة:

لا يكون المال لقطة تجري عليه أحكامها حتى يكون ضائعا من صاحبه كما ذكرناه في المسألة الأولى، و لذلك فلا بد في صدق اسم اللقطة على الشي ء من إحراز كونه ضائعا بأمارة، أو قرينة أو شاهد حال يدل على ذلك، و لا يكفي مجرد عدم العلم بمالكه، فإذا وجد الإنسان مالا و لم يقم اي شاهد يدل على ضياعه من مالكه لم تجر عليه أحكام اللقطة، بل يكون من مجهول المالك، فإذا تبدل ثوب الإنسان أو عباءته أو حذاؤه في بعض المجامع و لم يحرز ان بدل الثوب أو الحذاء الذي وجده مكانه ضائع من مالكه، لم تجر فيه أحكام اللقطة، فلعل المالك قد قصد التبديل عامدا أو مشتبها فلا يكون ماله ضائعا منه.

المسألة الرابعة:

لا يكون المال لقطة حتى يحصل أخذه و الاستيلاء عليه من الواجد، فلا يصدق على المال انه لقطة بمجرد انه رأى المال و علم أنه ضائع، و إذا رآه فأخبر به غيره، و أخذه ذلك الغير فالملتقط هو الذي أخذه و به تتعلق أحكام اللقطة لا بالذي رآه، و إذا رأى الرجل المال الضائع فقال لغيره:

ناولني إياه، فأخذه هذا الغير لنفسه لا للآمر كان هو الملتقط و تعلقت به الأحكام، و إذا قال له: ناولني المال، فأخذه و ناوله إياه، أشكل الحكم لحصول الأخذ من كليهما، فالأحوط تعريف كل واحد منهما بالمال إذا لم يعرف به الآخر.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 255

المسألة الخامسة:

إذا رأى الرجل المال، فظن أو اعتقد انه ماله، فأخذه ثم استبان له بعد أخذه انه مال ضائع من صاحبه، كان المال المأخوذ لقطة و لزمته أحكامها، و كذلك إذا رأى مالا ضائعا فأخذه و نحاه الى جانب آخر كان لقطة على الأحوط ان لم يكن ذلك هو الأقوى و لزمه حكمها، و إذا رأى المال فدفعه الى جانب آخر ببعض أعضائه من غير أخذ و لا استيلاء لم يكن لقطة، و لم يتعلق به شي ء من أحكامها، و لا يكون بذلك ضامنا للمال إذا تلف أو حدث فيه عيب أو نقص على الظاهر، الا أن يكون هذا التصرف منه سببا للتلف أو العيب، و كان سببا أقوى من المباشر، فيكون ضامنا لهما في هذه الصورة.

المسألة السادسة:

لا يجوز للإنسان أن يأخذ المال المجهول المالك أو يضع يده عليه إذا لم يحرز أنه لقطة، و هي المال الضائع كما ذكرنا من قبل، و إذا وضع يده عليه كان غاصبا و لزمه ضمانه، و إذا كان المال معرضا للتلف إذا لم يأخذه جاز له وضع اليد بقصد حفظه، فإذا أخذه في هذه الحالة بهذا القصد وجب عليه حفظ المال و كان أمانة في يده فلا يضمنها إذا تلفت أو عابت في يده بغير تعد و لا تفريط منه، و إذا كان المال مما لا يبقى عادة و يكون في بقائه عرضة للتغير و الفساد، لزمه ان يبيع المال أو يقومه على نفسه تقويما عادلا، فيتصرف في العين و يبقى ثمنها امانة في يده، و الأحوط لزوما: أن يكون ذلك باذن الحاكم الشرعي مع الإمكان، فإذا لم يمكن تولى ذلك بنفسه مع مراعاة الاحتياط في جميع ذلك.

المسألة السابعة:

إذا وضع الشخص يده على المال المجهول المالك، سواء كان ذلك مما يجوز له شرعا كما في الصورة الثانية، أم كان مما لا يجوز كما في الصورة الأولى، وجب عليه ان يفحص عن مالك المال حتى يحصل له اليأس من معرفته، فإذا يئس من الظفر به وجب عليه أن يتصدق بعين المال إذا كان موجودا و بالثمن إذا كان قد باع المال أو قومه على نفسه،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 256

و لا بد من مراجعة الحاكم الشرعي على الأحوط في ذلك مع الإمكان، و إذا تصدق بالمال أو ببدله بعد اليأس ثم عرف المالك فلا ضمان على المتصدق.

المسألة الثامنة:

يكره للإنسان أن يأخذ اللقطة إذا وجدها في غير الحرم المكي الشريف، سواء كان المال قليلا أم كثيرا، و سواء كان مما يمكن التعريف به أم لا، و يحرم على الأحوط أخذ اللقطة إذا وجدها في الحرم حتى إذا كانت اللقطة دون درهم، إلا إذا كان ناويا التعريف بها، فلا يكون أخذها محرما مع هذا القصد.

المسألة التاسعة:

إذا أخذ الرجل لقطة الحرم وجب عليه ان يعرف بها في المجامع سنة كاملة من يوم التقاطه إياها، فإذا هو لم يعرف صاحب المال تعين عليه ان يتصدق به على الأحوط، و لا يجوز للواجد أن يتملكها و ان أتم مدة التعريف، إلا إذا كان فقيرا و تملكها بنية الصدقة على نفسه عن مالك اللقطة، و الأحوط أن يكون التصدق باذن الحاكم الشرعي سواء كانت الصدقة على نفسه أم على الغير.

المسألة العاشرة:

إذا تصدق الملتقط بلقطة الحرم بعد أن عرف بها حولا، ثم وجد صاحبها، فالأحوط له ضمانها لمالكها إذا هو لم يرض بالصدقة، فيدفع له مثلها إذا كانت مثلية و قيمتها إذا كانت قيمية.

المسألة 11:

إذا أخذ الرجل لقطة في غير الحرم و كانت قيمتها لا تبلغ درهما لم يجب عليه التعريف بها و جاز له أن يتملكها بعد أخذها، و إذا تملكها ثم تبين له مالكها بعد قصد التملك وجب عليه ردها إليه إذا كانت عينها موجودة، و وجب عليه رد مثلها أو قيمتها إليه إذا كانت تالفة، على الأحوط.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 257

المسألة 12:

وزن الدرهم الواحد يساوي نصف مثقال صيرفي و ستة أعشار الحمصة من الفضة المسكوكة فإذا بلغت قيمة اللقطة هذا المقدار وجب على واجدها التعريف بها، و إذا لم تبلغ لم يجب عليه التعريف بها كما تقدم، و الحمصة هي جزء واحد من أربعة و عشرين جزءا من المثقال الصيرفي.

و يراعى في تعلق الحكم في اللقطة أن تبلغ هذا المقدار في قيمتها سواء كانت اللقطة ذاتها فضة غير مسكوكة خالصة أو مغشوشة أم كانت من المسكوكات الأخرى كالنحاس و النيكل أو العملة الورقية أو غير ذلك من أنواع المال الضائع من مالكه.

المسألة 13:

المعتبر في التقدير هي قيمة اللقطة في زمان الالتقاط و في مكانه، فلا تلاحظ قيمتها في غير ذلك الزمان و المكان، و ان كان الفرق بين الزمانين أو المكانين قليلا و كان التفاوت بين القيمتين ملحوظا.

المسألة 14:

إذا أخذ الرجل اللقطة في غير الحرم و كانت قيمتها درهما فأكثر، وجب عليه أن يعرف بها حولا كاملا من يوم التقاطه إياها، فإذا هو أتم الحول في التعريف و لم يهتد إلى معرفة مالك المال تخير بين أمور ثلاثة:

(الأول): أن يتصدق بالمال عن مالكه، و إذا اتفق له أنه عرف مالك اللقطة بعد الصدقة بها و لم يرض المالك بالصدقة عنه، دفع الملتقط له مثلها إذا كانت مثلية، و قيمتها إذا كانت قيمية، و كان للملتقط أجر الصدقة.

(الثاني): أن يتملكها، فتكون كسائر أمواله، و عليه ضمانها كذلك فإذا استبان مالكها بعد نية التملك من الملتقط و كانت عينها باقية ردها اليه، و إذا كانت تالفة دفع له مثلها أو قيمتها.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 258

(الثالث): أن يبقيها أمانة شرعية عنده لمالكها، فيجب عليه أن يحفظها له كما يحفظ ماله. و لا يجب عليه ضمانها إذا تلفت في يده الا مع التعدي أو التفريط.

المسألة 15:

يجب التعريف باللقطة إذا أخذها الملتقط سواء قصد أن يختار بعد التعريف بها أحد الأمور الثلاثة التي ذكرناها أم قصد واحدا منها على الخصوص أم لم يقصد شيئا، بل قصد امتثال الأمر الشرعي بالتعريف.

المسألة 16:

إذا كانت اللقطة التي وجدها الرجل مما يعرض له الفساد إذا بقيت، كالخضر و الفواكه جاز للملتقط أن يقومها على نفسه تقويما عادلا، و ينتفع بها كيف ما أراد، و يبقى ثمنها في ذمته لمالكها و يعرف باللقطة مدة الحول، فإذا استبان له صاحبها دفع له ثمنها، و إذا لم يظهر صاحبها تخير بين الأمور الثلاثة الآنف ذكرها في المسألة الرابعة عشرة، و المدار هنا على قيمة اللقطة يوم انتقالها الى الملتقط.

و يجوز له أن يبيعها على شخص آخر، و الأحوط بل الأقوى أن يكون البيع من الغير باذن الحاكم الشرعي ثم يحتفظ بثمنها للمالك، فإذا أتم التعريف باللقطة مدة الحول جرى في الثمن الحكم المتقدم ذكره.

المسألة 17:

إذا قوم الملتقط اللقطة على نفسه في المسألة السابقة أو باعها على غيره وجب عليه أن يضبط معرفة الصفات و الخصوصيات التي تميز اللقطة عن غيرها و يحفظها جيدا ليتم التعريف بها و يعلم بسبب ذلك صدق من يدعي ملكها من كذبه.

المسألة 18:

إذا كان المال الضائع مما لا يمكن التعريف به، اما لعدم العلامة التي تميزه عما يشابهه من الأموال و يساويه في الصفات، و أما للعلم بأن مالك المال قد انتقل الى بلد آخر يتعذر الاتصال به، أو لسبب غير ذلك، سقط عن الملتقط وجوب التعريف بالمال، و وجب عليه التصدق

كلمة التقوى، ج 6، ص: 259

به إذا كان من لقطة الحرم، و تخير بين الصدقة به، و إبقائه عنده أمانة لمالكه إذا كان من لقطة غير الحرم، و في جواز تملكه اشكال، و الأقوى جواز ذلك، و الأحوط استحبابا اختيار الصدقة به.

و إذا علم بأن السبب المانع من التعريف سيزول، وجب عليه الانتظار الى ان يزول المانع، فإذا زال المانع وجب عليه التعريف بالمال سنة كاملة من حين زوال العذر، فإذا لم يعرف المالك جرى فيه الحكم الآنف ذكره.

المسألة 19:

العلامة المميزة للقطة هي الخصوصيات التي تختص بها و يكون بعضها أو المجموع منها سمة تنفرد بها اللقطة الخاصة عما يشابهها و يمكن أن يتعرف بسببها على مالك المال، فالدراهم المودعة في كيس له وصف خاص من الوضع و نوع القماش و كيفية الخياطة أو المشدودة في خرقة لها لون معين، يكون الكيس و الخرقة و أوصافهما علامة للتعريف بها، و عدد الدراهم و الدنانير التي يجدها منثورة يكون علامة لها و هكذا كل خصوصية لها هذا الشأن، و قد تكون مجموعة من الصفات علامة يحصل بها التمييز كما ذكرنا، فلا تكون اللقطة معها فاقدة للعلامة و يجب التعريف بها.

المسألة 20:

تجب المبادرة إلى التعريف باللقطة، و مبدأه من حين الالتقاط على الأحوط، فإذا أخر التعريف عنه مدة و كان التأخير لغير عذر أثم بذلك، و وجبت عليه المبادرة بعده الى التعريف، و هكذا و إذا عرف بها في بعض الحول ثم ترك لا لعذر أثم كذلك، و وجبت عليه المبادرة بعده و هكذا الى أن يتم حول التعريف.

و إذا أخر التعريف أو قطعه في أثناء الحول لعذر يصح معه التأخير، وجبت عليه المبادرة إلى التعريف بعد زوال العذر و لا يكون مأثوما لعذرة، و إذا أتم التعريف حولا بعد ما أخره أو بعد ما قطعه في أثناء الحول، جرى فيه الحكم المتقدم في المسألة الثامنة عشرة، فيتصدق بلقطة الحرم، و يتخير في لقطة غير الحرم بين أن يتصدق بها و أن يبقيها

كلمة التقوى، ج 6، ص: 260

في يده أمانة لمالكها على الأحوط، و ان جاز له أن يتملكها على الأقوى، سواء كان معذورا في تأخيره أم لا.

المسألة 21:

ظهر مما بيناه ان المدار على حصول التعريف باللقطة مدة حول كامل و ان تأخر عن أول وقته لعذر أو لغير عذر، أو تقطعت المدة بعضها عن بعض بترك التعريف لعذر أو لغير عذر حتى أتم التعريف و أتم المدة و حصل الشرط، و ان كان آثما إذا كان غير معذور في التأخير أو في تقطيع المدة، فإذا قطع التعريف في أثناء الحول ثم عاد اليه كفاه ان يتمه و لم يفتقر الى الاستئناف.

المسألة 22:

لا يجوز للملتقط أن يخرج باللقطة من البلد الذي أخذها فيه، فإذا أراد الخروج من البلد ائتمن على اللقطة من يثق به لحفظها و التعريف بها في موضع الالتقاط، و يسافر هو إذا شاء، نعم، إذا علم ان اللقطة لبعض المسافرين، جاز له أن يخرج بها الى بلدهم ليكون التعريف فيه.

المسألة 23:

لا يتعين على الملتقط أن يتولى التعريف باللقطة بنفسه، بل يجوز له أن يستنيب في ذلك أحدا غيره، و لا يسقط التكليف عن الملتقط حتى يحصل له الاطمئنان بأن النائب قد أوقع التعريف على الوجه المجدي، و إذا احتاج في الاستنابة إلى أجرة، فالظاهر كون الأجرة على الملتقط لا على المالك، و ان كان قاصدا أن تبقى اللقطة أمانة بيده لمالكها، و الأحوط استحبابا التصالح بين المالك و بينه في هذه الصورة.

المسألة 24:

يجب أن يكون التعريف مدة الحول في موضع الالتقاط على الأقوى إذا كان الملتقط قد وجد المال في موضع متأهل من بلد أو قرية و شبههما، إلا إذا علم بانتفاء فائدة التعريف فيه، و مثال ذلك: ان يعلم ان مالك اللقطة لا يمكث في ذلك الموضع، فينتقل بالتعريف الى المواضع التي يعلم أو يحتمل وجود المالك فيها، و إذا كان الالتقاط في البراري و المفاوز عرفها للنزال فيها كالقوافل و السالكين فيها، و يتبع القافلة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 261

الراحلة من الموضع ليعرف أهلها، فان لم يكن فيها نزال، أو علم بأن اللقطة ليست لهم، عرفها في البلد الأقرب فالأقرب مما يحتمل وجود المالك فيها.

المسألة 25:

لا يختص التعريف بالزقاق أو الشارع الذي وجد فيه المال الضائع، بل يكفي التعريف في الأسواق و الميادين و المجامع العامة المتصلة بذلك الموضع عرفا، و يتوخى المواسم و أوقات الاجتماع للناس.

المسألة 26:

لا يجب على الملتقط أو نائبه أن يستوعب مدة الحول كلها في التعريف باللقطة، نعم يجب أن يكون تعريفه بها متتابعا طوال السنة، و يكفي في تحقق ذلك أن يقع في فترات متصلة في نظر أهل العرف، بحيث يصدق انه عرف بالمال متصلا طوال الحول، و لا يكفي التعريف في فترات غير متصلة.

المسألة 27:

التعريف باللقطة: هو ان يذكر المعرف ما يلفت المالك الى ماله الضائع منه و يبعثه على تفقده و تذكر صفاته، فلا يكفي أن يعرف السامع بأنه وجد ضائعا أو شيئا أو مالا، بل عليه ان يذكر انه وجد آنية مثلا أو كتابا أو ذهبا أو ثوبا، و لا يذكر الصفات التي تعين المال فيعرفه غير مالكه.

المسألة 28:

إذا يئس الملتقط من معرفة المالك قبل التعريف بالمال أو في أثناء الحول سقط عنه وجوب التعريف، و وجب عليه التصدق بلقطة الحرم، و تخير بين الصدقة بالمال و تملكه في لقطة غير الحرم.

المسألة 29:

إذا أتم الملتقط التعريف حولا كاملا جرت عليه الأحكام المتقدم ذكرها في المسألة الرابعة عشرة و ان لم يحصل له اليأس من معرفة المالك، و لا يجب عليه التعريف أكثر من ذلك. و إذا علم انه سيتوصل إلى معرفة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 262

المالك إذا زاد في التعريف على السنة، فالأحوط لزوم الزيادة في التعريف، و لا تجري أحكام اللقطة بدونه.

المسألة 30:

تقدم في المسألة الثامنة أنه لا يجوز للإنسان أن يأخذ لقطة الحرم على الأحوط الا لمن يريد التعريف بها، و نتيجة لذلك فإذا أخذها من لا يريد التعريف بها كان عاديا و ضامنا للقطة إذا تلفت في يده أو حدث فيها عيب، فإذا وجد المالك دفع له مثلها إذا كانت مثلية و قيمتها إذا كانت قيمية و دفع له نماءها مع التلف، و ضمن له أرشها إذا حدث فيها عيب، و لا يبرأ من الضمان إذا عدل بعد ذلك الى نية التعريف بها و لا إذا دفع العين الى الحاكم الشرعي على الأقوى، و إذا لم يعرف المالك تصدق عنه بالمثل أو القيمة مع التلف و باللقطة و أرشها مع العيب.

و كذلك الحكم في لقطة غير الحرم إذا نوى تملكها قبل التعريف، أو قبل أن يتم التعريف حولا على الأحوط و يضمنها كذلك إذا تعدى أو فرط فيها و ان لم يقصد تملكها.

المسألة 31:

إذا أخذ لقطة الحرم مع قصد التعريف بها كانت أمانة في يده، فلا يكون ضامنا لها إذا تلفت في يده من غير تعد منه و لا تفريط، سواء كان تلفها قبل التعريف بها أم في أثنائه أم بعده و قبل التصدق بها و كذلك الحكم إذا حدث فيها عيب.

و مثله الحكم في لقطة غير الحرم إذا أخذها و لم ينو تملكها قبل التعريف أو قبل ان يتمه حولا فهي أمانة غير مضمونة إذا تلفت أو عابت بلا تعد و لا تفريط.

المسألة 32:

من التفريط أن يترك الملتقط التعريف بالمال الضائع الذي وجده و يضعه في مسجد مثلا أو في مجمع عام ليراه الناس، فإذا فعل كذلك و أخذ اللقطة غير مالكها أو تلفت أو حدث فيها عيب كان الملتقط ضامنا لها، بل و يكون ضامنا لها إذا أخذها آخذ و لم يعلم ان الآخذ هو مالكها أم غيره.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 263

المسألة 33:

إذا تلفت اللقطة قبل أن يعرف الملتقط بها أو في أثناء مدة التعريف بها، فان كانت اللقطة مضمونة كما في الفروض التي ذكرناها في المسألة الثلاثين لم يسقط عن الملتقط وجوب التعريف، فإذا عرف المالك دفع له مثلها أو قيمتها، و ان كانت غير مضمونة كما في الفروض التي ذكرناها في المسألة الحادية و الثلاثين سقط عنه وجوب التعريف.

المسألة 34:

معرفة مالك اللقطة قد تكون بنحو العلم به كما إذا أوجبت القرائن للملتقط العلم بصدق دعواه، و قد تحصل بشهادة بينة شرعية، كما إذا شهد شاهدان عادلان بأنه هو مالك اللقطة المعينة و قد تأتي من ذكره الأوصاف التي تميز اللقطة و تدل على انه صاحبها، و لا تدفع إليه اللقطة في هذه الصورة إلا إذا أوجب ذلك الاطمئنان بصدقه، و لا يكفي حصول الظن.

المسألة 35:

إذا حصل للملتقط الاطمئنان من ذكر صفات اللقطة و بعض مميزاتها أن الرجل هو مالك المال دفعه اليه و ان خفي عليه بعض الصفات الدقيقة للقطة التي قد يغفل عنها المالك أو لا يحصل له العلم بها، فمالك الكتاب مثلا لا يعلم على الأكثر بعدد صفحات الكتاب و بسنة طبعه، و بأنه من الطبعة الثالثة أو الرابعة إلا إذا كانت لها مميزات خاصة، و مالك الجهاز أو الآلة قد لا يدري بأنها من صنع اي معمل في البلد و من نتاج اي عام، و مالك الفراش و الدثار قد يذهل أو ينسى مقدار سعته في الطول و العرض و عن بعض الآثار الموجودة فيه التي تحدثها كثرة الاستعمال.

المسألة 36:

إذا عرف الملتقط مالك اللقطة قبل التعريف بها أو في أثناء مدة التعريف أو بعد ان أتمه حولا و قبل أن يتخير أحد الأمور الثلاثة، و كانت العين موجودة دفعها اليه، و لا يحق للمالك أن يطالب الملتقط ببدلها، و إذا كانت العين تالفة، فإن كانت اللقطة مضمونة دفع اليه

كلمة التقوى، ج 6، ص: 264

مثلها، أو قيمتها، و ان كانت اللقطة غير مضمونة فليس للمالك ان يطالب الملتقط بشي ء، و قد ذكرنا بعض هذه الأحكام في المسألة الثالثة و الثلاثين.

و إذا عرف المالك بعد أن أتم التعريف باللقطة و بعد أن تصدق بها عن المالك، تخير المالك بين أن يرضى بالصدقة فيكون له أجرها و لا يطالب الملتقط و لا الفقير بشي ء، و ان لا يرضى بالصدقة، فيغرم له الملتقط مثلها أو قيمتها، و يكون للملتقط أجر الصدقة، و لا يحق للمالك أن يطالبه بالعين و ان كانت موجودة، و لا يرجع على الفقير بشي ء.

و إذا

عرف المالك بعد أن تملكها الملتقط رجع عليه بالعين إذا كانت موجودة في يده، و رجع عليه بمثلها أو بقيمتها إذا كانت تالفة، أو كانت قد انتقلت منه الى ملك غيره ببيع أو هبة أو غيرهما، أو نقلها عن ملكه بوقف أو عتق أو شبه ذلك.

و إذا كان الملتقط قد اختار إبقاء اللقطة أمانة في يده لمالكها، ردها إليه إذا كانت موجودة، و إذا كانت تالفة فلا ضمان عليه الا إذا تعدى أو فرط فيها، و إذا حدث فيها عيب أو نقص رد الموجود و لم يضمن أرش العيب و لا النقصان الا مع التعدي أو التفريط، و قد أشرنا الى هذا في المسألة الرابعة عشرة.

المسألة 37:

النماء المتصل للقطة يكون له حكم العين، فإذا عرف الملتقط مالك العين وجب عليه ان يدفع اليه نماء العين المتصل في كل صورة يجب عليه فيها رد العين أو بدلها اليه، و قد تقدم تفصيل ذلك في المسألة السادسة و الثلاثين، و إذا لم يعرف المالك كان النماء المتصل تابعا للعين كذلك، فيتملكه الملتقط إذا اختار أن يتملك العين، و يملكه الفقير إذا اختار الملتقط الصدقة فتصدق بالعين على الفقير، و يبقى في يد الملتقط أمانة للمالك إذا اختار الملتقط بقاء العين كذلك.

و اما النماء المنفصل، فما حصل منه بعد أن يتملك الملتقط العين يكون للملتقط، و ما يتجدد منه بعد التصدق بالعين يكون للفقير، و لا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 265

يجب دفعه الى مالك العين إذا عرفه الملتقط بعد التملك أو بعد الصدقة، و ما حصل منه قبل ذلك فهو لمالك العين إذا عرف، و إذا لم يعرف، فالأحوط التصدق به، و لا تجري فيه أحكام اللقطة

بل يكون من المال المجهول مالكه.

المسألة 38:

إذا عرف الملتقط المالك و لم يتمكن من أن يوصل المال اليه و لا الى وكيله، وجب على الملتقط أن يستأذن المالك في ما يفعل باللقطة، فان لم يتمكن من الاستيذان منه تصدق بالمال عنه.

المسألة 39:

يشكل الحكم بجواز دفع المال الضائع إلى الحاكم الشرعي ليتخلص الملتقط بذلك من التعريف بالمال، كما يشكل الحكم بسقوط التعريف عن الملتقط بذلك لو أن الحاكم قبل منه فأخذ اللقطة، بل يشكل وجوب قبول الحاكم لها إذا دفعت اليه.

نعم يمكن دفع اللقطة إلى الحاكم أو الى أمين غيره ليقوم بحفظها في مدة التعريف، و يمكن ان يدفعها الملتقط الى الحاكم ليتصدق بها عن المالك بعد أن يتم الملتقط التعريف بها و يختار الصدقة بها عن مالكها أو بعد أن ييأس من معرفة المالك، و لكن هذه الفروض غير ما يذكره المشهور.

المسألة 40:

إذا وجد شخصان لقطة واحدة، فأخذاها معا في وقت واحد كانت لقطة لهما على سبيل الاشتراك فيها و تعلقت بهما معا أحكامها، فإذا كان مجموع قيمة اللقطة لا يبلغ درهما جاز للرجلين أن يتملكاها و لم يجب عليهما التعريف بها، و يكونان شريكين فيها على وجه التساوي، و إذا بلغت قيمة اللقطة درهما فأكثر، وجب عليهما التعريف بها، و ان لم تبلغ حصة الواحد منهما مقدار الدرهم، و تخيرا في إيقاع التعريف، فيجوز لهما أن يوكلا إيقاع التعريف كله إلى أحدهما، فيتولى التعريف بالمال في جميع الحول، و يجوز لهما أن يقوما بالتعريف بالمال معا طوال الحول، فيقوم كل واحد منهما بتعريف كامل من يوم التقاطهما المال

كلمة التقوى، ج 6، ص: 266

إلى نهاية الحول، و يجوز لهما أن يقتسما الحول بينهما اجزاء فيتولى أحدهما التعريف بالمال تعريفا كاملا في شهر أو شهرين أو أكثر من الحول، ثم يقوم الثاني بالتعريف في الجزء الثاني من الحول و هكذا حسب تراضيهما في القسمة الى ان يتما التعريف في مدة الحول، و إذا تنازعا في التعريف،

وزع الحول بينهما بالتساوي، فيقوم كل واحد منهما بالتعريف الكامل في قسطه من الحول.

و إذا تم التعريف مدة الحول، فلهما أن يتفقا في اختيار تملك اللقطة أو التصدق بها أو إبقائها أمانة لصاحبها، و يجوز لأحدهما أن يختار الصدقة بنصفه و للآخر ان يتملك نصفه أو يبقيه امانة في يده لمالك المال.

المسألة 41:

إذا التقط الصبي أو المجنون مالا ضائعا صحت لقطتهما، و على وليهما أن يتولى أمرها فإذا كانت اللقطة دون الدرهم و كانت في غير الحرم جاز للولي أن يقصد تملكهما إياها، و إذا كانت اللقطة في الحرم أو كانت قيمتها درهما فأكثر و هي في غير الحرم، وجب على الولي التعريف بها سنة، ثم يتصدق بها في لقطة الحرم على الأحوط، و يتخير لهما أحد الأمور الثلاثة التي ذكرناها في المسألة الرابعة عشرة في لقطة غير الحرم.

المسألة 42:

إذا وجد الإنسان لقطة، و علم بأنها ضائعة من ملتقط آخر قد التقطها قبله، وجب على الملتقط الثاني ان يعرف بها سنة، فان عرف مالكها ردها اليه، و ان لم يعرف المالك و لكنه عرف الملتقط الأول دفعها اليه كذلك، و ان لم يجد واحدا منهما جرى فيها حكم اللقطة المتقدم.

و إذا عرف الملتقط الأول و ردها اليه كما ذكرنا، وجب على الملتقط الأول ان يتم التعريف بها سنة إذا لم يكن قد أتم التعريف من قبل، و يحتسب منها مدة تعريف الملتقط الثاني بها، فان هو لم يعرف المالك جرى فيها حكم اللقطة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 267

المسألة 43:

إذا تملك الملتقط اللقطة بعد التعريف بها، ثم مات كانت ملكا لوارثه من بعده، و إذا ظهر المالك بعد ذلك ضمنها له الوارث، فيجب عليه أن يرد له عين اللقطة إذا كانت موجودة في ملكه و يجب عليه ان يدفع له مثلها أو قيمتها إذا كانت تالفة أو كانت منتقلة عن ملكه بأحد النواقل الشرعية و ان كانت بالصدقة عن نفسه لا عن المالك.

و إذا مات الملتقط قبل أن يعرف باللقطة أو في أثناء التعريف بها أو بعد أن أتم التعريف و قبل أن يتملكها، جرى في اللقطة حكم مجهول المالك على الأحوط، فيفحص الوارث عن مالكها، فإذا حصل له اليأس من معرفته تصدق بها عن المالك باذن الحاكم الشرعي على الأحوط.

المسألة 44:

إذا وجد الرجل مالا فأخذه و هو يعتقد ان المال له، أو يعتقد أنه وديعة أو عارية من زيد مثلا عنده و بعد أن أخذه ظهر له أن المال ضائع من مالكه و لا يد لأحد عليه، كان لقطة و لزمه القيام بأحكامها.

المسألة 45:

إذا رأى الإنسان في صندوقه مالا، و لم يدر أن المال له أو لغيره، فان كان الصندوق الذي وجد المال فيه خاصا به بحيث لا يد لغيره عليه، فالمال ماله، و ان كان الصندوق مشتركا بينه و بين آخر، بحيث يكون كل منهما صاحب يد على الصندوق يأخذ منه و يضع فيه، فعليه أن يعرف صاحبه بالمال، فان عرفه دفعه اليه، و ان قال صاحبه: ان المال ليس له، فالمال للأول، و إذا جهلاه معا رجعا إلى القرعة بينهما، فأيهما عينته القرعة فالمال له، و يمكنهما الرجوع الى المصالحة بينهما، و كذلك الحكم إذا كان الصندوق مشتركا بين جماعة قليلة محصور عددهم.

و إذا كان الصندوق مشتركا بين جماعة كثيرة، جرى في المال حكم مجهول المالك، فيجب الفحص عن المالك منهم و يدفع المال إليه إذا عرف، و إذا حصل اليأس من معرفته تصدق بالمال عنه باذن الحاكم الشرعي على الأحوط.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 268

المسألة 46:

إذا وجد الإنسان مالا في داره التي يسكنها و لم يعلم ان المال له أم لغيره، فان كانت الدار خاصة لا يدخلها غيره، أو كان الداخل إليها قليلا، فالمال له، و إذا كان المترددون في الدخول و الخروج من الدار كثيرين كما في المضائف و المجالس العامة جرى في المال حكم اللقطة، و ان لم يحرز انه مال ضائع جرى فيه حكم المجهول المالك، و لا فرق في الحكم بين أن تكون الدار مملوكة له أو مستأجرة أو مستعارة أو موقوفة أو غير ذلك من الوجوه المسوغة للسكنى، بل و ان كانت مغصوبة، فإن كون اليد غاصبة للدار لا تنافي كونها دالة على ملك المال الموجود فيها.

المسألة 47:

إذا وجد الإنسان مالا في دار يسكنها غيره، وجب عليه أن يعرف ساكن الدار بالمال فان ادعاه ساكن الدار دفعه اليه، و كذلك إذا لم يعرف ساكن الدار أمر المال و كانت الدار خاصة بالساكن لا يدخلها غيره أو يدخلها النادر القليل فيكون المال له، و إذا كثر الداخلون و الواردون فيها و علم و لو من القرائن ان المال ضائع من صاحبه جرى عليه حكم اللقطة و ان لم يعلم ذلك جرى فيه حكم مجهول المالك، فيتصدق به بعد الفحص عن المالك و اليأس من معرفته من غير فرق بين الأسباب التي اقتضت له سكنى الدار كما تقدم.

المسألة 48:

إذا أخذ الإنسان مالا من أحد و هو يعتقد ان المال المأخوذ ملك لذلك الشخص، ثم ظهر أن المال لغيره و قد أخذه منه عدوانا بغير حق، و الإنسان لا يعرف المالك، لم تجر على المال الذي أخذه أحكام اللقطة، فإنه ليس من المال الضائع من مالكه، بل يجري عليه حكم مجهول المالك.

المسألة 49:

إذا استودعه سارق مالا سرقه من أحد لم يجز للرجل الذي أخذ الوديعة ان يردها الى السارق الذي أودعه إياها، بل يجب عليه ردها الى المالك إذا كان يعرفه، و ان لم يعرفه جرى على المال حكم اللقطة كما

كلمة التقوى، ج 6، ص: 269

في الرواية، فيجب عليه التعريف بالمال سنة كاملة، فان لم يعرف مالكه تصدق بالمال عنه، و إذا عرف المالك بعد تصدقه بالمال خيره بين أن يقبل بالصدقة فيكون له أجرها و أن يغرم له بدل المال مثله أو قيمته فيغرم الودعي له ذلك، و يكون للودعي أجر الصدقة، و الفارق بين الحكم في هذه المسألة و المسألة المتقدمة هو النص الذي أشرنا إليه.

الفصل الثاني في لقطة الحيوان

المسألة 50:

اللقطة من الحيوان و تسمى أيضا الضالة، هي الحيوان المملوك الذي يجده الإنسان ضائعا من مالكه، و لا تكون لأحد يد عليه، فلا تشمل الحيوان غير المملوك شرعا كالخنزير و ما يلحق به من الحيوانات غير المملوكة، و لا تشمل الحيوانات المباحة إذا لم تملك بحيازة، فلا تكون من اللقطة، و لا تشمل الحيوان المملوك غير الضائع من مالكه و ان لم يعلم مالكه، و لا تشمل الحيوان الضائع من مالكه إذا وجده الإنسان و عليه يد أمينه لأحد من الناس، و قد تقدم بيان ما يتعلق بهذا في لقطة غير الحيوان.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 6، ص: 269

المسألة 51:

يكره للإنسان أن يأخذ لقطة الحيوان، و قد ورد في بعض الأخبار:

(لا يأخذ الضالة إلا الضالون، و ورد في حديث آخر عن الضالة: (ما أحب ان أمسها)، و الظاهر ان الحكم بكراهة التقاط الضالة شامل حتى لصورة ما إذا خشي تلف الحيوان إذا لم يأخذه الملتقط.

المسألة 52:

يحرم على الإنسان أخذ البعير الذي يراه ضالا، سواء وجده في العمران أم في غير العمران، إذا كان في ماء وكلاء، و يحرم كذلك أخذه إذا وجده في غير ماء و لا كلاء إذا كان البعير صحيحا يمكنه السعي و الوصول إليهما، و يحرم في جميع هذه الصور على الإنسان أخذ كل حيوان ضال عن مالكه إذا كان الحيوان مما يمكنه الامتناع عن السباع

كلمة التقوى، ج 6، ص: 270

لقوة الحيوان أو لسرعة عدوه أو لكبر جثته، و يمكنه السعي إلى مواضع الكلاء و الماء و ان كان من صغار الحيوان كالغزال و بقر الوحش المملوكين، و إذا أخذه الملتقط كان آثما.

المسألة 53:

إذا أخذ الرجل البعير الضائع أو ما بحكمه من الحيوان الذي تقدم ذكر حكمه في المسألة الثانية و الخمسين، وجب على الآخذ الإنفاق عليه، و لا يرجع على مالك الحيوان- إذا وجده- بشي ء مما أنفق عليه، و كان ضامنا للحيوان، فيجب عليه ان يرد على المالك قيمته إذا تلف الحيوان ثم عرف المالك، و يتصدق بالقيمة بإذن الحاكم الشرعي إذا يئس من معرفة المالك، و يضمن جميع ما يستوفيه من نماء الحيوان كاللبن و الصوف و الوبر و الدهن و غيرها، فيرد مثله أو قيمته كذلك، و يضمن جميع ما يستوفيه من منافعه كالحمل و الركوب و السقاية عليه، فيدفع اجرة مثله.

و لا تبرأ ذمته من الضمان الا بالدفع الى المالك، فيجب عليه الفحص عنه حتى ييأس من معرفته، فإذا حصل له اليأس تصدق عن المالك بما ضمنه باذن الحاكم الشرعي.

المسألة 54:

إذا وجد الرجل البعير الضال أو ما بحكمه من الحيوان الآنف ذكره في المسألة الثانية و الخمسين في موضع يتحقق تلفه فيه إذا لم يأخذه الملتقط، لوجود سباع ضارية لا يمكن الحيوان أن يمتنع منها، أو لكون الحيوان مريضا أو مجهودا لا يمكنه السعي إلى مواضع النجاة، أو لبعد الماء و الكلاء عليه في ذلك الموضع، أو لغير ذلك، جاز للرجل أخذه، و الأحوط أن يجري عليه حكم مجهول المالك، فيفحص عن مالكه حتى ييأس من الحصول عليه، ثم يتصدق به و بقيمته إذا تلف عن المالك باذن الحاكم الشرعي، و إذا عرف المالك رجع عليه بما أنفق على الحيوان إذا لم يكن قد نوى التبرع بالإنفاق، و إذا كان للحيوان نماء كاللبن و الدهن، أو كانت له منفعة كالركوب و الحمل عليه، جاز

للملتقط

كلمة التقوى، ج 6، ص: 271

أن يستوفيها بإزاء نفقاته على الحيوان، و إذا زادت النفقة على أجرته أو زادت الأجرة على نفقته، رجع صاحب الزيادة بزيادته على صاحبه.

و كذلك الحكم في ضالة هذا الحيوان إذا كان المالك في طلبها و خشي الملتقط عليها من التلف قبل أن يصل المالك إليها فيجري فيها ما ذكرناه على الأقرب.

المسألة 55:

إذا وجد الرجل شاة ضائعة في غير العمران جاز للواجد أن يلتقطها سواء كانت ضائعة في موضع فيه ماء و كلاء أم كانت في موضع ليس فيه ذلك، و إذا أخذها الملتقط وجب عليه أن يعرف بها في الموضع الذي وجدها فيه و ما حوله على الأحوط، فإذا لم يعرف مالكها جاز له أن يتملكها و أن يتصرف فيها بأكل و نحوه، و جاز له ان يبقيها في يده امانة لمالكها.

فإذا هو تملكها أو تصرف فيها كان ضامنا لها، فإذا عرف مالكها بعد ذلك و كانت الشاة موجودة ردها اليه و إذا كانت الشاة تالفة و طالبه المالك بها دفع اليه ثمنها.

و إذا أبقاها في يده أمانة لمالكها فلا ضمان عليه إذا تلفت من غير تعد و لا تفريط، و كذلك الحكم في كل حيوان لا يمكنه حفظ نفسه و لا يقدر على الامتناع من صغار السباع كأطفال الخيل و الحمير و البقر، بل و أطفال الإبل و شبهها.

المسألة 56:

إذا وجد الرجل الشاة الضالة في مواضع العمران و الأماكن المأهولة بالسكان بحيث لا خوف فيها على الحيوان الضعيف، لم يجز له أخذها و إذا التقطها أحد كان لها ضامنا و لم تبرأ ذمته الا بردها الى مالكها، إذا كانت موجودة و دفع قيمتها إذا كانت تالفة، و كذلك الحيوانات الضعيفة التي ألحقت بالشاة في حكمها في المسألة السابقة فلا يجوز التقاطها في الأماكن المذكورة و يكون ضامنا لها إذا أخذها، و يجب عليه التعريف بها و إذا يئس من معرفة المالك تصدق بها عنه باذن الحاكم الشرعي.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 272

و إذا خيف عليها التلف في المواضع المذكورة إذا لم يأخذها الملتقط، لبعض الطواري

كوجود السراق، أو بعض السباع المختبئة أو غير ذلك، جاز له أخذها و جرى عليها حكم الالتقاط في غير العمران و قد ذكرناه في المسألة المتقدمة.

و قد ورد في رواية ابن أبي يعفور، في الشاة، أن واجدها يحبسها عنده ثلاثة أيام يسأل عن صاحبها فان لم يأت باعها واجدها و تصدق بثمنها، و قد عمل بها المشهور، و هو غير بعيد.

المسألة 57:

إذا أعرض المالك عن الحيوان الذي يملكه فتركه سائبا أصبح الحيوان مباحا و جاز لمن يجده أن يتملكه و لا ضمان عليه للحيوان و لا لمنافعه.

المسألة 58:

إذا أجهد الحيوان مثلا في الطريق أو في البر و لم يتمكن المالك من أخذه معه و لا من البقاء عنده، فتركه في موضعه و مضى عنه، فان كان المالك قد تركه في موضع يمكنه التعيش فيه لوجود الماء و الكلاء فيه لم يجز لأحد أخذ الحيوان، فإذا أخذه واجده كان آثما و ضامنا، و كذلك الحكم إذا كان الحيوان المتروك قادرا على السعي إلى موضع الكلاء و الماء، أو كان مالكه عازما على أن يعود اليه قبل أن يتلف.

و إذا ترك المالك الحيوان في موضع لا يمكنه التعيش فيه و لا يستطيع السعي إلى موضع يمكنه التعيش فيه، و لم يكن المالك عازما على العود اليه، جاز لمن يجده أن يأخذه و يتملكه و لا ضمان عليه.

المسألة 59:

لا فرق بين الصبي و المجنون و بين غيرهما في الحكم في أخذ الضالة، فإذا كان الحيوان الضائع مما يجوز أخذه لغيرهما صح لهما أخذه، كما تصح لقطتهما لغير الحيوان من الأموال الضائعة من مالكها، و يقوم وليهما بأمر الضالة بولايته عليهما، فيعرفها في مقام وجوب التعريف،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 273

و يقصد تملكهما إياها في موضع التملك، و يتولى تطبيق سائر الأحكام كما تقدم نظير ذلك في لقطة غير الحيوان في المسألة الحادية و الأربعين.

المسألة 60:

إذا تبرع الملتقط بنفقة الحيوان الضائع الذي التقطه أو تبرع بها رجل آخر غير الملتقط كانت النفقة مما تبرع به و لم يرجع بها على المالك.

و ان لم يتبرع بها أحد، أنفق عليه الملتقط من ماله ثم رجع بما أنفقه على المالك إذا وجده، و إذا كان للحيوان نماء أو منافع جاز للملتقط أن يستوفي ذلك بدلا عن النفقة، و لا بد و ان يكون ذلك بحسب القيمة و قد ذكرنا هذا في المسألة الرابعة و الخمسين، و هذا في ما يحتاج اليه الحيوان من النفقات، و إذا اكتفى الحيوان في تعيشه و بقائه بالماء و الكلاء الموجود في الأرض و لم يفتقر إلى نفقة أخرى لم تجب على الملتقط و لم تلزم المالك فإذا أنفق الملتقط عليه ما يزيد على ذلك لم يصح له الرجوع به على المالك، و تراجع المسألة الثالثة و الخمسون في حكم النفقة على الحيوان الذي لا يصح التقاطه.

المسألة 61:

لا يتحقق التقاط الحيوان بمجرد دخوله الى منزل الإنسان أو الى حظيرته إذا هو لم يأخذه و لم يضع يده عليه، فإذا دخلت الدجاجة الضالة أو غيرها من الدواجن و شبهها الى منزل الإنسان أو الى حظيرته لم يكن ملتقطا، و جاز له أن يخرجها من منزله و لا شي ء عليه، بل و لا يجوز له أخذها كما تقدم في المسألة السادسة و الخمسين، و إذا أخذها وجب عليه التعريف بها حتى ييأس من معرفة مالكها ثم تصدق بها باذن الحاكم الشرعي على الأحوط.

المسألة 62:

إذا وجد الرجل حيوانا قد تركه صاحبه، و لم يعلم أنه قد تركه بقصد الأعراض عنه، ليصح له تملكه كما ذكرنا في المسألة السابعة و الخمسين أو انه لم يعرض عنه بل تركه ليرجع اليه بعد مدة أو عند الحاجة، لم يجز له أخذ الحيوان، إلا إذا كان في موضع الخوف و عدم

كلمة التقوى، ج 6، ص: 274

الماء و الكلاء، فيصح له أخذه كما تقدم في المسألة الرابعة و الخمسين و غيرها.

الفصل الثالث في لقطة الإنسان

المسألة 63:

اللقيط من الإنسان هو الطفل الضائع من أهله أو الذي يكون منبوذا منهم خشية من الاتهام في نسبته إليهم، أو لعدم القدرة على الإنفاق عليه، أو لغير ذلك من موجبات النبذ، فلا يكون له كافل.

و لا ريب في شمول اللقيط لغير المميز من الأطفال، و الأقوى شموله للمميز منهم إذا كان عاجزا عن دفع ضرورته و القيام بشؤونه بنفسه، فإذا التقطه أحد تعلقت به أحكام الالتقاط، و إذا كان غلاما مراهقا ضائعا من أهله أو منبوذا منهم و كان عاجزا عن القيام بضرورات نفسه و شؤون تربيته و حياته من غير كافل، ففي صدق اللقيط عليه و شمول الأحكام له إذا التقطه أحد، تردد و اشكال، فلا ينبغي ترك الاحتياط.

المسألة 64:

يجب على الناس التقاط الطفل الضائع أو المنبوذ الذي لا كافل له وجوبا كفائيا إذا توقف على التقاطه حفظ حياته و إنقاذه من التلف أو الخطر المتيقن أو المحتمل احتمالا يعتد به العقلاء، و يأثم العالمون بحاله إذا تركه جميعهم حتى هلك.

و إذا أخذه الملتقط وجبت عليه حضانة اللقيط و تربيته، و كان أحق بحضانته من غيره الا إذا عرف من له الولاية الشرعية عليه لنسب أو وصية أو غير ذلك، و إذا عرف الولي الشرعي عليه أو من تجب عليه نفقته من الأقارب لم يكن لقيطا لوجود الكافل، فتنتفي فيه أحكام الالتقاط.

المسألة 65:

إذا لم يتوقف حفظ حياة اللقيط و إنقاذه من الخطر على أخذه لم

كلمة التقوى، ج 6، ص: 275

يجب على الملتقط التقاطه و كان مستحبا، فإذا أخذه تولى كفالته شرعا و كان أحق بحضانته من غيره، فلا يحق لأحد ان يأخذه من يد ملتقطة و يتولى حضانته الا ان يكون وليا شرعيا أو ممن تجب عليه نفقته من الأقارب كما ذكرنا آنفا.

المسألة 66:

إذا وجد الكافل الشرعي أو من تجب عليه نفقة اللقيط من الأقارب جاز له ان ينتزع الطفل من يد الملتقط كما ذكرنا في ما تقدم، و إذا امتنع عن كفالة الطفل و الإنفاق عليه أجبر على ذلك، و سيأتي تفصيل ذلك ان شاء اللّه تعالى في فصل نفقات الأقارب من كتاب النكاح.

المسألة 67:

إذا أخذ الملتقط الطفل اللقيط وجبت عليه حضانته كما بيناه و القيام بتربيته و تدبير شؤونه، و يجوز له أن يتولى ذلك بنفسه، و أن يعهد به أو يستعين فيه أو في بعضه بمن يثق به، كزوجته أو إحدى قريباته أو غيرهن من النساء أو الرجال، بحيث يكون التصرف في نواحي شؤون اللقيط تحت اشراف الملتقط نفسه.

المسألة 68:

يشترط في آخذ الطفل اللقيط أن يكون بالغا، فلا تترتب أحكام الالتقاط إذا كان الملتقط صبيا و ان كان مميزا، و يشترط فيه أن يكون عاقلا فلا حكم لالتقاطه إذا كان مجنونا و ان كان جنونه أدوارا و كان أخذه للقيط في حال جنونه، و إذا التقطه في حال إفاقته من الجنون صح أخذه و ترتبت أحكامه، و لا يمكن منه في أدوار جنونه.

و لا حكم لالتقاط العبد المملوك إلا بإذن مولاه، فإذا أذن له مولاه صح و كان نافذا، و لا يصح للمولى ان يرجع في الاذن، و يشترط في الملتقط على الأحوط أن يكون مسلما إذا كان اللقيط محكوما بإسلامه، فلا يمكن من أخذه و كفالته إذا كان كافرا، و لا تجري على أخذه إياه أحكام الالتقاط.

المسألة 69:

ليس للنفقة على اللقيط مورد خاص، فان تبرع بها الملتقط أو

كلمة التقوى، ج 6، ص: 276

تبرع بها أحد غيره، أو تبرع بها الحاكم الشرعي كانت النفقة عليه من هذا الوجه، و إذا كان اللقيط فقيرا، جاز أن ينفق عليه من الزكاة من سهم الفقراء أو من سهم سبيل اللّه، و إذا كان للقيط مال و لم يوجد من يتبرع بالإنفاق عليه استأذن الملتقط الحاكم الشرعي، فأنفق عليه من ذلك المال، و يصح للملتقط أن ينفق عليه من ماله، ثم يرجع على اللقيط بعد بلوغه بما أنفق عليه، و لا يرجع عليه إذا كان متبرعا، و يمكن الإنفاق عليه من الصدقات المستحبة و من الخيرات العامة و من النذور التي يعلم بصحة انطباقها عليه.

المسألة 70:

ما يوجد في يد اللقيط الذي حكم الشارع بحريته من المال، فهو محكوم بأنه ملكه.

المسألة 71:

ولاية الملتقط على الطفل اللقيط لا تعني انه ولي على ماله، فإذا كان للقيط مال وجده معه أو ثبت بوجه من الوجوه أنه ملكه، أو دخل بعد ذلك في ملكه بميراث و نحوه، فلا بد من مراجعة الحاكم الشرعي لحفظ ماله أو التصرف فيه.

المسألة 72:

إذا كان للقيط مال و احتاج الملتقط إلى الإنفاق منه على اللقيط لبعض شؤونه و لو لاستئجار مرضعة له و نحو ذلك، فلا بد من استئذان الحاكم الشرعي في ذلك كما ذكرنا ذلك في ما تقدم، فإذا لم يوجد الحاكم الشرعي أو تعذر الاستئذان منه رجع الملتقط في ذلك على الأحوط إلى عدول المؤمنين، فتولوا الإنفاق عليه من ماله، و إذا لم يوجد العدول صح للملتقط ان يتولى ذلك بنفسه، فينفق على اللقيط من ماله بالمعروف، و لا يكون ضامنا حين ذاك إذا لم يتعد أو يفرط في أخذه من المال و صرفه.

المسألة 73:

إذا سبق الى الطفل الضائع أو المنبوذ ملتقط فأخذه تعلقت به أحكام الالتقاط، فإذا نبذه الملتقط و أخذه شخص آخر لم يصح التقاط الثاني

كلمة التقوى، ج 6، ص: 277

لوجود الكافل الأول، و لم يسقط الحكم عن الأول بنبذه بل يلزم بأخذه و إجراء الأحكام عليه.

المسألة 74:

إذا التقط الطفل الضائع في دار الإسلام فهو محكوم بأنه حر غير مملوك، و كذلك إذا التقط في دار الكفر و كان فيها مسلم أو ذمي يحتمل تولده منه، فيحكم بحريته، و إذا بلغ و رشد فأقر بعد بلوغه و رشده، بأنه مملوك لأحد نفذ إقراره على نفسه فيحكم بعبوديته لمن أقر له، و إذا التقط في دار الكفر و لم يوجد فيها مسلم و لا ذمي يحتمل تولده منه جاز استرقاقه.

المسألة 75:

لا ولاء للملتقط على لقيطة، فإذا مات اللقيط لم يرثه الملتقط، و إذا جنى لم يحتمل من جنايته شيئا، و إذا بلغ اللقيط و رشد و لم يثبت له نسب، فله أن يتولى من يشاء، فإذا تولى أحدا معينا، و ضمن ذلك الرجل جريرته كان هذا الضامن عاقلته في حياته إذا جنى و كان وارثه بعد موته إذا مات. و إذا لم يوال شخصا و لم يضمن جريرته أحد كان الامام (ع) عاقلته و وارثه.

المسألة 76:

إذا ضل العبد المملوك عن مالكه و خيف عليه التلف أو الضياع جاز لمن يجده أن يلتقطه سواء كان صغيرا أم كبيرا، فإذا التقطه واجده وجب عليه أن يعرف به حولا كاملا كما في اللقطة، فإذا عرف مالكه وجب عليه رده اليه، و رجع الملتقط على المالك بما أنفقه على العبد ان لم يكن قد قصد التبرع به حين الإنفاق.

و إذا لم يعرف مالك العبد أبقاه في يده أمانة لمالكه، و لا يجوز له ان يتملكه على الأقوى، نعم يجوز له بيع العبد بما أنفق عليه إذا لم يكن متبرعا بالنفقة.

و الحمد للّه رب العالمين

كلمة التقوى، ج 6، ص: 279

كتاب الصيد و الذباحة

اشارة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 281

كتاب الصيد و الذباحة

المسألة الأولى:

المقصود الأول في هذا الكتاب هو البحث عن الأسباب الشرعية التي تحصل بها تذكية الحيوان، فيحل أكل لحمه إذا كان مما يؤكل لحمه، و تترتب عليه آثار التذكية الأخرى، من طهارة لحمه و جلده و سائر أجزائه، و صحة الصلاة في أجزائه عند اجتماع الشروط الأخرى المعتبرة في ترتب هذه الأحكام.

و كلمة الصيد قد تطلق و يراد بها إثبات اليد على حيوان أو طير ممتنع بالأصالة، و قد تطلق و يراد بها قتل ذلك الحيوان أو الطير بآلة أو بحيوان على الوجه الذي اعتبره الشارع و حدده لحصول التذكية به من غير ذبح و لا نحر.

و الصيد بالمعنى الأول أحد الأمور التي تحصل بها حيازة الحيوان المباح، فيملك بها بعد ما كان مباحا بالأصالة، و الصيد بالمعنى الثاني أحد الأسباب الموجبة لتذكية الحيوان عند اجتماع الشروط المعتبرة فيه، فهو كالذبح و النحر و غيرهما من أسباب التذكية، و هذا هو المقصود في هذا الباب.

و الصيد الذي يكون سببا للتذكية، قد يكون بحيوان، و قد يكون بالآلات المعدة للاصطياد و القتل من الحديد و غيره، و لذلك فالبحث في هذا الكتاب يكون في عدة فصول.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 282

الفصل الأول في الصيد بالحيوان

المسألة الثانية:

لا تحصل التذكية في الحيوان إذا اصطاده غير الكلب المعلم من أنواع الحيوان الصيود فأجهز عليه و قتله، فلا يحل أكل لحمه و لا تترتب عليه الآثار الأخرى للتذكية، سواء كان الحيوان الصائد معلما أم غير معلم، و سواء كان من جوارح السباع كالنمر و الفهد و غيرهما أم كان من جوارح الطير كالبازي و العقاب و الصقر و الباشق و غيرها.

و يحل أكل لحم الحيوان الممتنع بالأصالة و تترتب عليه آثار التذكية كلها إذا صاده

الكلب المعلم و قتله، سواء كان الكلب سلوقيا أم غيره من أنواع الكلاب المعلمة و سواء كان أسود اللون أم غير أسود، فإذا جرح الكلب الحيوان أو عقره أو عضه في أي موضع كان من بدنه و قتله بذلك حكم عليه بأنه مذكى، و لا تتحقق التذكية و لا يترتب شي ء من أحكامها إذا كان الحيوان أهليا فاصطاده الكلب و قتله، و سنتعرض لبيان ذلك في ما يأتي من المسائل ان شاء اللّه تعالى.

المسألة الثالثة:

يشترط في ترتب الأثر على صيد الكلب أن يكون معلما للاصطياد، و المراد من ذلك أن يعوده مروضه على تلقي الأمر و الزجر في حركته الى الصيد و وقوفه عنها، فإذا أرسله صاحبه على الصيد و أغراه به بإشارة أو صوت أو كلمة و لم يكن له مانع من الحركة هاج اليه و انبعث في طلبه و الجري نحوه حتى يدركه، و إذا زجره عن الحركة و سمع زجرته انزجر و وقف، و أن يعتاد على ذلك حتى تصبح هذه الصفة ثابتة له.

المسألة الرابعة:

الظاهر أنه يكفي أن ينزجر بزجر صاحبه في الجملة، كما إذا رأى

كلمة التقوى، ج 6، ص: 283

الصيد فهم بطلبه و الجري نحوه، فزجره صاحبه و انزجر قبل الحركة، و كما إذا أغراه صاحبه بالصيد فتحرك اليه و زجره صاحبه قبل أن يسترسل في الجري فانزجر عنه، فيكفي ذلك في صدق كونه معلما، و لا يضر أن لا ينزجر إذا زجره بعد استرساله في الحركة، أو حين ما يقرب من الصيد.

المسألة الخامسة:

لا يشترط في صدق صفة المعلم على الكلب أن يكون من عادته أن لا يأكل من الصيد إذا أمسك به، فلا يضر بحصول التذكية إذا هو أكل من الحيوان شيئا قبل أن يصل اليه صاحبه و خصوصا إذا كان ذلك بعد أن قتل الصيد بمدة.

المسألة السادسة:

يشترط في حصول التذكية و في حلية لحم الحيوان الذي يصيده الكلب، ان تتحقق عدة أمور:

(الأول): أن يرسل الإنسان الكلب للاصطياد، فيكون الصيد و القتل بإرساله لذلك، فإذا انبعث الكلب الى الصيد بنفسه فقتله من غير إرسال من صاحبه لم يحل الحيوان المقتول بذلك.

و إذا أغرى الكلب صاحبه بالصيد بعد ان انبعث اليه بنفسه من غير إرسال من صاحبه لم ينفع ذلك في حصول التذكية و لم يحل لحم الحيوان، و ان زاد في جريه بعد الإغراء حتى أدرك الصيد و قتله فلا يحل لحمه على الأحوط ان لم يكن ذلك هو الأقوى.

و كذلك الحكم إذا أرسل الكلب صاحبه لا بقصد الاصطياد، بل لغرض آخر، كما إذا أرسله لطرد كلب آخر أو لطرد سبع، فصادف صيدا و قتله، فلا يحل هذا الصيد المقتول، و ان قصد الرجل اصطياده بعد الإرسال، فلا يحل الصيد بذلك.

المسألة السابعة:

يكفي في حصول الشرط الآنف ذكره أن يرسل الكلب صاحبه بقصد الاصطياد و ان لم يقصد صيدا معينا، فإذا أرسله بهذا القصد و لم يقصد

كلمة التقوى، ج 6، ص: 284

صيدا خاصا، فانطلق الكلب و اصطاد حيوانا و قتله حل صيده، و إذا أثاره الى اصطياد حيوان معين فتبع غيره حتى أدركه و قتله، حل مقتوله و ثبتت تذكيته، و إذا أرسله إلى اصطياد حيوان و رأى معه صيدا آخر فتبعهما حتى أدركهما و قتلهما، حلا معا و ثبتت تذكيتهما.

المسألة الثامنة:

الشرط الثاني: أن يكون مرسل الكلب مسلما أو من هو بحكم المسلم كالصبي المميز المتولد من مسلم، فلا يحل الصيد إذا كان مرسل الكلب كافرا، سواء كان مشركا أم كتابيا، و حربيا أم معاهدا أم ذميا، و كذلك من هو بحكم الكافر كالغالي و الناصب و منكر الضروري في الإسلام، و الصبي المتولد من كافرين و ان كان مميزا.

و لا يلحق بالمسلم في هذا الحكم المجنون المتولد من المسلم على الأحوط.

المسألة التاسعة:

الشرط الثالث: أن يذكر المرسل اسم اللّه عند إرساله الكلب، و المراد بالتسمية المشترطة هنا و عند الذبح و النحر أن يذكر اسم اللّه مقترنا بالتعظيم، مثل أن يقول: اللّه أكبر أو يقول: بسم اللّه، أو يقول الحمد للّه، و نحو ذلك، و يشكل الحكم بالاكتفاء بذكر اسم اللّه مجردا عما يدل على التعظيم، و إذا ترك المرسل التسمية متعمدا لم يحل الحيوان الذي يقتله الكلب في ذلك الإرسال، و إذا تركها ناسيا لم يضره ذلك، و ثبتت تذكيته.

و الأحوط احتياطا لا يترك أن تكون التسمية عند الإرسال، فلا يؤخرها عنه عامدا و ان اتى بها قبل الإصابة، و لا يضر إذا أخرها ناسيا كما تقدم.

المسألة العاشرة:

الشرط الرابع: أن يكون موت الحيوان مستندا الى جرح الكلب إياه أو عقره له أو قتله. فلا يحل الصيد إذا مات بصدمه أو عثرة أو سقوط من جبل و شبهه، أو بسبب إتعابه في العدو، أو بسبب اختناق، أو غرق في ماء أو توحل في طين و شبه ذلك من أسباب الموت بغير قتل الكلب.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 285

المسألة 11:

يجب على صاحب الكلب المعلم إذا أرسله للاصطياد ان يتبعه ليذكي الحيوان إذا وجده حيا لم يمت بإصابة الكلب، و تجب عليه المبادرة الى ذلك و المسارعة العرفية حين يرى ان الكلب قد لحق الصيد و أصبح غير ممتنع عليه على الأحوط. فإذا هو لم يتبع الكلب في هذه الحالة، أو لم يسارع اليه بالمسارعة العرفية، و حين وصل الى الصيد وجده ميتا لم يحل أكل لحمه.

و إذا هو بادر الى الصيد على الوجه الذي تقدم ذكره، فأدركه ميتا بقتل الكلب أو أدركه حيا، بفترة قليلة لا تتسع لذبحه و تذكيته، ثم مات، حل لحم الحيوان و ثبتت تذكيته، و هذا هو الشرط الخامس من شروط حلية الصيد الذي يقتله الكلب.

و لا تجب على الرجل المبادرة و المسارعة من حين إرسال الكلب أو قبل وصوله الى الصيد و استيلائه عليه.

المسألة 12:

إذا أدرك الرجل الصيد و هو حي لم يمت بإصابة الكلب له، و كان الزمان الذي أدركه فيه حيا يتسع لذبحه، لم يحل أكل لحمه الا بالذبح، فإذا ترك ذبحه حتى مات فهو ميتة لا يحل أكلها.

المسألة 13:

ادنى حياة الصيد التي يحتاج معها الى الذبح هي أن يدركه الإنسان و هو يطرف بعينه و يركض الأرض برجله و يتحرك بذنبه، و طرف العين هو تحركها بالنظر أو تحرك اجفانها بالانطباق و الانفتاح، و الركض بالرجل هو أن يضرب بها الأرض أو غيرها، و قد جعلت هذه الأمور علامات على وجود الحياة في الحيوان في مثل هذه الحالات.

فإذا وجد الإنسان الصيد كذلك. و اتسع الزمان لذبحه وجب ذلك، و لم يحل لحمه الا بالذبح، و تراجع المسألة المائة و السادسة، و المسألة المائة و التاسعة و العشرون.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 286

المسألة 14:

إذا عقر الكلب الصيد أو عضه أو جرحه و أدركه الرجل و هو لا يزال يعدو، فتبعه حتى وقع، فإذا وجده حيا في فترة تتسع لذبحه لزمه ذلك و لم يحل لحمه الا بالذبح، و ان وقع ميتا أو وجده حيا في فترة لا تتسع للذبح ثم مات حل أكله في كلتا الصورتين و ثبتت تذكيته.

المسألة 15:

إذا أصاب الكلب الصيد و جرحه، و أدركه الرجل و الحيوان لا يزال حيا، و لم تكن عند الرجل سكين ليذبحه بها، فإذا هو أغرى الكلب بالصيد قبل أن يموت حتى قتله فالظاهر حل أكله، و إذا تركه كذلك حتى مات بنفسه من غير ذبح و لا قتل لم يحل أكله.

المسألة 16:

إذا أدرك الرجل الصيد و هو حي بعد أن عقره الكلب أو جرحه، فاشتغل بمقدمات التذكية من شحذ السكين و توجيه الحيوان إلى القبلة و هو يمتنع لبقية قوة فيه، و رفع الحائل عن موضع الذبح، فمات الحيوان قبل ذبحه، فالظاهر حل لحمه كما إذا لم يتسع الوقت لذبحه.

المسألة 17:

ذكرنا في المسألة الحادية عشرة انه يجب على الرجل ان يتبع الكلب إذا رآه قد لحق الصيد و أصبح الحيوان غير ممتنع عليه و أن يسارع اليه، و هذا إذا احتمل وجود أثر يترتب على مبادرته الى الحيوان بعد اصابته، و هو أن يذبحه إذا وجده حيا و كان له من الوقت ما يتسع لذلك.

فإذا علم بأنه لا يستطيع ادراك الحيوان قبل موته أو علم بعدم تمكنه من ذبحه إذا وجده حيا لعدم السكين، لم تجب عليه المسارعة اليه، و جاز له أن يتركه الى الكلب حتى يقتله و يزهق روحه، و يحل أكله بذلك.

المسألة: 18

تقدم في المسألة العاشرة أن الحيوان الذي يصطاده الكلب لا يكون حلال اللحم حتى يعلم أن موته يستند الى قتل الكلب بجرحه أو عقره

كلمة التقوى، ج 6، ص: 287

مثلا، و لا و لا يحل أكله إذا كان موته بسبب آخر من صدمة أو عثرة أو خنق أو غرق أو شبه ذلك.

فإذا مات الصيد و لم يعلم سبب موته من أي النوعين لم يجز أكل لحمه، و إذا توقف حصول العلم بسبب موت الحيوان على المسارعة إليه بعد إرسال الكلب لاصطياده ليعلم أن سبب موته هو قتل الكلب فيحل أكله أو غير ذلك فيحرم، وجبت على الرجل المسارعة نحوه ليحرز ذلك، و ان علم بأنه لا يدركه للذبح.

المسألة 19:

إذا عض الكلب الصيد أو جرحه فقتله، حل أكله و طهر لحمه كما ذكرنا، و ليس معنى ذلك أن موضع العضة أو موضع الجرح طاهر يجوز أكله من غير تطهير، فلا بد من غسل الموضع من نجاسة الكلب و نجاسة الدم، و الحكم واضح غير خفي و انما يذكر للتنبيه.

المسألة 20:

يجوز أن يتعدد الكلب الصائد، و يجوز أن يتعدد المرسلون للكلب الواحد أو الكلاب المتعددين إذا وجدت الشروط المتقدم ذكرها جميعا في كل واحد من المرسلين و من الكلاب المرسلة. فإذا كانت للرجل المسلم عدة كلاب معلمة و أرسلها للاصطياد، و سمى عند إرسال كل واحد من كلابه، فذهبت و اشتركت في صيد واحد أو في أكثر، فقتلته حل لحمه و كان ذكيا.

و إذا اشترك جماعة مسلمون فأرسلوا كلابهم للصيد، و سمى كل واحد منهم عند إرسال كلبه فانطلقت الكلاب و اشتركت في صيد حيوان أو أكثر فقتلته حل لحمه و ثبتت ذكاته.

و لا يحل الصيد إذا لم تجتمع الشرائط في المرسلين أو في الكلاب، فإذا اشترك رجلان في صيد حيوان فأرسلا كلبيهما للاصطياد، و كان احد الرجلين مسلما و الآخر كافرا، أو كانا مسلمين و سمى أحدهما عند إرسال كلبه، و لم يسم الآخر، أو كان أحد الكلبين معلما دون الآخر، فإذا انطلق الكلبان و قتلا الصيد لم يحل لحمه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 288

و كذلك إذا أرسل أحد الرجلين كلبه و سمى، و انطلق الكلب الآخر من غير إرسال و ذهبا الى الصيد و قتلاه معا، فلا يحل لحمه.

المسألة 21:

إذا أرسل الرجل كلبين للاصطياد، و أحدهما معلم و الآخر غير معلم فاشتركا في قتل صيد واحد لم يحل لحمه.

و كذلك إذا أرسلهما و سمي عند إرسال أحدهما و لم يسم عند إرسال الآخر، بل و كذلك على الأحوط لزوما إذا أرسلهما إرسالا واحدا و سمى عند إرسالهما تسمية واحدة.

المسألة 22:

إذا اشترك جماعة فأرسلوا كلبا واحدا معلما، و سمى جميعهم عند إرساله صح ذلك و حل لحم الصيد إذا قتله الكلب.

و إذا اشتركوا في إرساله، و سمي بعضهم و لم يسم الآخر، فان كان إرسال البعض الذي سمى و اغراؤه كافيا في انطلاق الكلب و اغرائه، فالظاهر كفاية ذلك، فيحل لحم الصيد إذا قتله.

و إذا لم يؤثر إرسال ذلك البعض في انطلاق الكلب حتى ينضم اليه الآخر، لم يحل لحم الصيد الذي يقتله. و كذلك الحكم إذا كان أحدهما مسلما و الثاني كافرا، فيجري فيه التفصيل الذي ذكرناه.

المسألة 23:

إذا أرسل أحد الرجلين كلبه الى الصيد فانطلق اليه، و أثخنه بالجراح، ثم أرسل الآخر كلبه اليه و اصابه يسيرا، بحيث يستند قتله و موته إلى الأول منهما دون الثاني، اعتبر وجود الشرائط في الأول، فإذا وجدت الشرائط فيه حل لحم الصيد، و لم يضره أن يكون الثاني فاقدا للشرائط أو لبعضها. و إذا أرسل أحدهما كلبه فعمل في الصيد قليلا، ثم أرسل الثاني كلبه فأصابه اصابة مؤثرة و كان هو القاتل في نظر أهل العرف، اعتبر وجود الشروط في الثاني، فإذا توفرت الشرائط فيه حل لحم الصيد، و لم يضر فيه أن يكون الأول غير جامع للشرائط، و إذا انعكس الفرض انعكس الحكم.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 289

المسألة 24:

إذا وجد الرجل الحيوان الذي أرسل الكلب عليه ميتا و تردد في سبب موته أ هو قتل الكلب له و اجهازه عليه، أو يكون مات بسبب آخر غير ذلك، لم يحل أكل لحمه كما ذكرنا أكثر من مرة.

و إذا دلت امارة عرفية على أن سبب موته هو قتل الكلب إياه و كانت الامارة تفيد الاطمئنان بذلك، ففي الحكم بالاعتماد عليها قوة، و لكن لا يترك الاحتياط بالاجتناب عنه.

الفصل الثاني في الصيد بالآلة

المسألة 25:

تحصل التذكية للحيوان الممتنع بالأصالة إذا اصطاده الرجل بالسيف أو بالخنجر أو بالسكين أو بغيرها من الآلات و الأسلحة التي يكون لها حد قاطع، إذا ضربه بالآلة فقتله، فيحل بذلك لحم الصيد إذا اجتمعت فيه الشروط الآتي ذكرها.

و تحصل التذكية له إذا اصطاده بالرمح أو بالحربة أو بالسهم و نحوها من الأسلحة التي يكون لها طرف محدد، يطعن به و يخرق، حتى العصا إذا جعلت في طرفها حديدة محددة يطعن بها أو يخرق فإذا طعنه بالرمح أو الحربة أو بالعصا التي تقدم وصفها أو رماه بالسهم أو شبه ذلك من الأسلحة فقتله كان لحم الحيوان حلالا مع اجتماع الشرائط.

سواء كان السلاح مما له نصل كالسيف يصنع من حديدة ذات حد أو حدين، و يركب له مقبض من غير الحديد غالبا، و الخنجر و السكين يصنعان كذلك، و كالزج و السنان يركب في طرف قناة الرمح، و كالحديدة الشائكة توضع في أسفل العصا، و كنصل السهم يركب على الريش أو على الخشبة، أم كان مجموع السلاح مصنوعا من حديدة واحدة يجعل لها من نفسها حد قاطع أو طرف طاعن كالسيف أو السكين أو الرمح أو السهم يفرغ جميعه كذلك.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 290

المسألة 26:

لا يشترط في الآلة أو في نصلها أن يكون من الحديد، فيصح أن يكون من أي فلز كان، كالنحاس و النيكل و غيرهما إذا صنعت منه الآلة القاطعة أو الشائكة أو صنع منه نصلها على النحو المتقدم فإذا ضرب بها الصيد أو طعنة فقتله حل لحمه على الظاهر، بل حتى إذا كانت من الذهب أو الفضة. نعم لا بد- على الأحوط لزوما- أن يكون مما يعد سلاحا في نظر أهل العرف، فيشكل

الحكم إذا كان مما لا يعد سلاحا في نظرهم، أو كان سلاحا غير معتاد كالمخيط و الشك و السفود و لا بد فيه من مراعاة الاحتياط.

المسألة 27:

إذا ضرب الإنسان الصيد أو طعنه أو رماه بالاسلحة المتقدم ذكرها فأصابه و مات الحيوان بسبب ذلك حل لحمه، و ان لم تؤثر الضربة أو الطعنة أو الرمية في جسد الحيوان أثرا بينا من جرح أو خرق، و لا يحل إذا لم يصبه، بل مات من الفزع أو من صدمة أو غيرها.

المسألة 28:

يلحق بآلة الحديد المعراض: و هو على ما قالوا: خشبة غليظة الوسط محددة الطرفين و لا نصل فيها من حديد و نحوه، و هو نوع من السهام كان يستعمل قديما في الصيد و نحوه، فإذا رمى الرجل به الصيد فقتله فإن أصابه بأحد طرفيه فخرقه و مات الحيوان بسبب ذلك حل لحمه، و ان أصابه معترضا و قتله لم يحل لحمه، و كذلك الحكم في السهم الذي لا حديدة فيه و انما هو عود أو خشبة يحدد طرفها، فإذا رمى به الصيد فخرقه أو جرحه بطرفه المحدد و مات بسبب ذلك حل لحمه، و ان قتله معترضا لم يحل لحمه. و يشكل الحكم بحصول التذكية بالعصا إذا لم تكن في طرفها حديدة بل كانت محددة بنفسها، فإذا طعن الحيوان بها فقتله، فلا يترك الاحتياط بالاجتناب عن أكل لحمه.

المسألة 29:

لا يحل من الصيد ما يقتل بالحجارة أو بالبندق، و البندق جمع بندقة، و هي الطينة المدورة المجففة، فلا يحل لحمه و لا تثبت تذكيته إذا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 291

مات بذلك، سواء كان من صغار الصيد أم كباره.

و لا يحل منه ما يضرب بمقمعة أو بعمود، فيموت بسبب ذلك، و ان كانا من الحديد و سميا سلاحا.

و لا يحل منه ما يقتل بالشرك و الحبالة و الفخ و غيرها من آلات الصيد، و لا تكون قاطعة و لا شائكة، و لا تعد سلاحا، فلا يحل أكل صيدها إذا علقت به فمات بذلك.

المسألة 30:

إذا علق الصيد بإحدى الآلات المذكورة في ما تقدم أو بغيرها و هو حي، فأصبح بسبب علوقه بها غير قادر على الامتناع، فقبضه صاحب الآلة و وضع يده على الصيد، ثم ذكاه على الوجه الشرعي، حل لحمه بالتذكية.

و كذلك ما يصطاده النمر أو الفهد أو غيرهما من جوارح السباع، أو يصطاده الصقر أو العقاب، أو الشاهين أو الباشق أو غيرها من جوارح الطير، فإذا أدركه الرجل و ذكاه على الوجه الصحيح حل لحمه، و هذا من التذكية بالذباحة لا من التذكية بالصيد.

المسألة 31:

الظاهر حل لحم الصيد الذي يقتل بالبندقية، و هي الآلة المعروفة لإطلاق النار على الصيد و نحوه، إذا كانت البندقة أو الرصاصة التي تطلقها محددة الطرف تشبه المخروط، فإذا أطلقها الرامي و سمى عند الإطلاق، فأصابت الطير أو الحيوان فقتلته، فالظاهر حل لحمه بذلك.

و إذا كانت البندقة التي تطلقها مدورة غير محددة الطرف، فالأحوط اجتناب ما قتل بها و ان خرقت و نفذت بسبب قوتها، سواء كانت صغيرة الحجم أم كبيرته.

و إذا لم يمت الطير أو الحيوان بها، و أدركه الصائد حيا فذكاه بالسكين، فلا ريب في حلية لحمه.

المسألة 32:

يشترط في حل لحم الحيوان الذي يصطاد و يقتل بالآلة- مضافا الى

كلمة التقوى، ج 6، ص: 292

ما ذكرناه من الشروط و الصفات التي تعتبر في نفس الآلة- أن تجتمع فيه جميع الشروط التي تقدم ذكرها و اشتراطها في صيد الكلب المعلم.

فيجب أن يكون الرمي أو الضرب بالآلة بقصد الاصطياد، فإذا رمى الرجل أو ضرب بالآلة لا بقصد شي ء، فاتفق ان أصابت رميته أو ضربته حيوانا فقتلته لم يحل لحم الحيوان.

و كذلك إذا رمى أو ضرب بقصد اصابة هدف خاص، أو بقصد دفع عدو أو بقصد طرد سبع أو خنزير، فأصابت غزالا أو حمار وحش، و قتلته، لم يحل ذلك الحيوان المقتول، و كذلك إذا أفلت السهم أو السلاح من يده، فأصاب حيوانا، فلا يحل لحم الصيد في جميع هذه الفروض.

و إذا رمى أو ضرب بالآلة بقصد الاصطياد، فأثارت رميته صيدا من مخبئه ثم قتلته، أو رمى صيدا معينا فأصابت الرمية غيره، أو رماه فأصابه و أصاب غيره معا، فيحل ما قتله إذا اجتمعت بقية الشروط كما ذكرنا في صيد الكلب في المسألة السادسة و المسألة

السابعة.

المسألة 33:

يشترط في حل الصيد أن يكون الرامي أو الضارب بالآلة مسلما أو من هو بحكم المسلم فلا يحل أكل لحم الحيوان إذا كان صائده كافرا أو من هو بحكمه، كما بيناه في المسألة الثامنة.

المسألة 34:

يشترط في حل الحيوان أن يذكر الصائد اسم اللّه عند الرمي أو الضرب أو الطعن بالآلة على الوجه الذي فصلناه في المسألة التاسعة من البيان و الأحكام.

المسألة 35:

يشترط في حل الحيوان أن يكون موته مسببا عن رمي الرامي أو ضربه أو طعنة بآلة الصيد لا الى سبب آخر، كما إذا فزع الحيوان من الرمية أو الضربة فمات من الخوف، أو فزع فسقط من جبل أو في حفرة أو في ماء فمات، أو كان موت الحيوان مستندا إلى ضربه بالآلة و الى

كلمة التقوى، ج 6، ص: 293

سبب آخر معها فكان موته مستندا الى السببين معا على وجه الاشتراك.

و كما إذا رماه مسلم و كافر فأصاباه معا و قتلاه أو رماه رجلان معا و سمى أحدهما و لم يسم الآخر، أو رماه رجلان و قصد أحدهما الصيد و لم يقصد الثاني.

المسألة 36:

إذا وجد الصائد الحيوان الذي رماه ميتا و تردد في سبب موته بين السبب المحلل و السبب المحرم، أو تردد في استناد موته الى السبب المحلل خاصة أو اليه و الى السبب المحرم معا على نحو الاشتراك، بنى على أصل عدم التذكية، و لم يجز له أكل لحمه.

المسألة 37:

يشترط في حل لحم الحيوان إذا ضرب بآلة الصيد أن لا يدركه الصائد و الحيوان حي و الوقت يتسع لذبحه، فإذا أدركه كذلك وجب عليه ذبحه، و إذا تركه حتى مات من غير ذبح لم يحل أكله كما فصلناه في المسألة الحادية عشرة و الثانية عشرة، و تراجع المسائل الأخرى المتعلقة بفروض المسألة و فروعها.

المسألة 38:

إذا اشترك شخصان في صيد حيوان، فرماه أحدهما بسهم و طعنه الآخر برمح فقتلاه و كانت الشروط مجتمعة فيهما حل أكل لحمه، فلا يعتبر في الصيد بالآلة وحدة الصائد و لا وحدة الآلة.

و كذلك الحكم إذا أرسل أحد الشخصين كلبه الى الحيوان بقصد صيده، و رماه الثاني بسهم فاشتركا في قتله، فيحل لحمه مع اجتماع الشرائط فيهما.

المسألة 39:

إذا غصب الرجل آلة الصيد من أحد و اصطاد بها حيوانا، فالحيوان ملك للغاصب الصائد لا لصاحب الآلة، و ان كان آثما بغصب الآلة و استعمالها.

و يجب عليه أن يدفع لمالك الآلة أجرة المثل للآلة المغصوبة إذا كانت

كلمة التقوى، ج 6، ص: 294

لمثل هذا العمل بها أجرة في نظر العقلاء.

و إذا قتل الصيد بها و كانت الشرائط المتقدم ذكرها كلها مجتمعة، حل أكل لحمه، فلا يشترط في الصيد بالآلة أن تكون مباحة غير مغصوبة.

المسألة 40:

الحيوان الذي يحل لحمه باصطياد الكلب المعلم و بالصيد بالآلة عند اجتماع الشرائط الآنف ذكرها، هو الحيوان الوحشي الممتنع بالأصالة، سواء كان طيرا أم وحشا، كالظبي و بقر الوحش و حمار الوحش و الغنم الجبلية و غيرها من الحيوانات الوحشية، و لا تقع هذه التذكية على الحيوان الأهلي الذي يقدر عليه بلا وسيلة، كالغنم و البقر و الإبل الأهلية و الدجاج و الإوز و سائر الدواجن المتأهلة.

المسألة 41:

إذا تأهل الحيوان الوحشي بالأصالة كالظبي و حمار الوحش و الطير، فأصبح أنيسا غير ممتنع بعد توحشه و امتناعه، جرى عليه حكم الحيوان الأهلي، فلا يحل لحمه باصطياد الكلب أو بالصيد بالآلة، و لا بد في تذكيته من الذبح.

و إذا توحش الحيوان الأهلي، فأصبح وحشيا ممتنعا لا يقدر عليه الا بالاصطياد و نحوه، كالغنم الأهلية إذا توحشت، و البقر الأهلية إذا استعصت، و الإبل الأهلية إذا توحشت و كالصائل من البهائم ثبت له حكم الحيوان الوحشي بالأصالة، فيصح اصطياده و إذا قتله الكلب المعلم أو قتل بالآلة، حل لحمه مع اجتماع شروط التذكية في الصيد.

المسألة 42:

يجري في طفل الحيوان الوحشي إذا كان صغيرا لا يقوى على الفرار و الامتناع، و في فراخ الطير قبل استطاعتها للنهوض و الطيران حكم الحيوان الأهلي فلا يحل لحمها بالاصطياد بكلب أو بآلة، فإذا رمى الصائد الظبي و ولده الذي لا يستطيع الهرب، حل لحم الظبي و لم يحل لحم ولده، و إذا رمى الطير و فرخه الذي لا يتمكن من الطيران حل الطير و لم يحل ولده

.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 295

المسألة 43:

إذا ترددت البهيمة في بئر أو في حفيرة و لم يمكن إخراجها و لا ذبحها أو نحرها على الوجه الشرعي صحت تذكيتها في تلك الحال بالصيد بالآلة، فتضرب بها أو تطعن أو ترمى في أي موضع يتفق من جسدها، فإذا ماتت بذلك و كانت شروط التذكية موجودة حل لحمها.

و في صحة اصطياد الكلب المعلم لها اشكال، و الأحوط لزوما اجتناب ذلك.

المسألة 44:

إذا كان الحيوان الوحشي مما لا يؤكل لحمه كالسباع و الطيور المحرمة و سائر الحيوانات الوحشية التي يحرم أكلها، فالظاهر صحة صيدها بالآلة، فإذا رماها الصائد بالسهم و نحوه أو ضربها بالسيف أو طعنها بالرمح بقصد الصيد و ماتت بسبب ذلك و اجتمعت فيها الشروط المعتبرة حصلت لها التذكية بذلك فيطهر جلدها و لحمها و جميع أجزائها، و ترتبت عليها آثار التذكية غير حل اللحم.

و الأحوط لزوما عدم حصول التذكية فيها بصيد الكلب المعلم لها إذا أرسل عليها فقتلها.

المسألة 45:

إذا أرسل الكلب المعلم على الحيوان أو الطير فقطعه قطعتين، فان زالت الحياة عن كلتا القطعتين حل أكلهما معا إذا كانت الشروط كلها موجودة، و كذلك إذا بقيت الحياة في الحيوان و لم يتسع الوقت لتذكيته، فيحل أكل القطعتين.

و إذا بقيت الحياة مستقرة في الصيد و اتسع الزمان لذبحه، فإن أسرع الصياد فذبح الصيد حل أكل القطعة التي يكون فيها الرأس و الرقبة لوقوع التذكية عليها و حرمت القطعة الأخرى وحدها لأنها جزء مبان من الحي. و ان ترك الصيد حتى مات من غير ذبح حرمت القطعتان معا.

و كذلك الحكم إذا اصطاده بالآلة التي يحل بها الصيد، فضربه بالسيف أو بغيره، فقطع الحيوان قطعتين، فيجري فيه التفصيل الذي بيناه في

كلمة التقوى، ج 6، ص: 296

الفرض السابق و تجري عليه الاحكام بنفسها.

المسألة 46:

إذا اصطاد الكلب غير المعلم حيوانا، أو اصطاده أحد الجوارح من السباع أو من الطير التي لا يحل صيدها، فقطعه قطعتين، فان زالت الحياة عن كلتا القطعتين، حرم أكلهما معا، و كذلك إذا بقيت الحياة في الصيد و لم يتسع الوقت لذبحه، فتحرم القطعتان معا، و إذا بقيت الحياة مستقرة في الحيوان و اتسع الزمان لذبحه، فان سارع الصياد و ذبح الصيد حلت القطعة التي يكون فيها الرأس و أعضاء التذكية و حرمت الأخرى وحدها، و ان لم يذبحه حرمت القطعتان معا.

و كذلك إذا اصطاده بالآلة التي لا يحل بها الصيد كالشبكة و الحبالة، و الآلات الأخرى التي لا تعد سلاحا، فيجري فيه التفصيل و الأحكام المذكورة في الفرض المتقدم.

المسألة 47:

إذا رأى الصائد شبحا على البعد فظنه كلبا أو خنزيرا أو سبعا، فرماه و قتله، و لما طلبه وجده صيدا، لم يحل له أكل لحمه، و ان سمى عند الرمي، و كذلك إذا أرسل كلبه المعلم عليه ليطرده أو ليقتله و لما وصل اليه وجده حيوانا و قد قتله الكلب، فلا يحل لحمه.

الفصل الثالث في ما به يملك الصيد

المسألة 48:

الحيوان الممتنع بالأصالة و الطير المطلق الجناح من المباحات العامة، فلا يملكه أحد إلا بوجود أحد الأسباب المملكة له، و سنذكرها ان شاء اللّه في ما يأتي، سواء كان مما يحل أكله أم مما يحرم فيجوز للإنسان السبق الى حيازته و تملكه قبل أن يملكه غيره.

و إذا استبق الى حيازته و وضع اليد عليه شخصان، و تقارنا في إيقاع السبب المملك، ملكاه معا و كان مشتركا بينهما.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 297

و قد تكرر الحديث في استثناء الخنزير و بعض الكلاب البرية من هذا الحكم، فلا يملكهما المسلم باصطياد و لا بغيره، على اشكال في عموم الحكم و إطلاقه إذا تملكهما المسلم لغاية محللة.

المسألة 49:

إذا أرسل الصائد كلبه المعلم بقصد الاصطياد و سمى عند إرساله فانطلق الكلب و قتل الصيد، فلا ريب في أن الحيوان المقتول أو الطير المقتول يكون ملكا للصائد كما يكون حلال اللحم، فلا يجوز لغير الصائد أن يسبق اليه أو يأخذه منه، و إذا سبقه و استولى على الصيد كان غاصبا، و كذلك إذا اصطاد الرجل حيوانا بالآلة المحللة فرماه أو ضربه أو طعنة بقصد الاصطياد و مات الحيوان بسبب ذلك فيحل لحمه إذا كانت الشروط كلها موجودة، و يكون ملكا للصائد لا يجوز أخذه منه الا برضاه.

المسألة 50:

إذا أرسل الرجل كلبه على الحيوان بقصد الاصطياد، فجرحه الكلب و لم يقتله، و أدركه الصائد فخلصه من الكلب، و بقي الحيوان حيا، فهو ملك للصائد، و لا يجوز لأحد أخذه إلا برضاه، و إذا بري ء من جرحه، و عاد الى الامتناع لم يخرج بذلك عن ملك مالكه و لا يجوز لغيره صيده و إذا تجدد له نماء فهو لمالكه أيضا.

و كذلك إذا رمى الرجل الحيوان أو ضربه بالآلة بقصد الاصطياد فأثبته، و أدركه الرجل و هو لا يزال حيا، فهو المالك له، حتى إذا بري ء من جرحه و عاد الى الامتناع.

و إذا أرسل الرجل عليه الكلب أو رماه أو ضربه بالآلة لا بقصد الاصطياد، و أدركه الرجل حيا، فإن أخذه عند وصوله اليه بقصد التملك له فقد حازه و ملكه، فلا يجوز لغيره أخذه منه أو التصرف فيه الا باذنه، و إذا أخذه لا بقصد التملك، ففي حصول الملك بأخذه له اشكال، فلا يترك فيه الاحتياط.

المسألة 51:

إذا اصطاد الرجل الحيوان بغير الكلب من السباع أو الطيور الجوارح، و أدركه الصائد حيا، فان قصد الاصطياد بإرسال السبع أو

كلمة التقوى، ج 6، ص: 298

الطير عليه، كان ذلك حيازة للحيوان، فيملكه باصطياده، و كذلك إذا قصد التملك عند أخذ الحيوان، فيملكه بأخذه بهذا القصد كما سبق في نظيره، و إذا أخذه لا بقصد التملك جرى فيه الاشكال السابق.

و كذلك التفصيل و الحكم إذا اصطاده بالحجارة أو الخشب أو بالعمود و أمثاله مما لا يعد سلاحا.

المسألة 52:

إذا أدرك الإنسان الحيوان الممتنع أو الطير في بعض حالات غفلته أو مرضه أو توحله أو تورطه بخوض ماء و نحوه، فاستولى عليه و أمسك بيده أو برجله أو وضع رباطا في رقبته بقصد التملك، ملكه بذلك و إذا نصب شبكة أو شركا أو حبالة بقصد الاصطياد بها فوقع الحيوان أو الطير فيها ملكه ناصبها.

المسألة 53:

إذا وضع الرجل يده على الحيوان وضعا مستقرا بحيث تحقق معه استيلاؤه على الحيوان و تملكه إياه، ثم أفلت الحيوان من يده لم يزل ملكه عن الحيوان بذلك، فلا يجوز لأحد أخذه أو التصرف فيه، الا باذنه، و كذلك إذا اصطادته الشبكة أو الحبالة التي نصبها للصيد حتى استقر ملكه للحيوان باستقرار صيد الشبكة أو الحبالة له، فلا يزول ملكه بإفلات الحيوان من الشبكة أو الحبالة بعد ذلك، و لا يجوز لأحد أخذه أو اصطياده.

المسألة 54:

لا يملك الإنسان الحيوان بمجرد وضع يده عليه حتى تستقر يده و يصبح مستوليا عليه، فإذا انفلت الحيوان منه لقوة امتناعه و ضعف الرجل عن قبضه، بحيث يعد في نظر العقلاء انه لم يستول عليه لم يملكه القابض.

و كذلك إذا علق الحيوان أو الطير بالشبكة المنصوبة للصيد فانفلت منها لقوته و ضعف الشبكة عن إمساكه فلا يملكه ناصبها، و إذا أخذ الشبكة معه لقوته و شدة عدوه، فرماه آخر و أثبته ملكه الرامي ورد

كلمة التقوى، ج 6، ص: 299

الشبكة إلى صاحبها و كذلك إذا رماه الصياد فأصابه، وفر بعد الإصابة و هو مستمر في عدوه و امتناعه، فلا يملكه الصياد بمجرد ذلك، فإذا ضربه رجل آخر بعد ذلك أو رماه فاصطاده أو قتله، ملكه الثاني.

المسألة 55:

إذا غصب الرجل شبكة أو شركا أو حبالة و نصبها للاصطياد بها، فوقع فيها حيوان أو طير فالحيوان أو الطير ملك للغاصب الذي نصب الشبكة لا لمالكها، و ان كان ناصبها آثما بغصبه و تصرفه فيها و يجب عليه أن يدفع أجرة المثل للمالك إذا كانت هذه المنفعة مما له أجرة في نظر العقلاء و قد تقدم نظير هذا في المسألة التاسعة و الثلاثين.

المسألة 56:

إذا نصب الشبكة أو وضع الحبالة لا بقصد الاصطياد، فالظاهر ان ناصب الشبكة لا يملك الحيوان أو الطير الذي يقع فيها، فإذا أخذه غيره بقصد التملك ملكه.

المسألة 57:

إذا أجرى الرجل الماء على الأرض ليستوحل فيها الحيوان إذا مر بها فيصيده، أو حفر في طريق الحيوان حفائر ليقع فيها إذا مر بالطريق فيصيده، أو وضع الحبوب في الحجرة لتدخل إليها العصافير فيغلق عليها الباب و يصيدها، أو جعل سفينته في الليل على وضع معين في مكان كثير السمك و علق على ساريتها سراجا، ليثب إليها السمك من النهر فيصيده، فلا يبعد أن يكون لذلك حكم الشبكة و الحبالة التي ينصبها بقصد الاصطياد، فإذا استوحل الحيوان في الأرض الموحلة و لم يمكنه الخروج منها، أو وقع في الحفيرة و لم يستطع الفرار أو دخلت العصافير الى الحجرة و أغلق الباب عليها أو وثب السمك إلى السفينة ملك الصيد بذلك إذا كان قد صنع ذلك بقصد الاصطياد و تملك الصيد، بل هو الأظهر.

المسألة 58:

إذا كانت الأرض التي يملكها الرجل موحلة فدخلها حيوان و توحل بها لم يملكه مالك الأرض إذا لم يكن فعل ذلك بقصد الاصطياد كما

كلمة التقوى، ج 6، ص: 300

ذكرنا، فإذا أخذ الحيوان غيره بقصد التملك ملكه، و ان كان آثما إذا دخل الأرض بغير رضا مالكها.

و إذا عشش الحمام أو غيره من الطيور المباحة في دار الرجل أو في بستانه لم يملك صاحب الدار أو البستان تلك الطيور حتى يأخذها بقصد التملك، فإذا سبقه غيره فأخذها كان هو المالك لها.

المسألة 59:

لا يختص بالحمام و لا بغيره من الطيور إذا بنى لها برجا في ملكه لتعشش فيه، و لا يملكها بذلك، و ان اعتادت التعشيش و التفريخ فيه، بل يكون لها الحكم السابق في المسألة السابقة.

المسألة 60:

إذا تبع الإنسان الحيوان الممتنع راكبا على فرس مثلا أو في سيارة حتى أعياه فوقف لم يملكه بمجرد إعيائه و وقوفه عن العدو، حتى يأخذه و يستولي عليه بقصد التملك، فإذا سبق ذلك الإنسان غيره فأمسكه قبله بقصد التملك ملكه الآخذ.

المسألة 61:

إذا رمى الصياد الحيوان أو الطير فأثبته برميته و أعجزه عن الامتناع، و لكنه فر بعد جرحه و وقع في دار غير الصائد أو في بستانه، فهو ملك للصياد الذي رماه و أعجزه، و لا حق لصاحب الدار أو البستان فيه بمجرد وقوعه في ملكه، فإذا أخذه كان غاصبا.

و إذا رماه الأول فلم يثبته برميته و لم يخرج بها عن الامتناع في العدو، فدخل و هو يعدو في ملك الآخر، فاصطاده ملكه باصطياده له و أخذه إياه بقصد التملك لا بدخول ملكه.

المسألة 62:

إذا رمى الحيوان رجلان، فأثبته أحدهما برميته و أعجزه عن الامتناع، و جرحه الآخر فهو ملك لمن أثبته و أوقفه، سواء رمياه دفعة واحدة أم متعاقبين، و سواء كان الذي أثبته و أعجزه عن الامتناع سابقا لصاحبه في إصابة الصيد أم متأخرا عنه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 301

و إذا شك في من أثبته منهما برميته، رجعا الى الصلح بينهما أو الى القرعة في تعيينه.

المسألة 63:

لا يجوز اصطياد الحيوان و لا تملكه بالصيد إذا علم انه مملوك لأحد، أو وجدت عليه آثار تدل على وجود يد عليه، فان اليد امارة على الملك، و مثال ذلك ان يرى في عنق الحيوان جرسا أو طوقا أو حبلا، أو يجد شعر الحيوان أو وبره مصبوغا بألوان غير طبيعية، أو يجده مجللا بثوب و شبهه.

فإذا علم أو دلت آثار اليد على انه مملوك، وجب رده الى مالكه، و ان لم يعلم صاحبه فان وجد ما يدل على انه مال ضائع من صاحبه جرى عليه حكم اللقطة، و ان لم يوجد ما يدل على ذلك جرى عليه حكم المال المجهول المالك.

المسألة 64:

يجري في الطير ما ذكرناه في اصطياد الحيوان، فلا يجوز اصطياده و لا تملكه بالصيد إذا علم انه مملوك لمالك أو كانت عليه آثار يد، كما إذا وجد الطير مقصوص الجناح أو وجده مصبوغا بلون غير لونه الطبيعي، أو سمع الببغاء التي اصطادها تردد بعض الألفاظ فإن ذلك يدل على التعليم، و تجري فيه الأحكام المذكورة في غير الطير.

و إذا ملك الطير جناحيه و لم يعلم انه مملوك و لم يوجد فيه ما يدل على يد مالكة صح اصطياده و تملكه.

المسألة 65:

إذا اصطاد الرجل حيوانا أو طائرا و ملكه بالصيد ثم أطلقه من يده، فان قصد بذلك الاعراض عن ملك الصيد و ازالة سلطانه عنه، أصبح الصيد بذلك مباحا أو هو في حكم المباح فيجوز للآخرين اصطياده و تملكه، و لا يجوز للصائد الأول أن يرجع في تملكه، بعد ان يصطاده الثاني و يتملكه بل و يشكل الحكم بجواز رجوعه في التملك قبل أن يصطاده الثاني و يتملكه أيضا، فلا يترك الاحتياط في هذا الفرض.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 302

و إذا أطلق الصيد من يده و لم يقصد الاعراض عن ملكه لم يخرج بمجرد إطلاقه عن ملكه، فلا يصح للآخرين اصطياده و لا يتملكه أحد إذا اصطاده.

المسألة 66:

إذا اصطاد الرجل ملكة النحل و تملكها من بعض الجبال أو المواضع التي يعيش فيها النحل، كفى ذلك على الظاهر في اصطياد جماعة النحل التابعة لتلك الملكة مهما بلغت من الكثرة أو القلة، فإن جماعة النحل تتبع ملكتها في حركتها و سكونها و في الانتقال من موضع الى موضع و في الدخول في الموضع الذي يعد لها و الخروج منه و في الانتشار في طلب الأزهار و النبات الذي يزودها بالرحيق و غيره، و في بناء الخلية التي تجعلها موضعا لإفراز مادة العسل و تكوينه، و في القيام بأي عمل يقوم به النحل بحسب العادة، فتكون سيطرته على الملكة سيطرة على الجماعة كلها و على جميع حركاتها و أعمالها و منافعها.

الفصل الرابع في ذكاة السمك و الجراد

المسألة 67:

تحصل الذكاة في السمك بأحد وجهين.

أحدهما أن يخرج الإنسان السمك من الماء و هو حي، سواء كان ما أخرجه في المرة الواحدة سمكة واحدة أم أكثر، و سواء أخرجه بيده أم بإناء أم بآلة كالشص و الفالة و الشباك و هي كثيرة الأنواع، و القرقور، و الحظيرة تصنع من جريد النخل أو من الحديد و شبهه و تبنى في الشواطي أو في الأسياف أو في الجزر التي يغمرها و ينحسر عنها الماء فيحتجز فيها السمك عند ارتفاع الماء، و ينضب عنه الماء بسبب الجزر فيخرج السمك بسببها من الماء و هو حي و كالشباك الحديثة تلقى في البحر بتوسط الآلات الكهربائية و نحوها فإذا استولت على السمك سحبت إلى السفينة أو الى الباخرة، و أخرج ما فيها من السمك، فإذا كان السمك لا يزال حيا عند إخراجه فهو ذكي.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 303

الوجه الثاني: أن يأخذ الإنسان السمك في خارج الماء و يستولي

عليه و هو لا يزال حيا، كما إذا و ثبت السمكة في السفينة أو في خارج النهر أو نبذها الموج الى الساحل و رجع الماء عنها و بقيت تضطرب، أو أخرجها حيوان الى الشاطئ، فإذا أخذها الرجل و هي لا تزال حية كانت ذكية.

المسألة 68:

إذا و ثبت السمكة إلى خارج الماء أو أخرجها حيوان أو نضب عنها الماء و بقيت تضطرب و لم يأخذها الإنسان حتى ماتت حرم أكلها و ان كان ينظر إليها فلا تكون ذكية بمجرد النظر إليها على الأحوط.

المسألة 69:

لا يشترط في تذكية السمك أن يذكر الصائد اسم اللّه عند إخراجه من الماء حيا أو عند أخذه حيا بعد خروجه من الماء، فيحل أكله سواء سمى الصائد أم لم يسم.

المسألة 70:

لا يشترط في تذكية السمك أن يكون صائده مسلما، فيحل أكله و أن كان الصائد كافرا كتابيا أو وثنيا أو مرتدا أو غير ذلك من أصناف الكفار، سواء كان صيده بإخراجه من الماء حيا أم بأخذه حيا خارج الماء، فيحل للمسلم أكله إذا علم بذلك أو شهدت به البينة.

المسألة 71:

إذا وجد الإنسان السمك ميتا و هو في يد مسلم، و وجد المسلم صاحب اليد يتصرف فيه بما يدل على التذكية، من أكله و بيعه و إهدائه أو إطعامه لأهله أو لغيرهم، حكم بتذكية السمك، فيصح له أكله و شراؤه منه و بيعه، و إذا وجد المسلم يتصرف فيه بما لا يدل على التذكية، كما إذا رآه قد أعد السمك لتسميد الأشجار، أو لإطعام بعض الحيوان، لم يحكم بتذكيته على الأقرب، و إذا أخبره المسلم صاحب اليد بذكاة السمك قبل خبره و رتب الآثار عليه.

المسألة 72:

إذا وجد الرجل السمك ميتا و هو في يد كافر، و لم يعلم بأن الكافر

كلمة التقوى، ج 6، ص: 304

قد ذكاه فأخرجه من الماء حيا أو أخذه بيده خارج الماء و هو حي أم لا، لم يحل للرجل أكله، و لا عبرة بيد الكافر في الدلالة على التذكية و لا يقبل قوله إذا أخبر بأنه قد ذكاه.

المسألة 73:

إذا و ثبت السمكة من الماء إلى السفينة لم يحل أكلها حتى تؤخذ باليد و هي حية كما تقدم بيان ذلك، و لا يملك السفان السمكة و لا مالك السفينة، بل يملكها كل من أخذها بقصد التملك.

و قد تقدم في المسألة السابعة و الخمسين: أن صاحب السفينة قد يجعلها على وضع خاص فيضعها في الليل في مكان يكثر فيه السمك و يميل السفينة إلى جانبها و يعلق سراجا على ساريتها، فيكون ذلك وسيلة لوثوب السمك من الماء إلى السفينة، فإذا فعل ذلك و قصد به اصطياد السمك و تملك الصيد، فالظاهر حصول التملك له بذلك و الأحوط أن يضع يده على السمك و هو حي لتحصل بذلك التذكية.

المسألة 74:

إذا نصب الرجل شبكة أو بنى حظيرة أو وضع آلة في الماء لاصطياد السمك فدخلها السمك عند ارتفاع الماء، فإن أخرج ما فيها من السمك و هو حي، فهو حلال و لا ريب، و كذلك إذا انتظر حتى انحسر الماء بالجزر و السمك لا يزال حيا ثم مات السمك في الشبكة أو في الحظيرة أو الآلة بعد نضوب الماء عنه، فالسمك كله ذكي يحل أكله. و إذا مات في الشبكة أو في الحظيرة أو الآلة و هو في الماء، فالظاهر حرمة السمك و عدم جواز أكله، و إذا مات بعضه في الماء، و بقي بعضه حيا حتى نضب الماء عنه، حرم ما مات في الماء و حل الباقي.

المسألة 75:

إذا أخرج الصائد السمك من الماء حيا ثم أعاده إلى الماء لغرض من الأغراض، و لو لنظم السمك كله في خيط قوي واحد لئلا يفلت منه شي ء حتى يتم الاصطياد، فمات في الماء بعد عودته فيه، حرم أكله و لا يحرم إذا أعاده إلى الماء بعد أن مات في خارجه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 305

المسألة 76:

إذا وجد الصائد السمك الموجود في الشبكة أو في الحظيرة أو في الآلة ميتا، و شك في أن موته كان قبل خروجه من الماء فيكون محرما، أو بعد انحسار الماء عنه و نضوبه فيكون حلالا، فلا يترك الاحتياط بالاجتناب عنه، سواء علم بزمان خروج السمك من الماء و جهل زمان موته أ هو متقدم على وقت خروجه أو متأخر عنه، أم علم بزمان موت السمك و جهل وقت خروجه من الماء، أم جهل كلا من الزمانين معا فلم يعلم المتقدم منهما من المتأخر.

المسألة 77:

إذا طفي السمك على وجه الماء لبعض العوارض فلم يستطع السبح و الانطلاق في الماء كما إذا أصابه بعض الأمراض، أو ألقي عليه بعض المخدرات التي قد تستعمل لصيد السمك، أو ضرب ببعض الآلات أو عضه بعض الحيوان أو الحشرات، فإن أخذه إنسان و أخرجه من الماء حيا قبل أن يموت فهو ذكي حلال اللحم إذا لم يكن مضرا، و إذا كان مضرا حرم أكله من حيث الضرر لا من حيث عدم التذكية.

و ان لم يأخذه أحد حتى مات في الماء أو على وجه الماء فهو حرام غير ذكي، و هو المراد من السمك الطافي الذي دلت النصوص على تحريمه.

المسألة 78:

الزهر من المركبات المخدرة المعروفة عند بعض صائدي السمك.

يخلطونه مع طعام السمك بمقادير معينة و يرمونه في الماء، فإذا أكله السمك تخدر و ضعفت قوته و طفي على وجه الماء، فإن ألقاه إنسان في الماء لبعض الدواعي و لم يقصد بإلقائه اصطياد السمك، فأكله السمك و تخدر و طفي على الماء، فلا يكون مملوكا للرجل الذي ألقى الزهر، و لم يزل من المباحات، فإذا سبق إليه أحد فأخذه ملكه بأخذه، سواء كان هو الذي ألقى الزهر أم غيره، و إذا أخرجه من الماء حيا كان ذكيا و حل أكله.

و ان ألقاه في الماء بقصد اصطياد السمك، و أكله السمك و طفي على الماء، أشكل الحكم بجواز أخذه لغير الشخص الذي ألقى الزهر، فلا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 306

يترك الاحتياط بعدم أخذ شي ء منه الا باذنه، و خصوصا إذا قصد بإلقائه اصطياد سمكة خاصة أو سمكات معينة، فأكلته السمكات المعينة و تخدرت، فلا يتملكها غيره.

المسألة 79:

إذا رمى الصائد سمكة بسهم أو رصاصة أو طعنها برمح أو بفالة فطفت على وجه الماء و لم تمت، فلا يبعد كونها ملكا للرامي أو الطاعن، فلا يحل لغيره أخذها.

المسألة 80:

إذا أخرج الرجل السمكة من الماء حية، أو وضع يده عليها و هي حية بعد خروجها من الماء كانت ذكية كما بينا مرارا، و حل له أكلها و تقطيعها و ان لم تمت بعد، أو ماتت بالتقطيع أو بالشوي مثلا، و إذا اقتطع من السمكة قطعة و هي حية في خارج الماء، ثم أرجع السمكة إلى الماء و هي حية، فالقطعة التي اقتطعها لا تزال ذكية محللة، و كذلك السمكة إذا عاد فأخرجها من الماء قبل ان تموت فيه، و إذا ماتت في الماء قبل أن يخرجها منه كانت حراما.

المسألة 81:

تحرم السمكة إذا ماتت في الماء سواء كان الماء الذي ماتت فيه هو ماء النهر أو الحوض مثلا، أم كان ماءا قليلا في إناء و شبهه.

المسألة 82:

إذا ضرب الصائد السمكة بسيف أو بسكين و هي في الماء فقطع منها قطعة، كانت القطعة محرمة، لأنها جزء مبان من حي، فهي ميتة، فإذا هو أدرك السمكة و أخرجها من الماء قبل أن تموت فهي ذكية محللة و ان لم يدركها فماتت في الماء قبل أن يخرجها منه كانت ميتة محرمة.

المسألة 83:

إذا أخرج الرجل السمكة من الماء، و شك في أنها حية عند إخراجه إياها من الماء أم ميتة، فهي ميتة لا يحل أكلها، و كذلك إذا و ثبت السمكة إلى السفينة أو الى الشاطئ و وضع يده عليها ثم شك في انها

كلمة التقوى، ج 6، ص: 307

حية أم ميتة حين أخذه إياها فلا يحل له أكلها، و هذا إذا كان الشك في حياة السمكة و موتها في حين إيقاع التذكية عليها.

و إذا أوقع التذكية على السمكة بأحد الوجهين و هو يعتقد الصحة و وجود الشرط، ثم شك بعد ذلك في كون السمكة حية أم ميتة، فالظاهر الصحة.

المسألة 84:

تذكية الجراد هي أن يأخذه الصائد حيا، سواء أخذه بيده أم بآلة أو وسيلة يصدق معها أنه أخذ الجراد و استولى عليه كما إذا أخذه بإناء أو كيس أو جمعه بثوب و نحو ذلك، و يشكل الصدق في ما إذا دخل الجراد بنفسه حجرة واسعة أو قاعة كبيرة مسقوفة، فأوصد الرجل عليه الأبواب و المنافذ فلا يكتفي بذلك ما لم يقم بجمعه من أطراف الحجرة و القاعة و الاستيلاء عليه بيده أو بآنية و شبهها، أو يلجئه إلى مضيق يجتمع فيه.

المسألة 85:

إذا مات الجراد قبل أخذه باليد أو بالآلة كان حراما غير ذكي.

المسألة 86:

ذكاة الجراد كذكاة السمك، فلا يعتبر فيها ذكر اسم اللّه عند أخذه، و لا يعتبر فيها أن يكون الصائد مسلما، فإذا أخذه الكافر و هو حي كان ذكيا حلالا من غير فرق بين أصناف الكفار.

المسألة 87:

يجري في تذكية الجراد ما تقدم بيانه في تذكية السمك، فإذا وجد الجراد ميتا في يد مسلم و كان المسلم يتصرف فيه تصرفا يدل على التذكية، كالأكل و البيع و الهدية، فهو ذكي حلال الأكل، و إذا أخبر المسلم بتذكية ما في يده صدق قوله و ثبتت تذكيته، و إذا وجد ميتا في يد كافر لم تثبت ذكاته و لا حله بذلك فلا يحل للمسلم أكله و لا ترتيب الأثر على تذكيته حتى يعلم بها و لا يقبل اخباره بها كما في المسلم.

المسألة 88:

إذا وقع الجراد في نار فاشتوى قبل أن يؤخذ حيا لم يحل أكله كما

كلمة التقوى، ج 6، ص: 308

تقدم في المسألة الخامسة و الثمانين، و إذا أخذه الشخص حيا جاز له طبخه أو شويه و أكله و ان لم يمت بعد كما تقدم نظيره في السمك.

المسألة 89:

إذا أجج الصائد النار عامدا بقصد اصطياد الجراد بها، فإذا رآها اجتمع إليها من الأطراف و ألقى نفسه فيها، فتكون النار آلة للصيد كما يقول بعض الأجلة، و في حل الجراد بذلك اشكال، فلا يترك الاحتياط بالاجتناب عنه.

المسألة 90:

لا يحل أكل الدبا، و هو الجراد في ابتداء تكونه و نشوية قبل أن تكون له أجنحة و يستقل بها بالطيران، و هذا هو الفارق بين الدبا و الجراد.

الفصل الخامس في الذباحة

المسألة 91:

يشترط في تذكية الحيوان بالذبح أن يكون ذابحه مسلما أو من هو بحكم المسلم، و ممن هو بحكم المسلم الصبي المتولد من المسلم إذا كان يحسن الذبح على الوجه الصحيح، فتكفي تذكيته إذا علم انه أجراها على الوجه الصحيح و لا تقع التذكية و لا تحل الذبيحة إذا كان ذابحها كافرا من غير فرق بين المشرك و الكتابي و المرتد و غيرهم من أصناف الكفار و مللهم و فرقهم و من لا ينتسب إلى ملة أو فرقة منهم، و كذلك من هو بحكم الكافر من الأطفال الذين يولدون من أبوين كافرين.

المسألة 92:

لا يشترط في حل الذبيحة أن يكون ذابحها مؤمنا اثني عشريا فتحل ذبيحة من يخالفنا في المذهب من أي فرق المسلمين كان على الأقوى إذا لم يكن ناصبا أو خارجيا أو غاليا، على ما أوضحنا بيانه في مبحث النجاسات من كتاب الطهارة، و سيأتي مزيد بيان له ان شاء اللّه تعالى.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 309

المسألة 93:

الناصب هو من أظهر المعاداة للأئمة المعصومين من أهل البيت (ع) أو لبعضهم، من اي الفرق كان، و لا يختص بفرقة معينة أو مذهب مخصوص، و يعم كل من أضمر العداء لهم أو لبعضهم (ع) إذا ثبت ذلك عليه بأحد المثبتات الشرعية و منه الخارجي إذا كان كذلك.

و لا تحل ذبيحة الغالي إذا رجع غلوه الى الشرك باللّه أو الى إنكار ذاته سبحانه أو الى جحد ضروري من ضروريات الإسلام مع الالتفات الى كونه ضروريا، فيكون ذلك تكذيبا للرسالة.

المسألة 94:

لا يشترط في حل الذبيحة أن يكون الذابح ذكرا، و لا أن يكون بالغا، فيصح الذبح و تحل الذبيحة إذا كانت الذابحة امرأة مسلمة أو خنثى مسلمة، و تحل الذبيحة إذا كان الذابح طفلا متولدا من مسلم و كان يحسن الذبح كما تقدم ذكره.

نعم يشكل الحكم بصحة ذبحه إذا شك في انه أتى به على الوجه الصحيح أم لا، للإشكال في جريان أصالة الصحة في فعله، و الاشكال في اعتبار خبره، و لذلك فلا بد من الاحتياط.

و تحل الذبيحة إذا كان الذابح جنبا، من غير فرق بين الذكر و الأنثى، و تحل الذبيحة إذا كانت المرأة الذابحة حائضا أو نفساء، و تحل الذبيحة إذا كان الذابح خصيا أو أغلف أو أعمى إذا أوقع التذكية على الوجه المطلوب و الشروط المعتبرة، و تحل الذبيحة إذا كان الذابح فاسقا.

المسألة 95:

يجوز ذبح ابن الزنا إذا كان مسلما، و لا يكفي في إسلامه إسلام أبويه اللذين ولد منهما فإنه لا يلحق بهما كما يلحق الطفل المتولد من نكاح صحيح.

المسألة 96:

لا يصح ذبح السكران و النائم و المجنون و شبههم ممن لا يشعر بفعله،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 310

و يشكل الحكم في ذبح المجنون و شبهه إذا كان ممن يشعر في الجملة، و لا يترك الاحتياط باجتنابه.

المسألة 97:

لا يشترط في صحة الذبح و في حل الذبيحة أن يكون الذابح لها مختارا في فعله، فإذا أكره الرجل أحد على ذبح الحيوان، و توعده بما يحذر إذا هو لم يفعل، فذبحه و هو مكره على ذلك صح فعله و حلت ذبيحته.

نعم إذا بلغ الإكراه إلى حد اللجوء و عدم القصد الى الفعل أشكل الحكم بصحة التذكية بل الظاهر عدم الصحة.

المسألة 98:

لا يشترط أن يكون الذابح ممن يعتقد بوجوب التسمية عند الذبح، فيصح ذبح الرجل إذا كان مذهبه لا يرى وجوب التسمية في حل الذبيحة، و لكنه أتى بالتسمية عند ما ذبح الحيوان، فتحل ذبيحته بذلك. نعم لا يصح ذبحه و لا تحل ذبيحته إذا هو لم يأت بالتسمية عند الذبح وفقا لمعتقده.

و يشكل الحكم بصحة ذبحه، بل يمنع أيضا إذا شك في أنه أتى بالتسمية حين ما ذبح الحيوان أم لم يأت بها فلا تحل الذبيحة.

المسألة 99:

يجب في حال الاختيار أن يكون ذبح الحيوان بالحديد، لا بغيره من الفلزات و المعادن كالنحاس و الشبه و الذهب و الفضة و الرصاص، فإذا ذبحه بغير الحديد من المعادن المنطبعة و غير المنطبعة لم تصح التذكية و لم تحل الذبيحة.

نعم إذا لم يجد الذابح الحديد، و قد وجب عليه الذبح في الوقت المعين، أو خاف موت الذبيحة إذا هو أخر ذبحها الى أن يجد حديدا يذبحها به، جاز له أن يذبحها بأي شي ء يحصل به قطع الأوداج من المعادن الأخرى، بل يجوز له ذبحها بغير ذلك من القصب أو الزجاج أو الحجر الحاد و شبهه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 311

المسألة 100:

إذا لم يجد الحديد و اضطر الى الذبح كما فرضنا في المسألة السابقة، فيشكل أن يوقع التذكية بالسن و الظفر، و ان لم يجد شيئا غيرهما يقطع به الأوداج.

المسألة 101:

لا يصح الذبح في حال الاختيار بالمنجل المسنن على الأحوط لزوما، و إذا اضطر الى الذبح به كما في الفرض السابق، فالأحوط أن يكون قطع أوداج الحيوان بالرد لا بالأخذ، تفاديا عن تعذيب الحيوان بذلك، و عن احتمال أن لا يكون موت الحيوان مستندا الى الذبح وحده، بل الى الآلام التي تحصل له من ذبحه كذلك.

المسألة 102:

يجب في الذبح ان يقطع الذابح أعضاء أربعة من الحيوان.

الأول: الحلقوم، و هو المجرى الذي يجري فيه النفس في دخوله إلى الرئة و خروجه منها.

الثاني: المري ء، و هو المجرى الذي يدخل منه الطعام و الشراب إلى المعدة، و موضعه تحت الحلقوم.

الثالث و الرابع: الودجان، و هما عرقان غليظان يحيطان بالحلقوم و المري، و قد تسمى هذه الأعضاء الأربعة بالأوداج الأربعة.

فلا يحصل الذبح الشرعي حتى يقطع الذابح هذه الأعضاء الأربعة من الحيوان قطعا كاملا بحيث ينفصل الجزء الأعلى عن الجزء الأسفل من كل واحد منها، و لا يكفي شقها أو شق بعضها.

المسألة 103:

يقول الخبراء الممارسون ان قطع الأعضاء الأربعة المذكورة يلازم أن تكون العقدة الموجودة في العنق و المعروفة في ألسنة عامة الناس بالجوزة، كلها في جانب الرأس، فإذا كان الذبح فوقها، بحيث كان بعض العقدة أو جميعها في الجثة، لم تقطع الأعضاء الأربعة جميعا، و على هذا فلا بد من مراعاة ذلك.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 312

المسألة 104:

يشترط في صحة التذكية أن يكون الذابح قاصدا للذبح، فإذا أوقعه ساهيا من غير قصد أو ذبح هازئا و هو يعتقد أن فعله لا يؤدي الى الذبح، و كما إذا سبقه السكين أو سبقته يده من غير شعور لعارض من العوارض، لم يصح فعله و لم تحل ذبيحته، و قد تقدم الحكم في ذبح المجنون و السكران و النائم في المسألة السادسة و التسعين.

المسألة 105:

لا يشترط التتابع في قطع الأعضاء إذا كان موت الذبيحة مستندا الى قطع مجموع الأعضاء فإذا قطع بعض الأعضاء و تركها لكل في السكين أو لغير ذلك، ثم عاد إلى الذبيحة قبل ان تموت و قطع بقية الأعضاء صحت التذكية و حلت الذبيحة، و ان كان التتابع أحوط.

و إذا قطع بعض الأعضاء و ترك الذبيحة حتى ماتت ثم رجع إليها بعد الموت و أتم الذبح حرمت الذبيحة بذلك سواء فعل ذلك عامدا أم جاهلا أم ساهيا أم كان يعتقد أنه أتم الذبح في المرة الأولى ثم علم انه لم يتمه.

المسألة 106:

يشترط في صحة التذكية و في حل الذبيحة أن يكون الحيوان حيا في حال إيقاع الذكاة عليه الى أن يتم ذبحه، و لا يجب ان تكون حياته تامة الاستقرار بحيث يمكن بقاء الحيوان يوما أو نصف يوم كما يراه جماعة من الفقهاء قدس اللّه أرواحهم، بل يكفي وجود أصل الحياة فيه، و يعرف ذلك بوجود الحركة الدالة عليها و ان كانت الحركة ضعيفة كما دلت عليه النصوص الكثيرة، كتحريك اليد أو الرجل و الطرف بالعين، و المصع بالذنب و هو تحريكه، على أن تكون الحركة موجودة الى ان تكمل التذكية و يتم ذبح الحيوان.

و يكفي في الدلالة عليها ان يتحرك الحيوان كذلك بعد أن يتم ذبحه، و يكفي أيضا في الدلالة عليها أن يخرج منه الدم المعتدل المتعارف في كثرته و قوة دفعه بعد ان يتم ذبحه فهو دال على وجود الحياة حال التذكية الى ان تتم كما دلت عليه النصوص أيضا.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 313

المسألة 107:

يشترط في حل الذبيحة و تذكيتها- على الأحوط- أن يكون ذبح الحيوان من مذبحه و هو مقدم عنقه، فلا يحل أكله إذا ذبحه من قفاه على الأحوط لزوما، و ان أسرع الذابح حتى قطع عضلات العنق و قطع معها الأعضاء الأربعة قبل أن تزهق روح الحيوان.

المسألة 108:

لا يترك الاحتياط في أن يبتدئ الذابح في قطع الأعضاء الأربعة من مقدم المذبح حتى يتم قطعها، فلا يدخل السكين تحت الأعضاء ثم يقطعها الى الفوق، و إذا فعل كذلك لم تحرم الذبيحة على الظاهر، و لكن الأحوط الاجتناب عن هذا الفعل.

المسألة 109:

إذا ذبح الحيوان من القفا، و بقيت الأعضاء الأربعة التي يجب قطعها في حصول التذكية فإن بقيت حياة الحيوان و بقيت الحركة التي تدل عليها على الوجه الذي بيناه في المسألة المائة و السادسة صح ذبح الحيوان و حل لحمه بذلك، و ان لم يدرك ذلك حرم لحمه و كان ميتة.

المسألة 110:

إذا ذبح الرجل ذبيحته من فوق العقدة مخطئا، ثم التفت الى فعله، فان كانت الحياة في الحيوان لا تزال باقية على الوجه الذي تقدم بيانه، بحيث يمكن للذابح أن يذبح الحيوان من تحت العقدة فيقطع الأعضاء الأربعة منه و حركة الحيوان الدالة على الحياة فيه باقية الى أن يتم الذبح، لزمه ذلك، و إذا فعله حلت الذبيحة.

و ان لم تبق الحياة و الحركة الدالة عليها على الوجه المذكور حرمت الذبيحة و كانت ميتة.

المسألة 111:

إذا أكل الذئب أو السبع شيئا من الحيوان أو شق بطنه أو عقره، و بقيت الأعضاء الأربعة منه سليمة، فإن أدركه الذابح حيا على الوجه المتقدم بيانه، صح ذبحه على الوجه الشرعي و يحل بذلك لحمه، و إذا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 314

أكل السبع من بعض أعضاء التذكية شيئا، فقطعه بأسنانه، و بقي بعض أعضائها سالما و كان الحيوان حيا، قطع الذابح الأعضاء السالمة من أعضاء التذكية في الحيوان، و قطع العضو الآخر الذي أكل السبع منه من فوق محل أكل السبع أو من تحته، و حلت الذبيحة بذلك.

المسألة 112:

إذا أكل الذئب أو السبع أحد أعضاء التذكية في الحيوان كله فلم يترك منه شيئا يقطعه الذابح كما إذا أكل الحلقوم كله أو أكل أحد الودجين كله، حرم الحيوان و لم تمكن تذكيته، و أولى من ذلك ما إذا أكل جميع أعضاء التذكية و لم يبق منها شيئا فلا يمكن حصول التذكية و ان فرض كون الحيوان حيا.

المسألة 113:

إذا أكل الذئب أو السبع من مجموع الأعضاء الأربعة مقدارا من فوق أو من تحت فقطع الأعضاء كلها بأسنانه و أبقى مقدارا من جميعها يتصل بالرأس أو بالجسد، أشكل الحكم بوقوع التذكية في هذا الفرض و ان كانت الحياة باقية في الحيوان، فلا يترك الاحتياط بالاجتناب عنه.

المسألة 114:

إذا قطعت الأعضاء الأربعة للتذكية في الحيوان على غير النهج الشرعي أو قطع بعضها كذلك كما إذا ضرب الحيوان أحد بآلة أو نحوها فقطع أعضاءه أو قطع بعضها جرى فيه التفصيل الذي ذكرناه في المسائل الثلاث المتقدمة في ما أكله السبع من الحيوان و انطبقت أحكامها.

المسألة 115:

يصح أن يتعدد الذابح للذبيحة الواحدة، فيشترك شخصان في ذبحها، فيقبضا بيديهما معا على السكين و يوجها الذبيحة، و يتوليا قطع الأعضاء حتى يتما العمل مشتركين فيه.

و يجوز أن يتولى أحدهما قطع بعض الأعضاء و يتولى الثاني قطع الباقي في وقت واحد أو يقطع الأول بعضا، ثم يقطع الآخر ما بقي.

و إذا توليا ذبح الحيوان، فلا بد و أن يكون كل منهما قاصدا للذبح

كلمة التقوى، ج 6، ص: 315

فلا يكفي القصد من أحدهما كما إذا كان الثاني مجنونا أو سكران أو فاعلا بغير شعور، و لا بد و أن تقع التسمية من كل واحد منهما فلا تجزي التسمية من أحدهما، فإذا توليا الذبح مقترنين سميا في أول الذبح، و إذا قطع أحدهما بعض الأعضاء ثم أتم الثاني العمل سمى كل واحد منهما في أول عمله.

المسألة 116:

إذا ذبح الإنسان الحيوان حتى أتم تذكيته، ثم اضطرب الحيوان، فوقع في نار مضرمة، أو في نهر أو في حفيرة عميقة أو سقط من شاهق، فكان ذلك هو السبب في موت الحيوان أو كان أحد السببين فيه، أو شك في استناد الموت إلى أيهما، لم يحرم الحيوان المذبوح بذلك، لأن تذكية الحيوان قد تمت بتمام ذبحه، فلا يكون بعد وقوع التذكية التامة عليه ميتة.

و اعتبار أن يكون موت الحيوان مستندا إلى التذكية لا إلى شي ء آخر انما هو شرط في التذكية في الصيد كما تقدم، و لا يشترط ذلك في التذكية بالذبح.

المسألة 117:

إذا شرع الذابح بذبح الحيوان، فشق الآخر بطنه أو أخذ في تكسير عظامه في حال الذبح و قبل أن يتمه الذابح، ففي صحة التذكية إشكال، و الأحوط لزوما اجتناب أكله، و هكذا في كل فعل يوجب موت الحيوان، يفعل به في حال تذكيته و قبل أن يتم ذبحه، فلا بد معه من اجتناب أكل الحيوان على الأحوط.

المسألة 118:

إذا انخنقت الشاة برباطها، أو نطحها حيوان قوي بشدة، أو تردت من جبل أو غيره، أو أصابها مرض أو غرق أو حرق أو عارض آخر حتى أشرفت على الموت بسبب ذلك، فإن أدرك الذابح حياتها على النحو الذي ذكرناه في المسألة المائة و السادسة، بحيث يمكن له أن يذبحها و هي تتحرك حركة تدل على الحياة الى أن يتم الذبح، أجرى عليها التذكية و حل بذلك

كلمة التقوى، ج 6، ص: 316

أكل لحمها، و إذا لم يدرك حياتها على الوجه المذكور فهي ميتة لا تحل بالذبح.

المسألة 119:

يشترط في صحة الذبح و في حل الذبيحة به أن يستقبل بها القبلة في حال ذبحها و يراد بالاستقبال أن يوجه مذبح الحيوان و مقاديم بدنه الى جهة القبلة، فلا تصح التذكية و لا يحل أكل لحم الحيوان إذا ترك الاستقبال به و هو عالم بالحكم و عامد في فعله، و إذا كان جاهلا بوجوب الاستقبال بالحيوان حال الذبح أو ناسيا له لم يحرم أكله بذلك.

المسألة 120:

إذا وجه الذابح الحيوان إلى جهة اعتقد انها هي جهة القبلة حتى أتم ذبحه، ثم استبان له انه مخطئ في اعتقاده صح ذبحه و لم يحرم الحيوان، و كذلك إذا اضطر الى ذبح الحيوان و لم يعرف جهة القبلة أو لم يتمكن من توجيه الحيوان إليها كالبهائم الصائلة، و الحيوان المستعصي فكلما وجه الى القبلة انحرف عنها و كالحيوان المتردي في بئر أو حفيرة، فلا يجب الاستقبال بالحيوان في هذه الفروض.

المسألة 121:

لا يشترط في صحة الذبح أن يكون الذابح نفسه مستقبلا للقبلة في حال ذبح الحيوان، و ان كان الأحوط استحبابا استقباله أيضا.

المسألة 122:

لا تتعين في توجيه الحيوان إلى القبلة عند ذبحه هيئة مخصوصة، فللذابح ان يطرح الذبيحة على الأرض على جانبها الأيمن فيكون مذبحها و مقاديم بدنها إلى القبلة، و له أن يضعها على الجانب الأيسر، و له أن يذبحها قائمة إذا أمكن له توجيه مذبحها و مقاديم بدنها نحو القبلة كما هو المطلوب.

المسألة 123:

إذا احتاج الذابح في توجيه الحيوان الصائل أو المستعصي إلى القبلة عند ذبحه الى شد وثاق أو ربط بوتد و نحو ذلك أو الى استعانة بشخص

كلمة التقوى، ج 6، ص: 317

أو أشخاص، وجب عليه ذلك مع الإمكان، و إذا أمكنه توجيه المذبح خاصة دون مقاديم البدن لزمه ذلك على الأحوط بل على الأقوى.

المسألة 124:

إذا احتاج الذابح في توجيه الذبيحة إلى القبلة إلى فترة يقضيها في ذلك، و خشي إذا هو اشتغل به أن تموت الذبيحة لضعف الحركة فيها و تفوت الفرصة لتذكيتها، فالظاهر عدم وجوب الاستقبال في هذه الصورة.

المسألة 125:

يشترط في صحة الذبح و في حل الذبيحة أن يذكر الذابح اسم اللّه سبحانه عند ما يكون متشاغلا بذبحها أو قبل الشروع بالذبح متصلا به عرفا، و هذا هو المراد بقولهم يشترط التسمية عند الذبح.

و يكفي أن يأتي بالتسمية في آخر الذبح قبل إتمامه و لا ينبغي تعمد ذلك.

و إذا ترك التسمية عامدا لم يصح الذبح و حرمت الذبيحة، و كذلك إذا تركها جاهلا بالحكم، فتحرم الذبيحة. و إذا ترك التسمية ناسيا حتى أتم الذبح لم تحرم الذبيحة بذلك، و الأحوط استحبابا أن يأتي بها إذا ذكرها بعد الذبح.

المسألة 126:

يجب أن يأتي بالتسمية بقصد التسمية للذبح و تذكية الذبيحة، فلا يكفي ان يأتي بها اتفاقا من غير قصد شي ء أو يأتي بها بقصد أمر آخر غير التذكية كالبركة و نحوها، و لا يكفي ان يأتي بها عند مقدمات الذبح غير متصلة به عرفا، و لا يكفي أن يأتي بالتسمية غير الذابح و ان كان هو مالك الذبيحة.

المسألة 127:

لا يشترط في التسمية أن يأتي بها في صيغة معينة أو أن تكون في ضمن البسملة، بل يكفى منها ما يصدق عليه انه ذكر اسم اللّه مقترنا بالتمجيد و التعظيم، فيقول مثلا: بسم اللّه أو يقول: اللّه أكبر أو يقول:

لا إله إلا اللّه، أو الحمد للّه، أو سبحان اللّه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 318

و يشكل الحكم بكفاية أن يذكر لفظ الجلالة مجردا عن أي صفة أو تعظيم، كما سبق في المسألة التاسعة في التسمية عند التذكية بالصيد.

و يشكل الاكتفاء بذكر بعض أسمائه الحسنى بدلا عن لفظ الجلالة، و ان قرنه بما يدل على التعظيم، كما إذا قال: سبحان ربي العظيم، أو سبحان ربي الأعلى، نعم يكفي أن يضم أحد أسمائه الحسنى إلى لفظ الجلالة بقصد التعظيم، فيقول: اللّه الرحمن الرحيم، أو يقول: اللّه العلي العظيم.

المسألة 128:

لا يكفي- على الأحوط- بل على الأقوى أن يذكر ما يرادف لفظ الجلالة في لغة أخرى غير العربية و ان كان الذابح الذاكر من أهل تلك اللغة.

المسألة 129:

يشترط في صحة الذبح و في حل الذبيحة أن تصدر من الحيوان بعد ان يتم ذبحه حركة تدل على الحياة و ان كانت الحركة ضعيفة، كما ذكرنا في المسألة المائة و السادسة، كالطرف بالعين أو الحركة باليد أو بالرجل أو الأذن أو الذنب، ليعلم بذلك ان التذكية من أولها إلى نهايتها قد وقعت على حيوان حي، فإنه من البين أن التذكية لا تتم الا بتمام الذبح، و من البين أيضا أن التذكية لا تقع على حيوان ميت، و لذلك فلا بد في تحقق التذكية من العلم بحياة الحيوان في جميع مدة التذكية، أو وجود الحركة الدالة على الحياة في جميع المدة، و قد تقدم في المسألة المشار إليها انه يكفي في الدلالة على ذلك خروج الدم المعتدل في كثرته و في قوة دفعه من الحيوان بعد ان يتم ذبحه.

المسألة 130:

إذا علم بحياة الحيوان حتى تم ذبحه، أو وجدت الحركة الدالة على حياته الى أن تم ذبحه كذلك و ان كانت الحركة ضعيفة، حلت الذبيحة و ان خرج الدم منها متثاقلا متقاطرا، و قد يكون هذا متعارفا في الحيوان الذي يعتريه بعض الأمراض، فلا يضر ذلك بتذكيته.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 319

المسألة 131:

خروج الدم المعتدل في كثرته و في قوة دفعه بعد ذبح الحيوان يلازم وجود الحياة في الحيوان الصحيح كما قلناه، و لذلك فالأحوط استحبابا اعتبار خروج الدم المذكور بعد الذبح في مثل هذا الحيوان و ان وجدت الحركة الضعيفة الدالة على وجود الحياة فيه، فإذا ذبح الحيوان الصحيح و لم يخرج منه الدم بعد ذبحه، أو خرج منه متثاقلا متقاطرا، فالأحوط استحبابا اجتناب أكل لحمه إذا تحرك حركة ضعيفة و مما تقدم يعلم ان هذا الاحتياط لا يجري في الحيوان المريض، و الأمر سهل بعد ان كان الاحتياط المتقدم بيانه مستحبا غير لازم المراعاة.

المسألة 132:

إذا لم يخرج القدر المتعارف من دم الحيوان بعد ذبحه أوجب ذلك تنجس اللحم بملاقاة الدم المتخلف فيه، و قد بينا هذا في مبحث النجاسات من كتاب الطهارة فليراجع ذلك من شاء.

المسألة 133:

المدار في صحة الذبح هو أن يقطع الذابح الأعضاء الأربعة على ما تقدم من التفصيل سواء كان القطع في أعلى الرقبة أم في وسطها أم في أسفلها، من غير ترجيح لأحدها على الآخر.

المسألة 134:

الأحوط لزوما أن لا يقطع الذابح رأس الذبيحة عامدا الى ذلك قبل أن تموت، و لا منع فيه و لا ضرر إذا وقع ذلك منه غافلا أو سبقته السكين أو ألجأته قوة حركة الحيوان مثلا، و لا تحرم الذبيحة إذا فعل ذلك و ان كان عامدا في فعله.

المسألة 135:

الأحوط لزوما أن لا ينخع الذابح الحيوان عامدا، و الانخاع هو أن يصيب نخاع الحيوان حين ذبحه، و النخاع هو خيط أبيض يمتد في وسط الفقار من الرقبة إلى أصل الذنب، و لا تحرم الذبيحة إذا أنخعها و ان كان عامدا.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 320

المسألة 136:

الأحوط لزوما أن لا يسلخ جلد الذبيحة قبل أن تزهق روحها، و لا تحرم الذبيحة بذلك إذا هو فعله و ان كان عامدا.

المسألة 137:

تختص الإبل دون سائر البهائم و الحيوانات و الطيور بأن تذكيتها تكون بنحرها، و تختص البهائم و الحيوانات الأخرى و الطيور بأن تذكيتها دون الإبل تكون بذبحها، فلا يصح ذبح الإبل و لا يصح نحر غيرها من أنواع الحيوان و الطيور، فإذا ذبح الناقة أو البعير و مات في ذبحه حرم أكله و كان ميتة، و إذا نحر الحيوان من غير الإبل و مات في نحره حرم أكله و كان ميتة كذلك.

و إذا ذبح ناقة أو جملا و بقيت الحياة فيه بحيث يمكن نحره على الوجه الذي تقدم ذكره، نحره و حل أكله، و إذا نحر الحيوان من غير الإبل و لم يمت بالنحر و أمكن له ذبحه على الوجه المطلوب، ذبحه و حل أكله بالذبح.

المسألة 138:

لا فرق في الحكم المتقدم في الإبل بين عراب الإبل و بخاتيها و ذات السنام الواحد و السنامين و غيرها من أصناف الإبل و الطفل و الكبير منها فتكون تذكيتها بالنحر.

و لا فرق في الحيوانات الأخرى بين صغار الأجساد من الحيوان و كبارها كالجاموس و الثور و الأجناس الكبيرة من الحيوانات المعروفة و غير المعروفة فتكون تذكيتها بالذبح.

المسألة 139:

نحر الإبل هو أن يدخل الناحر سكينا أو آلة حادة من الحديد في لبة البعير بحيث يتحقق دخولها بالفعل و يحصل بذلك موت المنحور بحسب العادة، فلا يحصل النحر مثلا بإدخال سكين صغيرة يحصل بها الجرح و لا يتحقق بها النحر في نظر أهل العرف أو لا تكون سببا لموت المنحور بحسب العادة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 321

و النحر بحسب العادة يحتاج الى الطعن أو الضرب بالآلة بشدة و قد يحتاج الى الحز بالآلة و الى مزيد من دفعها و تمكينها بقوة حتى يتم المقصود. و اللبة هي الموضع المنخفض الذي يكون بين آخر العنق و أعلى الصدر.

المسألة 140:

يشترط في صحة النحر جميع ما تقدم اشتراطه في صحة الذبح من غير فارق بينهما في ذلك فيجب أن تجتمع في الناحر جميع الشرائط التي ذكرناها في الذابح، و يجب أن توجد في آلة النحر جميع الشروط التي اعتبرناها في آلة الذبح و تجري فيها أحكامها.

و تجب التسمية عند النحر و استقبال القبلة في المنحور، و العلم بحياته الى ان يتم نحره، أو وجود ما يدل على الحياة من الحركة و ان كانت ضعيفة حتى يتم النحر، أو خروج الدم المعتدل الدال على ذلك.

و تفصيل القول في كل أولئك هو القول في ما تقدم في شرائط الذبح و أحكامه.

المسألة 141:

يجوز أن تنحر الإبل و هي قائمة، و يجوز أن تنحر و هي باركة، و يجوز أن تنحر و هي مطروحة على أحد جنبيها و يجب في جميع الحالات المذكورة أن يوجه منحرها و مقاديم بدنها إلى القبلة.

المسألة 142:

إذا كان الحيوان مما يذبح أو مما ينحر و تعذر ذبحه أو نحره، كما إذا تردى في بئر أو في حفرة عميقة أو دخل في موضع ضيق، فلم يمكن إخراجه أو التسلط على موضع ذبحه أو نحره، و كالبهيمة الصائلة فلا يستطاع أخذها و إيقاع التذكية عليها، و كالحيوان المستعصي فلا تمكن السيطرة عليه، و كالحيوان يقع في مكان يخشى موته فيه إذا أبقي حتى يذبح أو ينحر، و أمثال ذلك، جاز أن يجري عليه حكم الصيد بالآلة فيضرب أو يطعن بسيف أو رمح أو سكين أو خنجر أو غيرها من الأسلحة القاطعة أو الشائكة التي يحل بها الصيد و قد مر ذكرها في الفصل الثاني.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 322

فإذا ضربه الصائد أو طعنة بالآلة أو رماه بالسهم أو البندقية بقصد التذكية، و مات الحيوان بذلك حل أكله و ان لم يذبح و لم ينحر، بل و ان لم تقع الضربة أو الطعنة في موضع الذبح أو النحر من جسد الحيوان و لا يجب الاستقبال بالحيوان.

نعم تجب التسمية من الصائد عند الضرب أو الطعن أو الرمي بالآلة، و يجب أن توجد في الصائد الشرائط التي ذكرناها في الذابح أو الناحر.

و لا يكتفى فيه بصيد الكلب المعلم إذا أرسله عليه بقصد التذكية فعقره أو قتله، فالأحوط لزوما اجتناب أكله، و قد تعرضنا لذلك في المسألة الثالثة و الأربعين، و تعرضنا لحكم الاستقبال في المسألة المائة و العشرين.

المسألة 143:

إذا خرج الجنين من بطن أمه و هو حي لم يحل أكله إلا بالتذكية، سواء كان مما يذبح أم مما ينحر، و سواء كانت أمه حينما خرج أو أخرج من بطنها حية أم ميتة أم مذكاة، فإذا أجريت

عليه التذكية الشرعية حل لحمه و إذا مات و لم يذك حرم أكله و كان ميتة، و ان كان عدم تذكيته لضيق الوقت و عدم اتساعه للتذكية، فلا يحل أكله حتى في هذه الصورة على الأقوى.

المسألة 144:

إذا خرج الجنين من بطن أمه و هو ميت و كانت أمه حينما خرج أو أخرج من بطنها حية أو كانت ميتة، فهو ميتة لا يحل أكله. و إذا خرج من بطن أمه و هو ميت، و كانت أمه حينما أخرج من بطنها مذكاة، حل أكله و كانت ذكاة أمه ذكاة له مع وجود الشرائط الآتي ذكرها.

المسألة 145:

لا يحل أكل الجنين الذي يخرج من بطن أمه ميتا حتى تتحقق فيه ثلاثة شروط.

الأول: أن تكون أمة مذكاة تامة التذكية، بذبح أو نحر أو صيد.

الثاني: أن يكون الجنين تام الخلقة، و من تمام خلقته أن يكون قد

كلمة التقوى، ج 6، ص: 323

أشعر أو أوبر، و يراد بالوبر ما يعم الصوف إذا كان الجنين من الغنم و شبهها.

الثالث: أن يكون موت الجنين قبل خروجه من بطن أمه و بعد وقوع التذكية عليها.

فلا يحل أكل الجنين إذا كانت أمه غير مذكاة سواء كانت حية أم ميتة كما سبق، أم كانت غير تامة التذكية فإنها تكون ميتة، و لا يحل أكل الجنين إذا لم يكن تام الخلقة أو لم يشعر أو يؤبر أو ينبت عليه الصوف و لا تكون ذكاة أمه ذكاة له، و لا يحل أكله إذا كان موته بعد خروجه من بطن أمه ما لم يذك كما تقدم ذكر ذلك.

المسألة 146:

إذا كان الجنين ميتا في بطن أمه قبل إيقاع التذكية عليها فالظاهر حرمته و عدم شمول الذكاة له، و إذا كان موته بسبب ضربة وقعت على الأم أو بسبب سقوطها في حفرة أو نطحة من حيوان قوي أو ترديها من شاهق مثلا فهو حرام قطعا.

المسألة 147:

إذا كان الجنين حيا في بطن أمه في حال ذبحها أو نحرها، وجب على المذكي ان يبادر الى شق جوف الذبيحة على النحو المتعارف في شق بطون الذبائح، ليخرج الجنين من بطن أمه، فإذا بادر كذلك و مات الجنين قبل أن يخرجه من بطنها حل أكله، و إذا توانى في شق بطنها فتأخر أكثر مما يتعارف في ذلك و مات الجنين بسبب التأخير حرم أكله.

المسألة 148:

إذا علم بأن الجنين قد مات في بطن أمه بعد تذكيتها حل أكله و وقعت التذكية عليه و لم يجب على المذكي أن يبادر لإخراجه، و إذا علم بحياته في حال التذكية و شك في بقائها لزمته المبادرة كما في الفرض السابق، و إذا تأخر و لم يبادر ثم وجد الجنين ميتا لم يحل أكله.

المسألة 149:

تتحقق ذكاة الجنين بذكاة أمه إذا ذكيت الأم بصيد الكلب المعلم أو

كلمة التقوى، ج 6، ص: 324

بالصيد بالآلة إذا اجتمعت الشروط المعتبرة في صيد الأم، و في تذكية الجنين، فيحل أكله بصيد أمه و تثبت تذكيته.

المسألة 150:

تحصل ذكاة الجنين إذا ذكيت أمه و توفرت الشروط الآنف ذكرها، و ان كانت الأم و الجنين مما يحرم أكله، إذا كانت الأم مما يقبل التذكية، فيحكم بطهارة لحم الجنين و جلده و يصح الانتفاع به في كل ما تشترط فيه الطهارة، و لا تصح الصلاة فيه لأنه غير مأكول اللحم.

الفصل السادس في ما يقبل التذكية و ما لا يقبلها

المسألة 151:

لا ريب في أن كل ما يؤكل لحمه من الحيوان أو من الطير أو غيرهما فهو مما يقبل التذكية سواء كان بريا أم بحريا و أهليا أم متوحشا، و الأدلة على ذلك كثيرة موفورة، و الأدلة الدالة على إباحة أكله بذاتها دالة على صحة تذكيته لذلك، و على قبوله للتذكية إذا أجريت عليه، و لا شك في جميع ذلك و ان اختلفت أنواعه في ذلك و في كيفية التذكية التي تجري عليه و قد سبق تفصيلها.

و الحكم المذكور ثابت له في جميع أفراده و أنواعه و أجناسه و ان حرم لحمه بالعارض، كما إذا كان جلالا أو موطوء انسان، و كالجدي و الحمل و العجل الذي يرضع لبن خنزيرة حتى يقوى و ينبت عليه لحمه و يشتد عظمه و سيأتي بيان ذلك و ذكر بعض أحكامه في كتاب الأطعمة و الأشربة ان شاء اللّه تعالى.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 6، ص: 324

فإذا ذكي الحيوان المأكول اللحم حل أكل لحمه و صحت الصلاة بجلده و اجزائه، و إذا كان محرم الأكل بالعارض لم يحل أكله و لم تصح الصلاة بجلده و باجزائه و فضلاته كما تقدم في مبحث لباس المصلي من كتاب الصلاة و عدم جواز أكله و

عدم صحة الصلاة فيه انما هو لذلك العارض الذي أوجب الحرمة لا لعدم التذكية و لذلك فتترتب عليه أحكام التذكية غير ذلك، فهو طاهر اللحم و الجلد، و يصح استعمالها في ما

كلمة التقوى، ج 6، ص: 325

تشترط فيه الطهارة فيلبس الجلد في غير الصلاة و يفترش و لا ينجس ما يلاقيه برطوبة و يستعمل ظرفا للمائعات.

المسألة 152:

إذا شك في الحيوان غير المأكول اللحم، هل هو مما يقبل الذكاة أو هو مما لا يقبلها و كان مما ليست له نفس سائلة، كالسمك المحرم و بعض أنواع الحشرات، لم يجر فيه دليل التذكية. فإن أكله محرم بحسب الفرض سواء وقعت عليه الذكاة أم لم تقع، و هو محكوم بالطهارة على كل حال سواء وقعت عليه الذكاة أم لم تقع لأنه مما لا نفس له سائلة، فلا أثر للتذكية فيه حتى يشمله دليل التذكية لو كان موجودا.

المسألة 153:

الكلب و الخنزير البريان غير قابلين للتذكية، و هما نجسان عينا، سواء كانا حيين أم ميتين، و لا ريب في ان أكلهما محرم ذاتا سواء كانا مذكيين أم غير مذكيين، فلا أثر للتذكية فيهما فلا يشملهما دليلها.

المسألة 154:

السؤال عن الإنسان نفسه هل هو قابل للتذكية أو غير قابل لها، قد يعد في نظر العقلاء من الناس و في عرف الأديان الإنسانية من المستنكرات التي لا ينبغي أن تخطر في فكر أو تكون موضعا للتساؤل، و في مقدمتها الإسلام، دين اللّه العظيم الذي كرم ابن آدم و حمله في البر و البحر و الجو، و في مجاهل البر و أعماق البحر و طباق الجو، و فضله على كثير ممن خلق تفضيلا.

فالإنسان في نظر الإسلام ارفع شأنا من أن يكون محلا لهذا التساؤل و شبهه أو تشمله مثل هذه الأدلة و بعض الفقهاء انما يعرضه في هذا المعرض لمجرد البحث العلمي و لتطبيق القاعدة في ما يقبل الذكاة، و مالا يقبلها من أنواع الكائن الحي، و الا فانصراف الأدلة عنه ليس مجالا للشك من أحد.

و على اي حال فالإنسان غير قابل للتذكية لارتفاع شأنه عنها لا لهبوط مقامه كما في بعض الكائنات الحية و لا أثر للتذكية، فهو محرم الأكل

كلمة التقوى، ج 6، ص: 326

على كل حال، و الحي منه طاهر على كل حال إذا كان مسلما و نجس على كل حال إذا كان كافرا، و الميت منه نجس على كل حال، و إذا غسل المسلم بعد موته طهر بالغسل لا بالتذكية، فلا أثر للتذكية فيه حتى يشمله دليلها لو فرض وجود الشك فيه.

المسألة 155:

إذا شك في حيوان محرم الأكل هل هو مما يقبل وقوع التذكية عليه أو هو مما لا يقبلها و كان الحيوان مما له نفس سائلة، فالظاهر ان الحيوان المشكوك فيه إذا كان من ذوات الجلود التي يعتد بها الناس و ينتفعون بها في شؤونهم و أعمالهم فهو قابل لوقوع

التذكية عليه، سواء كان من السباع و هي التي تفترس الحيوان، كالأسد و الفهد و النمر و الذئب و ابن آوى من الوحوش، و كالعقاب و الصقر و الشاهين من الطير أم كان من المسوخ كالفيل و الدب و القرد و نحوها أم كان من الحشرات و هي الدواب الصغيرة التي تسكن باطن الأرض كالضب و ابن عرس و اليربوع و الجرذ.

فإذا كان الحيوان من ذوات الجلود المعتد بها أمكنت ذكاته، فإذا ذكي طهر جلده و لحمه و جاز استعماله في ما تشترط فيه الطهارة، فيجعل جلده ظرفا للمائعات أو فراشا أو فروا يلبس في غير الصلاة، و الأحوط استحبابا أن لا يستعمل الا بعد الدبغ.

المسألة 156:

لا فرق بين الطير و غيره من الحيوان في الحكم المتقدم ذكره، فإذا كان الطير غير المأكول من ذوات الجلود التي ينتفع بها، فهو مما يقبل التذكية و تجري عليه أحكامها، فإذا ذكي طهر لحمه و جلده و جاز الانتفاع به.

المسألة 157:

و النتائج الحاصلة مما تقدم بيانه: أن كل حيوان يحل أكله فهو مما يقبل التذكية، من أي الأصناف أو الأنواع أو الأجناس كان.

و كل حيوان يحرم أكله من غير نجس العين و يكون ذا نفس سائلة و ذا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 327

جلد معتد به في نظر الناس فهو مما يقبل التذكية، فإذا ذكي جرت عليه أحكامها.

و كل حيوان يكون نجس العين فهو مما لا يقبل التذكية، و كل حيوان يحرم أكله و لم يك ذا نفس سائلة فهو مما لا تشمله أدلة التذكية لعدم الفائدة من تذكيته، و كل حيوان يحرم أكله و يكون ذا نفس سائلة من غير ذوات الجلود المعتد بها فهو مما لا تشتمله أدلة التذكية.

المسألة 158:

ما يقبل التذكية من الحيوان الذي يحرم أكله، تكون تذكيته بذبحه و يجري فيها و في شرائطها جميع ما ذكرناه في ذبح الحيوان المحلل الأكل من غير فارق بينهما.

و إذا كان الحيوان المحرم وحشيا ممتنعا بالأصالة، فتذكيته بصيده بالآلة التي يحل بها الصيد على النحو الذي تقدم ذكره في صيد المحلل من الوحوش، و إذا أخذ حيا كانت تذكيته بالذبح، و يشكل الحكم بصحة تذكيتها بصيد الكلب المعلم، و الأحوط لزوم اجتنابه.

المسألة 159:

إذا وجد الإنسان بيد رجل مسلم جلودا أو لحوما أو شحوما و لم يعلم بأنها قد ذكيت أم لا، و وجد المسلم صاحب اليد يتصرف فيها تصرفا يدل على التذكية حكم بتذكيتها و مثال ذلك ان يرى المسلم قد عرض اللحوم و الجلود للبيع أو يجده يأكل منها أو يلبس أو يصلي فيها أو يفترشها أو يراه يطعم أهله منها أو يطعم الآخرين أو يهديها إليهم، فيحكم عليها بالذكاة و يجوز له الأخذ و الاستعمال، و كذلك إذا أخبره المسلم صاحب اليد بتذكيتها أو سمعه يخبر غيره بتذكيتها، فيصدق قوله، و يجوز له الشراء منها و البيع لها و الاستعمال لها في ما يتوقف على التذكية من لبس و افتراش و ملاقاة برطوبة و صلاة فيها.

و إذا رآها بيد المسلم و لم يجده يتصرف فيها تصرفا يدل على التذكية لم يحكم عليها بالتذكية، و مثال ذلك أن يجد عنده لحما و لا يدري انه أخذه للأكل و إطعام أهله أو لإطعام بعض الحيوان عنده و سباع الطير، أو يجد بيده جلدا و لا يدري أنه يريد جعله ظرفا للماء أو السمن أم

كلمة التقوى، ج 6، ص: 328

يريده وعاء لبعض النجاسات أو فراشا

لها، فلا يحكم بتذكيتها و لا يحل له الشراء منها و الاستعمال لها في ما يحتاج إلى التذكية أو يتوقف على الطهارة.

المسألة 160:

إذا رأى الإنسان جلودا أو لحوما أو شحوما في سوق المسلمين و لم يدر بأنها من حيوان مذكي أو غير مذكى، جرى فيه التفصيل الذي ذكرناه في يد المسلم، فإذا كان وجود هذه الجلود و اللحوم في السوق مقرونا بتصرف يدل على التذكية فوجدها تباع أو تعرض للبيع فيه لغايات تتوقف على التذكية و الطهارة فتباع لأكل اللحوم و لبس الجلود مثلا و شبه ذلك حكم عليها بالتذكية و صح له ترتيب الآثار عليها و إذا لم يقترن وجودها في سوق المسلمين بمثل هذا التصرف لم يحكم عليها بالتذكية و لم يصح له أن يرتب آثارها، فلعل البيع أو العرض للبيع في السوق، لغايات لا تتوقف على التذكية، فتباع اللحوم طعاما للحيوان أو السباع، و تباع الجلود لأمور لا تتوقف على الطهارة كما تقدم في يد المسلم، و لهذا الاحتمال فلا يحكم بتذكيتها. و كذلك الأمر في ما يجده منها مطروحا في أرض المسلمين، فلا يدل ذلك على تذكيتها إلا إذا وجد معها أثر استعمال المسلمين المناسب للطهارة و الذكاة، كما إذا رأى اللحم مطبوخا لأكل المسلمين منه أو وجد الجلد مخيطا أو مدبوغا ليستعملوه في ما يناسب التذكية من لبسه و الصلاة فيه، فيحكم عليه بالتذكية، و إذا لم يجد مثل هذا الأثر لم يحكم بالتذكية.

فلا يكتفى في يد المسلم أو سوق المسلمين أو أرض المسلمين بما يكون امارة على مطلق اليد، و لا بد من أن يقترن معها تصرف أو أثر يدل على الذكاة.

المسألة 161:

إذا وجد الإنسان اللحوم أو الجلود المشكوكة في يد مسلم و وجد المسلم صاحب اليد يتصرف فيها بما يدل على تذكيتها حكم عليها بالتذكية و رتب آثارها كما قلنا

في المسألة المائة و التاسعة و الخمسين من غير فرق بين ان يكون المسلم صاحب اليد موافقا في المذهب أو مخالفا، و سواء

كلمة التقوى، ج 6، ص: 329

كان ممن يقول بطهارة جلد الميتة إذا دبغ أم لا، أو كان ممن يخالف في اعتبار بعض الشروط في التذكية، كالتسمية عند الذبح و الاستقبال بالذبيحة و إسلام الذابح، فيصح للإنسان أن يعتمد على تصرفه الدال على التذكية فيحكم بها و يرتب آثارها، و ليس عليه أن يسأل أو يفحص، نعم يجب عليه أن يجتنب، إذا علم ان الجلود أو اللحوم مما لم تتم فيه التذكية على الوجه الصحيح أو اعترف صاحب اليد بذلك، فلا يكون تصرفه المتقدم دالا على التذكية الصحيحة، و لا يقبل اخباره بها فهو انما يخبر عن تذكيتها وفق معتقده.

المسألة 162:

لا يعتبر تصرف صاحب اليد و لا اخباره بالتذكية إذا كان ناصبا أو خارجيا أو غاليا على ما تقدم توضيح المراد منهم فلا تثبت التذكية اعتمادا على تصرفهم أو على قولهم.

المسألة 163:

إذا وجد اللحوم أو الجلود المشكوكة في سوق المسلمين، و وجد معها التصرف الذي يدل على التذكية كما اشترطنا في المسألة المائة و الستين حكم عليها بأنها مذكاة، و ان كانت بيد شخص يجهل أمره أ هو من المسلمين أو من غيرهم.

المسألة 164:

لا يترك الاحتياط بالاجتناب عنها إذا وجدها بيد شخص يجهل حاله و كانت السوق التي هي فيه لغير المسلمين، و ان غلب المسلمون على البلاد.

المسألة 165:

ما يوجد بيد الكافر محكوم بعدم تذكيته فهو ميتة يجب اجتنابها و ينجس ملاقيها برطوبة سواء كان في بلاد الكفار أم في بلاد المسلمين، و تلاحظ المسألة المائة و التاسعة و الستون الآتية.

و كذلك الحكم في ما يوجد بيد من يجهل حاله أ هو مسلم أم كافر، و كان في بلاد الكفار فهو محكوم بعدم التذكية و بالنجاسة، و مثله الحكم في ما يوجد مطروحا في بلاد الكفار و أرضهم فيجب الاجتناب عنه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 330

المسألة 166:

المرجع في كون البلد بلد مسلمين أو بلد كفار الى العرف، و حكمهم في ذلك يدور مدار الغلبة من الساكنين و المتوطنين في البلد، فإذا كان الغالب من المسلمين، فالبلد بلد مسلمين، و ان كانوا تحت سيطرة كافرة، و إذا كانت الغلبة للكفار فالبلد بلد كفار و ان كانوا في نفوذ حكومة مسلمة، و إذا تساوى السكان في المقدار جرى عليه حكم بلد الكفار.

المسألة 167:

ما يوجد في يد الكافر من جلود و لحوم و شحوم إذا كان قد أخذه من مسلم سابق عليه باليد، و كانت يد المسلم السابقة مقرونة بتصرف يدل على انها مذكاة كما تقدم اشتراطه في المسألة المائة و التاسعة و الخمسين فهو محكوم بأنه من المذكى، فيحل شراؤه و بيعه و ترتيب آثار الذكاة عليه.

المسألة 168:

إذا علم بأن المسلم قد أخذ ما عنده من الجلود أو اللحوم و الشحوم من كافر سابق عليه باليد من غير تحقيق في الأمر و لا تثبت حكم عليها بعدم التذكية و لم يجز ترتيب آثارها و تلاحظ المسألة الآتية.

المسألة 169:

ما يكون عند الكافر من جلود و لحوم إذا لم يعلم المسلم بأنه يشتمل على المذكى منها و غير المذكى، حكم عليه بعدم الذكاة و لم يجز له شراؤه و بيعه، كما تقدم في المسألة المائة و الخامسة و الستين، و إذا علم إجمالا بأن ما في يد الكافر يشتمل على ما هو مذكى و على ما هو غير مذكى، سقطت أصالة عدم التذكية بالعلم الإجمالي المذكور و بنى على أصالة الطهارة و أصالة الإباحة في اللحوم و الجلود الموجودة، فيصح له شراؤها و ترتيب آثار الطهارة و الإباحة عليها.

و هذا إذا كان العلم الإجمالي المذكور لا ينحل بسبب عدم الابتلاء ببعض أطرافه، لكثرة المذكى المعلوم وجوده في الأطراف.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 331

المسألة 170:

إذا وجد الرجل لحوما أو جلودا بيد شخص مسلم و كان الرجل مع المسلم صاحب اليد مختلفين في شرائط التذكية أو كيفيتها بحسب اجتهادهما أو تقليدهما، فكان الرجل يوجب قطع الأعضاء الأربعة في حصول التذكية، و كان صاحب اليد يكتفي بقطع الحلقوم، جاز له ان يأخذ الجلود أو اللحوم منه إذا اطمأن بأن صاحب اليد قد راعى في تذكية الحيوان جميع الشرائط.

و إذا شك في ذلك أو ظن بأنه راعى جميع الشرائط و لم يطمئن به فالأحوط له لزوم الاجتناب ان لم يكن ذلك هو الأقوى.

المسألة 171:

يجوز شرب دهن السمك المستحضر إذا علم انه قد أخذ من سمكة مذكاة و كانت ذات فلس، و لا يحل شربه إذا أخذ من غير المذكى أو من سمكة ليست ذات فلس، و إذا كان مشكوكا فلا بد في إباحته من إحراز كلتا الناحيتين، فإذا كان من صنع عامل مسلم و تحضيره حل شربه من كلتا الناحيتين و الا أشكل الأمر و جرت فيه التفاصيل السابقة التي ذكرناها في اللحوم و الشحوم الموجودة بيد الكافر.

المسألة 172:

ذكر الفقهاء قدس اللّه أرواحهم انه يستحب للذابح عند ذبح الغنم أن يربط يدي الذبيحة مع احدى رجليها و يطلق الرجل الثانية، و لم أجد لهذا مستندا سوى فتوى الأصحاب به و لذلك فلا بد و ان يكون الإتيان به برجاء المطلوبية.

و يستحب له ان يمسك صوف الذبيحة أو شعرها بيده حتى تبرد، و لا يمسك بيديها أو رجليها.

و يستحب عند ذبح البقر أن يعقل يدي الذبيحة و رجليها و يطلق ذنبها.

و يستحب عند نحر الإبل أن ينحرها قائمة و ان يعقل يدها اليسرى، و إذا نحرها باركة استحب له ان يشد خفي يديها الى ابطيها و يطلق رجليها.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 332

و يستحب في ذبح الطير أن يرسله بعد ذبحه.

و يستحب له أن يعرض على الحيوان الماء قبل ذبحه أو نحره، و ان يساق الى الذبح أو النحر برفق و يضجعه للذبح برفق.

و يستحب أن يكون الذابح أو الناحر مستقبلا للقبلة عند الذبح و النحر، بل الأحوط استحبابا ان لا يترك ذلك.

و يستحب له أن يحد الشفرة و أن يواريها عن البهيمة لئلا تراها، و أن يريح البهيمة في الذبح جهده، فيسرع في قطع أوداجها و يمر السكين

بقوة، و يجد في العمل حتى ينجزه بسرعة، و أن يدع الحيوان في موضعه حتى يفارق الحياة فلا ينقله الى مكان آخر.

المسألة 173:

ذكر بعض الأصحاب رضوان اللّه عليهم انه يكره للذابح أن يبين رأس الذبيحة عامدا قبل أن تفارق الحياة و قد ذكرنا في ما تقدم ان الأحوط لزوما ترك ذلك و لا تحرم الذبيحة به إذا فعله.

و ذكروا (قدس سرهم): انه يكره له أن ينخع الذبيحة فيصيب بالسكين نخاعها عامدا، و قد تقدم أن الأحوط لزوم تركه و لا تحرم الذبيحة بفعله.

و ذكروا انه يكره له ان يسلخ الذبيحة قبل أن تفارق الحياة، و قد سبق ان الأحوط لزوم تركه كذلك و لا تحرم الذبيحة به.

و يكره له ان يقلب السكين فيدخلها تحت أعضاء التذكية و يقطعها الى فوق.

و يكره له ان يذبح الشاة عند الشاة أو ينحر الجزور عند الجزور و هو ينظر اليه.

و يكره الذبح في الليل حتى يطلع الفجر، و يكره الذبح في يوم الجمعة إلى الزوال.

و يكره للإنسان أن يذبح بيده ما رباه من الأنعام، و لا كراهة إذا ذبحه له غيره، أو باعه و اشترى بثمنه حيوانا مثله فذبحه بيده.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 333

كتاب الأطعمة و الأشربة

اشارة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 335

كتاب الأطعمة و الأشربة

المسألة الأولى:

المبحوث عنه في هذا الكتاب هو ما يحل أكله للإنسان من الحيوان و غيره من جامدات الأشياء و المجففات و ما لا يحل أكله منها، و ما يجوز شربه من المائعات و المعتصرات و المستحضرات و ما لا يجوز شربه، و لذلك فالبحث فيه يقع في عدة فصول.

الفصل الأول في ما يحل أكله من الحيوان و ما لا يحل

المسألة الثانية:

لا يحل للإنسان أكل ما عدا السمك و الطير من حيوان البحر، من غير فرق بين ما أشبه المأكول من حيوان البر و ما لم يشبهه، كبقر البحر و فرس البحر، و كلب الماء و خنزيره، و جميع أجناس الحيوان منه و أنواعه، ما عرف اسمه منها و ما جهل، و ما أمكن أن يعيش خارج الماء منه كالتمساح و السلحفاة و الضفدع و السرطان، و ما لم يمكن.

المسألة الثالثة:

يحل للإنسان أكل السمك إذا كان له فلس و قشور، و هذه هي العلامة المميزة بين ما يحل أكله من السمك و ما يحرم، من غير فرق بين كبير السمك و صغيره كالشبوط و القطان و البز و البني و الهامور و الداقوق، و الكنعت، و السبيطي و الزبيدي و الصافي و الحمام و الجنم، و ما عرف اسمه و ما جهل، فجميع ذلك مما يحل أكله لوجود الفلس فيه، و قد ذكر في بعض النصوص الطمر و الطبراني و الإبلامي و الربيثا، و هي أنواع منه لعلها تعرف بغير هذه الأسماء في الأزمان الحاضرة، و على أي حال فالمدار في الحل على وجود العلامة الآنف ذكرها.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 336

المسألة الرابعة:

من الحوت ما يكون سي ء الخلق- على ما في بعض النصوص- كالكنعت، فيحتك بكل شي ء يجده حتى يسقط عنه قشره و فلسه، و لكنه محلل الأكل لوجود العلامة فيه فيوجد الفلس و القشر في أصل اذنه مثلا و في المواضع التي لا يمكنه أن يحكه من جسده، و قد ذكر بعض من يوثق بهم ما يقرب من ذلك عن الصافي و المزلق، و المزلق نوع من السمك إذا أضطره الصائد غاص في الطين و انزلق فيه و استعان على ذلك بنعومة جلده و صغر الفلوس و القشور عليه، و قد أكد بعض الخبراء وجود الفلس فيه.

المسألة الخامسة:

الإربيان و يسميه العامة الروبيان نوع من السمك الصغار المعروف و له قشر واضح يكسو لحمه فهو مما يحل أكله.

المسألة السادسة:

يحرم على الإنسان أكل الجري و الزمير و المارماهي و سائر الأنواع التي لا فلس فيها و لا قشر من السمك و أصناف الحوت من غير فرق بين الصغير منها و الكبير و منه الكوسج المفترس و أنواع سمك القرش الكبيرة و الصغيرة.

المسألة السابعة:

بيض السمك تابع له في الحكم، فالسمك الذي يحل أكل لحمه يحل أكل بيضه، و السمك الذي يحرم أكله يحرم أكل بيضه.

و إذا اشتبه في بيض السمك فلم يعلم أنه من المحلل أو من المحرم فالأظهر حرمته و لزوم اجتنابه سواء كان خشنا أم أملس.

المسألة الثامنة:

يحرم أكل السمك الطافي و هو الذي يموت في الماء ثم يطفو على وجهه، و يحرم كل سمك يموت في الماء و ان كان في شبكة أو حظيرة أو آلة أخرى للصيد، بل و ان مات في حوض أو إناء فيه ماء و قد مر ذكر هذا في

كلمة التقوى، ج 6، ص: 337

المسألة الحادية و الثمانين من كتاب الصيد، و يحرم أكل السمك إذا مات و لم تدرك ذكاته.

المسألة التاسعة:

يحرم أكل السمك الجلال و أكل بيضه على الأحوط و هو الذي يتغذى بعذرة الإنسان وحدها حتى يصدق عليه اسم الجلال، و سيأتي بيان هذا عند التعرض لحكم الحيوان الجلال، و يزول الجلل عن السمك شرعا إذا منع من أكل العذرة و أطعم طعاما طاهرا مدة يوم و ليلة، فإذا زال الجلل منه حل أكله و إذا لم يزل اسم الجلل عنه في المدة المذكورة استبرئ حتى يزول عنه اسم الجلل.

المسألة العاشرة:

إذا اصطاد الرجل سمكة، فوجد في جوفها سمكة أخرى ذات فلس، حل له أكل السمكة الكبيرة إذا كانت مباحة ذات فلس، و حل له أكل السمكة التي وجدها في الجوف إذا كانت حية حال أخذ السمكة الكبيرة، و اما إذا جهل حياتها و موتها حال أخذ الكبيرة أو علم بموتها، ففي حلها اشكال و لا يترك الاحتياط باجتنابها.

المسألة 11:

لا فرق بين طير البحر و طير البر في الحكم، فما يكون أكله حلالا من طير البر يكون أكل مثله حلالا من طير البحر، و العلامات التي جعلها الشارع مميزة للمحلل من طير البر هي بذاتها علامات للحل في طير البحر، و سيأتي ذكر كل أولئك في مواضعها ان شاء اللّه تعالى.

المسألة 12:

يحل للإنسان أكل لحوم الأنعام الثلاثة من حيوانات البر الإنسية:

الإبل، و البقر و الغنم، من غير فرق بين أصناف كل جنس منها، ما ذكرناه في كتاب الذباحة منها أو في كتاب الزكاة و ما أشرنا اليه و لم نذكره.

و يحل له أكل لحم الخيل، و البغال و الحمير، بجميع أصنافها، على

كلمة التقوى، ج 6، ص: 338

كراهة تختلف ما بينها في الشدة و الضعف، فالخيل أخفها كراهة، و هي في البغال و الحمير على قولين.

و يحرم عليه أكل السنور، و يحرم عليه أكل الأرنب و هو من المسوخ على ما ورد في بعض الأدلة، و هو من الحيوانات المتوحشة التي قد تستأهل، و سيأتي ذكره في المحرم من الحيوانات المتوحشة، و اما الكلب فهو نجس العين، فضلا عن كونه مما يحرم أكله، و كذلك الحكم في الخنزير البري، و هو من الحيوانات المتوحشة التي قد تستأنس.

المسألة 13:

يحل للإنسان ان يأكل لحوم الظباء من الحيوانات الوحشية، و يحل له أكل لحوم البقر الوحشية و الوعول و الأيائل و اليحامير و الغنم الوحشية و الحمر الوحشية، و ربما يطلق بعض هذه على بعض، و ربما اختلفت في الكبر و الصغر من الجنس الواحد، أو في الذكورة و الأنوثة، كما تختلف المهاة عن مطلق بقر الوحش و كما يختلف الرشا و الشادن عن مطلق الظبي، و لعل الحل لا ينحصر بالمذكورات.

المسألة 14:

يحرم على الإنسان من الحيوان الوحشي أكل كل ذي ظفر و ناب يفترس فيه، كالأسد، و الفهد و النمر و الذئب و سائر السباع التي تفترس الحيوان كالضبع و ابن آوى و الثعلب، و يحرم عليه أكل الفيل و وحيد القرن و الزرافة، و الدب، و أصناف القردة و الأرانب.

و يحرم أكل الحشرات كالضب و ابن عرس و اليربوع و القنفذ، و الحيات و الجرذان، و الصراصر و الخنافس و سائر الحشرات، الصغير منها و الكبير مما يعسر عده، بل و مما يقبح ذكره.

المسألة 15:

يحل للإنسان من الطير أكل الحمام بجميع أصنافه، كالرواعب مسرولة و غير مسرولة و القماري و الدباسي و الورشان و اليمامة، و يكره الفواخت منها، و يحل أكل القطا، و الحبارى و الكركي و الكروان، و الحذاف، و البط، و القبج و الدراج، و الحجل، و الطيهوج و هو طائر

كلمة التقوى، ج 6، ص: 339

يشبه الحجل كما قيل، و يفترق عنه في بعض الأوصاف، و يحل أكل العصفور بجميع أنواعه.

المسألة 16:

يحل له أكل الدجاج بجميع أصنافه كالدجاج الأهلي و الدجاج الحبشي و قد يسمى الغرغرة أو الدجاج الرومي، و يحل أكل الإوز و البط غير الطائر، و يحل أكل لحم النعام على الأقوى.

المسألة 17:

يجوز للإنسان- على كراهة- أكل لحم الصرد، و هو على ما يقول بعض اللغويين: طائر أخضر الظهر أبيض البطن ضخم الرأس يصطاد صغار الطير، و يكره أكل الصوام، و الشقراق، و هو طائر أخضر مليح له صوت يشبه الزغردة و لذلك فالعامة من أهل نواحي البصرة يسمونه بالمهلهل، و يكره أكل القنبرة، و هو طائر كالعصفور، له في رأسه قنزعة، و يكره أكل الهدهد و الخطاف، و لعله أشدها كراهة بل الأحوط استحبابا اجتنابه.

المسألة 18:

يحرم أكل الخفاش، و الطاوس، و يحرم أكل كل ذي مخلب، سواء كان من الجوارح المفترسة كالعقاب و الرخم و البازي و الصقر و الشاهين و الباشق و الحدأة أم من غيرها كالنسر و البغاث و البومة، و يحرم أكل الببغاء، و لحوم الغربان من غير فرق بين الكبير منها و المتوسط و الصغير، حتى الزاغ و الغداف على اشكال في بعض الأنواع منها، و الأحوط لزوما اجتنابها جميعا.

المسألة 19:

يحرم أكل الذباب و النحل و مطلق الزنابير، و الجعلان و البق و جميع الحشرات الطائرة و قد تقدم الحكم بالتحريم في الحشرات غير الطائرة مما يدب أو يثب.

المسألة 20:

قد ذكرت للتمييز ما بين المحلل من الطير و المحرم منه في الشرع

كلمة التقوى، ج 6، ص: 340

علامتان يرجع إليهما إذا شك في حل الطير و حرمته، و لم يرد فيه نص خاص أو عام، كما ورد في الموارد الآنف ذكرها.

العلامة الأولى: الصفيف و الدفيف في طيران الطير، و الصفيف هو أن يبسط الطير جناحيه في حال طيرانه، و الدفيف هو ان يحركهما في حال طيرانه، فكأنه مأخوذ من الضرب بجناحيه على دفتيه.

فكل طير يصف جناحيه في طيرانه أو يكون صفيفه أكثر، فهو محرم الأكل، و مثال ذلك: جوارح الطير و كواسرها، فإنها تبسط أجنحتها في الطيران أو يكون بسطها أكثر، و كل طير يحرك جناحيه عند طيرانه أو يكون تحريكها و الدفيف بها أكثر، فهو محلل الأكل، و مثال ذلك:

الحمام و القطا و العصفور، فهي تدف بأجنحتها، إلا في حالات خاصة.

العلامة الثانية: أن تكون في الطير أحد أمور ثلاثة:

الحوصلة، و هي في الطائر- كما يقول بعض اللغويين- بمنزلة المعدة للإنسان، و القانصة، و هي قطعة صلبة تكون في جوف الطائر تجتمع فيها الحصى الدقيقة التي يأكلها، و الصيصية، و هي شوكة أو إصبع يكون في موضع العقب من رجل الطائر.

فكل طير يكون فيه بعض هذه الأشياء الثلاثة أو جميعها، فهو محلل الأكل كالدجاجة فإنها توجد فيها جميعا، و كل طير لا يكون فيه شي ء منها فهو محرم الأكل.

المسألة 21:

إذا اتفقت العلامتان الآنف ذكرهما في الدلالة على الحكم، فكان الطير مما يصف في طيرانه أو مما يكون صفيفه أكثر، و لم توجد فيه حوصلة و لا قانصة و لا صيصية، فلا إشكال في حرمة أكله، و كذلك إذا كان الطير مما يدف في طيرانه،

أو مما يكون دفيفه أكثر، و وجد فيه مع ذلك بعض الأشياء المذكورة، أو وجد فيه جميعها، فلا ريب في انه مما يحل.

المسألة 22:

إذا اختلفت العلامتان في الدلالة على حل الطائر أو تحريمه، عول

كلمة التقوى، ج 6، ص: 341

في الحكم على العلامة التي ذكرناها أولا، فإذا كان الطير مما يصف في طيرانه، أو كان صفيفه أكثر من دفيفه، و كانت مع ذلك له حوصلة أو قانصة أو صيصية، حكم بحرمته.

و إذا كان مما يدف في طيرانه أو كان دفيفه أكثر من صفيفه، و كان فاقدا للأمور الثلاثة كلها فالظاهر حل أكله.

المسألة 23:

إذا كان الطير مما يتساوى صفيفه و دفيفه، رجع في تبين حكمه الى العلامة الثانية، فإذا وجدت له قانصة أو حوصلة أو صيصية حكم بحل أكله، و إذا لم يوجد فيه شي ء منها حكم بحرمته.

المسألة 24:

إذا وجد الإنسان طيرا يصف في طيرانه تارة و يدف تارة، و لم يعرف أيهما أكثر رجع في حكمه إلى العلامة الثانية كما في الفرض المتقدم، فإذا وجد فيه شي ء من الأمور الثلاثة أو وجد فيه جميعها، حكم بحله، و إذا فقدها جميعا حكم بحرمته.

و كذلك الحكم إذا رأى طيرا مذبوحا لا يعرف حاله في الطيران، فيرجع في أمره إلى العلامة الثانية.

المسألة 25:

لا فرق في ترتب الأحكام المذكورة مع العلامات و اختلاف الفروض بين طير البحر و طير البر كما أشرنا إليه في ما تقدم، و إذا وجدت علامة الحل في طير البحر حكم بحل أكله و ان كان الطير مما يأكل السمك، فلا يكون ذلك موجبا لتحريمه، كما لا تحرم السمكة التي تأكل السمك إذا كانت ذات فلس.

المسألة 26:

بيض الطير يتبع الطير نفسه في الحكم، فالطير الذي يحل أكله للنص على تحليله بالخصوص أو بالعموم يحل أكل بيضه، و الطير الذي يحرم أكله كذلك، يحرم أكل بيضه، و لا يحتاج معه الى وجود علامة الحل أو الحرمة في البيض نفسه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 342

و إذا وجد الإنسان بيضا، و شك في انه مما يحل أو مما يحرم، فالعلامة المائزة فيه هي اختلاف طرفي البيضة و تساويهما، فإذا اختلف طرفا البيضة و تميز رأسها عن طرفها الآخر كبيضة الدجاجة و بيضة البطة و بيضة الإوزة فهي مما يحل أكله، و إذا اتفق طرفاها و تساويا فهي مما يحرم أكله.

المسألة 27:

تقدم في المسألة الرابعة عشرة ان النعامة مما يحل أكله، فهي مما يحل أكل بيضه.

المسألة 28:

اللقلق من الطيور التي لم ينص الشارع على حله أو على حرمته بالخصوص أو بالعموم، فالمرجع في حكمه الى العلامات التي تقدم ذكرها، و قد اختلف الناقلون عن حاله في الطيران من الصفيف و الدفيف أيهما أكثر، و لعله مضطرب الحالات في ذلك فيكثر صفيفه في بعض الأوقات و يكثر دفيفه في أوقات أخرى، و إذا تساوى حاله في الطيران، أو شك و لم يعرف أمره، فالمرجع في حكمه الى وجود الحوصلة فيه أو القانصة أو الصيصية، أو فقدها جميعا، و هي العلامة الثانية، و نقل عن بعض الأعاظم حكمه بحرمة أكله لأن صفيفه أكثر، و الأحوط اجتناب أكله.

المسألة 29:

قد تعرض الحرمة على الحيوان المحلل أكله لطروء بعض الأسباب الآتي ذكرها، فيكون الحيوان محرما بالعارض، و الأسباب التي توجب له الحرمة بالعارض هي: الجلل، و وطء الإنسان له، و تغذي بعض أطفال الحيوان بلبن الخنزيرة حتى يقوى عليه و ينمو و يشتد عليه عظمه و لحمه، فيكون الجلل سببا لتحريم الحيوان الجلال، و يكون وطء الإنسان سببا لتحريم الحيوان الموطوء، و يكون تغذي الحيوان الطفل بلبن الخنزيرة سببا لتحريم الطفل المتغذي و تحريم نسله.

المسألة 30:

الجلل هو أن يغتذي الحيوان بعذرة الإنسان حتى يصدق عرفا انها

كلمة التقوى، ج 6، ص: 343

غذاؤه، و لذلك فلا بد في صدق الجلل من أن ينحصر غذاء الحيوان بعذرة الإنسان وحدها، فإذا خلط الحيوان في أكله بينها و بين غيرها، بحيث لم يصدق أنها غذاؤه لم يتحقق الجلل الذي تترتب عليه الأحكام الآتية الا ان يكون أكله من غيرها يسيرا نادرا لا ينافي حكم العرف بأن غذاءه هي العذرة خاصة، فيصدق الجلل و تترتب أحكامه، و لا يتقدر ذلك بمدة معينة، بل المدار ان يأكل منها حتى يتحقق الموضوع المذكور في مقاييس أهل العرف.

المسألة 31:

لا تلحق بعذرة الإنسان عذرة غيره من الحيوان في تحقق الجلل و ترتب أحكامه الخاصة إذا تغذى الحيوان بها و ان كانت نجسة أيضا، و لا يلحق بها سائر النجاسات و المتنجسات.

المسألة 32:

إذا تحققت صفة الجلل في الحيوان حرم أكل لحمه، و حرم شرب لبنه، و حرم- على الأحوط لزوما- أكل بيضه إذا كان مما يبيض، و ترتبت عليه جميع أحكام المحرم بالأصل، على الأحوط فلا تجوز الصلاة في جلده و لا في أجزائه الأخرى إذا ذكي، و لا تصح الصلاة في فضلاته الطاهرة، و قد تقدم في المسألة المائة و التاسعة و العشرين من كتاب الطهارة: الحكم بنجاسة بوله و روثه و نجاسة عرقه إذا كان من الإبل، بل الأحوط الحكم بنجاسة العرق من كل حيوان جلال، و لا ترتفع هذه الأحكام جميعا حتى يستبرأ الحيوان و يرتفع عنه اسم الجلل عرفا.

المسألة 33:

إذا تحققت صفة الجلل في الحيوان حرم أكله و تحققت أحكام الجلل الممكنة فيه من غير فرق بين الحيوان الصغير و الكبير و الطير و السمك، و قد ذكرنا حكم السمك الجلال في المسألة التاسعة.

المسألة 34:

لا يمنع الجلل من أن يذكى الحيوان الجلال كما يذكى غيره من الحيوان القابل للتذكية، فإذا ذبح أو نحر مثلا على الوجه المطلوب طهر

كلمة التقوى، ج 6، ص: 344

لحمه و جلده كما يطهر الحيوان المحرم بالأصل إذا ذكي و كان قابلا للتذكية و ان لم يجز أكل لحمه و لا الصلاة في أجزائه كما قلنا.

المسألة 35:

يصح للإنسان أن يشتري الحيوان الجلال أو يتملكه بصيد و نحوه، ثم يستبرئه بعد أن يتملكه فإذا زال عنه اسم الجلل بعد الاستبراء حل له أكله، فيصطاد الطير الجلال أو السمك الجلال، فإذا ملكه و استبرأه كذلك حل أكله و أكل ما يتجدد من بيضه بعد ذلك و لا يحل أكل ما باضه قبل أن يتم الاستبراء.

المسألة 36:

ترتفع أحكام الجلل الآنف ذكرها عن الحيوان الجلال بالاستبراء، و هو منع الحيوان عن أكل العذرة و تغذيته بغيرها مدة يأتي بيانها.

و لا يترك الاحتياط لزوما فيه، فإذا منع الحيوان من التغذي بالعذرة و زال عنه اسم الجلل في نظر أهل العرف قبل أن تنتهي المدة المنصوصة للحيوان فلا بد من الاستمرار على الاستبراء حتى تنتهي المدة المعينة له، و إذا منع من التغذي بالعذرة حتى مضت المدة و لم يزل اسم الجلل عنه في نظر أهل العرف، لم تنتف عنه أحكام الجلل حتى يستمر في الاستبراء الى ان يزول الاسم.

المسألة 37:

المدة المعينة في النصوص لاستبراء الحيوان الجلال، هي أربعون يوما في الإبل، و ثلاثون يوما على الأحوط في البقر، و عشرة أيام في الشاة، و خمسة أيام أو سبعة في البطة و ثلاثة أيام في الدجاجة و يوم و ليلة في السمك.

و قد ذكرنا أن المقصود أن يستبرأ الحيوان المدة المذكورة إذا زال اسم الجلال عنه معها أو زال عنه قبلها، فإذا لم يزل اسم الجلل عنه في المدة فلا بد من الاستمرار على الاستبراء بعدها حتى يزول الاسم.

المسألة 38:

تجب مراعاة المدة المذكورة في الحيوان الذي نص عليه على الوجه

كلمة التقوى، ج 6، ص: 345

الذي بيناه من غير فرق بين الكبير من الحيوان و الصغير.

المسألة 39:

إذا كان الحيوان الجلال مما لم تقدر له مدة في استبرائه، وجب أن يستبرأ حتى يزول عنه اسم الجلل و يصدق عليه في نظر أهل العرف ان غذاءه غير العذرة.

المسألة 40:

استبراء الحيوان الجلال أن يمنع من أكل العذرة بحبس أو ربط، و يطعم علفا طاهرا على الأحوط الى أن تنتهي المدة المعينة، فإذا لم يزل عنه اسم الجلال استمر في ذلك الى أن يزول عنه الاسم.

المسألة 41:

إذا استبرئ الحيوان كذلك حل أكل لحمه و حل شرب ما يتجدد بعد الاستبراء من لبنه، و ارتفعت عنه أحكام الجلل الآنف ذكرها أو الإشارة إليها.

المسألة 42:

السبب الثاني من أسباب تحريم أكل الحيوان المحلل: أن يطأه انسان، فإذا وطأ الإنسان حيوانا مما يحل أكله، حرم بالوطء أكل لحمه و لحم نسله على المالك و الواطئ و على غيرهما من الناس، و حرم عليهم شرب ألبانهما مما يتجدد بعد الوطء من النسل و اللبن، و لا يحرم ولده و لا لبنه المتقدم على الوطء، من غير فرق بين أن يكون الإنسان الواطئ كبيرا و صغيرا على الأحوط، و عاقلا و مجنونا، و عالما و جاهلا، و مختارا في فعله و مكرها، و سواء أنزل الواطئ أم لم ينزل، و سواء كان وطؤه للحيوان قبلا أم دبرا، و سواء كان الحيوان الموطوء ذكرا أم أنثى، و صغيرا أم كبيرا.

المسألة 43:

إذا وطأ الإنسان بهيمة أنثى و كانت حاملا، قد تكون جنينها قبل وطء الإنسان لها، لم يحرم بالوطء أكل هذا الحمل، و لم تشمله أحكام وطء الإنسان و لا تشمل نسله الذي يتولد منه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 346

المسألة 44:

إذا كان الحيوان مذبوحا أو منحورا قد تمت تذكيته، فوطأه الإنسان لم يحرم بذلك لحمه و لا اللبن الموجود في الضرع إذا كانت أنثى و لا الجنين الذي في بطنها إذا ذكي أو كانت ذكاة أمه ذكاة له.

المسألة 45:

لا يعم الحكم بالتحريم الحيوان الموطوء إذا كان من غير ذوات الأربع، و ان كان الأحوط استحبابا اجتناب أكله و أكل بيضه الذي يتجدد بعد الوطء.

المسألة 46:

إذا كان الحيوان الذي وطأه الإنسان مما يقصد أكل لحمه كالغنم و البقر و الإبل و نحوها من الحيوانات و ان كانت وحشية قد تأهلت، وجب أن يذبح الحيوان أو ينحر، ثم يحرق بعد موته، و يغرم الواطئ قيمة الحيوان لمالكه، إذا كان الواطئ غير المالك.

و إذا كان الحيوان الموطوء مما يطلب ظهره للحمل أو الركوب عليه و لم يعتد أكله كالفرس و البغل و الحمار، أخرج الحيوان الى بلد آخر غير البلد الذي وطئ فيه و بيع في ذلك البلد، و غرم الواطئ قيمته للمالك إذا كان غير الواطئ، و إذا بيع الحيوان في البلد الآخر دفع ثمنه للواطي على الأقرب.

المسألة 47:

إذا وطأ الإنسان الحيوان ثم اشتبه الحيوان الموطوء بغيره أخرج بالقرعة و أجري الحكم المذكور على ما عينته القرعة، و إذا تعدد الحيوان الذي اشتبه الموطوء به، قسمت الحيوانات المشتبه بها الى نصفين و أقرع بينهما، فإذا خرجت القرعة على أحدهما قسم الى نصفين كذلك و أقرع بينهما، و هكذا حتى يتعين واحد و يجرى عليه الحكم.

المسألة 48:

ظاهر وجوب إحراق الحيوان بعد ذبحه و موته الذي دلت عليه الأدلة في المسألة عدم جواز الانتفاع بجلد الحيوان الموطوء بعد تذكيته، و لا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 347

بصوفه و لا بشعره أو وبره و لا بشي ء من اجزائه كالإنفحة و شبهها، فلا يجوز شي ء من ذلك على الأقوى.

المسألة 49:

الأحوط لزوما حرمة شرب اللبن الموجود في ضرع الحيوانة الأنثى في حال وطئها، و لعله الأقوى، فإنه من الانتفاع بالحيوان الموطوء و قد تقدم أن الأقوى حرمته.

المسألة 50:

لا يجري الحكم بوجوب الإحراق بعد الذبح على نسل الحيوان الموطوء الذي يتولد منه بعد الوطء و ان حرم أكل لحمه و شرب لبنه كما ذكرنا في ما تقدم.

المسألة 51:

السبب الثالث من أسباب تحريم أكل الحيوان المحلل: أن يرضع الجدي لبن خنزيرة حتى يقوى و ينبت لحمه و يشتد عظمه على رضاعه منها، و الجدي هو ولد المعز في سنته الأولى، و المراد ان يغتذي برضاعه من لبنها في أيام رضاعه المتعارفة لمثله سواء كان في السنة الأولى أم بعدها، فإذا رضع كذلك حرم أكل لحمه و حرم أكل نسله و حرم شرب لبنه و ألبان نسله سواء كان المرتضع أنثى أم ذكرا.

و كذلك الحكم- على الأحوط لزوما- في الحمل و هو ولد الشاة بل و في كل حيوان رضيع محلل الأكل فإذا رضع من لبن الخنزيرة حتى نمى و نبت عليه لحمه و اشتد عظمه وجب اجتناب أكل لحمه و لحوم نسله و ألبانهما.

المسألة 52:

لا تلحق الكلبة بالخنزيرة في الحكم، فإذا ارتضع الحيوان الصغير من لبنها حتى نمى و اشتد على رضاعه منها لحمه و عظمه لم يحرم أكله.

و يشكل الحكم إذا سقي الحيوان الرضيع لبن الخنزيرة سقيا من غير رضاع حتى نمى و اشتد على ذلك، فلا يترك الاحتياط باجتنابه، و كذلك إذا ارتضع من لبنها بعد ما كبر و فطم من رضاع أمه حتى حصل الشرط

كلمة التقوى، ج 6، ص: 348

فلا يترك الاحتياط باجتنابه، و ان كان الأظهر عدم التحريم في الصورتين.

المسألة 53:

إذا رضع الحيوان الصغير من لبن الخنزيرة و لم يشتد على رضاعه منها لحمه و عظمه، كره أكل لحمه، فإذا استبرئ من ذلك سبعة أيام، فمنع من رضاع الخنزيرة و أرضع من لبن شاة أو معز مثلا في تلك المدة زالت الكراهة عن أكله، و ان كان قد استغنى عن الرضاع أطعم في أيام الاستبراء علفا طاهرا فتزول الكراهة عنه بذلك.

المسألة 54:

لا يحرم الحيوان الصغير إذا رضع من لبن امرأة كافرة حتى نمى و اشتد لحمه و عظمه على رضاعه منها، و أولى من ذلك، ما إذا رضع من لبن امرأة مسلمة حتى حصل الشرط أو سقي من اللبن بغير رضاع فلا يحرم أكل لحمه، بل يكون أكله مكروها في الصورتين الأولتين، و لا دليل على الكراهة في الصورة الأخيرة.

المسألة 55:

إذا شرب الحيوان الذي يحل أكله خمرا فسكر، و ذبح في حال سكره لم يحرم بذلك أكل لحمه، و الأحوط وجوب غسل لحمه قبل أكله، و لا يجوز أكل ما في جوفه من أمعاء و شحوم و كرش و قلب و كبد و رئة و كليتين و غير ذلك و ان غسله.

المسألة 56:

إذا شرب الحيوان بولا نجسا أو تناول بعض النجاسات الأخرى ثم ذبح بعد تناوله إياها لم يحرم أكل لحمه، و لا يحتاج الى غسل اللحم قبل الأكل إذا لم تكن عين النجاسة موجودة، و يجوز أكل ما في جوف الحيوان، و الأحوط لزوم غسل ما في الجوف قبل أكله.

المسألة 57:

تحرم من الحيوان الذي يحل أكله أربعة عشر شيئا، فلا يجوز أكلها و ان ذكي الحيوان بالذبح أو النحر، و تسمى هذه الأشياء محرمات الذبيحة و هي

كلمة التقوى، ج 6، ص: 349

(1) الفرث (2) الدم (3) الطحال (4) القضيب (5) الأنثيان (6) المثانة، و هي الموضع الذي يتجمع فيه بول الحيوان قبل خروجه، (7) النخاع، و هو خيط أبيض يمتد من رقبة الحيوان في وسط فقرات ظهره إلى أصل ذنبه، (8) الغدد، و هي عقد مدورة الشكل غالبا تتكون في جسد الحيوان، و لا تنحصر في موضع منه، (9) المرارة (10) المشيمة، و هي كيس أو نحوه يكون موضعا للجنين أيام حمله، أو هي قرينته التي تخرج معه في الولادة، فيجب الاجتناب عنهما، (11) العلباوان، و هما عصبتان صفراوان عريضتان تمتدان في الظهر من رقبة الحيوان الى ذنبه (12) خرزة الدماغ، و هي- على ما قالوا- حبة بقدر الحمصة تكون في وسط الدماغ و لونها يميل إلى الغبرة، و يخالف لون باقي الدماغ الموجود في الجمجمة، (13) الحدقة، و هي السواد الذي يكون في العين لا مجموعها، (14) الفرج من الحيوانة الأنثى ظاهره و باطنه.

المسألة 58:

مما يقطع به وجود الرجيع و الدم و الفرج و الحدق في مطلق الطير من محرمات الذبيحة، و مما يقطع به أيضا وجود القضيب و البيضتين و المرارة و النخاع في كبار الطير و متوسطها، كالدجاجة و شبهها و اما المثانة و المشيمة فيقطع بعدمهما فيه لأن الطير لا يبول و لا يلد ما عدا الخفاش، فيجب الاجتناب عن المذكورات أولا التي يقطع بوجودها و يشك في وجود باقي المحرمات فيه، فلا يجب الاجتناب عنه.

المسألة 59:

تحرم الأشياء الآنف ذكرها من الحيوان الذي يذبح أو ينحر خاصة، فلا يحرم شي ء منها في السمك و لا في الجراد إذا علم وجوده فيهما، و الأحوط لزوما اجتناب أكل الدم في السمك، و الرجيع فيهما.

المسألة 60:

يكره أكل الكليتين من الحيوان المذبوح أو المنحور، و أذني القلب، و هما زائدتان تكونان في أعلى القلب، و يكره أكل العروق و الأوداج.

المسألة 61:

يحل أكل كل شي ء من الذبيحة غير ما تقدم ذكره، فيحل أكل اللحم

كلمة التقوى، ج 6، ص: 350

و الشحم، و القلب، و الرئة، و الكبد، و الأمعاء و الكرش، و الغضاريف، و يحل أكل الجلد و العظم على الأظهر، و الأحوط استحبابا اجتناب أكلهما، و يتأكد الاحتياط باجتناب إهاب الذبيحة الذي يسلخ و لا يعتاد أكله، و لا بأس بأكل جلد الرأس و جلود الدجاج و الطيور.

المسألة 62:

يجوز أكل اللحم المحلل نيا، و مطبوخا بالماء، و مطبوخا بالدهن أو بالمائعات المحللة الأخرى و مشويا، و ان غلبت عليه النار فاحترق ما لم يكن مضرا، أو يعد من الخبائث، فيحرم لذلك.

المسألة 63:

تعرضنا في المسألة التسعين من كتاب الطهارة لحكم الأجزاء التي لا تحلها الحياة في حال الحياة إذا أخذت من حيوان طاهر العين، كالقرن و العظم، و السن و الظفر، و الحافر، و الظلف و المخلب، و المنقار، و الشعر و الصوف، و الوبر و الريش، و البيضة إذا اكتست قشرها الأعلى و ان لم يتصلب بعد، و كاللبن في ضرع الحيوانة الأنثى، و الأنفحة التي تخرج من بطن الجدي أو السخل قبل أن يتغذى بالأكل، فهي جميعا محكومة بالطهارة، و ان أخذت من الحيوان بعد موته، و لا تسري إليها نجاسة الميتة، و لا يكون حكمها حكم أجزاء الميتة التي تحلها الحياة، و قد فصلنا حكمها هناك، فليرجع إليها من أراد.

و الأجزاء المذكورة كما هي طاهرة فهي محللة إذا كانت محللة في الأصل، فيجوز أكل البيضة إذا كانت من طير يحل أكله، و يجوز شرب اللبن إذا كان من حيوان يحل أكله، و يجوز أكل الأنفحة إذا أخرجت من بطن سخل أو جدي محلل الأكل و جعلت في اللبن فصار جبنا، فيجوز أكل الجبن و معه أجزاء الأنفحة المذكورة، و قد بينا في المسألة المشار إليها ان الأحوط الاقتصار في الانفحة على المادة الصفراء التي يستحيل إليها اللبن الذي يرتضعه الحيوان قبل أن يأكل، و لا يعم الكرش نفسه.

و قد اشترطنا في طهارة الأجزاء المذكورة أن لا تصيبها نجاسة عرضية برطوبة الميتة نفسها حين إخراجها منها فإذا أصابتها نجاسة عرضية

كلمة التقوى،

ج 6، ص: 351

بسبب ذلك أو بسبب آخر فلا بد من تطهيرها إذا أمكن التطهير، و هذا الشرط كما هو شرط في الطهارة، فهو شرط في الحل، و هو واضح.

المسألة 64:

ذكرنا في مبحث النجاسات من كتاب الطهارة: أن بول كل حيوان لا يؤكل لحمه نجس عينا إذا كانت للحيوان نفس سائلة، سواء كان مما يحرم أكله بالأصل كالمسوخ و السباع و الحشرات، أم كان مما يحرم أكله بالعارض كالحيوان الجلال و موطوء الإنسان، و لذلك فلا ريب في حرمة شربه.

و يحرم كذلك شرب بول ما يؤكل لحمه على الأحوط لزوما، كالغنم و البقر و بقية الحيوانات التي يؤكل لحمها من الوحوش و غيرها، فلا يجوز شرب بولها و ان كان طاهرا غير نجس.

و يجوز شرب أبوال الإبل للاستشفاء به من بعض الأمراض، و لا يلحق به غيره من بول الأنعام الأخرى.

المسألة 65:

يحرم رجيع كل حيوان، سواء كان الحيوان مما يحرم أكله أم كان مما يحل، و الظاهر أن التحريم لا يتناول فضلات الدود التي تتكون في جوف بعض الفاكهة و المخضرات و تلتصق به فضلاتها، و لا يتناول ما في جوف السمك و الجراد من فضلاتهما إذا كان غير متميز و أكل معهما، و إذا كان متميزا، فالأحوط لزوم اجتنابه.

المسألة 66:

يحرم أكل الدم من كل حيوان له نفس سائلة، سواء كان الحيوان مما يحرم أكله أم مما يحل، حتى الدم و العلقة التي تتخلق في البيضة، فيجب اجتنابهما.

و يستثنى من ذلك الدم الذي يتخلف في الحيوان المأكول لحمه إذا ذكي و خرج بالذبح أو النحر ما يتعارف خروجه من الدم و بقي الباقي منه، فيكون المتخلف منه في جوف الذبيحة طاهرا، و يكون المتخلف في اللحم و الذي يعد جزءا منه حلالا تابعا للحم في جواز أكله معه، من غير

كلمة التقوى، ج 6، ص: 352

فرق بين ما يتخلف منه في اللحم أو في القلب أو في الكبد، و إذا اجتمع الدم و كان له وجود غير تابع لها و لا يعد جزءا منها كان محرما.

المسألة 67:

دم الحيوان الذي ليست له نفس سائلة طاهر ليس بنجس كما أوضحناه في مبحث الدم من كتاب الطهارة، و كذلك دم الحيوان الذي يشك في ان له نفسا سائلة أم لا، كالحية و التمساح، فهو طاهر ليس بنجس، و لا ريب في حرمة أكله إذا كان من حيوان يحرم أكله كالحيات و الحشرات المحرمة التي يكون فيها دم و لكنه لا يسيل بقوة عند الذبح و كدم السمك الذي يحرم أكله كالجري و الزمير.

و إذا كان الحيوان مما يحل أكله كالسمك المحلل، فالظاهر جواز أكل دمه مع لحمه إذا عد تابعا للحم و جزءا منه، و إذا اجتمع دمه و كان وجوده متميزا و ليس تابعا للحم و لا جزءا منه، أشكل الحكم بحل أكله فلا بد من تركه على الأحوط لزوما.

المسألة 68:

اللبن تابع في الحكم للحيوان الذي يتكون منه، فيحل شربه إذا كان الحيوان محلل الأكل و يحرم شربه إذا كان الحيوان الذي يتكون منه محرم الأكل، و قد سبق الحكم بوجوب الاجتناب عن شرب لبن الحيوان الجلال و لبن الحيوان الذي يطأه إنسان و ألبان نسله و وجوب الاجتناب عن لبن الحيوان الذي يتغذى في رضاعه بلبن الخنزيرة حتى يشتد عليه و ينمو، و عن البان نسله.

و يجوز شرب لبن الحيوان الذي يحل أكل لحمه، سواء كان أهليا أم وحشيا، و سواء كان الحيوان حيا أم مذكى و أخرج اللبن من ضرعه بعد تذكيته، و قد ذكرنا في المسألة الثالثة و الستين جواز شرب اللبن الذي يخرج من ضرع الميتة إذا كانت مما يحل أكله لو كان مذكى، و يجوز شرب لبن الفرس و البغلة و الأتان، و ان كره أكل لحمها، و

لم تثبت الكراهة في شرب لبنها.

المسألة 69:

يجوز شرب لبن المرأة في الرضاع و ما يشبه الرضاع كما إذا سقي

كلمة التقوى، ج 6، ص: 353

الطفل من لبنها في إناء و شبهه و ان زادت أيام الرضيع على الحولين، و يشكل الحكم بجواز شرب لبنها لغير الطفل، و خصوصا للإنسان إذا راهق أو بلغ أو تجاوز ذلك، و لا يترك الاحتياط باجتنابه اختيارا، و كذلك الحكم في شرب المرأة لبن نفسها أو لبن غيرها من النساء.

المسألة 70:

إذا شك في لحم موجود انه قد ذكي أم لا، فان قامت على التذكية امارة، كما إذا وجده في يد مسلم مقرونة بتصرف منه يدل على تذكية الحيوان، أو وجده في سوق المسلمين مقترنا بمثل ذلك من التصرف، أو وجده مطروحا في أرض المسلمين، و عليه أثر يدل على ذلك، حكم بتذكية اللحم، و الا وجب اجتنابه، و تلاحظ المسألة المائة و التاسعة و الخمسون و ما بعدها من كتاب الصيد و الذباحة في توضيح المقصود من ذلك.

و إذا شك في حل ذلك اللحم و حرمته، فان وجده في يد مسلم، و أخبره المسلم صاحب اليد بأنه من المحلل صدق قوله و جاز له أكل اللحم، و الا أشكل الحكم فيه، و في المسألة تفصيل لا يتسع الحال لبيانه.

المسألة 71:

لا ريب في جواز أن يبتلع الإنسان ريقه و ان كثر، و يجوز له كذلك أن يمص ريق ولده أو غيره من الأطفال مثلا، و أن يمص ريق زوجته و نحوها.

و يحرم عليه تناول البلغم و النخامة، و هي الخلط الذي يخرجه من الصدر، و النخاعة و هي ما ينزل من الرأس بعد انفصال جميع ذلك عن الفم، و أولى منه بالتحريم ما إذا كان ذلك من غيره، و يحرم عليه كذلك تناول البلغم و النخامة و النخاعة من فم غيره قبل ان تنفصل عنه، و يحرم تناول القيح و الأوساخ و غيرها من الخبائث منه و من غيره.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 354

الفصل الثاني في ما يحل أكله من الجامدات و ما لا يحل

المسألة 72:

ما يحل أكله من الأشياء الجامدة غير الحيوان كثير جدا، لا يمكن حصره و لا ضبط عدده، فالغلات جميعا، و جميع أجناس الحبوب و الأبزرة و أنواع الفواكه، و فصائل البطيخ و ما يشبهه، و أنواع الخضر و أصنافها، و أجناس النباتات و المزروعات مما يؤكل نفسه و ما يؤكل ثمره، و ما يتجدد مع الزمان و مع التجربة و مع التركيب و التهجين من أنواع و أصناف و فصائل جديدة، و ما تنتجه الصناعات المختلفة من أدقة و مجففات و تجميد للمائع و تمويع للجامد، و من مربيات و مركبات و معمولات و مستحضرات، و أمثال ذلك من الطيبات التي يحل أكلها إذا خلا تركيبها عما يمنع الشرع من تناوله، و نقى عملها و تحضيرها مما يوجب التلوث و التنجس.

فالمهم بيان ما يحظر من المآكل و ما يوجب المنع من الأكل إذا دخل في تركيب المطعوم أو عرض في عمله و تحضيره.

المسألة 73:

يحرم أكل أعيان النجاسات جميعا، و قد سبق في كتاب الطهارة ذكرها و ذكر عددها و بيان أحكامها، و مر في الفصل الأول من هذا الكتاب بعض الأحكام التي تتعلق بأكل الميتة، و البول و العذرة و الدم من النجاسات.

و يحرم أكل المتنجسات و هي الأشياء التي طرأت لها النجاسة بالعرض و التلوث، و يحرم أكل كل طعام يدخل أحد أعيان النجاسات في تركيبه، فلا يحل أكل الجبن مثلا إذا أدخل بعض شحوم الحيوان غير المذكى في تركيبه و لا يحل أكل أي شي ء يكون فيه لحم ذلك الحيوان أو شي ء من أجزائه التي تحلها الحياة في حال حياة الحيوان، و يحرم أكل كل طعام يدخل في تركيبه شي ء متنجس أو تعرض

له النجاسة في أثناء عمله، و من ذلك ان يباشره كافر برطوبة مسرية، أو تباشره يد معلومة التلوث بالنجاسة بمثل تلك الرطوبة، أو يطبخ في إناء نجس أو يطبخ بماء متنجس أو بدهن متنجس.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 355

المسألة 74:

إذا عجن الطحين بماء متنجس أو خلط بدهن متنجس وجب اجتناب أكله، و لا يطهر بالنار إذا خبز أو عمل منه شي ء آخر، و كذلك سائر الفطائر و المعجنات التي تعمل منها المخبوزات و المطعومات الأخرى فلا يحل أكلها إذا تنجست الفطائر بالمباشرة أو تنجس ماؤها أو دهنها.

المسألة 75:

يحرم أكل أي طعام يدخل في تركيبه بعض الأشياء المحرمة بالأصل أو المحرمة بالعارض، و ان كان ذلك الشي ء طاهرا غير نجس، كما إذا طبخ معه لحم حيوان لا يحل أكله أو شحمه أو أدخل في تركيبه عظم من حيوان لا يحل أكله و ان كان الحيوان طاهرا مذكى.

المسألة 76:

إذا أخذ الجلاتين من عظم حيوان مذكى، و هو محلل الأكل، كالبقر و الغنم، جاز استعماله و حل أكل الطعام الذي يعمل منه أو يدخل في تركيبه.

المسألة 77:

إذا وجد الجلاتين في يد مسلم أو في سوق المسلمين، و وجد المسلم الذي هو بيده يتصرف فيه تصرفا يدل على التذكية كما قدمنا نظيره في اللحوم و الجلود، حكم بذكاته و حل أكل الطعام المستحضر منه إذا لم تكن يد المسلم مسبوقة بيد كافر، أو علم بأنه غير طاهر، و لا يحل أكله إذا وجد بيد كافر أو كان من عمله.

المسألة 78:

إذا استحضر الجلاتين من مادة صناعية تنوب عن المادة التي تؤخذ من عظم الحيوان جاز استعماله و حل أكل الطعام الذي يعمل منه أو يدخل في تركيبه، إذا لم يعلم بحرمته من ناحية أخرى.

المسألة 79:

ذكرنا في المسألة الثالثة و الستين: ان العظم أحد الأجزاء التي لا تحلها الحياة في حال حياة الحيوان، فإذا أخذ من حيوان ميت غير مذكى،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 356

و كان الحيوان طاهر العين في حال حياته، فالعظم المأخوذ منه بعد الموت محكوم بالطهارة و لا ينجس بنجاسة الحيوان بالموت، و ذكرنا في المسألة الحادية و الستين ان العظم مما يحل أكله من الذبيحة إذا كانت محللة الأكل.

و نتيجة لذلك فقد يتوهم أن العظم إذا أخذ من ميتة نجسة غير مذكاة، و كانت ميتة حيوان يحل أكله، ثم طهر عن نجاسته العرضية بملاقاته لحم الميتة، أمكن ان تؤخذ منه مادة الجلاتين و تدخل في تركيب بعض الأطعمة، و يحل الطعام الذي تدخل في تركيبه.

و هذا التوهم فاسد لا يمكن الاعتماد عليه، فالعظم جزء من الميتة فيحرم كما يحرم أكل الميتة، و الأدلة إنما دلت على طهارته لأنه جزء لا تحله الحياة، و لم تدل على إباحة أكله، كما دلت على اباحة شرب اللبن المأخوذ من ضرع الميتة و أكل البيضة و الأنفحة المأخوذتين منها، فيحرم أكل العظم على الأقوى سواء أخذه الإنسان من الميتة مباشرة أم وجده بيد مسلم أو بيد كافر، و مع التنازل عن ذلك، فلا أقل من لزوم الاحتياط بتركه.

المسألة 80:

إذا قطعت من الحيوان قطعة و هو حي قبل أن يذكى بالذبح أو النحر أو الصيد، كما ضربه الإنسان بسلاح فأبان القطعة منه أو عضه سبع فأبانها، لم يحل أكل القطعة المبانة و كانت ميتة نجسة، و كذلك إذا ضرب السمكة فقطع منها قطعة قبل أن يخرج السمكة من الماء حية أو يأخذها و هي حية في خارج الماء، فلا يحل أكل

تلك القطعة لأنها ميتة و ان كانت غير نجسة.

و إذا أخرج السمكة من الماء و هي حية أو أخذها و هي حية في خارج الماء تمت ذكاتها بذلك، فإذا قطع منها قطعة بعد ذكاتها و هي لا تزال حية، حل أكل القطعة، و حل أكل السمكة، و كذلك إذا أخذ الجراد و هو حي تمت تذكيته، فإذا قطع من الجرادة قطعة قبل أن تموت حل أكل القطعة و أكل بقية الجرادة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 357

المسألة 81:

يحرم أكل المتنجس ما دام متنجسا، فإذا زالت النجاسة عنه و طهر منها على الوجه المطلوب حل أكله بعد ما كان محرما، فإذا طهر اللحم أو الشحم الذي عرضت له النجاسة فغسل بالماء على الوجه المعتبر جاز أكله و حل كل طعام يوضع بعد ذلك معه، و كذلك سائر المتنجسات، و قد فصلنا أقسام النجاسات و كيفية سرايتها إلى الأشياء، و أنواع المطهرات و كيفيات التطهير بها و جميع ما يتعلق بذلك في كتاب الطهارة.

المسألة 82:

يحرم أكل كل طعام مزج بخمر أو فقاع أو أي مسكر آخر أو أي مخدر من المخدرات، سواء كان المسكر مائعا بالأصالة أم جامدا، فإذا مزج الطعام بخمر أو بمسكر مائع بالأصالة كان الطعام نجسا و حراما و إذا مزج بمسكر أو مخدر جامد بالأصالة، و ظهر أثر الإسكار أو التخدير في الطعام كان الطعام محرما و طاهرا و ان كان الأثر قليلا يسيرا.

المسألة 83:

المدار في نجاسة الطعام و طهارته في المسألة السابقة على كون المسكر الذي مزج به مائعا بالأصالة كما ذكرنا فيكون الطعام نجسا، و ان جففته الصناعة فجعلته حبوبا أو دقيقا، و إذا كان جامدا بالأصالة، فالطعام الممتزج به طاهر و محرم و ان إذابته الصناعة فجعلته مائعا.

المسألة 84:

الأطعمة و المأكولات التي يتولى الكافر عملها و تجهيزها ان كانت مصنوعة من لحم الحيوان أو شحمه أو بقية أجزائه، فهي نجسة و محرمة لا يحل أكلها، سواء كان عمل الكافر لها بمباشرة يده أم بغيرها من المعامل و المصانع الحديثة، و ان كانت مصنوعة من غير الحيوان كالنباتات و المخضرات و الفواكه و المجهزات الأخرى و قد علم بأن الكافر قد باشرها بيده برطوبة مسرية، فهي كذلك نجسة و محرمة، و ان كان تجهيز تلك المعلبات غير الحيوانية بالمعامل و المصانع الحديثة و لم يباشرها الكافر بيده برطوبة فهي طاهرة يحل أكلها ما لم يعلم بمزجها بمحرم أو بنجس،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 358

و كذلك إذا شك في أن الكافر باشرها بيده أم جهزها بالمعامل من غير مباشرة فهي طاهرة محللة.

و كذلك التفصيل و الحكم في الأشربة و المعتصرات و السوائل التي يعملها الكافر أو يجهزها للشرب، و في الأدوية التي يحضرها للعلاج أو للتغذية أو التقوية من الجامدات و المائعات.

المسألة 85:

لا يحل للإنسان أكل السموم القاتلة، سواء كانت متخذة من الحيوان أم من النبات أم من أي شي ء يوجب الهلاك و العطب للإنسان، و لا يحل أكل أي طعام أو مأكول يورث للإنسان مرضا قاتلا، أو مرضا عسر الزوال، أو يهيج له مرضا ساكنا عسر الزوال، أو يوجب له شللا في بعض أعضائه، أو تعطيلا في بعض أجهزته أو بعض قواه، أو يسبب له حدوث أي ضرر لا يتحمل عادة.

المسألة 86:

لا يجوز للمرأة أن تأكل أو تشرب ما يوجب إجهاض حملها أو يوجب قتل الجنين في بطنها، أو يسبب له تشويها في خلقه، أو فقدا لبعض قواه أو نقصا فيها.

المسألة 87:

لا فرق في التحريم بين ما يعلم ضرره و ما يظن به و ما يحتمل، إذا كان الاحتمال مما يعتد به العقلاء و يخشون من وقوعه، فيحرم أكل ما يؤدي إليه، سواء كان الضرر المعلوم أو المظنون أو المخوف وقوعه عاجلا أم بعد مدة.

المسألة 88:

المدار في الضرر الذي يحرم معه تناول المأكول أو المشروب الذي يوجبه أن يكون مما لا يتحمل بحسب العادة كما ذكرنا، فأكل الطعام و شرب الشراب الذي يسبب العمى و فقد البصر مثلا، أو يسبب حدوث الجنون و فقد العقل أو نقصانه يكون محرما بلا ريب، و المأكول أو المشروب الذي يسبب تناوله فقد حاسة الشم و نقصانه لا يكون له ذلك

كلمة التقوى، ج 6، ص: 359

الحكم، فلعله من الضرر الذي لا يعتد به الناس، فلا يكون محرما، و المأكول أو المشروب الذي يوجب فقد قوة الباه يكون من الضرر المعتد به فيحرم أكله و شربه، و خصوصا للمتزوج و في أدوار شبابه، و مثله المأكول أو المشروب الذي تصبح به المرأة عقيما لا تلد، و المأكول أو المشروب الذي يوجب فقد حاسة السمع يكون الحكم فيه مشكلا، و الأحوط لزوما تركه و اجتنابه.

المسألة 89:

يحرم أكل و شرب ما يكون مضرا بالفعل أو مؤديا إلى وقوع الضرر في ما يأتي، إذا كان الضرر لا يتحمل عادة كما ذكرنا، و منه تعاطي المخدرات.

فيحرم تعاطي ذلك بالأكل، و الشرب، و التدخين، و بأي نحو من أنحاء الاستعمال المعروفة عند أهلها و التي يفعل المخدر فيها فعله و يؤثر أثره، و ان كان نافعا قليلا، إذا كان ضرره أكبر من نفعه، سواء كان ضرره آتيا من جهة أصل استعماله و لو قليلا كالمسكرات و المخدرات، من الحشيشة و غيرها، أم كان من جهة زيادة مقدار ما يستعمل منه، أم من جهة إدمانه و المواظبة عليه كالأفيون.

المسألة 90:

يجوز للإنسان أن يأكل أو يشرب أو يستعمل العقاقير و الأدوية و المستحضرات الطبية لمعالجة بعض الأمراض أو لتخفيفها، إذا كان الانتفاع بها غالبيا أو أثبتته التجربة الصحيحة، أو ذكره الحذاق أو الموثوقون من الأطباء و أهل الخبرة بعد تعيين المرض، و ان كان الدواء الذي يستعمله مضرا من بعض النواحي الا أن نفعه أكبر أو أمكن تدارك الضرر باستعمال ما يزيله أو يهون أمره.

المسألة 91:

يجوز للمريض أن يرجع الى الأطباء الحذاق و ذوي الخبرة الموثوقين في علاج مرضه و يتناول الأدوية و العلاج بإرشادهم و فعلهم، و ان كانت الأدوية أو الطريقة التي يتخذونها في علاجه محتملة الخطر أو هي قد

كلمة التقوى، ج 6، ص: 360

تؤدي الى الوقوع فيه في بعض الحالات، إذا كان الانتفاع بها غالبيا بحسب معرفتهم و تجاربهم، و خصوصا مع الاطمئنان بالنجاح.

و يجوز له المعالجة عندهم بما هو مضر قطعا، تفاديا عن حدوث ما هو أشد ضررا، و بما هو خطر بالفعل دفعا لما هو أعظم خطرا، فيقطع العضو المتلوث بالداء الخبيث لئلا يسري التلوث الى غيره، و يجري العملية في الأمعاء أو في الدماغ أو في القلب، تحديدا للداء و بتا للخطر المهلك.

و لا بد في مثل هذه الأمور من الاعتماد على الأكفاء الذين يطمئن إليهم و الى طبهم، و يمنع الرجوع الى المدعين الذين لم تثبت كفاءتهم للأمر و مهارتهم فيه، أو المتسرعين المتسامحين في تحصيل النتائج، أو غير المبالين بما يحدث.

المسألة 92:

قد اتضح مما تقدم أن الشي ء الذي يكون تحريمه آتيا من جهة ضرره، يكون المدار في الحكم بالتحريم هو المقدار أو المورد الذي يتحقق معه الضرر، فالشي ء الذي يحصل الضرر بتناول قليله و كثيره يكون تناوله محرما على الإطلاق من غير فرق بين القليل و الكثير، و إذا كانت الكثرة فيه تضاعف وجود الضرر بحسب مراتب الكثرة، فتناول أي بعض من أبعاض ذلك الشي ء يسبب ضررا مستقلا عن غيره، أو توجب شدة الضرر و قوة أثره، تكون الكثرة فيه موجبة كذلك لتضاعف الحكم بالتحريم بحسب مراتب الكثرة و العقاب على كل مرتبة منها، أو تكون موجبة لشدة التحريم بحسب شدة

الضرر فيه و شدة العقاب عليها.

و إذا كان المضر هو تناول الكثير من الشي ء، و لا ضرر في أخذ القليل منه، فالمحرم هو الكثير المضر و لا حرمة في أخذ القليل، و إذا كان المضر هو إدمانه و المواظبة عليه كان ذلك هو المحرم و لا تحريم مع التناول من غير إدمان أو اعتياد، و إذا كان المضر هو الجمع بين طعامين مخصوصين أو بين طعام و شراب كذلك كما يدعى في بعض الأطعمة، فالمحرم هو الجمع بين الطعامين المعينين و لا حرمة في تناولهما على الانفراد.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 361

و إذا كان الطعام مضرا في حالة دون حالة أو في وقت دون وقت حرم في الحالة و الوقت اللذين يكون فيهما مضرا، و لا يحرم في وقت آخر و لا في حالة اخرى، و هكذا.

المسألة 93:

يحرم أكل الطين، و هو التراب و الماء يختلطان حتى يستولي كل منهما على الآخر و يكونا شيئا واحدا هو الطين، و المرجع فيه الى الصدق العرفي كما هو المرجع في غيره من الموضوعات، و بذلك يفترق عن التراب المبتل بالماء، و عن الماء الملقى فيه مقدار من التراب.

و يحرم أكل الطين سواء زادت فيه نسبة التراب فكان طينا جافا، أم زادت نسبة الماء فكان وحلا، و يحرم أكل المدر و هو الطين اليابس، و يلحق بهما التراب على الأحوط لزوما، فيحرم أكله سواء كان مبتلا أم يابسا.

المسألة 94:

إذا امتزج مع الحنطة أو الشعير أو الحبوب الأخرى بعض التراب وعد مستهلكا فيها في نظر أهل العرف جاز أكله معها، و كذلك إذا اختلط معها بعض المدر الصغار و استهلك بعد الطحن و الخبز فيجوز أكله، و إذا لم يستهلك لكثرته لم يجز أكله.

و كذلك الحكم في ما يوجد على الرطب و التمر و الفواكه و الثمرات و المخضرات من الغبار و التراب، إذا عد مستهلكا عرفا فيجوز للإنسان ان يأكل الفاكهة أو الغلة أو الخضرة أو البقل و ان لم يغسلها عما علق بها و لا يصدق عليه انه أكل الغبار و التراب، إلا إذا كثر و تراكم فكان له وجود مستقل غير مستهلك، فيحرم أكله حين ذلك.

و كذلك الحكم في الطين الذي يمتزج مع الماء في أيام زيادة الماء مثلا و قوة دفعه و لا يخرجه عن الإطلاق فيجوز للإنسان شرب الماء الممزوج به لأنه مستهلك فيه عرفا، و لا يصدق على من شربه انه قد شرب الطين إلا إذا كثر الطين و تراكم فكان له وجود مستقل غير مستهلك، فيحرم شربه كما تقدم

في نظيره.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 362

المسألة 95:

كما يجوز شرب الماء الممتزج بالطين إذا كان مستهلكا فيه عرفا، فكذلك يجوز أكل الطعام المطبوخ به و أكل الخبز المعجون به، و لا يحرم أكل المطبوخ أو المخبوز به الا إذا استبان وجود الطين فيه بعد الطبخ و الخبز، و لا يخفى ان ذلك يتوقف على خلطه بمقدار من الطين أكثر من المقدار الذي يستبين وجوده في ماء الشرب و لا يستهلك فيه.

المسألة 96:

الأحوط لزوما اجتناب أكل الرمل و الجص و النورة و الإسمنت و الأحجار و فتاتها، و الاحتياط في اجتناب الآجر و فتاته أشد و ألزم و لعل التحريم فيه أقوى فهو طين مطبوخ، و يجوز أكل سائر المعادن الأخرى إذا لم تكن مضرة، فإذا أضرت كانت محرمة الأكل.

المسألة 97:

يستثنى من الحكم بحرمة أكل الطين أكل يسير من طين تربة الحسين (ع) للاستشفاء به من الأمراض مع مراعاة الشرطين الآتي ذكرهما:

الشرط الأول أن يكون المأخوذ من طين التربة بمقدار الحمصة المتوسطة الحجم أو أقل من ذلك، فلا يحل أكل ما يزيد على ذلك في المرة الواحدة.

الشرط الثاني: أن يكون أكل ذلك بقصد الاستشفاء به من مرض معين أو أمراض معينة أو من مطلق الأمراض التي يعانيها و ان لم يعينها، فلا يحل الأكل إذا كان بغير قصد الاستشفاء، و ان قصد به التبرك مثلا، و لا يحل أكلها بغير قصد.

المسألة 98:

تكثر في الأدلة من أحاديث أهل البيت (ع): ان في تربة الحسين (ع) شفاء من كل داء و أمنا من كل خوف، و انها من الأدوية المفردة، و انها لا تمر بداء الا هضمته، و أمثال ذلك من المضامين.

و قد ذكرت في الأحاديث آداب و أدعية و أعمال مخصوصة لأخذ تربة الشفاء، و هي متعددة و متنوعة، و الظاهر من مجموع الأدلة ان المذكورات

كلمة التقوى، ج 6، ص: 363

فيها انما هي آداب مخصوصة لكمال العمل و تحقق النتيجة من الشفاء المقصود بتناول التربة الشريفة، و ليست شروطا في إباحة أكل المقدار المذكور من التربة.

و لذلك فيجوز أكلها مع وجود الشرطين الآنف ذكرهما، و ان لم تحصل الأعمال التي ذكرتها الروايات و لم تقرأ الأدعية الواردة فيها.

المسألة 99:

يجوز أكل المقدار المذكور من التربة الشريفة كلما وجدت الحاجة الى الاستشفاء، كما إذا أكلها للاستشفاء من مرض معين، فشفاه اللّه منه، فأراد أكلها ثانيا للشفاء من مرض آخر يعانيه أيضا، و كما إذا تجدد له مرض آخر بعد ذلك و أراد الشفاء منه، و كما إذا أكلها بقصد الشفاء من مرض فلم يشف منه و أراد التكرار مع زيادة في التوسل الى اللّه و إخلاص في التوجه اليه أن يعجل له الشفاء من داية.

المسألة 100:

يختص ذلك بتربة الحسين (ع) دون سائر المعصومين من آبائه و أبنائه (ع) فلا يحل أكل شي ء من طين تربهم (صلوات اللّه عليهم) بقصد الاستشفاء به من الأمراض، و إذا أراد الإنسان ذلك أمكن له أن يأخذ قليلا من تربة المعصوم الذي أراد الاستشفاء به فيمزجه بماء أو شراب آخر بحيث يعد الطين مستهلكا بهما ثم يشربه بقصد الاستشفاء أو التبرك بذلك الشراب، و كذلك إذا أراد التبرك بتربة الحسين (ع).

المسألة 101:

الظاهر أن الاستشفاء انما يتحقق إذا قصد الإنسان بأكله من التربة الشفاء من مرض موجود بالفعل، سواء عينه بالقصد، أم قصد الشفاء من جميع أمراضه التي يجدها، و لا يشمل الاستشفاء من مرض غير موجود بالفعل و لكنه يخشى حدوثه عليه، فلا يحل له أن يأكل من التربة للاستشفاء منه.

المسألة 102:

تربة الشفاء التي ذكرناها و بينا بعض أحكامها في المسائل المتقدمة هي ما تؤخذ من القبر الشريف أو مما حوله على ما سنذكره في ما يأتي

كلمة التقوى، ج 6، ص: 364

بقصد أن تكون شفاء للأمراض، و ليس منها- على الظاهر- التربة المعروفة، التي تؤخذ للسجود عليها في الصلاة أو للتسبيح بها، فلا يعمها حكم تربة الشفاء و لا يحل أكلها على الأحوط إذا لم يكن ذلك هو الأقوى.

نعم يمكن أن يؤخذ منها شي ء فيمزج بماء أو بشراب آخر حتى يستهلك فيه، ثم يشرب بقصد الاستشفاء أو التبرك به.

المسألة 103:

المتيقن من المواضع التي تؤخذ منها تربة الشفاء، هو القبر الشريف و ما حوله من المواضع القريبة التي تلحق به عرفا، فإذا أخذت التربة من هذه المواضع جرت عليها الأحكام المتقدمة بلا ريب و صح الأكل منها و الاستشفاء بها.

و قد ورد في بعض الروايات عنهم (ع): يؤخذ طين قبر الحسين (ع) من عند القبر على سبعين ذراعا، و في رواية أخرى: على سبعين باعا، و في بعض الأحاديث عنهم (ع): طين قبر الحسين (ع) فيه شفاء و ان أخذ على رأس ميل، و في بعضها على عشرة أميال، و روى السيد ابن طاوس عنهم (ع) أنه فرسخ في فرسخ، و روي أكثر من ذلك.

و الروايات المذكورة منزلة على مراتب الفضل، فكلما قرب من القبر الشريف كان أفضل، و ما بعد عنه فهو أقل فضلا، و لا يترك الاحتياط في ما خرج عن القبر الشريف و المواضع التي تلحق به عرفا، فإذا أخذت التربة من المواضع التي تخرج عن ذلك، فالأحوط لزوما مزج المقدار الذي يراد الاستشفاء به بالماء أو بشراب آخر حتى يستهلك فيه، ثم

يشرب بقصد الشفاء، فيحصل المراد بذلك ان شاء اللّه و العمدة في الباب هو اليقين بلطف اللّه و فضله و التعلق الكامل بعظيم رحمته و الإخلاص في التوجه اليه بصاحب التربة و كبير منزلته أن يجعلها شفاء من كل داء و أمنا من كل خوف.

المسألة 104:

إذا أخذ الإنسان التربة الشريفة من مواضعها المذكورة، بقصد الاستشفاء بها لنفسه و لغيره من المؤمنين صح أخذه لها و ثبت أنها تربة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 365

شفاء و ثبتت لها أحكامها الآنف ذكرها، سواء عمل الأعمال و الآداب التي وردت في الأخبار عند أخذها أم لم يعمل ذلك، فيجوز أكلها و الاستشفاء بها، و كذلك إذا علم أن الطين المعين قد أخذه صاحبه من المواضع الخاصة بقصد الاستشفاء به، فيثبت بذلك و تترتب عليه أحكامه، و كذلك إذا شهدت به البينة العادلة أو أخبر به صاحب اليد المالك للتربة، فيصدق خبره و تثبت به الأحكام.

و إذا أخبر بذلك عدل واحد، فان حصل للإنسان الاطمئنان بصدق قوله صح له ان يرتب الآثار عليه، و يأكل من التربة، و ان لم يحصل له الاطمئنان لم يجز له الأكل، و إذا أخذ منها قليلا و مزجه بماء أو بشراب حتى استهلك الطين جاز له شربه و الاستشفاء به رجاء، و الأحوط استحبابا أن يفعل كذلك في غير موارد حصول العلم و شهادة البينة.

الفصل الثالث في ما يحل شربه من المائعات و ما يحرم

المسألة 105:

يحرم شرب الخمر بجميع أقسامها و أنواعها التي تتخذ منها، و الحكم بتحريم الخمر ضروري من ضروريات الدين، فمن استحل شربها، و هو ملتفت الى كون تحريمه من الضروريات كان كافرا، لأنه مكذب لرسالة الرسول (ص).

و عن الرسول (ص) ان الخمر رأس كل اثم.

و عن أبي عبد اللّه (ع): الشراب مفتاح كل شر، و مدمن الخمر كعابد الوثن، و ان الخمر رأس كل اثم، و شاربها مكذب بكتاب اللّه، لو صدق كتاب اللّه حرم حرامه.

و عن الإمام أبي جعفر (ع): انها أكبر الكبائر.

و عن الإمام أبي عبد اللّه (ع): انها أم الخبائث، و

رأس كل شر، يأتي على شاربها ساعة يسلب لبه فلا يعرف ربه، و لا يترك معصية

كلمة التقوى، ج 6، ص: 366

الا ركبها و لا حرمة إلا انتهكها و لا رحما ماسة إلا قطعها، و لا فاحشة إلا أتاها، و السكران زمامه بيد الشيطان، ان أمره أن يسجد للأوثان سجد، و ينقاد حيثما قاده.

المسألة 106:

يحرم شرب كل مسكر، سواء أسكر قليله أم كثيره، و ما أسكر الكثير منه حرم شرب الكثير منه و القليل، حتى الجرعة الواحدة منه، بل حتى القطرة الواحدة، و قد تقدم في كتاب الطهارة ان المسكر المائع بالأصالة أحد أعيان النجاسة، فإذا وقعت القطرة الواحدة منه في إناء أو حب أو حوض، تنجس ما فيه من الماء إذا كان أقل من الكر و لم يجز شربه لنجاسته.

و يحرم شرب الفقاع و هو شراب خاص يتخذ من الشعير، و قد ذكرناه و ذكرنا نجاسته في المسألة المائة و الثالثة و العشرين من كتاب الطهارة، و في بعض الأحاديث عنهم (ع): هي خمرة استصغرها الناس.

المسألة 107:

يحرم كل مسكر من غير فرق بين أن يكون مائعا بالأصالة أو جامدا، و سواء كان جامدا بالأصالة فأذيب و عمل شرابا أم كان مائعا فجفف و جعل حبوبا أو دقيقا أو غيرهما، و المسكر المائع بالأصالة نجس و محرم و ان جفف صناعيا، و المسكر الجامد بالأصالة محرم و لكنه طاهر و ان اذيب صناعيا.

المسألة 108:

إذا أدخلت الصناعة بعض المسكرات المائعة بالأصالة في تركيب بعض الأشربة أو استعملته وسيلة في اذابة بعض الجامدات من أجزائه كان الشراب المعمول محرما و نجسا، سواء ظهرت فيه صفة الإسكار بالفعل أم لم تظهر. و إذا أدخلت فيه بعض المسكرات الجامدة بالأصالة كان الشراب المعمول طاهرا، فان ظهرت فيه صفة الإسكار بالفعل كان شربه محرما، و ان لم يكن مسكرا بالفعل حل شربه.

المسألة 109:

يثبت الفرض الذي تقدم ذكره بالعلم به، و بشهادة البينة العادلة بحصوله،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 367

و بقول الموثوقين من أهل الخبرة بأن ذلك الشراب أو العصير يحتوي تركيبه على الكحول المسكر، فيثبت بذلك تحريم شربه على الوجه الذي بيناه. و لا عبرة بمجرد قول البعض إذا لم يكن عن خبرة أو شهادة تعتمد على الحس و التجربة، و لا يثبت التحريم بذلك.

المسألة 110:

إذا كان الكحول مسكرا بالفعل، فهو نجس، و هو محرم: لإسكاره و لنجاسته، و كذلك الحكم فيه إذا كان مأخوذا من المسكر بالفعل، و كان أخذه منه بغير التصعيد، فيكون نجسا و محرما و ان لم يكن هو مسكرا بالفعل.

و إذا أخذ من المسكر بالفعل بنحو التصعيد و لم يكن المأخوذ مسكرا بالفعل فهو محكوم بالطهارة، و يحرم شربه إذا كان مضرا أو قاتلا كما هو المعروف.

و نتيجة لما ذكرناه، فما علم بعدم اسكاره بالفعل من أفراد الكحول و لم يكن مأخوذا من كحول غيره، فهو محكوم بالطهارة، و كذلك ما علم بأنه غير مسكر بالفعل، و قد أخذ من كحول غير مسكر، فهو محكوم بالطهارة، و كذلك ما شك في أنه منهما أو من غيرهما، و ما علم بأنه مأخوذ من المسكر بالفعل و كان أخذه منه بنحو التصعيد، فيكون طاهرا إذا لم يكن مسكرا بالفعل، فهو طاهر في جميع هذه الفروض، و يحرم شربه إذا كان مضرا أو قاتلا، و هذا هو المعروف عنه بين الناس.

المسألة 111:

إذا انقلبت الخمر خلا فذهب إسكارها و لم يبق منه أثر، و تغير طعمها الى طعم الخل، وعدها الموثوقون من أهل الخبرة خلا بعد أن كانت خمرا، طهرت بعد النجاسة، و حل أكلها و شربها بعد الحرمة، سواء كان انقلابها الى الخل بسبب تغير في صفات نفس المادة أم كان بسبب تغير بعض الحالات المحيطة بها، أم كان الانقلاب بسبب مؤثرات أخرى أدخلها الإنسان في المادة.

المسألة 112:

إذا أضاف الإنسان إلى الخمر خليطا آخر لتنقلب بسببه خلا، كما

كلمة التقوى، ج 6، ص: 368

إذا مزجها بمقدار من الخل أو بمؤثر آخر، فان كان الخليط الذي مزجه مع الخمر مستهلكا فيها بحيث عد الجميع خمرا و ليس للخليط وجود مستقل فيها، ثم انقلب الجميع بعد ذلك خلا، طهر الجميع بسبب الانقلاب من النجاسة و حل شربه بعد التحريم. و إذا كان للخليط الذي أضافه الى الخمر وجود مستقل و لم يستهلك فيها، ثم انقلب الجميع بعد ذلك خلا، أشكل الحكم بطهارته و اباحته، و الأحوط الاجتناب عنه و ان كان الأقوى طهارته بذلك و إباحته.

المسألة 113:

انقلاب الخمر بنفسها خلا من غير علاج و مزاولة عمل من الأمور المعروفة و المتعارفة في صناعة الخمر القديمة، فتترتب عليه أحكامه التي ذكرناها، و اما في المصنوعات الحديثة المعمولة في المصانع الحديثة و المبنية على قواعد الكيمياء الجديدة، فقد يكون من العسر أو من الممتنع تحقق هذا الفرض فيها.

و من الممكن أن يتحقق الفرض الثاني فيها، فتنقلب الخمر خلا بالمعالجة و بإضافة بعض العناصر المؤثرة إليها، فإذا كان الخليط الذي يضم إليها مستهلكا فيها و ليس له وجود مستقل قبل الانقلاب، حكم على الجميع بالطهارة و الإباحة إذا انقلب خلا، و إذا كان الخليط غير مستهلك ثم انقلب الجميع خلا فالأحوط الاجتناب عنه و ان كان الأقوى الطهارة و الإباحة كما قلنا في المسألة السابقة.

المسألة 114:

إذا وقعت في الخمر نجاسة أخرى و ان كانت قليلة مستهلكة كقطرات من البول أو الدم، بل و ان لم تكن للنجاسة عين و مثال ذلك أن يباشر الخمر كافر بيده أو يلاقيها بعض أجزاء الميتة أو يشرب منها كلب أو خنزير، ثم انقلبت الخمر خلا، لم تطهر الخمر بذلك على الأحوط، بل و ان لقيت شيئا متنجسا، كما إذا وضعت في إناء قد تنجس بنجاسة أخرى فلا تطهر بعد ذلك بانقلابها خلا.

المسألة 115:

إذا اعتصر الإنسان العنب و غلى عصيره بالنار حرم شربه و لا يكون

كلمة التقوى، ج 6، ص: 369

بذلك نجسا، فإذا ذهب ثلثاه بالغليان بالنار، حل شربه بعد ذلك، سواء استمر بالغليان الأول حتى ذهب الثلثان أم تعدد غليانه مرة بعد مرة حتى ذهب ثلثاه، فيحل شربه و ان غلى بعد ذلك أو ذهب أكثر من ثلثيه.

المسألة 116:

إذا نش العصير العنبي بنفسه أو بسبب آخر غير النار، أو غلى كذلك، فالأحوط لزوما الحكم بنجاسته، و لا يطهر من النجاسة إلا بانقلابه خلا، على الوجه الذي تقدم ذكره في انقلاب الخمر خلا و إذا طهر بذلك حل شربه و ان لم يذهب ثلثاه.

المسألة 117:

إذا غلى العصير العنبي بالنار و لم يذهب ثلثاه، ثم نش بعد ذلك أو غلى بغير النار حكم بنجاسته على الأحوط، و لم يطهر من النجاسة و لم يحل شربه بذهاب ثلثيه، فإذا انقلب خلا طهر و حل شربه و ان لم يذهب ثلثاه، و الأحوط استحبابا اجتناب شربه حتى يذهب ثلثاه بالغليان بالنار.

المسألة 118:

إذا غلى عصير الزبيب بالنار لم ينجس بذلك و لم يحرم على الأقوى، و ان لم يذهب ثلثاه، و إذا نش أو غلى بغير النار، فالأحوط لزوما الحكم بنجاسته، و لم يطهر الا بانقلابه خلا، فإذا انقلب خلا، طهر من النجاسة و حل شربه و ان لم يذهب ثلثاه.

المسألة 119:

لا يحرم و لا ينجس عصير التمر و ان غلى، سواء كان غليانه بنفسه أم بالشمس أم بالنار أم بسبب آخر فيجوز أكله و ان لم يذهب ثلثاه.

المسألة 120:

لا يحرم و لا ينجس ما في جوف حبة العنب من الماء إذا غلى بالنار أو بغيرها، و كذلك ما في حبه الزبيب و الكشمش إذا اتفق ذلك فيها، على أن حصول العلم بغليان ما في جوف الحبة متعذر غالبا و خصوصا في الزبيب.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 370

المسألة 121:

الزبيب هو العنب بعد أن يجف ماؤه، و من المعلوم أنه إذا اعتصر بعد جفافه لم تخرج منه عصارة كما هو المعروف من معنى العصير، فالمراد من العصير الزبيبي أن ينقع الزبيب في الماء حتى يكتسب الماء حلاوة الزبيب، ثم يعتصر الزبيب و الماء، و تؤخذ العصارة، أو يدق الزبيب وحده أو يمرس باليد أو الآلة، ثم يغمر بالماء و تستخرج العصارة من الجميع، و على أي حال فحكمه هو ما ذكرناه في المسألة المائة و الثامنة عشرة.

المسألة 122:

إذا جعل الزبيب أو الكشمش في المرق ثم طبخ الجميع لم ينجس الزبيب و الكشمش و لا المرق و لم يحرم أكلهما كما ذكرنا في المسألة المائة و العشرين، و ان انتفخ الحب بسبب البخار، و كذلك إذا وضع في المأكولات الأخرى كالمحشى و الكبة و غيرهما فلا حرمة و لا نجاسة على الأقوى.

المسألة 123:

إذا غلى العصير العنبي بالنار حرم أكله و شربه كما ذكرنا في المسألة المائة و الخامسة عشرة و لا يكون حلالا الا بذهاب ثلثيه بالغليان بالنار، و لا يكفي أن يذهب ثلثاه بغير غليان، و لا يكفي أن يذهب ثلثاه بالغليان بغير النار.

و لا يكفي- على الأحوط- أن يذهب بعض الثلثين بنفس غليانه بالنار، ثم يذهب بقية الثلثين بالحرارة الباقية فيه بعد سكون الغليان و رفعه عن النار.

المسألة 124:

إذا أضيف إلى العصير مقدار من الماء ثم غلي بالنار فلا يحل أكله أو شربه حتى يذهب ثلثا العصير نفسه، و لا يكفي أن يذهب ثلثا المجموع من العصير و الماء، فإذا كان العصير عشرة أرطال و أضيف إليه عشرون رطلا من الماء لم يكف في حله أن يذهب منه بالغليان عشرون

كلمة التقوى، ج 6، ص: 371

رطلا و تبقى عشرة أرطال، بل لا يحل حتى يكون الباقي منه ثلث العشرة، و هي مقدار نفس العصير.

المسألة 125:

إذا غلى العصير بالنار فأصبح دبسا غليظا قبل أن يذهب ثلثاه، لم يحل أكله بذلك حتى يذهب بقية ثلثيه بالغليان، فإذا أضيف إليه مقدار من الماء ليغلي معه فلا بد و أن يغلي حتى يبقى ثلث العصير وحده، و لا يكفي أن يذهب ثلثا المجموع منه و من الماء كما قلنا.

المسألة 126:

إذا طبخ العصير العنبي بالنار و لم يذهب ثلثاه بالغليان، ثم أضاف إليه مقدارا آخر من العصير غير المغلي، لم يحل أكله و لا شربه حتى يغلي الجميع بالنار الى أن يذهب الثلثان من مجموع ما بقي من العصير الأول و ما أضافه اليه من العصير الثاني، و لا يحتسب المقدار الذي ذهب بالغليان قبل اضافة الثاني.

فإذا كان العصير الأول عشرة أرطال، و ذهب بالغليان منه رطل واحد، ثم أضاف إليه تسعة أرطال أخرى، فقد أصبح المجموع ثمانية عشر رطلا، و لا يحل أكله و شربه حتى يطبخ بالنار و يذهب منه اثنا عشر رطلا، و يبقى منه ستة أرطال، و لا يحسب الرطل الواحد الذي ذهب بالغليان الأول.

و أحوط من ذلك أن يغلي كل واحد من العصيرين مستقلا عن الآخر، فيغلي الأول حتى يتم ذهاب ثلثيه و لا يضيف اليه العصير الآخر، و يغلي الثاني منفردا عن الأول حتى يذهب ثلثاه، ثم يجمع بينهما إذا شاء.

المسألة 127:

إذا غلى عصير العنب بنفسه أو بوسيلة أخرى غير النار كالشمس أو حرارة الهواء و شبههما أو نش كذلك فقد تقدم أن الأحوط لزوما الحكم بنجاسته و حرمته، و لا يحكم بطهارته و اباحته حتى ينقلب خلا و هذا هو حكمه في هذا الحال سواء أضيف إليه ماء أو عصير آخر مطبوخ أو غير مطبوخ أم لم يضف إليه شي ء فإذا انقلب الجميع خلا طهر الجميع

كلمة التقوى، ج 6، ص: 372

و حل شربه، و يطهر معه ما يكون فيه بحسب العادة من حبات عنب أو طين قليل أو ثفل أو رواسب يتعارف وجودها فيه و لا ينفك عنها غالبا.

و هذا هو الحكم أيضا في عصير الزبيب إذا

نش أو غلى بغير النار و قد ذكرناه في المسألة المائة و الثامنة عشرة.

المسألة 128:

الظاهر انه لا فرق في الحكم بين النار التي تتولد من طاقة الكهرباء و سواها، فإذا طبخ العصير على آلة كهربائية تولد النار كان له الحكم الذي ذكرناه للمغلي على النار فلا يحل أكله و شربه حتى يذهب ثلثاه بالغليان بالنار و لا يجري فيه حكم المغلي بغير النار، و كذلك في عصير الزبيب.

المسألة 129:

إذا جعلت في عصير العنب بعض قطع الفاكهة كالسفرجل و التفاح و شبه ذلك ثم طبخ العصير و ما معه بالنار حرم شربه و أكل ما فيه، فإذا غلى الجميع حتى ذهب ثلثا العصير بالغليان حل شربه و أكله و أكل ما فيه، و المراد ان يذهب الثلثان من العصير حتى ما في جوف قطع الفاكهة منه.

و إذا نش العصير أو غلى بغير النار حكم عليه و على ما فيه بالنجاسة و الحرمة على الأحوط، و إذا انقلب العصير خلا لم يطهر ما فيه من قطع الفاكهة، فلا يطهر العصير نفسه أيضا لملاقاته المتنجس.

و إذا أخرجت القطع المتنجسة جميعا عن العصير قبل انقلابه ثم انقلب العصير وحده بعد ذلك خلا حكم عليه بالطهارة و الإباحة.

المسألة 130:

إذا غلى عصير العنب بالنار حرم شربه و أكله حتى يذهب ثلثاه بالغليان كما ذكرناه أكثر من مرة، و يثبت ذهاب الثلثين منه بالعلم بذلك، و بشهادة البينة العادلة به، فإذا علم الرجل بأن العصير قد ذهب منه ثلثاه بالغليان أو شهدت به البينة جاز له شربه و أكله و إطعامه للآخرين و ترتيب الآثار الأخرى على حله.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 373

و كذلك إذا أخبره صاحب اليد على العصير بذلك، و كان المخبر مسلما و لا يستحل العصير المطبوخ قبل ذهاب ثلثيه، فيقبل قوله و يصح له ان يرتب الآثار على صدقه.

و يشكل الاكتفاء بمجرد كونه صاحب يد إذا هو لم يخبر بذهاب الثلثين، فلا يصح له أخذ العصير منه و ترتيب آثار الحل عليه على الأحوط، و ان كان مسلما و ممن يعتقد بحرمة العصير المطبوخ قبل ذهاب ثلثيه.

و يشكل الاعتماد على قوله إذا أخبر بحلية العصير المطبوخ

أو بذهاب ثلثيه إذا كان ممن يختلف معه في الاجتهاد أو التقليد فهو يكتفي في حل العصير بصيرورته دبسا عن ذهاب الثلثين، فالأحوط الاجتناب في هذه الصورة و خصوصا مع التهمة، فلا يعتمد على قوله.

المسألة 131:

إذا علم الرجل بإسكار العصير أو شهدت له البينة بذلك أو ثبت بقول أهل الخبرة حكم بنجاسته و حرمته، و لم يطهر و لم يحل شربه حتى ينقلب خلا، و لا فرق في هذا الحكم بين عصير العنب و الزبيب و التمر و غيرها من أقسام العصير، و لا فرق بين أن يكون ذلك قبل الطبخ أو بعده.

المسألة 132:

يحل شرب عصير العنب إذا لم تحدث فيه حالة النشيش أو الغليان، و لم يك مسكرا و لا ممزوجا بمسكر أو بمحرم آخر، و كذلك في عصير الزبيب، و قد ذكرنا الحكم في عصير التمر في المسألة المائة و التاسعة عشرة.

المسألة 133:

يجوز شرب جميع ما يعتصر من الفواكه الأخرى و المخضرات و النباتات و جميع الأشربة التي تستحضر منها أو من غيرها أو تصعد منها أو من غيرها، إذا لم تكن مسكرة أو ممزوجة بمسكر أو بمحرم آخر أو مأخوذة من مسكر أو محرم بغير التصعيد و لم تكن مضرة، و كذلك الحكم في المياه الغازية المتداولة في هذه الأزمان.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 374

المسألة 134:

يحل شرب المياه المعدنية التي تنفجر بها بعض العيون و تعلق بها رائحة بعض المعادن أو بعض طعومها كماء الكبريت و نحوه، و إذا كانت مضرة حرمت للضرر.

المسألة 135:

يجوز أكل ربوب الثمار و الفواكه، و هي ما يخثر من عصيرها مثل رب الرمان و رب التفاح و التوت و غيرها، و يجوز أكل المربيات، و هي ما يطبخ من قطع الفواكه و الثمار مع السكر، مثل مربى السفرجل و مربى الخوخ و التين و غيرها، و لا يمنع من أكلها أن يشم منها رائحة المسكر، ما لم تكن مسكرة بالفعل أو تمزج به أو بمحرم آخر.

المسألة 136:

قد يعلق بالماء من رواسب قاع النهر أو قاع الهور و الآجام، من طين متغير الرائحة أو نبات متعفن، أو تجمع في السمك و بيوضه و صغاره من محلل و محرم، و من بعض الحشرات، فلا يحرم بذلك شرب الماء و ان تغيرت بسبب ذلك رائحته أو لونه، و إذا كان مضرا حرم شربه لضرره.

المسألة 137:

لا يجوز للإنسان أن يأكل أو يشرب من طعام الغير و شرابه إلا بإذنه أو رضاه، من غير فرق بين المسلم و الكافر إذا كان ممن يحترم الإسلام ماله كالذمي و المعاهد.

المسألة 138:

يجوز للإنسان إذا مر في طريقه بنخل مثمر أو بشجر مثمر للغير ان يأكل من الثمر بمقدار شبعه، من غير فارق بين ان يأكل من النخلة أو الشجرة نفسها أو مما تساقط منها، و سواء كان مضطرا إلى الأكل منه أم لا، شريطة ان لا يفسد الثمر أو الأغصان أو الأرض، أو يفسد شيئا من ممتلكات صاحب المال، و لا يجوز له ان يحمل معه شيئا من الثمرة و ان كان قليلا.

و يختص هذا الحكم بثمرة النخيل و الشجر، فلا يجوز ذلك في الخضر و المزروعات الأخرى على الأحوط لزوما، و لا يتعدى الحكم بالجواز الى

كلمة التقوى، ج 6، ص: 375

النخيل و الشجر النادر الذي يعتز المالك بثمرته، فلا يحل التناول منه على الأحوط بل على الأقوى. و قد ذكرنا تفصيل ذلك و الأحكام التي تتعلق به في المسألة الأربعمائة و الحادية و الأربعين من كتاب التجارة و ما بعدها فلتراجع.

المسألة 139:

يجوز للإنسان أن يأكل من البيوت الخاصة التي ذكرتها الآية الحادية و الستون من سورة النور من غير حاجة الى الاذن من أهل هذه البيوت و إحراز الرضا منهم، و الآية الكريمة المشار إليها، هي قوله تعالى:

(لَيْسَ عَلَى الْأَعْمىٰ حَرَجٌ، ..، وَ لٰا عَلىٰ أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ، أَوْ بُيُوتِ آبٰائِكُمْ، أَوْ بُيُوتِ أُمَّهٰاتِكُمْ، أَوْ بُيُوتِ إِخْوٰانِكُمْ، أَوْ بُيُوتِ أَخَوٰاتِكُمْ، أَوْ بُيُوتِ أَعْمٰامِكُمْ، أَوْ بُيُوتِ عَمّٰاتِكُمْ، أَوْ بُيُوتِ أَخْوٰالِكُمْ، أَوْ بُيُوتِ خٰالٰاتِكُمْ، أَوْ مٰا مَلَكْتُمْ مَفٰاتِحَهُ، أَوْ صَدِيقِكُمْ، لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتٰاتاً.).

فيجوز للإنسان أن يأكل من هذه البيوت المذكورة و يجوز له أن يشرب منها و لا يتوقف حل أكله و شربه منها على إذن أربابها و إحراز

رضاهم، بل يحل له ذلك في حال الاختيار منه و ان لم يك مضطرا، و في حال الشك في رضاهم و عدمه، الا أن يعلم بعدم الرضا منهم أو يظن بذلك، فلا يجوز له الأكل حين ذلك.

و المراد بما ملكتم مفاتحه بيت موكل الإنسان الذي فوض إليه أمر بيته و ادارة شؤون البيت و حفظه، و في عطف هذه البيوت في الآية الكريمة على بيت الإنسان نفسه دلالة عميقة على قوة الصلة و شدة الارتباط بين الإنسان و أرحامه الذين ذكرتهم الآية، و بينه و بين صديقه حين تكون صداقتهما صادقة قائمة على الحب في اللّٰه و الولاية فيه، و هذا هو الذي يريده الإسلام للأصدقاء في المجتمع المسلم، و بينه و بين من ملكه مفاتح بيته و ائتمنه على حفظه و إدارته و هي صداقة و معاملة تقومان على الصدق و الولاية في اللّه. و كذلك في قوله تعالى لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتٰاتاً، فيصح له أن يأكل من البيت مع صاحب البيت أو منفردا عنه أو مع عدم حضوره بلا حرج و لا جناح

كلمة التقوى، ج 6، ص: 376

و في ذلك من الدلالة على عمق الصلة التي ينطبع عليها المجتمع المسلم.

نعم لا يتناول الإذن بالأكل أو الشرب من هذه البيوت: أن يأكل الإنسان ما يعتز به صاحب البيت أو يحتفظ به لبعض الخاصة من الضيوف مثلا و ذوي المنزلة الذين يعتني بتكريمهم، فلا يجوز له أن يأكل منه الا بإذن صاحب البيت و رضاه، و لا يتعدى الاذن الى غير البيوت كالمحلات و الدكاكين و البساتين، فلا يأكل منها الا بإذن صاحبها و لا يجوز له أن يشتري من

السوق مثلا بعض الأشياء ليأكلها في البيت و يدفع صاحب البيت ثمنها، أو يؤخذ الثمن من البيت، فلا يحل ذلك بغير اذن، و لا يتجاوز الاذن نفس الإنسان، فلا يجوز له ان يطعم ضيوفه الخاصين به مثلا من تلك البيوت بغير إذن.

المسألة 140:

يجوز للزوجة أن تأكل من بيت زوجها من غير اذنه، و لعلها داخلة في قوله تعالى أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ، فان بيت الزوج هو بيت الزوجة، فيجوز لها أن تأكل منه و تشرب كما تقدم و يجوز لها أن تتصدق منه و في ذلك فروض و تفصيل يتعرض لها في فصل النفقات من كتاب النكاح، و إذا كان للزوج بيتان أو أكثر و كانت الزوجة في أحد بيوته جاز لها الأكل و الشرب منه كما تقدم، و هل لها أن تأكل و تشرب من بيوته الأخرى بغير اذنه؟

فيه تأمل و لا بد من مراعاة الاحتياط.

و يجوز للأب و الأم أن يأكلا من بيت ولدهما على النهج الذي ذكرناه في بقية الأرحام، و الأكل و الشرب من البيوت التي ذكرتها الآية الكريمة انما هو حق شرعي أنساني للشخص في هذه البيوت و ليس من النفقة و لذلك فلم يختص بمن تلزم نفقته و لم يشترط بشروطها، فيجوز للإنسان و ان كان غنيا أن يأكل من هذه البيوت و ان كان صاحب البيت فقيرا، و لعل ذلك يكون أبلغ في أحكام الصلة و توثيقها حين تنقى الضمائر.

المسألة 141:

إذا اضطر الإنسان إلى أكل أي محرم من المحرمات أو الى شربه، جاز

كلمة التقوى، ج 6، ص: 377

له تناول ذلك المحرم للضرورة إذا لم يكن الإنسان باغيا و لا عاديا، و لا اثم عليه في تناوله، و سيأتي توضيح جميع مقاطع المسألة.

المسألة 142:

الاضطرار للمحرم ان يتوقف على أكله أو على شربه حفظ نفس الإنسان من التلف و الهلاك المتيقن، أو المظنون أو المحتمل، احتمالا يعتد به الناس العقلاء و يحذرونه و يتفادون عن وقوعه، أو يكون عدم أكل ذلك المحرم أو شربه سببا لحدوث مرض مهلك أو شديد لا يتحمل عادة، و يكون حدوث المرض متيقنا أو مظنونا أو محتملا احتمالا يحذر العقلاء من وقوعه، و يسعون للتخلص و النجاة منه.

أو يكون ترك أكل المحرم أو ترك شربه سببا لطروء ضعف شديد يؤدي الى التلف أو الى مرض لا يتحمل عادة أما قطعا أو ظنا أو احتمالا يخاف منه على نحو ما تقدم، أو يكون الضعف المذكور موجبا للتخلف في السفر عن رفقته فيكون موجبا للعطب المقطوع به أو المخوف وقوعه.

المسألة 143:

من الاضطرار المبيح لتناول المحرم: أن تخاف المرأة الحامل إذا هي لم تأكل الشي ء المحرم أو لم تشربه على جنينها من الموت أو السقوط، يقينا أو ظنا أو احتمالا يخشى وقوعه، و من الاضطرار: أن تخاف المرأة المرضعة إذا هي تركت أكل المحرم أو شربه ان ينقطع لبنها فيكون ذلك سببا لهلاك طفلها.

و من الضرورة المبيحة للمحرم: أن يخشى المريض إذا هو ترك أكل المحرم أو شربه ان تطول مدة مرضه الذي لا يتحمل عادة أو يعسر علاجه على النحو المتقدم في نظائره، فيباح للإنسان أن يتناول المحرم في الصور المفروضة في هذه المسألة و في سابقتها.

المسألة 144:

من الضرورة: أن يكره ظالم إنسانا على أكل المحرم أو على شربه و يتوعده إذا هو خالف و لم يفعل أن يوقعه في المحذور في نفسه أو في نفس محترمة أخرى، أو في عرضه أو في عرض محترم، أو في ماله

كلمة التقوى، ج 6، ص: 378

أو في مال محترم يكون فوته موجبا للوقوع في الحرج، و من الضرورة:

أن يتقي الرجل من أحد تقية تسبب له نظير ما تقدم ذكره في الإكراه، فيباح له تناول المحرم.

المسألة 145:

إذا توقف حفظ نفس الإنسان أو سلامة حياته عن التلف أو عن القتل على أكل محرم أو على شربه، وجب عليه أكله و شربه و لم يجز له التنزه عنه في هذه الصورة، و لا فرق في هذا الحكم بين الخمر و غيرها من المشروبات المحرمة، و لا بين الطين و غيره من المأكولات المحرمة، فإذا عطش الرجل و خاف الهلاك من العطش و لم يجد غير الخمر، وجب عليه شربه، و إذا جاع حتى خشي الموت من شدة الجوع و لم يجد ما يأكله غير الطين وجب عليه أكله و لم يجز له التنزه عنهما.

المسألة 146:

يشترط في إباحة أكل المحرم للإنسان و شربه عند الاضطرار اليه أن لا يكون باغيا و لا عاديا، و الباغي هو الذي يخرج على الإمام الحق العادل، و من يخرج الى الصيد بطرا و لهوا، و العادي هو قاطع الطريق، و قد يلحق به السارق، فإذا اضطر الرجل الى تناول المحرم و كان باغيا أو عاديا لم يجز له التناول منه و يكون آثما عاصيا في تناوله، و ان أجاز له العقل أن يتناول منه تقديما لأخف المحذورين على أشدهما، و لكن العقاب الشرعي لا يسقط عنه بذلك، على اشكال في الخارج عن طاعة الإمام في ذلك فهو ممن يباح قتله، فلا يجوز حفظ نفسه عقلا.

المسألة 147:

إذا اضطر الإنسان إلى أكل محرم أو الى شربه وجب عليه أن يتناول المقدار الذي ترتفع به الضرورة خاصة و لا يحل له أن يزيد على ذلك، فإذا عطش حتى خشي الهلاك من العطش جاز له أن يشرب من المحرم ما ترتفع به شدة عطشه عنه و ينجيه من الهلاك و لا تباح له الزيادة عليه، و إذا جاع حتى خاف الموت من الجوع حل له أن يأكل من المحرم الذي يجده ما يسد به رمقه و يحفظه من الموت جوعا، و لا يزد على ذلك.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 379

و إذا اضطر الى أكثر من ذلك جازت له الزيادة بمقدار ما تحتمه الضرورة، و لا يتجاوز أقل ما تتأدى به الضرورة.

المسألة 148:

لا يجوز للمريض أن يتداوى بالمأكولات أو المشروبات المحرمة أو الممزوجة بالمحرم إذا وجد الدواء المحلل و لم ينحصر علاج مرضه بالمحرم، و إذا انحصر علاجه بشرب المحرم أو أكله و لم يوجد له دواء محلل التناول جاز للمريض تناول المحرم و التداوي به، و المدار في الانحصار و عدم الانحصار هو حكم الأطباء الحذاق الثقات، و قول أهل الخبرة الموثوقين بعد تعيين المرض، و المدار أيضا هو الانحصار و عدم الانحصار في ما يوجد بأيدي الناس من العلاجات و الأدوية، فقد لا يوجد للمرض دواء آخر في بلد و يوجد له في بلد آخر، فإذا لم يمكن جلب الدواء من بلده الى بلد المريض كان دواؤه منحصرا في المحرم.

المسألة 149:

الظاهر انه يجوز للمريض الشديد المرض ان يتداوى عنه بتناول الخمر أو المسكر، إذا علم بأن مرضه و ان كان شديدا أو مهلكا، الا أنه قابل للعلاج، فهو مهلك أو شديد إذا لم يعالج، و قابل للبرء إذا عولج، و علم كذلك بأن علاجه من المرض ينحصر بتناول المسكر و لا دواء له غيره، فإذا علم المريض بذلك من قول حذاق الأطباء أو أهل الخبرة الموثوقين، جاز له التداوي به.

غير أن هذا الفرض بعيد التحقق جدا في هذه الأزمنة، فإن انحصار العلاج بالمسكر وحده بعد تقدم الطب و توفر وسائل العلاج في غاية البعد إذا لم يكن ممتنعا، فيجب التثبت و الفحص و التوقي بما يستطاع، و إذا ثبت انحصار الدواء به جاز تناوله.

المسألة 150:

إذا اضطر الإنسان إلى الأكل أو الشرب من مال غيره لسد رمقه بحيث لم يجد ما يأكل أو يشرب غير ذلك المال، و الصور التي يحتمل فرضها في المسألة ثلاثة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 380

الصورة الأولى: أن يكون صاحب المال حاضرا، و أن يكون مضطرا أيضا الى أكل ذلك المال أو الى شربه، و مثال ذلك أن يكون الرجلان معا في مفازة و لا يجدان فيها ما يأكلان أو يشربان غير ذلك المال الذي يملكه أحدهما.

و الظاهر في هذه الصورة انه يجب على مالك المال أن يختص به لنفسه و لسد ضرورته، و لا يجوز له بذله للمضطر الآخر بعد ان كان و هو مالك المال مضطرا كاضطراره، و لا يكون هذا من موارد الإيثار على نفسه، و لا يحق للمضطر الآخر أن يقهره و يأخذ المال منه، و إذا قهره و أخذ المال منه كان آثما و ضامنا، و ان

كان مضطرا.

المسألة 151:

الصورة الثانية: أن يكون صاحب المال حاضرا و غير مضطر إلى أكل المال أو شربه، و الأحوط لزوما في هذا الفرض أن يبذل المالك ماله للمضطر، و لا يتعين عليه أن يكون البذل مجانا من غير عوض بل يصح له أن يشترط عليه دفع العوض.

و إذا امتنع المالك عن بذل المال للمضطر بعوض و بغير عوض جاز له قهره على البذل، و لا يجوز له ان يقهره على البذل بدون عوض.

و إذا بذل المالك للمضطر المال و اشترط عليه دفع العوض و قدره له صح له ذلك، سواء كان العوض الذي قدره أقل من ثمن المثل أم مساويا له أم زائدا عليه، إذا لم تكن الزيادة موجبة للحرج على المضطر، و إذا بذل المالك المال للمضطر و اشترط عليه العوض و لم يقدره بمقدار، أخذ المضطر المال و وجب عليه دفع قيمة المال إذا كان قيميا و دفع مثله إذا كان مثليا.

و إذا اشترط العوض و تعين القدر بأحد الوجوه المتقدمة و طالب المالك المضطر و كان قادرا على دفعه وجب عليه الدفع، و إذا كان غير قادر بقي في الذمة و توقع حصول الميسرة، و إذا كان المال مثليا و كانت له قيمة في حال الاضطرار كالماء في المفازة ثم سقطت قيمته عند وجود المثل كالماء بعد الوصول الى النهر و مجاري العيون، كان الحكم في

كلمة التقوى، ج 6، ص: 381

الفرض هو ما بيناه في المسألة الثانية و الأربعين من كتاب الغصب فليرجع الى ما فصلناه فيها.

المسألة 152:

الصورة الثالثة: أن يكون صاحب المال غائبا حال اضطرار المضطر إلى الأكل من ماله، و الحكم في هذه الصورة انه يجوز للمضطر أن يأكل أو يشرب

من المال ما يسد به رمقه لا أكثر، و يجب عليه ان يقدر العوض تقديرا صحيحا و يجعله في ذمته بدلا عما تناول من المال، و لا يجوز له أن يجعل العوض أقل من ثمن المثل.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 6، ص: 381

و لا يترك الاحتياط بأن يراجع الحاكم الشرعي في ذلك مع الإمكان، و إذا لم يمكنه ذلك رجع به الى عدول المؤمنين.

المسألة 153:

يحرم الأكل على مائدة يشرب عليها الخمر أو يشرب عليها شي ء من المسكرات أو الفقاع، بل الأحوط لزوما عدم الجلوس على المائدة و ان لم يأكل منها شيئا.

المسألة 154:

يحرم الأكل و الجلوس على مائدة يرتكب عليها شي ء من معاصي اللّه إذا كان في ترك الأكل و في ترك الجلوس عليها نهي عن المنكر، و يحرم الأكل و الجلوس عليها إذا كان في الجلوس مع أصحابها و في الأكل من مائدتهم تشجيع لهم على ارتكاب المآثم أو تهوين لأمر المنكر عندهم أو إغراء لآخرين بالاقتداء بهم.

الفصل الرابع في خصائص بعض المطعومات و المشروبات

المسألة 155:

ينبغي إكرام الخبز سواء كان من الحنطة أم الشعير، ففي الحديث عن الإمام أبي عبد اللّه (ع) قال قال النبي (ص): أكرموا الخبز، فإنه قد عمل فيه ما بين العرش إلى الأرض و الأرض و ما فيها من كثير من خلقها.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 382

و عنه (ص): انه قال: أكرموا الخبز، قيل يا رسول اللّٰه و ما إكرامه؟

قال: إذا وضع لا ينتظر به غيره، الى ان قال: و من كرامته أن لا يوطأ، و لا يقطع، و المراد أن لا يقطع بالسكين، و قد تكرر في الروايات النهي عن ذلك و هي دالة على كراهة ذلك.

و يكره وضع الرغيف تحت القصعة، و تحرم اهانة الخبز و دوسه بالأرجل بقصدها، بل تحرم اهانة غيره مما أنعم اللّٰه به على الناس من المطعومات و الأحاديث به كثيرة و دلالتها عليه واضحة.

المسألة 156:

عن أبي عبد اللّه (ع) انه قال: في التمرة و الكسرة تكون في الأرض مطروحة فيأخذها إنسان و يأكلها لا تستقر في جوفه حتى تجب له الجنة، و عنه (ع): قال رسول اللّه (ص): من وجد تمرة أو كسرة ملقاة فأكلها لم تستقر في جوفه حتى يغفر اللّٰه له، و عنه (ع): قال دخل رسول اللّه (ص) على بعض أزواجه فرأى كسرة كاد أن يطأها، فأخذها و أكلها و قال: يا فلانة أكرمي جوار نعم اللّٰه عليك فإنها لم تنفر عن قوم فكادت تعود إليهم.

المسألة 157:

في الرواية: كان علي بن الحسين (ع) يحب أن يرى الرجل تمريا، لحب رسول اللّه (ص) التمر، و عن أبي عبد اللّه (ع): ما قدم الى رسول (ص) طعام فيه تمر الا بدأ بالتمر.

و عنه (ص): انه قال لعلي (ع): انه ليعجبني الرجل أن يكون تمريا.

و في المرفوعة: من أكل التمر على شهوة رسول اللّه (ص) إياه لم يضره.

و عن علي (ع) قال: خالفوا أصحاب المسكر و كلوا التمر فان فيه شفاء من الأدواء.

المسألة 158:

في بعض الأحاديث عن أبي عبد اللّه (ع) قال: خمسة من فاكهة الجنة في الدنيا: الرمان الملاسي، و التفاح الشيقان، و السفرجل، و العنب الرازقي، و الرطب المشان.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 383

و عن أبي جعفر (ع): قال: أربعة نزلت من الجنة، العنب الرازقي، و الرطب المشان، و الرمان الملاسي، و التفاح الشيقان.

و عن أبي عبد اللّه (ع) قال: يا أهل الكوفة لقد فضلتم الناس في المطعم بثلاث: سمككم هذا البناني، و عنبكم هذا الرازقي، و رطبكم هذا المشان.

المسألة 159:

ورد عن الامام جعفر بن محمد (ع) قال: شكا نبي من الأنبياء الى اللّه عز و جل الغم، فأمره عز و جل بأكل العنب. و قال (ع): ان نوحا شكا الى اللّه الغم، فأوحى اللّه اليه: كل العنب فإنه يذهب بالغم.

المسألة 160:

عنه (ع) قال: الزبيب يشد العصب و يذهب بالنصب و يطيب النفس.

و عن الإمام أبي الحسن الرضا (ع) عن آبائه عن النبي (ص) عليكم بالزبيب فإنه يكشف المرة و يذهب بالبلغم و يشد العصب و يذهب بالإعياء، و يحسن الخلق و يطيب النفس و يذهب بالغم.

المسألة 161:

عن أبي عبد اللّه (ع): عليكم بالرمان فإنه لم يأكله جائع إلا أجزأه و لا شبعان الا امرأه.

و عنه (ع): من أكل الرمان طرد عنه شيطان الوسوسة.

و عن النبي (ص): الرمان سيد الفاكهة.

و عن أبي عبد اللّه (ع) قال: كلوا الرمان بشحمه فإنه يدبغ المعدة و يزيد في الذهن.

المسألة 162:

عن أحدهم (ع): كل التفاح فإنه يطفئ الحرارة، و يبرد الجوف، و يذهب بالحمى.

و عن الامام الصادق (ع): لو يعلم الناس ما في التفاح ما داووا مرضاهم الا به. و عنه (ع): أطعموا محموميكم التفاح، فما من شي ء أنفع من التفاح.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 384

المسألة 163:

عن أبي إبراهيم (ع): ان رسول اللّه (ص) قال لجعفر، يا جعفر، كل السفرجل فإنه يقوي القلب و يشجع الجبان، و في الخصال: أكل السفرجل قوة للقلب الضعيف و يطيب المعدة و يزيد في قوة الفؤاد و يشجع الجبان و يحسن الجلد.

و عن أبي عبد اللّه (ع): السفرجل يذهب بهم الحزين كما تذهب اليد بعرق الجبين.

و عن الرسول (ص): عليكم بالسفرجل فإنه يجلو القلب و يذهب بطخاء الصدر.

و عن أحدهم (ع): عليكم بالسفرجل فكلوه فإنه يزيد في العقل و المروة.

المسألة 164:

عن أبي الحسن الرضا (ع): التين يذهب بالبخر و يشد العظم، و ينبت الشعر و يذهب بالداء و لا يحتاج معه الى دواء، و قال (ع):

التين أشبه شي ء بنبات الجنة.

المسألة 165:

عن أبي الحسن موسى بن جعفر (ع) قال: كان في ما أوصى به آدم ولده هبة اللّٰه ان قال له: كل الزيتون فإنه من شجرة مباركة.

و عن أبي عبد اللّه (ع): أنه ذكر عنده الزيتون فقال رجل: انه يجلب الرياح، فقال: لا و لكن يطرد الرياح، و عنه (ع): الزيتون يزيد في الماء.

المسألة 166:

عن أبي عبد اللّه (ع): كلوا الكمثرى فإنه يجلو القلب و يسكن أوجاع الجوف باذن اللّه.

و عنه (ع) الكمثرى يدبغ المعدة و يقويها، و هو و السفرجل سواء، و هو على الشبع أنفع منه على الريق.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 385

المسألة 167:

عن إبراهيم بن عمر اليماني، قال: قلت لأبي عبد اللّه (ع): انهم يزعمون ان الأترج على الريق أجود ما يكون، فقال أبو عبد اللّه (ع):

ان كان قبل الطعام خيرا، فبعد الطعام خير و خير.

و عنه (ع): كلوا الأترج بعد الطعام، فان آل محمد يفعلون ذلك.

و عن أبي الحسن الرضا (ع): ان رسول اللّه (ص) كان يعجبه النظر إلى الأترج الأخضر و التفاح الأحمر.

المسألة 168:

ورد عن الإمام أبي عبد اللّه (ع): كلوا البطيخ فان فيه عشر خصال مجتمعة، هو شحمة الأرض لاداء فيه و لا غائلة، و هو طعام و شراب، و هو فاكهة، و هو ريحان، و هو أشنان، و هو أدام، و يزيد في الباه، و يغسل المثانة و يدر البول.

و عن أبي الحسن الأول (ع): قال أكل رسول اللّه (ص) البطيخ بالسكر، و أكل البطيخ بالرطب.

و عن أبي عبد اللّه (ع): كان النبي (ص) يعجبه الرطب بالخربز.

(و هو البطيخ، أو هو نوع منه).

و في العيون عن الرضا (ع) قال: أتي النبي (ص) ببطيخ و رطب فأكل منهما و قال: هذان الأطيبان.

المسألة 169:

تولد مع الزمان مئات الأجناس و الأنواع و الأصناف من الفواكه، مختلفة الطعوم و الاشكال و العطور و المنافع، و متشابهاتها، و قد عرفها الإنسان و جربها، و أفاد منها، و دله الطب الحديث و بعض العلوم الأخرى على الكثير الجم من فوائدها و منافعها، و كلها من الحلال الطيب الذي خلقه اللّه للناس من هذه الأرض، و الطيبات من الرزق التي أخرجها لعباده.

و الإنسان في هذه الأبواب و أمثالها لا يبتغي تعريفا بالنعمة، بقدر ما يبتغي تنبيها على حق المنعم، و التفاتا واعيا الى وجوب شكره و أداء

كلمة التقوى، ج 6، ص: 386

حقه، فالإنسان لربه جحود كنود، و منه سبحانه الدلالة لمعرفة النعمة و الهداية لعرفان الحق، و العون و التمكين من أداء الواجب.

المسألة 170:

في الحديث عن حنان، قال: كنت مع أبي عبد اللّه (ع) على المائدة، فمال على البقل، و امتنعت انا منه لعلة كانت بي، فالتفت الي فقال:

يا حنان اما علمت ان أمير المؤمنين (ع) لم يؤت بطبق الا و عليه بقل؟، قلت: و لم؟، قال: لأن قلوب المؤمنين خضرة فهي تحن الى شكلها.

و قد ورد عن أبي عبد اللّه (ع): الهندباء سيد البقول.

و عنه (ع) قال: بقلة رسول اللّه (ص) الهندباء، و بقلة أمير المؤمنين (ع) الباذروج (و هي الريحان) و بقلة فاطمة الفرفخ، و عنه (ع) عن الرسول (ص): عليكم بالفرفخ و هي المكيسة فإذا كان شي ء يزيد في العقل فهي.

و عنه (ع) قال: ذكر البقول عند رسول اللّه (ص) فقال: سنام البقول و رأسها الكراث و فضله على البقول كفضل الخبز على سائر الأشياء، و هي بقلتي و بقلة الأنبياء قبلي و انا أحبه.

و عنه (ع) عن رسول

اللّه (ص): عليكم بالكرفس فإنه طعام الياس و اليسع و يوشع بن نون.

و عنه (ع) قال: عليكم بالخس فإنه يصفي الدم.

و عنه (ع): الفجل أصوله تقطع البلغم و لبه يهضم، و ورقه يحدر البول حدرا.

و عنه (ع): البصل يذهب بالنصب و يشد العصب و يزيد في الخطى و يزيد في الماء و يذهب بالحمى، و في رواية أخرى انه ذكر البصل فقال (ع): يطيب النكهة و يذهب بالبلغم و يزيد في الجماع.

المسألة 171:

عن أبي عبد اللّه (ع) عن آبائه (ع): كان النبي (ص) يحب من الشراب اللبن. و عنه (ع) قال: اللبن طعام المرسلين. و عنه (ع): كان النبي (ص) إذا شرب اللبن قال: اللهم بارك لنا فيه و زدنا منه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 387

و عنه (ع): ان رجلا قال له: اني أجد الضعف في بدني فقال: عليك باللبن فإنه ينبت اللحم و يشد العظم.

و عن الإمام أبي جعفر (ع): لم يكن رسول اللّه (ص) يأكل طعاما و لا يشرب شرابا الا قال: اللهم بارك لنا فيه و أبدلنا به خيرا منه، الا اللبن، فإنه كان يقول: اللهم بارك لنا فيه، و زدنا منه، و الحديث الشريف واضح الدلالة على أن اللبن غذاء كامل كما يقول العلم الحديث، و لذلك فهو (ص) يطلب من اللّه المزيد منه، و لا يطلب غذاءا خيرا منه، و عن أبي عبد اللّه (ع): اللبن الحليب لمن تغير عليه ماء الظهر، و عن أبي الحسن (ع): من تغير له ماء الظهر، فإنه ينفع له اللبن الحليب و العسل.

المسألة 172:

روي عن الرسول (ص): كلوا الزيت و ادهنوا به فإنه من شجرة مباركة، و عن أمير المؤمنين (ع): ادهنوا بالزيت و ائتدموا به فإنه دهنة الأخيار و أدام المصطفين، سبحت بالقدس مرتين، بوركت مقبلة و بوركت مدبرة، لا يضر معها داء، و عن أبي عبد اللّه (ع) قال: الزيت طعام الأتقياء.

المسألة 173:

ورد عن أبي عبد اللّه (ع): كان رسول اللّه (ص) يعجبه العسل، و ورد عنه (ع) ما استشفى الناس بمثل العسل، و عن أمير المؤمنين: لعق العسل شفاء من كل داء، قال اللّه عز و جل يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهٰا شَرٰابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوٰانُهُ فِيهِ شِفٰاءٌ لِلنّٰاسِ، و هو مع قراءة القرآن و مضغ اللبان يذهب البلغم.

المسألة 174:

الحسو، و هو يتخذ عادة من دقيق بعض الحبوب، من جنس واحد منها أو أكثر، مع الدهن و التوابل، يطبخ بالماء حتى يكون طعاما رقيقا، و قد يحلى بالسكر أو بالعسل و نحوهما، و قد يطبخ باللبن أو يجعل فيه، و يسمى التلبين و التلبينية، ثم يحتسى.

و قد ورد عن النبي (ص): لو أغنى من الموت شي ء لأغنت التلبينة،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 388

فقيل: يا رسول اللّه (ص) و ما التلبينة؟ قال: الحسو باللبن، الحسو باللبن كررها ثلاثا. و عن أبي عبد اللّه (ع): ان التلبين يجلو القلب الحزين كما تجلو الأصابع العرق من الجبين.

المسألة 175:

قد يستعمل في المصانع الحديثة بعض الكحول في اذابة بعض الجوامد و يتخذ منه شراب معين و يعلم ذلك بقول الخبراء من أهل التحليل أو بقول الأطباء الموثوقين من أهل المعرفة بذلك، و قد يعترف به أصحاب المعامل و الشركات أنفسهم عند ما يريدون ان يذكروا للناس بعض المعلومات عن مصنوعاتهم للدعاية أو لغير ذلك.

فإذا كان النوع المستعمل في اذابة ذلك الشي ء الجامد من الكحول المسكر بالفعل، كان الشراب المستحضر منه نجسا و محرما، و إذا كان من الكحول غير المسكر، فالشراب المتخذ منه لا يكون نجسا و لا محرما، فان الكحول غير المسكر انما يكون محرما إذا كان ساما أو مضرا، و من الواضح أن المقدار الذي تستعمله الشركات و المصانع في اذابة الشي ء الجامد لتجعله شرابا مرغوبا للناس لا يكون ساما و لا مضرا، و لذلك فلا يكون الشراب المتخذ منه محرما، إلا إذا تولدت فيه صفة الإسكار بالفعل بسبب وجود تلك النسبة من الكحول فيه، فإذا أسكر كان محرما و نجسا.

و كذلك الحكم إذا لم يعلم ان

الكحول المستعمل في صناعته من أي النوعين، فلا يكون الشراب نجسا و لا محرما إلا إذا أسكر بالفعل، و إذا لم يثبت استعمال الكحول في صناعته، فالشراب طاهر و محلل ظاهرا حتى يثبت اسكاره بالفعل.

المسألة 176:

يستحب أن تغسل الفاكهة و الثمرة قبل أن تؤكل، ففي الرواية عن أبي عبد اللّه (ع): ان لكل ثمرة سما، فإذا أتيتم بها فأمسوها الماء و أغمسوها في الماء، يعني اغسلوها، و عنه (ع) انه كان يكره تقشير الثمرة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 389

و الروايتان المذكورتان علمان من أعلام الإمامة، و الخلافة الحقة للنبوة، فالإمام الصادق (ع) في الرواية الأولى يعني بالسم في الثمرة ما يعلق بها من جراثيم الهواء و الحشرات المختلفة التي تقع على الثمرة قبل ان تقطف، و لذلك فيستحب غسلها و تنقيتها من هذه السموم، و هذه حقيقة كشف عنها العلم الحديث بعد عدة قرون من حياته (ع) و لم تكن معلومة قبل ذلك.

و هو (ع): في الرواية الثانية يكره تقشير الثمرة كالتفاح و التين و الخوخ و السفرجل، لأن القشر هو الموضع الذي تتركز و تكثر فيه العناصر النافعة في الثمرة، و التي تستفيدها من أشعة الشمس و غيرها من مصادر الفيتامين و غيره من عناصر الغذاء، و هذه حقيقة ثانية دل عليها العلم بعد أن تقدمت كشوفه و نظرياته و لم تكن معروفة كذلك.

الفصل الخامس في آداب الأكل و آداب المائدة

المسألة 177:

يستحب غسل اليدين معا قبل الابتداء بالأكل، سواء كان الأكل بواحدة منهما كما هو الغالب أم كان باليدين معا، كما في بعض المآكل التي يحتاج فيه الى مباشرتهما معا، بل و ان كان الأكل بغير اليد كالملعقة و الشوكة، و سواء كان الطعام جامدا أم مائعا، كالحسو و الأمراق و شبهها.

و إذا كان الآكلون جماعة على مائدة واحدة، استحب أن يبدأ بصاحب الطعام فيغسل يديه أولا، ثم يغسل من بعده من يكون على يمينه ثم من يليه مرتبا حتى يختتم الدور بمن يكون على يسار

صاحب الطعام.

و إذا لم يكن الطعام من واحد معين كما إذا كانوا مشتركين في الطعام بينهم، أو لم يكن صاحب الطعام حاضرا أو كان صائما مثلا بدئ بالغسل بمن يكون على يمين الباب، و الأمر سهل بعد أن كان ذلك من الآداب المستحبة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 390

و يستحب ان لا يمسح الغاسل يده بالمنديل بعد غسلها قبل الطعام، فعن أبي عبد اللّه (ع): إذا غسلت يدك للطعام فلا تمسح يدك بالمنديل، فلا تزال البركة في الطعام ما دامت النداوة في اليد.

المسألة 178:

تستحب التسمية عند الشروع في الأكل، ففي الحديث عن الصادق (ع) ان الرجل المسلم إذا أراد أن يطعم الطعام فأهوى بيده و قال:

بسم اللّه و الحمد للّه رب العالمين، غفر اللّٰه عز و جل له من قبل أن تصير اللقمة الى فيه، و عن أمير المؤمنين (ع): من ذكر اسم اللّه على الطعام لم يسأل عن نعيم ذلك أبدا.

المسألة 179:

يستحب التحميد لهّٰة عند الفراغ من الأكل، و في الحديث عن الإمام أبي الحسن (ع) انه قال و قد أتي بالطعام: الحمد للّه الذي جعل لكل شي ء حدا، فقيل له ما حد هذا الطعام؟ فقال (ع) حده إذا وضع ان تسمي عليه و إذا رفع ان تحمد اللّه عليه، و الأحاديث في ذلك كثيرة جدا.

و عن داود بن فرقد عن أبي عبد اللّه (ع) في حديث التسمية على الطعام، قال: قلت له: فان نسيت أن أسمي قال (ع): تقول بسم اللّٰه على أوله و آخره، و عنه (ع): إذا حضرت المائدة فسمى رجل منهم أجزأ عنهم أجمعين، بل ورد استحباب التسمية على كل إناء و على كل لون، و عن علي (ع) انه قال: ما أتخمت قط، لأني ما رفعت لقمة إلى فمي إلا سميت.

المسألة 180:

يستحب أن يكون الأكل و الشرب باليمين، فان اليمين هي المجعولة لمهمات الأمور و الأعمال، و عن سماعة ابن مهران عن أبي عبد اللّه (ع) قال: سألته عن الرجل يأكل بشماله و يشرب بها؟، فقال (ع): لا يأكل بشماله و لا يشرب بشماله، و لا يتناول بها شيئا، و عنه (ع) قال: لا تأكل باليسرى و أنت تستطيع.

المسألة 181:

يستحب أن يكون صاحب الطعام أول من يبدأ بالأكل و آخر من يرفع

كلمة التقوى، ج 6، ص: 391

يده عنه، ففي الحديث كان رسول اللّه (ص) إذا أكل مع القوم طعاما، كان أول من يضع يده و آخر من يرفعها، ليأكل القوم.

المسألة 182:

يستحب أن يبدأ الآكل بأكل الملح قبل الطعام و يختم به، ففي الحديث، قال رسول اللّه (ص) لعلي (ع): افتتح طعامك بالملح و اختم به، فان من افتتح طعامه بالملح و ختم به عوفي من اثنين و سبعين نوعا من أنواع البلاء، و عن أمير المؤمنين (ع): ابدؤوا بالملح في أول طعامكم فلو يعلم الناس ما في الملح لاختاروه على الدرياق المجرب.

المسألة 183:

يستحب للإنسان أن يأكل بثلاث أصابع أو بأكثر من ذلك، و لا يأكل بإصبعين فقد روي عن أبي عبد اللّه (ع) أنه كان يجلس جلسة العبد و يضع يده على الأرض، و يأكل بثلاث أصابع و كان رسول اللّه (ص) يأكل هكذا، ليس كما يفعل الجبارون يأكل أحدهم بإصبعيه، و في كتاب مكارم الأخلاق عنه (ص): ان الأكل بإصبعين هو أكل الشيطان.

و في المرفوعة كان أمير المؤمنين (ع) يستاك عرضا و يأكل هرثا، و الهرث أن يأكل بأصابعه جميعا.

المسألة 184:

يستحب للإنسان حين يكون مع غيره على مائدة أن يأكل مما يليه من الطعام و لا يأخذ مما يلي غيره، فعن الرسول (ص): إذا أكل أحدكم فليأكل مما يليه، و في حديث أبي عبد اللّه (ع): و يأكل كل انسان مما يليه و لا يتناول من قدام الآخر شيئا.

المسألة 185:

يستحب للآكل تصغير اللقمة، و إجادة المضغ، ففي وصية النبي (ص) لعلي (ع) قال: يا علي اثنتا عشرة خصلة ينبغي للرجل المسلم أن يتعلمها على المائدة، الى ان قال (ص): و اما السنة فالجلوس على الرجل اليسرى و الأكل بثلاث أصابع و أن يأكل مما يليه، و مص الأصابع، و اما الأدب فتصغير اللقمة و المضغ الشديد، و قلة النظر في وجوه الناس و غسل اليدين، و قريب من ذلك ما روي عن الامام الحسن بن علي السبط (ع).

كلمة التقوى، ج 6، ص: 392

المسألة 186:

تستحب اطالة الجلوس على المائدة و إطالة مدة الأكل، ففي الرواية عن أبي عبد اللّه (ع): ما عذب اللّه عز و جل قوما و هم يأكلون، ان اللّه عز و جل أكرم من أن يرزقهم شيئا ثم يعذبهم عليه حتى يفرغوا منه، و في وصية علي لكميل بن زياد: يا كميل إذا أنت أكلت فطول أكلك يستوف من معك و ترزق منه غيرك، يا كميل إذا استويت على طعامك فاحمد اللّه على ما رزقك، و ارفع بذلك صوتك ليحمده سواك فيعظم بذلك أجرك، يا كميل لا توقر معدتك طعاما، و دع فيها للماء موضعا و للريح مجالا.

المسألة 187:

يستحب لعق الأصابع و مصها و غسل اليدين بعد الفراغ من الأكل، فقد ورد عن النبي (ص) انه كان إذا فرغ من طعامه لعق أصابعه في فيه و مصها، و ورد ذلك أيضا عن خلفائه المعصومين (ع)، و ورد عن أمير المؤمنين (ع): غسل اليدين قبل الطعام و بعده زيادة في العمر و إماطة للغمر عن الثياب، و يجلو البصر، و عن أبي عبد اللّه (ع):

اغسلوا أيديكم قبل الطعام و بعده فإنه ينفي الفقر و يزيد في العمر.

المسألة 188:

و من الآداب المستحبة مسح اليدين بالمنديل بعد غسلهما من الطعام، و الخلال من الطعام و أن يلتقط الإنسان ما يسقط من الخوان و الطبق و يأكله، فقد ورد: انه شفاء من كل داء باذن اللّه لمن أراد ان يستشفي به، و ورد: انه ينفي الفقر و يكثر الولد.

و إذا كانت المائدة في صحراء أو شبهها استحب أن يترك ما يسقط من الخوان ليأكله الطير و غيره من الحيوان.

المسألة 189:

روي عن الرسول (ص) أنه قال: تخللوا فإنه ينقي الفم و مصلحة للثة، و في حديثه (ص) لجعفر بن أبي طالب: تخلل فان الخلال يجلب الرزق.

و كان (ص) يتخلل بكل ما أصاب ما خلا الخوص و القصب، و نهى (ص) عن التخلل بالرمان و الآس و القصب و عن الصادق (ع): لا تخللوا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 393

بعود الريحان و لا بقضيب الرمان، و عن علي (ع): التخلل بالطرفاء يورث الفقر.

المسألة 190:

يستحب للإنسان أن يجيد الأكل في منزل أخيه، و ينبسط معه حتى ترتفع الحشمة بينهما، و الروايات الآمرة بذلك كثيرة، منها ما روي عن هشام بن سالم قال: دخلنا مع ابن أبي يعفور على أبي عبد اللّه (ع) و نحن جماعة، فدعا بالغداء فتغدينا و تغدى معنا، و كنت أحدث القوم سنا، فجعلت أحصر (يعني أضيق من الحياء لأكلي معهم) و انا آكل، فقال (ع) لي: كل، اما علمت أنه يعرف مودة الرجل لأخيه بأكله من طعامه.

و منها: ما روي عن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: أكلنا مع أبي عبد اللّه (ع) فأتينا بقصعة من أرز، فجعلنا نعذر (اي نقلل الأكل)، فقال (ع): ما صنعتم شيئا، ان أشدكم حبا لنا أحسنكم أكلا عندنا، قال عبد الرحمن فرفعت كفيحة منه (هكذا في بعض النسخ، و لعل فيها تحريفا، و المراد انه رفع جانبا من الأرز ليأكله من باب المطايبة و الانبساط) فقال (ع): الآن، ثم قال: ان رسول اللّه (ص) اهدي له قصعة أرز من ناحية الأنصار، فدعا سلمان و المقداد و أبا ذر رحمهم اللّه فجعلوا يعذرون في الأكل فقال: ما صنعتم شيئا، أشدكم حبا لنا أحسنكم أكلا عندنا، فجعلوا يأكلون أكلا جيدا.

المسألة 191:

روي عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن الامام الرضا (ع) انه قال: إذا أكلت فاستلق على قفاك وضع رجلك اليمنى على اليسرى، و روي عنه (ع) أنه إذا تغدى فعل كذلك.

المسألة 192:

يكره أكل الطعام الحار فيترك حتى يمكن أكله، فعن أبي عبد اللّه (ع): الطعام الحار غير ذي بركة، و عنه (ع) قال: أتي النبي (ص) بطعام حار، فقال: ان اللّه لم يطعمنا النار، نحوه حتى يبرد، فترك حتى برد. و عنه (ع) قال: قال أمير المؤمنين (ع): أقروا الحار حتى

كلمة التقوى، ج 6، ص: 394

يبرد فان رسول اللّه (ص) قرب اليه طعام حار فقال أقروه حتى يمكن، ما كان اللّه ليطعمنا نارا، و البركة في البارد.

المسألة 193:

يكره النفخ في الطعام و الشراب، فعن النبي (ص) انه نهى ان ينفخ في طعام أو شراب و أن ينفخ في موضع السجود، و عن أبي عبد اللّه (ع):

انما يكره ذلك إذا كان معه غيره كراهية ان يعافه.

المسألة 194:

يكره أنهاك العظم و هو ان يؤكل جميع ما عليه من لحم حتى لا يبقى عليه شي ء، فعن الامام علي بن الحسين (ع): لا تنهكوا العظام فان للجن فيها نصيبا، فان فعلتم ذهب من البيت ما هو خير من ذلك.

و يكره ان يقطع اللحم على المائدة بالسكين، فان الرسول (ص) نهى عن ذلك، و يكره قطع الخبز بالسكين كما تقدم.

المسألة 195:

يكره الأكل على الشبع، فقد ورد أنه يورث البرص، و انه من الأشياء التي تذهب ضياعا.

و يكره التملي من الطعام، و كثرة الأكل، و النواهي عن ذلك كثيرة، و عن الإمام أبي الحسن (ع): ان اللّه يبغض البطن الذي لا يشبع، و يقول (ع) في حديث آخر: لو أن الناس قصدوا في المطعم لاستقامت أبدانهم.

المسألة 196:

يكره أن ترمى الفاكهة قبل أن يستقصى أكلها، ففي الرواية عن ياسر خادم الامام أبي الحسن موسى (ع): قال: أكل الغلمان يوما فاكهة، فلم يستقصوا أكلها و رموا بها، فقال أبو الحسن (ع):

سبحان اللّه ان كنتم استغنيتم فان ناسا لم يستغنوا أطعموه من يحتاج إليه.

المسألة 197:

يستحب أن يكون شرب الإنسان للماء مصا و لا يعبه عبا، فعن أبي

كلمة التقوى، ج 6، ص: 395

عبد اللّه (ع) قال: قال رسول اللّه (ص) مصوا الماء مصا و لا تعبوه عبا، فإنه يوجد منه الكباد، (و الكباد بضم الكاف داء الكبد).

المسألة 198:

يستحب أن يكون شرب الماء بثلاثة أنفاس و يكره أن يكون بنفس واحد، ففي الحديث عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول:

ثلاثة أنفاس أفضل في الشرب من نفس واحد، و كان يكره أن يتشبه بالهيم، و قال: الهيم النيب، و روي مثله عن الحلبي.

المسألة 199:

يستحب للإنسان أن يشرب الماء قائما إذا أراد شربه في النهار، و يكره ذلك في الليل، ففي الرواية عن أبي عبد اللّه (ع): شرب الماء من قيام بالنهار أقوى و أصح للبدن، و في المرفوعة عنه (ع): شرب الماء من قيام بالنهار يمرئ الطعام و شرب الماء بالليل من قيام يورث الماء الأصفر.

المسألة 200:

ينبغي الإقلال من شرب الماء الا عند الحاجة فعن أبي عبد اللّه (ع):

من أقل شرب الماء صح بدنه، و عنه (ع): لا يشرب أحدكم الماء حتى يشتهيه فإذا اشتهاه فليقل منه، و عنه (ع): لا تكثر من شرب الماء فإنه مادة كل داء، و عن أحدهم (ع): لو ان الناس أقلوا من شرب الماء لاستقامت أبدانهم، و قال (ع): شرب الماء على أثر الدسم يهيج الداء.

المسألة 201:

يستحب التسمية في أول الشرب و التحميد في آخره، فعن أمير المؤمنين (ع): من ذكر اسم اللّه على طعام أو شراب في أوله و حمد اللّه في آخره لم يسأل عن نعيم ذلك الطعام أبدا، و عن أبي عبد اللّه (ع) قال: إذا شرب أحدكم الماء فقال بسم اللّه، ثم قطعه فقال: الحمد للّه، ثم شرب فقال:

بسم اللّه، ثم قطعه فقال: الحمد للّه، ثم شرب فقال: بسم اللّه، ثم قطعه فقال الحمد للّه، سبح ذلك الماء له ما دام في بطنه الى ان يخرج.

المسألة 202:

يستحب للإنسان بعد شربه الماء، أن يذكر الحسين (ع) و يلعن

كلمة التقوى، ج 6، ص: 396

قاتله، و الروايات الدالة على استحباب ذلك و التأكيد عليه كثيرة معروفة، و الثواب عليه عظيم كبير.

المسألة 203:

يستحب سقي المؤمنين الماء حيث يوجد الماء و حيث لا يوجد، فعن الرسول (ص): من سقى مؤمنا شربة من الماء من حيث يقدر على الماء أعطاه اللّٰه بكل شربة سبعين ألف حسنة، و ان سقاه من حيث لا يقدر على الماء فكأنما أعتق عشر رقاب من ولد إسماعيل، و عن علي بن الحسين (ع): من أطعم مؤمنا من جوع أطعمه اللّه من ثمار الجنة، و من سقى مؤمنا من ظمأ سقاه اللّٰه من الرحيق المختوم.

المسألة 204:

من المستحبات التي تكثر الحث و التأكيد عليها إطعام الطعام، ففي الرواية عن معمر بن خلاد قال: رأيت أبا الحسن الرضا (ع) يأكل، فتلا هذه الآية: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَ مٰا أَدْرٰاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ، إلى آخرها ثم قال: علم اللّٰه ان ليس كل أحد يقدر على عتق رقبة، فجعل لهم سبيلا إلى الجنة بإطعام الطعام، و عن أبي عبد اللّه (ع) قال: من الايمان حسن الخلق، و إطعام الطعام، و عن أبي جعفر (ع) ان اللّه يحب إطعام الطعام و إفشاء السلام، و عن الرسول (ص) قال: خيركم من أطعم الطعام و أفشى السلام و صلى و الناس نيام، و عن أبي عبد اللّه (ع) قال: جمع رسول اللّه (ص) بني عبد المطلب، فقال يا بني عبد المطلب: أطعموا الطعام و أطيبوا الكلام و أفشوا السلام و صلوا الأرحام و تهجدوا و الناس نيام تدخلوا الجنة بسلام، و عن علي بن الحسين (ع): من أطعم مؤمنا أطعمه اللّه من ثمار الجنة، و عن أبي جعفر (ع): لئن أطعم ثلاثة من المسلمين أحب الي من عتق نسمة و نسمة حتى بلغ سبعا، و إطعام مسلم يعدل نسمة.

و عن حسين

بن نعيم الصحاف، قال: قال أبو عبد اللّه (ع): أ تحب إخوانك يا حسين؟ قلت: نعم، قال: و تنفع فقراءهم؟ قلت نعم، قال:

أما انه يحق عليك أن تحب من أحب اللّه، أما انك لا تنفع منهم أحدا حتى تحبه، أ تدعوهم الى منزلك؟ قلت: ما آكل الا و معي منهم الرجلان

كلمة التقوى، ج 6، ص: 397

و الثلاثة و الأقل و الأكثر، فقال أبو عبد اللّه (ع): أما أن فضلهم عليك أعظم من فضلك عليهم، فقلت: جعلت فداك أطعمهم طعامي و أوطئهم رحلي و يكون فضلهم علي أعظم؟، قال: نعم، انهم إذا دخلوا منزلك دخلوا بمغفرتك و مغفرة عيالك، و إذا خرجوا من منزلك خرجوا بذنوبك و ذنوب عيالك.

المسألة 205:

يستحب للمؤمن أن يجيب دعوة أخيه المؤمن إذا دعاه الى منزله، و أن يأكل عنده، فعن أبي عبد اللّه (ع): ان من حق المسلم على المسلم ان يجيبه إذا دعاه، و عن أبي جعفر (ع) قال: قال رسول اللّه (ص): أوصي الشاهد من أمتي و الغائب أن يجيب دعوة المسلم و لو على خمسة أميال، فإن ذلك من الدين، و عن أبي الحسن الرضا (ع): السخي يأكل من طعام الناس ليأكلوا من طعامه، و البخيل لا يأكل من طعام الناس لئلا يأكلوا من طعامه، و عن أبي جعفر (ع) كان رسول اللّه (ص) يجيب الدعوة.

المسألة 206:

يستحب إكرام الضيف، ففي الحديث عن أبي عبد اللّه (ع) قال:

مما علم رسول اللّه (ص) فاطمة (ع) ان قال: من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فليكرم ضيفه، و عنه (ص): ان من حق الضيف أن يكرم و أن يعد له الخلال، و عنه (ص) انه قال: من أفضل الأعمال عند اللّه إبراد الاكباد الحارة و إشباع الاكباد الجائعة، و الذي نفس محمد بيده لا يؤمن بي عبد يبيت شبعان و أخوه- أو قال: جاره- المسلم جائع، و عنه (ص): إطعام إذا جمع اربع خصال فقد تم، إذا كان من حلال، و كثرت الأيدي عليه، و سمي في أوله، و حمد اللّه في آخره.

المسألة 207:

من آداب الضيافة انه تستحب اعانة الضيف في نزوله عند الإنسان و تكره إعانته على ارتحاله عنه ففي الحديث عن ميسرة عن أبي جعفر (ع) انه قال: من التضعيف ترك المكافاة، و من الجفاء استخدام الضيف،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 398

فإذا نزل بكم الضيف فأعينوه، و إذا ارتحل فلا تعينوه فإنه من النذالة، و زودوه و طيبوا زاده فإنه من السخاء.

و روي عن ابن أبي يعفور، قال: رأيت لأبي عبد اللّه (ع) ضيفا، فقام يوما في بعض الحوائج، فنهاه عن ذلك و قام (ع) بنفسه الى تلك الحاجة، و قال: نهى رسول اللّه (ص) ان يستخدم الضيف، و عن أبي جعفر (ع) قال: قال رسول اللّه (ص): إذا دخل الرجل بلدة فهو ضيف على من بها من اخوانه و أهل دينه حتى يرحل عنهم.

المسألة 208:

يستحب للإنسان أن يجتمع مع أهله و عياله على أكل الطعام إذا لم ينزل به ضيف ففي الحديث عن أبي عبد اللّه (ع) قال: قال رسول اللّه (ص): ما من رجل يجمع عياله و يضع مائدته بين يديه و يسمى و يسمون في أول طعامهم و يحمدون في آخره فترفع المائدة حتى يغفر لهم، و في مكارم الأخلاق: كان النبي (ص) يأكل كل الأصناف من الطعام، و كان يأكل ما أحل اللّه له مع أهله و خدمه إذا أكلوا، و مع من يدعوه من المسلمين على الأرض و على ما أكلوا عليه و ما أكلوا، الا أن ينزل بهم ضيف فيأكل مع ضيفه.

المسألة 209:

يستحب للإنسان أن يشرب من سؤر أخيه المؤمن، ففي الرواية عن عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه (ع): في سؤر المؤمن شفاء من سبعين داء، و في الخصال عن علي (ع) قال: سؤر المؤمن شفاء، و في مرفوعة محمد بن إسماعيل: من شرب سؤر المؤمن تبركا به خلق اللّه بينهما ملكا يستغفر لهما حتى تقوم الساعة.

المسألة 210:

يكره للشخص أن يشرب من الإناء أو القدح من موضع كسره أو ثلمة إذا كان مكسورا أو مثلوما و من موضع عروته إذا كانت له عروة، ففي رواية غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه (ع) قال: قال أمير المؤمنين (ع): لا تشربوا الماء من ثلمة الإناء و لا من عروته، و عن أبي عبد اللّه (ع) قال قال أبي (ع): و لا تشرب من اذن الكوز، و لا من كسر ان كان

كلمة التقوى، ج 6، ص: 399

فيه فإنه مشرب الشياطين، و عن النبي (ص): و لا يشربن أحدكم الماء من عند عروة الإناء فإنه مجتمع الوسخ.

المسألة 211:

يكره لمن يأكل الثوم أو البصل أو الكراث أن يدخل الى المسجد و في فمه رائحتها، ففي الحديث عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال:

سألته عن أكل الثوم، فقال: انما نهى عنه رسول اللّه (ص) لريحه، فقال: من أكل هذه البقلة الخبيثة فلا يقرب مسجدنا، و اما من أكله و لم يأت المسجد فلا بأس، و عن أبي عبد اللّه (ع): انه سئل عن أكل الثوم و البصل و الكراث، فقال: لا بأس بأكله نيا و في القدور، و لا بأس بأن يتداوى بالثوم، و لكن من أكل ذلك فلا يخرج الى المسجد، و عن الحسن الزيات قال: لما قضيت نسكي مررت بالمدينة فسألت عن أبي جعفر (ع) فقالوا: هو بينبع، فأتيت ينبع فقال لي: يا حسن أتيتني إلى ها هنا؟ قلت: نعم، كرهت أن أخرج و لا أراك، فقال: اني أكلت من هذه البقلة- يعني الثوم- فأردت أن أتنحى عن مسجد رسول اللّه (ص)، و عن أبي عبد اللّه (ع): انه كان يعجبه الكراث

و كان إذا أراد أن يأكله خرج من المدينة إلى العريض.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 401

كتاب اليمين و النذر و العهد

اشارة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 403

كتاب اليمين و النذر و العهد و فيه عدة فصول:

الفصل الأول في الأيمان

المسألة الأولى:

الأيمان جمع يمين، و يطلق عليه الحلف و القسم أيضا، و اليمين مؤنثة سماعا، و الحلف و القسم مذكران، و اليمين تقع على عدة وجوه:

فمنها يمين اللغو، و هي ما يجرى على الألسنة من صورة القسم لمجرد الاعتياد من غير أن يقصد المتكلم بها يمينا، فإذا سأله أحد مثلا: هل جاء ولدك من السفر؟، قال له: اي و اللّه انه قدم ليلة أمس، أو قال:

لا و اللّٰه انه لم يجي ء بعد، و إذا سأله: هل رأيت زيدا في هذا اليوم؟

قال: اي و اللّه لقد خرجت صباحا فصادفته، أو قال: لا و اللّٰه اني لم أره.

و لا حكم لهذه اليمين و لا مؤاخذة على مخالفتها و لا كفارة، كما يقول (سبحانه) (لٰا يُؤٰاخِذُكُمُ اللّٰهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمٰانِكُمْ) و قد فسرت في أحاديث أهل البيت (ع) بأنها قول لا و اللّه، و بلى و اللّه و لا يعقد على شي ء، بل و منها كل يمين يقولها القائل بلسانه بغير قصد و لا نية، فلا تكون شيئا و لا تكون عليها مؤاخذة.

المسألة الثانية:

و منها يمين المناشدة، و هي يمين تقترن بالطلب من الغير يبعثه المناشد بها أن يستجيب لطلبه ليفعل شيئا أو يترك فعله، فيقول له أقسم باللّه عليك، أو أنشدك اللّه أن تعطيني- مثلا- مائة دينار قرضا إلى مدة شهر، أو أن تزوجني ابنتك فلانة، أو أن لا تطالبني بدينك إلى مدة شهرين.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 404

و لا ريب في أن هذه اليمين لا تنعقد، لأنها تتعلق بفعل الغير لا بفعل المناشد نفسه، فلا تجب على ذلك الغير الاستجابة لطلبه، و لا كفارة عليه إذا خالف و لم يستجب له، و لا اثم على القائل بإحلافه

الغير على اجابة طلبه و إنجاح مقصده و هذا النوع من اليمين كثير الورود و الاستعمال في الأدعية المأثورة و غير المأثورة، فهي توسل و استشفاع الى اللّه سبحانه أن يجيب دعوة الداعي بحرمة الشي ء الذي أقسم به عليه، فيقول الداعي: الهي أسألك بكتابك الكريم و بنبيك العظيم ان تستجيب لي دعوتي.

المسألة الثالثة:

و منها اليمين التي يوقعها الحالف لتأكيد خبره عن حدوث شي ء ماض، أو أمر حاضر، أو شي ء يأتي في ما بعد، أو لتأكيد خبره بعدم حدوثه، فيقول: و اللّٰه ان زيدا قد قدم من سفره بالأمس، أو انه وصل الآن، أو أنه يأتي غدا، أو يقول: و اللّه انه لم يأت، أو أنه لا يأتي.

و أثر هذه اليمين هو اثم الحالف إذا كان كاذبا في خبره، سواء كان اخباره عن أمر ماض أو أمر حاضر أو مستقبل، و لا كفارة عليه في مخالفة يمينه للواقع، بل و لا كفارة عليه في المخالفة و ان كان ما أخبر به مستحيل الوقوع، و لا اثر له سوى الإثم كما في الصور المتقدمة، فيكون في جميع الصور مأثوما من حيث الكذب و مأثوما من حيث اليمين على الكذب.

المسألة الرابعة:

اليمين الكاذبة أو اليمين الفاجرة محرمة شديدة التحريم، و هي- كما ذكرنا- أن يكذب الرجل و يحلف باللّه على الكذب في جميع الصور المتقدم ذكرها، و هي إحدى كبائر المعاصي و سريعة العقوبة و قد ورد في الحديث عن الرسول (ص): إياكم و اليمين الفاجرة فإنها تدع الديار من أهلها بلاقع (يعني خالية مقفرة)، و عن أئمة الهدى (ع): ان اليمين الكاذبة و قطيعة الرحم ليذران الديار بلاقع من أهلها و تثقلان الرحم، و ان ثقل الرحم انقطاع النسل.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 405

و هي اليمين الغموس، و فسرت اليمين الغموس أيضا في أحاديث المعصومين (ع) بأن يحلف الرجل على حق امرئ مسلم على حبس ماله، و قال في بعضها: هي أن يحلف الرجل على مال امرئ مسلم أو على حقه ظلما، و لا منافاة بين التفسيرين، فاليمين الغموس شاملة

لكل منهما.

المسألة الخامسة:

لا حرمة و لا اثم على الشخص في أن يحلف باللّٰه لتأكيد خبره إذا كان صادقا فيه سواء كان خبره عن الماضي أو عن الحاضر أو عن الآتي، نعم يكره له ذلك، و قد تكرر النهي في النصوص عن ان يحلف الإنسان باللّه لا صادقا و لا كاذبا، و فسر به قوله تعالى وَ لٰا تَجْعَلُوا اللّٰهَ عُرْضَةً لِأَيْمٰانِكُمْ.

المسألة السادسة:

يحرم الاستخفاف باليمين و ان كان الحالف صادقا في ما حلف عليه فالحرمة فيها من حيث الاستخفاف بها لا من حيث الصدق و الكذب في القول، و الاستخفاف هو ان لا يبالي بيمينه في أي موضع أتى بها، فيأثم لأنه استخف بيمينه و يستحق العقوبة على ذلك.

المسألة السابعة:

يحرم على الإنسان أن يقول: اللّه يعلم كذا و يعني أن اللّٰه يعلم صحة ما يقول، إذا كان كاذبا في اخباره، ففي الحديث عن أبي عبد اللّه (ع):

من قال: اللّه يعلم في ما لا يعلم اهتز لذلك عرشه إعظاما له، و عنه (ع):

إذا قال العبد: علم اللّه و كان كاذبا، قال اللّه عز و جل: أما وجدت أحدا تكذب عليه غيري.

المسألة الثامنة:

و منها يمين العقد، و هي أن يحلف الإنسان يمينا ليعقد بها على نفسه التزاما بفعل شي ء من الأشياء أو بتركه، فيقول و اللّه لأصومن غدا، أو لأتصدقن بخمسة دنانير، أو يقول: و اللّه لا أدخن التتن مدة شهر أو لا أدخن ما حييت، فإذا اجتمعت الشروط الآتي بيانها في المسائل المقبلة، انعقدت يمينه و وجب عليه الوفاء بها و حرم عليه أن يخالف

كلمة التقوى، ج 6، ص: 406

التزامه، و إذا حنث في يمينه فخالفها وجبت عليه كفارة اليمين، و سيأتي ذكرها.

المسألة التاسعة:

يشترط في انعقاد اليمين أن ينشئها بالتلفظ بها، فلا تنعقد بالإشارة مع التمكن من النطق بها، و لا يبعد عدم انعقادها بالكتابة مع القدرة على التكلم أيضا، و لا يشترط في انعقادها أن ينشئها باللغة العربية، فإذا أنشأ الحالف يمينه بلغة أخرى ترادف صيغة اليمين في اللغة العربية صحت يمينه إذا كانت بقية الشرائط مجتمعة و وجب عليه الوفاء بها و لزمته أحكامها، و خصوصا إذا كانت الترجمة في متعلقات اليمين.

المسألة العاشرة:

تكفي الإشارة المفهمة في إنشاء اليمين إذا كان الحالف ممن يتعذر عليه النطق بها كالأخرس و شبهه، و تكفيه الكتابة كذلك إذا كتب صيغة اليمين بقصد إنشاء الحلف بكتابته، فتنعقد يمينه بالإشارة و الكتابة و يجب عليه البر بها و تلزمه الكفارة بمخالفتها.

المسألة 11:

تنعقد اليمين إذا حلف الإنسان بالذات المقدسة، فذكر الاسم العلم المختص به سبحانه، فقال: و اللّه، أو عينه بذكر الأوصاف و الأفعال التي تختص به و لا يشاركه فيها غيره، فقال مثلا: و الذي بيده أزمة الأمور، أو من بيده مقادير الأشياء أو قال: و الذي خلق الموت و الحياة، أو و رب العالمين، أو ذكر بعض أسمائه التي لا تطلق على غيره، فقال:

و الرحمن، أو و الحي الذي لا يموت، أو الأول ليس قبله شي ء و أمثال ذلك.

المسألة 12:

تنعقد اليمين على الأقوى بذكر الأوصاف و الأفعال التي تنصرف اليه سبحانه عند إطلاقها و ان كانت في أصلها مشتركة بينه و بين غيره، كالرب، و البارئ و الخالق، و الرازق و الرحيم و القاهر، و المدرك، و المنتقم، بل و تنعقد اليمين بالصفات المشتركة بينه و بين غيره إذا قصد بها الحلف

كلمة التقوى، ج 6، ص: 407

باللّه سبحانه، و ان كانت مما لا ينصرف إطلاقها إليه، كالموجود و القادر، و الهادي و السميع و البصير، و الطالب و الغالب، و الحكيم و الحليم، فالمدار في انعقاد اليمين على أن تكون الصفة المحلوف بها من صفاته سبحانه، و أن يقصد الحالف بها القسم باللّه سبحانه.

المسألة 13:

تنعقد اليمين بكل ما يصدق عليه عرفا أنه يقسم باللّه لا بغيره، كما إذا قال الحالف: و حق اللّٰه أو و جلال اللّه، أو و عظمته، أو و كبريائه، و تنعقد كذلك إذا قال: و قدرة اللّه أو و علم اللّه إذا كان المراد أنه يقسم باللّٰه القادر العالم.

المسألة 14:

تنعقد اليمين إذا أنشأ الحالف يمينه بحروف القسم المعروفة، و هي الواو و الباء و التاء فقال: و اللّه، أو قال: باللّه أو تاللّه لأتصدقن بكذا، و تنعقد اليمين أيضا إذا قال: أقسمت باللّه أو حلفت باللّه أو أقسم أو أحلف باللّه، و من الواضح أن الباء في هذه الأمثلة للتعدية أو الاستعانة، لا للقسم، و لا تنعقد اليمين بقول: أقسمت أو حلفت أو أقسم أو أحلف و لا يذكر المحلوف به، و تنعقد اليمين إذا قال: أشهد باللّه و قصد بذلك الحلف به تعالى.

المسألة 15:

لا تنعقد اليمين بغير اللّه سبحانه، كما إذا حلف بالنبي (ص)، أو بالأئمة (ع)، أو بالكعبة، أو بالقرآن، أو بالأنبياء، أو المرسلين، أو بكتب اللّه المنزلة، أو بالملائكة، فلا تجب على الحالف الكفارة إذا حنث في يمينه بأحد المذكورات و أمثالها.

المسألة 16:

يجوز على الأقوى للإنسان أن يحلف بغير اللّٰه من الأمور المعظمة ليؤكد بها قوله إذا كان صادقا، فيحلف بالإسلام أو بالرسول أو بأحد المذكورات في المسألة المتقدمة ليصدق بها قوله، و ان لم تجب عليه الكفارة إذا حنث في يمينه كما ذكرنا، و لا يجوز له أن يحلف بها كاذبا، فيأثم بذلك إذا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 408

كان المحلوف به من الأمور التي يجب تعظيمها في الإسلام، أو التي تحرم الاستهانة بها، و يكون آثما للكذب و آثما للحلف بها على الكذب.

المسألة 17:

لا تنعقد اليمين بالطلاق أو بالعتق أو بالصدقة بما يملك إذا فعل أمرا معينا، أو إذا هو لم يفعله، فإذا قال: زوجتي طالق أو قال:

زوجاتي طوالق ان فعلت هذا الشي ء، أو ان لم أفعله، لم يترتب على حلفه هذا أي أثر، فلا تبين منه زوجته أو زوجاته إذا قال ذلك، أو حنث في يمينه، و لا تلزمه كفارة بالمخالفة، و لا اثم عليه في هذا القول، و مثله ما إذا حلف بتحريم زوجته عليه أو بالمظاهرة منها إذا هو فعل شيئا أو ترك فعله، فلا تنعقد يمينه و لا يكون لها أثر.

و كذلك الحكم إذا قال: عبدي حر أو عبيدي أحرار إن فعلت الشي ء أو ان لم أفعله، أو قال: مالي المعين صدقة أو جميع ما أملكه صدقة، أو هدي لبيت اللّه ان فعلت الشي ء أو ان لم أفعله، فلا يكون لقوله هذا أي أثر كما ذكرنا في الحلف بالطلاق.

المسألة 18:

يحرم على الشخص أن يحلف بالبراءة من اللّه، أو بالبراءة من رسوله (ص)، أو من دين الإسلام، أو من الأئمة الطاهرين (ع)، فيقول في يمينه: برئت من اللّٰه ان أنا فعلت هذا الشي ء أو ان أنا لم أفعله، أو يقول: برئت من محمد (ص) أو من دينه أو من الأئمة المعصومين (ع) ان كان مني ذلك، و يأثم الحالف بذلك، سواء كان صادقا في خبره الذي حلف عليه أم كاذبا، و سواء حنث في يمينه أم لا، ففي الفقيه عن الرسول (ص): من بري ء من اللّٰه صادقا كان أو كاذبا فقد بري ء من اللّه. و روى المشايخ الثلاثة عنه (ص) انه سمع رجلا يقول: أنا بري ء من دين محمد (ص)، فقال له: ويلك إذا برئت

من دين محمد فعلى دين من تكون؟ قال: فما كلمه رسول اللّه (ص) حتى مات، و في رواية يونس بن ظبيان: يا يونس لا تحلف بالبراءة منا، فان من حلف بالبراءة منا صادقا كان أو كاذبا، فقد بري ء منا.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 409

و كذلك الحكم إذا قال في يمينه: هو يهودي أو نصراني ان فعل كذا أو ان لم يفعله، فيأثم في يمينه و ليس له أثر غير ذلك، و لا ينعقد حلفه و ان كان صادقا في ما حلف عليه، و لا تلزمه الكفارة إذا حنث به.

المسألة 19:

إذا حلف الإنسان بالبراءة من اللّه أو من رسوله أو من دينه أو من الأئمة ثم حنث في يمينه، فلا يترك الاحتياط بأن يكفر عن ذلك بإطعام عشرة مساكين، لكل مسكين مد من الطعام و يستغفر اللّه سبحانه.

المسألة 20:

إذا قال الرجل في يمينه: و اللّٰه لأصومن غدا أو لأتصدقن بمبلغ كذا ان شاء اللّه، و قصد بذلك تعليق يمينه على مشيئة اللّه سبحانه، لم تنعقد يمينه، فلا يجب عليه الوفاء بها و لا تجب عليه كفارة إذا حنث بها، سواء كان ما حلف عليه فعل واجب أو ترك حرام أو غيرهما من الأفعال و التروك.

و إذا قصد بقوله: (ان شاء اللّه) مجرد التبرك بالكلمة و لم يرد تعليق اليمين على المشيئة صحت يمينه و انعقدت إذا كانت شروط انعقاد اليمين مجتمعة و لزمته الكفارة إذا خالفها.

المسألة 21:

إذا علق الحالف يمينه على مشيئة أحد من الناس، فقال: و اللّه لأصومن غدا أو لأتصدقن بكذا إذا شاء لي أخي زيد ذلك، كان انعقاد يمينه منوطا بمشيئة أخيه، فإذا علم ان أخاه قد شاء له ذلك انعقدت يمينه و لزمه البر بها و وجبت عليه الكفارة إذا خالفها، و إذا قال أخوه: لم أشأ ذلك أو قال: قد شئت ان لا تفعل لم تنعقد يمينه. و كذلك إذا لم يعلم حال أخيه أنه شاء له ذلك أو لم يشأ، فلا تنعقد يمينه.

و مثله في الحكم: ما إذا علق يمينه على وجود شي ء آخر غير المشيئة، فقال: و اللّٰه لأفعلن كذا ان رجع ولدي من سفره مثلا، كان انعقاد يمينه منوطا بحصول الأمر الذي علق اليمين عليه، فإذا رجع ولده من سفره

كلمة التقوى، ج 6، ص: 410

في المثال انعقدت يمينه و لزمه الوفاء بها، و ان لم يرجع لم تنعقد و لم يجب الوفاء بها.

المسألة 22:

يشترط في انعقاد اليمين: أن يكون الحالف مكلفا، و لذلك فلا بد من أن يكون بالغا فلا تنعقد يمينه إذا كان صغيرا و ان كان مميزا أو كان مراهقا، و لا بد فيه من أن يكون عاقلا، فلا تنعقد يمينه إذا كان مجنونا مطبقا أو كان جنونه أدوارا و قد أوقع الحلف في دور جنونه، و إذا كان جنونه أدوارا و أوقع حلفه في دور إفاقته انعقدت يمينه و لزم الوفاء بها إذا كان وقت الوفاء في دور الإفاقة أيضا، فإذا قال المجنون الأدواري في دور إفاقته: و اللّٰه لأصومن غدا، فان كان في اليوم الذي عينه للصوم مفيقا أيضا، وجب عليه صومه و إذا لم يصمه لزمته كفارة

اليمين، و ان اتفق اليوم المعين في دور جنونه سقط عنه وجوب صومه و لم تجب عليه الكفارة.

المسألة 23:

يشترط في انعقاد اليمين: أن يكون الحالف مختارا، فلا تنعقد يمينه إذا أوقع اليمين مكرها عليها أو مجبرا من أحد، و أن يكون قاصدا، فلا تنعقد يمينه إذا أوقعها هازلا غير جاد في حلفه أو أوقعها سكران أو غاضبا غضبا يسلبه القصد.

المسألة 24:

تصح اليمين من الكافر كما تصح من المسلم و تنعقد منه و تترتب عليها آثارها، فإذا كان منكرا في الدعوى و استحلف لإنكاره قبلت يمينه و حكم الحاكم الشرعي بموجبها، و لا فرق بين الدعوى و غيرها في صحة يمينه و انعقادها، و لا فرق كذلك بين أصناف الكفار في الحكم المذكور.

المسألة 25:

لا تنعقد يمين الولد إذا منعه أبوه عن الحلف و كان منع أبيه سابقا على إيقاع يمينه، و لا تنعقد يمين الزوجة إذا منعها زوجها عن الحلف، و كان منعه سابقا على يمينها كذلك، حتى إذا كان المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام، فلا تنعقد يمينهما مع سبق المنع، حتى في هذه

كلمة التقوى، ج 6، ص: 411

الصورة، و لا يسقط عن الولد و لا عن الزوجة فعل الواجب و ترك الحرام بذلك و ان لم تنعقد يمينهما.

و إذا حلف الولد أو حلفت الزوجة مع عدم سبق المنع، انعقدت يمينهما على الأقوى، و جاز للأب أن يحل يمين الولد، و جاز للزوج أن يحل يمين الزوجة، و يرتفع بذلك أثر اليمين، فلا يجب على الولد و لا على الزوجة الوفاء بيمينهما بعد حلها و لا تجب عليهما الكفارة بالمخالفة.

المسألة 26:

يشكل الحكم بإلحاق الأم بالأب في الحكم المتقدم ذكره في المسألة الخامسة و العشرين، نعم إذا كان الشي ء مباحا متساوي الطرفين و نهت الأم ولدها عن اليمين على فعله أو على تركه قبل ان يحلف عليه، فالظاهر عدم انعقاد يمين الولد إذا حلف بعد نهي أمه عنه، فإنه يصبح مرجوحا، و كذلك إذا نهته عن الفعل أو الترك بعد ان أقسم عليه، فينحل يمينه أيضا، فإن متعلق يمينه يصبح مرجوحا بعد نهي الأم عنه، و سيأتي بيان هذا في المسألة الثلاثين و ما بعدها.

المسألة 27:

لا تنعقد يمين العبد المملوك إلا بإذن مالكه، و ان لم يمنعه المالك عن الحلف قبل ذلك فلا تصح يمينه إذا حلف بغير اذنه و ان كان المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام، و يجب على المملوك فعل الواجب و ترك الحرام و ان لم يأذن له مولاه بذلك و لم ينعقد يمينه عليهما.

المسألة 28:

إذا حلف الإنسان على فعل واجب أو على ترك محرم، انعقدت يمينه بلا ريب، و وجب عليه امتثال الواجب من حيث الوفاء باليمين، و وجب عليه امتثاله من حيث انه واجب في أصل الشرع، و إذا تركه استحق العقوبة على تركه من الناحيتين، و لزمته الكفارة لحنثه باليمين، و كذلك الحكم في ترك المحرم.

و إذا حلف على فعل شي ء مستحب أو على ترك شي ء مكروه في الشريعة، انعقدت يمينه كذلك، و وجب عليه فعل المستحب وفاء باليمين، و إذا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 412

تركه أثم لمخالفة اليمين و لزمته الكفارة للحنث، و كذلك في ترك المكروه.

المسألة 29:

إذا حلف الإنسان على ترك واجب أو على فعل محرم لم تنعقد يمينه بلا ريب، و كذلك إذا حلف على ترك مستحب أو على فعل أمر مكروه في الشريعة، فلا تنعقد يمينه، فإنه حلف على أمر مرجوح في الإسلام.

المسألة 30:

إذا حلف على فعل أمر مباح فعله في الإسلام، بحيث لا رجحان لفعله على تركه و لا لتركه على فعله في حكم الشريعة، و لكن فعل ذلك الأمر المباح كان راجحا لبعض الغايات و المنافع الدنيوية التي تتطلبها مقاصد الإنسان في هذه الحياة، انعقدت يمينه على فعل ذلك المباح للرجحان الدنيوي المذكور، و كذلك إذا حلف على ترك المباح و كان تركه راجحا لبعض الغايات و المرجحات الدنيوية التي يقصدها العقلاء كما تقدم في نظيره، فتنعقد يمين الحالف على تركه للرجحان المذكور، و لا تنعقد اليمين إذا تعلقت بالطرف المرجوح في كلا الفرضين.

المسألة 31:

إذا حلف الإنسان على فعل شي ء مباح في الإسلام لا رجحان في الشريعة لفعله و لا لتركه- كما ذكرناه في المسألة المتقدمة- أو حلف على تركه، و كان فعل ذلك الشي ء و تركه متساويين في الغايات و المنافع الدنيوية أيضا فلا رجحان لفعله و لا لتركه، انعقدت يمينه على الأحوط، بل لا يخلو ذلك عن قوة، فيلزمه العمل بها إذا حلف على الفعل أو على الترك و تلزمه الكفارة إذا خالف اليمين.

المسألة 32:

إذا حلف الرجل على فعل شي ء مباح في الشريعة و كان راجحا بحسب المنافع و الموازين العقلائية في الدنيا انعقد الحلف كما ذكرنا في المسألة الثلاثين، فإذا تغيرت الوجوه المرجحة لفعل ذلك الشي ء فأصبح مرجوحا بعد ذلك، انحلت يمين الحالف فلا يجب عليه الوفاء بها و لا تجب عليه كفارة اليمين إذا خالفها، و إذا تغيرت الوجوه مرة أخرى و عاد الى الرجحان لم تعد اليمين بعد ان انحلت.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 413

المسألة 33:

يشترط في انعقاد اليمين: أن يكون الحالف قادرا على الشي ء المحلوف عليه، فإذا حلف على فعل الشي ء في وقت معين وجب أن يكون مقدورا عليه في ذلك الوقت و لا تنعقد اليمين بغير ذلك و إذا حلف على فعل الشي ء من غير تعيين للوقت وجب أن يكون مقدورا عليه في الجملة، و لا تنعقد اليمين إذا كان الشي ء غير مقدور عليه مطلقا.

المسألة 34:

إذا حلف الرجل على فعل شي ء، و كان الشي ء مقدورا عليه حين الحلف، ثم عجز الحالف عنه بعد اليمين انحلت اليمين إذا كان العجز مستمرا الى انقضاء الوقت المحلوف عليه، و إذا كان مستمرا أبدا في ما لم يكن له وقت معين.

المسألة 35:

لا تنعقد اليمين إذا كان الفعل أو الترك المحلوف عليه مما يوجب العسر أو الحرج على الحالف، و إذا كان الشي ء ميسورا حين الحلف، ثم لزم منه العسر أو الحرج بعد اليمين انحلت يمين الحالف إذا كان العسر و الحرج مستمرا في جميع الوقت، أو أبدا على حسب ما بيناه في اشتراط القدرة.

المسألة 36:

إذا اجتمعت الشروط التي ذكرناها و التي أشرنا إليها في المسائل المتقدمة لانعقاد اليمين، و حلف الحالف على الفعل أو على الترك، انعقدت يمينه و وجب عليه البر باليمين و لم تجز له مخالفتها، و إذا خالفها وجبت عليه الكفارة الآتي ذكرها.

المسألة 37:

الحنث في اليمين هو مخالفتها عامدا، فلا حنث و لا كفارة إذا خالف اليمين جاهلا بالموضوع أو ناسيا له، كما إذا حلف أن يصوم يوما معينا، و اعتقد مخطئا انه حلف أن يصوم يوما غير معين و بعد مضي الوقت المعين علم أنه حلف على صومه، و كما إذا نسي صوم ذلك اليوم أو نسي يمينه حتى مضى الوقت و تذكر بعد ذلك، فلا كفارة عليه. و لا حنث و لا كفارة إذا خالف يمينه مضطرا أو مكرها على المخالفة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 414

و أما إذا خالف اليمين جاهلا بالحكم أو ناسيا له فيشكل الحكم في الصورتين، و لا بد فيهما من مراعاة الاحتياط.

المسألة 38:

إذا حلف الرجل أن يأتي بفعل معين- كصلاة جعفر مثلا- كان معنى ذلك: ان يوجد طبيعة هذه الصلاة المخصوصة و لو مرة واحدة، فإذا حلف على فعلها في وقت معين، فقال: و اللّه لأصلين صلاة جعفر في يوم الجمعة، وجب عليه أن يأتي بالصلاة المخصوصة في اليوم المعين، فإذا صلاها كذلك مرة واحدة فقد و في بيمينه و لم يجب عليه تكرارها و ان وسع الوقت، و إذا تركها عامدا حتى انقضى يوم الجمعة حنث بيمينه و لزمته الكفارة.

و إذا قال: و اللّٰه لأصلين صلاة جعفر في شهر رجب، وجب عليه أن يأتي بها في الشهر المعين و لو مرة واحدة، فإذا صلاها كذلك فقد وفى بيمينه و لم يجب عليه التكرار، و إذا تركها في جميع الشهر حتى انقضى حنث بيمينه و لزمته الكفارة، و لا يكفيه ان يصليها في غير يوم الجمعة في المثال الأول، و في غير شهر رجب في المثال الثاني.

و إذا قال: و اللّٰه لأصلين

صلاة جعفر، و لم يعين لها وقتا مخصوصا، وجب عليه ان يأتي بالصلاة مرة واحدة في أي وقت شاء، و إذا صلاها كذلك فقد وفى بيمينه، و لم يجب عليه التكرار، و لا تجب عليه المبادرة إلى الإتيان بها، بل يجوز له تأخيرها حتى يظن حصول العجز عن الوفاء، أو يظن عروض الموت فتلزمه المبادرة حين ذلك، و لا يحصل الحنث في هذه الصورة حتى يترك الصلاة المحلوف عليها أبدا فلا يأتي بها، فإذا تركها حتى عجز عن الوفاء، أو حتى عرض له أحد الموانع من الامتثال وجبت عليه الكفارة.

المسألة 39:

إذا حلف الرجل أن يترك فعل شي ء معين- كأكل الثوم و التدخين-، كان معنى ذلك أن يترك إيجاد طبيعة ذلك الفعل المحلوف على تركه، فإذا قال: و اللّه لا آكل الثوم في يوم الجمعة، وجب عليه ان يترك أكله في جميع ذلك اليوم، فإذا تركه كذلك فقد وفى بيمينه، و إذا تركه في

كلمة التقوى، ج 6، ص: 415

عامة اليوم و أكله في بعضه و لو مرة واحدة، فقد حنث بيمينه، و لزمته الكفارة، و كذلك إذا قال: و اللّه لا آكل الثوم في شهر رمضان، وجب عليه ان يدع أكله في جميع الشهر، و لا يحصل البر باليمين الا بذلك، و إذا أكله في أثناء الشهر و لو مرة واحدة حصل الحنث بذلك و لزمته الكفارة.

و إذا قال: و اللّٰه لا آكل الثوم و لم يذكر وقتا معينا، وجب عليه ترك أكله أبدا ما دام حيا، و لا يفي بيمينه الا بذلك، و إذا أكله في عمره و لو مرة واحدة حصل منه الحنث و لزمته الكفارة.

المسألة 40:

إذا حلف الرجل أن يأتي بالفعل المعين على الوجه الذي ذكرناه في المسألة الثامنة و الثلاثين كان وفاؤه باليمين أن يوجد ذلك الفعل و لو مرة واحدة كما ذكرنا، و كان حنثه باليمين ان يترك ذلك الفعل فلا يوجده حتى مرة واحدة، و نتيجة لذلك فلا يكون لليمين الا وفاء واحد، و لا يكون لها الا حنث واحد، و لا تجب إلا كفارة واحدة، سواء كان الفعل المحلوف عليه مقيدا بوقت معين أم كان مطلقا ليس له وقت معلوم، فلا يحنث بترك الفعل في أول الوقت إذا أتى به في آخره أو في وسطه، و لا يحنث

بترك الفعل في أول حياته إذا أتى به في آخرها أو في وسطها، و هكذا.

و إذا حلف أن يترك الفعل المعين على الوجه الذي بيناه في المسألة التاسعة و الثلاثين، كان وفاؤه باليمين بأن يترك الفعل في جميع الوقت إذا كان الحلف مؤقتا، و في جميع العمر إذا كان غير مؤقت، فلا يوجده حتى مرة واحدة. و كان حنثه باليمين: أن يوجد الفعل و لو مرة واحدة، و نتيجة لذلك: فلا يكون لليمين الا وفاء واحد، و لا يكون لها الا حنث واحد و لا تجب عليه الا كفارة واحدة في جميع صور المسألة، فإذا أتى بالفعل أول مرة حصل الحنث باليمين و وجبت الكفارة و سقطت اليمين بذلك، فإذا أتى بالفعل بعد ذلك مرة ثانية أو ثالثة أو أكثر لم يكن حنثا و لم تجب الكفارة مرة أخرى لسقوط اليمين، و ذلك واضح و انما نذكره للتنبيه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 416

المسألة 41:

إذا حلف الإنسان أن يصلي صلاة جعفر في كل يوم جمعة مثلا أو أن يصوم في كل يوم خميس، أو أن يصلي النافلة اليومية في كل يوم من شهر رجب، أو أن يصليها في كل يوم ما دام حيا، كانت يمينه بمنزلة أيمان متعددة بعدد الافعال و الأيام المحلوف عليها، و لكل واحدة من هذه الأيمان وفاء و حنث خاص بها، فيجب على ذلك الإنسان أن يأتي بالفعل المحلوف عليه في كل يوم من الأيام المعينة أو المطلقة و يحرم عليه ترك الفعل فيه، و يكون إتيانه بالفعل في يوم وفاء لليمين في ذلك اليوم، و يكون ترك الفعل في يوم حنثا باليمين في ذلك اليوم.

و نتيجة لذلك فيتعدد الوفاء بعدد ما

يأتي بالفعل فيه من الأيام أو المرات، و يتعدد الحنث و المخالفة بعدد ما يترك الفعل فيه من الأيام أو المرات، و تتعدد الكفارة بعدد مرات الحنث و المخالفة.

و إذا حلف أن يترك أكل الثوم في كل يوم جمعة، أو يترك أكله في كل ليلة من ليالي شهر رمضان، أو يترك التدخين في جميع أيام حياته ما دام موجودا، كانت يمينه بمنزلة ايمان متعددة بعدد الأيام و الأوقات التي حلف على ترك الفعل فيها، و يكون ترك الشي ء المحلوف عليه في أي يوم أو وقت، وفاء باليمين المتعلقة بالترك في ذلك اليوم أو الوقت، و يكون الإتيان بالفعل في يوم أو وقت منها حنثا باليمين في ذلك اليوم أو الوقت، و تتعدد الكفارة بعدد ما حنث فيه من المرات.

المسألة 42:

إذا حنث الحالف بيمينه فخالف ما حلف عليه عامدا تخير بين أن يعتق رقبة أو يطعم عشرة مساكين أو يكسوهم، فان لم يتمكن من الإتيان بواحدة من هذه الخصال الثلاث وجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام متتابعة، و لا فرق في الحكم بين ان يكون الحالف ذكرا أم أنثى أم خنثى، و قد تقدم لزوم الاحتياط بالتكفير مع المخالفة إذا كان جاهلا بالحكم أو ناسيا له، ذكرنا هذا في المسألة السابعة و الثلاثين.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 417

المسألة 43:

يجب ان يكون المملوك الذي يعتق رقبته في الكفارة مسلما، فلا يكفيه عتق الكافر، و لا يكفيه عتق الناصب و الغالي و الخارجي، و الأحوط أن يكون مؤمنا بالمعنى الأخص، و سيأتي ان شاء اللّه تعالى بيان بقية الشروط في الكفارة و سائر أحكامها في كتاب الكفارات.

المسألة 44:

لا تجب الكفارة على الحالف قبل أن يتحقق منه الحنث و المخالفة بالفعل و ان كان عازما على ذلك و جازما به، فلا يجزيه دفع الكفارة قبل الحنث، و إذا دفعها كذلك ثم حنث بيمينه وجب عليه أن يعيدها، و إذا اعتقد أنه حنث بيمينه فأتى بالكفارة، ثم تذكر أنه لم يحنث بعد لم تكفه الكفارة التي دفعها فإذا حنث وجب عليه التكفير.

المسألة 45:

إذا شك الحالف بعد انتهاء الوقت المعين: انه أتى بالفعل المحلوف عليه في الوقت أم لم يأت به، بنى على الصحة و لم يجب عليه التكفير، و إذا تذكر أنه لم يأت بالفعل في الوقت حتى خرج، فان كان عامدا وجبت عليه الكفارة، و ان كان ناسيا لم تجب عليه، و إذا طالت به المدة فنسي هل كان عامدا بتركه أم ناسيا لم يجب عليه شي ء.

المسألة 46:

إذا كان الحلف غير موقت بوقت معين، ثم شك الحالف في انه أتى بالفعل المحلوف عليه فوفى بيمينه أم لم يف بها، وجب عليه أن يأتي بالفعل و يفي بيمينه، و إذا ترك الفعل و لم يأت به كان حانثا بيمينه، و وجبت عليه الكفارة.

المسألة 47:

يحصل الحنث بالمخالفة عامدا، سواء كانت بفعله أم بفعل غيره إذا كان مختارا في ذلك، فإذا حلف لبعض الجهات المرجحة ان لا يدخل بلدا معينا، ثم ركب سفينة أو سيارة باختياره فحملته الى البلد الذي حلف على عدم دخوله، حصل الحنث بذلك و لزمته الكفارة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 418

المسألة 48:

يجوز للإنسان أن يحلف يمينا يدفع بها مظلمة ظالم عن نفسه أو عن غيره من المؤمنين، سواء كان صادقا في يمينه أم كاذبا، إذا توقف دفع المظلمة على الحلف، و هذا إذا لم تمكنه التورية أو لم يكن ملتفتا إليها أو كان لا يحسنها.

و إذا توقفت نجاة الإنسان من الهلاك و شبهه في نفسه أو في عرضه أو نجاة مؤمن آخر في نفسه أو في عرضه، على ان يحلف يمينا وجب عليه الحلف و ان كان كاذبا مع عدم إمكان التورية كما ذكرنا.

المسألة 49:

إذا كان الشخص ممن يلتفت الى التورية و يحسنها و يمكنه التخلص من المحذور بها، فالأحوط له لزوما أن يوري بلفظه و لا يرتكب الكذب مع الإمكان، إذا لم يكن ذلك هو الأقوى.

و التورية هي: أن يأتي بلفظ له معنى ظاهر يحمل عليه في العرف، و له معنى آخر بعيد لا يحمل اللفظ عليه من غير قرينة، فيقصد المعنى البعيد من غير أن ينصب القرينة المفهمة.

المسألة 50:

إذا حلف الإنسان أن يفعل شيئا أو أن لا يفعله، فمقتضى ظاهر القول أن يتولى الحالف بنفسه فعل الشي ء أو ترك فعله، فإذا قال:

و اللّٰه لأصومن أو لأصلين أو لأعطين زيدا عشرة دنانير، وجب عليه أن يتولى الصوم أو الصلاة أو الإعطاء بنفسه، و لا تكفيه الاستنابة أو الإجارة أو التوكيل في الوفاء باليمين، و إذا استناب في الفعل المحلوف عليه أو وكل غيره في الإتيان به و لم يقم به بنفسه كان حانثا بيمينه و لزمته الكفارة و كذلك إذا قال: و اللّه لا أفعل وجب عليه أن يترك الفعل بنفسه و لا يكفيه ترك نائبه أو وكيله أو أجيره، إلا إذا دلت القرائن العامة أو الخاصة على أن المراد ما يعم فعل النائب و الوكيل، كما إذا قال: و اللّه لأبيعن داري أو لأزوجن ولدي فيكفيه بيع الوكيل للدار، و تزويجه للولد، أو قال: و اللّه لا أبيع الدار أو لا أقفها، فيحنث

كلمة التقوى، ج 6، ص: 419

إذا أمر وكيله ببيع الدار أو وقفها، إلا إذا قصد في يمينه أن يفعل ذلك أو لا يفعله بنحو المباشرة، فيتبع قصده.

المسألة 51:

لا تنعقد يمين في معصية من معاصي اللّه كبيرة أو صغيرة، كما إذا حلف الرجل على أن يحرم على نفسه شيئا أحله اللّٰه له، أو يحلل لنفسه شيئا حرمه اللّه عليه، أو حلف على أن يقطع رحما أو ذا قرابة، أو أخا مؤمنا، فلا يكلمه أو لا يدخل داره، أو لا يجيب دعوته، أو لا يؤاكله، أو لا يجتمع معه في بيت، و شبه ذلك من معاصي اللّه و محرماته، فلا تنعقد يمين الحالف، و لا حكم لها و لا كفارة على الحنث

فيها، بل هي من خطوات الشيطان فيجب تركها و التوبة منها و عدم العودة إليها، و قد تكرر في النصوص و تكثر فيها قول الرسول (ص): لا يمين في قطيعة.

و عن أبي عبد اللّٰه (ع): لا تجوز يمين في تحليل حرام و لا تحريم حلال و لا قطيعة رحم.

و عن سماعة بن مهران قال: سألت أبا عبد اللّه (ع) عن رجل جعل عليه أيمانا أن يمشي إلى الكعبة أو صدقة أو عتقا أو نذرا أو هديا ان هو كلم أباه أو أمه أو أخاه، أو ذا رحم، أو قطع قرابة، أو مأثم يقيم عليه، أو أمر لا يصلح له فعله، فقال (ع): كتاب اللّٰه قبل اليمين، و لا يمين في معصية.

و عن محمد بن مسلم: أن امرأة من آل المختار حلفت على أختها أو ذات قرابة لها و قالت: ادني يا فلانة فكلي معي، فقالت لا، فحلفت و جعلت عليها المشي إلى بيت اللّه الحرام و عتق ما تملك، و ان لا يظلها و إياها سقف بيت أبدا و لا تأكل معها على خوان أبدا، فقالت الأخرى مثل ذلك، فحمل عمر بن حنظلة الى أبي جعفر (ع) مقالتهما، فقال (ع): أنا قاض في ذا: قل لها: فلتأكل و ليظلها و إياها سقف بيت و لا تمشي و لا تعتق، و لتتق اللّه ربها و لا تعد الى ذلك، فان هذا من خطوات الشيطان.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 420

الفصل الثاني في النذر

المسألة 52:

قالوا: النذر هو أن يلتزم الإنسان للّه سبحانه بفعل شي ء أو بتركه على وجه يكون التزامه منشأ بالصيغة المعينة، و هي قوله: للّه علي أو ما بمعناها، لا بمجرد النية القلبية.

و الظاهر: أن النذر هو أن يملك

اللّه سبحانه على نفسه أن يفعل له ذلك الفعل أو يتركه على الوجه المذكور، و التمليك الذي ذكرناه هو مفاد لام الملك في قول الناذر في صيغة النذر: للّٰه علي أن أصوم أو أن أصلي أو أن أتصدق، أو للّٰه علي أن لا أفعل كذا، فالنذر تمليك اللّه الفعل أو الترك على نفسه، و ليس هو مطلق الالتزام له بذلك و ان اشترطوا فيه أن يكون إنشاؤه بالصيغة.

المسألة 53:

قد استبان مما تقدم أنه لا بد في النذر من الصيغة المعينة الدالة على إنشاء تمليك اللّه للفعل أو الترك المنذور، و الظاهر أن صيغة النذر لا تختص بكلمة للّه علي، فيكفي الناذر أن يأتي بأي صفة أو اسم يدل على الذات المقدسة و يكون مفاد الصيغة إنشاء التمليك له سبحانه، فيقول مثلا: للرحمن الرحيم أو للحي القيوم علي أن أفعل أو أن لا أفعل.

المسألة 54:

لا يكفي في الصيغة أن يقول الناذر: علي أن أصوم غدا مثلا، أو أصلي صلاة جعفر أو صلاة النافلة فلا ينعقد نذره إذا قال ذلك، و ان قصد في قلبه معنى (للّه) أو (للرحمن الرحيم) أو غير ذلك مما يدل على الذات المقدسة.

المسألة 55:

يشكل الحكم بانعقاد النذر إذا أتى بما يرادف كلمة (للّه علي) أو ما بمعناها في لغة أخرى غير العربية، و ان كان الناذر لا يحسن العربية،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 421

و يشكل الحكم إذا قال: نذرت للّه ان أصوم كذا، أو قال: للّه علي نذر صوم، فيكون المجعول للّه سبحانه على نفسه هو نذر الصوم لا تمليك الصوم.

المسألة 56:

يشترط في صحة النذر أن يكون الناذر بالغا، فلا ينعقد نذر الصبي و ان كان مميزا أو بلغ عشر سنين، أو كان مراهقا على الأقوى، و يشترط فيه أن يكون عاقلا، فلا ينعقد نذر المجنون إذا كان جنونه مطبقا، أو كان جنونه أدوارا و كان نذره في حال جنونه، و ينعقد نذره إذا نذر في حال إفاقته و كان الوفاء بالفعل المنذور في دور إفاقته أيضا، و إذا كان الفعل المنذور موقتا و اتفق وقته في حال جنون الناذر سقط عنه الوجوب، و قد سبق نظيره في اليمين.

المسألة 57:

يشترط في الناذر أن يكون مختارا، فلا يصح نذره إذا كان مجبرا من أحد أو مكرها على نذره، و يشترط أن يكون قاصدا، فلا ينعقد نذر الهازل و الساهي و لا السكران و لا الغضبان إذا كان غضبه شديدا يرتفع معه القصد.

المسألة 58:

يشترط في صحة النذر أن يكون الناذر غير محجور في متعلق نذره، فلا يصح نذر السفيه إذا نذر مالا أو فعلا يتعلق به سفهه، سواء كان المال المنذور عينا أو في ذمته، و لا ينعقد نذر المفلس إذا تعلق النذر بأمواله المحجورة و التي تعلق بها حق الغرماء.

المسألة 59:

لا يصح نذر العبد المملوك إلا بإذن سيده، سواء تعلق نذره بفعل من أفعاله أم بشي ء من أمواله و سواء كان المالك قد منعه من النذر قبل أن ينذر أم لا، و ان كان المنذور فعل واجب أو ترك حرام، فلا ينعقد نذره في جميع ذلك إلا بالاذن، و يجب عليه فعل الواجب و ترك المحرم و ان لم يأذن له مولاه بهما و لم ينعقد نذره فيهما، بل و ان نهاه عنهما.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 422

المسألة 60:

يشترط في صحة نذر المرأة إذن زوجها، فلا ينعقد نذرها بغير اذنه، و ان تعلق النذر بمالها أو بفعلها، سواء سبقها الزوج فمنعها من النذر قبل أن تنذر أم لا، و سواء كان النذر الذي تنذره مما يمنع الزوج عن الاستمتاع بها كالصوم و الحج و العمرة و الاعتكاف أم لا.

المسألة 61:

إذا أذن الزوج لزوجته فنذرت، صح نذرها و وجب عليها الوفاء به و لم يجز للزوج الرجوع بالإذن أو حل النذر، و ليس له أن يمنعها عن الوفاء به و ان كان مما يمنعه عن الاستمتاع بزوجته.

المسألة 62:

لا يشترط في صحة نذر الولد اذن أبيه، فإذا نذر بغير اذنه انعقد نذره و لم يجز للأب ان يحل نذره أو يمنعه من الوفاء به.

و إذا نهاه الأب عن إيقاع النذر قبل أن ينذر لم يجز للولد النذر، فإذا نذر بعد النهي لم ينعقد و لم يجب عليه الوفاء به، و إذا نهاه عن النذر بعد أن نذر، ففي صحته اشكال، و كذلك الأم على الأحوط.

المسألة 63:

لا يجوز النذر لغير اللّٰه سبحانه من رسول أو نبي أو ولي أو ملك أو عبد صالح، و لا يجوز للكعبة و المشاهد و المساجد و المعابد و سائر الأمكنة المحترمة في الإسلام، و قد تقدم ان النذر هو تمليك للّه سبحانه ينشئه الإنسان على نفسه بصيغة النذر كما هو المختار في معنى النذر، أو هو التزام له سبحانه يعقده الإنسان على نفسه بالصيغة المعينة كما هو القول المشهور.

و النذر نحو من أنحاء العبادة، و من أجل ذلك فلا بد فيه من القربة كما سنذكره ان شاء اللّه و نوضح المعنى المراد منه، و لذلك كله فلا يجوز النذر لغير اللّه تعالى.

و الأنبياء و الأولياء و الصلحاء و المعابد و المشاهد و المساجد و سائر المخلوقات المكرمة انما هي وجوه من القربات التي يتقرب بتكريمها الى

كلمة التقوى، ج 6، ص: 423

اللّه، فيصح للعبد أن ينذر شيئا للّه و يملكه على نفسه، على أن يصرف المنذور في بعض هذه الوجوه المقربة إليه تعالى على وجه الخصوص، فينذر النذر للّه على أن يصرف في شؤون الكعبة المكرمة أو شؤون النبي أو الولي أو المشهد أو المسجد.

و الفارق كبير و واضح جدا بين أن ينذر الإنسان للّه وحده متقربا اليه

و يعين في نذره صرف ما نذره للّه في بعض هذه الوجوه المقربة الى اللّه فيصلي الركعات المنذورة للّه أو يصوم الأيام المنذورة له و يجعلها هدية أو يجعل ثوابها للرسول أو للإمام أو للولي الصالح أو الشهيد الكريم، و يصرف المال المنذور لله في بعض شؤونهم أو في شؤون الأمكنة المحترمة في الإسلام، و هذا هو ما يفعله خاصة الشيعة و عامتهم حتى الجهلة منهم بالأحكام، و هذا ما يقصدونه في نذورهم حتى من يغلط منهم في التعبير، و بين أن ينذرها للنبي أو الولي أو المعبد أو المشهد أنفسها، فلا ينعقد النذر و لا يجوز لأنه لغير اللّه، و هذا ما تصرح كتب علماء الشيعة بعدم جوازه.

المسألة 64:

ما ينذره الشخص للّٰه على نفسه قد يجعل وجوبه عليه معلقا على حصول نعمة أو شي ء يرغب في حصوله، فيقصد في صيغته أن يكون النذر شكرا للّه على إيتائه تلك النعمة، و مثال ذلك أن يقول: ان رزقني اللّه ولدا ذكرا، أو ان وفقني لحج بيته الحرام في هذا العام: ان أصوم كذا يوما، أو أن أتصدق بكذا دينارا شكرا له على تفضله.

و قد يجعل وجوب الفعل أو الترك المنذور عليه معلقا على نجاته من أمر يخشى حلوله عليه، فيقصد أن يكون النذر شكرا للّه على دفعه تلك البلية عنه أو توسلا اليه بذلك أن يكشف ذلك الضر عنه، و مثال ذلك ان يقول: ان كشف اللّه هذه الكربة أو شفاني من هذا المرض أو أنجاني من هذه البلية فلله علي أن اعتمر في شهر رجب أو أن أزور الحسين في عرفة.

و قد يجد الإنسان نفسه مدفوعا بدافع أو أكثر إلى ارتكاب أمر و هو لا

يرغب في حصوله منه، فيجعل على نفسه نذرا ان هو عمل ذلك العمل

كلمة التقوى، ج 6، ص: 424

أو ركبه، ليكون ترتب هذا الجزاء زاجرا له عن الوقوع فيه أو زاجرا له عن تركه، فيقول مثلا: ان شربت الدخان أو ان ارتكبت الغيبة، فلله علي ان أتصدق بمائة دينار أو أن أصوم شهرا متتابعا، أو يقول:

ان تركت صلاة الجماعة أو ان تركت الصلاة في أول وقتها فلله علي أن أحج أو أن اعتمر أو أن أزور ماشيا، و يسمى القسم الأول و القسم الثاني نذر شكر، و نذر بر، و يسمى القسم الثالث نذر زجر.

و قد يجعل الإنسان وجوب الفعل أو الترك المنذور عليه مطلقا غير معلق على حصول شي ء أو على عدم حصوله، فيقول: للّه علي أن أتصدق بعشرة دنانير، أو أن أصلي النافلة اليومية أو ان أصوم كل أربعاء من رجب و كل خميس من شعبان، و يسمى هذا القسم الرابع نذر التبرع.

المسألة 65:

يشترط في صحة نذر الشكر أن يكون الأمر الذي علق الناذر عليه وجوب الفعل على نفسه مما تصح مقابلته بالشكر، فإذا كان من فعل اللّه سبحانه فلا بد و أن يكون مما يصح سؤاله من اللّٰه و تمنى وقوعه منه، كما ذكرناه في مثال ذلك، و كما إذا قال: ان أهلك اللّٰه عدوي الجائر، أو ان بسط اللّٰه الأمن و الدعة في البلاد، أو ان شفى اللّه مريضي، أو أن عافى أخي المؤمن فلانا من بليته و أنجاه من كربته فلله علي أن أصوم أو أتصدق بكذا، فينعقد نذره و يلزمه الوفاء به، و لا يجوز أن يعلق نذره و شكره على حدوث أمر لا يصح طلبه من اللّٰه و

لا يتمنى وقوعه منه، فيقول: إن أهلك اللّه فلانا و يقصد بذلك مؤمنا صالحا، أو ان وقعت النكبة على أهل بلد مؤمنين أو على أسره مسلمة، أو ان نصر اللّه عدو المسلمين أو ان شفاه من مرضه فلله علي أن أصوم أو أن أتصدق، و يقصد بذلك الشكر على ذلك، فلا يجوز له ذلك و لا ينعقد نذره.

و إذا كان الأمر الذي علق الناذر عليه نذره و شكره من فعل نفسه، وجب أن يكون من الطاعات التي يشكر اللّه لتوفيقه إياه لفعلها، أو من المعاصي أو المكروهات التي يشكر اللّه لإعانته على تركها و هجرها، فيقول مثلا: ان حججت في هذا العام أو إن زرت قبر الرسول (ص)، أو ان صمت شهر رمضان، فلله علي أن أختم القرآن كذا مرة، شكرا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 425

للّه على ذلك، أو يقول: ان تركت المعصية المعينة أو المكروهات المعينة، فلله علي أن أتقرب اليه بإطعام عشرين مسكينا شكرا له على عونه.

و لا يصح أن يجعل نذره شكرا للّه على ترك طاعة واجبة أو مستحبة أو على فعل محرم كبير أو صغير أو على مكروه فلا ينعقد نذره إذا قصد ذلك.

و إذا كان الأمر الذي علق عليه النذر من فعل ناس آخرين وجب أن يكون مما ينتفع به الناذر في دينه أو في دنياه و لو على نحو العموم و أن يكون مما يصح أن يشكر اللّه عليه، فيقول مثلا: ان قدم ولدي من السفر، أو ان صلح عمله و ترك الموبقات، أو ان أقبل الناس على الطاعة و تركوا المعصية، أو ان أصلح فلان أمر عياله و كان ذلك مما يهمه، فلله علي ان أتصدق بكذا

شكرا للّه على ذلك، فيصح نذره بذلك و ينعقد.

و لا يصح نذره و شكره إذا قال مثلا: ان واظب زيد على منكراته و استمر على معصيته فلله علي أن أتقرب الى اللّه بكذا فلا ينعقد نذره.

المسألة 66:

لا يتصور أن يكون النذر نذر زجر إلا إذا كان الأمر الذي علق عليه النذر أمرا اختياريا للناذر سواء كان فعلا أم تركا، فان زجر الإنسان نفسه عن شي ء انما يصح إذا كان الإنسان مختارا في فعل ذلك الشي ء و تركه، و يشترط في صحة هذا القسم من النذر أن يكون الفعل أو الترك الذي علق النذر عليه مما يصح المنع عنه شرعا، فيقول مثلا:

ان عملت الخطيئة المعينة، أو ان ارتكبت حراما، أو ان فعلت مكروها في يوم الجمعة أو في شهر رمضان، فلله علي ان أعتق رقبة، بقصد زجر نفسه عن ارتكاب ذلك. أو يقول: ان تركت الصلاة، أو ان تركت الصيام في شهر رمضان، أو تركت واجبا فلله علي أن أحج أو أن اعتمر ماشيا، أو يقول: ان تركت النافلة اليومية، أو ان تركت صلاة جعفر في يوم الجمعة فلله علي أن أتصدق بمائة دينار بقصد منع نفسه عن ترك هذه الطاعات، فيصح نذره و يجب عليه الوفاء به.

و لا يصح له ان يزجر نفسه عن فعل واجب أو مستحب أو عن ترك

كلمة التقوى، ج 6، ص: 426

محرم أو مكروه، فإذا نذر بهذا القصد لم ينعقد نذره، و لم يجب عليه الوفاء به.

المسألة 67:

يصح نذر التبرع على الأحوط بل على الأقوى، و نذر التبرع كما ذكرنا في المسألة الرابعة و الستين هو النذر الذي يوجبه الإنسان على نفسه مطلقا غير معلق على حصول شي ء، فيقول: للّه علي أن أصلي النافلة اليومية في شهر رمضان أو يقول: للّه علي أن أصلي صلاة جعفر في كل جمعة، فيجب عليه الوفاء به إذا اجتمعت فيه شروط الانعقاد.

المسألة 68:

إذا كان النذر معلقا على حصول شي ء و كان الشي ء الذي علق عليه النذر عملا اختياريا للناذر، أمكن أن يكون النذر نذر شكر، و ان يكون نذر زجر، و الفارق بينهما هو قصد الناذر، فإذا قال القائل: ان صمت شهر رمضان في هذا العام، فلله علي أن أتصدق بمائتي دينار، و قصد بذلك أن دفع الصدقة المنذورة شكر للّه على توفيقه للصيام في الشهر كان نذر شكر فينعقد و يلزم الوفاء به، و إذا قال ذلك، و قصد به أن تكون الصدقة المذكورة غرامة تزجره عن الإتيان بالصوم كان نذر زجر فلا ينعقد و لا يجب البر به.

و كذلك إذا قال: ان عملت محرما في يومي هذا أو في شهري هذا فلله علي أن أدفع لأخي زيد مائة دينار، فإن أراد بذلك زجر نفسه عن الوقوع في العمل المحرم في المدة المعينة صح نذره و انعقد، و ان قصد به الشكر لتهيئة أسباب العمل المحرم له حتى عمله كان نذر شكر و لم ينعقد.

المسألة 69:

يشترط في انعقاد النذر أن يكون الفعل أو الترك المنذور مقدورا للناذر، فلا ينعقد النذر إذا كان متعلقة غير مقدور له، من غير فرق بين أن يكون نذر شكر أو نذر زجر أو يكون مطلقا غير معلق على حصول شي ء، و المدار أن يكون المتعلق مقدورا له حين الوفاء به لا حين إنشاء صيغة النذر، فإذا نذر أن يتصدق بمن من العنب إذا نمت مزرعته

كلمة التقوى، ج 6، ص: 427

فأنتجت عنبا في وقت حاصلها صح نذره و انعقد و ان كان غير قادر على دفع الصدقة المنذورة حين النذر لعدم وجود العنب في ذلك الحين.

المسألة 70:

إذا نذر المكلف نذرا و عين له وقتا، و كان قادرا على فعل الشي ء حين النذر ثم عجز عنه عند حضور وقت الوفاء به انحل نذره و سقط عنه الوجوب و لم تجب عليه الكفارة، و مثال ذلك ان يقول: للّه علي أن أتصدق بمائة دينار في أول شهر رمضان و هو قادر على ذلك في حال النذر، ثم أعسر في هلال الشهر و لم يتمكن من دفع الصدقة في وقتها، فينحل النذر لعدم القدرة و يسقط عن الناذر وجوب التصدق. و كذلك الحكم إذا نذر نذرا مطلقا لم يعين له وقتا ثم عجز عن أدائه عجزا مطلقا فينحل نذره و يسقط وجوب الوفاء به.

و يستثنى من ذلك ما إذا نذر صوما و عجز عنه، فالأحوط لزوما ان يتصدق عن كل يوم من الأيام المنذور صومها بمد من الحنطة، و في بعض النصوص أن يعطي من يصوم عنه كل يوم مدين.

المسألة 71:

انما ينحل النذر و يسقط وجوب الفعل المنذور عن الناذر إذا عجز عن الفعل و استمر به العجز، فإذا عجز عنه أولا ثم تجددت له القدرة على فعله وجب عليه الوفاء به إذا كان الوقت باقيا أو كان النذر مطلقا.

المسألة 72:

يشترط في الشي ء المنذور فعله أو تركه أن يكون طاعة يتقرب بها الى اللّه سبحانه من الواجبات أو المندوبات، كالصلاة و الصيام و الحج و الاعتمار و الاعتكاف و الزيارة و الصدقة و العتق، أو من الأمور المحبوبة له سبحانه، و التي أمر بها أو حثت الشريعة على فعلها كعيادة المرضى و صلة الأرحام و البر بالإخوان و زيارتهم و اعانة المحتاجين و تجهيز الموتى و تشييع الجنائز و ترك المحرمات و المكروهات.

المسألة 73:

ينعقد نذر الفعل المباح إذا طرأ عليه عنوان أوجب رجحانه شرعا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 428

كأكل الفاكهة إذا أوجب أكلها سرعة شفاء المريض من مرضه أو تقدم صحته في أدوار نقاهته أو قوته في أدوار ضعفه، و كتناول الطعام المباح حين تكون فيه اجابة لدعوة مؤمن أو صلة لرحم أو بر بأبوين، أو قصد به الآكل أن يتقوى به على طاعة.

و ينعقد نذر تركه حين يكون تركه راجحا على فعله كما إذا كان أكل الشي ء المباح سببا للضرر أو كان مظنة لذلك، و كما إذا نهاه أحد الأبوين عن الشي ء المباح لبعض الدواعي التي تبعثه على الشفقة فقال له: لا تدخل دار فلان أو لا تأكل طعامه. فيحرم عليه فعل ما نهاه عنه، فإذا نذر تركه انعقد النذر و وجب عليه الترك من كلتا الناحيتين.

و لا ينعقد نذر فعله إذا كان الفعل مرجوحا لبعض الجهات المذكورة أو غيرها، و لا ينعقد نذر تركه إذا كان الترك مرجوحا كذلك، و لا ينعقد نذر فعله و لا تركه إذا كانا متساويين، فلا رجحان لفعله و لا لتركه.

المسألة 74:

إذا نذر المكلف صلاة أو صياما أو صدقة و حدد لها في نذره وقتا معينا وجب عليه أن يأتي بالفعل المنذور في الوقت المعين، و لم يجزه أن يأتي بالفعل في غير ذلك الوقت.

فإذا قال: للّه علي أن أصلي ركعتين قبل طلوع الشمس من يوم الخميس، أو قال: للّه علي أن أصوم يوم الخميس لم يكفه في الوفاء بنذره أن يصلي الركعتين في غير الوقت المحدد من يوم الخميس، أو يصوم غير الخميس من الأيام، و إذا لم يأت بالصلاة و الصوم في الوقت الذي عينه عامدا حنث في

نذره و وجبت عليه الكفارة، و ان أتى بالفعل في وقت آخر قبل الوقت المعين أو بعده.

المسألة 75:

إذا نذر المكلف أن يصلي ركعتين أو أكثر، أو أن يصلي صلاة جعفر في مكان ترجح الصلاة فيه على غيره، انعقد نذره و وجب عليه أن يأتي بالصلاة المنذورة في المكان الذي عينه، و لم يكفه أن يصليها في غير ذلك

كلمة التقوى، ج 6، ص: 429

المكان و ان كان مساويا له في الرجحان أو أفضل.

فإذا نذر الصلاة في مسجد سوق أو في مسجد قبيلة مثلا وجب عليه أن يأتي بالصلاة المنذورة فيه، و إذا تركها عامدا و لم يصلها فيه حنث في نذره و لزمته الكفارة، و ان صلاها في مسجد جامع أو في أحد المساجد المعظمة أو أحد المشاهد المشرفة.

المسألة 76:

إذا نذر الرجل الصلاة في موضع ليس فيه أي رجحان على غيره من الأمكنة كالصلاة في البلد، أو في المأتم أو في المجلس أو في بيت فلان، أشكل الحكم بانعقاد نذره، و الأحوط انعقاد نذره إذا تعلق بمجموع القيد و المقيد، فكان المنذور هي الصلاة في المكان المعين، فيلزم الوفاء به على الأحوط في هذه الصورة.

المسألة 77:

إذا نذر الإنسان أن يوقع صلاته المفروضة أو صيامه الواجب في بلده أو في مجلسه أو في بيته مثلا، فلم ينذر الصلاة و لا الصيام و لكنه نذر ان يكون إتيانه بهما في الموضع الخاص الذي لا رجحان فيه و لا مرجوحية، فالظاهر عدم انعقاد النذر و عدم وجوب الوفاء به، و كذلك الحكم إذا نذر أن يوقع نوافله المندوبة من الصلاة و الصيام في ذلك الموضع الذي لا رجحان فيه فلا ينعقد نذره.

و إذا طرأ للموضع ما يوجب رجحانه ككونه أبعد عن الشك أو أقرب لحصول الاطمئنان أو اضمن لتحصيل التوجه و الإخلاص في العبادة انعقد النذر و لزم الوفاء به.

المسألة 78:

إذا نذر المكلف أن يصوم و لم يعين عددا، أجزأه في الوفاء بنذره أن يصوم يوما واحدا من الأيام التي يصح صومها، و لم يجز أن يأتي ببعض الأفراد التي حرمها الإسلام كصوم الصمت و صوم الوصال و صوم بعض اليوم، و الصوم عن بعض المفطرات دون بعض.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 430

و إذا نذر أن يصلي و لم يعين عددا من الركعات و لا كيفية معينة، كفاه أن يصلي ركعتين على الكيفية الثابتة في الشريعة، بل و يكفيه أن يأتي بمفردة الوتر، و لا يكفيه أن يصلي ركعة واحدة بغير كيفية صلاة الوتر، و لا يكفيه و لا يصح له أن يأتي بصلاة على كيفية غير ثابتة في الشرع كصلاة بغير تكبيرة إحرام أو بغير ركوع أو بسجدة واحدة أو بغير سجود.

و إذا نذر صدقة مطلقة أجزأه أن يدفع للفقير أدنى ما يقال له صدقة في نظر أهل العرف.

و إذا نذر قربة أو عبادة كفاه أن يصوم يوما أو يصلي أو يتصدق

على بعض الوجوه الصحيحة التي تقدم ذكرها أو يأتي بأي قربة أو عبادة صحيحة أخرى.

المسألة 79:

إذا نذر أن يصلي عشر ركعات أو عشرين ركعة أو أكثر وجب أن يفرد كل ركعتين منها بتسليم، على النحو الثابت في صلوات النوافل الا أن ينذر كيفية شرعية خاصة كما إذا نذر صلاة الأعرابي، و قد ذكرنا هذا في فصل أعداد الصلاة من الجزء الثاني من الرسالة.

المسألة 80:

إذا نذر أن يصوم خمسة أيام أو عشرة أيام أو أكثر متتابعة وجب أن يأتي بها متتابعة كما عين، فلا يجزيه أن يصومها متفرقة أو يفرق بعضها، و إذا نذر أن يصومها متفرقة وجب أن يصومها متفرقة كما عين كذلك و إذا نذر أن يصوم الأيام و لم يشترط ان يكون صومها متتابعا أو متفرقا تخير في الوفاء بين الأمرين.

و كذلك الحكم إذا نذر أن يصوم سنة مطلقة و لم يشترط التتابع أو التفريق، فيكفيه أن يصوم اثني عشر شهرا متتابعة أو متفرقة الشهور أو الأيام، و لا يدخل فيها شهر رمضان إذا كان المراد أن يصوم سنة تامة فلا بد من أن يصوم اثني عشر شهرا غيره و غير العيدين و أيام التشريق إذا كان بمنى.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 431

المسألة 81:

إذا نذر أن يصوم شهرا هلاليا، وجب عليه أن يصوم ما بين الهلالين و أن يأتي بالصوم متتابعا حتى يهل الهلال الثاني، و يكفيه صوم ما بين الهلالين و ان كان ناقصا، و كذلك إذا نذر أن يصوم شهرا معينا من الأشهر القمرية المعروفة كشهر رجب أو شهر شعبان مثلا.

و إذا نذر أن يصوم شهرا مطلقا و لم يقيده بالهلالي، لم يجب عليه أن يتابع في صومه، و إذا ابتدأ بصوم الشهر المنذور من الهلال كفاه ان يتم صومه الى الهلال الثاني و ان كان ناقصا في العدد، و إذا شرع في صومه في أثناء الشهر وجب عليه أن يكمله ثلاثين يوما على الأقوى، و كذلك إذا فرق الأيام و لم يتابع صومه فلا بد من ان يكمله ثلاثين يوما و ان شرع في صومه من الهلال.

المسألة 82:

إذا نذر الرجل ان يصوم سنة متتابعة من السنين المتعارفة في الدوران لم يدخل فيها صوم العيدين، فيجب عليه الإفطار فيهما، و لا يضر إفطاره فيهما بالتتابع المنذور و يجب عليه قضاؤهما على الأحوط.

و إذا عرض له في أثناء السنة مرض أو طرأ للمرأة حيض أو نفاس، وجب الإفطار و لم يضر إفطاره بالتتابع، و يجب عليه قضاء ما أفطره على الأقوى، و كذلك إذا اضطر الى السفر في أثناء السنة و كان اضطراره بنحو القهر الذي يخرج به عن كونه مختارا، فيجب عليه الإفطار و القضاء و لم يضر إفطاره في هذا السفر بتتابع النذر، و مثال هذا الاضطرار ان يسافر به ظالم متغلب فيقطع به المسافة مقسورا على أمره و يجب عليه الإفطار لذلك.

و إذا لم يبلغ اضطراره الى السفر هذه المرتبة أشكل الحكم بأن إفطاره

فيه لا يقطع التتابع.

و إذا سافر في أثناء سنته مختارا و أفطر انقطع تتابع صومه بلا ريب، بل يشكل الحكم بجواز السفر له إذا كان موجبا للإفطار و قطع التتابع.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 432

المسألة 83:

إذا نذر الرجل ان يصوم سنة متتابعة كما هو الفرض المتقدم دخل شهر رمضان في نذره، فيكون صومه واجبا بالأصل و واجبا بالنذر فلا ينقطع به التتابع، فإذا أفطر فيه عامدا لزمته كفارة الحنث بالنذر و كفارة الإفطار في شهر رمضان و انقطع بذلك تتابع صوم النذر، و إذا نذر صوم سنة متتابعة غير شهر رمضان لم ينقطع تتابعه بصيام شهر رمضان في الأثناء.

المسألة 84:

إذا نذر الرجل أن يصوم سنة معينة فقال: للّه علي أن أصوم هذه السنة مثلا، أو قال: للّه علي أن أصوم سنة ألف و أربعمائة و عشر من الهجرة، انعقد نذره و وجب عليه صوم السنة المعينة كلها، و لم يدخل فيها صوم يومي العيدين منها، فلا يجوز له صومهما، و الأحوط قضاؤهما، و لا يدخل فيها صوم أيام التشريق الثلاثة إذا كان بمنى سواء كان ناسكا أم غير ناسك، فلا يجوز له صومها، و الأحوط له قضاؤها بعد السنة، و أيام التشريق هي الأيام الحادي عشر و الثاني عشر و الثالث عشر من شهر ذي الحجة، و يجب عليه صومها إذا كان بغير منى. و يدخل في نذره شهر رمضان فيكون صومه واجبا من الناحيتين فإذا أفطر فيه لزمته كفارة الإفطار و كفارة خلف النذر.

و إذا أفطر من السنة المنذورة أياما عامدا غير الأيام التي تقدم ذكرها و لم يكن قد اشترط التتابع في صومه بنى على الصوم و أتم السنة ثم قضى الأيام التي أفطرها و وجبت عليه الكفارة بعدد الأيام.

و إذا كان قد اشترط التتابع في صوم السنة المعينة بطل التتابع و أشكل الحكم، و الأحوط أن يتابع في صوم ما بقي من أيام السنة الى ان تتم،

و يصل بها قضاء الأيام التي أفطرها و قضاء ما بطل تتابعه من الأيام التي صامها قبل ذلك و أبطل تتابعها بإفطاره، و يأتي بالجميع متتابعا، و عليه الكفارة لإخلاله بالتتابع.

المسألة 85:

إذا نذر المكلف صوم يوم معين من الشهر أو من الأسبوع، و أفطر

كلمة التقوى، ج 6، ص: 433

ذلك اليوم وجب عليه قضاء صومه و إذا كان عامدا من غير عذر وجبت عليه الكفارة.

المسألة 86:

إذا نذر المكلف صوم يوم معين لم يحرم عليه السفر فيه و ان كان السفر غير ضروري له، فإذا سافر فيه أفطر و وجب عليه قضاء صومه و لم تجب عليه الكفارة.

المسألة 87:

إذا نذر المكلف ان يصوم كل يوم خميس في سنته أو ما دام حيا، و اتفق يوم الخميس مع أحد العيدين وجب عليه إفطار ذلك اليوم و لزمه قضاؤه على الأحوط، و إذا مرض الناذر في يوم الخميس أو سافر، أو حاضت المرأة أو تنفست فيه لزم الإفطار كذلك، و وجب عليه قضاء اليوم على الأقوى و لا كفارة عليه في الجميع.

المسألة 88:

إذا نذر الإنسان أن يصوم كل يوم خميس، ثم وجب عليه أن يصوم صوما يجب فيه التتابع كما إذا نذر صوما متتابعا عشرة أيام أو شهرا أو شهرين، أو وجبت عليه كفارة فيها صوم متتابع، فإذا أراد أن يأتي بالصوم المتتابع وجب عليه أن يصوم كل خميس من تلك الأيام وفاء بنذره السابق المتعلق به، و لا يكون ذلك مخلا بتتابع صومه الذي وجب عليه للكفارة أو للنذر اللاحق.

المسألة 89:

إذا نذر الإنسان صوما و اشترط في صيغة النذر أن يأتي بالصوم في السفر و الحضر، صح نذره و شرطه، فيصح منه الصوم و ان كان مسافرا، و يتعين عليه إذا كان مؤقتا و اتفق سفره في الوقت فيجب عليه الصوم و يجزيه، سواء كان الصوم المنذور متتابعا أم لا.

المسألة 90:

إذا نذر الإنسان أن يزور الرسول (ص) أو يزور أحد الأئمة المعصومين (ع) انعقد نذره و وجب عليه البر به، و يكفي في الوفاء

كلمة التقوى، ج 6، ص: 434

بنذره مع الإطلاق أن يحضر عند المزور و يسلم عليه، و لا يجب عليه أن يأتي بشي ء من الآداب و المستحبات المأثورة في الزيارة كالغسل و الصلاة و غيرهما، و إذا ذكر ذلك في صيغة النذر أو ذكر شيئا منه لزمه الإتيان به.

و إذا نذر أن يزور اماما معينا، تعينت عليه زيارة ذلك الامام و لم تجزه عنها زيارة غيره من الأئمة (ع) فإذا ترك زيارته عامدا مع القدرة حنث في نذره و وجبت عليه كفارة النذر، و إذا نذر زيارته في وقت معين، وجبت عليه زيارته في ذلك الوقت، فإذا تركها عامدا مع القدرة حنث في نذره و وجبت عليه الكفارة، و لم يجزه أن يزور ذلك الإمام في وقت آخر، و يشكل الحكم بوجوب القضاء و ان كان أحوط.

المسألة 91:

إذا نذر الإنسان أن يزور اماما معينا ثم عجز عن زيارته انحل نذره و سقط عنه الوجوب، و لم تجب عليه الكفارة، و لم تجب عليه زيارة إمام آخر بدلا عنه.

المسألة 92:

إذا نذر الرجل أن يحج ماشيا و كان قادرا على ذلك و آمنا من الضرر بفعله، انعقد نذره و وجب عليه، فإذا تركه، أو حج راكبا أو مشى في بعض الطريق و ركب في بعضه، و كان وقت الحج المنذور معينا و فات الوقت بذلك، حنث بنذره و وجبت عليه الكفارة، بل و لا يترك الاحتياط بالقضاء، فيحج ماشيا بعد الوقت.

و كذلك إذا كان النذر مطلقا لم يعين له وقت، و ترك المشي في ذلك العام مع قدرته عليه ثم عجز عن المشي في بقية السنين، فيحنث بنذره و تلزمه الكفارة، و إذا كان النذر مطلقا و هو قادر على المشي في بقية السنين وجب عليه أن يفي بنذره فيحج ماشيا.

و كذلك الحكم إذا نذر أن يزور الرسول (ص) ماشيا، أو نذر أن يزور أحد الأئمة (ع) ماشيا، فينعقد نذره و يلزمه الوفاء مع القدرة و الأمن من الضرر، و يجري فيه التفصيل المذكور في الحج.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 435

المسألة 93:

إذا نذر المكلف الحج أو الزيارة ماشيا و هو قادر على ذلك، ثم عجز عن الإتيان بما نذره عجزا تاما انحل نذره و سقط عنه الوجوب، و إذا عجز عن المشي في بعض الطريق دون بعض، و كان نذره مؤقتا، مشى من الطريق ما يستطيع مشيه و ركب في الباقي على الأحوط، إذا لم يكن ذلك هو الأقوى، و كذلك الحكم إذا كان نذره مطلقا غير مؤقت بسنة معينة و كان عجزه بعد الشروع في الذهاب فيمشي من الطريق ما أمكنه و يركب في الباقي.

و إذا كان نذره مطلقا و كان عجزه قبل الشروع في الذهاب صنع كذلك على الأحوط ثم أعاد الحج ماشيا

إذا تمكن منه بعد ذلك في السنين الآتية.

و إذا كان نذره مطلقا فعجز كذلك و لم يحج في تلك السنة ثم تجددت له القدرة على المشي في السنين الأخرى وجب عليه الوفاء بنذره.

المسألة 94:

إذا نذر أن يتصدق بشي ء معين خارجي، وجب عليه أن يتصدق بعين ذلك الشي ء الذي تعلق به النذر إذا كان موجودا، و مثال ذلك أن يقول:

للّه علي أن أتصدق بهذه الوزنة المعينة من الحنطة أو بهذا الثوب المعين أو بهذه القطعة المعلومة من الفراش، فيلزمه أن يدفع للمستحق نفس العين المنذورة و لا يجزيه أن يدفع وزنة أخرى من الحنطة بدلا عنها أو يتصدق بقيمة الثوب أو الفراش المعين من الدراهم أو الدنانير.

و إذا تلفت العين التي نذر التصدق بها و لم يكن الناذر هو المتلف لها انحل نذره و لم يجب عليه دفع بدلها و لا دفع الكفارة، و إذا كان الناذر هو الذي أتلف العين المنذورة كان ضامنا لها، فتجب عليه الصدقة بمثلها إذا كانت مثلية، و بقيمتها إذا كانت قيمية على الأحوط، و يلزمه دفع الكفارة على الأقوى.

المسألة 95:

إذا نذر الرجل أن يتصدق على شخص معين، فقال: للّه علي ان أتصدق على زيد مثلا بمائة دينار، وجب على الناذر ذلك، فلا تكفيه الصدقة على غير الشخص الذي عينه و ان كان قريبا له، أو كان أفقر منه أو

كلمة التقوى، ج 6، ص: 436

كانت الصدقة عليه أفضل، و لا يتعين على الشخص المنذور له أن يقبل الصدقة المنذورة و يجوز له أن يمتنع من قبولها، و إذا هو امتنع و لم يقبلها انحل نذر الناذر لتعذر حصول الفعل المنذور عليه، و سقط عنه وجوبه، و هذا إذا استمر المنذور له على امتناعه من قبول الصدقة كما سيأتي بيانه في المسألة السابعة و التسعين.

المسألة 96:

إذا قبل الفقير المنذور له تصدق الناذر عليه، ثم أبرأ ذمته من الصدقة قبل أن يقبضها منه لم تبرأ ذمة الناذر من الصدقة و لم يسقط عنه الوجوب بإبرائه.

و إذا دفع الناذر الصدقة إلى المستحق و قبضها منه ملكها بالقبض و برئت ذمة الناذر و جاز للمستحق أن يهبها له أو يدفعها له مكافأة على عمل، و نحوه و ان كره للناذر أن يأخذها منه.

المسألة 97:

إذا نذر الناذر أن يتصدق على شخص معين، و امتنع المنذور له عن قبولها، ثم عاد فقبلها بعد امتناعه، فالظاهر وجوب التصدق عليه إذا كان النذر مطلقا و لم يكن للصدقة المنذورة وقت معين، أو كانت مؤقتة و كان الوقت لا يزال باقيا.

و إذا كانت الصدقة المنذورة مؤقتة و قد انقضى وقتها قبل أن يعود الفقير فيقبل التصدق، انحل النذر و لم يجب على الناذر التصدق بها عليه.

المسألة 98:

إذا كانت الصدقة المنذورة عينا شخصية و امتنع المنذور له عن قبولها، جاز للناذر أن يتلف العين بعد امتناع الفقير عنها، و لا يكون على الناذر ضمان بإتلافها و لا تجب عليه كفارة، و ان قبل المنذور له بعد التلف.

المسألة 99:

إذا نذر المكلف أن يتصدق بعين مشخصة أو بمبلغ من المال في ذمته، ثم مات قبل أن يفي بنذره وجب أن تخرج الصدقة المنذورة من أصل

كلمة التقوى، ج 6، ص: 437

تركته، و كذلك الحكم في كل نذر يتعلق بالمال، كما إذا نذر أن يفي دين زيد من ماله، أو نذر أن يدفع له مبلغا من المال يحج به أو يعتمر أو يزور، أو نذر أن يصل أباه أو أخاه أو أحد أرحامه بمقدار من المال، فإذا مات الناذر قبل أن يفي بالنذر اخرج المال المنذور من أصل تركته لا من الثلث.

المسألة 100:

إذا نذر المكلف أن يتصدق على زيد بمبلغ من المال أو بعين مخصوصة ثم مات الشخص المنذور له قبل أن يتصدق الناذر عليه بالعين أو المبلغ المنذور، أشكل الحكم فيه، فلا يترك الاحتياط بقيام وارثه مقامه إذا كان مستحقا، و إذا لم يكن له وارث أو كان لا يستحق الصدقة أو امتنع من قبولها فالظاهر سقوط النذر بالصدقة لتعذر الوفاء بها.

المسألة 101:

إذا نذر أن يهب أو يهدي الى فلان شيئا معينا أو مبلغا من المال ثم مات المنذور له قبل أن يفي الناذر له بنذره سقط النذر و لم يجب الوفاء به. و إذا مات الناذر قبل أن يهب، فالأحوط ان يتولى وصيه أو وارثه ذلك، فيهب المال للمنذور له و يخرجه من أصل تركة الميت.

المسألة 102:

ما ينذر لأحد المشاهد الشريفة يختص به و لا يجوز صرفه في غيره من المشاهد و ان كان أعظم قدرا منه أو أكثر حاجة، فيصرف في مصالح المشهد المنذور له، كتعميره إذا احتاج الى التعمير و إصلاح بنائه إذا احتاج الى الإصلاح و انارته، و تجهيزه بوسائل التهوية و التبريد و التدفئة و تبريد الماء، و تعمير أماكن التطهير و الوضوء في المشهد و ترميمها، و اعانة خدام المشهد الصالحين و القائمين بشؤونه، و ما يشبه ذلك أو يتصل به من الحاجات و المقاصد اللائقة به.

المسألة 103:

ما ينذر للرسول (ص) أو لأمير المؤمنين (ع) أو لأحد المعصومين (ع) أو للعباس (ع) أو لغيرهم من الذرية الطيبة و الذوات الطاهرة، يصرف في سبل الخير و القربات، فيعان به المحتاجون من أهل العلم على تحصيل

كلمة التقوى، ج 6، ص: 438

غاياتهم من طلب العلم و نشر الإسلام، و ينفق على المحتاجين من ذرية الرسول (ص)، و يتصدق به على الفقراء من المؤمنين، و يعان به المحتاجون من الزوار، و يصح صرفه في بناء المساجد و مساكن الفقراء و الأيتام و نحو ذلك، و يقصد بجميع ذلك عود ثواب الخيرات و المبرات الى المنذور له منهم (ع).

و الأحوط استحبابا تخصيصه بالمحتاجين من المجاورين من أهل العلم و من الذرية و الفقراء و خدمة المشهد.

المسألة 104:

إذا نذر الناذر لأحدهم (ع) و قصد بنذره ان يصرف المال المنذور في إقامة مآتمهم (ع)، و عزائهم أو ذكري وفياتهم، أو في الإطعام فيها و القيام ببعض شؤونها وجب صرفه في الجهة المذكورة و لا يصرف في النواحي الأخرى، و إذا عينه لمأتم امام خاص أو شهيد أو ولي معين تعين للجهة التي حددها الناذر، و كذلك إذا كان نذره لجهة خاصة أخرى كالمواليد و الإطعام أو الإنفاق في أيام الزيارات المخصوصة لهم فيختص بالجهة المعينة.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 6، ص: 438

المسألة 105:

إذا نذر الرجل الصدقة بشاة معينة أو بشاة مطلقة ثم عينها للوفاء بنذره تبعها نماؤها المتصل من سمن جثتها و كبرها و صوفها، و كذلك إذا نذر الصدقة ببقرة أو ماعز و عينها، و لا يترك الاحتياط في النتاج و اللبن إذا لم يكن للناذر قصد معين و لم يكن عرف متبع أو قرينة دالة، و يتبع قصده إذا علم، ثم يرجع الى العرف أو القرينة إذا دلا على شي ء، و كذلك إذا نذر الشاة أو البقرة أو الماعز لمشهد أو مأتم و شبههما.

المسألة 106:

إذا نذر الرجل أن يتصدق بجميع ما يملك وجب عليه ذلك و لزمه الخروج منه و الصدقة به، فإذا ضاق الأمر عليه لكثرة عياله أو لضعفه عن الكسب أو لعدم توفر أسبابه، قوم جميع ما يملك على نفسه تقويما صحيحا عادلا، و ضبطه و ضبط قيمته ضبطا كاملا، و جعل قيمة جميع ذلك دينا في ذمته و دونه في دفاتر تثبت الحق، و أشهد عليه من يوثق

كلمة التقوى، ج 6، ص: 439

به و يعتمد عليه، ثم تصرف في أعيان المال و الممتلكات الموجودة كيفما أراد من أنحاء التكسب بها و الصرف على نفسه و على عياله و شؤونه، و بدأ بإخراج الصدقة المقدرة و الثابتة في ذمته شيئا فشيئا و أولا فأولا، و أحصى ما يدفعه من ذلك للفقراء و المساكين و اليتامى و ذوي الحاجة من أرحامه و غيرهم في دفاتر تبين ذلك و تحصيه، و يسقطه من دينه حتى يفي جميع ما في ذمته.

و إذا مرض و ظن الموت و قد بقي من دينه شي ء وجب عليه أن يوصي الى من يعتمد عليه بإخراجه من أصل تركته و

اشهد على ذلك.

و إذا نذر أن يجعل جميع ما يملكه في سبيل اللّه أو في سبيل الخير و ضاق الأمر عليه كذلك، فعل كما تقدم ثم وفى الديون شيئا فشيئا كما وصفنا و أنفقها في مطلق سبيل اللّه و ما يقرب اليه، و يدخل في ذلك بناء المساجد و القناطر و الملاجئ و غيرها من القربات حتى يتم الوفاء، و لا يختص بالتصدق كما في الفرض السابق.

المسألة 107:

إذا نذر الإنسان الفعل و جعل له وقتا مخصوصا، فقال: للّه علي ان أصوم أول أربعاء من شهر رجب مثلا، أو قال: للّه علي أن أتصدق بعشرين دينارا في أول جمعة من شهر شعبان، وجب عليه أن يأتي بالصوم أو بالصدقة في وقتهما الذي عينه، و إذا ترك الفعل عامدا حتى انقضى الوقت حنث بنذره و لزمته كفارة خلف النذر، و كذلك إذا نذر ترك الفعل و جعل له وقتا معينا، فالوفاء بالنذر هو أن يترك الفعل في جميع الوقت، و الحنث بالنذر هو أن يأتي بالفعل عامدا و لو مرة واحدة، فيكون للنذر في كلتا الحالتين وفاء واحد في البر به و يكون له حنث واحد في مخالفته، لأن النذر قد تعلق بصرف وجود الفعل في الحالة الأولى، و بصرف تركه في الحالة الثانية، فلا يتكرر، و قد مر نظيره في اليمين كما ذكرناه في المسألة الثامنة و الثلاثين و المسألة التاسعة و الثلاثين.

المسألة 108:

إذا نذر الإنسان ان يأتي بالفعل و لم يجعل له وقتا مخصوصا، فقال

كلمة التقوى، ج 6، ص: 440

للّه علي أن أصوم يوما، أو أن أتصدق بمبلغ كذا، وجب عليه أن يأتي بالفعل في مدة حياته و لو مرة واحدة و يتحقق بذلك وفاؤه بالنذر و إذا ترك الفعل عامدا فلم يأت به في مدة عمره حتى مرة واحدة تحقق الحنث و سقط النذر و لزمته الكفارة. و إذا نذر أن يترك الفعل و لم يجعل له وقتا معينا، فقال: للّه علي أن لا أنطق بالباطل أو قال: للّه علي أن لا أتفوه بالكذب، وجب عليه ان يترك ذلك مدة حياته و لا يحصل الوفاء بالنذر الا بذلك، فإذا أتى

بالفعل المنذور تركه و لو مرة واحدة تحقق الحنث و سقط النذر و لزمته الكفارة فيكون للنذر كما في المسألة المتقدمة وفاء واحد و حنث واحد في كلتا الحالتين نظير ما تقدم في اليمين في المسألتين الآنف ذكرهما.

المسألة 109:

إذا نذر الإنسان الفعل و كان مقصده في نذره أن يأتي بالفعل المنذور في طبيعته السارية في أفراده، فقال: للّه علي أن أصلي النافلة اليومية في كل يوم، أو قال: للّٰه علي أن أصلي صلاة جعفر في كل يوم جمعة، انعقد نذره كما أراد، و انحل نذره الى نذور متعددة، فتكون صلاة النافلة اليومية في كل يوم من أيام حياة الناذر متعلقا لنذر مستقل يجب الوفاء به، و تجب الكفارة بمخالفته و الحنث به، و تكون صلاة جعفر في كل يوم جمعة في المثال الثاني متعلقا لنذر مستقل كذلك، فلكل فرد من أفراد الفعل المنذور نذر يختص به، و يكون الإتيان بالفعل في أي وقت من الأوقات المعينة برا بنذره الخاص به، و يكون تركه في ذلك الوقت حنثا بنذره و موجبا للكفارة لمخالفته، و موجبا للقضاء على الأقوى إذا كان الفعل المنذور صوما، و على الأحوط لزوما إذا كان المنذور صلاة أو غيرها.

و كذلك الحكم إذا نذر ترك الفعل، و كان المقصود ترك الفعل في كل وقت من الأوقات على نحو الانحلال و الاستقلال فقال: للّٰه علي ان لا أكذب أبدا، فإذا كذب في الساعة الأولى عامدا حنث بنذره فيها و وجبت عليه الكفارة، و ان أطاع و لم يكذب في الساعة الثانية، و كذلك

كلمة التقوى، ج 6، ص: 441

العكس، فلكل فرد نذره الخاص به و لكل نذر بره و حنثه، كما تقدم في اليمين.

المسألة 110:

يشترط في صحة النذر نية القربة، و المراد بها أن ينشئ الناذر تمليك الفعل أو الترك على نفسه للّه وحده، كما هو المختار و قد سبق منا بيان ذلك مفصلا في أول الفصل، أو أن ينشئ التزامه و

تعهده بالفعل أو الترك له وحده، كما هو القول المشهور، و نتيجة لذلك فلا بد و ان يكون الوفاء بالنذر هو الإتيان بالفعل أو الترك مبنيا على ذلك.

المسألة 111:

إذا نذر الرجل أن يوجد الفعل نذرا مطلقا و لم يعين له وقتا كما ذكرنا في المسألة المائة و الثامنة و لم يكن على نحو الانحلال، جاز له أن يؤخر الفعل الى أن يظن الوفاة، أو يظن فوت الواجب، أو يلزم من التأخير التهاون بأمر اللّه، فيتضيق وقته حين ذلك و يجب الإتيان به، و إذا نذر ترك الفعل كذلك وجب عليه الترك من حين انعقاد النذر الى آخر الحياة، و إذا أتى بالفعل المنذور تركه و لو مرة واحدة تحقق الحنث و سقط بذلك النذر كما ذكرنا في المسألة المائة و الثامنة.

و انما يسقط النذر بالحنث إذا كان المقصود بالنذر إيجاد صرف الفعل، و لا يسقط النذر إذا كان على نحو الانحلال كما ذكرنا في المسألة المائة و التاسعة.

المسألة 112:

الحنث بالنذر كالحنث باليمين سواء بسواء، فلا يحصل الا بتعمد المخالفة كما ذكرناه في المسألة السابعة و الثلاثين، فلا يحنث الناذر إذا خالف النذر جاهلا بالموضوع أو ناسيا له، و مثال ذلك: ان ينذر الرجل أن يصوم يوما معينا، ثم يعتقد انه نذر صوم غير معين، فيؤخر الصوم حتى يمضي الوقت المعين فيتذكر انه نذر صوم اليوم المعلوم و قد أخره خطأ، أو ينسى صوم ذلك اليوم، أو ينسى انه نذر صومه ثم يتذكر بعد أن ينقضي الوقت، فلا تجب عليه كفارة الحنث، و لا تجب عليه الكفارة إذا خالف نذره مضطرا أو مجبرا أو مكرها على المخالفة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 442

و إذا خالف النذر جاهلا بالحكم أو ناسيا له، فلا بد من الاحتياط، و قد سبق ذكر جميع ذلك في اليمين.

المسألة 113:

إذا خالف النذر جاهلا بالموضوع أو ناسيا له أو مضطرا، أو مجبرا أو مكرها على المخالفة لم يسقط بذلك نذره، فإذا كان النذر مؤقتا و قد بقي مقدار من الوقت، أو كان مطلقا ليس له وقت معين وجب عليه الوفاء بالنذر في بقية الوقت في الأول و في بقية العمر في الثاني.

المسألة 114:

إذا حنث بنذره فترك الفعل المنذور عامدا حتى انقضى الوقت وجب عليه القضاء إذا كان الفعل المنذور صوما على الأقوى، و وجب القضاء على الأحوط لزوما إذا كان الفعل صلاة أو صدقة أو غيرهما من القربات، و قد أشرنا الى هذا في المسألة المائة و التاسعة، و كذلك إذا كان جاهلا بالحكم أو ناسيا له.

و إذا خالف نذره ناسيا للموضوع أو جاهلا به فالأحوط القضاء في الجميع، و لا تجب الكفارة كما سبق بيانه.

المسألة 115:

إذا علق الإنسان نذره على حصول شي ء، فقال: للّه علي أن أصوم أو أن أتصدق إن رزقني اللّٰه ولدا ذكرا، ثم استبان له ان اللّٰه قد رزقه ولدا قبل نذره، لم يجب عليه الوفاء بنذره، و كذلك إذا نذر ان شفى اللّه زيدا أو ان قدم من سفره سالما، فاستبان له ان الشرط قد حصل قبل النذر، فلا يجب عليه البر به، و كذلك إذا شك في ان الشرط حصل قبل إنشاء النذر أو بعده، فلا يجب عليه الوفاء به.

المسألة 116:

الأقوى ان الكفارة في مخالفة النذر هي الكفارة في مخالفة اليمين، فيتخير الناذر إذا حنث بنذره عامدا بين أن يعتق رقبة أو يطعم عشرة مساكين أو يكسوهم، فان لم يقدر على أن يأتي بإحدى هذه الخصال الثلاث وجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام متتابعة، و يأتي ان شاء اللّٰه في كتاب الكفارات بيانها و بيان أحكامها.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 443

الفصل الثالث في العهد

المسألة 117:

الظاهر أن المراد بالعهد ها هنا ميثاق يقطعه الإنسان على نفسه للّه على فعل شي ء أو على تركه، و ينشئه بصيغة مخصوصة، فهو ليس من اليمين و ليس من النذر و ان أشبههما في بعض الآثار و بعض الأحكام.

المسألة 118:

لا ينعقد العهد حتى ينشئه الإنسان بقوله: عاهدت اللّه على أن أفعل كذا أو على أن لا أفعل، أو يقول: علي عهد اللّٰه أن أفعله أو ان لا أفعله، و هو من هذه الجهة يشبه النذر في الحاجة الى إنشائه بصيغة مخصوصة.

فلا يجب الوفاء بالعهد إذا لم ينشئه بالقول المذكور و ان قصد في ضميره العهد على الفعل أو على الترك و لا تحرم عليه المخالفة و ان كان عامدا و لا تلزمه الكفارة، و ان كان الأحوط له استحبابا أن لا يخالف ما نواه.

المسألة 119:

العهد كالنذر، فقد ينشئه الإنسان معلقا على حصول شرط معين، فيقول: عاهدت اللّٰه ان رزقني ولدا ذكرا، أو ان شفاني من هذا المرض أن أتصدق بمائة دينار، أو أن أذبح شاة أو بقرة و أطعمها للفقراء أو للمؤمنين، أو يقول: علي عهد اللّٰه أن دفع عني هذه البلية أن أصلي نافلة شهر رمضان أو أن أصوم شهر رجب، فينعقد عهده كما اشترط، فإذا حصل الأمر الذي علق عليه وجوب الفعل وجب عليه أن يفي بالعهد و حرمت عليه مخالفته و لزمته الكفارة إذا حنث فخالف عامدا.

و قد ينشئ العهد مطلقا غير مشروط بشي ء، فينعقد كذلك و يجب عليه البر به مطلقا، و هو أيضا قد يجعله موقتا بوقت خاص فيلزمه الوفاء به في ذلك الوقت، و قد يجعله مطلقا غير موقت فيجب عليه البر به

كلمة التقوى، ج 6، ص: 444

كذلك، و هو في جميع ذلك كالنذر في الفروض و الأحكام و لا موجب للإطالة بالتكرار.

المسألة 120:

يشترط في المعاهد أن تجتمع فيه جميع الشروط التي ثبت اشتراطها في الناذر أو كان الاحتياط باشتراطها لزوميا، فلا بد و أن يكون مكلفا، و لا بد و أن يكون قاصدا و لا بد و ان يكون مختارا و لا بد و أن يكون نافذ التصرف غير محجور في متعلق عهده الى غير ذلك مما تقدم اشتراطه في الناذر.

المسألة 121:

يشترط في الأمر الذي يعلق عليه العهد جميع ما اشترطناه في الأمر الذي يعلق عليه النذر و تراجع المسائل المتعلقة بذلك من فصل النذر لتطبيق أحكامها في شروط العهد.

المسألة 122:

لا يختص العهد بالموارد التي يكون متعلقة فيها فعلا أو تركا، بل يجري كذلك إذا كان متعلقة صفة يستطيع الإنسان أن يكتسبها بإرادته و اختياره و لو بطول المران، فإذا قال الرجل: عاهدت اللّٰه على أن أكون عادلا، أو على أن أكون صادقا في جميع أقوالي و أفعالي، أو قال: علي عهد اللّٰه أن لا أكون خائنا، أو أن لا أكون فاسقا، انعقد عهده و وجب عليه الوفاء به، و حرم عليه الحنث، و إذا حنث بعهده لزمته الكفارة، و الظاهر أن ذلك يجري في النذر و اليمين أيضا.

المسألة 123:

ينعقد العهد إذا تعلق بفعل واجب أو بترك محرم، و ينعقد إذا تعلق بفعل مندوب أو بترك مكروه، و ينعقد إذا تعلق بفعل مباح و كان فعله راجحا على تركه لجهة شرعية أو لجهة دنيوية أوجبت رجحانه، و ينعقد إذا تعلق بترك شي ء مباح، و كان تركه راجحا على فعله لجهة شرعية أو لجهة دنيوية أوجبت رجحانه، و ينعقد على الأحوط إذا تعلق بفعل مباح أو بتركه و كان متساوي الطرفين في الدين و الدنيا فلا رجحان

كلمة التقوى، ج 6، ص: 445

للفعل و لا للترك و قد تقدم تفصيل ذلك في متعلق اليمين، فليراجع ما حررناه هناك.

المسألة 124:

لا ينعقد العهد إذا تعلق بترك واجب أو مستحب أو بفعل محرم أو مكروه، و لا ينعقد إذا تعلق بفعل شي ء مرجوح يرجح تركه على فعله لأمر ديني أو دنيوي، و لا ينعقد إذا تعلق بترك شي ء يرجح فعله على تركه لأمر ديني أو دنيوي كذلك.

المسألة 125:

إذا تعلق العهد بأمر مباح لا رجحان لفعله و لا لتركه، أو تعلق بأمر راجح لبعض الجهات، فانعقد العهد كما تقدم، ثم تغيرت الحال قبل الوفاء بالعهد فأصبح فعله مرجوحا لبعض النواحي الطارئة انحل العهد و لم يجب الوفاء به و قد سبق جميع ذلك في فصل اليمين.

المسألة 126:

إذا انعقد عهد الرجل في المسألة المتقدمة، و لكنه تسامح في الوفاء بعهده حتى تغيرت الحال و أصبح متعلق العهد مرجوحا، لم ينحل عهده في هذه الصورة على الأحوط و خصوصا إذا طالت المدة و هو يتسامح في الوفاء، فلا ينحل عهده و يلزمه الوفاء به على الأحوط ان لم يكن ذلك هو الأقوى.

المسألة 127:

إذا خالف الإنسان عهده عامدا كما تقدم في فصل النذر و فصل اليمين، حنث في عهده و وجبت عليه الكفارة، و كفارة الحنث بالعهد نظير كفارة الإفطار في شهر رمضان على الأقوى، فيجب على الحانث أن يعتق رقبة أو يطعم ستين مسكينا أو يصوم شهرين متتابعين، و سيأتي ان شاء اللّه تعالى ذكرها و ذكر تفاصيل أحكامها في كتاب الكفارات.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 447

كتاب الكفارات

اشارة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 449

كتاب الكفارات و فيه فصلان:

الفصل الأول في أقسام الكفارات

المسألة الأولى:

لم يتعرض الفقهاء قدس اللّه أرواحهم الطيبة في هذا الكتاب لذكر كفارات الإحرام بالحج أو بالعمرة، و هم يذكرونها مفصلة في كتاب الحج، و يكتفون بذلك عن ذكرها هنا مرة أخرى، و لهم بذلك وجهة نظرهم، و لعل الوجه ان كفارات الإحرام كثيرة و مفصلة، و لها أحكام خاصة بها كثيرة، و لا بد من ذكرها جميعا في كتاب الحج لأنه مورد الحاجة فيكون ذلك مغنيا عن إعادتها في كتاب الكفارات، و قد ذكر الكثير منها و من غيرها في كتاب الصوم، و الأمر في التوجيه سهل.

المسألة الثانية:

الكفارات واجبات خاصة تجب على المكلف عند حدوث بعض الطواري ذنب أو غيره، و ليس المراد من هذا القول تعريف الكفارة بذلك، بل المراد الإشارة إلى معناها على وجه إجمالي مقدمة لذكر الأقسام و الأحكام، و هي على أقسام أربعة نذكرها في المسائل الآتية:

المسألة الثالثة:

القسم الأول من الكفارات: ما تكون فيه خصال الكفارة مترتبة، فلا يجزي الإتيان بالخصلة اللاحقة إلا بعد العجز عن الإتيان بالخصلة السابقة عليها، و هي ثلاث كفارات:

(الأولى) كفارة الظهار (و الثانية) كفارة القتل خطأ، فإذا ظاهر

كلمة التقوى، ج 6، ص: 450

الرجل من زوجته ثم أراد العود الى مقاربتها و إذا قتل مؤمنا خطأ، وجب عليه دفع الكفارة.

و الكفارة في كل واحد من الموردين: أن يعتق رقبة مؤمنة، فإذا هو عجز عن تحرير الرقبة و لم يقدر وجب عليه أن يصوم شهرين متتابعين، فإذا عجز عن صيامهما و لم يستطع وجب عليه أن يطعم ستين مسكينا.

(الثالثة): كفارة من أفطر في قضاء صوم شهر رمضان بعد الزوال، فإذا صام المكلف قضاء عما فاته من شهر رمضان و أفطر بعد زوال الشمس من يومه عامدا، وجب عليه أن يطعم عشرة مساكين، فإذا عجز عن إطعامهم وجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام، و لا يجب التتابع فيها على الأقوى و ان كان ذلك أحوط استحبابا.

المسألة الرابعة:

إذا اشترك رجلان أو أكثر في قتل رجل واحد أو امرأة خطأ، وجب على كل واحد منهم ان يدفع كفارة تامة عن نفسه، و لا يجزيهم دفع كفارة واحدة مشتركة، و لا ينوي كل واحد منهم التكفير عن الجميع.

المسألة الخامسة:

القسم الثاني من الكفارات: ما يكون المكلف فيه مخيرا بين الخصال الواجبة، فأي الخصال أتى بها أجزأته و أبرأت ذمته من الواجب، و هي أربع كفارات.

(الأولى): كفارة من أفطر في صوم شهر رمضان، فتناول أحد المفطرات المحللة عامدا من غير عذر مسوغ لذلك.

(الثانية): كفارة من حنث بعهده و تعمد مخالفته كما ذكرناه في آخر فصل العهد.

(الثالثة): كفارة المرأة إذا جزت شعرها في المصاب.

(الرابعة): كفارة من جامع و هو معتكف فأفسد اعتكافه بذلك.

و الكفارة في كل واحدة من هذه الأربع أن يتخير المكلف بين أن يعتق رقبة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا، فتكفيه آية

كلمة التقوى، ج 6، ص: 451

واحدة أتى بها من هذه الخصال الثلاثة و تبرأ بها ذمته من الكفارة الواجبة عليه.

المسألة السادسة:

جز المرأة شعر رأسها أن تقصه و تقطعه، سواء استأصلته أم لم تستأصله، و سواء جزت جميع الشعر أم جزت بعضه بحيث يصدق عند أهل العرف أنها قد جزت شعرها، و المراد هنا: أن تجزه في المصاب حزنا، فتجب عليها الكفارة لذلك، و لا تجب الكفارة إذا قصت شعرها لغير ذلك من الغايات كما إذا قصته للعلاج أو للتجميل.

و يلحق بجز شعرها في الحكم حلقه، فإذا حلقته في المصاب حزنا وجبت عليها الكفارة الآنف ذكرها، و الأحوط لزوم الكفارة أيضا إذا أحرقته لذلك.

المسألة السابعة:

لا فرق في الحكم بالتحريم و وجوب الكفارة الآنف ذكرها إذا جزت المرأة شعرها في المصاب بين مصاب زوجها و أبيها و ولدها و غيرهم و لا بين القريب منها في النسب و البعيد.

المسألة الثامنة:

تجب الكفارة على من جامع و هو معتكف فأفسد اعتكافه بذلك، سواء كان جماعه ليلا أم نهارا، و إذا جامع نهارا فان كان معتكفا في شهر رمضان لزمته كفارة الإفطار في شهر رمضان مضافا الى كفارة الاعتكاف الآنف ذكرها، و ان كان معتكفا و هو صائم قضاء شهر رمضان لزمته مع كفارة الاعتكاف كفارة الإفطار في قضاء شهر رمضان و قد ذكرناها في المسألة الثالثة، و ان كان معتكفا في صوم منذور، فعليه كفارة الاعتكاف و كفارة مخالفة الصوم المنذور، و إذا نذر الاعتكاف في أيام معينة و جامع في أثناء اعتكافه وجبت عليه كفارة الاعتكاف و كفارة خلف النذر سواء كان جماعه ليلا أم نهارا و ان كان صائما في نهاره صوما مندوبا أو مستأجرا عليه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 452

المسألة التاسعة:

لا فرق في الحكم بوجوب كفارة الاعتكاف بين أن يكون الجماع الذي أفسد به اعتكافه محللا أو محرما، كما إذا جامع زوجته في حيضها أو زنى بغيرها أو لاط، و إذا كان في شهر رمضان و أفطر على محرم لزمته كفارة الجمع لذلك كما سنذكره، مضافا الى كفارة الاعتكاف، و بعض الفروض المذكورة نادرة و غريبة، و لكن مداخل الشيطان كثيرة و قريبة، بل و واقعة. و لا حول و لا قوة إلا باللّه.

المسألة العاشرة:

إذا أفسد المكلف اعتكافه بارتكاب بعض محرمات الاعتكاف غير الجماع، فلا يترك الاحتياط بالإتيان بكفارة الاعتكاف و ان كان اعتكافه مندوبا، كما إذا أفسده في اليومين الأولين، و يراجع ما علقناه على الاعتكاف من كتاب العروة الوثقى.

المسألة 11:

إذا جامع المرأة زوجها و هي معتكفة باذنه و كانت مختارة في الجماع فسد اعتكافها و وجبت عليها كفارة الاعتكاف سواء كان الجماع ليلا أم نهارا، و أمكن أن تجري فيها جميع الفروض التي ذكرناها في المسألة الثامنة و تلحقها أحكامها، و إذا كان الرجل معتكفا أيضا لزمت كل واحد منهما كفارته و أحكامه.

المسألة 12:

إذا أكره المرأة زوجها على الجماع و هي معتكفة لم تجب عليها كفارة إفساد الاعتكاف سواء كان الزوج معتكفا أيضا أم لا، و سواء كان الجماع ليلا أم نهارا، و في فساد اعتكافها بذلك اشكال، و لا يترك الاحتياط بأن تتم الاعتكاف إذا كان واجبا، و لا يترك الاحتياط بقضائه إذا كان مما يقضى كما إذا كان منذورا أو مستأجرا عليه، و كان النذر أو الاستيجار عليه باذن الزوج.

المسألة 13:

إذا أكره المرأة زوجها فجامعها و هما معتكفان صائمان في شهر رمضان وجبت على الزوج كفارة إفطاره في شهر رمضان، و وجبت عليه كفارة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 453

أخرى لإفساده اعتكافه، و وجبت عليه كفارة ثالثة يدفعها عن زوجته لاكراهها على الإفطار، و لا يجب عليه أن يدفع عنها كفارة اعتكافها، و لا تجب على المرأة كفارة الاعتكاف لأنها مكرهة كما تقدم، و لا يتحمل كفارة الاعتكاف عنها كذلك إذا جامعها مكرها لها و هي معتكفة و هو غير معتكف.

و إذا أكرهها على الجماع و هما معتكفان في غير شهر رمضان لم يتحمل عن المرأة شيئا من كفارة الصوم و لا كفارة الاعتكاف، و تلزمه كفارة اعتكافه، و تلزمه كفارة صومه إذا كان مما تجب فيه الكفارة، و الظاهر عدم الفرق في جميع الأحكام الآنف ذكرها للزوجة بين الدائمة و المتمتع بها.

المسألة 14:

القسم الثالث من الكفارات: ما يجتمع فيه الأمران المتقدم ذكرهما، فالكفارة مخيرة في بعض الخصال و مترتبة في بعضها و هي خمس كفارات.

(الأولى): كفارة خلف اليمين، و منها كفارة الإيلاء من الزوجة.

(الثانية): كفارة خلف النذر على الأقوى.

(الثالثة): كفارة نتف المرأة شعر رأسها في المصاب.

(الرابعة): كفارة خدش المرأة وجهها في المصاب حتى تدميه.

(الخامسة): كفارة شق الرجل ثوبه لموت ولده أو زوجته.

فيتخير المكلف في كل واحدة من هذه الكفارات بين أن يعتق رقبة و أن يطعم عشرة مساكين و أن يكسوهم، فإذا عجز عن هذه الخصال الثلاث و لم يقدر على الإتيان بواحدة منها وجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام متتابعة. فلا يكفيه أن يصوم الأيام الثلاثة إذا قدر على واحدة من الخصال الأولى.

المسألة 15:

يلاحظ في اليمين و النذر ما فصلناه فيهما و في شرائط انعقادهما و الحنث بهما في فصل اليمين و فصل النذر من الكتاب السابق، و قد

كلمة التقوى، ج 6، ص: 454

ذكر بعض الفقهاء (قدس سرهم) ان الكفارة في مخالفة النذر نظير الكفارة في إفطار شهر رمضان، فالمكلف بها يتخير بين ان يعتق رقبة و يصوم شهرين متتابعين و يطعم ستين مسكينا، و ما ذكرناه هو الأقوى.

المسألة 16:

الإيلاء من الزوجة أن يحلف الرجل يمينا أن لا يطأها أبدا، أو أن لا يطأها مدة تزيد على أربعة أشهر و يقصد بذلك الإضرار بها، فإذا هي لم تصبر و رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعي أجله أربعة أشهر لينظر في أمر نفسه فلعله يرتدع و يكفر عن حلفه و يؤدي حق زوجته، فان هو لم يفعل ذلك أجبره الحاكم و ضيق عليه حتى يختار أحد الأمرين، فأما أن يكفر عن يمينه و يرجع فيؤدي حق زوجته الذي حلف على تركه و اما أن يطلقها و يخلي سبيلها، فالكفارة في الإيلاء هي كفارة اليمين و ان اختلف الإيلاء عن اليمين في جهات تذكر في مبحث الإيلاء.

المسألة 17:

نتف المرأة شعرها هو أن تقلعه من أصوله، و المراد هنا أن تقلع شعر رأسها بكفها أو بأصابعها حزنا من شدة وقع المصيبة عليها، سواء قلعت جميع شعر رأسها أو بعضه بحيث يصدق أنها نتفت شعرها في المصاب كما تقدم في جز الشعر، فتجب عليها الكفارة بذلك، و لا تجب الكفارة إذا نتفت شعرها في غير مصاب، من غضب و نحوه.

و خدش الوجه هو أن تخمش وجهها بيديها أو بأظفارها حتى تؤثر فيه جرحا أو ندبا، و يكفي في وجوب الكفارة على المرأة أن تخدش بعض الوجه في المصيبة بحيث يصدق عليها انها خدشت وجهها حتى أدمته، و لا تجب الكفارة عليها إذا خدشت بعض أعضائها غير الوجه و ان أدمته في المصاب أو خدشت وجهها في غير المصاب.

المسألة 18:

تجب الكفارة على الرجل إذا شق ثوبه لموت زوجته أو لموت ولده، سواء شق جميع الثوب أو شق بعضه بحيث يصدق عليه أنه قد شق ثوبه، و لا تجب عليه الكفارة إذا شق ثوبه لموت أبيه أو أخيه أو غيرهما

كلمة التقوى، ج 6، ص: 455

من أرحامه و غيرهم، و لا تجب عليه إذا خدش وجهه في مصاب أحد، أو جز شعره، أو نتفه، و ان أثم إذا كان ذلك من الجزع و عدم الرضا بالقضاء.

و لا تجب الكفارة على المرأة إذا شقت ثوبها لفقد زوجها أو ولدها أو أحد سواهما من الأقارب و الأباعد عنها و لا تجب على الرجل و لا على المرأة إذا شقا لغير مصاب من غضب و نحوه.

المسألة 19:

تجب الكفارة على الرجل إذا شق ثوبه لموت ولده لصلبه سواء كان ذكرا أم أنثى، و تجب عليه إذا شق ثوبه على ولد ولده على الأحوط بل على الأقوى، و لا يترك الاحتياط في ولد البنت.

المسألة 20:

القسم الرابع من الكفارات: كفارة الجمع، و هي ما يجب فيها على المكلف أن يأتي بجميع الخصال التي عينها الشارع في المورد و لا يكفيه أن يأتي ببعض الخصال، و هي كفارتان:

(الأولى): كفارة من قتل مؤمنا عامدا ظالما.

(و الثانية): كفارة من أفطر في صيام شهر رمضان عامدا و كان إفطاره على محرم.

فإذا ارتكب المكلف أحد الأمرين، وجب عليه أن يعتق رقبة مؤمنة، و أن يصوم شهرين متتابعين، و ان يطعم ستين مسكينا على الأقوى في الكفارة الأولى، و على الأحوط لزوما في الكفارة الثانية.

المسألة 21:

تجب كفارة الجمع في قتل المسلم إذا كان القاتل عامدا ظالما، سواء كان المقتول ذكرا أم أنثى، و حرا أم عبدا، و كبيرا أم صغيرا، بل و ان كان جنينا قد ولجته الروح، و سواء كان القاتل أمه أم أباه أم أجنبيا.

المسألة 22:

إذا اشترك جماعة في قتل المسلم و كانوا جميعا عامدين ظالمين وجبت

كلمة التقوى، ج 6، ص: 456

كفارة الجمع على كل واحد منهم، و إذا كان بعضهم عامدا في قتله و بعضهم مخطئا، وجبت كفارة الجمع على العامد منهم و وجبت كفارة قتل الخطأ على المخطئ، و قد ذكرناها في المسألة الثالثة.

و إذا كفر أحد القتلة عن نفسه لم تسقط الكفارة عن الآخرين منهم، و إذا دفع أحدهم الكفارة و قصد بها التكفير عن نفسه و عن الآخرين على وجه التشريك لم تجزه كفارته عن نفسه و لا عن الآخرين.

المسألة 23:

إذا أفطر الصائم في نهار شهر رمضان عامدا على محرم، لزمته كفارة الجمع على الأحوط كما ذكرنا، سواء كان المحرم الذي أفطر عليه محرما بالأصالة كالخمر و اللحم غير المذكى و الطعام المغصوب، و كالزنا و اللواط أم كان محرما بالعارض كجماع الزوجة في حيضها أو نفاسها، و أكل لحم الحيوان الجلال و شرب لبنه، بل و أكل ما يضره ضررا لا يتحمل عادة.

المسألة 24:

إذا حلف المكلف بالبراءة من اللّه أو من الإسلام أو من الرسول (ص) أو من الأئمة المعصومين أو من أحدهم (ع) ثم حنث بيمينه، فالأحوط له لزوما أن يطعم عشرة مساكين، يدفع لكل مسكين منهم مدا من الطعام، و يستغفر اللّه سبحانه مما فعل، و قد تقدم هذا في المسألة التاسعة عشرة من كتاب الأيمان.

المسألة 25:

إذا نام الرجل عن صلاة العشاء فلم يصلها، و لم ينتبه من نومه حتى تجاوز نصف الليل، أتي بالصلاة قبل أن يصبح، و عليه أن يصوم ذلك اليوم على الأحوط احتياطا لا يترك، و الظاهر عدم الفرق بين ان ينام عن صلاة العشاء وحدها، و أن ينام عن صلاتي المغرب و العشاء معا، و قد ذكرنا في فصل الأوقات من كتاب الصلاة أن منتصف الليل هو آخر وقت صلاتي العشاءين للمختارين و أن طلوع الفجر آخر وقتهما للمعذورين فليراجع.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 457

المسألة 26:

لا يترك الاحتياط بقضاء صوم اليوم في الفرض المتقدم إذا كان المكلف فيه مريضا أو مسافرا سفرا لا يصح فيه الصوم، أو اتفق ذلك للمرأة و حاضت أو تنفست في ذلك اليوم، أو كان يوم عيد و نحوه مما لا يجوز فيه الصوم، فيقضي يوما بدلا عنه على الأحوط.

المسألة 27:

من تزوج امرأة ذات زوج، أو تزوجها و هي في عدة من رجل وجب عليه أن يفارقها، و إذا دخل بها فهما زانيان يجب عليهما الحد و إذا كانا محصنين أو كان أحدهما محصنا فعلى المحصن الرجم و الأحوط للرجل أن يكفر بخمسة أصوع من الدقيق يدفعها لمسكين واحد أو أكثر، و الأقوى عدم وجوب ذلك، و لا فرق في ذات الزوج بين أن يكون نكاحهما دائما أو منقطعا.

المسألة 28:

إذا وطأ الرجل زوجته في أيام حيضها و هو عامد و عالم بتحريم ذلك أثم و استحب له أن يتصدق بدينار إذا كان وطؤه إياها في أول حيضها، و بنصف دينار إذا كان في وسطه، و بربع دينار إذا كان في آخره، و قيل بوجوب ذلك عليه و هو المشهور بين المتقدمين، و الأقوى الاستحباب و قد ذكرنا هذا في فصل أحكام الحيض من كتاب الطهارة.

المسألة 29:

إذا وطأ الرجل أمته و هي حائض تصدق بثلاثة أمداد من الطعام على ثلاثة مساكين و قد ذهب جماعة إلى وجوب ذلك، و الأقوى عدم وجوبه، و لا بأس بأن يؤتى به برجاء المطلوبية.

المسألة 30:

إذا نذر المكلف صوم يوم أو أيام معينة أو غير معينة ثم عجز عن الصيام في الوقت المعين أو عجز عن الصيام مطلقا في النذر المطلق فلم يقدر على الوفاء كان عليه على الأحوط لزوما أن يتصدق عن كل يوم من الأيام التي نذر صيامها بمد من الحنطة، و ورد في بعض النصوص

كلمة التقوى، ج 6، ص: 458

أن يعطي من يصوم عنه كل يوم من الأيام المنذورة مدين، و قد ذكرنا هذا في المسألة السبعين من فصل النذر.

الفصل الثاني في أحكام الكفارات

المسألة 31:

يشترط في الرقبة التي تعتق في الكفارة- أي كفارة كانت- أن تكون مسلمة، فلا يجزي في الكفارة عتق المملوك الكافر أو المرتد، و لا يجزي عتق ناصب أو غال أو خارجي، بل الأحوط استحبابا أن تكون الرقبة مؤمنة بالمعنى الخاص.

و لا فرق في المملوك الذي يجزي عتقه بين الذكر و الأنثى و الكبير و الصغير إذا كان أحد أبويه مسلما، فإنه بحكم المسلم، و يستثنى من ذلك كفارة القتل عمدا أو خطأ فالأحوط لزوما فيهما أن يعتق البالغ المؤمن و لا يكتفي بغير البالغ أو غير المؤمن.

المسألة 32:

يشترط في الرقبة التي يراد عتقها في الكفارة- أي كفارة كانت- أن تكون سليمة من العيوب التي يكون حدوثها سببا لانعتاق المملوك قهرا على المالك، كالعمى و الإقعاد و الجذام، و أن لا تكون قد نكل بها المالك أو مثل فقطع بعض أعضاء العبد مثلا أو جدع أنفه فإن العبد ينعتق بذلك قهرا على المالك، فلا يتحقق بعد ذلك عتقه عن الكفارة بل و لا يصح و ان كان تنكيله به بقصد عتقه بذلك للكفارة، فإن العمل المحرم لا يمكن أن يكون مقربا.

و إذا حدث في العبد أحد العيوب التي لا توجب الانعتاق كالصمم و الخرس و العرج و العور و فقد بعض القوى و لم يكن حدوث ذلك بفعل المالك و تنكيله بل حدث بعروض بعض الأمراض أو الطواري لم يخرج العبد بذلك عن ملك سيده فيصح له عتقه في الكفارة، و كذلك إذا نكل به غير مولاه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 459

المسألة 33:

يجزي في الكفارة أن يعتق المكلف عبده الآبق منه و ان لم يعلم موضع العبد في أي بلد من البلدان أو أي قطر من الأقطار، و يعتبر على الأحوط في اجزاء عتقه في الكفارة أن تقوم عند مالكه بعض القرائن و الامارات على أن العبد لا يزال حيا كما إذا أخبره أحد برؤيته أو حصل له ظن بوجوده من بعض الملابسات و القرائن.

المسألة 34:

العبد المدبر هو المملوك يقول له سيده أنت حر بعد موتي، أو أنت حر إذا حدث علي حادث الموت و أمثال ذلك، فيتشبث من أجل ذلك بالحرية، و لا يجزيه عتقه في الكفارة، لأن ملك سيده له غير تام بعد هذا الإيقاع إلا إذا نقض السيد تدبيره و أرجعه إلى ملكه، فيكفيه عتقه في الكفارة حين ذلك.

المسألة 35:

العبد المكاتب هو الذي يكاتبه سيده و يوقع المعاملة معه على أن يدفع للسيد عوضا معينا إلى أجل معين، و يكون حرا إذا وفى لسيده بذلك.

و المكاتبة تقع على نحوين: مطلقة و مشروطة، فالمكاتبة المطلقة هي التي تكون سببا لتحرير العبد بنسبة ما يؤديه من مال الكتابة لسيده، فإذا أدى خمس المال مثلا انعتق خمس العبد، و إذا أدى الربع انعتق منه الربع، و إذا أدى النصف أو الثلثين من المال انعتق نصف العبد كذلك أو ثلثاه من العبودية، و إذا أدى جميع العوض انعتق جميعه.

و المكاتبة المشروطة هي المعاملة التي يشترط السيد فيها على العبد أن يؤدي جميع المال بحيث لا يتحرر من العبد شي ء حتى يؤدي العوض كله و ان أدى بعضه أو أكثره.

و نتيجة لذلك، فإذا كان المكاتب مطلقا ثم أدى بعض المال انعتق منه جزء بنسبة ما أداه إلى مجموع العوض، و لذلك فلا يجزيه إذا أعتقه في الكفارة، لأن السيد لا يملك رقبته كلها و لا يكون عتقه عتق رقبة تامة، و إذا كان المكاتب مطلقا و لم يؤد من مال الكتابة شيئا، أو كانت

كلمة التقوى، ج 6، ص: 460

المكاتبة مشروطة بأداء جميع العوض، فالعبد لا يزال كله مملوكا لسيده، فإذا أعتقه فقد أعتق رقبة تامة و كفاه ذلك عن الكفارة، أي

كفارة كانت.

المسألة 36:

الأمة المستولدة هي المملوكة التي تحمل من سيدها بوطئه إياها بالملك، فيكون حملها منه سببا لتعلق أحكام خاصة بها، و لكنها لا تخرج بالاستيلاد عن ملك سيدها، و لذلك فيجوز له عتقها، و يكفيه عتقها عن الكفارة.

المسألة 37:

الكفارة عبادة من العبادات، سواء كانت مترتبة في الخصال أم مخيرة ما بينها، أم مخيرة مرتبة، أم كفارة جمع، فإذا وجبت على المكلف احدى الكفارات و أراد امتثالها فلا بد في صحة امتثاله من النية حين يدفع الخصلة المعينة أو المخيرة، فيعتبر فيها أن يقصد العمل الذي يأتي به عتقا مثلا أو صياما، أو إطعاما، و أن يقصد القربة بفعله امتثالا لأمر اللّه به و أن يقصد أن ما يأتي به هو الكفارة الخاصة التي وجبت عليه.

المسألة 38:

إذا وجبت على المكلف كفارات متعددة، فإن كانت من أنواع متعددة وجب عليه في النية أن يعين النوع الخاص الذي يؤدي الكفارة عنه، و مثال ذلك أن تكون على الرجل كفارة يمين، و كفارة مخالفة نذر، و كفارة ظهار، فإذا أراد عتق رقبة للوفاء بإحدى الكفارات التي وجبت عليه أو أراد إطعاما وجب عليه أن يعين الكفارة التي يؤدي عنها، و إذا هو أعتق الرقبة أو أطعم المساكين و لم يعين الكفارة التي أدى عنها لم يجزه عمله عن شي ء منها.

و ان كانت الكفارات التي وجبت على المكلف كلها من نوع واحد، كفاه أن يدفع الكفارة وفاء عن النوع الذي في ذمته، و لم يجب عليه أن يعين الفرد الخاص، و مثال ذلك أن تكون عليه عدة كفارات لافطار أيام من شهر رمضان من سنة واحدة أو أكثر، فإذا أعتق رقبة أو أطعم

كلمة التقوى، ج 6، ص: 461

ستين مسكينا كفاه في صحة عمله أن يقصد أن ما يأتي به كفارة عن الإفطار، و لا يجب عليه أن يقصد انها كفارة عن الإفطار في أي يوم و من أي سنة مثلا.

المسألة 39:

إذا وجبت على المكلف كفارة واحدة و نسي انها من أي نوع من أنواع الكفارات، فإذا كانت الأنواع التي يحتمل وجوبها عليه متحدة في الخصال كفاه في الامتثال أن يأتي بالخصلة وفاء عما في ذمته، و مثال ذلك ان يعلم بوجوب كفارة عليه و لا يدري انها كفارة إفطار يوم من شهر رمضان أو كفارة اعتكاف أو كفارة مخالفة عهد فيجزيه أن يأتي ببعض الخصال المخيرة بقصد الأداء عما في ذمته.

و كذلك إذا تردد في الكفارة التي في ذمته هل هي كفارة ظهار أو

كفارة إفطار يوم من شهر رمضان، و أراد العتق فيكفيه أن يعتق الرقبة للوفاء عما في ذمته من الكفارة.

و إذا اختلفت الأنواع التي يحتمل وجوبها عليه في الخصال وجب عليه الاحتياط فيجمع بين الخصال التي يحتمل وجوبها عليه و مثال ذلك أن يتردد في الكفارة التي وجبت عليه بين أن تكون كفارة ظهار أو كفارة إفطار في قضاء شهر رمضان فيجب عليه أن يعتق رقبة لاحتمال كونها كفارة مظاهرة، و أن يطعم عشرة مساكين لاحتمال كونها كفارة إفطار في قضاء الشهر، و إذا عجز عن عتق الرقبة وجب عليه ان يصوم شهرين متتابعين لاحتمال الأولى و ان يطعم عشرة مساكين لاحتمال الثانية.

المسألة 40:

يتعين على الرجل إذا وجبت عليه كفارة ظهار أو كفارة قتل خطأ، أن يعتق رقبة مؤمنة، على ما تقدم بيانه في الكفارة المرتبة الخصال في المسألة الثالثة، و لا يجزي عنه أن يأتي بغير العتق من خصال الكفارة، فإذا عجز عن عتق الرقبة، وجب عليه أن يصوم شهرين متتابعين، و تعين عليه ذلك، فلا يجزي عنه في الوفاء بتكليفه أن يطعم المساكين، فإذا عجز عن الصوم تعين عليه ان يطعم ستين مسكينا.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 462

و يتحقق عجز المكلف عن عتق الرقبة بعدم وجود رقبة مؤمنة لتعتق، أو لتشتري ثم تعتق، و يتحقق كذلك بعدم وجود ثمنها عند المكلف، و بعدم قدرته على شرائها و ان كان ثمنها موجودا لديه، و يتحقق عجزه كذلك عن عتق الرقبة مع وجودها عنده بحاجة المكلف الى خدمتها لعلو شأن و رفعة مقام عن مباشرة الأشياء بنفسه فلا بد له من مملوك يباشر خدمته و يقوم بشؤونه، أو لضرورة أخرى من كبر سن أو مرض أو

شلل أو زمانة أو غير ذلك مما يضطره الى وجود مملوك يدبر أمره و يقوم بخدمته.

و المدار في جميع ذلك أن يكون عتق الرقبة الموجودة عنده موجبا للحرج و العسر عليه.

و يتحقق العجز عن العتق مع وجود ثمن الرقبة عند المكلف إذا كان بحاجة إلى الثمن لنفقته أو نفقة من تجب عليه نفقته أو لأداء ديونه، أو للوفاء ببعض الواجبات التي يجب عليه صرف المال فيها، بحيث يكون صرف المال في شراء الرقبة و عتقها موجبا للعسر و الحرج عليه.

المسألة 41:

لا تصرف في شراء الرقبة و عتقها مستثنيات الدين، و هي الأشياء التي يكون بيعها في وفاء الدين أو في شراء المملوك و عتقه في الكفارة موجبا لوقوع المكلف في العسر و الحرج و قد ذكرناها مفصلة في كتاب الدين في المسألة الثامنة عشرة و في مواضع كثيرة أخرى فليراجعها من أراد.

المسألة 42:

إذا وجدت الرقبة المملوكة للبيع و كان المكلف ممن يجد ثمنها و يتمكن من شرائها وجب عليه ان يشتري الرقبة و يعتقها في الكفارة و ان كان الثمن الذي تباع به أكثر من ثمن المثل، إلا إذا كان بذل ذلك الثمن موجبا للعسر و الحرج عليه فيسقط عنه الوجوب لذلك.

المسألة 43:

إذا وجدت الرقبة المملوكة للبيع و كان للمكلف مال غائب يرجو وصوله اليه وجب عليه ان ينتظر و لا يكون بذلك عاجزا عن العتق

كلمة التقوى، ج 6، ص: 463

لينتقل حكمه الى الصوم، حتى ييأس من وصول المال اليه أو من شراء العبد، و كذلك الحكم إذا وجد لديه الثمن و لم توجد الرقبة بالفعل و لكنه يتوقع وجودها و التمكن من شرائها فيجب عليه الانتظار و لا يكون بذلك عاجزا عن عتق الرقبة حتى يحصل له اليأس أو تطول المدة جدا بحيث يعد التأخير تسويفا بالواجب أو يكون التأخير موجبا للحرج على المكلف، و مثال ذلك ما إذا كان المظاهر شديد الشبق بحيث يكون تأخير التكفير و الجماع موجبا للعسر عليه و الوقوع في الضيق، و لا يمكنه سد حاجته بطريق محلل آخر، فلا يجب عليه الانتظار و ينتقل حكمه الى التكفير بصوم شهرين متتابعين و ان عسر عليه ذلك انتقل إلى الإطعام و كذلك في الفرض السابق.

المسألة 44:

إذا عجز المكلف عن صيام شهرين متتابعين في الكفارة المرتبة و لم يستطع ذلك وجب عليه أن يطعم ستين مسكينا، و تعين عليه ذلك، و يتحقق عجزه عن الصيام إذا كان مريضا مرضا يمنعه من الصوم، و إذا خاف مع الصوم من حدوث مرض مانع منه، أو خاف زيادة مرضه أو طول مدته أو عسر علاجه، و قد ذكرنا تفصيل ذلك في كتاب الصوم فليرجع إليه في فصل شرائط صحة الصوم و شرائط وجوبه.

المسألة 45:

لا يكفي في تحقق العجز وجود المرض المانع من الصوم في الحال أو خوف حدوثه أو خوف زيادته أو طول مدته أو عسر علاجه كذلك إذا كان يرجو البرء و تغير الحال و تجدد القدرة على الصوم في ما يأتي من الوقت، فلا بد مع وجود ذلك في الحال من اليأس من زوال العذر.

و إذا يئس من البرء أو ظن عدم البرء من المرض و استمرار العذر فأطعم ستين مسكينا، ثم زال العذر و أمكنه الصوم وجب عليه صيام شهرين متتابعين و لم يكفه الإطعام الذي أتى به.

المسألة 46:

إذا كان صوم الشهرين المتتابعين يوجب العسر و الحرج على المكلف

كلمة التقوى، ج 6، ص: 464

و الوقوع في المشقة الشديدة التي لا تتحمل عادة، سقط عنه وجوب الصوم و تحقق العجز عنه و انتقل فرضه إلى إطعام المساكين.

المسألة 47:

إذا حاضت المرأة أو تنفست وجب عليها الإفطار إذا كانت صائمة، و كان لها ذلك عذرا شرعيا، فلا ينقطع بإفطارها تتابع الصوم إذا كان مما يجب فيه التتابع، و قد ذكرنا هذا في كتاب الصوم و في كتاب النذر و في مواقع أخرى، و لذلك فلا يكون طروء الحيض أو النفاس على المرأة موجبا لعجزها عن صوم الكفارة، و انتقال حكمها إلى الإطعام، بل يجب عليها أن تصوم بعد ارتفاع الحدث عنها و تبني على صيامها المتقدم الى أن تتم الشهرين المتتابعين، و كذلك إذا أفطر المريض لعروض مرض يوجب له الإفطار كان له ذلك عذرا شرعيا فلا ينقطع بإفطاره تتابع الصوم و قد ذكرنا ذلك في المسألة المائتين و الثالثة و العشرين من كتاب الصوم. و كذلك السفر الذي يسلب من المكلف اختياره و يكون فيه مقسورا على قطع المسافة كما ذكرناه في المسألة الثانية و الثمانين من فصل النذر، فلا يكون إفطاره في هذا السفر موجبا لقطع التتابع في صوم الكفارة، بل يبني على صومه بعد ارتفاع العذر الى أن يتم الشهرين، و لا يكون عروض مثل هذا السفر موجبا للعجز عن الصيام المتتابع و انتقال حكمه الى الإطعام كما إذا فرض عروض ذلك له في كل شهر.

المسألة 48:

انما يكون الحيض أو النفاس عذرا شرعيا لا ينقطع به التتابع في الصوم إذا لم يكن حدوثهما بفعل المرأة نفسها، فإذا تناولت المرأة بعض الحبوب أو المستحضرات فأنزلت الحيض أو النفاس عليها باختيارها و أفطرت من صومها لذلك انقطع تتابع صومها بذلك على الظاهر، و كذلك المريض إذا أمرض نفسه بفعل نفسه، فيكون إفطاره بسبب هذا المرض الطاري عليه بفعله موجبا لانقطاع تتابع الصوم.

المسألة 49:

إذا سافر المكلف في أثناء صومه فأفطر انقطع بإفطاره تتابع صومه

كلمة التقوى، ج 6، ص: 465

سواء كان مختارا في سفره أم مضطرا اليه، الا إذا كان اضطراره بنحو القسر الذي يسلبه الاختيار فيه، كما ذكرناه في المسألة السابعة و الأربعين هنا، و في المسألة الثانية و الثمانين من فصل النذر.

المسألة 50:

المدار في القدرة و العجز في الكفارة المرتبة، عليهما في وقت أداء الكفارة لا في وقت وجوبها على المكلف، فإذا وجبت عليه كفارة الظهار مثلا و كان في وقت وجوبها عليه قادرا على ان يعتق رقبة لتيسر وجود الرقبة و وجود ثمنها، فتأخر في أداء الكفارة حتى فقدت الرقبة أو انعدم ثمنها لديه و أصبح غير قادر على العتق، وجب عليه صيام الشهرين و سقط عنه وجوب العتق.

و إذا كان عند وجوب الكفارة عليه عاجزا عن العتق، فلم يبادر بالصوم ثم وجدت الرقبة و أصبح قادرا على عتقها، لزمه العتق، و لم يكفه الصوم.

المسألة 51:

إذا عجز المكلف عن عتق الرقبة في الكفارة المرتبة و أصبح غير قادر عليه في نظر أهل العرف، و ابتدأ بصوم الشهرين المتتابعين، فصام أياما أو ساعات من يوم، ثم وجد الرقبة و أصبح قادرا على عتقها كفاه أن يتم الصوم و لم يجب عليه عتق الرقبة على الأقوى، و يجوز له رفع اليد عن الصوم و اختيار العتق، بل الظاهر أن ذلك هو الأفضل، و إذا انقطع تتابع الصوم لبعض الطواري، وجب عليه العتق إذا كان لا يزال قادرا عليه و لم يكفه أن يعيد الصيام.

و إذا عجز عن صوم الشهرين المتتابعين لبعض الأعذار الآنف ذكرها، فشرع في إطعام المساكين ثم زال العذر و أصبح قادرا على الصوم، فلا بد له من صوم الشهرين و لم يكفه الإطعام كما مر ذكره في المسألة الخامسة و الأربعين.

المسألة 52:

إذا أفطر الصائم في قضاء شهر رمضان عامدا بعد الزوال، وجبت

كلمة التقوى، ج 6، ص: 466

عليه الكفارة التي ذكرناها في المسألة الثالثة، و هي كما تقدم مرتبة من خصلتين، فيتعين عليه أن يطعم عشرة مساكين، و لا يجزيه أن يصوم ثلاثة أيام إلا بعد العجز عن الإطعام و يجري الترتيب بين الخصلتين على نحو ما ذكرناه في الكفارة المرتبة قبلها و تجري فيه أحكامها.

المسألة 53:

إذا وجبت على الرجل كفارة حنث اليمين أو ما هو بحكمه كالإيلاء من الزوجة و مخالفة النذر، جرى فيها حكمها المتقدم بيانه في المسألة الرابعة عشرة، و قد مر أن هذه الكفارة مخيرة مرتبة، فيتخير فيها بين أن يعتق رقبة مؤمنة و أن يطعم عشرة مساكين و أن يكسوهم، و لا يتعين عليه العتق إذا كان قادرا عليه، و لا يتقدم بعض هذه الخصال الثلاثة على بعض، فإذا عجز عن هذه الخصال جميعا و لم يتمكن من الإتيان بأي واحدة منها تعين عليه أن يصوم ثلاثة أيام، و يجري الترتب بين مجموع الخصال المتقدمة و الصيام على نحو ما تقدم في الكفارة المرتبة و تنطبق أحكامها.

المسألة 54:

يجب التتابع في صوم الشهرين في كفارة الظهار من الزوجة، و في كفارة القتل خطأ، و في الكفارة المخيرة و في كفارة الجمع، و يجب التتابع في صوم الشهر في كفارة العبد المملوك إذا ظاهر من زوجته، و في صوم الأيام الثلاثة في كفارة اليمين و ما بحكمه، و في صوم الأيام الثلاثة التي يجب صومها على المتمتع بالحج إذا لم يجد الهدي الواجب عليه في حجه، عدا ما استثني، و قد ذكرناها و ذكرنا مورد الاستثناء فيها في كتاب الصوم و في كتاب الحج. و لا يجب التتابع على الأقوى في صوم باقي الكفارات، و ان كان الأحوط استحبابا للمكلف أن يتابع الصوم في جميعها.

المسألة 55:

التتابع في الصوم هو أن يوالي المكلف بين أيام الصوم، فلا يتخلل ما بينها إفطار لا يعذر فيه شرعا، و لا يتخلل ما بينها صوم آخر لا يعذر فيه كذلك، فإذا أخل بالتتابع في الموارد التي يجب التتابع فيها، وجب

كلمة التقوى، ج 6، ص: 467

عليه أن يستأنف الصوم متتابعا، فإذا ابتدأ في صوم ثلاثة أيام لكفارة اليمين مثلا و أفطر في أثنائها لا لعذر أو صام في أثنائها صوما آخر معينا أو غير معين بطل صوم تلك الكفارة و وجب عليه استئنافها و ان كان الصوم الذي أتى به في أثنائها صوم شهر رمضان أو صوم كفارة غيرها أو صوم نذر معين أو غير معين.

و قد ذكرنا بعض الموارد التي يعذر المكلف فيها بتخلل الإفطار في صومه في المسألة السابعة و الأربعين و الثامنة و الأربعين و ما بعدهما، فلا يكون إفطاره فيها مخلا بالتتابع، و ذكرنا أيضا بعض الموارد التي يعذر المكلف فيها بتخلل الصوم الآخر في

المسألة الثامنة و الثمانين من فصل النذر، فلا يكون مخلا بالتتابع، فليلاحظ ذلك، و لعلنا نذكره قريبا على نحو الاجمال.

المسألة 56:

إذا وجب على الإنسان صوم متتابع، كفارة أو غيرها، فلا يجوز له أن يجعل صيامه في زمان يعلم بأنه لا يقدر على الإتيان بالصوم فيه متتابعا، فإذا وجب عليه صوم شهرين متتابعين لم يجز له أن يبتدئ صومه في أول شهر شعبان، لدخول شهر رمضان عليه قبل أن يحصل له شرط التتابع في صومه، و لم يجز له ان يبتدئ صومه في شهر قد نذر صوم يوم منه أو أكثر، و لم يجز له أن يبتدئ صومه في شهر يكون فيه أحد العيدين و أيام التشريق إذا كان بمنى ناسكا أو غير ناسك.

المسألة 57:

لا تخل المنافيات بتتابع الصوم إذا وقعت من المكلف على سبيل الالتجاء و عدم الاختيار كما إذا قسره المتغلب على أمره فأوقعه في الإفطار مجبرا من غير اختيار له في ذلك، فلا ينقطع بذلك تتابع صومه، و قد تقدم حكم السفر مع الاضطرار القاسر، و حكم المرض و عروض الحيض أو النفاس إذا لم يكن حدوثها بفعل المكلف نفسه و لا يضر بتتابع الصوم ما إذا نسي المكلف نية الصوم في بعض الأيام المتتابعة حتى فات وقت النية فلم يتذكرها الا بعد الزوال، فيبطل بذلك صوم اليوم و لا ينقطع به تتابع الصوم، و لا يضر بالتتابع أن ينسى فينوي صوما آخر و لا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 468

يتذكر الا بعد الزوال، و قد تقدم أيضا حكم من نذر أن يصوم كل خميس ما دام حيا، ثم وجب عليه صوم الشهرين المتتابعين للكفارة أو النذر أو ما هو أقل من الشهرين أو أكثر، فيصوم كفارته متتابعة، و يصوم أيام الخميس منها لنذره السابق و لا يكون صومها مخلا بالتتابع، و لكنه

يخل بصوم الأيام الثلاثة و نحوها إذا كانت متتابعة فيجب عليه أن يصومها متتابعة في غير الخميس بأن يجعل آخرها يوم الأربعاء مثلا.

المسألة 58:

يحصل التتابع الشرعي في صيام الشهرين للكفارة بأن يصوم المكلف منها شهرا و يوما متتابعا، فإذا أتم ذلك و تابع فيه جاز له تفريق الصوم في بقية الشهر الثاني، و لا يضره ذلك و ان حصل منه اختيارا من غير عذر سواء كانت الكفارة مرتبة أم مخيرة.

و إذا وجب على المكلف صوم شهرين متتابعين بالنذر أو الحلف أو العهد، و قصد بنذره أو يمينه التتابع الشرعي جاز أن يفعل كذلك، فيصوم شهرا و يوما متتابعا، ثم يفرق الصوم في بقية الشهر الثاني، و إذا قصد بنذره التتابع في جميع الأيام أو كان ذلك هو الذي ينصرف اليه لفظ النذر كما إذا نذر التتابع العرفي أو نذر أن يصوم شهرين هلاليين متصلين وجب عليه ان يصوم جميع أيام الشهرين متتابعة و لم يجز له التفريق مطلقا.

و كذلك إذا نذر أن يصوم شهرا متتابعا جرى فيه التفصيل المتقدم فان قصد التتابع الشرعي جاز له أن يصوم منه خمسة عشر يوما متتابعة، ثم يفرق صوم الباقي من الشهر، و ان قصد التتابع في جميع الأيام أو كان ذلك هو المنصرف اليه من لفظ النذر كما إذا نذر صوم شهر هلالي وجب عليه التتابع في الجميع و لم يجز له التفريق، و حكم اليمين و العهد هو حكم النذر.

و لا يجري الحكم المذكور في بقية أفراد الصوم المتتابع فلا يجوز له أن يصوم أكثر من نصفه متتابعا و يفرق بقية أيامه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 469

المسألة 59:

إذا وجب على الإنسان صوم شهرين متتابعين للكفارة، و ابتدأ بصومهما في أول الشهر القمري أجزأه أن يصوم شهرين هلاليين سواء كانا تامين أم ناقصين، و إذا شرع في صومهما في أثناء الشهر

فالأحوط له لزوما أن يتم كل واحد من الشهرين ثلاثين يوما و لم يجزه إتمام الشهر الهلالي إذا كان ناقصا.

المسألة 60:

إذا نذر الإنسان أو حلف أن يصوم شهرين متتابعين اتبع قصده الخاص، فان قصد صوم ما يسمى شهرا عند أهل العرف سواء كان عدديا أم هلاليا، جرى فيها الحكم الآنف ذكره في الكفارة فإذا ابتدأ بالصوم في أول الشهر القمري كفاه أن يصوم شهرين هلاليين و ان كانا ناقصين، و إذا شرع فيه في أثناء الشهر لزمه على الأحوط أن يصوم كل واحد من الشهرين ثلاثين يوما، و ان قصد الشهر العددي وجب ان يتم كل شهر منهما ثلاثين يوما و ان شرع في صومه في يوم الهلال، و إذا أطلق نذره أو حلفه و لم يعين شيئا انصرف الى الأول و جرى عليه حكمه، و ان كان الأحوط له استحبابا ان يتم كل شهر منهما ثلاثين يوما.

المسألة 61:

إذا وجب على الشخص صوم شهرين متتابعين، أمكن له أن يبدأ صوم الشهرين قبل أن يهل شعبان بيومين، فإذا صام كذلك فقد أحرز أنه صام قبل شهر رمضان شهرا و يوما و حصل له التتابع الشرعي في صومه فلا يضره دخول شهر رمضان بعد ذلك، فإذا أتم صوم شهر رمضان صام بعد العيد بقية الشهرين متتابعة إذا شاء أو متفرقة، و لا يكفيه أن يبدأ بصوم الشهرين في أول شهر شعبان فان تتابع صومه ينقطع بدخول شهر رمضان سواء كان شهر شعبان تاما أم ناقصا لعدم حصول التتابع الشرعي، و لا يكفيه أن يبدأ بصوم الشهرين قبل شهر شعبان بيوم واحد، فقد ذكرنا في المسألة التاسعة و الخمسين ان المكلف إذا ابتدأ بالصوم في أثناء الشهر، فلا بد له من إكمال الشهر ثلاثين يوما و لا يكفيه الشهر الهلالي

كلمة التقوى، ج 6، ص: 470

و نتيجة لذلك،

فلا بد للمكلف بالشهرين المتتابعين من أن يبتدئ بصومهما قبل أول شعبان بيومين، و هذا إذا لم يحصل له التفريق بعروض مرض أو حيض أو نفاس في هذه المدة، و إذا اتفق له ذلك فأفطر أياما بسبب أحد هذه الأعذار لم يكفه ذلك بلا ريب، و على وجه الاجمال فلا يصح له الصوم المتتابع حتى يكمل صوم واحد و ثلاثين يوما تامة غير الأيام التي يفطرها لهذه الأعذار.

و يجوز له أن يبدأ بصوم الشهرين قبل عيد الأضحى بواحد و ثلاثين يوما ليحصل له بذلك التتابع الشرعي كما تقدم، و لا يكفيه أن يصوم قبل العيد بثلاثين يوما و ان كان شهر ذي القعدة ناقصا، و الكلام في هذا الفرض هو الكلام في نظيره السابق.

المسألة 62:

يتضح مما تقدم أن المكلف متى ابتدأ بصوم الشهرين المتتابعين في أثناء الشهر وجب عليه ان يتم صوم الشهرين ستين يوما تامة، سواء أتى بالجميع متتابعة، أم تابع في الواحد و الثلاثين يوما الأولى منها، و فرق الصوم في الباقي، و سواء عرض له بعض الأعذار المسوغة فأفطر في الأثناء أم لا.

المسألة 63:

إذا وجب الإطعام في الكفارة على المكلف معينا أو مخيرا بينه و بين غيره، تخير المكلف بين أن يشبع المسكين و أن يدفع اليه المقدار المحدد عليه شرعا من الطعام، و أن يشبع بعض العدد الذي يجب عليه أن يطعمه من المساكين، و يسلم الطعام الى البعض الآخر، فإذا وجب عليه إطعام عشرة مساكين في كفارة اليمين مثلا، جاز له أن يشبع جميع العشرة، و أن يدفع إليهم القدر المعين من الطعام، و أن يشبع خمسة مساكين منهم، و يسلم المقدار الواجب من الطعام إلى الخمسة الآخرين، و كذلك إذا وجب عليه إطعام ستين مسكينا في كفارة إفطاره في شهر رمضان، فيصح له أن يدعو الرجال الى بيته مثلا فيشبعهم، و يسلم الى النساء ما يجب دفعه إليهن حتى يتم إطعام الستين.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 471

المسألة 64:

ليس للإشباع في الكفارة أو في غيرها قدر محدد، بل المدار أن يبذل المكلف طعامه للمسكين، و يأكل المسكين من الطعام حتى يكتفي، سواء قل ما يأكله أم كثر، و ما زاد من الطعام على أكل المساكين فهو لا يزال ملكا لصاحب الطعام يصنع به ما يشاء.

و إذا اختار المكلف أن يسلم الطعام الى المساكين وجب عليه أن يدفع الى كل مسكين منهم مدا من الطعام و لا يجزيه أن يدفع إليه أقل من ذلك و هذا هو المقدار المحدد للمسكين الواحد في جميع الكفارات غير كفارة الظهار، فإن الأحوط فيها أن يدفع لكل مسكين مدين من الطعام و لا يترك فيها هذا الاحتياط، و الأحوط استحبابا أن يدفع للمسكين مدين في جميع الكفارات.

المسألة 65:

المد الذي يجب على المكلف دفعه الى المسكين في الكفارة يبلغ مائة و ثلاثة و خمسين مثقالا صيرفيا و ثلاثة عشر حمصة و نصفا، و الحمصة هي جزء واحد من أربعة و عشرين جزءا من المثقال الصيرفي الواحد، و هو ربع الصاع الشرعي الذي يجب دفعه في زكاة الفطرة.

و المدان اللذان يلزمه دفعهما الى المسكين الواحد في كفارة الظهار على الأحوط يبلغان ثلاثمائة و سبعة مثاقيل صيرفية و ثلاث حمصات، و هما نصف الصاع، و إذا دفع المكلف الى المسكين في كفارة الظهار كيلو غرام و نصفا، فقد زاد على المدين بضعة عشر مثقالا صيرفيا، و إذا دفع إليه ثلاثة أرباع الكيلو في الكفارات الأخرى فقد زاد على المد الواجب بضعة مثاقيل، و لتراجع المسألة المائة و الخامسة و الثلاثين من كتاب الصوم.

المسألة 66:

يجب في الإطعام في الكفارة أن يتم عدد المساكين الذين يطعمهم المكلف في كفارته من غير فرق بين الإشباع و التسليم، فإذا أشبع المكلف المسكين الواحد مرتين أو دفع اليه مدين لم يكفه ذلك عن إطعام مسكينين في حال الاختيار و وجود العدد، و إذا أطعم في كفارة اليمين و شبهها أو

كلمة التقوى، ج 6، ص: 472

في كفارة الإفطار في قضاء شهر رمضان، وجب عليه أن يتم عدد المساكين عشرة، و لا يكفيه أن يشبع خمسة مساكين مرتين أو يدفع لكل واحد من الخمسة مدين.

و كذلك إذا أطعم في كفارة الإفطار في شهر رمضان أو كفارة الظهار أو القتل، فلا يجزيه إطعام المسكين الواحد عن أكثر من مسكين واحد و ان كرر له الإشباع أو ضاعف له الأمداد.

المسألة 67:

لا يجب أن يكون إطعام المساكين في الكفارة الواحدة في وقت واحد أو في مكان واحد أو أن يكون طعامهم من جنس واحد، أو أن يكونوا من أهل بلد واحد، فإذا فرق كفارته في عدة قرى أو عدة بلاد و أوقات أجزأه ذلك و أبرأ ذمته.

المسألة 68:

يكفي المكلف أن يشبع المسكين مرة واحدة، فإذا أطعمه غداءا أو عشاء أو فطورا أو سحورا، و أشبعه كفاه ذلك عن إطعام مسكين، و أفضل من ذلك أن يشبعه في يومه و ليلته.

المسألة 69:

يجزيه في إطعام المسكين أن يشبعه بما يتعارف عند الغالب من الناس في أطعمتهم و أقواتهم و ما اعتادوا أن يأكلوه و يقتاتوا به و يطعموه أهليهم من أجناس المأكولات و أنواعها: مطبوخات و مشويات و مخبوزات و غيرها، و يكفيه أن يشبعه من خبز الحنطة وحده و من خبز غيرها كالشعير و الذرة و الدخن و أشباهها، إذا كان متعارفا و قوتا لغالب الناس، و الأفضل أن يضيف إليه إداما يأكله معه، و قد ورد في النصوص أن أدنى الإدام الملح و أوسطه الخل و أرفعه اللحم، و الروايات المذكورة واردة في ما كان متعارفا في زمان صدورها.

المسألة 70:

لا يترك الاحتياط في كفارة اليمين و ما بحكمها من كفارة الإيلاء و نحوها، بأن يكون المد الذي يدفعه الى المسكين من الحنطة أو دقيقها

كلمة التقوى، ج 6، ص: 473

أو خبزها أو من التمر، و يجزي في غيرها من الكفارات أن يدفع للمسكين ما يسمى طعاما كالحنطة و الشعير و دقيقهما و خبزهما و الأرز و التمر و الزبيب و الماش و العدس، بل و الأقط و الذرة و الدخن إذا كان ذلك قوتا معتادا.

المسألة 71:

يجوز للمكلف أن يطعم الأطفال المساكين في الكفارة، فإذا كان إطعامه إياهم بنحو الإشباع احتسب كل اثنين من الصغار بواحد على الأحوط لزوما، من غير فرق بين أن يشبعهم مختلطين مع الكبار أم منفردين عنهم، و من غير فرق بين الإناث و الذكور، و اما الطفل الرضيع و شبهه الذي قد يأكل القليل من الطعام، فلا يحتسب بشي ء.

و إذا كان إطعامه إياهم بدفع الطعام إليهم، وجب عليه أن يدفع للمسكين الصغير بقدر ما يدفع للكبير، فيدفع اليه مدين في كفارة الظهار و مدا واحدا في سائر الكفارات، و يحتسبه مسكينا واحدا كما يحتسب الكبير، و لا فرق كذلك بين الإناث و الذكور، و لا يدفع للرضيع و شبهه شيئا، و لا يحتسبه مسكينا إذا دفع إليه.

المسألة 72:

يجوز للمكلف أن يطعم المجنون من الكفارة إذا كان مسكينا، فيشبعه كما يشبع المساكين الآخرين، و يدفع له المد أو المدين كما يدفع للآخرين، و يحتسبه من عدد المساكين.

المسألة 73:

يجب أن يكون دفع المد أو المدين إلى ولي الصغير و ولي المجنون، و لا يجزيه ما يدفعه الى الصغير نفسه أو الى المجنون بغير اذن وليه، و لا يشترط في اشباعهما أن يستأذن الولي بذلك على الأقوى.

المسألة 74:

إذا سلم المكلف المد أو المدين في الكفارة إلى المسكين ملكه بالقبض، و جاز له أن يتصرف فيه بما يريد، فيجوز له أن يأكله و أن يطعمه لعياله أو لغيرهم و أن يبيعه أو يهبه أو يتصدق به و لا يتعين عليه الأكل.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 474

المسألة 75:

إذا وجبت على الشخص عدة كفارات متفقة أو مختلفة، جاز له أن يطعم المسكين الواحد مرة واحدة في كل واحدة من الكفارات الواجبة عليه، فإذا كانت عليه عشر كفارات يمين أو عشر كفارات إفطار من شهر رمضان، صح له أن يدفع للمسكين عشرة أمداد، من كل كفارة مد، و صح له أن يشبعه عشر مرات، كل إشباعه من كفارة، فإذا وجد في البلد ستون مسكينا و كان الشخص مكلفا بثلاثين كفارة للإفطار في رمضان، كفاه أن يطعم الستين مسكينا ثلاثين مرة، اما بالإشباع أو بالتسليم، و يجوز له أن يدفع الأمداد للمسكين في الفروض الآنف ذكرها في وقت واحد.

المسألة 76:

المسكين الذي يجب إطعامه في الكفارة- أي كفارة كانت- هو الذي لا يملك قوت سنته لنفسه و لمن يعوله، لا بالفعل و لا بالقوة، و هو الفقير الذي يستحق الزكاة و يستحق زكاة الفطرة و قد تعرضنا لذكره مفصلا في المسألة المائة و الخامسة و العشرين و ما بعدها من كتاب الزكاة في فصل مصارف الزكاة، فليرجع إليها من أراد التفصيل.

و يشترط فيه أن يكون مسلما بل و يعتبر فيه أن يكون مؤمنا بالمعنى الأخص، نعم يجوز إعطاء المستضعفين و من لا يعرف بالنصب لأهل البيت (ع).

المسألة 77:

لا يشترط في مستحق الكفارة أن يكون عادلا، بل و لا يعتبر فيه أن يكون غير فاسق، و يمنع منها إذا كان متجاهرا بالفسق و بارتكاب المنكرات أو بترك الواجبات، و لا تدفع إليه إذا كان ممن يستعين بها و بأمثالها على فعل المعاصي، و ممن يكون الدفع إليه اعانة له على الإثم أو إغراء له بالقبيح.

المسألة 78:

لا يجوز للمكلف أن يدفع كفارته أو يصرفها على من تجب نفقته عليه، و هم الأب و الأم و الجد و ان علا بأكثر من واسطة، و الأولاد و ان

كلمة التقوى، ج 6، ص: 475

كانوا بواسطة أو أكثر، ذكورا و إناثا، و المملوك، و الزوجة التي يكون نكاحها دائما.

و يجوز له دفع الكفارة لزوجته إذا كان نكاحها منقطعا و لسائر أرحامه و أقاربه الذين لا تجب عليه نفقتهم كالإخوة و الأخوات و أبنائهم و الأعمام و الأخوال و أبنائهم.

المسألة 79:

يجوز إعطاء الكفارة للهاشمي على الأقوى و ان كان الدافع لها غير هاشمي و ان كان الأحوط استحبابا الترك من الدافع و الاجتناب من المدفوع اليه الا عند الضرورة.

المسألة 80:

إذا لم يجد المكلف مسكينا مستحقا للكفارة في بلده نقلها الى بلد آخر يوجد فيه المسكين، و إذا وجد بعض عدد المساكين الذين يجب عليه إطعامهم في الكفارة و لم يجد الباقي نقلها الى بلد آخر ليتم العدد و يجوز له تفريق الكفارة اختيارا، فيطعم عشرين مسكينا في النجف مثلا و يطعم عشرين آخرين في كربلاء و عشرين في الكاظمية، في وقت واحد أو أوقات متعددة.

المسألة 81:

إذا وجد بعض العدد الذي يجب إطعامه و تعذر وجود الباقي و لم يمكنه الإطعام في بلد آخر حتى بنحو الاستنابة و التوكيل، جاز للمكلف أن يكرر الإطعام على الموجودين من المساكين حتى يتم العدد الواجب، و يجب عليه أن يقتصر في التكرار على المقدار المتعذر من العدد، فإذا وجب عليه إطعام ستين مسكينا و وجد ثلاثين مسكينا فحسب، أطعم الثلاثين مرتين، و لم يصح له أن يطعم خمسة عشر مسكينا منهم أربع مرات، أو يطعم عشرين منهم ثلاث مرات، و إذا وجد أربعين مسكينا أطعمهم جميعا ثم كرر إطعام عشرين منهم، و لا يكرر إطعام عشرة منهم مرتين و هكذا.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 476

المسألة 82:

إذا اضطر المكلف الى التكرار في الإطعام ليتم العدد، فالأحوط له لزوما أن يكون التكرار في أيام متعددة، فإذا وجب عليه إطعام عشرة مساكين و لم يجد غير خمسة مساكين، أطعم الخمسة في يوم السبت مثلا ثم كرر إطعام الخمسة في يوم الأحد أو أيام أخر.

المسألة 83:

الكسوة للمساكين احدى الخصال الثلاث التي يتخير المكلف بينها في كفارة اليمين و ما بحكمها من الكفارات المخيرة المرتبة، و قد ذكرناها في المسألة الرابعة عشرة، و الخصال المخيرة فيها هي أن يعتق رقبة مؤمنة، أو يطعم عشرة مساكين، أو يكسوهم، فان لم يقدر أن يأتي بواحدة من هذه الخصال وجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام.

و المعتبر في كسوة المسكين أن يدفع المكلف اليه ما يعد لباسا في نظر أهل العرف، سواء كان اللباس جديدا أم غسيلا، إذا لم يكن مخرقا أو مرقعا أو قديما باليا يهلكه الاستعمال القليل.

و يكفي في أداء الواجب من الكسوة أن يدفع اليه ثوبا واحدا إذا كان يكسو الظهر و يواري العورة، فإذا لم يكن ساترا للعورة لرقته أو لقصره لم يجزه إذا دفعه وحده، و الأحوط عدم الاكتفاء بالسراويل وحدها و ان كانت طويلة و لا بالقميص القصير وحده و ان كان ساترا، و يكفيه ان يجمع بينهما.

المسألة 84:

يكفي في كسوة المسكين أن يدفع له جبة وحدها أو قباء، أو رداء، و يكفي أن يدفع اليه الفرو الكبير الشامل، و اللبادة المصنوعة كذلك، و الجلباب و ما يشبه ذلك مما يعد لباسا، و هي مختلفة في الشكل و الزي من قطر الى قطر.

المسألة 85:

لا يكفي المئزر وحده على الأحوط و ان ستر العورة، و يكفي إذا ضم اليه غيره بحيث يعد المجموع لباسا، و لا تكفي العمامة و الكوفية

كلمة التقوى، ج 6، ص: 477

و القلنسوة، و المنطقة، و الحزام، و لا يكفي الجورب و القفاز و الحذاء و شبه ذلك مما لا يعد لباسا، بل الأحوط عدم الاكتفاء بقميص قصير جدا مع سروال قصير جدا.

المسألة 86:

تكفي في أداء الواجب كسوة المسكين، سواء كان ذكرا أم أنثى، و كبيرا أم صغيرا، و لا يكتفى على الأحوط بكسوة الصغير جدا لاحتمال انصراف الأدلة عنه في الإطعام و الكسوة.

المسألة 87:

تكفي الكسوة سواء كانت من الصوف أم من الوبر، أم من القطن أم الكتان، أم الحرير أو الجلود التي يحل لبسها، أم من الأجناس الجديدة التي تصنع منها الأقمشة و الألبسة في الأزمنة الحاضرة.

و يعتبر في ما جرت العادة بخياطته من الألبسة أن يكون مخيطا، فإذا دفع اليه قماشا غير مخيط لم يكفه في أداء الواجب الا أن يدفع له أجرة الخياط و يوكله في خياطة الثوب ليلبسه، فإذا فعل ذلك و قبض الثوب بعد خياطته أجزأ، و أما الألبسة التي لا تحتاج إلى الخياطة كبعض الألبسة التي تنتجها المعامل جاهزة على هيئة المخيط، فالظاهر كفايتها إذا كانت مما يعد لباسا كما هو المفروض.

المسألة 88:

انما يتحقق إطعام المسكين بإشباعه من الطعام الذي يبذله له المكلف، أو بتسليم القدر المعين له من الطعام ليأكله إذا شاء كما تقدم بيانه، و لا يتحقق بدفع قيمة الطعام اليه من المكلف، و لذلك فلا يجزي دفع القيمة إلى المسكين في أداء الواجب عن المكلف و إبراء ذمته من الكفارة الواجبة عليه.

و كذلك القول في الكسوة، فالاكساء انما يحصل بدفع نفس الثوب أو اللباس الى المسكين ليلبسه إذا شاء، و لا يتحقق بدفع قيمة الكسوة إليه، فلا تبرأ ذمة المكلف إذا دفع القيمة إلى المسكين.

نعم يمكن للمكلف أن يدفع القيمة للمستحق أو لصاحب العائلة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 478

الفقيرة أو لولي المسكين و يجعله وكيلا عنه في شراء الطعام المقدر بالقيمة التي دفعها اليه ثم يأكله هو أو يصرفه على عائلته أو على المسكين المولى عليه، فإذا تولى العمل بالوكالة عنه و أنجزه كما أراد برئت ذمة المكلف من الواجب، و كذلك القول في الكسوة فيشتريها بالوكالة عن المكلف

ثم يقبضها لنفسه أو لعائلته أو للمسكين المولى عليه، و لا تبرأ ذمة المكلف بدفع القيمة إذا لم ينجز الوكيل العمل.

المسألة 89:

إذا دفع المكلف الكسوة إلى المسكين و قبضها منه ملكها المسكين، و صح له التصرف فيها، فيجوز له أن يلبسها و يجوز له أن يكسوها أو يهبها لغيره، و أن يبيعها أو يفعل بها ما شاء، كما تقدم في الطعام، و إذا مات بعد قبضها انتقلت الى وارثه و ان كان غنيا.

المسألة 90:

لا تؤدى الكفارة بنصفين من خصلتين، فإذا وجبت على الإنسان كفارة مخيرة لافطار يوم من شهر رمضان مثلا، فلا يكفيه أن يكفر بصيام شهر واحد متتابع و إطعام ثلاثين مسكينا، و إذا وجبت عليه كفارة يمين، لم يصح له أن يطعم خمسة مساكين و يكسو خمسة مساكين، و إذا لزمته كفارة مرتبة لظهار أو قتل نفس خطأ، و استطاع أن يصوم شهرا متتابعا فحسب، لم يكفه أن يصوم الشهر الذي استطاع صومه و يطعم ثلاثين مسكينا، بل يكون عاجزا عن الصوم، و يتعين عليه أن يطعم ستين مسكينا.

المسألة 91:

إشباع المساكين من أكل الطعام، و تسليم الأمداد إليهم ليسا خصلتين مختلفتين من خصال الكفارة و انما هما فردان من خصلة واحدة، و هي إطعام المساكين، فإذا وجب على المكلف إطعام ستين مسكينا، فأشبع ثلاثين منهم و دفع أمداد الطعام الى ثلاثين، كفاه ذلك في أداء الواجب، و لا يكون ذلك من أداء الكفارة بنصفين من خصلتين، بل هو أداء بفردين من خصلة واحدة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 479

المسألة 92:

لا تجب المبادرة في أداء الكفارة، سواء كانت مالية كالعتق و إطعام المساكين و كسوتهم، و كالذبح في كفارات الإحرام و الصدقة، أم كانت بدنية كالصوم، فيجوز للمكلف التأخير في أدائها ما لم يتضيق وقتها بظن عروض الموت أو ظن فوت الواجب لبعض الطواري و ما لم يؤد التأخير إلى التهاون بأمر اللّه و التسامح في أداء الواجب.

المسألة 93:

لا تصح النيابة و الوكالة في أداء الكفارة عن الحي إذا كانت بدنية كالصوم، فيجب على المكلف أن يباشر أداءها بنفسه، و لا يصح التبرع بأدائها من الآخرين، و تصح الاستنابة فيها و الإجارة على أدائها عن المكلف بعد موته، و يصح التبرع بأدائها عنه.

و يجوز للمكلف أن يوكل غيره في إخراج الكفارات المالية من ماله و أدائها عنه، كعتق الرقبة و الإطعام و الصدقة و الذبح في كفارات الإحرام، و يجوز له أن يوكل الغير في الاستقراض له من ماله أو مال الآخرين ثم دفعه الى الفقراء كفارة عنه.

المسألة 94:

إذا استناب المكلف غيره في إخراج الكفارة من ماله و تأديتها عنه أو وكله في ذلك، كما إذا وكله في عتق عبده عنه في الكفارة أو وكله في ذبح الشاة، فالمتولي للنية في الإخراج و الأداء هو الوكيل، و الأحوط لزوما أن ينوي المالك أيضا ذلك حين ما يجري الوكيل العمل مع الإمكان و حين ما يدفع الوكيل الحصة إلى الفقير.

و إذا أخرج المكلف الكفارة بنفسه ثم وكل غيره في إيصالها إلى الفقير، فالمتولي للنية هو المالك، فينوي الإيصال إلى الفقير بدفع حصته الى الوكيل.

المسألة 95:

لا يصح التبرع من الآخرين بالكفارة المالية عن المكلف إذا كان حيا، بأن يخرجوها عنه من أموالهم سواء كانت عتقا أم إطعاما أم غير ذلك،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 480

و لا تبرأ ذمة المكلف بأدائهم عنه و ان غرم لهم ما أدوا عنه، و يجوز لهم أن يملكوه شيئا من أموالهم فإذا تملكه منهم صرفه هو في كفارته عتقا أو إطعاما أو ما شاء.

المسألة 96:

الظاهر أن الكفارة المخيرة لا تكون من الديون التي تشتغل بها ذمة المكلف، و التي يجب إخراجها من أصل تركته إذا مات قبل أدائها، بل هي من سنخ الواجبات غير المالية، و ان كان بعض خصالها ماليا، فإذا أوصى بها المكلف قبل موته وجب على الوصي و الورثة إخراجها من ثلثه، و إذا هو لم يوص بها لم يجب عليهم إخراجها، سواء كانت لافطار شهر رمضان أم لاعتكاف أم لغيرهما من الأسباب التي فصلناها في المسألة الخامسة، و كذلك الحكم في كفارة اليمين و كفارة النذر و ما بحكمها بل و كفارة الجمع.

و يشكل الحكم في الكفارة المرتبة، إذا تعين على المكلف المال، و في الكفارات المالية الأخرى، فهل تخرج من الأصل أو من الثلث؟ و لا يترك الاحتياط.

المسألة 97:

إذا مات المكلف و قد تعين عليه الصوم في الكفارة المخيرة أو المرتبة لعجزه عن غير الصوم من الخصال فالأقوى وجوب قضاء الصوم على وليه من بعده، و قد ذكرنا المراد من الولي في فصل قضاء الصلاة و في فصل قضاء الصوم عن الميت فليرجع إليهما.

و إذا كان المكلف قبل موته قادرا على كل من الصيام و الإطعام في الكفارة المخيرة، أشكل الحكم بوجوب الصوم على الولي بعد موت المكلف، و لا يترك الاحتياط بأن يقضي الصوم عنه في هذه الصورة إذا لم يقبل الورثة بإخراج الإطعام من التركة، و إذا مات المكلف و قد تعين عليه العتق أو الإطعام لعجزه عن الصوم، لم يجب على الولي قضاء الصوم.

المسألة 98:

إذا عجز المكلف عن جميع الخصال في كفارة الإفطار في شهر رمضان

كلمة التقوى، ج 6، ص: 481

فلم يستطع أن يأتي بواحدة منها، وجب عليه أن يتصدق بما يمكنه، فإذا عجز عن الإتيان بأي صدقة وجب عليه أن يستغفر اللّه و لو مرة.

و إذا عجز عن الإتيان بجميع الخصال في غيرها من الكفارات، تعين عليه أن يصوم ثمانية عشر يوما، و الأحوط ان تكون متتابعة، فإذا لم يستطع ذلك وجب عليه الاستغفار و لو مرة، و إذا تجددت له القدرة بعد ذلك و تمكن من أداء الكفارة وجب عليه أن يأتي بها على الأحوط في الصورتين.

المسألة 99:

إذا عجز الإنسان عن عتق الرقبة في كفارة الجمع وجب عليه أن يأتي ببقية الخصال فيها و لزمه الاستغفار بدلا عن الخصلة التي عجز عنها على الأحوط، و كذلك الحكم إذا عجز عن غير العتق من الخصال، فيأتي بالخصال التي يقدر عليها و يستغفر اللّه بدلا عن الخصلة غير المقدورة على الأحوط.

المسألة 100:

في الحديث عن أبي عبد اللّه (ع) قال: سئل رسول اللّه (ص) ما كفارة الاغتياب؟ قال (ص) تستغفر لمن اغتبته كما ذكرته.

و عن الامام الصادق (ع) انه قال: كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الاخوان.

و عنه (ع) انه قال: كفارة الضحك، اللهم لا تمقتني.

و عنه (ع) قال: قال رسول اللّه (ص): كفارة الطيرة التوكل.

و عن الرسول (ص): من ختم مجلسه بهؤلاء الكلمات ان كان مسيئا كن كفارات لإساءته، و ان كان محسنا، ازداد حسنا، و هي سبحانك اللهم و بحمدك اشهد ان لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك.

و عن الصادق (ع): كفارات المجالس أن تقول عند قيامك منها:

سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد للّه رب العالمين.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 483

كتاب الوكالة

اشارة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 485

كتاب الوكالة و فيه فصلان:

الفصل الأول في الوكالة و شرائطها

المسألة الأولى:

الوكالة هي أن يستنيب الشخص غيره في التصرف في أمر أو في إنشاء التصرف في أمر، أو في إمضائه و ترتيب الآثار عليه، بحيث يكون تصرف النائب في حياة الشخص المنوب عنه، و يكون الأمر قابلا للاستنابة فيه، فإذا كانت الاستنابة في التصرف بعد حياة المنوب عنه كانت وصاية لا وكالة، و إذا كان الأمر غير قابل للنيابة فيه لم تصح الوكالة فيه و سيأتي بيان ذلك ان شاء اللّه تعالى.

المسألة الثانية:

الوكالة عقد من العقود، و لذلك فلا بد فيها من الإيجاب من الموكل و القبول من الوكيل، و يصح أن يقع الإيجاب فيها بأي لفظ يدل على تولية الوكيل في التصرف المقصود، و على استنابته فيه، فيقول الموكل للوكيل: أنت وكيلي في بيع داري المعينة بألف دينار، أو يقول له:

وكلتك في ذلك، أو أنبتك، أو استنبتك فيه أو فوضته إليك، أو خولتك أمره، بل يصح أن يقول له: بع الدار المعينة على زيد بكذا، و يصح أن تقول المرأة: زوجني من فلان على ألفي دينار، إذا هي قصدت بقولها جعله وكيلا عنها على إنشاء صيغة الزواج و دلت القرائن على ذلك لا على مجرد موافقتها على الزواج و المهر، و كذلك في قوله: بع الدار.

و يقع القبول بأي لفظ يدل على رضا النائب بإيجاب الموجب، فيقول: قبلت الوكالة أو رضيت، و يصح ان يكون القبول بالفعل،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 486

فإذا قال المالك: أنت وكيلي على بيع داري من زيد بألف دينار، فقال الوكيل لزيد: بعتك دار موكلي فلان بألف صحت الوكالة و وقع قبولها بذلك مع إيجاب البيع، فإذا قبل المشتري صح البيع و تم أيضا.

و إذا قالت سعاد للرجل: وكلتك على تزويجي

من علي بألفي دينار، فقال الوكيل لعلي: زوجتك موكلتي سعاد بألفي دينار، تم القبول و وقع إيجاب التزويج بهذه الصيغة، فإذا قبل الزوج عقد الزواج تم النكاح أيضا.

المسألة الثالثة:

تصح الوكالة بالمعاطاة كما تصح بالعقد اللفظي، و من أمثلة ذلك أن يدفع المالك للدلال سلعة أو متاعا بقصد توكيله في بيعهما و يقبضهما الدلال منه بقصد قبول الوكالة منه، أو يسلمه داره أو دكانه، بقصد جعله وكيلا في إجارتهما و يتسلمهما الدلال بقصد القبول، و قد جرت سيرة المتشرعة و العقلاء على إجراء أمثال هذه المعاملات و العمل بها.

و الظاهر أن الوكالة تتحقق أيضا بالمراسلة، فإذا أرسل الإنسان الى أحد كتابا يوكله فيه على إنفاذ شي ء أو إجراء معاملة و رضي المرسل اليه بذلك كان وكيلا عنه و نفذ تصرفه في ما وكله فيه، و كذلك إذا جعله وكيلا عنه بمكالمة هاتفية أو لاسلكية و نحوهما من وسائل الإبلاغ مع القطع بالصدق، و مثله ما إذا بلغه الوكالة و الاعتماد عليه على لسان رسول يوثق بصدقه و يطمأن بقوله، فتصح الوكالة و ينفذ تصرف الوكيل في جميع هذه الفروض.

المسألة الرابعة:

إذا قال الرجل للمالك: هل توكلني على بيع دارك من زيد بألف دينار مثلا؟ فقال له المالك: نعم، و قصد بقوله: نعم، إنشاء الوكالة له بهذا الجواب، فالظاهر صحة إنشائه، و الأحوط لزوما ان يقول الوكيل: قبلت أو نحوها بعد قول المالك: نعم، ليحصل القبول بعد الإيجاب.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 487

و كذلك الحكم إذا قال الرجل للمرأة، هل توكلينني في أن أزوجك من فلان على ألفي دينار فقالت: نعم، فيصح منها إيجاب الوكالة له بهذا القول، فإذا قبل الوكيل بعد قولها صحت الوكالة و نفذ تصرف الوكيل، نعم، لا بد في صحة ذلك من العلم بأن قولها: نعم بقصد إنشاء الوكالة، و ليس للدلالة على الرضا بالزواج وحده و إذا شك في ذلك لم

تصح الوكالة و كذلك في الفرض السابق.

المسألة الخامسة:

الظاهر انه لا تشترط الموالاة بين الإيجاب و القبول في صحة عقد الوكالة، فإذا تأخر القبول عن الإيجاب مدة لم يبطل العقد بذلك، كما إذا أرسل الرجل الى صاحبه رسالة يوكله فيها على إيقاع معاملة و لم تصله الرسالة إلا بعد مدة، فإذا وصلت الرسالة، و قبل صاحبه وكالته صحت الوكالة و نفذ تصرف الوكيل و ان تأخر قبوله عن الإيجاب كل هذه المدة.

نعم، يعتبر في الصحة وحدة العقد عرفا، فإذا قال المالك لصاحبه و هما في مجلس واحد: أنت وكيل عني في بيع داري فسكت الوكيل و لم يجب الا بعد شهر مثلا، فقال: قبلت الوكالة منك على بيع الدار، أشكل الحكم بالصحة و خصوصا إذا كانت الوكالة في أمر الفروج، بل الظاهر عدم الصحة إذا لم يكن للتأخير سبب عقلائي، و إذا كان له سبب فلا يترك الاحتياط.

المسألة السادسة:

يشترط في صحة الوكالة على الأحوط أن يكون إنشاء العقد فيها منجزا، فلا تصح إذا علق الموكل وكالته على وجود شي ء مشكوك، أو على حدوث أمر مرتقب، و مثال ذلك أن يقول الموكل لصاحبه: ان كانت هذه الليلة هي ليلة الفطر، فأنت وكيل عني في إخراج زكاة الفطرة من مالي عني و عن أهل بيتي، أو يقول له: إذا ملكني زيد هذه الدار فأنت وكيل على إجارتها أو على وقفها.

و يصح له أن يقول لصاحبه: أنت وكيل عني، فإذا كانت هذه الليلة هي ليلة الفطر أخرجت من مالي زكاة الفطرة، و ان يقول له: أنت

كلمة التقوى، ج 6، ص: 488

وكيلي فإذا ملكني زيد هذه الدار توليت عني إجارتها، و الفارق واضح بين المقصدين، فإن إنشاء الوكالة في المثالين الأولين معلق على وجود الشرط، فان

كانت الليلة هي ليلة الفطر فالوكالة محققة و ثابتة، و ان لم تكن فلا وكالة، و ان ملكه زيد الدار فصاحبه وكيل على إجارتها، و ان لم يملكه فلا وكالة، فتبطل الوكالة لأن إنشاءها مشكوك، و لا تعليق في الوكالة في المثالين الأخيرين، فصاحبه وكيل على كل تقدير و وكالته منجزة، سواء كانت الليلة هي ليلة الفطر أم لم تكن، و سواء ملكه زيد الدار أم لم يملكه، و التعليق انما هو للعمل الذي وكله فيه، فهو وكيل على إخراج الزكاة إذا كانت الليلة هي الليلة المعينة، و هو وكيل على الإجارة إذا ملكه زيد الدار المعينة.

المسألة السابعة:

يشترط في الموكل أن يكون بالغا، فلا يصح توكيل الصبي في كل ما يشترط فيه البلوغ من المعاملات و التصرفات كالبيع و النكاح و سائر الأمور التي لا تنفذ فيها معاملة الصبي بغير اذن وليه، و قد تقدم ذكر اشتراط البلوغ في البيع و الصلح و الهبة، و الإجارة و المضاربة و الشركة، و الرهن و الوقف و كثير من المعاملات الأخرى فإذا لم تصح المعاملة من الصبي قبل بلوغه و لم ينفذ تصرفه فيها بغير اذن وليه، لم يصح له أن يجعل فيها وكيلا عن نفسه.

المسألة الثامنة:

تقدم منا في كتاب البيع و في كتاب الحجر ان الصبي المميز غير مسلوب العبارة في المعاملة، فإذا نظر ولي الطفل في المعاملة على مال الطفل، و وجد المصلحة في البيع أو في الشراء له، و عين الثمن و المثمن مع المشتري أو مع البائع، أمكن للولي أن يوكل إجراء الصيغة إلى الصبي نفسه إذا كان ممن يحسن ذلك، فيجري الصبي صيغة البيع على مال نفسه بالثمن المعين، أو يجري قبول الشراء لنفسه للمثمن المعين، و يكون إجراؤه للصيغة على ماله بالوكالة عن الولي.

و تصح المعاملة من الصبي المميز كذلك على مال الغير إذا أذن مالك المال للصبي في المعاملة على ماله، و وكله في إجراء المعاملة كلها لا في

كلمة التقوى، ج 6، ص: 489

إيقاع الصيغة فحسب، و ان لم يأذن ولي الصبي له بتولي ذلك.

المسألة التاسعة:

يشترط في الموكل ان يكون عاقلا على التفصيل الذي ذكرناه في كتاب البيع و في كتاب الحجر و اشترطناه في سائر المعاملات المتقدم ذكرها، فلا يصح توكيل المجنون في جميع معاملاته في ماله و غير ماله.

و يشترط في الموكل ان يكون قاصدا للمعنى الذي ينشئه في صيغة الوكالة، فلا يصح توكيله إذا كان غافلا، أو هازلا أو سكران أو غاضبا غضبا يسلبه القصد، و أن يكون مختارا في فعله، فلا يصح توكيله إذا كان مكرها لا خيرة له في ما يفعل.

المسألة العاشرة:

يشترط في الموكل أن يكون نافذ التصرف في العمل الذي يوكل فيه، فلا يصح توكيل إذا كان محجورا عليه لسفه أو فلس أو غيرهما، فإذا كان سفيها قد حجر عليه عن التصرف في الأموال خاصة لم يصح توكيله في كل معاملة تتعلق بالمال و يجوز له التوكيل في المعاملات الأخرى التي لا تتعلق به كالطلاق و دعاوي الجنايات التي تستوجب القصاص و مطلق الدعاوي التي لا تتعلق بالمال، و إذا كان سفيها قد حجر عليه في ماله و في نفسه كما فصلناه في كتاب الحجر لم يصح له التوكيل في كل أولئك.

و إذا كان مفلسا قد حجر عليه عن التصرف في أمواله الموجودة فليس له التوكيل في ما يتعلق بها خاصة و يصح له التوكيل في غيرها من المعاملات التي تتعلق بذمته و بنفسه.

و لا يصح له إذا كان محرما أن يوكل أحدا ان يجري له عقد نكاح أو أن يبتاع له صيدا أو يمسكه له، سواء كان الوكيل محلا أم محرما.

المسألة 11:

لا يشترط على الأقوى في الوكيل أن يكون بالغا، فيصح أن يوكل الصبي المميز في إيقاع صيغ المعاملات إذا كان ممن يحسن القيام بها و يراعي الشرائط المعتبرة فيها، و قد تقدم في المسألة الثامنة انه يصح لمالك المال أن يعتمد على الصبي المميز و يوكله في إجراء المعاملة على ماله

كلمة التقوى، ج 6، ص: 490

إذا كان الصبي ممن يحسن ذلك و لا يختص بإجراء الصيغة و لا تتوقف صحة الوكالة و لا نفوذ المعاملة التي يجريها على اذن الولي له بذلك، و الظاهر ان ذلك لا يختص بالمعاملة على المال فيصح توكيله في غيرها من المعاملات إذا كان الصبي يحسن القيام

بها على الوجه الصحيح.

و قد تقدم أيضا: انه يصح لولي الصبي المميز أن يوكله في إجراء صيغة المعاملة على مال الصبي نفسه بعد ان يتم الولي المعاملة و يقوم بإحراز شروطها، كما تقتضيه ولايته، ما عدا إجراء الصيغة.

نعم، يمنع الصبي من أن يجري المعاملة مستقلا على ماله نفسه بغير اذن وليه و ان كانت معاملته موافقة للمصلحة، و يمنع من إجراء الصيغة في المعاملة على ماله أو على نفسه إذا لم يوكله الولي في إجرائها، و يمنع من أن يجعل وكيلا للولي أو لغيره إذا لم يكن مميزا تام التمييز.

المسألة 12:

يشترط في الوكيل أن يكون عاقلا و أن يكون قاصدا للمعنى حين يتولى قبول الوكالة، و ان يكون مختارا غير مكره و لا مجبر، و أن يكون نافذ التصرف في العمل الذي وكل فيه، فلا تصح الوكالة له إذا كان سفيها محجورا عليه في تصرفه في نفسه، و إذا كان محرما فلا يجوز لأحد أن يوكله في إجراء عقد نكاح أو أن يبتاع له صيدا أو أن يمسكه له سواء كان الموكل له محلا أم محرما.

المسألة 13:

يجوز للمسلم أن يوكل كافرا أو مرتدا مليا أو فطريا في تولي بعض معاملاته أو في القيام ببعض أعماله، أو في استيفاء بعض حقوقه أو في بعض مخاصماته مع الناس، و ان كان الأحوط استحبابا عدم توكيله إذا كانت المخاصمة أو استيفاء الحق من مسلم، و يجوز توكيله في شراء مصحف للمسلم أو شراء عبد مسلم له و خصوصا إذا تسلمهما الموكل المسلم نفسه، و لم تثبت للوكيل الكافر عليهما يد.

المسألة 14:

يجوز للمسلم أن يكون وكيلا لكافر أو مرتد في بعض شؤونه

كلمة التقوى، ج 6، ص: 491

و معاملاته و أعماله، إلا إذا وكله على أمر لا يجوز في الإسلام، و مثال ذلك: أن يوكله في إجراء معاملة ربوية، أو في استيجار أمكنة لبيع بعض المحرمات أو عملها، أو خزنها، أو القيام بأعمال محرمة أخرى، أو وكله في بيع خمر أو خنزير أو شرائهما، و كما إذا وكله في شراء مصحف له على الأحوط لزوما، أو في شراء عبد مسلم له، فلا يتولى المسلم الوكالة عن الكافر أو المرتد في ذلك.

المسألة 15:

لا يحجر على المفلس أن يتصرف في مال غيره إذا أذن له صاحب المال و كان التصرف طبقا للموازين الصحيحة، و لذلك فيصح له أن يكون وكيلا عن الغير في معاملاته و أعماله سواء تعلقت وكالته بالمال أم بغيره.

و كذلك القول في السفيه فإذا كان محجورا عن التصرف في ماله، فهو غير محجور عن التصرف في مال غيره مع الاذن، فيصح له أن يتولى الوكالة عن الغير في أمواله و شؤونه، إلا إذا كان سفهه موجبا للحجر عليه في التصرف في نفسه أيضا، فلا يصح له أن يتولى الوكالة عن الغير في هذه الصورة.

المسألة 16:

سيأتي ان شاء اللّه تعالى في كتاب الوصية: ان الصبي المميز لا يحجر عن الوصية بماله إذا بلغ من العمر عشر سنين، و كانت وصيته في البر و المعروف و في وجوه الخير، سواء كانت لأرحامه أم لسواهم، فتنفذ وصيته بذلك على الأقوى، و لذلك فيصح له أن يوكل غيره في إنشاء الوصية المذكورة، سواء كان الغير الذي يوكله في ذلك كبيرا بالغا أم كان صبيا مميزا قد بلغ عشر سنين.

المسألة 17:

كل شرط من الشروط التي ذكرناها في الموكل أو في الوكيل، كما يجب تحققه في ابتداء الوكالة، فإذا لم يوجد الشرط لم تصح الوكالة، فهو كذلك شرط يجب تحققه على الأحوط في بقائها، فإذا ارتفع أي شرط منها حكم ببطلان الوكالة على الأحوط احتياطا لا يترك.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 492

فإذا جن الموكل بعد أن أتم الوكالة، أو جن الوكيل كذلك كانت الوكالة باطلة، سواء كان الجنون الذي طرأ عليه مطبقا أم أدوارا، و سواء كان عروضه قبل ان يبدأ الوكيل بالعمل الذي وكل فيه أم كان في أثنائه و قبل إتمامه، و كذلك إذا عرض لأحدهما الإغماء، أو طرأ على الموكل سفه أو فلس فحجر عليه عن التصرف في ماله، فيبطل توكيله السابق للوكيل إذا كان متعلقا بالمال و كان الحجر على الموكل قبل ان يتم الوكيل العمل.

و مثله ما إذا حجر الوكيل عن التصرف في نفسه، فتبطل الوكالة في هذه الفروض على الأحوط كما ذكرنا، و إذا زال العارض فأفاق المجنون أو المغمى عليه و ارتفع الحجر عن المحجور لم تعد الوكالة الأولى و يجوز لهما ان يجددا وكالة أخرى إذا أرادا.

المسألة 18:

يشترط في العمل أو الأمر الذي تتعلق به الوكالة أن يكون مباحا، فلا يصح التوكيل في أمر محرم شرعا. و مثال ذلك أن يوكله في غصب مال أحد أو في ضربه أو شتمه من غير حق، أو يوكله في معاملة محرمة أو مخاصمة بغير حق أو في استيجار محل ليكون مبغى أو معملا يعمل فيه الخمر أو يخزن فيه أو يباع، أو في استيجار سيارات و عمال لحمله و نقله و شبه ذلك.

و لا يصح التوكيل في أمر لا سلطان للموكل

على إيقاعه، و مثال ذلك أن يوكل أحدا في بيع مال الغير بغير وكالة و لا ولاية له على المال أو على مالكه.

المسألة 19:

يجوز للإنسان أن يوكل أحدا على أخذ ماله من يد الغاصب بالقوة أو بوسيلة أخرى يستطيعها الوكيل، و ان كان صاحب المال نفسه غير قادر على أخذ ماله منه و التصرف فيه.

المسألة 20:

إذا كان الفعل غير مقدور للشخص عقلا أو غير مقدور له شرعا،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 493

و لكنه يصبح مقدورا له بالفعل بعد حصول أمر معين من الأمور، و من أمثلة ذلك عتق عبد لا يملكه فعلا، فإنه غير مقدور له شرعا فإذا اشترى العبد من مالكه أصبح العتق مقدورا له بالفعل و جاز له شرعا، و من أمثلة ذلك بيع دار لا يملكها بالفعل أو وقفها فان ذلك غير مقدور له شرعا، فإذا اشترى الدار من مالكها صح له بيعها أو وقفها، و من أمثلته تزويج الرجل بامرأة ذات بعل أو ذات عدة، فإنه لا يقدر على ذلك شرعا و لا يصح له الا إذا فارق المرأة زوجها فطلقها أو مات عنها، و خرجت ذات العدة من عدتها، فيجوز له الزواج بها، و من أمثلة ذلك طلاق امرأة أجنبية عنه، فإنه لا يقدر على ذلك شرعا إلا إذا تزوج الرجل المرأة، فإذا تزوجها أمكن له طلاقها.

و الظاهر انه لا يجوز للشخص أن يوكل أحدا على فعل ذلك الأمر غير المقدور له بالفعل، فلا يصح له أن يوكله في المرأة المعتدة فعلا ليزوجه إياها بعد انقضاء عدتها، و في المرأة ذات الزوج ليزوجه إياها بعد أن يطلقها زوجها أو بعد أن يموت عنها، و لا يصح له أن يوكله في طلاق امرأة سيتزوجها، و في عتق عبد سيملكه و في وقف دار سيشتريها.

المسألة 21:

يصح للرجل في الفروض الآنف ذكرها أن يوكل أحدا في الأمرين معا، إذا كان الأمر الأول مقدورا له بالفعل، فيجوز له أن يوكل أحدا في شراء العبد المملوك ثم عتقه بعد تملكه، و يوكله في شراء المتاع، و بيعه بعد شرائه و

يوكله في شراء الدار و وقفها بعد ملكها، و يوكله في زواجه بالمرأة و طلاقها بعد التزويج إذا وجدها لا تليق به.

المسألة 22:

إذا وكل الرجل غيره وكالة عامة على أن يتولى عنه جميع أموره و أن يتصرف في جميع ما يملك التصرف فيه مما هو موجود تحت قدرته بالفعل و ما يتجدد بعد ذلك، صح للوكيل أن يتولى العمل في جميع الفروض المتقدم ذكرها، فإذا اتفق ان خرجت المرأة ذات العدة من عدتها أو فارق ذات الزوج زوجها جاز للوكيل ان يزوج موكله إياهما،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 494

و إذا اتفق أن ملك الرجل العبد جاز للوكيل عتقه و بيعه، و إذا ملك الدار جاز للوكيل وقفها و إجارتها، و هكذا.

المسألة 23:

الوكالة كما ذكرنا من قبل استنابة للوكيل في أن يوجد الشخص العمل أو الشي ء الذي يوكله فيه، و لذلك فيشترط في صحة الوكالة أن يكون العمل أو الشي ء الذي يوكل الإنسان غيره في إيجاده مما يقبل النيابة.

و توضيح ذلك: أن الأعمال و الأشياء التي لاحظها الشارع الأعظم و رتب عليها أحكامها و آثارها قد يكون الشارع قد اعتبر فيها أن تصدر من الإنسان بنحو المباشرة بنفسه، فلا تكون وافية بالغاية التي أرادها و جعل الأحكام من أجلها إلا إذا صدرت من الإنسان كذلك، و من أمثلة ذلك الصلاة و الصيام، المفروض منهما و المندوب في الغالب، و الحج و العمرة و الطهارات الثلاث: الوضوء و الغسل و التيمم في الأكثر، فإن الشارع قد اعتبر في هذه الأعمال أن يوجدها المكلف بنفسه بنحو المباشرة عدا ما استثني منها و هو ما يأتي التنبيه عليه ان شاء اللّه تعالى، فيكون هذا النوع من الأعمال و الأشياء مما لا يقبل النيابة.

و قد تكون مما لم يعتبر الشارع فيها ان تصدر من الإنسان بنحو المباشرة، بل لاحظ انه يكفي في

صحتها و حصول الغاية المقصودة منها و ترتب الأحكام و الآثار عليها مجرد صدورها من الإنسان و لو بنحو التسبيب، كما هو الحال في أكثر المعاملات و الأعمال و في بعض العبادات، و يكون هذا النوع مما يقبل النيابة.

المسألة 24:

المتبع في تمييز أحد هذين النوعين من الأعمال و الأشياء عن الآخر هو ما دلت عليه ظواهر الأدلة الشرعية المثبتة لأحكام تلك الأشياء و آثارها و ما تدل عليه إطلاقاتها المقامية و القرائن العامة الحافة بها، من الاعتماد في ذلك على فهم المتشرعة و أهل العرف من تلك الأدلة فيمتاز بذلك ما يقبل النيابة و ما لا يقبلها.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 495

المسألة 25:

لا ريب في ان الصلاة و الصيام فرائضهما و نوافلهما مما تجب فيها المباشرة و لا تقبل النيابة و التوكيل عن الحي، إلا صلاة الطواف في بعض الموارد الخاصة، و من أمثلة ذلك الشخص الذي يستطيع حج البيت استطاعة مالية، و يعجز عن الإتيان به لكبر سن أو مرض أو نحوهما، فيجب عليه أن يستنيب من يحج، و يجب على النائب أن يأتي بجميع أفعال الحج و عمرة التمتع إذا كان ممن فرضه التمتع، و منها طواف العمرة و طواف الحج و طواف النساء، و صلاة الطواف لكل واحد منها.

و منها فروض أخرى في من نسي الطواف أو نسي صلاة الطواف حتى خرج من مكة و لم يمكنه الرجوع و يرجع في بيان جميع ذلك الى ما كتبناه في مناسك الحج من أحكام ذلك، و قد ذكرنا في مبحث صلاة الاستئجار أن الأقوى صحة النيابة عن الحي في بعض الصلوات المستحبة.

و لا ريب في ان الطهارات الثلاث: الوضوء و الغسل و التيمم مما تجب فيه المباشرة و لا يقبل النيابة و التوكيل إذا كان المكلف قادرا على مباشرة أعمالها بنفسه، و اما العاجز فإنه تصح له الاستنابة فيها، فيستنيب من يجري الغسلات و المسحات على أعضائه، و يجب عليه ذلك و يستنيب

من يعجز عن التيمم من يضرب بيدي المكلف أو بيديه على التراب و يمسح بها على أعضائه و تفصيل أحكام ذلك قد سبق ذكره في مباحث الوضوء و الغسل و التيمم في كتاب الطهارة.

المسألة 26:

تجوز النيابة و التوكيل في إيتاء الزكاة، فيصح لمالك المال الذي تعلقت به الزكاة أن يوكل غيره إذا كان الوكيل ثقة في أن يخرج الزكاة من مال المالك و يدفعها للمستحق، و ينوي الوكيل إيتاء الزكاة عن مالك المال حينما يدفعها للمستحق، و الأحوط ان ينوي المالك إيتاء الزكاة أيضا في ذلك الوقت مع الإمكان.

و يجوز للمالك أن يعين زكاة ماله في شي ء مخصوص ثم يوكل ثقة في إيصال ذلك الشي ء إلى المستحق، و ينوي المالك إيصال الزكاة إلى

كلمة التقوى، ج 6، ص: 496

الفقير بدفعها الى الوكيل، و الأحوط أن تبقى نية المالك مستمرة حتى يدفع الوكيل المال الى الفقير.

و كذلك الحكم في إيتاء الخمس، فيجوز للمالك أن يوكل الثقة في إخراج الخمس من المال و دفعه الى مستحقه و يجوز له أن يوكله في الإيصال على الوجه الذي ذكرناه في الزكاة و أمر النية في الموردين على السواء و كذلك الحكم في الكفارات المالية، و قد ذكرناه في كتاب الكفارات، و أما الكفارات البدنية فهي مما لا تقبل النيابة و التوكيل فيها.

المسألة 27:

تصح الاستنابة و الوكالة في إجراء صيغ العقود جميعا من البيع بجميع أقسامه، و الإجارة، و الصلح و الهبة و المضاربة و الشركة و المزارعة و المساقاة، و القرض و الرهن و الضمان و أخواته و النكاح و غير ذلك من العقود اللازمة و الجائزة، و حتى في عقد الوكالة نفسه، فيصح للشخص أن يوكل من ينشئ صيغة العقد عنه إيجابا و من يتولى عنه قبول الإيجاب و من يجري المعاملة عنه بنحو المعاطاة إذا كان العقد مما تجري فيه المعاطاة.

المسألة 28:

تجوز الاستنابة و التوكيل في إنشاء الوقف و الوصية، و في الطلاق و العتق، و في إبراء ذمة المدين من الدين، و في إسقاط الحق و الأخذ به في موارد ثبوته، و في فسخ العقد عند ثبوت الخيار و أخذ الأرش في مواضع ثبوت الأرش، و يجوز التوكيل في المخاصمات و الدعاوي و إثبات الحقوق عند القضاة و الحكام و رفع الظلامات.

المسألة 29:

الظاهر أنه يصح للرجل ان يوكل أحدا في الرجوع بمطلقته الرجعية، فيقول له مثلا: أنت وكيل عني أن ترجع فلانة إلى زوجيتها إذا رأيت شدتها الأولى قد تبدلت الى ما هو أحسن، أو يقول له: أنت وكيلي في أمر فلانة، فمتى وافقت على السكنى مع عائلتي في الدار فأرجعها إلى زوجيتها، و مثل ذلك ما إذا كانت المرأة مطلقة بالخلع، فيقول الزوج

كلمة التقوى، ج 6، ص: 497

للرجل: أنت وكيل عني في أمر فلانة، فإن رجعت هي بما بذلت فأرجعها إلى نكاحها.

نعم قد يكون التوكيل في الرجوع بها بنفسه تمسكا بزوجيتها كما إذا قال للرجل: أنت وكيل عني ان تقول لها: اني قد رجعت بزوجيتها، فيكون قوله هذا بنفسه رجوعا بها لا وكالة بالرجوع، و هذا انما يكون بحسب القرائن الدالة على المقصود.

المسألة 30:

إذا قال الرجل لغيره: أنت وكيل عني أن تقر لزيد بأن له في ذمتي مائة دينار مثلا، كان قوله هذا بنفسه إقرارا لزيد بالمبلغ المعين و ليس توكيلا في الإقرار، و الرجل انما هو شاهد عليه بالإقرار.

المسألة 31:

إذا قال الرجل لغيره: أنت وكيل أن تشهد بالوكالة عني بأن هذه الدار ملك لزيد مثلا، فيمكن أن يقال بأن قوله هذا شهادة منه بأن الدار لزيد، و الوكيل انما هو شاهد على شهادته بذلك و ليست توكيلا في أن يشهد عنه، و لذلك فيشكل الحكم بصحة هذه الوكالة، فإذا كان الأمر المشهود به مما لا تقبل فيه شهادة الفرع، أو كانت شهادة الفرع غير تامة الشرائط من العدد و العدالة لم تثبت بها شهادة الأصل.

المسألة 32:

يشكل الحكم بصحة الاستنابة و التوكيل في أن يحلف الوكيل عن موكله يمينا، بحيث تلزم الموكل أحكام حلفه، فيجب عليه الوفاء به و تحرم عليه مخالفته و تلزمه الكفارة إذا حنث به، و يشكل كذلك أن يوكله في ان ينذر بالوكالة عنه نذرا أو يعاهد اللّه عنه عهدا، أو يوكله في أن يظاهر بالوكالة عنه من زوجته، أو يولي منها بالوكالة عنه إيلاء، أو يلاعنها، بحيث تلزم الزوج الموكل أحكام الظهار و الإيلاء و اللعان.

المسألة 33:

تصح الاستنابة و التوكيل في التسليم و القبض الذي تقتضيه المعاملات،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 498

سواء توقفت عليهما أو على أحدهما صحة المعاملة أم توقف عليه لزومها، أم لم يتوقف عليه شي ء منهما، و انما هو أمر يقتضيه الجري على المعاملة و الترتيب لآثارها، فيجوز لكل واحد من المتعاقدين أن يوكل أحدا في قبض الشي ء الذي استحقه بالمعاملة بينهما، و في تسليم الشي ء الذي استحقه صاحبه بموجبها، كالثمن و المثمن في عقد البيع، و العين المستأجرة و بدل الإجارة في عقد الإجارة، و العين الموقوفة في الوقف، و العين الموهوبة و عوضها في الهبة المعوضة، و العين الموهوبة خاصة في الهبة غير المعوضة، و العين المرهونة في الرهن، و المهر في عقد النكاح، و بدل الخلع أو المبارأة في طلاق الخلع أو المبارأة، فإذا دفع أحد المتعاملين العوض أو الشي ء الذي جرت عليه المعاملة إلى وكيل الآخر و قبضه الوكيل منه برئت ذمته.

و يجوز للدائن أن يوكل غيره في استيفاء ما يستحقه في ذمم الآخرين من الديون، و يجوز للمدين أن يوكل غيره في وفاء ما في ذمته من المال، فإذا دفع وكيله المال الى مالكه أو الى وكيله المفوض

و قبضه منه برئت ذمته، و إذا كان على الدين المدفوع رهن، و قبض وكيله العين المرهونة برئت ذمة المرتهن منه.

المسألة 34:

يجوز للفقير المستحق أن يوكل أحدا في قبض ما يستحقه من الزكاة أو من الكفارات أو من الصدقات أو من الخمس، و ينوي مالك المال إيتاء الزكاة أو إيتاء الخمس، أو الكفارة، أو الصدقة عند دفعه المال الى وكيل الفقير المستحق، و تبرأ ذمة المالك بقبضه المال.

المسألة 35:

حق قسم الليالي بين الزوجات خاص بالزوج و خاص بالزوجات، فلا يجوز للزوج أن يوكل أحدا في تولي قسمة الليالي بين زوجاته، و لا يجوز للزوجة أن توكل غيرها في أخذ قسمتها من ليالي زوجها إذا لم تكن الوكيلة من زوجاته، و يجوز لها أن تهب ليلتها لغيرها من زوجاته أو توكلها في أخذ قسمتها.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 499

المسألة 36:

يصح للرجل أن يوكل أحدا في أن يطلق زوجته منه، و يصح للزوج ان يوكل غيره في ان يوكل من يطلقها، من غير فرق بين أن يكون الزوج حاضرا وقت الطلاق أو غائبا، و من غير فرق بين أن يكون الوكيل على إجراء صيغة الطلاق عنه رجلا أو امرأة إذا كانت تحسن إنشاء الصيغة و تراعي الشروط المعتبرة في الطلاق.

المسألة 37:

الأحوط ان لا يوكل الرجل زوجته في أن تطلق نفسها بنفسها، و لا يوكلها في أن توكل عنه من يطلقها، و ان كان الأقرب صحة توكيلها في الصورتين، و يرجع الى ما نبينه ان شاء اللّه تعالى في مبحث الصيغة من كتاب الطلاق.

المسألة 38:

يجوز للإنسان أن يوكل شخصا في أن يجوز له بعض المباحات العامة كالحطب و الكلاء و الماء و الرمل و الحجر و الحصى و الجص و السمك و الطير من مواضعها المباحة، فإذا حازه الوكيل بالنيابة عن موكله كانت الحيازة للموكل، و كان الشي ء الذي حازه الوكيل ملكا للموكل كذلك، و تراجع المسألة المائة و السابعة و التسعين من كتاب الإجارة.

المسألة 39:

لا بد في صحة الوكالة من أن يكون الشي ء الموكل فيه معينا، شخصيا، أو عاما أو مطلقا، و لا تصح إذا كان الأمر الذي وكله فيه مجهولا غير معلوم، و مثال ذلك ان يقول له: أنت وكيل عني و لا يذكر شيئا تتعلق به الوكالة، و لا تصح الوكالة كذلك إذا وكله على أمر مبهم و مثال ذلك ان يقول له: وكلتك على بعض أعمالي أو على اجراء بعض العقود التي تكون لي، أو وكلتك في بعض ما أملك و لم يعين ذلك البعض الذي وكله فيه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 500

الفصل الثاني في بعض أحكام الوكالة

المسألة 40:

الوكالة التي يوقعها الإنسان لغيره قد تكون وكالة خاصة في أمر مشخص معين، فيقول له مثلا: أنت وكيل عني في أن تبيع هذه الدار المعينة على زيد بألف دينار، أو يقول له: وكلتك على أن تقبض عني ديني الذي أملكه في ذمة عبد اللّه و هو مائة دينار، أو تقول المرأة لأحد:

وكلتك أن تزوجني من إبراهيم على ألفي دينار معجلة، و لا ريب في صحة الوكالة إذا أنشئت كذلك، و تم قبولها.

المسألة 41:

يصح أن يوكل الإنسان غيره وكالة عامة في موضوع خاص معين، فالأمر الموكل فيه عام من حيث التصرف و خاص من حيث موضوعه و مثال ذلك أن تكون للمالك أرض معينة، فيقول لأخيه: وكلتك في أمر هذه الأرض وكالة عامة أن تتصرف فيها كيفما تشاء، فإن شئت ان تبيعها أو تؤجرها أو توقفها أو تغرسها بستانا أو تبنيها عمارة أو ما شئت من وجوه التصرف التي تراها، فإذا تم القبول جاز للوكيل أن يتصرف في الأرض المعينة أي تصرف يريد.

و اما احتمال ان تكون الوكالة بهذه الصورة أو الصور الآتية من الوكالة العامة أو المطلقة موجبة للضرر على الموكل فيكون ذلك موجبا لبطلانها، فهو مدفوع بأنه يشترط في الوكالة ان يراعي الوكيل المصلحة في ما يقوم به من العمل للموكل، و نتيجة لذلك فلا تشمل الوكالة و ان كانت عامة أو مطلقة أي تصرف يوجب ضرر الموكل، بل و لا التصرفات التي لا مصلحة فيها و لا ضرر، و لا تنفذ من الوكيل مثل هذه التصرفات، و سيأتي ذكر هذا الشرط ان شاء اللّه تعالى.

المسألة 42:

يجوز للإنسان أن يوكل غيره في أن يتصرف تصرفا خاصا في جميع ما يملك، فيكون الأمر الموكل فيه خاصا من حيث التصرف و عاما من

كلمة التقوى، ج 6، ص: 501

حيث موضوعه بعكس ما فرض في المسألة المتقدمة، و مثال ذلك ان تكون للرجل عدة ممتلكات من الأشياء و الأنواع المختلفة، و يحتاج الى بيعها جميعا، فيقول للدلال: وكلتك على أن تبيع لي كل ما أملكه من أرضين و بساتين و دور، و عمارات و محلات، و فرش، و أثاث، و أمتعة و أجهزة و غير ذلك، فإذا قبل الوكيل

صحت وكالته و جاز له بيع جميع ما وكله في بيعه.

المسألة 43:

يصح للإنسان أن يوكل غيره وكالة عامة في جميع التصرفات الممكنة، و في جميع مملوكاته و معاملاته و أعماله و شؤونه العامة و الخاصة، فيقول لمن يعتمد عليه في ذلك: أنت وكيل عني في جميع ما أملكه من أشياء، و ما أملك التصرف فيه من معاملة و عمل و من شؤون، على أن تتصرف في جميع ذلك بأي تصرف تريد، فيكون الأمر الموكل فيه عاما من كلتا الجهتين الآنف ذكرهما، فإذا قبل الوكيل هذه الوكالة، جاز له أي تصرف في الجهات المذكورة كلها، فله أن يبيع و ان يهب و أن يصالح و أن يقف و أن يتصدق و أن يعتق و أن يطعم و أن ينفق، و له أن يتولى تزويجه و تطليق زوجاته، و أن يوقع جميع ما يجوز للموكل إيقاعه من الأعمال التي تقبل النيابة و التوكيل.

المسألة 44:

يصح للشخص أن يوكل غيره وكالة مطلقة، و يراد بكونها مطلقة انها مرسلة غير مقيدة، و تجري في الوكالة المطلقة نظائر الفروض التي ذكرناها في الوكالة العامة، فإن المالك قد يجعل غيره وكيلا عنه في شي ء معين من أملاكه و يجعل وكالته فيه مطلقة من حيث التصرف، فيوكله في أن يتصرف في أرضه المعينة بأي تصرف يريده الوكيل، فيجوز للوكيل أن يبيع الأرض و أن يهبها، و أن يغرسها، و أن يبنيها عمارة أو دارا أو حوانيت، أو ما شاء من وجوه التصرف.

و قد يجعله وكيلا على أن يتصرف تصرفا معينا في شي ء من الأشياء التي يملكها، فيوكله على أن يبيع إحدى دوره أو محلاته أو بساتينه،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 502

و يترك تعيين المبيع لإرادة الوكيل، و يكون الأمر الموكل فيه هو التصرف المعين

و هو البيع في مطلق الأشياء التي يملكها الموكل لا على التعيين.

و قد يجعله وكيلا في أن يتصرف أي تصرف يريده في أي شي ء أو ناحية من الأشياء و النواحي التي يقدر الموكل على التصرف فيها، فتكون الوكالة مطلقة من كلتا الناحيتين.

المسألة 45:

إذا وكل المالك شخصا في أن يقوم له بأحد أعمال معينة على وجه التخيير بينها، ففي صحة الوكالة كذلك اشكال، و الأظهر الصحة، و مثال ذلك أن يقول له: أنت وكيل في أن تبيع لي هذه الدار، أو تؤجر لي هذا المحل، أو تقف لي هذا البستان، فلك ان تختار أي عمل تأتي به من الأعمال المذكورة، فتصح الوكالة على الأظهر، و ينفذ العمل الذي يأتي به من الأعمال الثلاثة التي وكله فيها و خيره بينها.

المسألة 46:

يشترط في صحة عمل الوكيل و نفوذه أن يراعي الوكيل مصلحة المالك الموكل، فإذا كانت الوكالة عامة أو مطلقة، فلا يجوز للوكيل أن يقوم بتصرف يوجب ضرر المالك أو يوجب عدم المصلحة له، و ان كان ما عمله موافقا لإطلاق الوكالة أو عمومها، و لا ينفذ منه ذلك التصرف الموجب للضرر أو المنافي للمصلحة، الا أن تقوم قرينة على رضى المالك بالتصرف و ان أوجب الضرر عليه أو خالف المصلحة، و مثال ذلك ان يعلم ان المالك يريد بيع الدار عاجلا أو خفية و ان كان بأقل من ثمن المثل أو بأقل من ثمن شرائها.

المسألة 47:

يجب على الوكيل في تصرفه عن الموكل أن يلاحظ ما تحتوي عليه عبارة عقد الوكالة من إطلاق أو تقييد أو عموم أو تخصيص، و ما تدل عليه العبارة بصراحتها أو ظهورها أو بسبب القرائن الخاصة أو العامة الكاشفة عن مراد الموكل فيقتصر عليه و لا يتجاوزه، فقد يوكله المالك على بيع الدار مثلا، و تدل القرائن على أن مقصود الموكل هو إنشاء صيغة البيع فحسب، فيقتصر الوكيل على ذلك، و يكون المرجع في

كلمة التقوى، ج 6، ص: 503

تقدير الثمن، و في تعجيله أو تأجيله، و في تسليم الدار و قبض الثمن و غير ذلك الى الموكل نفسه، و قد تدل القرائن على ان المراد أن يتولى الوكيل معاملة البيع كلها أو بعضها، فيكون الوكيل هو المعتمد في كل أولئك أو في بعضه.

المسألة 48:

إذا وكل الرجل شخصا ليشتري له سلعة خاصة، و علم أن ثمن السلعة في السوق عشرة دنانير مثلا فدفع الى الوكيل المبلغ ليشتري به السلعة، و لما ساوم الوكيل على السلعة قبل البائع منه بثمانية دنانير جاز له شراؤها للموكل بالثمانية، فإن عقد وكالته شامل لمثل ذلك عرفا، فيدفع الى البائع ثمانية دنانير مما في يده و يرجع باقي العشرة إلى الموكل.

المسألة 49:

إذا دفع المالك الى الرجل سلعة ليبيعها له كان الرجل وكيلا عنه في بيع السلعة، و في تسليمها للمشتري، بل و في قبض ثمنها منه إذا كان مالك السلعة غائبا، أو كان حاضرا و لكنه يكره أن يعرف بأنه مالك السلعة مثلا، و على وجه الاجمال، فالمدار في إطلاق الوكالة في ذلك و تقييدها على ما يدل عليه ظهور الحال أو ظهور القول.

المسألة 50:

إذا تعدى الوكيل في تصرفه عما حدد له المالك في عقد الوكالة، و عما دلت القرائن على دخوله فيها لم ينفذ منه ذلك التصرف، فإذا كان عقدا من العقود أو كان من الأمور الأخرى التي يجري فيها حكم الفضولي، شملها حكمه، فإن أجاز المالك ذلك التصرف نفذ، و ان لم يجزه كان باطلا.

و من أمثلة ذلك أن يوكل المالك وكيله في ان يبيع داره أو دكانه، فيؤجر الدار أو الدكان بدلا من بيعه، أو يوكله في أن يصالح على الشي ء، فيهبه بدلا من الصلح، و من أمثلة ذلك أن يوكله في بيع الأرض من زيد فيبيعه البستان بدلا عنها، أو يوكله في بيع الشي ء نقدا فيبيعه نسيئة، أو يوكله في أن يبيع الدار بشرط الخيار إلى مدة فيبيعها بغير

كلمة التقوى، ج 6، ص: 504

خيار و من أمثلة ذلك أن يوكله في بيع الدار على زيد فيبيعها على عمرو، فلا يصح تصرفه في جميع ذلك و يكون من الفضولي كما ذكرنا.

و إذا كان تصرفه مما لا يجري فيه حكم الفضولي، كالطلاق و العتق، وقع باطلا و لم تصححه اجازة الموكل، و قد تعرضنا لذكر المواضع التي يجري فيها حكم الفضولي و المواضع التي لا يجري فيها في عدة مسائل من أبواب المعاملات.

________________________________________

بصرى

بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 6، ص: 504

المسألة 51:

إذا عين الموكل للوكيل أن يبيع السلعة في سوق مخصوصة أو بثمن معين أو على مشتر معين، فان دلت القرائن العامة أو الخاصة على أن وكالته عامة شاملة و ان مراد الموكل تحصيل الفائدة و انما ذكر السوق المخصوصة و عين المشتري و عين الثمن لأنها أحد الأفراد أو لمجرد حصول الفائدة، و الرغبة عند عرض السلعة للبيع، لا لخصوصية فيها جاز للوكيل ان يبيع في غير السوق المخصوصة، أو بأكثر من الثمن المعين أو على غير المشتري المعين إذا حصل على الفائدة المقصودة.

و ان كان للموكل غرض خاص من تحديد السوق أو الثمن أو المشتري وجب على الوكيل الاقتصار عليه و لم يجز له التعدي عن المحدود، و إذا تعدى عنه كان فضوليا، فلا يصح تصرفه إلا بإجازة المالك، و كذلك إذا احتمل ان له غرضا خاصا من التحديد و كان الاحتمال مما يعتد به العقلاء، فلا يصح للوكيل التعدي عنه.

المسألة 52:

يصح للولي الشرعي على القاصر، كالأب و الجد للأب، و الوصي من أحدهما و الحاكم الشرعي و القيم المنصوب منه، ان يوكل غيره في إجراء بعض المعاملات أو بعض الأعمال التي تقتضيها ولايته على أموال القاصر و على شؤونه، فيبيع الوكيل بعض أموال القاصر أو يستدين له بعض المال أو يبني له داره، و هو يفعل ذلك بالوكالة عن الولي لا عن القاصر، و يصح للأب أو الجد للأب أن يوكل أحدا فيجري للصبي أو الصبية عقد النكاح و يراجع فصل أولياء العقد في ما يتعلق بولاية الأب و الجد في

كلمة التقوى، ج 6، ص: 505

نكاح المجنون، و في ما يتعلق بولاية غير الأب و الجد في نكاح الصبي و الصبية.

المسألة 53:

إذا وكل الإنسان شخصا في أن يفعل شيئا بالنيابة عنه، فظاهر الوكالة أن يتولى الوكيل مباشرة الفعل بنفسه، فإذا قال له: أنت وكيل عني أن تبيع لي داري، كان عليه أن يبيع الدار بنفسه، و لا يصح له أن يوكل في البيع شخصا آخر، لا عن نفسه و لا عن مالك الدار، إلا إذا كانت وكالة المالك له شاملة لذلك، فيقول له مثلا: أنت وكيل عني في أن تبيع داري بنفسك، أو بأن توكل من يبيعها عنك، أو يقول له: أن تبيعها أنت أو توكل من يبيعها عني، أو يقول له: أن تبيعها أو توكل من يبيعها عني أو عنك.

فإذا وكله بالعبارة الأولى كان عليه أن يبيع الدار هو أو يوكل عن نفسه من يبيعها، و إذا وكله بالعبارة الثانية كان عليه أن يتولى البيع بنفسه أو يوكل عن الموكل من يبيعها عنه، و إذا وكله بالعبارة الأخيرة جاز له أن يبيع الدار

بنفسه و أن يوكل عنه أو عن المالك من يتولى البيع، و ليس له أن يتعدى ذلك، فان هو تعدى فوكل في بيع الدار من غير وكالة من المالك كان البيع فضوليا.

المسألة 54:

إذا أذن المالك للوكيل في ان يوكل غيره أشكل الحكم بجواز التوكيل له بمجرد الاذن فيه، فلا بد من ان يوكله في التوكيل كما ذكرنا، و إذا اذن له فوكل، فلا يترك الاحتياط بإجراء حكم الفضولي على الوكالة الثانية أو على فعل الوكيل الثاني.

المسألة 55:

إذا جاز للوكيل أن يوكل غيره، فوكله عن المالك، كان الوكيل الأول و الوكيل الثاني في عرض واحد، فلا يحق للوكيل الأول أن يعزل الثاني، و يجوز للمالك أن يعزل أيهما شاء عن الوكالة و يبقى الآخر، و لا ينعزل الوكيل الثاني بعزل الأول و لا بموته إذا مات، و سيأتي بيان جواز استقلال أحدهما بالتصرف من غير مراجعة الآخر و عدم جوازه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 506

المسألة 56:

إذا جاز للوكيل أن يوكل غيره في الفعل، فوكله عن نفسه كان الثاني فرعا عليه و لذلك فيصح للوكيل الأول أن يعزل الثاني عن الوكالة، و إذا مات الوكيل الأول أو انعزل عن وكالته انعزل الثاني، و يجوز للمالك أن يعزل الوكيل الثاني و يبقى الأول، و إذا أتى الأول بالفعل الموكل فيه نفذ تصرفه، و سقطت وكالة الوكيل الثاني بحصول موضوعها، و كذلك إذا أتى الوكيل الثاني بالفعل صح تصرفه و سقطت وكالة الأول و الثاني بحصول متعلقهما.

المسألة 57:

يجوز للإنسان أن يوكل وكيلين أو أكثر في شي ء واحد، فان صرح في وكالته لهما بأن كل واحد منهما وكيل مستقل عن صاحبه ثبتت لهما الوكالة مستقلين كذلك، فيجوز لكل واحد منهما أن ينفرد بالتصرف فيأتي بالفعل من غير مراجعة للآخر، و كذلك إذا كان لكلامه ظهور يعتمد عليه أهل اللسان في ذلك، و ان كان بمعونة القرائن، فيجوز لكل منهما أن يستقل بالتصرف.

و ان لم يصرح بالاستقلال و لم يكن لقوله ظهور متبع يدل عليه لم يجز لأحدهما أن ينفرد بالتصرف عن الآخر، سواء كان صاحبه حاضرا أم غائبا، بل و ان كان عاجزا عن التصرف، و سواء اشترط الموكل عليهما أن يجتمعا في التصرف أم أطلق وكالته لهما و لم يشترط شيئا.

المسألة 58:

إذا وكل الشخص وكيلين في شي ء واحد، و اشترط عليهما أن يجتمعا في التصرف، أو أطلق الوكالة لهما و لم يشترط عليهما شيئا كما تقدم، و مات أحد الوكيلين بطلت الوكالة، فلا يجوز للحي الباقي منهما أن يتصرف إلا بوكالة جديدة، و إذا وكلهما و صرح لهما بالاستقلال أو كان لكلامه ظهور يدل على ذلك ثم مات أحد الوكيلين بطلت وكالة الميت و بقيت وكالة الموجود.

المسألة 59:

إذا وكل الشخص وكيلا في شي ء، ثم وكل وكيلا آخر في نفس ذلك

كلمة التقوى، ج 6، ص: 507

الشي ء، فالظاهر من الوكالتين ان كل واحد من الوكيلين مستقل عن صاحبه، فيجوز له أن يتصرف و يأتي بالفعل الموكل فيه من غير مراجعة الآخر، الا ان يشترط عليهما أو على أحدهما الانضمام أو تدل القرينة على ذلك فيتبع الشرط.

المسألة 60:

إذا وكل الرجل وكيلا في بيع سلعة أو متاع و أطلق وكالته، انصرف إطلاق وكالته الى أن يبيع الوكيل السلعة نقدا، فلا يصح له أن يبيعها بثمن مؤجل، و أن يكون البيع بثمن المثل أو أكثر منه، فلا يصح له أن يبيعها بأقل منه، و ان يكون البيع بالعملة المتداولة في البلد، فلا يصح له البيع بغيرها.

و إذا وكله في شراء سلعة أو شي ء، انصرف إطلاق الوكالة إلى اشتراط أن يكون الشي ء الذي يشتريه صحيحا، فلا يصح له أن يتعمد شراء المعيب و ان كان أقل ثمنا، و إذا اشترى الشي ء فوجده معيبا جاز للوكيل رده بالعيب، و إذا وكله في البيع و أطلق وكالته صح له بمقتضى وكالته تسليم المبيع، و إذا وكله في الشراء جاز له تسليم الثمن.

المسألة 61:

الوكالة من العقود الجائزة، فلا يجب الالتزام بها من الموكل و لا من الوكيل، فيصح للوكيل ان يفسخ الوكالة و يعزل نفسه منها، و يجوز للموكل أن يفسخ الوكالة كذلك و يعزل الوكيل، و لا تبطل وكالة الوكيل بمجرد عزل الموكل إياه حتى يبلغه خبر العزل و لو بإخبار ثقة واحد، فتسقط وكالته حين ذلك، فإذا تصرف و باع أو اشترى أو أجرى صيغة العقد قبل ان يبلغه خبر العزل كان تصرفه نافذا.

المسألة 62:

إذا وكل الرجل وكيلا في بيع داره مثلا ثم عزله، و باع الوكيل الدار أو أجرى صيغة البيع قبل أن يبلغه خبر العزل كان بيعه نافذا على الموكل كما قلنا، فلا يصح بيع الموكل بعده، و إذا سبق الموكل

كلمة التقوى، ج 6، ص: 508

فباع الدار أو أجرى الصيغة قبل أن يتصرف الوكيل صح بيع الموكل، و بطلت وكالة الوكيل بعد حصول متعلقها.

و كذلك الحكم إذا وكلت المرأة أحدا في تزويجها ثم عزلته عن الوكالة، و أجرى الوكيل عقد النكاح عليها قبل أن يبلغه خبر عزله، فيصح عقده و ينفذ، و لا يصح عقدها بعده على زوج آخر، و إذا سبقت هي فزوجت نفسها قبل ان يعقد الوكيل المعزول عليها، صح عقدها، و سقطت وكالته بحصول الفعل الموكل فيه.

المسألة 63:

يبطل عقد الوكالة إذا مات الوكيل، أو مات الموكل، سواء علم الوكيل بموته أم لم يعلم، فإذا تصرف فباع الدار التي قد وكل في بيعها مثلا، ثم علم ان الموكل مات قبل البيع كان بيعه باطلا.

و يبطل عقد الوكالة إذا جن الوكيل أو جن الموكل جنونا إطباقيا و ان لم يعلم الوكيل بجنونه، و كذلك في الجنون الأدواري و في الإغماء، فتبطل الوكالة إذا عرضا للوكيل أو للموكل على الأحوط في المسألتين.

و تبطل الوكالة إذا تلف الشي ء الذي تعلقت به الوكالة، و مثال ذلك أن يوكله في بيع سلعة أو دابة، فتتلف السلعة أو تموت الدابة، أو يكون الرجل وكيلا على تزويج امرأة، فيموت أحد الزوجين، و تبطل الوكالة، إذا فعل الموكل الفعل الذي تعلقت به الوكالة، كما إذا وكله على بيع الدار أو بيع السلعة، فباعهما المالك و كذلك إذا فعل المالك فعلا يرتفع به

موضوع الوكالة، كما إذا وكل أحدا في بيع مملوك فأعتقه المالك، أو وكله في بيع دار فوقفها المالك أو بالعكس.

و لا تبطل الوكالة على الفعل إذا وكل وكيلا آخر على الفعل نفسه، كما إذا وكل الأول على بيع الدار ثم وكل الثاني على بيعها أيضا، فلا تبطل وكالة الأول الا إذا سبق الوكيل الثاني فباع الدار قبل الأول فتبطل وكالة الأول بحصول متعلقها كما تقدم.

المسألة 64:

يجوز للإنسان أن يوكل غيره في منازعاته و مخاصماته عند القضاة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 509

و الحكام إذا لم يكن ظالما في خصومته و مرافعته، و يجوز له أن يكون وكيلا عن غيره في خصومته و مرافعته إذا علم أن موكله غير ظالم في خصومته، سواء كان الموكل مدعيا أم مدعى عليه، و سواء رضي خصمه بتوكيله أم لم يرض، فلا يحق للخصم أن يمتنع عن مرافعة الوكيل و يطلب مرافعة الموكل نفسه.

و مما يحسن بل يستحب أن يتنزه أهل الشرف و المقامات الرفيعة عن أن يتنزلوا الى المرافعات و المنازعات بأنفسهم و يوكلوا أمرها إلى الوكلاء و النواب عنهم.

المسألة 65:

يتولى الوكيل في الخصومة ما يتولاه موكله فيها، فان كان وكيلا عن المدعي: فعليه أن يقوم بنشر الدعوى عند الحاكم، فإذا كانت للمدعي بينة على دعواه ذكرها الوكيل، و إذا طلب الحاكم منه إقامتها أحضرها و أقامها، و إذا طلب منه تزكية الشهود زكاهم و اقام الأدلة على زكاتهم و عدالتهم، و ذكر القرائن و الوسائل المثبتة للدعوى ثم طلب الحكم من الحاكم.

و إذا لم تكن للمدعي بينة على مدعاه طلب من الحاكم إحلاف المنكر، فإذا لم يحلف طلب من الحاكم رد اليمين أو القضاء بالنكول. و إذا كان وكيلا للمدعى عليه، أنكر دعوى المدعي، فإذا أقام المدعي بينة طعن وكيل المدعى عليه بالشهود و أقام بينته على جرحهم، و ذكر الثغرات و النقائص الموجودة في شهادتهم، و سعى ما أمكنه في نقض دعوى المدعي.

و إذا كانت وكالة الوكيل خاصة بالقيام ببعض الجهات اختص عمله بتلك الجهات و لم يتعد ما حدد له في الوكالة و ترك باقي الجهات لموكله يقوم بها إذا شاء.

المسألة 66:

قد تنقلب الدعوى في أثناء المرافعة، فيصبح المنكر مدعيا، و يكون المدعي منكرا، و من أمثلة ذلك أن يدعي زيد على عمرو دينا في ذمته،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 510

فيقر له عمرو بالدين و يدعي أنه وفاة، أو يدعي أن زيدا قد أبرأ ذمته من الدين فيكون عمرو مدعيا للوفاء أو للإبراء، و يصبح زيدا منكرا لذلك، فعلى وكيل عمرو أن يقوم بأدوار وكيل المدعي التي تقدم ذكرها، و على وكيل زيد أن يقوم بدور وكيل المنكر.

المسألة 67:

إذا أقر وكيل المدعي في أثناء مرافعته للمدعى عليه بأمر ينافي دعوى موكله، لم ينفذ إقراره على الموكل، و لم تنقلب به الدعوى، فإذا كان الموكل المدعي يدعي على صاحبه دينا في ذمته، و اعترف وكيله على الموكل بأنه قد قبض الدين من المدعى عليه، أو بأنه قد أبرأ ذمته من الدين أو بأن بينته كاذبة في شهادتها لم ينفذ إقراره و لم تسقط به دعوى المدعي، و بطلت بذلك وكالة الوكيل، فليس له أن يتولى المرافعة في الدعوى نفسها، عند الحاكم و لا عند حاكم آخر، سواء كان اعترافه في مجلس القضاء أم في غيره، و ليس للوكيل و الموكل أن يجددا وكالة أخرى.

و كذلك الحكم في وكيل المدعى عليه إذا اعترف بما ينافي قول موكله، فلا ينفذ إقراره و لا يسقط بذلك قول موكله و تبطل به وكالة الوكيل فلا يحق له الاستمرار في المدافعة أو يجدد الوكالة، فإن الوكيل يعترف بأنه ظالم.

المسألة 68:

إطلاق وكالة الوكيل في المخاصمة مع الغير لا يجعل للوكيل حق المصالحة مع الخصم في الدعوى، أو أن يبرئ ذمته من الحق، و يصح له أن يتولى ذلك إذا وكله الموكل فيهما على الخصوص كما وكله في المخاصمة، أو كانت وكالته الأولى عامة شاملة للجميع تصريحا، أو بسبب القرائن الدالة على الشمول لذلك.

المسألة 69:

إذا وكل وكيلين في مخاصمة واحدة، فإن صرح في توكيله لهما بأن لكل واحد منهما ان يستقل عن الآخر في الخصومة و الدفاع، جاز لهما ذلك، و كذلك إذا كان لعبارته في توكيلهما ظهور يعتد به بأنهما

كلمة التقوى، ج 6، ص: 511

مستقلان و إذا أطلق لهما الوكالة و لم يصرح بأنهما مستقلان أو غير مستقلين، أو شرط عليهما الانضمام و الاجتماع في المخاصمة لم يستقل أحدهما عن الآخر فيها، و كان عليهما التشاور و التعاضد بينهما و المراجعة في الفعل الموكل فيه بينهما.

المسألة 70:

إذا وكل الشخص وكيلا معينا و هو في حضور الحاكم أو القاضي على ان يتولى عنه جميع مخاصماته و محاكماته أو اعترف الموكل في حضورهما بأنه وكل فلانا في جميع ذلك، ثم احضر الوكيل خصما للموكل و أقام عليه الدعوى عن موكله، سمع الحاكم منه دعواه و رتب الآثار على قوله.

و كذلك إذا وكله الموكل عند الحاكم في مخاصمته مع شخص معين أو اعترف له بالوكالة فيها، ثم أحضر الوكيل خصما و أقام عليه الدعوى عن موكله، و دلت القرائن أنه هو الشخص الذي وكله الموكل في محاكمته فيسمع الحاكم دعوى الوكيل عليه.

المسألة 71:

إذا ادعى الرجل عند الحاكم أن زيدا قد وكله في جميع مخاصماته مع الناس و استيفاء حقوقه منهم، و اقام بينة شرعية على ذلك، أو ادعى أن زيدا وكله في مخاصمة معينة و أثبتها بالبينة ثم نشر الدعوى على الخصم المعين، سمع الحاكم دعواه و رتب الآثار على قوله.

المسألة 72:

إذا ادعى الرجل الوكالة عن زيد و لم يقم البينة على قوله، و أحضر الخصم عند الحاكم و لم يصدقه الخصم في دعوى الوكالة، لم يسمع الحاكم منه دعواه إذا نشرها حتى يثبت صحة وكالته بحجة معتبرة شرعا.

و إذا أحضر الخصم عند الحاكم فصدقه الخصم في دعوى الوكالة لم تثبت بذلك وكالته عن الموكل، و إذا نشر الدعوى عند الحاكم على الخصم الذي صدقه سمع الحاكم دعواه عليه، فإذا تمت الدعوى و ثبت

كلمة التقوى، ج 6، ص: 512

الحق على الخصم ألزم به لاعترافه بصحة الوكالة، و إذا ثبت الحق على الموكل كان الغائب على حجته فلا يلزم بشي ء الا ان تثبت وكالة الوكيل عنه بحجة معتبرة شرعا.

المسألة 73:

توكيل الوكيل في إقامة الدعوى على الخصم و إثبات الحق عليه عند الحاكم لا يعني توكيله في قبض الحق من الخصم إذا ثبت الحق عليه، فإذا أقام الوكيل الدعوى و أثبت الحق و ألزم الحاكم به الخصم جاز للخصم أن يمتنع عن تسليمه للوكيل، و جاز للموكل أن لا يرضى بتسليم الحق له الا أن يصرح الموكل بتوكيل الوكيل في قبض الحق إذا ثبت.

المسألة 74:

إذا وكل الرجل وكيلا في قبض حقه من أحد فأنكر المدين الحق لم يصح للوكيل ان يقيم عليه الدعوى و يخاصمه إلا إذا وكله صاحب الحق في إقامة الدعوى و إثبات الحق.

المسألة 75:

يمكن للوكيل و الموكل أن يتفقا على التوكيل بغير جعل، و يصح للموكل ان يشترط للوكيل على نفسه جعالة للعمل الذي يوكله فيه، فيوكله في بيع الدار أو الأرض أو البستان، و يجعل له جعلا معينا إذا هو أنجز العمل الموكل فيه، أو يوكله في محاكمة بعض الخصوم و مرافعته، و يجعل له مبلغا محددا من المال إذا هو أقام الدعوى و أتم المرافعة مع الخصم، و يصح للوكيل أن يشترط لنفسه الجعل على العمل الذي ينوب فيه عن الموكل.

المسألة 76:

إذا اشترط الوكيل أو الموكل الجعل للوكيل، استحقه إذا أتم العمل الموكل فيه، فإذا وكله في بيع أو شراء و شرط له الجعل، استحق الوكيل ما شرط له إذا هو أكمل المعاملة الموكل فيها و ان لم يقبض الثمن أو المثمن إلا إذا اشترط عليه أن يتم المعاملة من جميع جهاتها، و إذا وكله في مرافعة و منازعة بينه و بين خصم و اشترط له الجعل استحقه الوكيل إذا أتم الدعوى و أنجز العمل، و ان لم يقبض الحق المحكوم به، بل و ان

كلمة التقوى، ج 6، ص: 513

لم يثبت له الحق إذا كان العمل الموكل فيه و المشروط له الجعالة هو اقامة الدعوى و بذل الجهد في إثبات الحق سواء نجح فيه أم لم ينجح.

المسألة 77:

إذا وكل الرجل الوكيل في أن يقوم له بعمل و لم يشترط له الجعالة، فقام الوكيل بانجاز العمل الموكل فيه كما أراد الموكل، فان كان الوكيل قد قصد التبرع في عمله للموكل، أو دلت القرائن العامة أو الخاصة على أن الموكل قد قصد المجانية لما وكله في العمل لم يستحق الوكيل على عمله شيئا في كلتا الصورتين.

و إذا لم يقصد الوكيل التبرع في عمله الذي أتى به، و لم تدل قرائن خاصة و لا عامة على أن الموكل قد قصد المجانية لما وكله في العمل، استحق الوكيل أجرة المثل على العمل الذي أوقعه للموكل، و تراجع المسألة المائتان و السابعة من كتاب الإجارة فإن لها صلة بالمقام.

المسألة 78:

إذا وكل الدائن وكيلا في أن يقبض دينه من مدينة، فقال له وكلتك في أن تقبض ديني من زيد، و مات المدين قبل أن يأخذ الحق منه، لم يملك الوكيل بوكالته تلك أن يطالب ورثة المدين بدين أبيهم، إلا إذا كان وكيلا بأخذ الحق مطلقا، كما إذا قال له الدائن أنت وكيل في أن تقبض الدين الذي استحقه على فلان، فتجوز له مطالبة الوارث لإطلاق وكالته في أخذ الحق.

المسألة 79:

إذا وكل الدائن زيدا في استيفاء حقه من فلان، و دفع المدين نفسه الى زيد مبلغا من المال و وكله في وفاء دينه من المبلغ، أصبح زيد وكيلا عن الدائن في استيفاء دينه، و وكيلا عن المدين في وفاء ذلك الدين الذي في ذمته، و كانت الدراهم المدفوعة إلى الوكيل امانة للمدين في يده، حتى يقبضها الدائن عن دينه فتبرأ ذمة المدين، أو يقبضها الوكيل عن الدائن إذا كان وكيلا عنه في قبض الدين كما هو وكيل عنه في استيفائه، و إذا قبضها الوكيل كذلك برئت ذمة المدين أيضا، أو يستردها المدين من يد الوكيل قبل ان يقبضها الدائن أو وكيله

كلمة التقوى، ج 6، ص: 514

فتبقى ذمة المدين مشغولة لدائنه، و إذا تلفت الدراهم في يد الوكيل لم يضمنها، لأنه أمين إلا إذا تعدى أو فرط في أمانته.

المسألة 80:

إذا وكل الدائن الوكيل في أن يستوفي دينه من فلان، و دفع المدين اليه المبلغ بقصد وفاء دين موكله، فإذا قبضه الوكيل منه بهذا القصد كان وفاء للدين و ملكا للدائن، و برئت بقبضه ذمة المدين، و لا يجوز للمدين أن يسترد المبلغ بعد قبضه.

المسألة 81:

إذا دفع المالك الى الرجل شيئا و وكله في بيعه أو في هبته أو الصلح عليه، أو قبض عينا وكله المالك في شرائها أو قبضها، أو مالا وكله في قبضه أو في إيصاله الى أحد، فالوكيل أمين لا يضمن ما في يده إذا تلف أو حدث فيه عيب أو طرأ عليه نقص من سرقة و غيرها، إلا إذا فرط في الأمانة أو تعدى فاستعملها في ما لا يحل له فيكون له ضامنا كما هو الحكم في كل أمين.

المسألة 82:

إذا تعدى الوكيل أو فرط في حفظ ما في يده من العين التي وكل فيها كان ضامنا لها إذا تلفت كما قلنا، و لكن تعديه و تفريطه لا يسقط وكالته في التصرف، فإذا دفع المالك اليه سيارة مثلا وكله في بيعها، فركبها الوكيل أو استعملها من غير حق اثم بذلك و ضمن، و إذا سلمت السيارة فلم تتلف و لم تعطب جاز له بيعها بمقتضى وكالته، و إذا باعها الوكيل و سلمها إلى المشتري بري ء من الضمان، و لزمه للمالك ضمان المنافع التي استوفاها من العين قبل البيع، فعليه أن يدفع له أجرة مثلها.

المسألة 83:

إذا دفع المالك لرجل مبلغا من المال، و وكله في أن يودعه عند شخص معين، فأودع الوكيل المال عند ذلك الشخص و لم يشهد عليه أحدا عند الإيداع، و جحد الشخص المال الذي استودعه الوكيل إياه، فإن كان المالك وكل الوكيل في أن يودع المال عند الشخص و يشهد عليه عند

كلمة التقوى، ج 6، ص: 515

إيداعه فقصر الوكيل و لم يشهد كان الوكيل ضامنا للمال لتقصيره و مخالفته للوكالة.

و كذلك إذا كانت العادة المتبعة بين أهل العرف أن يشهدوا على الودعي عند إيداعه، فيكون بحكم الاشتراط على الوكيل و يضمن المال بمخالفته، و مثله ما إذا كان عدم الاشهاد عند الإيداع مما يعد تفريطا في الأمانة بنظر أهل العرف، فيكون الوكيل ضامنا للمال في هذه الصور الثلاث و لا ضمان عليه في غيرها. و كذلك الحكم إذا دفع المالك اليه مبلغا و وكله في أن يوصله إلى دائنه فلان و يقضي به دينه فدفع الوكيل المال إلى الدائن و لم يشهد عليه في قبض المال، و أنكر الدائن دفع المال

إليه، فيجري فيه التفصيل الآنف ذكره في فرض الوديعة و تنطبق أحكامه عليه.

المسألة 84:

إذا وكل الرجل وكيلا في بيع شي ء أو في شرائه للموكل، فالظاهر انه يصح للوكيل أن يشتري ذلك الشي ء لنفسه من مال الموكل، و أن يبتاع الشي ء للموكل من ماله إذا كان الشي ء موجودا لديه مع مراعاة مصلحة الموكل، و ان كان الأحوط له استحبابا أن يجتنب ذلك و خصوصا مع التهمة، و إذا صرح له الموكل في وكالته بأن يبيع الشي ء الموكل فيه و لو على نفسه، و أن يشتريه و لو من ماله فلا ريب في الصحة.

المسألة 85:

إذا ادعى زيد ان المالك قد وكله في بيع الأرض المعينة أو الدار المعلومة، و أنكر المالك وقوع الوكالة، أو ادعى المالك أنه قد وكل زيدا في البيع و أنكر زيد الوكالة، فالقول قول من أنكر الوكالة منهما مع يمينه.

المسألة 86:

إذا ادعى الوكيل ان العين التي دفعها المالك اليه و وكله في بيعها قد تلفت في يده، أو ادعى انه باع العين و تلف ثمنها في يده، أو أن الدين الذي وكله في قبضه من المدين قد تلف في يده بعد قبضه منه، و أنكر

كلمة التقوى، ج 6، ص: 516

المالك التلف، فالقول قول الوكيل لأنه أمين، إلا إذا كان متهما فيطالب بالبينة.

المسألة 87:

إذا تلفت العين أو المال في يد الوكيل و ادعى المالك أن الوكيل قد تعدى أو فرط في الأمانة، فيكون ضامنا لتلفها، و أنكر الوكيل أنه تعدى أو فرط، فلا ضمان عليه، فالقول قول الوكيل مع يمينه لأنه منكر، الا أن يكون متهما، فيطالب بالبينة.

المسألة 88:

إذا ادعى الوكيل أنه دفع المال الذي قبضه بالوكالة إلى مالكه، و أنكر المالك دفع المال اليه فالقول قول المالك مع يمينه لأنه منكر.

المسألة 89:

إذا ادعى الوكيل أنه أوقع التصرف الذي وكله المالك فيه، و قال:

قد بعت السلعة التي وكلتني في بيعها و تلف ثمنها في يدي بعد البيع، فلا شي ء علي، و أنكر الموكل ان الوكيل باع السلعة فتكون عليه غرامة المبيع أو عوضه، فالقول في ذلك قول الوكيل.

المسألة 90:

إذا تصرف الوكيل فباع أو اشترى للمالك بمقتضى وكالته عنه، فادعى المالك ان التصرف باطل لأنه قد عزل الوكيل، و بلغه الخبر، و أنكر الوكيل العزل، أو ادعى عدم العلم بالعزل، فيكون التصرف ماضيا، فالقول قول الوكيل مع يمينه.

المسألة 91:

إذا وكل الرجل وكيلا في البيع و الشراء عنه، فاشترى الوكيل سلعة أو أرضا أو غيرهما فقال الموكل انك اشتريتها لي بوكالتك عني، و قال الوكيل اني اشتريتها لنفسي، فالقول قول الوكيل لأنه أبصر بنيته، و كذلك إذا اشترى الوكيل السلعة أو الأرض و أراد الثمن من الموكل، فقال الموكل: انك اشتريتها لنفسك فعليك ثمنها و قال الوكيل: اني اشتريتها لك بمقتضى وكالتك لي فالثمن عليك، فالقول قول الوكيل

كلمة التقوى، ج 6، ص: 517

كما في الفرض السابق لأنه أبصر بنيته، و الأحوط اليمين عليه في الصورتين.

المسألة 92:

إذا اشترى الوكيل للمالك أرضا مثلا أو دارا، و جعل ثمنها نخيلا معينة للمالك أو عينا مشخصة أخرى، و ادعى أن المالك قد أذن له بالشراء بهذا الثمن المعين، و أنكر الموكل انه اذن له في ذلك، فالقول قول الموكل مع يمينه، فتستعاد عين الثمن إذا كانت موجودة، و يسترد عوضها- مثلها أو قيمتها- إذا كانت مفقودة.

المسألة 93:

إذا زوجه الوكيل امرأة و عين لها صداقا، و أنكر الرجل انه وكله في تزويجه، و لم تكن للوكيل بينة تثبت وكالته في ذلك، فالقول قول منكر الوكالة مع يمينه، و يكون للمرأة المزوجة نصف الصداق على الوكيل، و يجب على الرجل أن يطلق المرأة إذا كان يعلم بصحة الوكالة و صحة التزويج.

المسألة 94:

إذا ادعى الأب أو الجد للأب أنه قد دفع مال الصبي أو القاصر اليه بعد بلوغه و رشده، و أنكر المولى عليه ذلك، فالقول قول المنكر مع يمينه، و كذلك الحكم في غير الأب و الجد من الأولياء على الصبي أو على المجنون أو السفيه و الأبله إذا ادعى الولي أنه قد دفع الى المولى عليه ماله بعد ان ارتفع الحجر عنه و زال حكم الولاية عليه، و أنكر المولى عليه دفع المال اليه فالقول قول المنكر مع يمينه.

المسألة 95:

إذا ادعى الولي الشرعي أبا كان أم جدا، أم وصيا، أم غيرهما من الأولياء أنه قد أنفق على القاصر من ماله أو على دوابه أو على بقية شؤونه التي يلزمه الإنفاق عليها، في أيام ولايته على القاصر، و أنكر القاصر الإنفاق فالقول قول الولي لأنه أمين، و كذلك إذا ادعى القاصر ان الولي قد أسرف أو بذر في النفقة عليه فيكون ضامنا و أنكر الولي ذلك فالقول قول الولي.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 518

المسألة 96:

إذا كان في يد الوكيل مال للموكل و طالبه الموكل به و كان قادرا على تسليمه، وجب عليه تسليمه اليه أو الى وكيله في القبض عنه، فإذا أخر التسليم من غير عذر كان ضامنا للمال إذا تلف أو نقص أو حدث فيه عيب، و إذا كان التأخير لعذر، فلا ضمان عليه، كما إذا أخره لانشغاله بواجب شرعي كالحج أو العمرة الواجبين و نحوهما أو لمرض أو لسفر يضطر اليه، أو انشغال في أمر لا يمكنه تأجيله أولا ينبغي لمثله تأجيله كحضور أضياف لا يمكنه التساهل في أمرهم أو لسقوط مطر غزير، و نحو ذلك، فإذا زال العذر المانع وجب عليه التسليم، فإذا أخره بعد زوال العذر كان ضامنا.

المسألة 97:

إذا وكل المالك وكيلا و فوض إليه الأمر في المعاملة كلها بجميع جهاتها و توابعها، كان الوكيل بحكم المالك فيها، فإذا باع عينا بثمن، و وجد المشتري العين مستحقة للغير أو نحو ذلك مما يوجب الرجوع على المالك في عين المبيع، فيجوز للمشتري أن يرجع بذلك على الوكيل، و إذا اشترى شيئا بثمن، و وجد البائع في الثمن ما يوجب رده أو ما يوجب الخيار فيه فيجوز للبائع أن يرجع في ذلك على الوكيل المفوض، و ترد عليه العين المعيبة و يؤخذ منه التفاوت مع الغبن، و الأرش مع العيب، و غير ذلك من توابع المعاملة مع المالك.

المسألة 98:

إذا اختلف المالك و الوكيل في اشتراط الجعالة على العمل الموكل فيه و عدمه، فقال الوكيل: اني اشترطت الجعل على ذلك في عقد الوكالة، و أنكر الموكل اشتراط ذلك، فالقول قول المنكر مع يمينه، و كذلك إذا تسالما على اشتراط الجعل و اختلفا في مقداره فقال الوكيل: هو مائة دينار، و قال الموكل: بل هو ثمانون دينارا، فالقول قول منكر الزيادة مع يمينه، و إذا ادعى الموكل انه قد دفع الجعالة إلى الوكيل، و أنكر الوكيل ذلك فالقول قوله مع يمينه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 519

المسألة 99:

يجوز لصاحب الدين أن يوكل وكيلا في أن يبرئ ذمة الشخص المدين له، و ان لم يعلم الوكيل بل و لا الدائن بمقدار الدين.

المسألة 100:

لا يحق للرجل أن يوكل شخصا غير أمين في التصرف في مال غيره، و مثال ذلك: ان يوكله الولي على التصرف في مال القاصر المولى عليه، أو يوكله على التصرف في مال الوقف، أو يوكله الوصي على التصرف في ثلث الميت، أو يوكله الرجل في دفع مال الزكاة أو الخمس الى مستحقه، فلا بد و أن يكون الوكيل الذي يوكله في ذلك أمينا، و إذا وكل فيه غير الأمين كان ضامنا، و يجوز له أن يوكل من يشاء على التصرف في ماله و ان كان غير أمين.

المسألة 101:

إذا وجد المشتري مال المالك في يد شخص و ادعى الشخص انه وكيل عن المالك في بيع ماله جاز له قبول قوله، و صح له أن يشتري المال منه و يرتب الأثر على وكالته، لأنه صاحب يد على المال فيقبل قوله، و إذا ادعى الوكالة عن المالك و لم يكن المال في يده لم يقبل قوله، و لم يرتب الأثر عليه، فلا يصح له ان يشتري منه شيئا في ذمة المالك حتى تثبت صحة وكالته عنه بحجة شرعية معتبرة.

المسألة 102:

إذا بطلت وكالة الوكيل بعزله أو بعروض أحد الأمور التي تبطل بها الوكالة- و قد تقدم ذكر بعضها في المسألة الثالثة و الستين و ما قبلها- و كان للمالك الموكل مال أو عين باقية بيد الوكيل، فهي في يده امانة لا يضمنها إذا تلفت أو حدث فيها عيب أو نقص إلا إذا تعدى أو فرط فيها، و يجب عليه تسليم الأمانة إلى الموكل إذا كان موجودا و الى وارثه إذا كان ميتا، و إذا أخر تسليمها من غير عذر كان ضامنا.

المسألة 103:

إذا وكل الرجل وكيلا في شراء شي ء، و بطلت الوكالة بعروض

كلمة التقوى، ج 6، ص: 520

أحد المبطلات، و اشترى الوكيل الشي ء بعد بطلان وكالته، فالمبيع لا يزال باقيا على ملك بائعه و ان استلمه الوكيل منه، و كذلك إذا وكله في أن يستقرض له مالا من أحد، فاستقرضه بعد ان بطلت الوكالة، فهو لا يزال ملكا للمقرض، و إذا وكله في قبض دين على أحد فقبضه بعد بطلان الوكالة، فالمال المقبوض ملك لدافعة و هو المدين، و لا يدخل شي ء منها في ملك الموكل، و إذا تلف المال في يد القابض كان ضامنا لمالك المال.

المسألة 104:

إذا وكل الإنسان غيره في عقد نكاح أو إيقاع طلاق أو وفاء دين، أو تطهير ثوب أو إناء أو دفع زكاة أو خمس الى مستحقها، فأخبر الوكيل بأنه قد أنجز العمل، فان كان الوكيل ثقة و حصل الاطمئنان بصدقه في خبره فالظاهر صحة ترتيب الأثر على قوله، فتجوز له مقاربة المرأة التي وكله في عقد تزويجها، و يرتب اثر الطلاق على المرأة التي وكله في طلاقها، و يحكم بفراغ ذمته من الدين و من الزكاة و الخمس، و يحكم بطهارة الثوب أو الإناء، و إذا لم يكن الوكيل ثقة أو لم يحصل الاطمئنان بصدق قوله لم يرتب الأثر عليه على الأحوط بل هو الأقوى.

و إذا علم ان الوكيل أتى بالفعل و شك في صحة فعله و عدمها بنى على الصحة.

المسألة 105:

إذا شرط الوكيل على الموكل في ضمن عقد لازم أن يجعله وكيلا عنه مطلقا أو في تصرف معين، و قبل الموكل الشرط وجب على الموكل الوفاء بالشرط، فلا بد له من توكيله. و إذا اشترط عليه أن يوكله ثم لا يعزله عن الوكالة لم يجز له عزله بعد التوكيل، و من أمثلة ذلك: أن يشرط المرتهن على المدين الراهن أن يجعله وكيلا عنه في بيع العين المرهونة إذا حل أجل الدين و لا يعزله عن وكالته، فيجب عليه الوفاء بالشرط، و كذلك الحكم إذا شرط الموكل على الوكيل أن يقبل وكالته مطلقا أو في أمر معين و ان لا يعزل نفسه عن الوكالة، فيجب على الوكيل الوفاء بالشرط.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 521

المسألة 106:

الظاهر أن الوكالة تتحقق إذا شرطها الوكيل على الموكل بنحو شرط النتيجة في عقد لازم أو شرطها الموكل على الوكيل كذلك، و إذا شرط أن يكون وكيلا لا يملك عزله ثبتت وكالته و لم يصح عزله كما اشترط، و ان كنا لا نقول بصحة الشرط إذا كان بنحو شرط النتيجة في سائر العقود، و لكن الظاهر صحة ذلك في الوكالة و نحوها من العقود التي يكفي في صحتها إنشاؤها بأي لفظ يدل عليها، فيكون اشتراطها في العقد اللازم إنشاء لها فتصح و تلزم، و قد نبهنا على ذلك في بعض المباحث من كتب المعاملات.

المسألة 107:

إذا شرط عليه في عقد لازم ان يجعله وكيلا عنه، ثم شرط عليه في ضمن عقد لازم آخر ان لا يعزله من التوكيل، وجب عليه الوفاء بالشرطين معا.

و الحمد للّه رب العالمين

كلمة التقوى، ج 6، ص: 523

كتاب الوصية

اشارة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 525

كتاب الوصية و فيه خمسة فصول:

الفصل الأول في الوصية و شروط الموصى

المسألة الأولى:

الوصية على الظاهر اسم مصدر بمعنى العهد، من قولهم: وصاه يوصيه توصية، إذا عهد اليه، أو من قولهم: أوصاه يوصيه إيصاء، و موارد استعمال الكلمة في الكتاب الكريم و في السنة المطهرة، و في الأدب العربي على الأكثر تشهد بذلك و لا تخرج عنه، و اما احتمال أن تكون مصدرا من قولهم: وصى الشي ء إذا اتصل، أو قولهم وصى الشي ء بالشي ء إذا وصله به، فلا يخرج عن كونه مناسبة لفظية خالصة باعتبار ان الرجل بوصيته يصل تصرفه في حال حياته بتصرفه بعد موته، و لا دلالة في موارد استعمال الوصية الآنف ذكرها على ارادة ذلك.

المسألة الثانية:

الوصية قد تكون تمليك عين لأحد، كما إذا أوصى الرجل لزيد أن يعطى مبلغا من المال، أو يعطى داره المعينة، و قد تكون تمليك منفعة، كما إذا أوصى له بأن توجر الدار مدة سنة أو سنتين و تدفع له إجارتها، أو بأن يسكنها كذلك، أو بأن تكون منفعة الدار له سواء استوفاها بالسكنى أم بالتأجير، و قد تكون تحريرا من الملك كما إذا أوصى بعتق عبده، و قد تكون وصية بوقف دار أو أرض، و قد تكون وصية بنقل حق الى غيره، أو بإسقاط حق أو بإبراء ذمة من دين، و قد تكون عهدا الى أحد بتجهيز الموصى بعد موته أو بدفنه، أو بقضاء واجبات أو بأعمال مستحبة أو بأداء أمانات أو ديون، و قد تكون جعلا لوصاية أو ولاية على مال أو على قاصرين، و غير ذلك، فهي على ضروب كثيرة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 526

المسألة الثالثة:

يجب على المكلف أن يبادر في امتثال الواجبات المضيقة، و لا يجوز له تأخيرها عن أوقاتها المحددة لها شرعا، سواء كانت من الواجبات للّه سبحانه، أم كانت من الواجبات للناس، كالأثمان و الأعواض و الأمانات و الحقوق التي اشترط على الإنسان في عقد لازم أن يفي بها في أول الأوقات الممكنة، و الأثمان و الأعواض و الأمانات و الحقوق التي اشترط لها وقت محدد لا سعة فيه، و الودائع و الأموال التي ضربت لها مدة معينة، و انقضت مدتها، فيجب على المكلف ردها إلى أهلها و لا يسوغ له تأخيرها عن أوقاتها المضبوطة بعد حضورها.

المسألة الرابعة:

تتضيق الواجبات الموسعة على الإنسان إذا ظهرت له أمارات الموت، لكبر السن و ضعف القوى، و ترادف الأمراض الدالة بحسب العادة على دنو الأجل و قربه، فيجب على المكلف ان يبادر إلى الإتيان بما عليه من واجبات و فرائض اشتغلت بها ذمته، كصلوات أو صيام أو واجبات أخرى تركها، أو أتى بها باطلة، و أداء أخماس أو زكوات وجبت عليه و لم يمتثل أمرها، و وفاء نذور مطلقة أو كفارات أو مظالم وجبت عليه و لم يأت بها أو أتى بها على غير وجهها الصحيح، و غير ذلك من المفروضات التي تساهل فيها أو عصى أمرها و لزمه قضاؤها.

و تتضيق الواجبات الموسعة كذلك إذا اطمأن المكلف بأنه إذا أخر الإتيان بها لم يتمكن بعد ذلك من الوفاء بها و امتثال أوامرها لكثرة الشواغل أو لتزايد الضعف عليه و ان لم تظهر له أمارات الموت، فتجب عليه المبادرة إلى امتثالها مع الإمكان و القدرة.

المسألة الخامسة:

يجب على الإنسان رد أموال الناس و ودائعهم الموجودة لديه و ديونهم التي حل وقتها إذا طالبه أهل الأموال و الودائع و الديون بها، فتجب عليه المبادرة بردها إليهم، و يجب الرد كذلك إذا انقضت مدة الاستيداع أو العارية و المضاربة و حلت مواعيد الديون كما تقدم ذكره.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 527

و إذا لم يطالب أهل الأموال و الودائع الموجودة بتسليمها أو لم تنقض مدتها لم تجب عليه المبادرة بالرد، إلا إذا خاف ضياع أموالهم، أو خاف عدم أداء ورثته بعد موته، فيجب عليه ردها إلى أهلها عند ذلك.

المسألة السادسة:

إذا لم يتمكن المكلف من امتثال ما وجب عليه من الواجبات المضيقة أو الموسعة في حياته و كانت مما يجب قضاؤه، وجب عليه أن يوصي بقضائها عنه بعد موته، و كذلك الفوائت من الواجبات التي وجب عليه قضاؤها و لم يقضها، فيجب عليه أن يوصي بقضائها بعد موته، سواء كان فوتها لعذر أم لغير عذر، كالصوم و الصلاة التي تركها عامدا أو أتى بها باطلة.

و هذه الواجبات و ان كانت مما لا تقبل النيابة فيها حال حياة المكلف، الا ان النيابة فيها صحيحة بعد الموت، فتجب الوصية بها و الاشهاد عليها و الاستيثاق منها إذا علم ان ورثته لا تنفذ الوصية إلا بذلك، و كذلك الواجبات المالية التي وجبت عليه و لم يؤدها كالزكاة و الخمس و الكفارات و النذور و المظالم و شبهها.

المسألة السابعة:

إذا كانت لديه أعيان موجودة من أموال الناس و ودائعهم، لم يطالبوه بها في حياته أو لم تحل أوقات تسليمها إلى أهلها، أو طالبه أهلها بتسليمها و لم يدفعها إليهم لعذر أو لغير عذر، وجب عليه أن يوصي بأدائها إلى أهلها، إذا علم أن الوارث لا يردها إلا بالوصية، و يجب عليه أن يشهد على الوصية و يستوثق منها. إذا توقف إنفاذ الوصية على ذلك، و كذلك الديون و الأموال و الحقوق التي تكون في ذمته، سواء كانت مؤجلة في حال حياته أم غير مؤجلة، فتجب الوصية بها و الاعلام بها و الاشهاد و الاستيثاق إذا توقف الأداء على ذلك، و منها الضمانات و الجنايات و الديات التي وجبت عليه.

و إذا كانت ودائع الناس و أموالهم و ديونهم عليه مثبتة موثقة، و علم بأن ورثته من بعده يقومون بأدائها و وفائها

لم تجب عليه الوصية بها.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 528

المسألة الثامنة:

قد مر في ما تقدم أن الوصية تقع على ضروب كثيرة، أشرنا إلى بعضها في المسألة الثانية، و لم نذكر الباقي لأن مقاصد الموصى و أنحاء الإيصاء يعسر ضبطها في عدد معين، فهي تعم كل ناحية مباحة تتعلق بالموصي في نفسه أو ماله، أو حقوقه و جميع شؤونه التي يمكن له التصرف فيها، و هي على وجه العموم تكون على قسمين: تمليكية و عهدية.

و يراد بالوصية التمليكية: أن يجعل الموصى شيئا من تركته أو من منافع أمواله أو من حقوقه القابلة للنقل، ملكا لشخص معين أو لأشخاص معينين، أو لعنوان معين ذي أفراد كالفقراء و طلاب العلم، أو لجهة معينة كمسجد أو مشهد أو حسينية، أو مستشفى أو ميتم أو مدرسة أو ملجأ، و شبه ذلك، فهي وصية بالملك أو بالاختصاص.

و يراد بالوصية العهدية: أن يلزم الموصى وصيه أو وارثه أو غيرهما بفعل أو بشي ء يتعلق به أو بماله أو بشي ء من شؤونه، فيأمر بتجهيزه بعد الموت على وجه يريده مثلا، أو يأمر بدفنه في مكان خاص أو عام، أو يعهد بأن يستناب عنه من بعده من يقوم له ببعض الواجبات عليه، أو ببعض الأعمال المندوبة، أو بأن يعتق عبده أو توقف داره أو تباع أرضه، أو يعين شخصا يوكل اليه التصرف في ثلثه و تطبيق وصاياه، أو يجعله وليا على يتاماه، و ما يشبه ذلك من التصرفات التي تهمة.

المسألة التاسعة:

الأقوى أنه لا يعتبر القبول في صحة الوصية سواء كانت عهدية أم تمليكية، و سواء كانت تمليكا لشخص أو أشخاص معينين، أم تمليكا لنوع ذي أفراد، كما إذا أوصى بداره للفقراء أو لطلاب العلم أو لذرية الرسول (ص)، فإذا أنشأ الموصى وصيته على الوجه المطلوب

صحت و نفذت، و ان لم يحصل القبول من الشخص أو الأشخاص الذين أوصى لهم بالملك أو بالاختصاص، أو من ولي النوع الموصى له، فالوصية من الإيقاعات لا من العقود على الأقوى.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 529

نعم، يشكل الحكم بصحة الوصية التمليكية أو بعدم صحتها إذا رد الموصى له الوصية، و لذلك فلا بد من مراعاة الاحتياط في تطبيق آثار الوصية و عدم تطبيقها بعد رد الموصى له إياها، و سيأتي التعرض لتفصيل ذلك في ما يأتي ان شاء اللّه تعالى.

المسألة العاشرة:

لا يشترط القبول في صحة الوصية العهدية كما لا يشترط في الوصية التمليكية، سواء أريد به القبول من الموصى إليه، أم القبول من الموصى له، كما إذا عهد الموصى الى وصيه أن يعطي زيدا بعد موته مقدارا من المال، فلا يعتبر في صحة هذه الوصية أن يقبل الموصى له و هو زيد، فإذا مات الموصى استحق زيد المال الموصى به و ان لم يحصل منه القبول، كما لا يعتبر في صحة الوصية أن يقبل الموصى إليه ذلك.

نعم، يشكل الحكم بالصحة أو بعدمها إذا رد الموصى له الوصية، فلا بد مع رده إياها من مراعاة الاحتياط كما تقدم.

المسألة 11:

تتحقق الوصية بأن تنشأ بأي لفظ يكون ظاهرا في المراد، فلا يشترط في صحتها أن تنشأ بلفظ خاص، أو بلغة خاصة، و يكفي في تحققها ان تنشأ بأي فعل يكون ظاهرا في إنشائها أيضا، من إشارة مفهمة، أو كتابة و نحو ذلك حتى في حال الاختيار و القدرة على النطق، فإذا كتب كتابا بخطه و توقيعه، و علم بأنه انما كتبه وصية ليعمل بها بعد موته، كان ذلك وصية يجب تنفيذها، و كذلك إذا كتب غيره الكتاب و قرأه عليه قراءة تامة أو قرأه الموصى نفسه و رضي بما فيه و أقره إقرارا كاملا و أمضاه بتوقيعه في الكتاب و تصديقه له أو وضع خاتمه فيه، أو أشار إشارة مفهمة، تدل على قبوله و الرضا بجميع ما يحتويه.

المسألة 12:

إذا شهدت بينة عادلة بأن زيدا قد أوصى بكذا، و أخبر زيد نفسه بأنه لم يوص، فان كان ذلك عن نسيان لطول المدة مثلا، أو لخشية منه من بعض النواحي التي يحذرها، صدقت البينة و وجب العمل

كلمة التقوى، ج 6، ص: 530

بالوصية التي شهدت بها، و لم يلتفت الى قوله، و ان كان ذلك عدولا منه عن الوصية التي شهدت بها البينة سقطت وصيته الأولى، و إذا شهد العادلان بأنه لم يوص، و قال هو: اني قد أوصيت، فإن كان قوله هذا إنشاء لوصية جديدة أو كان إقرارا بوصية لم يطلع عليها الشاهدان عمل على قوله، و ان كان لمجرد أمر توهمه لم يلتفت الى قوله.

المسألة 13:

لا تتحقق الوصية العهدية الا بوجود شخص معين يقع منه إنشاء العهد، و هو الموصى، و أمر خاص يعهد به الموصى لينفذ بعد موته، و هو الموصى به، و قد يعين الموصى شخصا خاصا يعهد إليه بأن يكون هو المنفذ من بعده للوصية، و هو الموصى اليه، و يقال له الوصي في الأكثر.

و لا تتحقق الوصية التمليكية الا بوجود شخص ينشئ التمليك بعد موته، و هو الموصى، و شي ء تتعلق به الوصية و التمليك و هو الشي ء الموصى به، و شخص أو أشخاص يكون التمليك لهم بعد موت الموصى، و هم الموصى لهم.

المسألة 14:

يجوز للوصي أن يرد الوصية في حال حياة الموصى، سواء كانت الوصية عهدية أم تملكية و إذا ردها كذلك و بلغ الموصى رده في وقت يمكن للموصي أن يجعل له وصيا غيره، سقطت وصايته اليه و لم يجب عليه العمل بها.

و إذا كان رده للوصية بعد موت الموصى، لم يؤثر رده شيئا و لزم عليه العمل بالوصية، و كذلك الحكم إذا ردها قبل أن يموت الموصى، و لم يبلغه أن الوصي رد وصيته حتى مات، فلا تسقط الوصاية بذلك، بل و كذلك إذا أوصى اليه و لم يبلغ الوصي بأن زيدا قد أوصى اليه الا بعد موت زيد الموصى، فيجب عليه العمل بالوصية، و لا يصح له ردها.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 531

المسألة 15:

الأحوط للوصي لزوما أن لا يرد الوصية في حال حياة الموصى إذا علم ان الموصى لا يتمكن من الوصية إلى شخص غيره، سواء كان عدم تمكنه من ذلك لعدم وجود من يوصي اليه، أم كان لعجز الموصى عن الوصية و لو بالإشارة.

المسألة 16:

إذا سقطت وصاية الوصي في الفرض الأول من المسألة الرابعة عشرة و لم يجب عليه العمل بها فلا يعني ذلك سقوط الوصية من أصلها إذا لم يعدل الموصى عنها فيجب على الورثة إنفاذ ما فيها عدا وصاية الوصي المذكور.

المسألة 17:

الأقوى كما سبق ذكره في المسألة التاسعة أن الوصية من الإيقاعات لا من العقود حتى إذا كانت الوصية تمليكية، فلا يشترط في صحتها قبول الموصى له، فإذا أنشأ الموصى وصيته و ملك الشخص الموصى له شيئا من تركته، ثم مات الموصى و لم يصدر من الموصى له قبول و لا رد للوصية، ملك الشي ء الموصى به بالموت على الأقوى.

المسألة 18:

إذا رد الموصى له وصية الرجل بتمليكه شيئا من ماله، فللمسألة صور تجب ملاحظتها.

الصورة الأولى: أن يرد الشخص الموصى له الوصية في حال حياة الموصى، و الظاهر أنه لا أثر لهذا الرد وحده، فإذا مات الموصى، و لم يصدر من الموصى له قبول و لا رد بعد الموت ملك الشي ء الموصى به كما تقدم.

الصورة الثانية: أن يقبل الموصى له الوصية في حال حياة الموصى ثم يرد الوصية بعد موته، و لا أثر لهذا الرد أيضا فلا تبطل الوصية به و يكون الشي ء الموصى به ملكا للموصى له.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 532

الصورة الثالثة: أن يقبل الموصى له الوصية بعد أن يموت الموصى ثم يردها بعد ذلك و لا أثر لهذا الرد المسبوق بالقبول كذلك فلا تبطل به الوصية.

الصورة الرابعة: ان لا يقع من الموصى له قبول للوصية في حال حياة الموصى و لا بعد موته، ثم يرد الوصية بعد ذلك، و الحكم في هذه الصورة بصحة الوصية أو ببطلانها مشكل، فلا بد فيها من الاحتياط برجوع الورثة إلى المصالحة مع الموصى له بعد رده للتخلص من الإشكال.

المسألة 19:

لا يشترط في صحة الوصية التمليكية أن يقبض الشخص الموصى له المال الموصى به، فإذا أنشأ الموصى وصيته ثم مات، صحت وصيته، و ملك الموصى له المال و ان لم يقبضه بعد، و إذا رد الوصية بعد موت الموصى و قبل القبول و القبض، توجه الاشكال المتقدم، و احتاج الورثة في التخلص منه الى الاحتياط بالمصالحة.

المسألة 20:

إذا أوصى صاحب المال للرجل بشيئين من ماله في وصية واحدة، فقبل الموصى له ملك أحد الشيئين و رد الوصية في الآخر، صحت الوصية و نفذت في تملك الشي ء الذي قبله الموصى له، سواء كان قبوله في حال حياة الموصى أم بعد موته، و أشكل الحكم في الشي ء الآخر الذي رد الوصية به، إذا كان رده بعد موت الموصى و لم يسبقه قبول لذلك الشي ء، و احتاج ورثة الموصى فيه الى المصالحة مع الموصى له، كما تقدم.

و كذلك الحكم إذا أوصى له بشي ء واحد، فقبل الموصى له بعضه و رد الوصية في البعض الآخر، فتصح الوصية في البعض الذي قبل الوصية به و يشكل الحكم في البعض الذي رده، و يحتاج فيه الى الاحتياط.

و إذا علم من القرائن أن الموصى إنما قصد في إنشاء وصيته تمليك المجموع على نحو وحدة المراد و المطلوب، لم يصح التبعيض المتقدم و أشكل الحكم في الجميع و احتيج فيه الى الاحتياط.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 533

المسألة 21:

لا يصح لورثة الموصى إذا مات مورثهم أن يتصرفوا في العين التي أوصى بها، بل يجب عليهم الانتظار فإذا قبل الموصى له المال الموصى به ملكه بالوصية، و إذا رده بعد موت الموصى و لم يقبله احتاجوا الى التخلص من الاشكال فيه بالتراضي و المصالحة معه.

المسألة 22:

إذا مات الشخص الموصى له قبل وفاة الموصى، كانت الوصية لورثة الموصى له، كما دلت عليه معتبرة محمد بن قيس، إلا إذا رجع الموصى فعدل عن وصيته لمورثهم، و إذا هو لم يرجع في وصيته حتى مات، ملك ورثة الموصى له الشي ء الموصى به بعد موته و لم يتوقف ملكهم لذلك الشي ء على قبولهم، و إذا رد هؤلاء الورثة وصية الموصى بعد موت مورثهم الموصى له أو ردوها بعد موت الموصى وقع التردد و الاشكال المتقدم و احتيج إلى المصالحة، و التراضي للتخلص من الإشكال.

المسألة 23:

إذا مات الموصى في الفرض المتقدم، انتقل المال الموصى به الى ورثة الموصى له، و ظاهر النصوص ان انتقال المال إليهم يكون من الموصى نفسه لا من مورثهم الموصى له، و لكن قسمة المال بينهم يكون على حسب ميراثهم من مورثهم.

المسألة 24:

الظاهر من النصوص أن المال الموصى به في الفرض المتقدم ينتقل من الموصى إلى ورثة الموصى له الموجودين حين موت مورثهم الموصى له، لا الى وارثه حين موت الموصى، فالحكم به هو المتعين.

المسألة 25:

إذا مات الموصى له قبل أن يموت الموصى كما هو الفرض في المسائل المتقدمة و انتقلت الوصية إلى ورثة الموصى له على حسب مواريثهم من مورثهم كما ذكرنا في المسألة الثالثة و العشرين، فإذا كانت العين الموصى بها أرضا أو كان فيها أرض و كانت للموصى له زوجة لم ترث زوجته من الأرض و ورثت من النخيل و الشجر و البناء و غيرها غير الأرض.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 534

المسألة 26:

إذا قبل بعض ورثة الموصى له بالوصية و ردها بعضهم صحة الوصية في نصيب من قبل منهم، و أشكل الحكم في نصيب من رد الوصية منهم، فيحتاج إلى المصالحة معه للتخلص من الاشكال، و إذا علم من القرائن أن وصية الموصى كانت بالمجموع على نحو وحدة المطلوب أشكل الحكم بالصحة في الجميع، و احتيج إلى المصالحة معهم كافة.

المسألة 27:

إذا كان المال الموصى به من الأشياء التي تكون من الحبوة، كالسيف و المصحف و الخاتم، و مات الشخص الموصى له قبل وفاة الموصى، فالظاهر عدم انطباق الحبوة عليه، فلا يختص به الولد الأكبر للموصى له.

المسألة 28:

إذا أوصى الموصى بشي ء من تركته للفقراء أو للعلماء أو للسادة أو غير ذلك من العناوين ذات الأفراد، لم تتوقف صحة الوصية على قبول الأفراد أو قبول وليهم كما تقدم، و لا يكون رد الموصى له مانعا من صحة الوصية، فإذا رد الوصية بعض الفقراء أو بعض العلماء في المثال المتقدم بعد وفاة الموصى لم تبطل الوصية و لم يجر الاشكال السابق في الموصى له إذا رد الوصية بعد موت الموصى، و حتى إذا انحصر الفقراء أو العلماء في أفراد معينين، فردوا الوصية بعد موت الموصى لم تبطل الوصية و لم يجر الاشكال، و لم يحتج الى الاحتياط بالمصالحة.

المسألة 29:

يشترط في صحة الوصية أن يكون الموصى بالغا، فلا تصح وصية الصبي غير البالغ، و يستثنى من ذلك ما إذا كان الصبي قد بلغ عشر سنين تامة و كان عاقلا، و كانت وصيته في وجوه البر و المعروف، كما إذا أوصى ببناء مسجد أو عمارته، أو بالإنفاق على الفقراء أو الأيتام أو معالجة المرضى المحتاجين، أو بصلة أرحامه و ذوي قرباه و تمليكهم بعض أمواله أو بشي ء من سائر الخيرات و المبرات العامة أو الخاصة،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 535

فالأقوى صحة وصيته و وجوب تنفيذها، و لا يختص الحكم بالصحة بوصيته لأرحامه. و لا تصح وصيته إذا لم يكمل عشر سنين، أو كانت وصيته في غير الوجوه المذكورة.

المسألة 30:

يشترط في صحة الوصية أن يكون الموصى عاقلا، فلا تصح وصية المجنون سواء كان جنونه مطبقا أم كان أدوارا، إذا أوصى في دور جنونه، و تصح وصيته إذا أوقعها في دور إفاقته، و لا تصح وصية السكران و هو في حالة سكره.

و لا تبطل وصية الشخص إذا أوصى و هو عاقل ثم طرأ له الجنون أو عرض له السكر أو الإغماء و ان استمر به الجنون أو السكر أو الإغماء حتى مات.

المسألة 31:

يشترط في صحة الوصية أن يكون الموصى مختارا، فلا تصح وصيته إذا كان مكرها عليها، و يلاحظ في معنى الإكراه و ما يتعلق به، ما فصلناه في المسائل المتعلقة بذلك من فصل شرائط المتعاقدين في كتاب التجارة و غيره من كتب المعاملات.

المسألة 32:

لعل الراجح صحة الوصية من السفيه و ان كان محجورا عليه إذا كانت وصيته في وجوه المعروف و الخير و لم يخرج فيها عن الموازين التي يتبعها العقلاء في وصاياهم، و إذا كانت خارجة عن موازينهم المتعارفة في ما بينهم فالظاهر عدم صحة وصيته و ان كانت في سبل الخير و المعروف.

المسألة 33:

تصح وصية المفلس و ان كانت وصيته بعد أن حجر الحاكم على أمواله و ذلك لأن الدين يخرج من التركة قبل الوصية، فلا تكون وصيته مضرة بحقوق الغرماء و ديونهم، و لكن أثر وصيته لا يظهر إلا إذا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 536

ارتفع الفلس عنه قبل موته، أو قلت ديونه عن تركته بسبب إبراء ذمته من بعض الغرماء أو لتبرع بعض الناس بوفاء بعض ديونه.

المسألة 34:

يشترط في صحة الوصية أن لا يكون الموصى قاتلا لنفسه، و المراد بقاتل نفسه هنا من يفعل في نفسه فعلا يؤدي الى هلاكه و موته، فيرمي نفسه بطلقة نارية في موضع قاتل مثلا، أو يضرب نفسه ضربة قاتلة بسيف أو خنجر أو غيرهما، أو يشرب سما، أو يلقي بنفسه من موضع شاهق أو يحدث في نفسه شيئا غير ذلك يقطع أو يظن معه بالموت، فإذا فعل ذلك بنفسه متعمدا، ثم أوصى قبل أن يموت لم تصح وصاياه التي تتعلق بالمال.

المسألة 35:

إذا فعل شيئا من ذلك بنفسه مخطئا أو ساهيا غير عامد لم تبطل وصيته، و كذلك إذا فعل ذلك و هو يظن السلامة من الموت، أو فعل ذلك لا بقصد قتل النفس، بل بقصد أمر آخر، أو كان الفعل لا يؤدي الى الموت غالبا فاتفق ذلك معه على خلاف المتعارف، فلا تبطل وصيته في هذه الفروض.

المسألة 36:

إذا أحدث في نفسه بعض هذه الأمور القاتلة بحسب العادة، ثم عافاه اللّه منها، و لم يمت لم تبطل وصيته إذا كان قد أوصى بعد أن ارتكب ذلك من نفسه، سواء كانت وصيته بعد المعافاة أم قبلها، بل و ان كان قاصدا قتل نفسه حين ما ارتكب الفعل.

المسألة 37:

إذا ارتكب أحد هذه الأفعال ليقتل نفسه، ثم عوفي و لم يمت، و أوصى وصيته بعد المعافاة منه ثم انتكس في مرضه الأول و مات في السبب الأول عرفا، بطلت وصيته و لم تصح.

المسألة 38:

لا تصح وصية قاتل نفسه إذا كانت الوصية تتعلق بالمال كما ذكرنا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 537

في المسألة الرابعة و الثلاثين و تصح وصاياه التي تتعلق بتجهيزه و دفنه و صلاته و صومه و أموره الأخرى التي لا تتعلق بالمال.

المسألة 39:

لا تلحق منجزات قاتل نفسه بوصيته في البطلان، فإذا وقف شيئا من ماله منجزا أو وهبه أو باعه على وجه المحاباة أو فعل فعلا آخر من أنواع المنجزات قبل الموت لم يبطل ذلك التصرف في ماله و اخرج من أصل تركته.

المسألة 40:

إذا أوصى الرجل أولا ثم قتل نفسه بعد الوصية لم تبطل وصيته بقتل نفسه بعدها، و ان كان مصمما على قتل نفسه بعد إنشاء الوصية.

المسألة 41:

يصح للأب أن يوصى إلى أحد بأن يكون وليا من بعد موته على أولاده الأطفال غير البالغين إذا لم يكن لهم جد للأب، و يصح للجد أبى الأب أن يوصى إلى أحد بأن يكون وليا من بعد موته على أطفال ولده غير البالغين كذلك إذا لم يكن لهم أب، و إذا كان لهم جد فلا يصح للأب أن يجعل لهم من بعده وليا غير الجد، و إذا كان لهم أب فلا يصح للجد أن يجعل لهم وليا من بعده غير الأب، سواء كان الجد بواسطة واحدة أم بأكثر، و إذا لم يكن للأطفال أب و لا جد و لا وصي منصوب من أحدهما فالولاية عليهم في أموالهم و معاملاتهم للحاكم الشرعي، و لا يصح للحاكم الشرعي أن يوصى الى أحد من بعد موته بأن يكون وليا على الأطفال، بل تكون الولاية عليهم من بعده للحاكم الشرعي الآخر.

المسألة 42:

لا ولاية للأم على أولادها الصغار و لا على أموالهم و ان كانت رشيدة مأمونة، فلا يصح لها التصرف في أموالهم و معاملاتهم، إلا إذا جعلها الأب أو الجد قيمة بعد موته على ذلك، أو نصبها الحاكم الشرعي ولية على أمورهم، و حيث لا ولاية للأم بنفسها على أولادها فلا يصح لها ان تنصب من بعدها وصيا عليهم و على أموالهم.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 538

المسألة 43:

إذا أوصى رجل ببعض ماله لأطفال زيد القاصرين و جعل على المال الموصى به وليا من قبله يتولى التصرف في المال عنهم و الصرف في شؤونهم، صحت وصيته لهم بالمال و لم تصح وصيته على المال بالولاية و القيمومة بل يكون أمر المال الموصى به لأبيهم أو لجدهم لأبيهم إذا كان أحدهما موجودا، و للوصي المجعول على الأطفال من قبل أحدهما إذا كانا معا غير موجودين، و للحاكم الشرعي إذا فقدوا جميعا.

المسألة 44:

يجوز للرجل أن يوصي ببعض ماله لأطفال زيد القاصرين، و يشترط في وصيته أن يكون المال بيد الوصي الذي يرتضيه ما دام الأطفال صغارا حتى يبلغوا سن الرشد، فيملكهم وصيه المال بعد بلوغهم، فتصح الوصية و الشرط، فإذا بلغ الأطفال الحلم و رشدوا ملكهم وصيه الأمين المال الموصى به، سواء كان أبوهم و جدهم موجودين أم ميتين.

و إذا اشترط الموصى أن يكون المال بيد وصيه و هو يتولى صرفه على الأطفال من غير تمليك لهم، ففي صحة هذا الشرط إشكال إذا كان المراد ان الوصي يتولى الصرف على الأطفال من غير مراجعة للأب أو الجد أو للحاكم إذا كانا غير موجودين.

الفصل الثاني في المال الموصى به

المسألة 45:

يشترط في الوصية التمليكية أن يكون الشي ء الذي يوصى به الموصى مما له نفع مقصود يعتد به العقلاء، و تتعلق به أغراضهم، و يعد الشي ء بسبب ذلك مالا في أنظارهم، و يصح أن يكون عينا مشخصة خارجية، فيوصي الرجل لغيره بداره المعينة أو ببستانه المعين، و يصح أن يكون كليا في الذمة أو كليا في المعين، فيوصي له بعشرة أمنان من الحنطة مما تنتجه المزرعة أو تشتري له من التركة، أو يوصي له بإحدى الآلات أو الأجهزة المتماثلة من صنع معمل واحد الموجودة في مخزنة أو التي

كلمة التقوى، ج 6، ص: 539

تشترى له من السوق، و يصح أن يكون دينا، فيوصي له بدينه الحال أو المؤجل الذي يستحقه في ذمة زيد، و يصح أن يكون منفعة معينة فيوصي له بسكنى داره المعلومة مدة محددة، و يصح أن يكون منفعة كلية فيوصي له بمنفعة احدى المبردات أو إحدى المدفئات الموجودة لديه، و يصح أن يكون حقا معلوما قابلا للنقل فيوصي له بحق التحجير الثابت

له في الأرض المعينة أو بحق الاختصاص الموجود له في الشي ء المعين، و يصح أن تكون العين الموصى بها موجودة بالفعل، و أن تكون معدومة بالفعل و لكنها متوقعة الوجود في ما يأتي، فيوصي له بالجارية الموجودة أو بالدابة أو بالشجرة المعينة، أو يوصي له بما تحمله الجارية أو بما تحمله الدابة أو بما تثمر الشجرة إذا كان الحمل و الاثمار فيها مرجوا، و يصح ان يوصي له بسيارته المسروقة إذا كان استرجاعها متوقعا.

المسألة 46:

لا يشترط في الأمر الموصى به أن يكون مما يصح تملكه، و لذلك فتصح الوصية بكلب الزرع و كلب الحائط و كلب الماشية، و ان قيل بعدم ملكيتها، و يكفي في صحة الوصية وجود منفعة محللة في الشي ء يرغب فيها العقلاء و يعدونه بسبب وجود تلك المنفعة فيه مالا، و لا تصح الوصية بالحشرات لعدم الفائدة المقصودة فيها، و لا بكلب الهراش كما عليه المشهور، و تصح الوصية به إذا وجدت له منفعة محللة، و تصح الوصية بالخمر و الخنزير و ان كانا غير مملوكين إذا وجدت لهما منفعة محللة كالتخليل في الخمر، و قد وجدنا من يربي الخنزير في اصطبلات الخيل، و ظاهره ان لوجود الخنزير معها جدوى ملحوظة في تنشئة الخيل أو في تنقية الإصطبل، و كالتسميد و شبهه في الحيوانات الميتة و لا تصح الوصية بالشي ء إذا لم تكن له فائدة، أو انحصرت فائدته بالمنفعة المحرمة.

المسألة 47:

لا تصح الوصية بالمنفعة المحرمة، و ان كانت للعين منافع أخرى محللة إذا لم تكن تلك المنافع هي المقصودة بالوصية، و مثال ذلك: ان يوصي

كلمة التقوى، ج 6، ص: 540

لأحد بمنفعة الجارية المغنية، ليستمع الى غنائها أو لينتفع بإجارتها لذلك، فلا تصح الوصية بها، و ان كانت للجارية منافع محللة، و لكنه أوصى بالمنفعة المحرمة، أو يوصي له ببعض آلات اللهو أو المقامرة، لينتفع باستعمالها في النواحي المحرمة أو بإجارتها لذلك، و إذا أوصى له بمنافعها مطلقا و كانت لها منافع محللة صحت الوصية و انصرفت الى المنافع المحللة خاصة، و إذا أوصى بمنافعها المحلل منها و المحرم صحت الوصية بالمحلل و بطلت في المحرم، و إذا انحصرت منافع العين بالمحرمة بطلت الوصية.

المسألة 48:

لا تصح الوصية بالحقوق غير القابلة للنقل الى غير صاحبها التي جعلت له شرعا، كحق القذف، و حق الشفعة لغير الشريك، و حق الاستمتاع بالزوجة لغير زوجها، و حق القسم لغير الزوجة، و أمثالها من الحقوق.

و لا يصح أن يوصي الإنسان عن نفسه بمال لغيره، و مثال ذلك:

أن يوصي الرجل لزيد بدار مملوكة لعمرو إذا مات الموصى نفسه، و إذا أوصى الرجل عن عمرو مالك الدار وصية فضولية، فملك زيدا دار عمرو إذا مات مالكها، و أجاز عمرو وصيته، لم يبعد الحكم بالصحة فيملك الموصى له الدار إذا مات مالكها.

المسألة 49:

لا تصح الوصية العهدية بعمل ثبت تحريمه في الإسلام، سواء كان تحريمه لمنافاته للعقيدة الثابتة في الدين و لوازمها المعلومة، أم كان لمباينته للأخلاق الزكية التي يدعو إليها الإسلام، أم كان لمخالفته للأحكام الثابتة في الشريعة، فإذا أوصى الموصى بشي ء من ذلك أو بصرف ماله في شي ء منه كانت الوصية باطلة لا يجب تنفيذها بل يحرم على الوصي و الورثة العمل بها، و من أمثلة ذلك ان يوصي بإعانة ظالم على ظلمه، أو يوصي بإعانة فاسق على فسقه، أو بصرف شي ء من ماله في ذلك.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 541

المسألة 50:

لا تصح الوصية بأعمال لا تتعلق بها الأغراض الصحيحة من الناس، و مثال ذلك: أن يوصي بأفعال سفهية، أو عابثة لا تجدي فائدة و لا منفعة في أنظار العقلاء، أو يوصي بصرف ماله فيها.

المسألة 51:

إذا أوصى الرجل بعمل من الأعمال و هو يرى أنه عمل سائغ بحسب اجتهاده أو تقليده، و كان العمل غير جائز في رأي الوصي بحسب اجتهاده أو تقليده، لم يجب على الوصي تنفيذ الوصية، بل لا يجوز له تنفيذها.

و إذا اتفق الأمر بعكس ذلك، فأوصى الموصى بأمر لا يسوغ بحسب اجتهاده أو تقليده، و كان ذلك العمل سائغا عند الوصي بحسب اجتهاده أو تقليده نفذت الوصية، و لزم الوصي العمل بها.

المسألة 52:

إذا أوصى الإنسان الى غير وليه بأن يباشر تجهيزه بعد موته، فيغسله بنفسه و يكفنه و يصلى عليه، أو أوصى اليه ببعض ذلك، و قبل الشخص منه هذه الوصية، صحت وصيته اليه، و وجب عليه أن يقوم بالعمل الذي أوصاه به و لم يحتج الى أن يستأذن من الولي عند ما يقوم بالعمل، و الولي هنا هو الوارث الشرعي لذلك الموصى، سواء انفرد بميراثه أم اشترك معه غيره، و سواء كان نصيبه في الميراث كثيرا أم قليلا.

و إذا أوصى الرجل الى ذلك الغير بأن يكون وليا له في أمر التجهيز أو في بعضه، جاز للوصي أن يرد الوصية ما دام الموصى حيا، فإذا رد الوصية في حياته و بلغه رده لم تثبت الوصية، و إذا هو لم يرد الوصية حتى مات الموصى، أو ردها و لم يبلغ الموصى رده حتى مات، وجب على الوصي تنفيذ الوصية و لزم الاستيذان منه في التجهيز إذا أراد أحد القيام به و لا يستأذن من الولي، و الأحوط أن يستأذن من كليهما، و تراجع المسألة الستمائة و الخمسون و ما قبلها من كتاب الطهارة، فقد أوردنا هذه الأحكام فيها مع بعض التفصيل.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 542

المسألة 53:

تخرج الديون التي تكون على الإنسان من أصل تركته بعد موته، سواء أوصى بوفائها عنه أم لم يوص، و المراد بالدين المال الذي تشتغل به الذمة اشتغالا وضعيا، سواء كان للّه أم للناس.

فمن الدين الزكاة و الخمس عند استقرارهما في الذمة، و منه رد المظالم، و الكفارات المالية و النذور المالية بعد استقرارها في الذمة كذلك، و منه حجة الإسلام و الحج الواجب بالنذر على الأقوى.

و من ديون الناس الأموال التي يقترضها

الرجل و تشتغل ذمته بأعواضها، و أثمان الأشياء التي يشتريها نسيئة و تبقى في ذمته مؤجلة أو غير مؤجلة، و المبيعات الكلية التي يبيعها سلفا، و الأعواض في المعاملات التي يجريها مع الناس و تبقى الأعواض في ذمته إلى أمد أو الى غير أمد، و ما يضمنه لغيره من دين أو بدل متلف أو أرش معيب، أو دية جناية و غير ذلك، فتخرج جميع هذه الديون من أصل تركة الميت و ان استوعبتها جميعا.

و ليس من هذه الديون التي ذكرنا أنها تخرج من الأصل: ما يلزم الإنسان من الكفارات المخيرة، و النذور غير المالية، و الواجبات الأخرى غير المالية، كالصلاة و الصوم إذا اشتغلت ذمة الإنسان بقضائها، فلا تخرج من أصل تركته إذا مات، بل تخرج من ثلثه إذا أوصى بها.

المسألة 54:

انما تنفذ الوصايا من ثلث تركة الميت خاصة، سواء كانت الوصية تمليكية أم عهدية تبرعية، و لذلك فيشترط في صحة الوصية أن لا يزيد المال الموصى به على ثلث التركة، و إذا زاد ما أوصى به على الثلث توقفت صحة الوصية بالزائد على اجازة الوارث، فإذا أجازها صحت الوصية به جميعا و نفذت و إذا لم يجزها صحت الوصية بمقدار الثلث منه و بطلت في الزائد.

و يراد بالعهدية التبرعية أن يعهد الإنسان إلى وارثه أو وصيه بأن يتبرع بعده بشي ء من ماله لأحد أو لنوع أو لجهة معينة، فيقول

كلمة التقوى، ج 6، ص: 543

ادفعوا لزيد بعد موتي مائة دينار مثلا، أو يقول ادفعوها للفقراء، أو للمسجد أو المشهد المعين، أو أنفقوها في إقامة العزاء، أو في إطعام المساكين، أو في الزيارة، فيعتبر فيها كما يعتبر في الوصية التمليكية ان لا يزيد المال الموصى

به على ثلث التركة، و إذا زاد عليه جرى فيه الكلام السابق، و لا فرق في الحكم المذكور بين الوصية في حال الصحة أو في حال المرض.

و الوصية العهدية التبرعية قسم من الوصية التبرعية و سيأتي ذكرها في المسألة الثامنة و السبعين و ما بعدها ان شاء اللّه تعالى.

المسألة 55:

قد يوصي الموصى بكسر مشاع من تركته، فيقول: ملكت أخي عليا ربع ما أتركه بعد وفاتي من المال، أو يقول: ملكته ثلثه، أو نصفه، و تطبيق الحكم الآنف بيانه في المسألة المتقدمة واضح جدا، فان كان الكسر الذي أوصى به لأخيه هو الثلث أو أقل منه، صحت الوصية و ملك الموصى له المال الموصى به عبد الموت، و وجب على الوصي و على الورثة تنفيذها، و ان كان الكسر الموصى به أكثر من الثلث، صحت الوصية بمقدار الثلث، و بطلت في ما يزيد عليه و هو السدس في المثال الأخير المتقدم إذا لم يمض الورثة الوصية به.

و قد يوصي بعين خاصة من التركة، فيقول: ملكت أخي عليا بعد موتي داري المعلومة أو بستاني المعين، و تطبيق الحكم: أن تقدر قيمة مجموع التركة، و تقدر قيمة العين الخاصة التي أوصى لأخيه بها، و تنسب قيمة العين إلى قيمة المجموع، فإذا كانت بمقدار ثلثها أو أقل، نفذت الوصية في جميع العين، و إذا زادت قيمتها على ذلك صحت في مقدار الثلث من قيمة المجموع و أخذت من نفس العين، و توقفت صحتها في الزائد عن الثلث على اجازة الورثة، فتصح إذا أجازوها، و تبطل إذا ردوها.

و قد يوصي الموصى بمقدار معلوم من المال، فيقول: ملكت أخي عليا ألفي دينار من تركتي بعد موتي، أو يقول: ملكته مائتي وزنة

من الحنطة، و تطبيق الحكم أن تقدر قيمة مجموع التركة، و ينسب

كلمة التقوى، ج 6، ص: 544

مقدار المال الموصى به في المثال الأول و مقدار قيمته في المثال الثاني، إلى قيمة مجموع التركة، فتنفذ الوصية في مقدار الثلث و في ما هو أقل منه، و تتوقف صحتها على إمضاء الورثة في ما يزيد عليه.

المسألة 56:

التركة التي يكون بلوغ مقدار ثلثها هو المدار في صحة الوصية و عدم صحتها- فإذا كان المال الموصى به بمقداره أو أقل منه كانت الوصية به صحيحة، و إذا زاد عليه لم تصح الوصية في الزائد منه الا بإجازة الورثة- هي ما يخلفه الموصى من الأموال و غيرها بعد موته، لا ما يوجد لديه منها حين وصيته، فإن أموال الموصى قد تزيد بعد حال الوصية و قد تنقص، و المدار على مقدارها حال الموت، بل على ما يلحق بها بعد الموت في بعض الحالات و يعد من التركة شرعا، و ان كان قبضه بعد الموت، و هي ديته إذا قتل أو جرح، و سيأتي ذكرها ان شاء اللّه تعالى في المسألة الثانية و الستين، فالتركة هي المجموع منها و مما يتركه الموصى حين موته.

فإذا أوصى الموصى لأخيه علي- كما ذكرنا- بنصف تركته، و كان نصف تركته يوم الوصية يبلغ ألفي دينار، ثم كثرت أمواله بعد ذلك، فأصبح المال الذي أوصى به و هو الألفان بمقدار الثلث أو أقل منه حين ما مات، نفذت الوصية و صحت بالمال الموصى به و لم تحتج إلى إجازة الوارث، و ان كانت زائدة على ثلثه حين الوصية.

و إذا أوصى له بثلث تركته، و كان في يوم وصيته يبلغ ألفي دينار، ثم نقصت أمواله بعد

الوصية فكانت الألفان بمقدار نصف التركة حين الموت، صحت الوصية بمقدار الثلث منها فحسب، و توقفت صحتها في ما زاد على الثلث و هو السدس على اجازة الوارث فيه.

و إذا أوصى الموصى لأخيه بداره المعينة، و كانت قيمة الدار في يوم الوصية تبلغ قيمة نصف التركة، ثم زادت أموال الموصى أو نقصت قيمة الدار، فأصبحت تساوي مقدار ثلث تركته يوم موته أو أقل، صحت الوصية بالدار و لم تفتقر إلى إجازة الوارث، و ان كانت زائدة على الثلث يوم وصيته.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 545

و إذا أوصى له بالدار و كانت قيمتها في حال الوصية بمقدار الثلث من أمواله الموجودة عنده حين الوصية أو أقل، ثم نقصت أمواله أو زادت قيمة الدار، فأصبحت قيمتها بمقدار نصف التركة حين الوفاة، صحت الوصية بمقدار ثلثه في وقت الوفاة و تدفع الى الموصى له من الدار الموصى بها نفسها، و لم تصح الوصية في ما زاد على الثلث إلا إذا أجازها الوارث.

و إذا أوصى لأخيه بمبلغ ألفي دينار، و كان ذلك بمقدار النصف من التركة في يوم الوصية، ثم كثرت أموال الموصى، فأصبح الألفان الموصى بهما بمقدار الثلث من التركة حال الموت أو أقل منه نفذت الوصية و صحت، و إذا نقصت الأموال فأصبح الألفان الموصى بهما بمقدار نصف المال الموجود لديه حين الموت صحت الوصية بالثلث، و توقفت في الباقي على الإجازة.

و إذا دلت القرائن على تخصيص الوصية بأعيان مخصوصة، اختصت الوصية بها و لم تشمل الأعيان و الأموال التي تتجدد للموصي بعد الوصية، و اختصت بمقدار الثلث من تلك الأعيان المخصوصة، و توقفت في ما زاد عن ثلثها على اجازة الوارث.

و إذا تبدلت تلك الأعيان الخاصة

التي اختصت بها الوصية، سقطت الوصية و لم يجب تنفيذها.

و إذا حفت الوصية بأمور تصلح للقرينية و توجب الإجمال في مراد الموصى منها فلم يعلم انها تختص بالأعيان الموجودة حين الوصية، أو تعم الأموال و الأعيان التي تدخل في ملك الموصى بعد الوصية و قبل الموت، كان الحكم أيضا كما تقدم، فلا تشمل الوصية الأموال المتجددة و تختص بالأعيان الخاصة التي يعلم بتعلق الوصية بها قطعا. و تجري الأحكام السابقة، فتكون الوصية بمقدار الثلث من تلك الأعيان و تتوقف في ما زاد على الإجازة و تسقط الوصية إذا تبدلت الأعيان.

المسألة 57:

إذا أوصى الرجل بما يزيد على ثلث تركته، توقفت صحة الوصية

كلمة التقوى، ج 6، ص: 546

في المقدار الزائد على اجازة وارث الموصى- كما ذكرنا ذلك مرارا- فإذا أجاز الوارث الوصية بعد موت مورثه الموصى، صحت الوصية بلا ريب و وجب تنفيذها، و كذلك الحكم إذا أجازها في حال حياة الموصى و استمر على إجازتها حتى مات فتصح الوصية في الصورتين.

و إذا أجاز الوصية في حال حياة الموصى ثم ردها في حال حياته، فالأقوى أيضا صحة الوصية و لا حكم لرده و ان استمر عليه حتى مات مورثه الموصى، و كذلك إذا أجاز الوصية في حياة الموصى ثم ردها بعد موته.

و على وجه الاجمال فلا أثر لرد الوارث للوصية إذا سبقت منه الإجازة لها، سواء كانت الإجازة السابقة و الرد اللاحق لها في حال حياة الموصى أم بعد موته، و لا أثر كذلك للرد السابق في حال حياة الموصى إذا لحقته الإجازة في حال حياته أو بعدها.

و إذا رد الوارث الوصية بعد موت الموصى و لم تسبقه اجازة منه قبل الموت و لا بعده، بطلت

الوصية و لم تنفذ، و كذلك إذا رد الوصية في حال الحياة و استمر على ردها الى ما بعد الموت، فلا تصح الوصية أيضا إذا لم تسبق رده اجازة، و كذلك إذا لم تصدر من الوارث اجازة و لا رد للوصية في حياة الموصى و لا بعد موته، فلا تصح الوصية.

و إذا رد الوارث الوصية بعد موت الموصى ثم أجازها بعد ذلك ففي صحة الوصية في هذه الصورة إشكال، و لا تترك مراعاة الاحتياط فيها.

المسألة 58:

إجازة الوارث لوصية الموصى بما يزيد على ثلثه، هي أن يمضي الوارث الوصية و ينفذها، و لذلك فلا بد و أن ينشئ إمضاءه و تنفيذه بقول أو فعل يدل عليه، فيقول: أجزت الوصية أو أنفذتها مثلا أو يدفع الزيادة للموصى له، و لا يكفي في الإجازة أن يرضى بالوصية في قلبه و تطيب نفسه بملك الموصى له للمال.

المسألة 59:

تصح الوصية في الزائد على الثلث بمقدار ما يحصل من اجازة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 547

الوارث و تنفيذه، فإذا أجاز الوصية بجميع الزيادة صحت في الجميع كذلك، و إذا أجازها في البعض صحت بمقدار ذلك البعض و بطلت في الباقي.

و مثال ذلك: أن يوصي الموصى لأحد بألف و خمسمائة دينار مثلا، و يكون مقدار ثلثه من التركة ألف دينار فقط، فإن أجاز الوارث الوصية بجميع الخمسمائة الزائدة صحت كذلك، و ان أجازها في مائة دينار أو مائتين صحت في ما أجاز، و بطلت في الباقي.

المسألة 60:

إذا تعدد وارث الموصى، و أجاز بعضهم الوصية و لم يجزها الآخر، صحت الوصية في نصيب الوارث المجيز من الزيادة على الثلث، و بطلت في نصيب الوارث غير المجيز منها، و مثال ذلك: أن يوصي الموصى لأحد بألف و ستمائة دينار، و يكون ثلث الموصى من تركته ألف دينار فحسب، و يكون له ولدان، فإذا أجاز أحد الولدين و لم يجز الآخر صحت الوصية في نصيب الولد الذي أجاز الوصية و هو نصف الستمائة، و بطلت في نصيب الثاني منها، و إذا كان له ولد و بنت، فإن أجاز الولد و لم تجز البنت صحت الوصية في أربعمائة دينار و هي نصيب الولد المجيز، و بطلت في مائتين، و هي نصيب البنت، و ان أجازت البنت و لم يجز الولد صحت الوصية في مائتين و هي نصيب البنت، و بطلت في الباقي و هو نصيب الولد.

المسألة 61:

إذا أجاز الوارث وصية مورثه الموصى في ما زاد على الثلث، صحت الوصية و ان كانت الإجازة متأخرة عن الوصية مدة طويلة أشهرا أو سنين، كما إذا أوصى الموصى، و لم يجز الوارث حتى مات الموصى بعد سنين من إنشاء الوصية، فتصح الوصية بذلك، فلا يعتبر في الإجازة أن تكون على الفور، على الأقوى.

المسألة 62:

إذا قتل الرجل خطأ أو عمدا شبيها بالخطإ، فالدية التي تؤخذ له من القاتل أو من قبيلته، تحتسب من تركته بعد الموت، فتضاف إلى

كلمة التقوى، ج 6، ص: 548

سائر أمواله الموجودة، و يخرج من مجموع ذلك ثلثه الذي تخرج منه وصاياه، و كذلك إذا قتل عمدا، و صالح أولياؤه القاتل عن حقهم على الدية فإن الدية المدفوعة تكون من التركة.

المسألة 63:

إذا نصب الرجل شبكة للصيد في حياته، و وقع السمك أو الطير فيها بعد وفاته، أشكل الحكم باحتساب ما تصيده الشبكة من تركة الميت كما تحتسب الدية، لتوفى منها ديونه و وصاياه، فلا بد فيه من الاحتياط بالمصالحة و التراضي.

المسألة 64:

إذا تميزت أموال الميت من أموال غيره و لو على سبيل الاجمال و علم ما يدخل في عنوان التركة مما لا يدخل، أخرجت من هذه التركة أولا:

الديون و الواجبات التي اشتغلت بها ذمة الميت اشتغالا وضعيا حسب ما فصلناه في المسألة الثالثة و الخمسين، ثم احتسب الثلث مما يبقى من التركة بعد ذلك، فيكون هذا هو المورد التي تخرج منه وصايا الميت التمليكية و العهدية.

و ليس المراد من قولنا: أخرجت الديون و الواجبات من التركة أولا، أنه يجب إخراجها بالفعل، بحيث لا يصح اعتبار الثلث الا بعد إخراج الدين، بل المراد ان اعتبار الثلث يكون بعد استثناء مقدار ما يفي بالديون و الواجبات من التركة، سواء أخرجت بالفعل أم تأخر إخراجها، و نتيجة لذلك فيمكن ان توفي الديون، و تنفذ الوصايا في وقت واحد إذا علمت المقادير، و علم مقدار الثلث.

المسألة 65:

إذا أبرأ الدائن ذمة الميت من دينه بعد موته، لم يجب وفاؤه من التركة، فلا يستثنى منها مقدار ذلك الدين عند اعتبار الثلث، و كذلك إذا تبرع أحد بأداء دين عن الميت، فلا يستثنى مقدار ذلك الدين من التركة عند اعتبار الثلث، و نتيجة لذلك فإذا أبرئت ذمة الميت من جميع ديونه، أو تبرع عنه المتبرعون بوفاء ديونه جميعا، أخرج الثلث من جميع التركة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 549

المسألة 66:

يجوز للموصي أن يعين ثلث تركته في عين مخصوصة منها، فيقول:

هذا البستان أو هذه العمارة ثلثي من جميع ما أملكه، فإذا عينه كذلك تعين، و لم يجز للورثة تبديله بعد موته، و إذا عينه ثم ظهر بعد الموت انه أكثر من ثلث التركة، فإن أجاز الورثة وصيته في الزائد نفذت في جميع العين، و ان لم يجيزوها، قومت العين و اختص الثلث منها بمقدار قيمة ثلث التركة واقعا، و رجع الباقي من العين ميراثا.

و إذا ظهر أن ما عينه أقل من ثلث التركة، فإن كان ذلك في حياة الموصى جاز له أن يمضي وصيته، فيختص حقه بالعين و ان كانت أقل من الثلث، و يصح له أن يبدل الوصية، و أن يضيف الى العين ما يكمل له مقدار الثلث من عين أخرى، و إذا ظهر أنه أقل من ثلث التركة بعد موت الموصى، أشكل الحكم في إضافة غير العين المخصوصة إليها، الا أن يرضى الورثة بذلك، أو تكون وصايا الميت أكثر من العين التي عينها للثلث، فيجب إنفاذ الوصايا حتى يتم الثلث أو يعلم ان مقصود الموصى هو الوصية بمقدار الثلث واقعا أو تدل نفس وصيته على ذلك.

و كذلك الحكم إذا فوض الموصى تعيين ثلثه إلى

الوصي، فإذا عينه بعد الموت بحسب وصيته تعين و لم يتوقف على ان يرضى الورثة بتعيينه.

و إذا استبان بعد ذلك ان العين التي عينها الوصي للثلث أكثر من ثلث التركة، جرى فيه التفصيل المتقدم ذكره في هذه الصورة من تعيين الموصى، و إذا استبان ان العين أقل قيمة من ثلث التركة، فالظاهر انه يجوز للوصي تبديل تعيينه، بل يجب عليه ذلك إذا كان التفاوت بمقدار لا تشمله وصية الموصى بتفويض التعيين إليه.

المسألة 67:

إذا أوصى الموصى بثلثه من التركة و لم يعينه في عين مخصوصة، و لم يفوض أمر تعيينه إلى الوصي من بعده كانت التركة مشتركة بينه و بين الورثة على وجه الإشاعة، و لا يتعين الثلث في عين مخصوصة من التركة إلا برضى الوصي و الورثة جميعا.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 550

المسألة 68:

تصح الوصية من الموصى و ان لم يقصد بها أنها من ثلثه الذي يخصه من التركة، من غير فرق بين الوصية التمليكية و العهدية، فإذا أوصى لأحد من الناس أو لجهة من الجهات بمبلغ من المال أو بشي ء من الأشياء التي يملكها أو عهد الى وصيه أن يتبرع من بعده لذلك الشخص أو لتلك الجهة بشي ء و لم يلاحظ أن ما أوصى به يكون من ثلثه أو لم يلتفت الى ذلك- و لعل هذا هو الغالب في وصايا عامة الناس- صحت منه وصيته إذا كانت بقدر الثلث أو أقل منه، و إذا كانت أكثر من الثلث صحت في مقداره و توقفت في ما زاد عليه، على اجازة الوارث، فإن أجاز الوصية به صحت و ان لم يجزها بطلت، كما هو الحكم في كل وصية.

المسألة 69:

إذا أوصى الموصى لأحد أو لجهة بشي ء من التركة على النحو الذي ذكرناه في المسألة السابقة، و قصد في وصيته أن المال الذي أوصى به يخرج من ثلثي الورثة، بحيث يبقى ثلثه الذي يختص به من التركة سليما من النقص، توقفت صحة هذه الوصية على اجازة الورثة، فإن أجازوها صحت و ان لم يجيزوها بطلت، و لا فرق في هذا الحكم بين أن يكون قد أوصى بثلثه أيضا قبل تلك الوصية أو بعدها أو لم يوص بالثلث.

المسألة 70:

إذا أوصى الموصى بشي ء من التركة على الوجه المتقدم ذكره، و قصد في وصيته ان المال الموصى به يخرج من جميع التركة لا من الثلث وحده، فللمسألة صورتان:

الصورة الأولى: أن يوصي بهذه الوصية وحدها، و لا يوصي بثلثه أصلا لا قبل هذه الوصية و لا بعدها، فيقول: أوصيت لعبد اللّه بداري المعلومة بحيث تعطى له من أصل تركتي لا من الثلث وحده، و الظاهر صحة الوصية في هذه الصورة إذا كان المال الموصى به بمقدار الثلث أو أقل منه، و إذا زاد على مقدار الثلث، صحت الوصية بمقدار الثلث

كلمة التقوى، ج 6، ص: 551

منه و توقفت الصحة في الزائد على اجازة الورثة كما في نظائره التي تكرر ذكرها.

الصورة الثانية: أن يوصي بالوصية الآنف ذكرها، و يوصي معها بثلثه من التركة، فيقول: أوصيت لعبد اللّه بداري المعينة بحيث تخرج من جميع التركة لا من الثلث وحده، و أوصيت بثلثي من التركة لزيد.

و الظاهر في هذه الصورة بطلان الوصية بثلثي الدار إلا إذا أجازها الورثة فتصح بذلك من الأصل، و تبطل وصيته بثلثه لزيد بمقدار ثلث الدار فيكون هذا المقدار لعبد اللّه تنفيذا لوصيته الأولى له بالدار إلا إذا

أجاز الورثة أن يخرج ذلك من الأصل أيضا، فتصح الوصيتان حين ذلك.

المسألة 71:

ذكرنا في المسألة الثالثة و الخمسين ان الديون و الواجبات المالية تخرج من أصل تركة الإنسان، سواء أوصى بها أم لم يوص، و نتيجة لذلك فإذا أوصى بها الموصى ثم تلف من التركة شي ء بعد موته، أو تلف الثلث كله لم يسقط وجوب أداء الديون و الواجبات المالية بذلك، بل يجب إخراجها من الباقي و ان استوعب جميع التركة، و كذلك الحكم إذا غصب بعض التركة غاصب أو سرقة سارق، فيجب إخراج الديون و الواجبات المالية من الباقي.

المسألة 72:

إذا امتنع بعض الورثة عن وفاء ما ينوب حصته من ديون للّه أو للناس لم يسقط وجوب أداء الديون عن غيره من الورثة و لا عنه، فيجب الوفاء عليهم جميعا، و إذا أدى الوارث الآخر ما ينوب حصة الوارث الممتنع من الدين و كان أداؤه بإذن الحاكم الشرعي له في ذلك جاز له الرجوع على الممتنع بما أدى عنه، و إذا أداه بغير اذن الحاكم له، أشكل الحكم بجواز الرجوع عليه.

المسألة 73:

إذا عين الموصى ثلثه في عين مخصوصة من التركة أو عينه وصيه

كلمة التقوى، ج 6، ص: 552

الذي فوض اليه ذلك كما تقدم في المسألة السادسة و الستين، ثم تلف الثلث بعد موت الموصى سقط وجوب العمل بالوصايا المالية التمليكية أو العهدية، و إذا تلف بعض الثلث و لم يف الباقي منه بتنفيذ الوصايا، سقط وجوب العمل بالوصية في الجملة، و لوحظ في تقديم بعض الوصايا، على بعض أو توزيع باقي الثلث عليها ما سيأتي بيانه في المسائل الآتية ان شاء اللّه تعالى، و كذلك الحكم إذا كان الثلث مشاعا في التركة، ثم تلف بعض التركة بعد موت الموصى، فيؤخذ ثلث بقية التركة و تطبق فيه الأحكام المتقدم ذكرها.

المسألة 74:

إذا علم بأن الرجل أوصى بما يزيد على مقدار ثلثه أو انه أوصى بجميع تركته في أمور عينها في وصيته ثم مات بعد الوصية، و شك الوصي أو الوارث في أن الأمور التي أوصى بها، هل هي واجبات مالية اشتغلت بها ذمته، من نذور أو كفارات مالية، فتكون ديونا عليه تخرج من أصل التركة و تكون وصية نافذة، و ان زادت على الثلث و لا تحتاج إلى اجازة من الوارث، أو هي وصايا بغير ذلك، فلا تصح في ما زاد على الثلث حتى يجيزها الوارث، فالأظهر كونها من الثاني، فلا تصح بما يزيد منها على الثلث إلا بإجازة الوارث.

المسألة 75:

إذا أوصى الرجل بأن تدفع عنه مائة دينار مثلا زكاة، أو قال:

ادفعوها عني خمسا، أو نذرا للفقراء أو لطلاب العلم، ثم شك بعد موته في أنها واجبات اشتغلت بها ذمته اشتغالا وضعيا فتخرج من أصل تركته، أو أنه انما أوصى بها احتياطا استحبابيا لنفسه، فتخرج من ثلثه، فالظاهر من عبارته كونها من الأول، فيكون تنفيذ الوصية من الأصل.

المسألة 76:

إذا أوصى الإنسان بوصية، ثم أوصى بوصية أخرى تضاد الأولى و تنافيها، فقال: أوصيت بداري المعينة بعد موتي لزيد، ثم قال بعد ذلك. أوصيت بالدار المعينة لعمرو، كان ذلك عدولا عن الوصية

كلمة التقوى، ج 6، ص: 553

الأولى الى الثانية، فيجب العمل على اللاحقة، و كذلك إذا قال: ادفعوا بعد وفاتي هذا الصندوق و ما فيه من المال و هو ألف دينار الى زيد، ثم قال: أعطوا الصندوق و الألف الذي فيه بعد موتي لعمرو، فيجب دفع الصندوق و المال الى عمرو، و هكذا إذا تعددت الوصايا أكثر من ذلك و كانت اللاحقة منافية لسابقتها، فيكون العمل على الوصية المتأخرة.

و إذا قال: ادفعوا داري المعينة لزيد، ثم قال: ادفعوا نصف الدار لعمرو، كانت وصيته الثانية عدولا عن الوصية الأولى بنصف الدار فقط، فيكون لعمرو نصف الدار عملا بالوصية الثانية، و يكون لزيد نصفها الثاني عملا بالوصية الأولى.

و إذا قال: أوصيت بثلث تركتي لزيد، ثم قال: أعطوا ثلث التركة لعمرو، فان علم ان مراده بالوصيتين الثلث الذي يختص به الموصى من التركة بعد موته، كانت وصيته الثانية عدولا عن الوصية الأولى، فيلزم العمل بالثانية كما سبق في نظيره، و ان علم من القرائن أو احتمل احتمالا يعتد به أهل العرف انه يريد بالوصية الثانية ثلثا آخر من التركة

غير ثلثه المختص به كانت الوصية الأولى هي النافذة، و رجع الأمر في الوصية الثانية إلى الورثة فإن أجازوها صحت، و ان لم يجيزوها ألغيت.

المسألة 77:

ما ذكرناه من الحكم في الوصايا المتضادة، لا يختص بالوصايا المتعلقة بالمال، بل يعم الوصايا العهدية المتعلقة بغير المال، فإذا أوصى الرجل بأن يدفن في مقبرة خاصة من بلده مثلا، ثم أوصى بدفنه في موضع آخر أو بنقله الى أحد المشاهد المشرفة، فالعمل على الوصية المتأخرة، و كذلك إذا أوصى إلى أحد ان يباشر تجهيزه بعد موته، فيغسله و يكفنه و يصلي عليه، ثم أوصى الى غير ذلك الشخص أن يكون هو المباشر لذلك، فتكون الوصية الثانية ناسخة للأولى.

المسألة 78:

إذا ذكرت كلمة الوصية التبرعية فالمقصود منها: أن يوصي الإنسان بأمر لم يجب عليه و لم تشتغل به ذمته، و منها الوصية التمليكية التي

كلمة التقوى، ج 6، ص: 554

سبق ذكرها في أول كتاب الوصية، و منها العهدية التبرعية و قد سبق ذكرها في المسألة الرابعة و الخمسين، و سيأتي بعض الأحكام التي تتعلق بها.

المسألة 79:

إذا أوصى الإنسان بوصايا متعددة، و كانت وصاياه كلها بواجبات مالية قد اشتغلت بها ذمته اشتغالا وضعيا، و أصبحت ديونا عليه للّه، كالزكاة و الخمس و المظالم و غيرها مما تقدم ذكره في الوصية بالديون أو كانت ديونا للناس مما تقدم ذكره هناك أيضا، وجب تنفيذ جميعها من أصل التركة، و ان زادت على الثلث، أو استوعبت التركة، و لا يتوقف وجوب تنفيذها على اجازة الورثة و قد تكرر منا ذكر ذلك.

المسألة 80:

إذا أوصى الإنسان بوصايا متعددة، و كانت وصاياه جميعا واجبات غير مالية كالصلاة و الصوم، أو واجبات مالية قبل أن تشتغل بها ذمة الموصى اشتغالا وضعيا تكون بسببه من الديون، كالزكاة إذا كانت لا تزال حقا متعلقا بالعين الزكوية ثم مات المكلف قبل أن يؤديها، و قبل أن يتصرف في العين الزكوية تصرفا ينقل الزكاة إلى ذمته، فإذا مات كذلك كانت كسائر الواجبات فإذا أوصى بها أخرجت من ثلثه، و كالخمس إذا كان بهذه الصفة، و كالمظالم و النذور المالية إذا كانت متعلقة بالعين و لم تنتقل إلى الذمة و نحو ذلك.

و مخرج هذا النوع من الوصايا هو الثلث، فإن وفى الثلث بجميع الوصايا وجب إخراجها منه، و إذا قصر الثلث عن الوفاء بها و أجاز الورثة أن يؤخذ الزائد من أصل التركة وجب إخراجه من الأصل، و إذا قصر الثلث عن الوفاء بالوصايا و لم يرض الورثة بإخراج الزائد من أصل التركة، فإن كان الموصى قد أتى بالوصايا مترتبة في ذكرها عند الوصية، واحدة بعد واحدة، فقال في وصيته مثلا: أخرجوا عني مائة دينار لقضاء صلوات سنة تامة، و مائة دينار لقضاء صوم شهر رمضان، و مائة دينار لإطعام ستين مسكينا كفارة

لافطار يوم من شهر رمضان، فإذا قصر الثلث و لم يجز الورثة كما فرضنا، بدئ بتنفيذ

كلمة التقوى، ج 6، ص: 555

الوصية السابقة من الوصايا فالسابقة بعدها حتى ينتهي الثلث، و يسقط وجوب العمل ببقية الوصايا بعد انتهاء الثلث، و يكفي الترتيب الذكري للوصايا و ان لم يكن بالحروف الدالة على الترتيب.

و ان كان الموصى قد ذكر الوصايا مجتمعة من غير ترتيب، فقال في وصيته مثلا: على قضاء صلوات سنة تامة، و صيام شهر رمضان، و إطعام ستين مسكينا لكفارة الإفطار في شهر رمضان، فاخرجوا عني لكل واحدة منها مائة دينار مائة دينار، فإذا قصر الثلث عن الوفاء بها كافة، و لم يجز الورثة ان يؤخذ الزائد من الأصل، وزع الثلث على الوصايا بالنسبة، فيدفع لكل واحدة من الوصايا الثلاث المذكورة في المثال ثلث من الثلث و إذا اختلفت مقادير الوصايا في نسبتها الى المجموع، اختلف المقدار المدفوع من الثلث، و الأمثلة على ذلك غير خفية على الملتفت، و أمر التطبيق فيها جلي.

المسألة 81:

إذا أوصى الرجل بعدة من الوصايا و كانت جميع وصاياه تبرعية غير واجبة عليه، سواء كانت تمليكية أم عهدية، فمخرجها جميعا هو الثلث، كما هو الحال في فروض المسألة السابقة، و تجري فيها الأحكام التي ذكرناها لتلك الفروض، فإذا كان الثلث وافيا بالوصايا كلها، أخرجت منه جميعا و وجب تنفيذها، و إذا زادت الوصايا عن الثلث، و أجاز الورثة أن يؤخذ الزائد على الثلث من أصل التركة وجب تنفيذها كذلك.

و إذا زادت الوصايا التبرعية عن الثلث، و لم يرض الورثة بإخراج الزائد عليه من الأصل، لوحظت الوصايا فان جاءت مترتبة في ذكرها بالوصية فتذكر الوصية اللاحقة بعد إتمام الوصية السابقة عليها، وجب

أن يبدأ بتنفيذ الأولى من الوصايا ثم الأولى بعدها حتى يستوعب الثلث كله، و تسقط الوصايا التي تبقى بعد ذلك عن التنفيذ.

و إذا لم يف الثلث بالوصايا، و لم يجز الورثة أن ينفذ الزائد من الأصل، و كانت الوصايا غير مترتبة في ذكرها بالوصية، وزع الثلث على الوصايا بالنسبة على الوجه الذي مر ذكره، و الأمثلة للفروض

كلمة التقوى، ج 6، ص: 556

التي تقع في المسألة و تطبيق الأحكام عليها، يعرف جليا مما سبق في نظيرها.

المسألة 82:

إذا أوصى الرجل بعدة من الوصايا، و كان بعض ما أوصى به واجبا ماليا يعد من الديون التي تخرج من أصل التركة و كان بعض ما أوصى به واجبا غير مالي يخرج من الثلث، و لم يعين الموصى في وصيته أن تخرج وصاياه من الأصل أو من الثلث، وجب أن يخرج القسم الأول من وصاياه من أصل تركته كما هو الحكم فيه، ثم يعين ثلثه بعد ذلك من بقية تركته و يخرج منه القسم الثاني من الوصايا، فإذا قصر الثلث عن الوفاء به و رضي الوارث بإخراج الزائد من الأصل وجب تنفيذه كذلك، و إذا لم يجز الورثة ذلك سقط باقي الوصايا و لم يجب تنفيذه.

و مثال ذلك أن يقول الموصى: أخرجوا عني مائة دينار قد اشتغلت بها ذمتي من الزكاة، و أخرجوا عني مائتي دينار لقضاء صلاة سنتين، و مائتي دينار لقضاء صوم شهرين تركت صومهما في شهر رمضان من عامين، و كان مجموع تركته ألف دينار، فإذا أخرج الوصي مائة دينار للزكاة من أصل تركته، بقي منها تسعمائة دينار و ثلثها ثلاثمائة، و هي تقصر عن الوفاء بالصلاة و الصيام، بحسب الوصية، فتخرج منه مائتا دينار لقضاء

الصلاة، و مائة دينار لقضاء شهر واحد من الصوم، و تسقط الوصية بصيام الشهر الثاني لقصور الثلث عنها، الا أن يرضى الورثة بإخراجها من الأصل، فتخرج منه.

و إذا عين الموصى أن يخرج جميع وصاياه المذكورة من الثلث، و كان ثلثه وافيا بجميعها، وجب أن يخرج الجميع منه كما عين، و إذا قصر الثلث عن الوفاء بها و لم يجز الورثة أن يخرج الزائد من الأصل، لوحظت الوصايا، فإذا كان الموصى قد رتب بعضها على بعض في الذكر عند الوصية بها، على النحو الذي بيناه في المسألة الثمانين، قدم الأولى منها فالأولى بعدها حتى ينتهي الثلث.

و إذا بقي من الوصايا شي ء بعد انتهاء الثلث و كان الباقي من الواجبات المالية التي تعد ديونا، وجب ان يخرج من الأصل كما هو

كلمة التقوى، ج 6، ص: 557

الحكم فيه، و يجب كذلك تتميمه من الأصل إذا و في الثلث ببعضه و قصر عن بعضه، و إذا كان الباقي من الوصايا بعد انتهاء الثلث من الواجبات التي لا تعد ديونا، سقطت الوصية به.

و إذا كان الموصى قد ذكر الوصايا جميعا و لم يرتب ما بينها في الذكر وجب أن يوزع الثلث عليها بالنسبة، ثم يتمم كل واجب مالي منها من أصل التركة.

المسألة 83:

إذا أوصى الرجل بواجبات حكمها الأصلي أن تخرج من أصل التركة، و بوصايا أخرى تبرعية حكمها أن تخرج من الثلث، و لم يبين في وصيته أن تخرج هذه الوصايا من الأصل أو من الثلث، بدأ بالقسم الأول منها فأخرجه من الأصل كما هو حكمه، ثم أخرج ثلث ما بقي من التركة و أخرج القسم الثاني منه، و إذا قصر الثلث عن الوفاء به أخذ الزائد عن الثلث

من أصل التركة إذا أجاز الورثة ذلك، و إذا لم يجيزوه طبقت الأحكام السابقة فإذا كانت الوصايا مترتبة في ذكرها بالوصية بدئ بإخراج الوصية الأولى من الثلث ثم الأولى بعدها حتى ينتهي الثلث، فإذا انتهى الثلث سقط باقي الوصايا عن التنفيذ، و إذا كانت الوصايا غير مترتبة وزع الثلث عليها بالنسبة كما سبق في نظائر ذلك.

و إذا ذكر الموصى أن وصاياه تخرج من الثلث، وجب تقديم الواجب على غيره بالتنفيذ من الثلث على النحو المتقدم من الترتيب أو التوزيع، و إذا بقي من الثلث شي ء بعد إخراج الواجبات صرف الباقي منه في الوصايا التبرعية الأولى منها فالأولى و إذا كانت غير مترتبة قسط الباقي عليها بالنسبة، و إذا قصر الثلث عن الوفاء بالواجب أو عن إتمامه وجب أخذه أو تتميمه من أصل التركة.

المسألة 84:

إذا أوصى الرجل بواجبات لا تخرج من أصل التركة، و بوصايا تبرعية، وجب إخراج جميعها من الثلث، و وجب تقديم الواجبات على غيرها من الوصايا، و يكون تنفيذها على النهج المتقدم من الترتيب إذا كانت مترتبة في الذكر و التوزيع إذا كانت غير مترتبة، فإذا بقي من

كلمة التقوى، ج 6، ص: 558

الثلث شي ء بعد إخراج الواجبات صرف في تنفيذ الوصايا التبرعية على النهج المتقدم أيضا من الترتيب ما بينها أو التوزيع و لا يؤخذ للواجبات أو لغيرها شي ء من الأصل إذا قصر الثلث عن إتمامه إلا إذا أجاز الورثة أخذه منه.

المسألة 85:

إذا أوصى الموصى بواجبات تخرج من الأصل، و بواجبات غيرها تخرج من الثلث، و بوصايا تبرعية تخرج من الثلث كذلك، فان لم يبين في وصيته أن الوصايا تخرج من الأصل أو من الثلث، وجب أن يبدأ بالواجبات التي تخرج من الأصل، فإذا نفذت جميعا من الأصل، عين ثلث الباقي من التركة، و أخرجت منه الواجبات الأخرى، الأول منها فالأول، بحسب ترتيبها في الوصية، و إذا كانت غير مترتبة في ذكرها بالوصية، وزع الثلث عليها بالنسبة، و إذا بقي من الثلث شي ء بعد إخراج الواجبات، صرف في الوصايا التبرعية، على نهج ما تقدم من ترتيب إذا كانت مترتبة و توزيع عليها بالنسبة إذا كانت غير مترتبة.

و إذا أوصى أن تخرج وصاياه كلها من الثلث، قدمت الواجبات على الوصايا التبرعية، و لا خصوصية للواجب المالي هنا على غيره من الواجبات، فإذا كانت الواجبات مترتبة في ذكرها بالوصية، بدئ بالأول منها فالأول سواء كان ماليا أم غير مالي، فإذا انتهى الثلث و بقي بعض الواجبات المالية وجب إخراجه من الأصل و إذا قصر عن إتمامه وجب

إتمامه من الأصل، و إذا بقي من الواجبات الأخرى أو من الوصايا التبرعية شي ء بعد انتهاء الثلث سقطت الوصية به.

و إذا كانت الوصايا بالواجبات مذكورة في الوصية بغير ترتيب في الذكر، و لم يف الثلث بها جميعا وجب توزيعه عليها بالنسبة على النهج الذي تقدم، و إذا دخل على بعض الواجبات المالية نقص بسبب ذلك تمم من الأصل.

و إذا زاد الثلث على الواجبات صرف الباقي منه في تنفيذ الوصايا التبرعية على النهج المتقدم من ترتيب أو توزيع.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 559

المسألة 86:

إذا أوصى الموصى لأحد وصية تمليكية بثلث تركته على وجه الإشاعة أو بربعها، صحت الوصية كما تقدم، فإذا مات الموصى ملك الشخص الموصى له الحصة الموصى بها ملكا مستقرا، و أصبح شريكا مع الورثة في التركة بمقدار الثلث أو الربع المجعول له، فيكون له من كل عين من أعيان التركة و من كل شي ء من اشيائها ثلثه أو ربعه على وجه الإشاعة، فإذا نمت التركة أو أنتجت نماءا متصلا أو منفصلا كان النماء الحاصل مشتركا بين الموصى له و الورثة بتلك النسبة، و إذا تلف من التركة شي ء أو جزء كان التلف منهم جميعا بتلك النسبة أيضا، و تبقى الشركة بينه و بين الورثة حتى تحصل القسمة المميزة لماله عن مالهم، و كذلك الحكم إذا أوصى الموصى للرجل بكسر مشاع غير ذلك كالخمس أو السدس أو العشر من التركة، فيحصل الملك بموت الموصى و تقع الشركة بينه و بين الورثة بنسبة ذلك الكسر.

و يجري هذا الحكم في الوصية العهدية أيضا، فإذا أوصى بأن يدفع ثلث تركته أو ربعها أو خمسها للفقراء أو السادة أو اليتامى، وقعت الشركة بين الورثة و العنوان الذي أوصى

بتمليكه بالنسبة التي حددها في وصيته، و إذا أوصى بصرف ثلث تركته أو ربعها في مصلحته الخاصة من طاعات و قربات كانت الحصة الموصى بها باقية على ملك الميت فيكون شريكا للورثة بتلك النسبة من التركة و يكون له من نمائها إذا نمت و يدخل عليه من التلف إذا تلفت بتلك النسبة أيضا.

المسألة 87:

ذكرنا في المسألة السادسة و الستين انه يجوز للموصي أن يعين ثلث تركته في عين مخصوصة من التركة، فإذا عينه كذلك اختصت العين بالموصي، و لم يجز للورثة تبديله، و هذا الحكم عام يشمل ما إذا كانت وصيته بالثلث ليصرف في الخيرات و القربات، فيكون الثلث لمصلحة الموصى نفسه، و تكون العين التي عين الثلث فيها باقية على ملك الميت نفسه، و يشمل ما إذا كانت الوصية تمليكية، فيملك العين المخصوصة لشخص من الأشخاص أو يخصصها لجهة من الجهات، و قد ذكرنا هذا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 560

في المسألة الخامسة و الخمسين، فتكون العين المخصوصة ملكا للموصى له في الصورة الثانية، و تبقى في ملك الميت في الصورة الأولى.

و لا ريب في استقرار ملكهما للعين إذا كانت أموال التركة كلها حاضرة، بحيث يكون الثلثان الآخران منها بأيدي الورثة بالفعل، فالعين المخصوصة ملك مستقر للموصى له في الصورة الأولى يصح له التصرف فيها و يملك نماءها إذا نمت، و يختص هو بتلفها منه إذا تلفت، و هي كذلك ملك مستقر للميت في الصورة الثانية بيد وصيه يتصرف فيها كما خوله الموصى، و يصرفها في الجهات التي عينها من وجوه القربات و يتبع ذلك نماؤها و تلفها.

و إذا كان بعض الأموال من التركة غائبا ليس في أيدي الورثة، أشكل الحكم باستقرار ملك الموصى

له أو ملك الميت لجميع العين ما دام ذلك المال غائبا و يحتمل تلفه قبل أن يقبضه الوراث.

نعم لا ينبغي الريب في استقرار الملك للعين بمقدار نصف ما بأيدي الورثة بالفعل من أموال التركة، فيصح للموصى له أن يتصرف في ذلك المقدار من العين، المجعولة له و كذلك في ثلث بقية العين فيصح له التصرف فيه. و يجوز ذلك للوصي في الصورة الثانية، و يبقى ملك الموصى له و ملك الميت في بقية العين و هو مقدار ثلث المال الغائب من التركة مراعى بحصوله للورثة و عدم تلفه عليهم، و هذا على ما يراه المشهور، و المسألة شديدة الإشكال فلا يترك فيها الاحتياط.

المسألة 88:

إذا أوصى الرجل لأحد بعين مخصوصة من تركته، ثم أوصى بتلك العين لشخص آخر بطلت الوصية الأولى و وجب العمل بالثانية و قد ذكرنا هذا في المسألة السادسة و السبعين، فإذا جهل الموصى له السابق من اللاحق و تردد الأمر بينهما رجع في التعيين إلى القرعة و عمل عليها.

المسألة 89:

إذا أوصى الرجل لأحد بمبلغ من المال و تردد الأمر في مقدار المبلغ الموصى به بين الأقل و الأكثر: أ هو مائة دينار مثلا أو مائة و خمسون، بني على الأقل، و كذلك إذا أوصى له بأرض أو بعدد من النخيل أو

كلمة التقوى، ج 6، ص: 561

بشي ء آخر و تردد الأمر فيه بين الأقل و الأكثر، فيبني على الأقل، و إذا أوصى له بدار أو بدكان ثم تردد في ان الموصى به أي الدارين، أو أي الدكانين، أو أي النخلتين مثلا، رجع في تعيين الموصى به الى القرعة، فيدفع الى الموصى له العين التي تقع عليها القرعة.

المسألة 90:

إذا قصر ثلث الميت عن تنفيذ وصاياه كلها و لم يرض الورثة بإخراج الزائد من الأصل، قدمت الوصية السابقة على اللاحقة في التنفيذ إذا كانت مترتبة و قد ذكرنا ذلك في عدة من المسائل، فإذا شك في السابقة و اللاحقة من الوصيتين رجع الى القرعة في تعيينها، فتقدم الوصية التي عينتها القرعة منهما.

المسألة 91:

إذا أعطى الإنسان غيره مبلغا من المال، و أوصى اليه أن يصرفه عنه بعد موته في وجوه البر، أو في صلة الرحم مثلا، فان علم الوصي و لو على الإجمال ان المال المدفوع اليه لا يزيد على ثلث تركته الموجودة عند وارثه، و قبل منه وصيته، وجب عليه العمل بها و ان لم يعلم الورثة بذلك، و إذا لم يعلم الوصي بنسبة المال المدفوع إليه إلى التركة هل يبلغ مقدار الثلث منها أو يزيد عليه أشكل الحكم بوجوب العمل بها إلا إذا علم الورثة به و أجازوا.

الفصل الثالث في الموصى له

المسألة 92:

يشترط في صحة الوصية إذا كانت تمليكية أن يكون الشخص الموصى له موجودا بالفعل حين الوصية فلا تصح الوصية لمن كان ميتا حين الوصية، سواء كان الموصى عالما بموته أم جاهلا به، فإذا أوصى لأحد يتوهم أو يظن انه لا يزال موجودا، فظهر بعد ذلك انه كان ميتا في وقت الوصية، كانت الوصية باطلة، بل و ان قطع بوجوده فأوصى له بالمال، و استبان بعد ذلك انه ميت حال الوصية، فالوصية باطلة، و لا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 562

يشترط أن يكون موجودا حين موت الموصى، فيكفي في صحة الوصية له أن يكون موجودا حال الوصية، و قد تقدم في المسألة الثانية و العشرين ان الموصى له إذا مات في حياة الموصى انتقلت الوصية إلى وارثه.

المسألة 93:

لا تصح الوصية للمعدوم الذي يحتمل أن يوجد بعد الوصية، و مثال ذلك أن يوصي الرجل للحمل الذي تحمل به فلانة في المستقبل، أو يوصي لمن يوجد له بعد هذا من أولاد، أو لمن يوجد لفلان في المستقبل من أبناء.

و تصح الوصية للحمل في بطن أمه إذا كانت حاملا به في حال الوصية و ان لم تلجه الروح بعد، و يشترط في استقرار الوصية له أن تلده أمه حيا، فإذا مات في بطنها بعد الوصية أو ولدته ميتا كانت الوصية باطلة، و إذا انفصل عنها حيا صحت الوصية و إذا مات بعد انفصاله عنها انتقل المال الموصى به الى ورثته.

المسألة 94:

يصح للإنسان أن يوصي للمعدوم إذا كانت الوصية عهدية، و مثال ذلك ان يعهد الرجل الى وصيه فيقول مثلا: إذا ولد لي من فلانة ولد أو أولاد فادفع لها في كل عام مائة دينار لتنفقها في تربيتهم، أو يقول:

ادفعوا لأولاد أخي الذين يولدون له بعد وصيتي أو بعد موتي مبلغ كذا، أو اصرفوا عليهم بدل الإجارة من داري المعينة، فتصح وصيته لهم إذا وجدوا، و ان كانوا غير موجودين حين الوصية أو حين موت الموصى.

المسألة 95:

لا يشترط في صحة الوصية أن يكون الموصى له مسلما، فتصح الوصية للذمي و للمرتد الملي إذا كان الشي ء الذي يوصى به لهما مما يصح تمليكه للكافر، و لا تصح الوصية للكافر الحربي و لا للمرتد الفطري على الأحوط لزوما فيهما.

المسألة 96:

يشترط في الموصى له الحرية في الجملة، فلا تصح الوصية لمملوك

كلمة التقوى، ج 6، ص: 563

يملكه شخص آخر غير الموصى و ان أجاز سيده أن يوصى له، و إذا كان مكاتبا مطلقا و قد أدى بعض مال الكتابة و تحرر منه بعضه صحت الوصية له بمقدار ما فيه من الحرية، فإذا تحرر منه نصفه صح نصف الوصية له، و إذا تحرر ثلثه أو ربعه صح من الوصية له بذلك المقدار، و أما مملوك الموصى نفسه، فالظاهر صحة الوصية له، و في المسألة أحكام و فروض لا نتعرض لذكرها لعدم الفائدة بها في هذه العصور.

المسألة 97:

لا يمنع من صحة الوصية للشخص أن يكون وارثا للموصي، فيصح للإنسان أن يوصي وصية تمليكية لأبيه أو أمه أو ولده أو غيرهم من ورثته، سواء كان الشخص الموصى له صغيرا أم كبيرا و غنيا أم فقيرا، و سواء كان نصيبه في الميراث قليلا أم كثيرا، فتصح الوصية له في جميع الصور و ان انحصر الميراث به.

و يجوز أن يخصص الرجل بعض أولاده بالوصية له دون غيره إذا كانت للموصى له مزية تفضله عليهم من علم أو تقوى أو غيرهما من موجبات التفضيل، و ينبغي الترك في ما سوى ذلك.

و إذا كانت الوصية للبعض دون غيره توجب اثارة الحقد و الضغينة بين الأخوة فالأحوط لزوما اجتنابها.

المسألة 98:

إذا أوصى الرجل بشي ء من ماله لجهة معدومة في حال الوصية، و لكنها متوقعة الوجود في الزمان الآتي، فإن كانت وصيته عهدية، كما إذا قال لوصيه: ادفع مائة دينار في كل عام من مالي للمسجد الذي ينشئه فلان في البلد بعد مدة، لتصرف في مصالح المسجد بعد وجوده، فتصح الوصية و يجب العمل بها إذا وجد المسجد المعين، و إذا كانت الوصية تمليكية، فقال: خصصت للمسجد الذي سيقيمه فلان في القرية من مالي مبلغ كذا، أو عينت له داري أو دكاني المعين، أشكل الحكم بالصحة.

المسألة 99:

إذا أوصى الإنسان بشي ء من ماله لقرابته، أو لذوي قرباه، شملت

كلمة التقوى، ج 6، ص: 564

وصيته كل من يعرف بنسبه و من يتصل به عرفا، سواء تقرب إليه بالأب أم بالأم، و شملت الوارث منهم و غير الوارث، و الذكور و الإناث و الأغنياء و الفقراء و الكبار و الصغار، الا أن تقوم قرينة أو عرف على خلاف ذلك، فيدل على الانصراف عن بعضهم و عدم الشمول له، و لا تشمل الوصية من يتصل به بالمصاهرة.

المسألة 100:

إذا أوصى الإنسان بالمال لجماعة محصورة العدد، و كانوا ذكورا، أو كانوا إناثا، أو كانوا ذكورا و إناثا شملتهم الوصية جميعا، و يقسم المال الموصى به بينهم على السواء، فالأنثى بقدر الذكر و الصغير بقدر الكبير، الا أن يصرح الموصى بتفضيل بعضهم على بعض في الحصة، أو بخروج بعض أفرادهم من الوصية، أو تدل القرائن الظاهرة الدلالة على شي ء من ذلك، فيكون ذلك هو المتبع، و كذلك الحكم إذا أوصى بالمال لأبنائه و بناته، أو لإخوانه و أخواته، أو لأعمامه و عماته، أو لأخواله و خالاته أو لأعمامه و أخواله، فيكون الذكر و الأنثى منهم، و الصغير و الكبير، و العم و الخال، و العم و الخالة، و الخال و العمة، سواء في مقادير حصصهم من المال، إلا إذا نص على التفضيل.

المسألة 101:

إذا أوصى الرجل لجماعة غير محصورة العدد، فقال: ثلثي من التركة لطلاب العلم في النجف مثلا، أو للسادة من أهل البلد، و كانوا غير محصورين في عددهم، فالظاهر من الوصية ان المراد صرف المال في الجماعة الموصى لها، فلا يجب البسط على الأفراد و لا التسوية بين من يعطيه منهم في المقدار، فيكفي دفع المال الموصى به إليهم كيف اتفق.

المسألة 102:

يستحب و يتأكد الاستحباب ان يوصي الرجل بشي ء من ماله لأرحامه و أقربائه الذين لا يصلهم ميراثه، ففي الحديث عن جعفر ابن محمد عن أبيه (ع): من لم يوص عند موته لذوي قرابته ممن لا يرثه فقد ختم عمله بمعصيته، و في خبر سالمة مولاة أبي عبد اللّه (ع) كنت عند أبي عبد اللّه (ع) حين حضرته الوفاة فأغمي عليه فلما أفاق قال أعطوا الحسن بن

كلمة التقوى، ج 6، ص: 565

علي بن الحسين و هو الأفطس سبعين دينارا و أعطوا فلانا كذا و كذا و فلانا كذا و كذا فقلت أ تعطي رجلا حمل عليك بالشفرة يريد ان يقتلك فقال تريدين ان لا أكون من الذين قال اللّه عز و جل الَّذِينَ يَصِلُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ، نعم يا سالمة ان اللّه تبارك و تعالى خلق الجنة و طيبها و طيب ريحها و ان ريحها ليوجد من مسيرة ألفي عام و لا يجد ريحها عاق و لا قاطع رحم.

الفصل الرابع في الوصي

المسألة 103:

يصح للإنسان أن يعين أحدا لتنفيذ وصاياه التمليكية أو العهدية من بعده و يجعل له الولاية على ذلك. و يختار لذلك من يشاء من ورثته أو من غيرهم من الأقارب و الأباعد عنه، و يسمى الشخص الذي يعينه:

الوصي، و الموصى اليه، و يشترط في صحة الوصاية أن تجتمع في الوصي عدة أمور.

المسألة 104:

الشرط الأول: أن يكون الوصي بالغا على الأحوط لزوما، إذا لم يكن اعتبار ذلك فيه هو الأقوى فيشكل الحكم بصحة الوصاية إليه إذا كان صبيا لم يبلغ الحلم، و كان المقصود من الوصية اليه أن يقوم بتنفيذ الوصايا في حال صباه قبل بلوغه على وجه الانفراد و الاستقلال، بل لا تصح في هذه الصورة على الأحوط كما ذكرنا.

و كذلك يشكل الحكم بالصحة إذا أوصى الى الصبي، و كان المقصود أن يقوم بتنفيذ الوصايا في حال صباه باذن وليه الشرعي له في التنفيذ، و الأحوط الترك، و إذا أوصى اليه و كان المقصود أن يقوم بتنفيذ الوصايا بعد بلوغه و رشده، فالأقوى الصحة، و خصوصا إذا بلغ الحلم و الرشد قبل موت الموصى أو مقارنا معه.

المسألة 105:

تصح الوصية إلى الصبي مع انضمامه الى الكامل، و لهذا الفرض

كلمة التقوى، ج 6، ص: 566

صورتان: إحداهما: أن يشترط الموصى أن لا يقوم الكامل بتنفيذ شي ء من الوصايا حتى يبلغ الصبي، فإذا بلغ الصبي و رشد قام مع الوصي الكامل بتنفيذ الوصايا منضمين، الصورة الثانية: أن يقصد الموصى أن يتصرف الكامل قبل بلوغ الصبي تصرفا مستقلا، فإذا بلغ الصبي و رشد قاما بالتصرف و التنفيذ منضمين، و الظاهر الصحة في كلتا الصورتين.

المسألة 106:

إذا قصد الموصى الصورة الأولى فمنع الكامل من التصرف قبل أن يبلغ الصبي، و اتفق وجود تصرفات لا يمكن تأخيرها إلى حين بلوغ الصبي كوفاء الديون و إيصال بعض الحقوق و الودائع، رجع فيها الى الحاكم الشرعي.

المسألة 107:

إذا تصرف الكامل في الصورة الثانية فنفذ بعض الوصايا قبل بلوغ الصبي، ثم بلغ الصبي فليس له أن يرد ما نفذه الكامل من الوصايا، إلا إذا أجرى الكامل شيئا يخالف فيه وصية الموصى، فيجوز له رده الى الوصية.

المسألة 108:

إذا مات الوصي الصغير قبل أن يبلغ مبلغ الحلم استمر الكامل بوصايته و جاز له الانفراد بتنفيذ الوصايا للموصي، و كذلك إذا بلغ الصبي و هو فاسد العقل فيستمر الكامل وحده بالوصاية و التنفيذ، و الأحوط استحبابا ان يرجع الى الحاكم الشرعي فيضم اليه وصيا آخر في الصورتين.

و إذا بلغ الوصي الصغير الحلم و رشد، ثم مات بعد ذلك أشكل الحكم باستمرار الكامل على وصايته وحده فلا بد في هذا الفرض من مراعاة الاحتياط سواء باشر بتنفيذ بعض الوصايا مع الصغير بعد بلوغه أم لم يباشر، فيضم الحاكم الشرعي اليه شخصا آخر.

المسألة 109:

الشرط الثاني مما يعتبر في الوصي أن يكون عاقلا، فلا تصح

كلمة التقوى، ج 6، ص: 567

الوصية إليه إذا كان مجنونا، سواء كان جنونه مطبقا أم كان أدوارا.

المسألة 110:

المراد من اشتراط العقل في الوصي: أن يكون عاقلا في الحال الذي يكون فيه موضعا لحكم الشارع بتحقق الوصاية اليه و اتصافه بها، و هو ما بعد الوصية و وفاة الموصى، فلا يحكم الشارع بوصايته إذا كان مجنونا في هذا الحال، مطبقا أو أدواريا، و تثبت له الوصاية إذا كان عاقلا في هذا الحال، و ان كان مجنونا حين إنشاء الوصية، فإذا أنشأ الموصى وصيته الى الرجل المجنون و هو لا يعلم بجنونه، ثم عافاه اللّه و أفاق من جنونه في حال موت الموصى كفى ذلك في وجود الشرط و صحت الوصية اليه، و كذلك إذا أنشأ الموصى وصيته اليه ان هو أفاق من عارضه و عوفي من جنونه، ثم اتفق له ذلك حال موت الموصى فتصح الوصاية لوجود الشرط.

و كذلك الحكم في شرط البلوغ المتقدم ذكره، و في بقية الشروط الآتي بيانها، فالمعتبر ان تتحقق في ما بعد الوصية و وفاة الموصى.

المسألة 111:

إذا مات الموصى بعد الوصية و كان الوصي عاقلا في ذلك الحال ثبتت الوصية إليه كما بيناه، فإذا عرض له الجنون بعد ذلك بطلت وصايته، و إذا ارتفع العارض عنه و أفاق من جنونه أشكل الحكم بعودة الوصية اليه و إذا كان الموصى قد صرح في وصيته بعودة الوصاية إليه إذا هو أفاق بعد الجنون عمل بحسب وصيته.

المسألة 112:

الشرط الثالث مما يعتبر في الوصي: أن يكون مسلما على الأحوط إذا كان الموصى مسلما، فلا تصح الوصاية من المسلم الى كافر على الأحوط كما قلنا، و ان كان ذميا أو مرتدا مليا، أو كان قريبا في النسب، أو كان معروفا بالصدق و الأمانة في معاملاته، و إذا أوصى الكافر الى كافر، ثم أسلم الموصى بطلت وصيته الى الكافر إلا إذ أسلم الوصي قبل أن يموت الموصى.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 568

المسألة 113:

لا يشترط في الوصي أن يكون عادلا، و يكفي في صحة الوصية اليه أن يكون أمينا موثوقا و ان كانت وصايته على أداء حقوق اللّه أو حقوق الناس أو جعلت له الولاية على قاصرين أو يتامى، أو جعل له التصرف في أموالهم، و معاملاتهم، و أولى من ذلك بكفاية الأمانة و الوثوق ما إذا كانت الوصية إليه تتعلق بإنفاق الثلث في الخير و الأمور المقربة مما يعود نفعه الى الموصى نفسه لا الى غيره.

المسألة 114:

إذا أوصى المسلم الى مسلم، فارتد الوصي عن الإسلام بطلت الوصية إليه، سواء كان ارتداده عن فطرة أم عن ملة، و إذا تاب و رجع الى الإسلام أشكل الحكم بعود وصيته اليه، الا بوصية جديدة إذا كان الموصى لا يزال حيا، أو يكون الموصى قد نص في وصيته الأولى على عوده إلى الوصية إذا هو ارتد ثم عاد إلى الإسلام.

المسألة 115:

إذا أوصى الرجل إلى وصي عادل، ففسق الوصي، فإن كان الموصى قد قيد وصيته اليه بوجود العدالة فيه، أو علم من القرائن الحافة ان ذلك هو المقصود من الوصية اليه، أو كانت القرائن ظاهرة في الدلالة على ذلك ظهورا يعتمد عليه أهل المحاورة، كانت الوصية إليه باطلة في جميع هذه الفروض، و ان لم يعلم تقييد الوصية بوجود العدالة، و لم يثبت ذلك بوجه معتبر لم تبطل الوصية بعروض الفسق، و كذلك الحكم إذا أوصى الى موثوق، فذهبت وثاقته فيجري فيه التفصيل المذكور.

المسألة 116:

لا يتعين على الموصى اليه أن يقبل الوصية، فإذا أوصى اليه الموصى جاز له أن يرد وصيته بشرط أن يكون الموصى لا يزال حيا، و بشرط أن يبلغه الرد و هو حي، فإذا ردها كذلك لم تلزمه الوصاية و لم يجب عليه القيام بها، و قد ذكرنا هذا الحكم و بينا فروضه في المسألة الرابعة عشرة و الخامسة عشرة فليرجع إليهما.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 569

المسألة 117:

يجوز للإنسان أن يوصي الى وارثه، و يجوز له أن يوصي إلى امرأة إذا اجتمعت فيها شرائط الوصية و ان كان مكروها، و يجوز له أن يوصي الى أعمى.

المسألة 118:

الأحوط لزوما أن لا يرد الولد وصية أبيه اليه، و إذا كان في رد وصيته عقوق للأب لم يجز للولد ذلك، و كذلك إذا أمره الأب بقبول الوصية وجب عليه قبولها و لم يجز له الرد، و للأم في ذلك حكم الأب.

المسألة 119:

إذا رد الولد وصية أبيه أو وصية أمه في حياتهما و أبلغهما رده حتى ماتا، لم تثبت وصايته و لم يجب عليه العمل بها و ان كان آثما و عاقا برده للوصية.

المسألة 120:

يجوز للإنسان أن يعين له شخصين أو أكثر لتنفيذ وصاياه، و إذا جعلهما كذلك فقد يصرح في وصيته أن كل واحد منهما وصي مستقل عن صاحبه، له ان ينفرد عنه بالتصرف و التنفيذ حسب ما يراه، فإذا صرح في وصيته بذلك، صح لكل واحد منهما أن يستقل بالتنفيذ عن الآخر، و إذا تصرف فليس لصاحبه أن يعترض على فعله أو ينقض شيئا مما أبرمه إلا إذا كان مخالفا لوصية الموصى، و مثله ما إذا دلت قرينة أو امارة على استقلال كل منهما في وصيته. و إذا لم يصرح الموصى في وصيته، و لم تدل القرائن على شي ء من ذلك لم يجز لأحدهما أن يستقل بالتصرف عن الآخر في شي ء من الوصايا، و ليس لهما أن يقتسما الوصايا، أو يقتسما الثلث بينهما، فيختص كل واحد منهما بقسم من الوصايا أو بقسم من الثلث، بل يشتركان في تنفيذ الوصايا معا و يتآزران على ذلك.

المسألة 121:

إذا تشاح الوصيان فلم يجتمعا في تنفيذ الوصايا، تدخل الحاكم الشرعي في أمرهما، فأجبر الممتنع إذا كان الممتنع أحدهما بعينه،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 570

فيجبره على الانضمام الى صاحبه، و إذا امتنع الطرفان نظر الحاكم في السبب المانع لهما من الاجتماع فإذا لم يجد لهما مانعا من أن ينضما أجبرهما معا على الانضمام، و إذا وجد أن لأحدهما المعين مانعا دون الآخر أجبر الشخص الذي لا مانع له فيضمه الى صاحبه، و إذا وجد أن لكل منهما مانعا، انضم الحاكم نفسه الى أحد الطرفين، فينفذ تصرفه، و تسقط وصية الآخر.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 6، ص:

570

المسألة 122:

إذا أوصى الرجل الى شخصين و نص على انهما وصيان على نحو الاستقلال، أو دلت على ذلك بعض القرائن الحافة كما ذكرنا، فإذا سبق أحدهما في شي ء كان تصرفه فيه هو النافذ، و لا يبقى بعده مجال لتصرف الثاني في ذلك الأمر، و إذا تقارنا في التصرف و كان تصرف أحدهما ينافي تصرف الآخر كانا باطلين. و مثال ذلك: أن يوصي الموصى ببيع داره و إنفاق ثمنها في بعض الوجوه فيبيعها أحدهما على رجل و يبيعها الثاني على آخر في وقت واحد، فيبطل البيعان، و يجوز لهما ان يقتسما الأعمال الموصى بها بينهما، فيختص كل واحد منهما بشي ء منها، و يجوز لهما أن يقتسما الثلث، فيختص كل واحد منهما بالتصرف في حصته من الثلث.

و إذا مات أحد الوصيين في هذه الصورة، أو عرض له ما يوجب سقوط الوصاية إليه، انفرد الآخر بالوصاية و قام بتنفيذها جميعا.

المسألة 123:

إذا أوصى الرجل الى اثنين و نص في وصيته إليهما على انهما وصيان على وجه الانضمام، أو أطلق الوصية إليهما و لم يصرح باستقلال أو انضمام، لم يجز لأحدهما الاستقلال عن صاحبه كما ذكرنا في المسألة المائة و العشرين، و إذا مات أحد الوصيين أو عرض له ما يوجب سقوطه عن الوصاية، لم يجز للباقي أن يستقل بالوصاية بل يضم الحاكم الشرعي اليه شخصا آخر يشترك معه في التصرف و التنفيذ، إلا إذا نص الموصى على غير ذلك فقال مثلا: هما وصيان بعدي على نحو الانضمام ما داما حيين، و إذا مات أحدهما استقل الآخر بالوصية.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 571

المسألة 124:

يجوز للرجل أن يوصي الى أحد يتولى تنفيذ وصيته ما دام ولده فلان صغيرا، فإذا بلغ ولده الحلم و رشد كان الولد هو الوصي، و سقطت وصاية الأول، و يجوز له أن يجعل من بعده وصيين أو عدة أوصياء مترتبين، فيقول: جعلت وصيي من بعدي على ثلثي و تنفيذ وصاياي أخي سعدا، فإذا مات سعد، أو عرض له ما يوجب سقوط وصايته فوصيي من بعده أخي سليم، و إذا عرض له بعض ذلك فوصيي ابن أخي علي، فيكون أوصياؤه مترتبين كما ذكر، و إذا اتفق ان مات الوصي الثاني قبل الأول ثم مات الأول فالوصي من بعده هو الثالث.

المسألة 125:

يجوز للموصي أن يقسم وصيته أقساما يميز بعضها عن بعض، و يعين لكل قسم منها وصيا خاصا يتولى تنفيذه، و لا يشترك بعض الأوصياء مع بعض في أعمالهم، فوصيه على تنفيذ وصاياه التمليكية ولده زيد، و وصيه على الإنفاق في وجوه الخير و البر ولده سعد، و وصيه على شؤون القاصرين من أولاده و تولي معاملاتهم و أموالهم ولده سليم، أو يقسم ثلثه قسمين أو أكثر و يجعل على كل قسم وصيا يتولى تنفيذ الوصية فيه.

المسألة 126:

إذا اشترط الموصى في وصيته الى الرجل أن يواظب على عمل من الأعمال المحبوبة، أو يتصف بصفة من الصفات لزم ذلك، فإذا هو ترك ذلك العمل أو ذهبت منه تلك الصفة بطلت الوصية، و مثال ذلك: ان يشترط في وصيته ان يكون الوصي عدلا أو أن يواظب على الصلاة في أول وقتها، فإذا ذهبت منه العدالة أو انصرف عن الصلاة في أول الوقت كان الوصية إليه باطلة، و رجع الى الحاكم الشرعي في تنفيذ الوصية.

المسألة 127:

إذا عجز الوصي عن تنفيذ الوصية لمرض أو كبر سن أو غيرهما من الأعذار، ضم الحاكم الشرعي اليه شخصا يساعده على تنفيذها، و إذا بلغ به الأمر حتى عجز عن الوصية عجزا تاما لا يرجى زواله، انعزل

كلمة التقوى، ج 6، ص: 572

عن الوصية بذلك فعلى الحاكم الشرعي أن ينصب وصيا غيره.

المسألة 128:

إذا ثبتت خيانة الوصي، فعلى الحاكم الشرعي أن يضم اليه وصيا أمينا يمنعه عن الخيانة، فان لم يمكن ذلك، فالظاهر أن الوصي ينعزل بذلك عن الوصية من غير حاجة الى عزل، فيجب على الحاكم الشرعي ان ينصب وصيا غيره.

المسألة 129:

ليس للوصي أن ينصب من بعده وصيا على تنفيذ ما أوصى به اليه، الا إذا جعل الموصى الأول له الحق في أن يوصي الى غيره، فإذا مات الوصي و قد بقي من الوصية شي ء لم ينجزه، أو مات قبل أن ينجز شيئا من الوصية كان على الحاكم الشرعي أن ينصب وصيا لذلك.

و كذلك الحكم في كل مورد تبقى فيه الوصية بعد موت الوصي من غير تنفيذ، كما إذا مات الوصي قبل الموصى و لم يعلم الموصى بذلك الى أن مات، و كما إذا مات الوصي و علم الموصى بموته و لم يعدل عن أصل وصيته و لم يوص الى شخص آخر فينصب الحاكم الشرعي في هذه الموارد وصيا لتنفيذ الوصية.

المسألة 130:

الوصي أمين على ما بيده من الأموال و الأعيان التي تتعلق بها وصيته، فلا يضمن ما يتلف أو ينقص أو يعيب منها في يده، إلا إذا تعدى في تصرفه أو فرط، و يحصل ذلك بأن يخالف الوصية فيكون به ضامنا، و إذا تعدى أو فرط أو خان كان ضامنا لمورد التعدي و التفريط و الخيانة إذا حدث فيه تلف أو نقص أو عيب، و ان كان حدوثه بغير اختياره، و الظاهر انه لا ضمان عليه في الموارد الأخرى التي لم يقع منه فيها تعد و لا تفريط و لا خيانة، فلا يضمن ما يتلف أو يعيب فيها.

المسألة 131:

إذا أوصى الرجل الى وصيين على نحو الانضمام أو على نحو الاستقلال كما ذكرنا في المسألة المائة و الثالثة و العشرين، ثم مات الوصيان معا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 573

قبل أن ينفذا جميع الوصية، وجب أن ينصب الحاكم الشرعي من قبله أحدا على التنفيذ بعدهما و يجزي على الأقوى أن ينصب وصيا واحدا يقدر على تنفيذها، و الأحوط استحبابا أن ينصب وصيين.

المسألة 132:

قد يعين الموصى لوصيه منهجا خاصا في وصيته يريد منه تطبيقه و السير على وفقه، فيعين له أعمالا معينة يريد منه القيام بها، و يحدد مقادير خاصة من الأموال يريد منه إنفاقها أو تمليكها، و يذكر له وجوها مخصوصة أو كيفيات محدودة يطلب منه اتباعها في التنفيذ، فيجب على الوصي اتباع ما حدد له و عين، و لا يحق له أن يتجاوز شيئا من ذلك، فإذا تجاوزه كان ذلك خيانة توجب الإثم، و توجب عدم صحة التصرف كما توجب الضمان.

المسألة 133:

إذا أوصى الرجل الى أحد و أطلق الأمر في الوصية، فلم يعين له عملا من الأعمال و لا وجها من الوجوه، و لا كيفية من الكيفيات، بل قال له مثلا: أنت وصيي على ان تخرج ثلثي من تركتي و تضعه في مواضعه، كان على الوصي ان يعمل في الوصية بما يراه من من وجوه المصلحة التي تعود الى الميت الموصى، و إذا دار الأمر بين وجوه من المصلحة وجب عليه أن يقدم ما هو الأصلح منها للموصي، و لذلك فلا بد للوصي من النظر في الوجوه الممكنة منها و بذل الجهد في معرفة ما هو صالح و ما هو أصلح، و ما هو أكثر صلاحا و أكبر جدوى منه، و ما يحتاج اليه الميت الموصى و ما هو أحوج اليه، و ما هو أشد حاجة إليه من ذلك.

و لا ريب في اختلاف ذلك بحسب اختلاف أحوال الموتى، و اختلاف حاجاتهم الى بعض الأعمال دون بعض، فمن الناس من يحتاج الى الاحتياط عنه بأداء حقوق مالية، أو تكون حاجته إليها أشد لكثرة تقصيره فيها، و من الناس من يفتقر الى الاحتياط عنه بأداء عبادات أخرى من

صلاة و صوم و غيرهما، أو يكون افتقاره إليه أكثر لكثرة تقصيره فيها، الى غير ذلك مما تكون عليه أحوال الناس المختلفة في التقصير في الواجبات و عدم التقصير.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 574

و قد يحتاج الوصي في تمييز مراتب الحاجة و استبانة ما هو الأصلح و الأجدى نفعا إلى الاستعانة بالآخرين ليقدم ما يجب تقديمه، و الإنسان إنما يكلف بمقدار ما يعلم و ما يستطيع، و لكن لا بد من النظر و بذل الجهد المستطاع.

و إذا دلت القرائن أو العرف العام بين الناس على إرادة شي ء معين من الوجوه كان العمل عليه.

المسألة 134:

قد يقول بعض الناس: وصيي فلان، و لا يوضح ما يعني من الوصية، أ هي وصية بتجهيزه بعد الموت أم بدفنه في موضع خاص يريده، أم بقضاء ديون للناس عليه، أم باستيفاء حقوق له على الآخرين، أم بإخراج ثلث له من تركته، و في أي وجه ينفق الثلث إذا أخرج، بأداء واجبات شرعية عليه أم بغير ذلك من الوجوه المحتملة، و لا تدل القرائن الخاصة و لا العامة على تعيين شي ء فتكون الوصية لغوا لا أثر لها.

و قد يستعمل هذا النوع من الوصايا عند بعض القبائل، و يكون المتعارف بين تلك القبائل انها وصية تامة، فالوصي الذي عينه الشخص الموصى يقوم بتقسيم تركته على ورثته على الوجه المطلوب، و يخرج منها ثلثه، و يبقى الثلث بيد الوصي، و يقوم الوصي قبل ذلك برد أمانات الناس و ودائعهم إليهم، و استرجاع أمانات الموصى و ودائعه التي له عند الناس، و يقوم أيضا بوفاء ما على الميت من الديون إذا كانت عليه ديون، أو يوقع التراضي ما بين الديان و الورثة على بعض الوجوه،

و يستوفي ما له على الناس من حقوق إذا كانت له عليهم حقوق، و يقوم مع الورثة بنقل جنازته الى بعض المشاهد بما يفي بذلك من الثلث، و يقوم بفاتحته و توفية شؤونها من الثلث أيضا، و مما يتبرع به المتبرعون لذلك، و ينفق الباقي من الثلث في وجوه الخير، و رد المظالم بالرجوع الى أهل المعرفة بذلك أو الرجوع الى الحاكم الشرعي، فإذا دل التعارف العام على قصد ذلك في الوصية، صحت و وجب إنفاذها فيه.

و يشكل الأمر في ثبوت ولاية هذا الوصي على القاصرين من أولاد الموصى، فلا بد من الاحتياط بأن يستأذن في تصرفه في أموالهم

كلمة التقوى، ج 6، ص: 575

و معاملاتهم و شؤونهم من الحاكم الشرعي، و أن يقيمه الحاكم وليا عليهم إذا ثبتت كفاءته لذلك، و يوضح له ما تلزم مراعاته في ذلك ليقيم تصرفه على الوجه الصحيح، و ان لا ينصب الحاكم قيما غيره الا بإذنه.

المسألة 135:

إذا جعل الرجل لوصيه الحق في أن يوصي من بعده الى أحد لينفذ الوصايا التي لم ينفذها، جاز للوصي ذلك، و يكون الوصي الجديد وصيا عن الوصي الأول لا عن الموصى الأول.

و نتيجة لذلك، فإذا أوصى اليه جاز لهذا الوصي أن يرد وصيته ما دام الموصى اليه حيا بشرط أن يبلغه الرد قبل ان يموت كما هو الحكم في كل وصية، و جاز للموصي أن يعدل عن وصيته اليه قبل الموت أيضا.

و إذا كان الموصى الأول قد خول وصيه في أن ينصب وصيا آخر عن الموصى نفسه، فلا يبعد الحكم بصحة ذلك أيضا، و يكون الوصي الجديد وصيا عن الموصى الأول، فلا يجوز للوصي الأول عزله أو الرجوع في وصيته، و يشكل

الحكم بجواز رد الوصي الثاني للوصية و عدم قبولها، لأن المفروض موت الموصى الأول.

المسألة 136:

لا يجوز للوصي أن يعزل نفسه عن الوصاية بعد أن مات الموصى و لم يردها في حياته، أو ردها و لم يبلغه خبر الرد حتى مات كما تكرر ذكره، و لا يجوز له أن ينقل الوصية من نفسه الى غيره، بعد أن لزمته و وجب عليه العمل بها ما دام حيا، و تلاحظ المسألة المائة و التاسعة و العشرون، و المسألة المائة و الخامسة و الثلاثون في ما يتعلق بالوصية بعد موته.

المسألة 137:

إذا أوصى اليه الموصى و ثبت من صيغة الوصية أو من القرائن الحافة بها أن الموصى لا يعتبر ان يقوم الوصي بمباشرة تنفيذ الوصية بنفسه، بل ظهر أن المقصود أن ينجز الوصي ذلك بعمل نفسه أو بعمل غيره تحت إشرافه و رعايته، جاز للوصي في هذه الصورة أن يفوض تنفيذ

كلمة التقوى، ج 6، ص: 576

الوصية كلها أو تنفيذ بعضها الى غيره، و يجعله وكيلا مفوضا في التصرف و الإنجاز عنه، و خصوصا إذا كان الشخص الذي يوكل الأمر إليه أبصر منه بطرق التنفيذ و بموارد التطبيق و أدق في ملاحظة الأمور، و مراعاة المصلحة للموصي و ما هو الأصلح، و يكون عمل هذا الوكيل المفوض عملا للوصي الذي اعتمد عليه بالواسطة و قياما منه بالوصية التي وجب عليه إنجازها، و يجوز له ان يفوض ذلك الى شخص واحد كما يصح له أن يوكله إلى أشخاص متعددين، فوجد مثلا ان العمل في الوصية متعدد الجوانب و كل جانب منه يقتضي الإيكال إلى خبير يقوم بانجازه على الوجه الأتم أو الأقرب.

المسألة 138:

إذا أوصى الرجل الى أحد و عين له مصارف المال الموصى به، و الجهات أو الأشخاص التي يصرف المال فيها، و نسي الوصي المصارف المعينة للمال، فقد يتردد بين جهات غير محصورة، فلم يدر انه أوصى بصرف المال في الفقراء أو في السادات أو في اليتامى أو في طلاب العلم أو في مصالح المساجد و هكذا، و حكمه في هذه الصورة أن يصرف المال الموصى به في وجوه البر التي يحتمل أن الموصى قد عينها له في الوصية، و لا يكفي صرفه في الوجوه غير المحتملة من وجوه البر، و كذلك إذا تردد بين أشخاص

غير محصورين، فينفق المال في وجوه البر على الأشخاص الذين يحتمل شمول الوصية لهم.

و قد يتردد الوصي بين جهات محصورة العدد أو بين أشخاص محصوري العدد، و لا يبعد أن يكون الحكم في ذلك هو الرجوع الى القرعة، فيصرف المال في الجهة التي تعينها القرعة من تلك الجهات، و على الشخص الذي تعينه القرعة من أولئك الأشخاص.

المسألة 139:

قد يوصي الإنسان الى أحد و يجعل على وصيه ناظرا يشترط على الوصي أن يكون ذلك الناظر مشرفا على عمله بالوصية و على تنفيذه لها، فإذا قبل الوصي الوصية و الشرط، أو علم بالوصية المشروطة و لم يردها حتى مات الموصى، أو ردها و لم يبلغه خبر الرد حتى مات،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 577

لزم الوصي أن يعمل بالوصية و ان يطلع الناظر على عمله حتى يكون عالما بتنفيذ الوصية، و لا يصح له أن يعمل بها بغير علم الناظر و اطلاعه، و إذا فعل كذلك كان مخالفا للوصية المشروطة، و كان عمله بغير اذن الموصى.

و الغرض من نصب هذا الناظر هو أن يحصل الوثوق بأن الوصي قد أنجز الوصية حسب ما قرر الموصى، فإذا خالف الوصي الوصية اعترض عليه.

المسألة 140:

لا موضوعية لرأي هذا الناظر نفسه، فلا يجب على الموصى أن يتبع رأيه في التنفيذ، بل المدار أن يعلم بأنه نفذ و لم يخالف، فإذا كان من بنود الوصية أن يدفع الوصي مبلغا من المال الى فقير مثلا، و أراد الوصي دفع المبلغ إلى إبراهيم، و كان الناظر يرى أن دفعه الى خالد أولى أو أرجح، لم يجب على الوصي أن يعمل برأي الناظر، فإذا دفع المبلغ إلى إبراهيم كما رأى صح تصرفه و ليس للناظر أن يعترض عليه في ذلك، إلا إذا كان الدفع إلى إبراهيم يخالف الوصية فيلزم الناظر الاعتراض في ذلك، و لا يصح للوصي فعله لمخالفته الوصية لا لمخالفة رأي الناظر.

المسألة 141:

و قد يوصي الإنسان و يجعل على وصيه ناظرا، و يشترط على الوصي أن يكون عمله بالوصية موافقا لرأي الناظر و ما يرجحه من الأمور و المصالح و الجهات، فيجب على الوصي العمل بالوصية المشروطة كذلك فإذا رأى الناظر رأيا أو رجح أمرا وجب على الوصي الأخذ به و العمل على وفقه، فإذا رآى الناظر أن دفع المبلغ الى خالد أرجح في المثال الآنف ذكره لزم على الوصي ان يدفع المبلغ اليه، و إذا عمل بغير رأي الناظر كان مخالفا للوصية المشروطة و لما أذن به الموصى.

المسألة 142:

جعل الناظر على الوصي وصية خاصة اليه بذلك، فإذا ردها الناظر في حياة الموصى و بلغه الرد قبل موته لم يجب على الناظر القيام بالنظارة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 578

التي أوصى اليه بها، و إذا مات الموصى و لم يرد الناظر وصيته، أو ردها في حياته و لم يبلغه الخبر حتى مات لزمه القيام بالنظارة كما هو الحكم في الوصية، سواء كان الناظر من القسم الأول أم من القسم الثاني الآنف ذكرهما، و لا وظيفة له غير ذلك الا أن يضيف الموصى إليه وظيفة أخرى تتعلق بوصيته.

المسألة 143:

لا تجب على الناظر ممانعة الوصي عن ان يخون وصيته أو يخالفها أو يفرط فيها، نعم يجب عليه تنبيهه على المخالفة و الاعتراض عليه إذا كان ذلك مما تقتضيه نظارته عرفا، فإذا خان الوصي بعد التنبيه و خالف الوصية لم يكن الناظر ضامنا و لا آثما.

و إذا لزمه التنبيه و لم ينبه و لم يعترض كان آثما و لا ضمان عليه، و كذلك إذا كان من القسم الثاني و لم يبد رأيه الذي يراه صحيحا كان آثما.

المسألة 144:

إذا جعل الموصى على وصيه ناظرا بأحد الوجهين المتقدم ذكرهما ثم مات الناظر وجب على الوصي الرجوع الى الحاكم الشرعي ليجعل عليه ناظرا أو ليقوم له بنفسه بالنظارة.

المسألة 145:

تقدم في المسألة الحادية و الأربعين انه يجوز للأب و الجد أبى الأب أن يجعل قيما على أولاده أو أولاد ولده القاصرين، و لا يصح للأب أن يجعل قيما على أولاده إذا كان الجد موجودا، و لا يصح للجد أن ينصب قيما على أولاد ولده مع وجود أبيهم، و لا يصح للأم أن تجعل قيما على أطفالها حيث لا ولاية لها عليهم.

المسألة 146:

يشترط في الشخص الذي يجعل قيما على القاصرين أن توجد فيه جميع الشرائط التي ذكرناها للوصي، و لا يعتبر فيه أن يكون عادلا بل يكفي فيه أن يكون أمينا موثوقا كما ذكرنا في المسألة المائة و الثالثة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 579

عشرة، و يشترط في صحة تصرفه وجود المصلحة فيه فلا يكفي في الصحة عدم المفسدة كما هو في ولاية الأب و الجد.

المسألة 147:

يصح للأب أو الجد أن ينصب قيمين أو أكثر على أولادهما القاصرين على الوجه الذي بيناه في الوصية الى أكثر من واحد، فيجعلهما قيمين على نحو الانضمام أو الاستقلال و تراجع المسألة المائة و العشرون و ما يلحق بها، فان تفاصيل الفروض المذكورة فيها تشمل المقام، و يصح له أن يجعل كلا منهما قيما في جهة غير جهة الآخر، أو يجعل أحدهما قيما على بعض الأطفال و ثانيهما قيما على الآخرين.

المسألة 148:

يجوز لمن ينصب قيما على القاصرين، أن يجعل على القيم ناظرا يجب ان يطلعه على تصرفه في أمور المولى عليهم و أموالهم، أو ناظرا يجب عليه أن يعمل برأيه في تصرفاته كما هو الحال في الناظر على الوصي.

المسألة 149:

إذا جعل الموصى قيما على أطفاله القاصرين و أطلق له الولاية عليهم، و لم يقيدها بجهة معينة، فقال له: جعلتك قيما بعد موتي على القاصرين من أولادي، جاز للقيم بعد موت الموصى أن يتولى جميع الشؤون التي تتعلق بالمولى عليهم و التي كانت في ولاية الموصى أيام حياته، فيقوم بتربيتهم و حفظهم و صيانتهم عما يريب و يشين و يوجههم الى ما يحسن و يحمد، و يتولى حفظ أموالهم و اجراء المعاملات عليها عند الحاجة من بيع و اجارة و مزارعة و استيداع و تعمير و غير ذلك مما يوجب حفظ المال و صيانته و نماءه و زيادته، و يتولى الإنفاق عليهم و على من يعولون به ممن تلزمهم نفقته و يستوفي ديونهم و حقوقهم من الناس، و يفي ما يلزمهم من ديون و حقوق و ضمانات و أروش، و يجوز له أن يؤجرهم لبعض الأعمال التي يحسنون القيام بها مما يليق بهم، و يعالجهم إذا احتاجوا الى العلاج، و يسافر بهم إذا رجح أو جاز لهم السفر، و غير ذلك مما يجوز لأبيهم أو جدهم أن يتولاه من أمورهم، و يراجع مبحث أولياء العقد من كتاب النكاح في ما يتعلق بتزويجهم.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 580

المسألة 150:

إذا جعل الموصى قيما على القاصرين، و عين له جهة أو جهات خاصة يتولاها من أمورهم و ترك الباقي من الجهات صح للقيم بعد موت الموصى ان يتولى الجهة الخاصة أو الجهات التي حددها له الموصى من شؤون القاصرين و لم يجز له التعدي عنها و عما حدد له فيها، و وجب الرجوع في بقية شؤونهم الى الحاكم الشرعي يتولاها هو أو من ينصبه لذلك أو يوكله فيه،

و يصح للحاكم الشرعي أن يجعل القيم نفسه وليا على بقية الجهات إذا ثبتت لديه كفاءته لذلك.

المسألة 151:

يتحدد إنفاق القيم على الصبي بعادة أمثاله في شرفه و منزلته الاجتماعية في البلد، في كل من المأكل و المشرب و الملبس و المسكن، فإذا زاد القيم في الإنفاق من مال الطفل على ذلك كان ضامنا للزائد، و إذا قتر ففاضل النفقة الذي يحصل من التقتير ملك الصبي. و قد تحدده الضرورة بأقل من ذلك فتجب على القيم مراعاتها، و مثال ذلك أن يفتقر الغني الشريف ذو المنزلة، فإذا أطعم الصبي أو ألبس كما تقتضيه عادته و عادة نظرائه لم يتسع لذلك ماله الموجود، و إذا اتسعت أموال الصبي الفقير، فإن أوجب ذلك تحولا في منزلته و مكانته في نظر العقلاء جاز للقيم أن يوسع في الإنفاق عليه و ان لم يوجب له شيئا مضى معه على سيرته الأولى.

المسألة 152:

قد تقتضي مصلحة القاصر ان يشتري القيم له شيئا بأكثر من ثمن المثل، فإذا اشترى له متاعا معينا بمائتي دينار مثلا، و كان المتاع عزيز الوجود في السوق و قيمته لو وجد مائة و خمسون دينارا، ثم انقطع وجوده في الأيام اللاحقة، و باعه القيم للطفل بثلاثمائة دينار، فربح مائة دينار صحت المعاملات عليه في شرائه و بيعه. و إذا احتاج الطفل الى دار يسكنها و هي عزيزة الوجود كذلك، و وجدها القيم بعد الفحص فاشتراها للطفل بألفي دينار مثلا، لندرتها و شدة الحاجة إليها، و قيمتها في ذلك اليوم لولا هذه الناحية ألف و ثمانمائة دينار،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 581

ثم أصبحت بعد ذلك تساوي ثلاثة آلاف دينار أو أكثر، فالأقوى صحة المعاملة في مثل هذه الفروض، و المدار في الصحة على وجود المصلحة في نظر العقلاء لا على وجود المصلحة في معتقد القيم نفسه،

و قد ذكرنا هذا في المسألة المائة و العاشرة من كتاب التجارة في فصل شرائط المتعاقدين.

الفصل الخامس في بعض أحكام الوصية

المسألة 153:

إذا بلغ الصبي المولى عليه الحلم و رشد، فطالب القيم بماله الذي كان في يده، و ادعى القيم أنه أنفق بعض المال عليه في أيام صغره، أو أنه أنفق الجميع عليه في تلك الأيام، و أنكر المولى عليه انه أنفق عليه شيئا منها، فالقول قول الولي مع يمينه، الا ان يقيم الصبي بينة على صحة ما يدعيه، و كذلك الحكم إذا ادعى المولى عليه أن القيم قد أسرف في الإنفاق عليه، فيكون ضامنا للزيادة في الإنفاق، و أنكر القيم انه أسرف، فالقول قول القيم مع يمينه الا أن يثبت الصبي صحة مدعاه، و يجري مثل ذلك في غير الوصي من الأولياء كالأب و الجد إذا اختلف مع المولى عليه بعد بلوغه في أصل الإنفاق أو في الإسراف، و قد مر هذا في المسألة الخامسة و التسعين من كتاب الوكالة.

المسألة 154:

إذا ادعى المولى عليه بعد بلوغه و رشده ان القيم قد باع داره أو بعض أمواله من غير ضرورة أو مصلحة تعود إليه في بيعها فيكون مفرطا ضامنا أو تكون معاملته غير صحيحة و أنكر القيم قوله، فالقول قول القيم مع يمينه، لأنه أمين.

المسألة 155:

إذا طالب المولى عليه القيم بالمال بعد بلوغه و رشده، فادعى القيم انه قد دفع المال اليه بعد بلوغه و أنكر المولى عليه ذلك، فالقول قول المولى عليه المنكر مع يمينه، الا ان يثبت القيم صحة ما يدعيه، و يجري

كلمة التقوى، ج 6، ص: 582

هذا الحكم في غير القيم من الأولياء إذا اختلف مع المولى عليه في ذلك، و قد مر هذا في المسألة الرابعة و التسعين من كتاب الوكالة.

المسألة 156:

يجوز للقيم على اليتيم إذا تولى أموره و التصرف في أمواله أن يأخذ من مال اليتيم مقدار أجرة المثل لعمله، و هذا إذا كان القيم فقيرا و كان عمله مما له أجرة في نظر أهل العرف، و يشكل الحكم بجواز أخذه إذا كان غنيا، و الأحوط له اجتناب ذلك، و إذا كان العمل مما ليس له أجرة في المتعارف بين الناس لم يجز للقيم أن يأخذ عليه شيئا سواء كان فقيرا أم غنيا.

المسألة 157:

إذا عين الموصى للقيم أجرة على عمله في مال اليتيم ثبتت له سواء كان فقيرا أم غنيا، و سواء كانت بمقدار أجرة المثل أم أقل منها أم أكثر، و أخرجت من ثلث الموصى، و إذا كانت أكثر من الثلث لم تنفذ في ما زاد عليه الا بإجازة الوارث.

المسألة 158:

إذا كانت الأجرة التي عينها الموصى للقيم أقل من أجرة المثل لعمله و كان فقيرا، فان كان قد قبل بذلك بعد اطلاعه على مقدار الأجرة، فليس له أن يطالب بأكثر منها، و ان هو لم يطلع على مقدار الأجرة أو اطلع عليه و لم يقبل و لم يرد قبل موت الموصى أشكل الحكم في ذلك، و الاستعفاف له أحوط.

المسألة 159:

إذا جعل الإنسان أحدا وصيا من بعده على تنفيذ وصاياه، فقد يصرح في وصيته أن الوصي يتولى العمل بالوصية مجانا من غير أجرة، فإذا علم الوصي بالوصية كذلك، و لم يرد الوصية، أو ردها بعد موت الموصى أو ردها في حياته و لم يبلغه الخبر حتى مات، لزمه العمل بالوصية و لم يستحق على عمله أجرة، على اشكال في بعض الصور.

و كذلك الحكم إذا دلت القرينة الحافة على ذلك دلالة ظاهرة عند العقلاء، كما إذا أوصى الرجل بجميع ثلثه أو أوصى بتقسيمه في

كلمة التقوى، ج 6، ص: 583

وجوه عينها تمليكا أو تبرعا، و لم يبق من الثلث شي ء ليعطى أجرة للوصي، فيجري فيه الحكم المتقدم.

و إذا أوصى اليه و لم يصرح بأن يكون عمله بالوصية مجانا، و لم تدل القرينة على ذلك، و كان عمله مما له أجرة عرفا، استحق عليه أجرة المثل، و جاز له ان يأخذها من الثلث.

المسألة 160:

إذا أوصى الرجل الى أحد أن يصلي عنه مثلا أو يصوم، لم يجب على الوصي قبول الوصية، و ان لم يعلم بها الا بعد موت الموصى، فلا يجب عليه العمل بالوصية سواء جعل له على العمل أجرة معينة أم لم يجعل له شيئا.

و إذا أوصى اليه أن يصلي عنه أو يصوم أو يحج مجانا، و قبل الوصية بذلك في حياة الموصى وجب عليه العمل بالوصية و يشكل جواز ردها بعد الوفاة إذا قبلها في حياة الموصى.

المسألة 161:

إذا أوصى الرجل الى أحد أن يصلي عنه بعد موته مدة معينة، أو أن يصوم عنه شهرا مثلا أو أن يحج عنه، و عين له أجرة معينة، فقال له: صل عني مدة سنة بمائة دينار، و قبل منه ذلك في حياته صح ذلك اجارة و لزمه الوفاء بها، فإذا أتى بالعمل استحق عليه الأجرة المعينة، و كذلك إذا قال له: حج عني بمائتي دينار و قبل ذلك عنه، و إذا لم يحصل القبول في حياة الموصى، لم تلزمه الإجارة، و كذلك إذا كانت الأجرة غير معلومة.

المسألة 162:

يجوز للموصي أن يلغي وصيته التي أوصى بها عن الاعتبار فيسقط وجوب العمل بها و لا يستبدل مكانها وصية أخرى، و يجوز له أن يعدل عنها الى غيرها ما دام موجودا، فيبدل جميع بنودها التي أوصى بها ببنود جديدة أخرى أو يبدل بعضها و يبقى بعضا، أو يسقط بعضها و يبقى بعضا، فتلغى وصيته الأولى و تصح وصيته الثانية إذا كان جامعا للشرائط المعتبرة في الموصى.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 584

فيصح له أن يبدل الوصي بوصي غيره أو يضمه اليه، و أن يبدل الأشياء أو الأعيان أو المقادير التي أوصى بها من المال بأشياء أو أعيان أو مقادير أخرى، و أن يغير الشخص أو الأشخاص أو الجهات التي أوصى لها إلى أشخاص و جهات غيرها، و يجوز له أن يجعلها تمليكية بعد أن كانت عهدية أو بالعكس، و أن يدخل على الوصية أو على بعضها تعديلات أو اضافات جديدة يرتضيها.

و إذا عدل عن بعضها بقيت الوصية صحيحة يجب تنفيذها في البعض الآخر الذي لم يعدل عنه، و يجري في الوصية الجديدة التي عدل إليها كلا أو بعضا أو أجرى

التعديل فيها جميع ما ذكرناه من الأحكام و الآثار للوصية الأولى.

المسألة 163:

يجوز للموصي أن يعدل عن وصيته بالولاية على القاصرين، فيبدل القيم بقيم آخر، أو يضمه اليه أو يجعل عليه ناظرا، أو يجعل له منهجا آخر في تصرفه في أموال الطفل، أو يقيد ولايته عليه بقيود، أو يطلقها من بعض القيود المذكورة في الوصية الأولى.

المسألة 164:

إذا كان الوصي أو القيم قد رد الوصية الأولى للموصي فلا يعني هذا انه رد الوصية الثانية التي عدل إليها فإذا هو لم يرد الثانية حتى مات الموصى وجب عليه العمل بها و ان كان قد رد وصيته الأولى.

المسألة 165:

يحصل الرجوع عن الوصية إذا قال الموصى: رجعت عن وصيتي، أو عدلت عنها أو اسقطتها، أو لا يعمل بتلك الوصية بعد موتي، و أمثال ذلك من الألفاظ الدالة عليه في متفاهم أهل المحاورة.

و قد يحصل الرجوع عنها بالفعل، كما إذا فعل الموصى فعلا أو أجرى معاملة تضاد الفعل الذي أوصى به، فباع العين التي أوصى بوقفها، أو بتمليكها لأخيه زيد، أو وكل أحدا في بيعها، و كما إذا أوصى بتمليك ثلثه لزيد بعد وفاته بعد أن كان قد أوصى بصرفه في الخيرات، أو بالعكس.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 585

المسألة 166:

لا يحدد وجوب العمل بالوصية بمضي مدة معينة قصيرة أو طويلة، فإذا أوصى الموصى ثم مات بعد ذلك بمدة قليلة وجب تنفيذ وصيته، و إذا بقي بعد الوصية سنين متطاولة ثم مات، وجب العمل بها بعد موته إذا هو لم يرجع عنها، و مثله ما إذا لم يعلم برجوعه عنها، فإذا شك في انه رجع عن وصيته أم لا، بني على عدم الرجوع، و نفذت الوصية.

المسألة 167:

إذا مات الرجل و هو يملي وصاياه أو و هو يكتبها، و كان تام الشعور في ذلك الحال، وجب تنفيذ كل وصية قد أتم بيانها و انعقد ظهورها في المعنى المقصود منها، و سقطت الوصية التي لم تتم و لم يتضح جميع المراد منها، الا أن يكون قد ذكرها أولا تامة للشهود، ثم انقطع عن ذكرها عند الكتابة أو الإملاء، فينفذ ما تشهد به الشهود.

المسألة 168:

قد تعرض للشخص بعض الأسفار المخيفة أو بعض الأمراض الخطرة فيوصي ببعض ما يهمه من الأمور، و يقيد وصيته بالموت في ذلك السفر أو بسبب ذلك المرض، فيقول: إذا أنا مت في هذا السفر أو في هذا المرض فوصيي من بعدي فلان، و عليه أن يفعل كذا، فإذا مات الموصى في سفره أو في مرضه وجب العمل بوصيته، و إذا لم يمت في السفر أو المرض الذي قيد به وصيته، سقطت الوصية و لم يجب العمل بها.

و إذا لم يقيد الوصية بالموت في ذلك السفر أو بسبب ذلك المرض، بل كان خوف الموت فيهما داعيا له إلى الوصية بما يهمه، كما هو الظاهر من حال الذين يسافرون الى الحج أو الى أماكن أخرى بعيدة و في طرق غير مأمونة، أو يقعون في أمراض شديدة، فالأقرب وجوب العمل بالوصية و ان لم يمت في سفره أو في مرضه المعين، بل و ان بقي بعد ذلك مدة طويلة، إلا إذا عدل عن وصيته تلك.

المسألة 169:

تثبت الوصية بالقيمومة على القاصرين أو على أموالهم بشهادة رجلين

كلمة التقوى، ج 6، ص: 586

عادلين، و تثبت كذلك بإقرار الموصى نفسه بأنه قد جعل زيدا قيما على أولاده الصغار أو على أولاد ولده، و لا تثبت بغير ذلك من المثبتات للوصايا المالية الآتي ذكرها، و كذلك الحكم في الوصية إليه بأن يقوم بتنفيذ وصيته المالية أو العهدية فلا تثبت إلا بالبينة العادلة أو بإقرار الموصى، و مثلهما نفس الوصية العهدية التي لا تتعلق بالمال.

المسألة 170:

تثبت الوصية بالمال سواء كانت تمليكية أم تبرعية بشهادة مسلمين عادلين، و تثبت بشهادة مسلم واحد عادل مع امرأتين مسلمتين عادلتين، و بشهادة مسلم واحد عادل مع يمين الموصى له، و هي بهذه المثبتات تشترك مع سائر الدعاوي المالية المعروفة.

المسألة 171:

تختص الوصية بالمال بأنها تثبت أيضا بشهادة النساء منفردات عن الرجال، فإذا شهدت بالوصية المالية المرأة مسلمة عادلة ثبت بشهادتها ربع المال الموصى به، و إذا شهدت بها امرأتان مسلمتان عادلتان ثبت بشهادتهما نصف المال، و إذا شهدت بها ثلاث نساء مسلمات عادلات ثبت بشهادتهن ثلاثة أرباع المال، و إذا شهدت بها أربع نساء مسلمات عادلات ثبت بشهادتهن جميع المال الموصى به.

و تختص الوصية بالمال بأنها تثبت بشهادة رجلين من أهل الذمة عادلين كذلك في دينهما، و هذا انما يكون عند الاضطرار و عدم وجود العدول المسلمين من الرجال و النساء لسفر أو غيره.

المسألة 172:

إذا أقر الورثة كلهم بأن مورثهم قد أوصى بثلثه أو ببعضه وصية تمليكية لشخص أو لأشخاص معلومين أو أوصى بصرف ثلثه في جهة أو جهات معينة أو غير معينة و كان الورثة المقرون بالغين راشدين، ثبتت الوصية بإقرارهم و وجب تنفيذها و العمل بها.

و إذا أقر بالوصية بعض الورثة دون بعض و كان في المقر منهم شخصان عادلان أو أكثر، ثبتت الوصية كذلك سواء كانت تمليكية أم

كلمة التقوى، ج 6، ص: 587

تبرعية أم عهدية غير مالية، و وجب تنفيذ المالية في حصص المقرين و غيرهم حتى حصص القاصرين منهم.

و إذا أقر بالوصية بعض الورثة دون بعض، نفذت الوصية في حصص المقرين منهم، و إذا كان في المقرين منهم رجل عادل و كانت الوصية تمليكية، أمكن أن يضم يمين الشخص الموصى له إلى شهادة ذلك العادل و تثبت بهما الوصية له حتى في حصص الآخرين و القاصرين، و إذا تعدد الموصى لهم و حلف بعضهم و لم يحلف الآخر ثبتت الوصية لمن حلف و لم يثبت الوصية للآخر، و إذا أقرت

بالوصية المالية من الورثة امرأة مسلمة عادلة نفذت الوصية في حصتها، و نفذت في الربع من حصص الباقين، و إذا أقرت بالوصية منهم امرأتان مسلمتان عادلتان، نفذت الوصية في حصتيهما و في النصف من حصص الآخرين، و إذا أقرت منهن ثلاث نساء عادلات، نفذت الوصية في حصصهن و في ثلاثة الأرباع من حصص غيرهن، و إذا أقرت بها من الورثة أربع نساء عادلات نفذت الوصية في الجميع.

المسألة 173:

ليس من الوصية أن ينشئ إيقاعا أو عقدا و يعلقه على موته، فيقول: داري هذه وقف على الفقراء بعد موتي، أو يقول: وقفت عمارتي هذه بعد موتي مدرسة لطلاب العلم، أو يقول للمدين: أنت بري ء الذمة بعد وفاتي من ديني الذي استحقه عليك، أو يقول: بعت هذا البستان على زيد بعد موتي بألف دينار، أو ينشئ غير ذلك من الإنشاءات المعلقة على الوفاة، فتكون باطلة للتعليق، و لا تكون من الوصية، ليجب على الورثة تنفيذها بعد الموت.

و الوصية الصحيحة أن يعهد لوصيه أو لوارثه أن يتولى وقف الدار أو العمارة بعد موته، أو أن يبرئ ذمة المدين أو يبيع البستان بعد وفاته، فتصح و يجب تنفيذها إذا توفرت شروط الوصية.

المسألة 174:

يعتاد كثير من الفقهاء قدس اللّه أرواحهم أن يلحقوا في كتاب الوصية أحكام التصرفات التي يقوم المريض بتنجيزها في مرضه الذي يموت

كلمة التقوى، ج 6، ص: 588

فيه و يسمونها بمنجزات المريض، و يلحقوا بها أحكام إقراره بالدين أو ببعض الأمور الأخرى، و قد تعرضنا لتفصيل ذلك و تبيين أحكامه في الفصل الرابع من كتاب الحجر، فليرجع اليه من يريد.

و الحمد للّه رب العالمين و أفضل صلواته و تسليماته و رحماته و بركاته على سيد المرسلين و آله المطهرين.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.